سيضحك روّاد مهرجان تورونتو المنطلق في الخامس من سبتمبر (أيلول) وحتى
السابع عشر منه عندما يقول وودي ألن لشريكه في بطولة «الجيغولو الباهت» جون
تورتورو، «أتعلم؟ النادلات في المقاهي يتقاسمن البخشيش»، هذا يحدث عندما
يعلم ألن، الذي يؤدي في الفيلم دور صاحب مكتبة لا يقصدها أحد لموظّفه
الوحيد، أن موظفه قبض علاوة عن الأجر المتفق عليه عندما عرض خدماته
العاطفية على امرأة تجاوزت سن الشباب (شارون ستون في «عودة»). يريد أن
يقاسمه تلك العلاوة (أو البخشيش) فيذكر له نظام النادلات في المطاعم.
ألن، الذي تناولناه هنا قبل أسبوعين، لا يخرج هذا الفيلم (بل جون
تورتورو هو من يحتل هذا المنصب) لكن اسمه المحتفى به أضيف على قائمة الضيوف
الذين سيؤمّون المهرجان الكندي في الشهر المقبل. «الجيغولو الباهت»
Fading Gigolo هو واحد من حفنة من الأفلام تم إضافتها إلى البرنامج الزاخر لمهرجان
يراه البعض على أنه مستقبل المهرجانات كلها في حين ينظر إليه البعض الآخر
على أنه ظاهرة غريبة بين ظواهر المهرجانات الدولية. واحد بلا مسابقة وبلا
لجنة تحكيم. يجمع قسما كبيرا من أفلامه من المهرجانات الكبرى الأخرى ويضيف
إليها بعضا من «البرمييرات» العالمية الخاصة به.
إنها المناسبة الثامنة والثلاثون لهذا المهرجان الذي بدأ بالفعل
كمهرجان يجلب أفلامه من جولات مبرمجة على المهرجانات التي سبقته خلال
العام. من برلين إلى موسكو ومن لوكارنو إلى هونغ كونغ ومن كان إلى سان
سابستيان، اعتاد المهرجان الكندي حتى حين ليس بالبعيد أن يسمي نفسه «مهرجان
المهرجانات». وبالفعل لم تكن عروضه القائمة على غالبية من الأفلام
المستعارة من المهرجانات الأخرى نوع من الكسل أو اللطش، بل توسّم المهرجان
بأن جمهور تورونتو وجوارها من الوافدين من شمالي أميركا الذين لم يتسن لأحد
منهم أن توجه إلى تلك المهرجانات العالمية الأخرى (أو ربما فاته بعضها)
سيجد في المجموعة التي تم تشكيلها من أفلام تلك المهرجانات المناسبة الأمثل
لمشاهدتها في مكان واحد.
الحال استمر على هذا النحو إلى أن قررت إدارة المهرجان أن تدخل سن
الرشد ففتحت الباب على كل من لديه فيلم لم يتسن له عرضه في المهرجانات
الأخرى.
صار، من هذا المنظور منافسا لمهرجانات أوروبية، وخصوصا مهرجان فينيسيا
الذي ينطلق قبله ببضعة أيام فقط، إذ وجدت هذه المهرجانات من يفضل تورونتو
عليها - إن لم يكن لغاية، فلأن تورونتو يقف على بابين يؤديان إلى احتمالات
كبيرة: الأول يؤدي إلى احتمال توزيع الفيلم تجاريا في الولايات المتحدة
وكندا، والثاني يؤدي إلى احتمال دخوله مسابقات الموسم من الجوائز الرئيسة.
فتورونتو ينطلق في الزمان والمكان المناسبين لمرحلة الربع الأخير من السنة.
نجوم الموسم لا يمكن وصف دورة هذا العام من تورونتو إلا بكلمة
«زاخرة». فيلم الافتتاح سيكون دراما بعنوان «الولاية الخامسة»، حول مؤسس «ويكيليكس»
جوليان أسانج الذي يؤديه بندكت كمبرباتش مع لورا ليني وستانلي توشي وهو من
إخراج بل كوندون. فيلم الختام يحمل عنوان «حياة من الجريمة» حول مجرمين
(أبيض وأسود) يخطفان زوجة ثري عقارات مقابل فدية. الفيلم من إخراج دانيال
ششتر وبطولة جون هوكس وموس دف وجنيفر أنيستون وهو مأخوذ عن رواية لإلمور
ليونارد الذي استعارت هوليوود منه الكثير من الحبكات البوليسية حتى الآن.
ما بين الافتتاح والختام تهطل تورونتو أفلاما لا يمكن حصرها في كلمات
وافية من بينها عدد من الأفلام التي سترى نور العرض قبل أيام قليلة في
الدورة السبعين من مهرجان فينيسيا. أحد أهم هذه الأفلام هو فيلم افتتاح
المهرجان الإيطالي وهو «جاذبية»
Gravity
لمخرجه ألفونسو كوارون ومن بطولة ساندرا بولوك وجورج كلوني اللذين سيطيران
من جزيرة ليدو الإيطالية (حيث يُقام مهرجان فينيسيا) إلى تورونتو للمكوث
أمام الصحافيين والمصوّرين.
لكن هذا لا يعني أن أفلام فينسيا ستطير إلى تورونتو بكاملها. لدى
المهرجان الكندي بضعة أعمال خاصّة به هذا العام من بينها
The Love Punch للمخرج البريطاني جووَل هوبكنز مع بيرس بروسنان وإيما تومسون في
البطولة. من بريطانيا أيضا فيلم تقع أحداثه خلال الحرب العالمية الثانية
بعنوان «رجل سكة القطار» مع كولين فيرث ونيكول كيدمان في البطولة.
النجوم اليوم عماد المهرجانات (أو بعضها على الأقل) والأمر لا يختلف
كثيرا في تورونتو، إلا من حيث أنه الأكبر حين يأتي الأمر لإحصاء عدد النجوم
الأميركيين المشاركين. لجانب المذكورة أسماؤهم سنجد، مثلا، راف فاينز وهو
يقدّم رواية تشارلز ديكنز «المرأة المخفية» من بطولة فيليسيتي جونز وكرستن
سكوت توماس.
مارك روفالو وهايلي ستاينفلد وكيرا نايتلي سيصلون معا لتقديم «هل
تستطيع أغنية واحدة أن تنقذ حياتك؟». هيو جاكمان، الذي يتساءل حاليا أين
ذهب جمهور «وولفرين» بعدما سقط الفيلم في عروضه، سيحضر عن فيلم «سجناء»
الذي يشاركه بطولته (وحضوره) كل من فيولا ديفيز وجايك جيلنهال. ريز وذرسبون
من ناحيتها ستخاطب المشاعر الإنسانية في فيلم يدور حول الايدز بعنوان
Dallas Buyers Club
ومعها فيه كل من ماثيو مكنوهوفي وجنيفر غارنر.
وكيانو ريفز سيقدّم فيلمه الأول كمخرج ذاك الذي صوّره في الصين تحت
عنوان «رجل تاي تشي». رغم ذلك سيواصل تورونتو في الوقت نفسه استعاراته. فمن
«كان» الأخير سيعرض أفلام هاني أبو أسعد «عمر» وجيم يارموش «فقط العشاق
عاشو» وأصغر فرهادي «الماضي» من بين أخرى.
* الميدان المصري
* من بين الأفلام العربية القليلة التي تحظى بالعرض خلال تورونتو
المقبل فيلم تسجيلي للمخرجة المصرية جيهان نجيم بعنوان «الميدان» الذي يرصد
ما حدث ولا يزال في ميدان التحرير. المخرجة برزت إلى العلن مكوّنة اسما
لافتا في عالم السينما التسجيلية عندما قامت بمعاينة «ظاهرة» محطة
«الجزيرة» سنة 2004 في فيلم «كونترول روم». هذا ثاني فيلم يطرح موضوعا
عربيا لها.
بين الأفلام
(*1)2-Kick-Ass
* الفيلم الذي تبرأ جيم كاري منه لعنفه هو الجزء
الثاني من سلسلة تعد بجزء ثالث إذا ما وافق الجمهور العريض عليه. كليو
مورتز هي الفتاة الشابّة التي تنطلق في الحياة لتواجه كل خصم وشرير في حياة
ما عاد بالإمكان الثقة بأن السلطات الأمنية تستطيع أن تقوم بواجباتها. إنه
فإنتازيا بذيئة الكلمات والمواقف يراد لها أن تحارب الخطأ بالخطأ مع قليل
من الفكاهة المصنوعة لتثير الشباب. واحد من الأمثلة يتمحور حول فشل عملية
اغتصاب لمجرد أن المغتصب لم يستطع أن ينجز المهمّة لعطل فيه فيتحوّل إلى
نكتة، كما لو أن كان عليه أن يؤدي ما أراد ليرفع من معنوياته على الأقل!
(عروض دولية).
(*3)Planes
* الطائرة القديمة تبز الطائرات الحديثة في خانتي المناورات والسرعة
في هذا الفيلم الأنيماشن المصنوع على غرار فيلم «سيارات» الذي كان حقق
نجاحا كبيرا. الرغبة في إثارة قدر من النوستالجيا ما زالت موجودة ولو
بمعيار أقل. ما هو مفقود أن الفيلم السابق (الذي دارت أحداثه على الأرض)
توجه إلى الصغار والكبار على حد سواء. هذا الفيلم، بتقنيته الجيّدة لكن غير
المتميّزة، يكتفي بالتوجه إلى الصغار وحدهم. هم من سيقدّره أفضل من سواهم
بالتأكيد (عروض: دولية).
(*4)Crashout
* غريب أمر بعض المخرجين. لويس ر. فوستر، مخرج هذا الفيلم، كتب وأخرج
نحو مائة فيلم لكن لا أحد يعرفه. ربما اختيار هذا الفيلم المصنوع سنة 1955
المطروح على إسطوانات لأول مرّة يبدّل ولو قليلا من هذا الطالع. فيلم نوار
حول ستة مساجين هاربين تربطهم مصلحة واحدة: الوصول إلى حيث خبأ أحدهم 180
ألف دولار حصيلة سرقة مصرف قام به. الطريق طويلة وصعبة والخلافات كثيرة ما
يخلق تشويقا فاعلا من المشهد الأول حتى الأخير (DVD).
شاشة الناقد
وحوش تأكل فيلما
الفيلم:
Pacific Rim
إخراج: غويلرمو دل تورو تمثيل: تشارلي هونام، إدريس إلبا، رينكو كيكوشي
النوع: خيال علمي | الولايات المتحدة - 2013 تقييم: (*1)(من خمسة) ربما وضع
نجمة واحدة تقييما رمزيا لهذا الفيلم يحمل بعض التعسّف لكن فقط من ناحية
أنني شاهدت «باسيفيك ريم» بالأبعاد الثلاثة إذ لم تكن في الجوار نسخة
بالبعدين التقليديين التي كانت ستمنح الفرصة للتمعن أكثر في المضمون وتحد
من تدخل التقنيات والميكانيكيات ما يرفع مستوى الفعل البشري ولو بعض الشيء.
لكن هذا بدوره ليس مضمونا. فيلم دل تورو الجديد هو تعبير عن شغف مقصود
بالفيلم المضج صوتا وصورة والذي لا عليه أن يتعمق لأكثر من سنتيمتر واحد في
شخصياته. هي هناك كما لو كانت مؤسسة على الغرافيكس وليست - في الأساس -
بشرية تلتقط أنفاسها بين كل لقطة مؤثرات بصرية وأخرى.
الصراع في هذا الفيلم، وليس هناك فيلم من دون صراع، هو بين وحوش
أسطورية عرفتها السينما اليابانية باسم كايجو (من أشهر رعيلها طبعا
غودزيللا). هذه تخرج من أعماق المحيط الباسيفيكي (سر العنوان) وتهاجم المدن
لتدكها. القوى التقليدية لا تستطيع أن تصدّها فتصنع وحوشا ميكانيكية عملاقة
هي الأخرى يقود كل منها ملاحان. شرط نجاح الوحش الميكانيكي غريب إذ إن على
عقل كل من هذين الملاحين أن يلتحم بالآخر كشرط أساسي لتأدية الغاية وإلا
فإن الكايجو سيفتك بالعملاق الميكانيكي ومن فيه. ونرى مثالا على عدم
الالتحام عندما يوافق ملاح (تشارلي هونام) كان خسر شقيقه على أن تشاركه
المهمّة يابانية اسمها ماكو (رينكو كيكوشي) فإذا بالمهمة تفشل لأنها لم
تنجح في الرقي بتفكيرها بعيدا عن عواطفها في مواجهة واحد من تلك المخلوقات
البحرية.
كلاهما يمتثل لقائد المنظومة المحاربة (إدريس إلبا) الذي يعاني من
تقليص موارده ما يجعله يصارح محاربيه بأنه وهم من الآن باتوا «مقاومين
خاصين». تتساءل من أين يأتيه التمويل، لكن تقرر أن تغلق الباب على هذا
السؤال لأنه سيفتح جبهة أخرى فالتة من كل جواب. من مطلع الفيلم وحتى نهايته
فإن ما تراه هو صدام من الأصوات المضجة والمشاهد التي يقصد بها أن تأتي
أكبر من مثيلاتها في الأفلام السابقة. دل تورو الذي أنجز من قبل عددا من
الأعمال الأفضل (أهمها «متاهة بان» قبل سبع سنوات) قال إنه قصد أن يقدم
فيلما لاهيا. هذا لا بأس. يمكن للترفيه أيضا أن يكون جيّدا، لكن هذا الفيلم
من النوع الذي تأكله وحوشه ومؤثراته الغرافيكية بحيث لا تترك شيئا للمشاهد
يستطيع أن يتذوّقه.
«باسيفيك ريم» لا يُضيف جديدا لما سبق. الحقيقة مشاهدة فيلم ياباني
ركيك الإخراج ومحدود الإنتاج من سلسلة «غودزيللا» هو نوع من الترفيه البريء
والمحبب قياسا على فيلم حشدت له هوليوود 180 مليون دولار ثم تفرّجت عليها
وهي تذوب في بحر من اللامبالاة التي واجهها به المشاهدون.
كان من الصعب متابعة الفيلم باهتمام الباحث في خفاياه، ليس لأنه لم
يحمل أي بعد أو مضمون يمكن تداوله أو الخوض فيه فقط، بل لأنه لم يحمل أكثر
من سلسلة من الصور المتحركة لغاية لا تحمل جديدا.
سنوات السينما
1936-
إرهاب منظم وسرقات
* كلنا عرف ألفرد هتشكوك كـ«سيد الرعب» و«سيد
التشويق»، نوعان من السينما يتعاملان مباشرة مع غريزة الخوف استطاع هتشكوك
معالجتهما بأسلوبه الخاص. لكن ما هو غير معروف إلى حد معين، حقيقة أن
هتشكوك مخرج عدد لا بأس به من الأفلام التي تعاملت ومنظمات تخريب جاسوسية
(نازية) منظّمة. «تخريب» أو
Sabotage
الذي أنجزه في هذا العام كان الثالث له في هذا المجال بعد «39 درجة» و«عميل
سري» وبعده هناك أكثر من خمسة أخرى.
«الغابة المرعبة» لآرشي مايو، الذي أشرنا إليه في
الحلقة الماضية أيضا، كان مختلفا: تشويقي مبني على حادثة سرقة يقوم بها
همفري بوغارت وصحبه يلجأون إلى مطعم ومحطة بنزين في الصحراء. كون الفيلم
مبنيا على مسرحية سمح للحوار أن يرتفع عن مستوى أفلام أخرى.
المشهد
رئيس الخدم والأربعون منتجا
* تخيل، منذ الآن، أنك تشاهد جوائز الأكاديمية
الأميركية المعروفة بالأوسكار أو البريطانية المشهورة باسم بافتا، أو تلك
التي تمنحها «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» المسمّاة بـ«غولدن غلوب». تخيل
أن الفيلم الفائز في واحدة من هذه المناسبات بجائزة أفضل فيلم هو الفيلم
الجديد «رئيس الخدم» أو كما اسمه الكامل
Lee Daniels› The Butler (وهذا هو الاسم المعتمد لتمييزه عن فيلم آخر قريب بنفس العنوان).
بالتالي، ستتوقع صعود منتجيه على المنصة لاستلام الجائزة التي عادة ما تذهب
إلى الإنتاج وليس إلى الإخراج، ستتوقع أن يصعد منتج أو منتجان أو حتى أربعة
أو خمسة. أفلام اليوم تحتاج إلى هذا العدد أحيانا خصوصا أنها تتقلب كثيرا
فوق فراش التحضير قبل أن تدخل مرحلة التصوير. هذا ما تتوقعه لكن ما سيحدث
إذا ما فاز الفيلم الدرامي المذكور بأي من هذه الجوائز هو أن سيل المنتجين
لن يتوقف. يفوتك أن تحصي من البداية لأنك توقعت عددا محدودا، وفجأة ما ترى
أن العدد وصل إلى نحو دزينة من مرتدي السموكينغ المبتسمين وما زال يتصاعد.
* اختصارا فإن عدد منتجي هذا الفيلم المأخوذ عن
مقالة والذي قام بكتابته فرد واحد (هو داني سترونغ) وأسندت بطولته إلى
فورست ويتيكر بالعشرات. حسب مقالة يوم أمس في «ذا لوس أنجليس تايمز» هم 37
منتجا. لكن حسب القائمة الرسمية هم أربعون منتجا. ولا داعي لذكر الأسماء
طالما لا مكان هناك لذلك، فمراتبهم متساوية وباستثناء لي دانيالز نفسه فإنه
لا أحد من المنتجين الباقين له عمل آخر. هذا مرده عامل أساسي واحد: الفيلم
تعرض لمتاعب بحثا عن التمويل وفي النهاية تم جمع ميزانيّته (30 مليون دولار
فقط) من غالبية لا علاقة لها بالإنتاج، مثل ملياردير أوكراني وآخر أفرو -
أميركي ومن شابه. إنها أيام عصيبة بلا ريب، لكنها واقعة.
الشرق الأوسط في
16/08/2013
همومهم اجتماعية لغتهم بسيطة والكوميديا لديهم سوداء حتى
النخاع
إبراهيم العريس
خلال العقود الفائتة من السنين، كان يحلو للنقاد الحديث عن تلك الثورة
التي أحدثها «أصحاب اللحى» في هوليوود التي كانت قد خرجت لتوّها من
كلاسيكية صارمة مع حلول سنوات الستين وبداية شعورها بالرعب أمام هجمة
التلفزيون الملوّن وإفلاس الستديوات وانفراط عقد الشركات الكبيرة التي أعطت
عاصمة السينما العالمية كل فخر وجبروت كانت تشعر بهما منذ بدايات القرن
العشرين. ونحن نعرف ان «أصحاب اللحى» الذين ظهروا في الستينات والسبعينات
متحدّرين من الغضب على الحرب الفييتنامية ومن الاشمئزاز الذي اثارته لديهم
فضيحة ووترغيت كما من الرغبة في الإبقاء على هوليوود التي كان يبدو لهم
انها بدأت تتهاوى، ولكن مع إحداث انقلاب جوهري فيها، نحن نعرف ان هؤلاء
تمكنوا من تحقيق أهدافهم ليحققوا معاً متناً سينمائياً عاد يقفز بالسينما
الأميركية الى الواجهة. كانوا يحملون أسماء بدت يومها شديدة الإيطالية
واليهودية، من فرانسيس فورد كوبولا الى ستيفن سبيلبرغ ومن مارتن سكورسيزي
الى بريان دي بالما وجورج لوكاس وبول شريدر وجون ميليوس وحتى وودي آلن -
الذي يمكن حسبانه في ركابهم على رغم عشرات الفوارق بينه وبينهم -، وغيرهم.
اليوم لا يزال هؤلاء ينتجون وإن بشيء من التباطؤ على رغم دنوّهم من
الثمانين بخطوات حثيثة. ولا يزالون يعتبرون الآباء المؤسسين لما يمكن
تسميته «هوليوود الجديدة»... ولكنهم لم يعودوا وحدهم بالتأكيد... جيلان أو
ثلاثة جاءت من بعدهم تضم اسماء باتت بدورها كبيرة... وقد لا نكون هنا في
حاجة الى ذكر الكثير من هذه الأسماء فغاس فان سانت وستيفن سودربرغ وتيم
بورتون ودافيد لينش وعشرات غيرهم، باتوا من قوة الحضور في اميركا والعالم
بحيث يبدو من الحشو العودة الى التذكير بهم في كل مرة... ومع هذا، فإن
هؤلاء انفسهم سرعان ما صاروا بدورهم من «شيوخ» السينما يسير في ركابهم
زملاء لهم مثل جيم جارموش ودافيد كروننبرغ – ممثلاً إسهاماً كندياً في
معيّتهم -... وحتى الأخوان جويل وناتان كون والأخوان فاريللي... واللائحة
لا تنتهي. أما إذا كنا هنا قد ذكرنا كلّ هذه الأسماء، فما هذا إلا للتذكير
بكم ان هذه السينما الهوليوودية تبدو دائماً قادرة على ان تولد من رمادها
ومن محاولات نعيها او على الأقل التساؤل عمّا يمكنها، بعد، ان تقدّم وقد
اعطت التراث الفني الإنساني ألوف الأفلام وأعداداً لا تحصى من المواضيع...
هاجس ما
والحال ان هذا السؤال يأتي في أحيان كثيرة على شكل هاجس لدى محبي
السينما... وفي كل مرة يأتي الجواب مطمئناً الى حد ما. فالسينما
الهوليوودية، على رغم كل مثالبها وما قد يلصق بها من سيئات، تبدو دائماً
قادرة على تمثّل ما قد يبتكره الآخرون ولا سيما الأوروبيون لتعيد إنتاجه
وقد ارتدى حللاً جديدة. وفي هذا المعنى، يكون عادة من أعلى درجات الثناء
على سينمائي اميركي الإشارة الى كم حصة النزعة الأوروبية في أعماله.
والحقيقة ان هذا البعد الذي كثيراً ما يجرى التشديد عليه، حتى من جانب
النقاد الأميركيين، لعب دوراً كبيراً في تمكين سينما أميركية معينة من
المزج بين نزعة شعبية ونزعة ثقافوية نخبوية، علماً أن هذه الأخيرة كانت قبل
نصف قرن، تمثل كابوساً لأي سينمائي اميركي يجرى «وصمه» بها فتفتح له ابواب
المهرجانات السينمائية في اوروبا، ولكن في المقابل تسدّ في وجهه ابواب
الصالات الشعبية الأميركية، فيكون الثمن الذي يدفعه غالياً.
استوعبوا الدرس
لكن هذا صار بعيداً جداً منذ ثورة «اصحاب اللحى»... بل يزداد اليوم
بعده مع ذلك الجيل الأجدّ من كلاسيكيي السينما الهوليوودية الجدد من اولئك
الذين يدفعنا هنا الى الحديث عنهم تألقهم الراهن على الخريطة السينمائية
العالمية وكون كل واحد منهم يستعد الآن لعرض جديد له في صالات العالم، ولا
سيما في الصالات الأوروبية، إما لم يعرض بعد في اي مكان، او هو عرض في عدد
من المهرجانات خلال الشهور السابقة وسينتقل منها الآن الى الصالات، او حتى
سبق وعُرض في هذه الأخيرة مكرساً جيلاً جديداً يجعل منه تنوعه وسينمائيته
وسبره مواضيع جديدة، نوعاً من سينما بالغة الجدة في فضاء الفن السابع
الأميركي وربما العالمي ايضاً. ونشير هنا الى هذه العالمية لأننا نعرف ان
أبناء هذا الجيل الذي سنتناوله بالحديث تباعاً ينتمون الى الكلاسيكية
السينمائية الأميركية الخالصة، بقدر انتمائهم الى الأجيال الجديدة من
سينمائيي العالم سواء أكانوا أوروبيين أم آسيويين أو غير ذلك. فهم، في
اختصار شديد، الجيل السينمائي الأميركي الأكثر انفتاحاً على العالم. وليس
فقط على هموم العالم، بل كذلك على التجديدات المتتالية في تعبيراته
السينمائي. ولئن كان في الإمكان ان نورد في هذا السياق اكثر من عشرين
اسماً، فإننا سنكتفي بالحديث عن بعض الوجوه الأكثر بروزاً، تاركين أسماء
أخرى لمناسبات مقبلة. أما هذه السلسلة السداسية فلسوف تكتفي باستعراض
انجازات مبدعين يحملون تلك الأسماء التي باتت كبيرة اليوم، إنما من دون ان
تكون صاحبة سينمات نخبوية خالصة تصلح للعرض في المهرجانات او فقط في صالات
الفن والتجربة. بل إن ثمة من بين بول توماس اندرسون وسميّه فيس اندرسون
ودافيد فينشر وكريس نولان وجيمس غراي وألكسندر باين (وهم بالتحديد من
سنتناولهم في هذه السلسلة تباعاً) من باتت شركات الإنتاج الضخمة تعهد اليهم
بمئات ملايين الدولارات كي يحوّلوها شرائط تدر غالباً ما يزيد عن تلك
المئات، وذلك في الوقت الذي تتهافت عليهم المهرجانات متجاذبة افلامهم
تعرضها حتى في افتتاحاتها وأحيانا كعروض مفاجآت.
فما الذي يجتذب في فن هؤلاء وفي أفلامهم؟
تجتذب الجمهور الى فنهم امور كثيرة لعل اهمها انهم – وكل واحد على
طريقته – استوعبوا الدرس السينمائي الذي بات عمره يزيد عن القرن، وأدركوا
ان السينما لم يعد في امكانها في عالم اليوم ان تكون مجرد «مصنع للأحلام»
يخلق لدى المتفرجين أوهاماً يعيشون تحت وطأتها. كذلك، بالنسبة الى معظمهم،
لم يعد في امكان السينما ألا تنظر بعيون مفتوحة على اتساعها الى ما يدور في
العالم من حولها. ولكنها إذ تنظر اليه يتعين عليها ان تبتعد عن
الأيديولوجيا والأفكار المسبقة... فلا مجال في سينما اليوم لترسيخ أفكار
عفا الدهر عليها. بالنسبة الى هذه السينما، العالم يتحرك ويتحرك بسرعة،
وعليها هي بدورها ان تتحرك. وفي إطار هذه الحركة، كي يمكن البقاء قيد
الوجود على رغم التلفزيون وإمكاناته اللامتناهية، وعلى رغم عشرات وسائل بثّ
الصورة وأخواتها، ليس من الضروري تحوبل هذه كلها الى عدو وخوض معارك
دونكيشوتية ضده. يستحسن بالأحرى التحالف معه وخوض لعبة تبادلية مع امكاناته،
بما في ذلك امكاناته الأسلوبية والمالية في آن معاً. ولأن هذا كله ملقى
الآن على عاتق المخرج اكثر مما في اي زمن مضى، يعرف هذا ان عليه هو وفي
الوقت نفسه ان يكون نجم الفيلم ومفكّره الأساسي... ومن هنا، نلاحظ كيف اننا
نعود مع هذه الكلاسيكية السينمائية الجديدة الى ما يكاد يشبه «سينما
المؤلف» كما حدد اصحاب الموجة الجديدة الفرنسية بعض قوانينها في سنوات
الخمسين، إنما مع انعطافة نحو ما اتسمت به السينما الحرة البريطانية في
الآونة نفسها من «لؤم» شخصي و «رصد اجتماعي» ناهيك بحس الكوميديا
السوداء... والحقيقة انه حسبنا ان نشاهد أو نعود الى مشاهدة افلام مثل
أعمال غراي وأندرسون وفينشر ورفاقهم، كي نرى كل هذه السمات ماثلة في كل
فيلم مهما كانت تقليدية انتاجه او موضوعه. وطبعاً ليس ثمة في هذا التقديم
العام، مجال للدخول في تفاصيل تتعلق بكل مخرج من هؤلاء الذين سنتحدث عنهم
تباعاً. فهذا نتركه لحين الحديث عن كل واحد منهم على حدة. هنا فقط قد يكون
من المفيد ان نقول، وبصورة تكاد تكون اجمالية، ان السينما مع مثل هؤلاء
المبدعين تبدو وكأنها ودّعت الى الأبد تلك البراءة الساذجة التي كانت تسم
السينما الهوليوودية، حتى في اكثر لحظاتها قسوة وعنفاً، فتنعكس في «نهايات
سعيدة» و «أبطال ايجابيون» و «نجوم يُتَّخذون مثالات تحتذى» و«مواضيع لا
يفوتها ان تحدد الحدود الفاصلة بدقة بين الخير والشر وبين العمل الجيد
والعمل الفاسد» او حتى بين «الأبطال» و«اللصوص»... كل هذا يبدو هنا، في هذه
السينما «الجديدة»، جزءاً من الماضي الذي انتهى امره مع شتى انواع
«واقعياته» و «أخلاقياته» و «يقيناته التي لا تنضب بأن عليه مهمة تغيير
العالم الى الأفضل». هذا كله لم يعد جزءاً من سينما اندرسون وفينشر وغراي
وشركائهم. فالحياة باتت اكثر تعقيداً وأقل ادّعاءات من ان تُحلّ إشكالاتها
على الشاشة. فعلى الشاشة تصوّر الحياة وتعرض للتأمل من دون اوهام كبيرة.
وفي هذا بالتحديد يكمن سرّ روعتها الجديدة... الروعة التي لا شك ستمكّنها
من البقاء أزماناً طويلة أخرى... كما سنرى حلقة بعد حلقة.
* (الأسبوع المقبل: دافيد فينشر)
الحياة اللندنية في
16/08/2013
سارا مايلز لـ «الحياة»:
لعبت بالشهرة والمال لكنني لم أحب السينما
باريس - نبيل مسعد
بدأت البريطانية سارا مايلز مشوارها الفني في فترة الستينات من القرن
العشرين تحت إدارة أشهر المخرجين الأوروبيين والأميركيين في ذلك الوقت، من
أمثال جوزيف لوزي وميكالنجلو أنطونيوني ولورانس هارفي وكين أناكين ودافيد
لين الذي أدخلها إلى تاريخ الفن السابع بفيلم «ابنة ريان» الذي تقاسمت
بطولته مع العملاق روبرت ميتشوم. ولا يزال هذا الفيلم الذي نزل للمرة
الأولى إلى دور العرض في 1970، يعتبر من أهم ما أنتجته السينما العالمية من
تحف فنية ويدرس في أقسام الإخراج والتصوير والتركيب لدى المعاهد المتخصصة.
وها هو «ابنة ريان» يشق طريقه مجدداً إلى صالات السينما في حلة تكنولوجية
مبهرة بفضل ترميمه بواسطة الوسائل الرقمية العصرية، الأمر الذي دفع بطلته
سارا مايلز إلى زيارة فرنسا من أجل حضور عرضه الخاص بالإعلاميين، إضافة إلى
عرضين افتتاحيين، الأول في مهرجان مدينة لا روشيل السينمائي والثاني في
باريس. والتقت النجمة بعد كل عرض جمهورها الذي استقبلها بحفاوة وراح يسألها
ألف سؤال وسؤال عن الفيلم الذي بدأ عرضه في الصالات منتصف الشهر الجاري.
«الحياة» الـــتقت سـارا مايـلز في باريس.
·
هل يعجبك الرد على أسئلة
الصحافيين في هذا المكان المطل على أحد أبرز معالم باريس وأقصد برج إيفل؟
-
أشعر وكأنني أمنح حديثاً سياحياً أكثر منه فنياً، لكنني بطبيعة
الحال لا أشكو من روعة المنظر، متأكدة من أن موزع الفيلم اختاره حتى يرضيني
ويرضي الإعلاميين. إلا أن شدة الحرارة في هذه الأيام تجعلني أفضل الأماكن
المكيفة، وأنا لا أرغب في مضايقة أحد أو في التصرف مثل النجمات صاحبات
النزوات.
·
هل تعرفين باريس جيداً؟
-
نعم وزرتها عشرات المرات في حياتي. والواقع أنني وقعت في غرام
هذه المدينة منذ زيارتي الأولى لها، ولا أزال أحبها، فهي تعجبني أكثر من
لندن الكئيبة ومن نيويورك الصاخبة أكثر من اللزوم في رأيي.
·
ما رأيك في كون فيلم «ابنة ريان»
الأسطوري سينزل من جديد إلى صالات السينما في حلة تكنولوجية مجددة؟
-
لم أشعر أبداً بأن «ابنة ريان» قد توقف عن العرض في دور
السينما العالمية، مع أن ذلك حدث بالفعل، لأنني في أذهان الجماهير بطلة هذا
الفيلم فضلاً عن سواه . فكلما التقيت جمهوري، مهما كانت المناسبة، لا
يحدثني إلا عن دوري في «ابنة ريان» ويسألني عن ذكرياتي عن التصوير وعن
شريكي في البطولة روبرت ميتشوم. وأنا بالتالي لا أرى أي فارق بين ما يحدث
الآن لمناسبة إعادة نزول الفيلم إلى الصالات وما يدور في الوقت العادي،
فالحكاية واحدة بالنسبة إلي. وغير ذلك أنا مسرورة كون الفيلم قد رمم طبقاً
لأحدث التقنيات، فمن المهم أن تحفظ الأفلام على المدى الطويل وفي حال جيدة.
·
دعيني اسألك بدوري عن ذكرياتك
الخاصة بتصوير «ابنة ريان»؟
-
أنها سيئة للغاية ولا علاقة لها بالشهرة الإيجابية التي ينعم
بها الفيلم عموماً. فقد دام التصوير ثلاث سنوات كاملة في ظروف جوية مروعة
في إرلندا تقريباً طوال الوقت، إضافة إلى سوء العلاقة بين المخرج دافيد لين
وروبرت ميتشوم. لقد عشت جحيماً لا أتمناه لأي ممثلة. وفي النهاية تحول
الفيلم إلى أسطورة، مثلما تقوله بنفسك، وينعم بسمعة ممتازة. أنها سخرية
القدر.
القبعة والقميص
·
لماذا لم تكن العلاقة جيدة بين
دافيد لين وروبرت ميتشوم؟
-
على رغم أن لين هو الذي اختار ميتشوم للبطولة الرجالية للفيلم،
إلا أنه لم يقدر أسلوبه في أداء دوره وأخذ عليه بضعة أمور، مثل تصرفه في
شخصية الزوج التعيس وكأنه يمثل دور راعي بقر (كاوبوي) في الغرب الأميركي،
والطريف أن لين لم يجرؤ على مواجهة ميتشوم وعلى معاتبته بصراحة فكان يلجأ
إلى أساليب ملتوية حتى يوصل إليه الرسالة. وعلى سبيل المثال كان يقول له إن
القبعة التي يرتديها من أجل الدور لا تليق به، أو أن قميصه بشع، وكان
ميتشوم يفهم المعنى الخفي وراء هذه العبارات، خصوصاً أن القبعة أو القميص
أو الزي في شكل عام هي من اختصاص المسؤولة عن الملابس في الفيلم ولا علاقة
للممثل نفسه بالأمر. وهكذا ظلت علاقتهما متوترة فترة طويلة، إلى أن صارح
ميتشوم دافيد لين بالموضوع قائلاً له: «أنت لا تحبني أليس كذلك؟». ورد لين:
«أنا أكرهك وأكره تمثيلك». وتشاجر الرجلان مثلما كان من المفروض أن يحدث
منذ البداية إلا أن الموضوع طال انتظاره، وعادت المياه إلى مجاريها بينهما
إثر هذا الحادث، لكن بعد فوات الأوان.
·
زوجك الراحل الآن روبرت بولت هو
الذي كتب سيناريو فيلم «ابنة ريان»، الأمر الذي يعني أنك كنت مرشحة للدور
منذ بدء المشروع؟
-
هذا صحيح، وكنت قد بدأت أستعد لمواجهة هذا الدور النسائي الصعب
فترة طويلة قبل أن يبدأ التصوير بالفعل، الأمر الذي لم يغير أي شيء بالنسبة
إلى كل ما رويته لك تواً في شأن الظروف السيئة التي سادت جو العمل.
·
ما الذي كان صعباً بالنسبة إلى
الدور في حد ذاته؟
-
يروي السيناريو حكاية زوجة شابة تعيش في قرية صغيرة في إرلندا
وتتزوج من رجل يكبرها سناً بدرجة كبيرة لمجرد أن ترضي عائلتها، ثم تقع في
غرام جندي شاب، الأمر الذي يثير حقد أهل القرية ضدها ورغبة بعضهم في
اغتيالها. والفيلم يتضمن مشاهد عنيفة كثيرة لم تكن سهلة التنفيذ.
ممرضة محترفة
·
لمناسبة الكلام عن زوجك الراحل
روبرت بولت، من المعروف عنكما أنكما تزوجتما مرتين؟
-
هذا فعلاً ما حدث، فقد تزوجنا وعشنا معاً طيلة ثماني سنوات ثم
انفصلنا لأسباب بدت لنا في ما بعد سخيفة جداً بالمقارنة مع درجة ارتباطنا
ببعضنا البعض، وتزوجنا مرة ثانية بعد مرور ثماني سنوات إضافية على طلاقنا.
وهنا أصيب زوجي بجلطة في المخ تسببت في شلله الكلي ورحت أهتم به شخصياً في
بيتنا الكبير بالريف الإنكليزي ولم أقبل الاستعانة بممرضة محترفة إلا في
أمور محددة بين حين وآخر، وتوفي زوجي بعد سبع سنوات من الحادثة. وأنا منذ
ذلك الحين أسست جمعية لرعاية المعوقين بمعاونة مجموعة من النساء واتخذت
مقراً لها في المنزل نفسه الذي عشت فيه مع زوجي.
·
هل هذا هو سبب ابتعادك النسبي عن
السينما؟
-
نعم، عن السينما ولكن أيضاً عن المسرح، علماً أنني كنت من أبرز
ممثلات الخشبات اللندنية لفترة طويلة. لقد قررت الابتعاد عن المهنة الفنية
ليس لأن التمثيل في حد ذاته لم يعد يعجبني، لكن لكون الأمور المحيطة به من
شهرة ومال وزيف في العلاقات الإنسانية بدت لي فجأة سطحية ومجردة من أي معنى
إلى درجة أعجز عن وصفها. أن ابني هو الذي انغمس في الحياة السهلة الآن وصار
من أشهر مصممي الساعات الفاخرة في العالم، وفي سويسرا بالتحديد، حيث يكسب
أموالاً طائلة ويعد بين زبائنه أصحاب الثروات الكبيرة جداً في العالم.
أتمنى له السعادة والرفاهية بطبيعة الحال، وفي الوقت نفسه أحلم بأن تعلمه
الحياة بعض الحقائق وتعيده إلى طريق الرشد والصواب، وأقصد الروحانية.
·
هل يعني الأمر أن الفن أصبح في
حكم المنتهي بالنسبة إليك؟
-
ليس كلياً، فأنا لا أمانع في الظهور في عمل ما بين حين وآخر،
وربما أنني سأقف وحدي فوق خشبة أحد مسارح لندن في المستقبل القريب كي أقدم
مجموعة من الفقرات الفكاهية حول تجربتي مع الفن والنجومية. وأنا أفضل
الكتابة الآن على التمثيل، لذا ألفت حديثاً رواية تدور أحداثها في الوسط
السينمائي أولاً ثم في دنيا الأمراض المستعصية في ما بعد. لقد استوحيت في
الكتابة مثلما هو واضح، تجربتي الشخصية في الحياة.
·
كلمة عن عملك تحت إدارة
السينمائي العملاق الراحل ميكالنجلو أنطونيوني، في فيلم «انفجار» (بلو أب)؟
-
لقد كرهت العمل تحت إشراف أنطونيوني، فهو على رغم عبقريته
الفنية لم يكن يحب البشر أو يحسن معاملتهم . لقد اكتشفت رجلاً بغيضاً
وحقوداً ومتكبراً لم أتأقلم معه أو مع أسلوبه إطلاقاً.
·
أنت هكذا تحطمين صورة أحد أكبر
السينمائيين العالميين؟
-
لا يهمني أن أفعل ذلك، وحتى أن أحطم صورة السينما بكاملها إذا
احتاج الأمر ذلك. لم أقع في حب التمثيل لحظة واحدة، فهو الذي أتى إلي في
الأساس في صغري، فانتهزت الفرصة ولعبت بالشهرة والمال وكل ما جلبته لي
المهنة الفنية، لكنني لم أحبها.
·
وماذا كان حلمك المهني إذاً؟
-
ممارسة رياضة التنس (كرة المضرب)، فقد كنت قوية جداً فيها منذ
طفولتي وكان في إمكاني أن أصبح من بطلاتها من دون أدنى شك.
الحياة اللندنية في
16/08/2013
«أفلام
48 ساعة»... تعود في أيلول
القاهرة – نيرمين سامي
للعام الثاني على التوالي، تنطلق فعاليات مسابقة مشروع «أفلام 48
ساعة» في الــــقاهرة وذلـــك في 12 أيلول (ســبتمبر) المقبل، حيث تستضيف
هذه الجولة الجديدة مركز درب 1718 بالتعاون مع شركة «ماد سليوشن».
وتشترك القاهرة في المسابقة للسنة الثانية على التوالي كواحدة من 4
مدن في الشرق الأوسط سبق لها أن استضافت مشاريع أفلام 48 ساعة، إضافة إلى
مدن دبي وعمَّان وبيروت المتنافسة في هذا الحدث الدولي الذي يجمع صنّاع
الأفلام سنوياً. الفائز في جولة القاهرة سيدخل في منافسة مع الفائزين من
126 دولة حول العالم في الحدث السنوي المعروف باسم
Filmapalooza
لاختيار أفضل 48 فيلماً على مستوى العالم، على أن تُعرض الأفلام الـ15
الأولى في مهرجان «كان» السينمائي الدولي 2014 ضمن قسم الأفلام القصيرة.
وتكمن فكرة المسابقة في وضع صنّاع الأفلام في تحدٍ مع الزمن لمدة 48
ساعة فقط، حيث يقوم المشتركون بكل عمليات صناعة الفيلم متمثلة في الكتابة
والإخراج والتصوير والمونتاج خلال هذه المدة الزمنية المحددة. تبدأ فعاليات
مشروع أفلام 48 ساعة في القاهرة السادسة مساء الخميس 12 أيلول (سبتمبر)،
بحيث يجتمع صنّاع الأفلام من أجل الاتفاق على بعض العناصر الواجب توافرها
في الأعمال المشاركة، مثل أن تحتوي الأفلام على شخصية محددة وقطعة ديكور
وجملة حوارية وسياق درامي معين سيتم الاتفاق عليها، على أن يقوم صنّاع
الأفلام بتسليم أعمالهم بعد 48 ساعة فقط، أي في السابعة مساء السبت 14
أيلول، كما سيتم الإعلان عن موقع الاجتماع لاحقاً.
باب التسجيل في المسابقة متاح لجميع المقيمين في مصر باختلاف الأعمار
والجنسيات، ومن دون وضع شروط متعلقة بالخبرات السابقة حتى 11 أيلول من خلال:
www.48hourfilmproject.com/cairo،
على أن تُعرض كل الأفلام في مركز درب 1718 في الفترة بين 19 - 23 أيلول،
بما فيها الأفلام التي تأخرت عن موعد التسليم. وسيتم الإعلان عن الفيلم
الفائز في مسابقة مشروع أفلام 48 ساعة الثامنة مساء السبت 28 أيلول في درب
1718، إضافة إلى عرض الأفلام الـ 10 الأولى، وتسليم الجوائز والتكريمات.
وتبلغ قيمة التسجيل لفريق عمل الفيلم الواحد 550 جنيهاً مصرياً قبل 20 آب
(أغسطس) الجاري، أو 650 جنيهاً مصرياً بعد 20 آب الجاري. ونذكر ان مشروع
أفلام 48 ساعة نظّم العام الماضي في درب 1718 في القاهرة عرضاً لـ 16
فيلماً قصيراً من مختلف دول العالم... الأفلام المعروضة سبق لها أن فازت في
المسابقات التي أقيمت بين صنّاع الأفلام لصناعة فيلم في مدة أقصاها 48 ساعة
فقط في مدن مثل باريس، شانغهاي، جوهانسبورغ، لاس فيغاس، وارسو وبرلين،
إضافة إلى مدن عدة أخرى حول العالم.
الحياة اللندنية في
16/08/2013
مهرجان إنسان:
حكايات في أفلام تحتضنها فلسطين للمرة الأولى
رام الله – بديعة زيدان
تحتضن مدينة رام الله، في قصرها الثقافي وساحة راشد الحدادين، بين 15
و20 الجاري، فعاليات مهرجان إنسان السينمائي للعام 2013، وتنظمه «الجمعية
الفلسطينية للفنون السينمائية» و «ملتقى فلسطين الثقافي» بالشراكة مع بلدية
رام الله. وينطلق المهرجان بفيلم «طباشير ملونة من عسقلان» للبنانية ليلى
حطيط، في حين سيكون الاختتام بفيلم «مملكة النمل» للتونسي شوقي الماجري في
مكان الافتتاح ذاته، على أن تستضيف ساحة راشد الحدادين، بقية العروض وتشمل
أفلام: «البحث عن شوغار مان»، الحائز جائزة أفضل أوسكار لفيلم وثائقي العام
2013، والفيلم الأردني «7 ساعات فرق» للمخرجة ديما عمرو، الذي حقق جوائز
عربية وعالمية، والفيلم الهندي الحائز جوائز «انغلش فنغلش» عدة، وهي كلها
أفلام تعرض للمرة الأولى في فلسطين، إضافة إلى الفيلم الفلسطيني- الأردني
«شرطي على الهامش» للمخرج ليث الجنيدي.
ليس له من يموّله!
وجاءت فكرة المهرجان، من خلال مشاركة مديره الناقد السينمائي يوسف
الشايب ممثلاً فلسطين في مهرجان «آدم» لسينما حقوق الإنسان في تركيا قبل
عامين... ويقول الشايب: «أعجبت بفكرة المهرجان وعديد أفلامه، وخطرت لي فكرة
وأنا في تركيا بأخذ موافقة المخرجين والمنتجين بعرض هذه الأفلام في
فلسطين... عند عودتي وفي جلسة مع المخرج يوسف الديك، رئيس الجمعية
الفلسطينية للفنون السينمائية، عرضت عليه الفكرة، فرحب بتنظيم أول مهرجان
سينمائي مختص بمواضيع تتعلق بحقوق الإنسان، ويعرض أفلاماً فلسطينية وعربية
وعالمية... كانت الدورة التجريبية قبل عامين في الساحة ذاتها، قبل نقل
المهرجان إلى مخيم بلاطة للاجئين في نابلس، وعُرضت فيها أفلام استطاعت جذب
الجمهور كالفيلم الهندي «اسمي خان»، والفيلم الإيراني-الفرنسي-الأميركي
«رجم ثريا»، وفيلم «نهر لندن» للمخرج رشيد بوشارب، والفيلم المصري «بنتين
من مصر» للمخرج محمد أمين، وفيلم «تل الزعتر» للمخرجة نبيهة لطفي، وكان كل
ذلك من دون دعم يذكر باستثناء رعاية من صندوق الاستثمار الفلسطيني بمبلغ
بسيط». وهو أمر يدفع الى استهجان عدم اهتمام القطاع الخاص الفلسطيني
بالسينما كأحد أبرز وأهم أنواع الفنون في العالم، بل وعدم إدراج السينما
بنداً للدعم لدى إحدى أهم المؤسسات الثقافية الفنية الفلسطينية التي توفر
الدعم والمنح لأنماط فنية أخرى في فلسطين.
ويضيف الشايب: «بعد غياب في العام الماضي، عدت لطرح المبادرة بإقامة
الدورة الرسمية الأولى للمهرجان، ورحب ملتقى فلسطين الثقافي عبر رئيسه فتحي
البس ومجلس إدارته بالفكرة، وشكل مظلة للمهرجان، إضافة إلى الجمعية
الفلسطينية للفنون السينمائية صاحبة الحدث قبل عامين، وبشراكة كاملة من
بلدية رام الله، التي قدمت قاعاتها والساحة وتقنيات ولوجستيات ما كان
للمهرجان أن يقوم من دونها، إضافة إلى حماسة عدد من المؤسسات الإعلامية
لدعم المهرجان كتلفزيون فلسطين، وشبكة راية الإعلامية، وموقع فلسطين 24،
وجريدة الحياة الجديدة».
ويقام المهرجان هذا العام من دون دعم من أية جهة، حيث تكبّدت الجمعية
الفلسطينية للفنون السينمائية ومدير المهرجان تكاليف بعض الأفلام، فيما
تكفلت الجمعية بالمسؤولية عن توفير وتشغيل التقنيات للعروض الخارجية، وهذا
أمر مرهق من الناحية المادية للمؤسسات القائمة على المهرجان، والتي تسعى
الى تثبيت حضور فلسطين على خريطة المهرجانات السينمائية العالمية، بخاصة
بعد غياب مهرجان القصبة السينمائي لأسباب مالية، وكان المهرجان الأبرز على
الساحة الفلسطينية.
تغيير ايجابي
وحول رسالة المهرجان، يقول المخرج يوسف الديك، رئيس الجمعية
الفلسطينية للفنون السينمائية: «من أجل إحداث تغيير إيجابي في مجتمعات
اليوم، يحتاج الشباب إلى فرصة للتعبير عن وجهات نظرهم واحتياجاتهم من خلال
الوسائل المناسبة... والسينما تعد أداة مهمة في مجتمعات اليوم ذات
التكنولوجيا العالية، والسماح للناس باستخدام هذه الأداة من شأنه أن يعزز
الإبداع والانفتاح والتغيير الإيجابي». ويضيف: «إن إقامة مهرجان سينمائي
دولي لحقوق الإنسان في فلسطين يمكن أن يفتح أبواباً جديدة للتواصل مع
ثقافات أخرى... وعدا عن حقيقة التمكن من تسليط الضوء على مسائل موجهة نحو
المجتمع، فإن مثل هذا الحدث قد يساعد في تعزيز مفهوم قبول الآخرين،
والمغفرة، والتعاطف بين الأمم والشعوب».
ويشدد الديك: «ان تنظيم وتنفيذ مهرجان فلسطيني دولي لحقوق الإنسان
يتطور ليصبح مشهوراً على المستوى الإقليمي والدولي. مهرجان من شأنه أن يمثل
حدثاً ثقافياً فريداً يهدف إلى تعزيز الحوار بين الثقافات والتشديد على روح
حقوق الإنسان في مجتمعات اليوم من خلال إنتاج السينما وتوجيهها نحو ثقافات
العصر... هدفنا هو الاحتفال بالتميز من خلال عالم السينما، والاستفادة منها
كأداة للتواصل الإيجابي بين الأمم والشعوب، مهمتنا هي تطوير وتعزيز مواهب
شابة محلية وإقليمية في فنون الإعلام التي من شأنها المساعدة في تطوير
صناعة الإعلام على مختلف المستويات... والمهرجان هو حدث سنوي ينبغي حضوره،
لأنه يسلط الضوء على الثقافة الفلسطينية المتميزة والمتنوعة... نحن نرى
المهرجان يتطور كحدث سنوي هام يؤدي إلى ثــــقافة متميزة، ومتنوعة،
وقـويــة عن حــقوق الإنسان في فلسطين.
وحول أهداف المهرجان، يقول الديك: «أخيراً ان مهرجان إنسان السينمائي
إنما يهدف إلى تمكين المواهب الشابة في فلسطين من تطوير مهاراتها الإعلامية
والفنية في صناعة الأفلام من خلال التدريب، والاستشارات والتدريب الشخصي،
ومساعدة صناع الأفلام الشباب على إخراج، وإنتاج وتسويق أعمالهم، وإطلاع
المجتمع الفلسطيني على أفلام إقليمية ودولية تم إخراجها أو إنتاجها من جانب
الشباب لتعزيز التعرف الى الثقافات الأخرى، وإلى تقنيات صناعة الأفلام».
والى هذا، لا بد من الإشارة في هذا السياق الى ان من أهداف المهرجان
أيضاً، التشديد على الانفتاح والحوار بين الثقافات، إضافة الى التعرف الى
قضايا عالمية تم التعرض لها في أفلام مختلفة وطرق تعامل كل ثقافة معها،
وتشجيع الفنانات والسينمائيات الشابات وتمكينهن من تحقيق مستوى أفضل من
الجودة وتوزيع أفضل لإفلامهن، والمساعدة على تطوير صناعة السينما في فلسطين
والمنطقة، وتوفير منبر ثقافي جديد موثوق للفنانين الشباب من فلسطين
والمنطقة للتعبير عن وجهات نظرهم ومشاكلهم.
ويضيف: «بشكل غير مباشر، فإن هدفنا هو خلق أداة جديدة للشباب لتعزيز
التغيير الاجتماعي في مجتمعاتهم، إضافة إلى إنشاء شبكة سينمائية محلية،
وإقليمية ودولية من الشباب لتبادل التجارب والخبرات.
ويلفت يوسف الشايب الى أن اختيار فيلم «طباشير ملونة من عسقلان»
للمخرجة اللبنانية ليلى حطيط كفيلم لافتتاح المهرجان، وما يرافقه من معرض
في بهو قصر رام الله الثقافي، يأتي من باب التشديد على كون قضية الأسرى
والانتهاكات التي يتعرضون لها هي قضية إنسانية بامتياز، ويجب أن تعالج في
هذا الإطار، وأن تعطى الاهتمام الذي يتناسب وتضحيات الأسرى الذي يدفعون
أعمارهم فداء لفلسطين، وهي بالتالي «تحية متواضعة» من مهرجان إنسان
السينمائي وإدارته لجميع الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ويشدد كل من الديك والشايب على إيمانهما بأهمية السينما كوسيلة فريدة
من نوعها لأنها قادرة على تخطي الأمية، وبالتالي يمكن مشاهدتها واستيعابها
من الجميع، بغض النظر عن السن أو مستوى التعليم. كما تساعد السينما على
الحفاظ على الذاكرة الجماعية للشعب، لأنها تعزز الوحدة والهوية الوطنية على
مستوى المجتمع المحلي، فعلى مر التاريخ، لعبت السينما الفلسطينية دوراً
مهماً في النضال الفلسطيني كأداة للتمثيل الذاتي والتواصل. ولهذا السبب،
يهدف المهرجان والقائمون عليه إلى إعادة إلهام وزيادة قيمة هذا التقليد
الثقافي وإحياء عادة مشاهدة السينما.
الحياة اللندنية في
16/08/2013
لم تعد الصالات السينمائية تحلِّق في فضاء الدار البيضاء
الدار البيضاء - مبارك حسني
كان هذا منذ زمن قريب لكنه يبدو الآن بعيداً بعدما صار جزءاً من
التاريخ. سنوات قليلة جداً امحت بفعل كارثة تراجع ثقافية عربية شاملة. من
المحيط إلى الخليج، أحدى علاماتها الفظيعة افتقاد العلاقة ما بين العربي
وقاعة السينما في مدينته أو قريته. والدار البيضاء نموذج صارخ لاضمحلال هذه
العلاقة التي كانت قوية متينة ومؤثرة في العقل والنفس والجسد ذات يوم.
كانت علاقة ممتدة تخترق حياة البيضاوي، وتمنحها إحدى لحظاتها الأكثر
عنفواناً وبوحاً وحميمية. فلا يجوز أن تكون بيضاوياً قحاً إن أنت لم ترتد
قاعات سينما الدار البيضاء -أو كازابلانكا- العديدة، المتنوعة، والمختلفة.
فالبيضاوي كبر برفقة السينما منذ الوعي الأول بالزقاق والحارة، وبالأحاسيس
الجياشة، وبمشاعر الجسد النابض عند مفترق الطفولة والمراهقة.
السينما أولاً كقاعة، فضاء ظلام يحمي الجسد من العين المتلصصة
والاغتصاب القهري للكبار- فضاء ممارسة حرية التمتع بالوجود والانتشاء،
بالقدرة على الاستقلال وممارسة كل الشغب الممنوع. تدخين سجائر ولفائف
الأدخنة المحلية، احتساء مشروب بتلذذ، تمديد الأرجل فوق المقاعد الأمامية،
الكلام في كل شيء، السب والشتم والحديث البذيء.. احتجاج وتنفيس.
لكنك لا تدخل هكذا بكل سلام وكأنك ترتاد حديقة محصنة.
فريد الأطرش يشكر الاحتلال
شراء تذكرة «المارشي نوار» - أو السوق السوداء - بالرغم منك، بسبب
الزحام الكثير على الشباك، بسبب ضربات حزام المخزني (الغفير) الغليظ
الشكيمة، بسبب مُتاجري التذاكر من قدماء المسجونين، «صعاصع» أو فتوات الدرب
الموشومي الذراع وذوي الوجوه المليئة بندب السكاكين والشفرات. تنقدهم بضع
فرنكات زائدة، فتتفادى المضايقات إن لم تكن محمياً أو قوي الشكيمة. وفي
الباب، قبل الدخول، جهز يمينك بفرنكات أخرى لصاحبة «البيل» أو المصباح التي
لا تدعك تمر إلا بعد نقدها. امرأة من حديد وسط لجج رجالية لا لغة لها سوى
لغة ما تحت الحزام وقاموس المشاكسة والعبث والعراك. تشمخ وتعارك وتلعن
بأقذع النعوت والأوصاف.
هكذا لا يتم الدخول إلا بعد أداء طقوس المرور وتجاوز المشاكسة إذن.
فقاعة السينما البيضاوية فضاء عنف متعدد تجاوزه يمنح البيضاوي الشاب رجولة
مفقودة أو ممسوحة. مثلاً في سينما «الكواكب» التي احتضنت أكبر التجمعات
السياسية أثراً في تاريخ المغرب الحديث من قبيل تأسيس أكبر حزب يساري شعبي
معارض مغربي. سينما «الملكية» التي استقبلت فريد الأطرش بالحفاوة بداية
كفنان أصيل وكبير ثم بالضرب بالطماطم حين قام ومن دون وعي منه فشكر سلطات
الحماية الفرنسية على الاستقبال، ضٌرب بالبندورة من طرف جماهير غفيرة كانت
ترى فيه صوت الفنان وصوت الوحدة ولم تنتظر منه أن يشكر محتلاً. وهما قاعتان
تخصصتا في جلب الأفلام العالمية القوية إلى جانب أفلام الحركة الأميركية.
سينما «موريطانيا» المتخصصة بأفلام الهند. «لأطلس» المتخصصة في جلب أفلام
الكونغ فو وأفلام الحركة. «الأمل» و»كوليزي» المتخصصتان بالأفلام المصرية.
هذه حال القاعات السينمائية في الأحياء الشعبية بدرب السلطان.
الوجه الآخر للميدالية
قاعات سينما هي أيضاً أفق ترقية نحو الأفضل والأجمل، حين تستطيع بفضل
مال كاف غير متوافر إلا نادراً، أو بفضل رعاية ما، الوصول إلى قاعات سينما
المركز الراقي النظيف. بعد تجاوز سكة الحديد التي كانت تقسم وهمياً المدينة
إلى نصفين. الأوروبي والشعبي. في قاعات المركز قابضة الشباك امرأة من العصر
الحديث، أوروبية في الغالب، والفضاء مؤثث بالمعمار الغربي العتيق بألق.
وعكس القاعات الأولى، لا مجال هنا للضرب والزحام وممارسة شيء آخر غير
التمتع بمشاهدة الفيلم. هنا السينما ممارسة حضارية تعلمك كيف تحترم
الإبداع، وكيف تشاهد الفيلم، وكيف تتمتع، ثم كيف تستفيد، والأكثر كيف تكون
إنساناً مدنياً متخلقاً. ويذكر كاتب هذه السطور كيف وقف ذات يوم، أمام
سينما «اللوكس» بشارع لالا الياقوت الأنيق في إحدى سنوات النصف الثاني من
السبعينات، وكان مراهقاً محموماً بالقراءة وبالصور، وقف أمام ملصق شريط
«مصروف الجيب» لفرانسوا تروفو، بعد أن شاهد لقطة معلقة خارجاً، وفيها صبي
وفتاة يتبادلان قبلة، وكيف لم يستطع تجاوز البهو الصقيل المنعش للقاعة بعد
أن تصدت له شقراء خلف شباك التذاكر. عاد مرات ولم يستطع التسلل، فظل يمر
وينظر إلى الملصق. كانت كازابلانكا أخرى. من حسن حظ المراهق أن ذات السنة
السبيعينية عرفت في سينما «الملكية» عرض شريط «سائق التاكسي» للرائع مارتن
سكورسيزي، بالملصق العالمي الأفضل لشاب بالدجينز والجاكيت يذرع شارعاً
مدينياً، منحني الرأس، مخفي اليدين، وسط أجواء توحي بزمن فني وملامح، بفيلم
غير ما عهد المراهق من أجواء عنف ومبالغة وأدوار «بطولية» مزيفة. حينها
سيعرف أن السينما فن تعبيري خالص، قبل أن يعرف أنها لغة متميزة.
بين هذين المخرجين المكتشفين صدفة في قاعتين سينمائيتين مفارقتين،
«شعبية» و»بورجوازية» كما علمته أدبيات اليسار حينها والتي بدأ يكتشف
جاذبيتها، بين هذين العلمين، كان بدأ تعلم الأبجدية الحداثية التي تفتح باب
العصر، أبجدية شكلت معادلاً قوياً وموازناً للأبجدية الأدبية والسينمائية
الكلاسيكية العربية (المصرية تحديداً) بـ «خيالها» المجنح وبـ «حيادها» في
التعبير الذاتي كما في المبالغات والمداراة وانعدام البوح والتلقائية في
الحكي المفارق للعصر وأن تلبس عباءته كثيراً.
وهكذا هي قاعة السينما حينها قبل أن تجرفها تيارات الهدم و»الحداثة»
المعطوبة والفكر «التقنوي» - إن جاز تسميته فكراً - وجماعات محاربة الفن
بشتى تسمياتها، لم تكن القاعة ملاذاً آمناً ولا ملاذاً سعيداً، كانت مكاناً
لتعلم الحياة، وباباً للمشاركة في فهم العالم والطموح في المساهمة في
بنائه، من دون ثقة زائفة ولا نكران لوجودها، كانت جزءاً من المحيط والمدينة
والمجتمع... بما لها وعليها.
أليس غريباً أن تضم حالياً مدن العالم المتقدم قاعات سينما حية
وفاعلة، مدن الصين وكوريا واليابان والبرازيل وروسيا والهند، وأتعمد فقط
ذكر مدن الأمم الناهضة والتي بصدد الإمساك بمقاليد القوة العالمية
اقتصادياً وسياسياً، حتى لا نتهم بالاستلاب غربياً.؟
وأليس أغرب أن مدننا العربية تمّحي منها القاعات وتُهدم وتُغلق،
والحديث عن التي كانت تضمها وليس عن التي لم تعرفها أصلاً ؟
نسأل وفي السؤال كل إجابة.
الحياة اللندنية في
16/08/2013 |