لازالت
هوليوود هي الأولي بين سينمات الدنيا في تقديمها
أفلام الخيال العلمي الذي وصلت فيه إلي درجة من التأثير والقوة لا تدانيها
فيها اية
سينما أخري في العالم وذلك بفضل التقدم الهائل في التكنيك
السينمائي الخاص بها وفي
استغلال المؤثرات الخاصة وفي محاولة دمجها المطاردات والحس البوليسي الي
جانب
الاعتماد علي قيم علمية ثابتة..
تجعل
الاقتناع شبه كامل بما يدور علي
الشاشة.
وقد نجحت
السينما الهوليوودية منذ الستينيات في تقديم أفلام
الخيال العلمي بطريقة متواضعة إلي حد ما.. في أفلام كثيرة منها الفيلم الذي يعرض
علينا الآن.. وهو »يوم توقفت الأرض عن الدوران« الذي يدور موضوعه.. حول
بعثة منظمة من عالم آخر.. تصل إلي كوكب الأرض.. محاولة احتلاله واعطاء
سكانه
درسا لا ينسي.
وكما
تحاول الآن سينما هوليوود العودة أكثر من مرة الي روائعها
القديمة لتقدمها من جديد في اطار جديد.. ورؤية جديدة.. فانها فعلت ذلك في هذا
الفيلم الذي نراه الآن من اخراج سكوت دريكسون بعد أن رأيناه في نسخته
الاولي من
اخراج »روبرت دايز« الذي اشتهر في عالم السينما عن طريق اخراجه
للكوميديات
الموسيقية الشهيرة »صوت الموسيقي« و»قصة الجمالفري«
الي جانب أفلام درامية
متعددة شديدة الشهرة توضع الآن ضمن رصيده السينمائي.
المخرج
الجديد لهذا
الفيلم.. لا يملك تاريخا سينمائيا مجيدا.. وقد رأينا له مؤخرا فيلما عن
أرواح
شريرة
تقمصت جسد فتاة صغيرة.. مما اضطر أحد رجال الدين إلي قتلها لاخراج هذه
الأرواح من جسدها.. والفيلم مأخوذ عن قصة واقعية هزت الرأي العام في
المانيا قبل
سنوات.. وهذا الفيلم الذي يشير إلي تأثر المخرج بعلم اللاهوت الذي درسه قد
وضح
تماما في اعداده الجديد لفيلم وايز القديم.
فمشكلة
الدين بدأت تطل برأسها في
أكثر من مشهد.. وفي أكثر من لفتة.. بينما كانت غائبة تماما عن الفيلم
القديم.. الذي كان هدفه.. افاقة العالم من انجرافه نحو حرب
باردة بين
معسكرين.. قد تؤدي الي فناء العالم..
وفي زيارة هذا الكوكب الفضائي للأرض الي
تحذير
انسان الأرض كي لا ينجرفوا نحو نهاية مأساوية محتومة.
الفيلم
الجديد
أيضا..
يقول إن هذا الكوكب الفضائي الذي يحمل رسولا للأرض جاء لينقذ هذه الارض
المسكينة من أهلها الأشرار الذين عاثوا فيها فسادا ولم يعودوا يستحقون
الحياة
عليها. بسبب ما يفعلونه من تجارب ومن كوارث جعلت الطبيعة تخرج
عن
اطارها.
كينو ريفز
الذي يلعب دور هذا الرسول ببراعة وبرود مدهشين وصل الي درجة
من الاقناع لم يكن يملكها مايكل ريني ممثل الفيلم القديم.
انه يقدم
لنا
وجها..
باردا لا يعكس اية عاطفة.. وعينين خلتا تقريبا من أي أثر للحياة..
ولكن مع ذلك يملك فكرا قويا..
وقوة خارقة تؤهله لأن يفعل كل شيء.. بما ذلك
احياء الموتي بعد قتلهم.
انه يصاب
برصاصة أثر وصوله للارض.. ويقبض عليه
ويخضع لتحقيقات وتحليلات ودراسات لا تنتهي.
يخرج منها دائما سالما..
ويهرب
بنفسه لكي يحقق هدفه..
خصوصا بعد أن استغل الانسان الآلي الذي يصاحبه الحرية
المتاحة له فراح يضج بكل ما يقف أمامه.. مسببا رعبا هائلا لسكان الأرض..
وتحفزا
كبيرا من القوات المسلحة الامريكية التي وقفت بعدها وتحديدها..
في محاولة لانقاذ
الأرض من الدمار..
ومن الدائرة الجهنمية التي نزلت عليها من السماء لتسبب هلاكها
وموتها، تقف علي رأس هذه القوات وزيرة الخارجية الامريكية التي
تلعب دورها كانما
باتسي بطريقة اخاذة تذكرنا بشكل مسخر بالسيدة مادلين اولبرايت.. التي
استطاعت أن
تسرق الفيلم تقريبا لحسابها..
وان تعطيه مستوي رائعا من الاداء.. ذكرنا
بأدوارها الكبيرة التي استحقت علي بعضها جائزة أوسكار.
هناك
قصة حب
كامنة.. بين رجل الفضاء كينوريفز وبين الطيببة التي تشرف علي
علاجه
»جينيفر
كونيللي« تعيش وحيدة مع ابنها الملون..
وبالطبع فاننا نحس برائحة هذا الحب..
دون أن يفصح عنه الفيلم.. كما نجحت النسخة الجديدة من الفيلم باعطاء لمحة
انسانية حلوة في شخصية الابن المراهق.. وهناك مشهد طافح بالمشاعر..
الذي ينقلب
فيه الفتي من كاره ورافض لهذا المخلوق القادم من الفضاء الي صديق معجب به
بعد ان
شاهده يحيي الموتي فيأخذه من يده إلي المقابر حيث وقف والده
ليطلب منه اعادته
للحياة.
في هذا
المشهد العابق بعاطفة انسانية جديدة تماما علي هذا النوع من
الأفلام.. استطاع المخرج أن يقدم لنا رؤية مختلفة بعض الشيء عن
الرؤي القديمة..
التي لم تكن تتجاوز رسالة السلام بين الشعوب التي كانت تنادي
بها بينما جاءت
النسخة الجديدة لتعزف علي أوتار انسانية متعددة..
سواء في
العاطفة أو في الانتماء
أو
في الخلفية الدينية اعطت الفيلم ابعادا عميقة لم تكن موجودة سابقا.
وبالطبع
علينا أن نشير الي »الافيهات التكتيكية«
التي امتلأ بها الفيلم والخدع البصرية
التي قدمت باطار مدهش.. وصلت به هوليوود الي مستوي لا يمكن أن تنافسها فيه
اية
سينما أخري في الدنيا.
ولكن هذه
النسخة الجديدة من »يوم ما توقفت الأرض عن
الدوران« يثير مشكلة الافلاس الفكري الذي تعاني منه هوليوود.. بعودتها المستمرة
الي دفاترها القديمة تستخرج منها مواضيع معروفة تلبسها أثوابا جديدة براقة
مستفيدة
بما وصلت اليه السينما من تقدم تكتيكي في هذا المجال.
ولكن مما
لاشك في أن
فيلم »سكوت دريكسون« قد حقق مفاجأة لم نكن نتوقعها.. فهو قد خرج من اطار
الفيلم القديم تماما..
وقدم رؤية معاصرة.. فيها الكثير من الانسانية.. يساعده
علي ذلك اداء شديد الجودة من كينوريفز الذي قدم لها في هذا
الفيلم وجها لم نعتده ان
كاني بيتس التي قدمت نقدا خفيا لاذعا لوزيرة خارجية أمريكا السابقة باداء
متمكن
وذكاء ملحوظ.
الي جانب
هذا الايقاع المتسارع الذي يشد المتفرج من البداية الي
النهاية وتصوير بارع عرف كيف يستغل الضباب والنور وكثافة الضوء.
ونجح في
رسم
لوحات
سينمائية مبهرة.. خرجت بهذا الفيلم من كونه مجرد فيلم من أفلام الخيال
العلمي.. الي فيلم مثير.. يحاول أن يقول شيئا وأن يضعنا أمام
مسئولياتنا..
بل
أن
يوجه لنا اتهاما مباشرا وصريحا اننا نحن أهل الارض المسئولون عما يصيبها من
دوار.. بسبب جنوننا وطموحنا واننا اذا لم نفق
.. فقد نجد أنفسنا أمام قوة
سماوية خارقة تأتينا من حيث لا نعلم لتلقننا درسا لا ننساه..
ولتحرمنا من أرض
معطاء لم نعرف كيف نحافظ عليها.
أخبار النجوم المصرية في
15
يناير 2009 |