في الذكري الستين لوفاة الفنان الكبير نحيب الريحاني, أقيمت بالمركز
الثقافي المصري بباريس مجموعة أحداث تحت عنوان' وداعا نجيب الريحاني في
ستين ألف سلامة'.
ذلك بحضور ابنته جينا الريحاني التي كان لظهورها المفاجئ جدل واسع
النطاق بين مصدق لبنوتها للريحاني وبين مكذب ومعارض.
ففي حوار خاص مع صاحبة الجدل والمفاجآت جينا الريحاني أتيحت لنا
الفرصة لتوضيح بعض النقاط وكشف الأسرار التي جعلتها متحفظة طوال تلك الفترة
عن الإفصاح لبنوتها وظهورها إعلاميا.
تقول جينا: عشت في مصر ثلاثة أرباع عمري. فمنذ الصغر كانت أمي
تصحبني معها لزيارة أبي بالقاهرة, وأذكر أن زيارتي الأخيرة معها كانت
وأبي في فراش الموت بالمستشفي.
·
حدثينا عما بعد تلك المرحلة..
بداية حياتك.. تجربتك تمهيدا للعيش في مصر؟
أنا ولدت بألمانيا وكنا نعيش وعائلتي بالأزاس- وهي المنطقة الواقعة
بين فرنسا وألمانيا- زياراتي المتكررة لمصر أثناء حياة أبي- وأنا مازلت
طفلة- نمت بداخلي انتماء ورغبة قوية للعيش في مصر, فبعد وفاته رجعت عدة
مرات في دورات معرض الجزيرة الدولي للصناعات, حيث كان احتياج رجال
الأعمال الألمان لمتحدثي اللغات- وهو حالي- حيث إجادتي للإنجليزية
والألمانية والفرنسية, فضلا عن خبرتي في الترجمة والكتابة علي الآلة
الحاسبة, بما يعني أنني كنت متمكنة من شئون السكرتارية, وأسعدني الحظ
من خلال منظمي المعارض وأصدقاء أمي بالمشاركة في معرض مصر الدولي.
و قد سبق لي, وأن أبديت رغبتي لأمي حينما كان عمري ثلاثة عشر
عاما- للعيش بمصر وكان رفضها القاطع مشيرة لي بضرورة إتمام سنوات دراستي
أولا.
·
كيف بدأت إذن رحلتك في مصر؟
تعرفت إلي زوجي في إحدي دورات هذا المعرض- سابق الذكر- وكان لنا
النصيب وتزوجنا وعشت معه في الإسكندرية ورزقت منه بولد وبنت... أما عن
المزيد عنه فلا أستطيع ذكر سوي أنه كان شخصية معروفة جدا في الإسكندرية.
·
وما سر غياب جينا طوال تلك
السنوات الخمسين.. ألم يكن ظهورك المفاجئ الآن أمرا مثيرا للجدل؟
أنا لم ولن أكون غائبة يوما عن واجبي تجاه أبي. فكنت أعمل في صمت
شديد دون الإفصاح عن شخصيتي, وقد أنجزت أشياء كثيرة لإحياء ذكري الريحاني
في تلك السنوات المذكورة. وسأذكرها تباعا. أما سبب عدم الإفصاح عن
شخصيتي فكنت مجبرة علي ذلك كي أحافظ علي زوجي وبيتي وأولادي. حيث إن زوجي
كان من أبناء الصعيد ويتمتع بكل ما تملكه الشخصية المصرية- خصوصا- في
الجنوب المصري بما نطلق عليه محافظ جدا. الأمر الذي جعله يمنعني نهائيا
من التصريح عن أنني ابنة الريحاني. ذلك شريطة استمرار الزواج والحياة معه
من منطلق أنه لو علمت الصحافة بالأمر لأثار حولي ضجيجا واسع النطاق وربما
أصبحت شخصية عامة وهو ما كان يرفضه بشدة.
·
هل كانت شخصية الزوج صعبة لدرجة
تخيفك لهذا الحد؟
لم أقصد القول بالصعوبة أو الجمود, فهو كان يكن لي حبا شديدا وهذا
الحب جعله غيورا جدا فضلا عن أنه كان يتمتع بكل الصفات الجميلة التي
أرغمتني علي احترامه والوفاء بعهدي معه حفاظا علي بيتي وأولادي. كان
طيبا, خفيف الدم, كريما جدا.. حسن الأخلاق والسمعة. ولابد لكل هذه
الصفات أن تجعلني أعيش معه في رضا وسعادة مستغنية عن الإفصاح لنسبي لواحد
من أكبر الفنانين المصريين..
·
حدثينا عن تلك المجهودات من أجل
الريحاني..وكيف بدأتها ؟
بعد مرور فترة علي الحياة الزوجية وجدت أن السنوات تمر بسرعة ولوالدي
حق كبير علي, وعهدي مع زوجي يعيق تحركاتي فسعيت سرا وبقدر المستطاع
لتخليد ذكري أبي. فأخذت من فترة غياب زوجي في العمل وقتا لإنجاز بعض
الأشياء استهلتها بزيارة قبر أبي, ومن هنا كانت بداية الرحلة من
القاهرة.
ثم فكرت في كتابة مؤلف عن نجيب الريحاني مما استدعاني لعمل أبحاث
ودراسات عنه, فذهبت لمسرح الريحاني وطلبت من القائمين عليه, وبعض من
كان لهم المعرفة والعمل معه, وطلبت منهم إفادتي بمعلومات عنه بكوني
باحثة, هذا بالإضافة إلي أنني استعنت بأرشيف الأهرام والأخبار ودار
الهلال للحصول علي بعض الصور.
ومع ذلك تأخر صدور الكتاب كثيرا وظل مجرد بضع أوراق كتبها
بالفرنسية, وسبب التأخير هو قلة الوقت فكنت ملتزمة بتربية أولادي
والتزاماتي المنزلية, فضلا عن ضيق الوقت المتاح للتحرك دون علم زوجي,
هذا بالإضافة إلي أنني قمت بعمل لافتات كبيرة وعليها اسم شارع نحيب
الريحاني وعلقتها بالشارع الكبير المنسوب لأبي في وسط القاهرة, ذلك بدلا
من تلك التي عفي عليها الزمان وأصبح لا وجود لها.
كما أنني ذهبت لمدرسة الريحاني مرات متتالية للاتفاق مع مدرسي المدرسة
لتدريس سيرة الريحاني للأطفال, وإقامة مسرح بالمدرسة يحيي ذكراه.
كما أنني سعيت كثيرا مع المسئولين لعمل متحف له بفيلته التي أصبحت
آيلة للسقوط إثر إهمالها طوال تلك السنوات, علي أن يكون هذا المتحف
لإحياء تراثه أو يكون بمثابة مدرسة لتعليم كوميديا وفن الريحاني.
كل تلك المساعي فضلا عن نشر وتوزيع المزيد من المؤلفات عن الريحاني
ومذكراته التي كتبت بخط يده. وسعيت مرارا لشراء شقة الريحاني بعمارة
الإيموبيليا ولكن ظروفي المادية لم تمكنني من ذلك, فقمت بوضع لافتة كبيرة
علي باب الشقة مكتوب عليها شقة الريحاني- سابقا- ذلك بالاتفاق مع
المستأجر الجديد, فضلا عن وضع بعض صوره بأركان الشقة بالداخل. كلها
خطوات قمت بها في صمت خلال السنوات الماضية بغية أن يبقي اسم الريحاني
خالدا.
·
بالعودة للحديث عن لوسي
ديفرناي..حدثينا عنها, هل عملت في مجال الفن حين عودتها لفرنسا
وألمانيا ؟
لقد عملت والدتي لوسي ديفرناي في الملاهي الباريسية الكبري كالليدو
والمولان روج لفترة ما. ولما أصرت جدتي علي زواجها تركت الفن وانصاعت
لرغبتها بالرغم من احتفاظها بحب الريحاني.
فتزوجت من ألماني لكن هذا الزواج لم يعمر كثيرا.. فعادت بعدها للعمل
في مجال الأزياء وعملت كمصممة بأحد بيوت الموضة الراقية بباريس. فلم
تستطع آنذاك العودة للفن نظرا لكبر سنها, ومن عالم الموضة انتقلت لوسي
إلي العمل بمجال الأعمال والاستيراد والتصدير.
·
وماذا تقول جينا للمشككين في
نسبها للريحاني؟
لو فكر هؤلاء قليلا لوجدوا أنني لا أطالب بمكاسب علي حساب الريحاني
فأنا لا أسعي للحصول علي ميراث, بل إنني أقوم ببذل الوقت والمساعي
والكثير من الأموال للحفاظ علي تراث والدي...ثم إن من يعود لمذكرات
الريحاني التي كتبها بخط يده يعلم علاقته ومدي حبه لوالدتي لوسي ديفرناي,
ومدي ارتباطه بها, وعلاوة علي ذلك شهادة ميلادي الصادرة من ألمانيا وهي
خير دليل, ولكني لا أود الرد علي هؤلاء ولا أسعي للإثبات لهم أنني ابنة
الريحاني من عدمه, بل إن كل همي تخليد ذكري أبي واستثمار كل لحظة حالية
ومقبلة من عمري لهذا الهدف.
·
وماذا عن أبنائك.. عملهم
وحياتهم..أين هم الآن؟
أولادي يعيشون بمصر في بلدة أبيهم وجدهم الريحاني... وقد ذكرت لكم
أنني لا أريد الحديث عن أولادي, دعوهم في منأي عن حكايتي خصوصا أن ابنتي
لا ترغب نهائيا في أن نتحدث عن والدها فهي ورثت نفس طباعه وفكره, وتعيش
نفس الحياة التقليدية المحافظة علي عادات وتقاليد والدها وعائلته المصرية
الأصيلة, رافضة أي هالة إعلامية حول حياتنا الخاصة.
ومن جهتي فقد أتيحت لي الفرصة بعد وفاة زوجي أخيرا لكي أخرج وأعلن علي
الملأ عن وجود ابنة تحمل اسم الريحاني.
ويذكر أنه حينما تسلمت جائزة تكريم أبي في مهرجان السينما2007
بالقاهرة, فقد اعتقدت أنه بحضوري هذا التكريم تنتهي علاقتي بالإعلام,
لأعود أو أستكمل المشوار بنفس الطريقة التي كنت أعمل بها تحت اسمي
المستعار- أميرة- لكن كل ما توقعه زوجي قد حدث ولم أستطع اليوم الهروب
من الإعلام وعلي كل الأحوال أنا أجد أن موافقتي علي ذلك, تأتي ضمن مساعي
تخليد ذكري والدي.
·
سمعنا أن جينا الريحاني ورثت
موهبة فنية.. حدثينا عنها ؟
بالفعل لدي بعض المشروعات الفنية فأنا أستعد لتصوير مسلسل مع المخرج
محمد كامل القليوبي في مارس أو إبريل المقبلين, كما سنشارك في عمل مسرحية
من تأليفي وهي معالجة درامية لمشكلة حقيقية في مصر تدور قصتها حول السيدات
الأجنبيات من السائحات اللاتي يتزوجن الشباب الذين يصغرهن سنا. وهو ما
يحدث غالبا في الأقصر وأسوان...
وتقول جينا: ذهبت للأقصر أكثر من مرة لعمل أبحاث علي أرض الواقع,
واستلهمت أفكار المسرحية من هناك, وقامت بكتابتها إحدي صديقات المخرج
محمد القليوبي ويذكر أن الموضوع مهم جدا ولم يتناول بعد.
·
ومتي سيبدأ عرض هذه المسرحية..
وهل يقف دورك عند التأليف ؟
المسرحية مازالت في إطار مشروع قابل للتنفيذ وسنبدأ البروفات حينما
نحصل علي عقد مع مسرح قطاع عام.. أما عن دوري فأنا سأقوم بتمثيل دور
البطلة فيها.
·
ولماذا القطاع العام..؟ ومتي
ستبدأ البروفات ؟
النقاد يولون مسارح القطاع العام اهتماما خاصا وأنا أجد أن مسارح
القطاع الخاص لا تستحوذ علي هذا الاهتمام.. أما عن بداية البروفات فهذا
يتوقف علي وجودي بمصر حيث إن المساعي المبذولة لإحياء ذكري الريحاني
بالخارج تجعلني في حالة تنقل وسفر دائم, فمثلما ترون اليوم في باريس وسوف
أسافر بعدها للندن, وسوريا ولبنان بغية جمع وإحياء تراث الريحاني.
·
ذكرت في حديثك معنا أن هناك
ثلاثة أحداث مهمة ذكرنا اثنين منها: المسلسل, والمسرحية.. ما الحدث
الثالث ؟
مازال الوقت غير مناسب للإعلان عن الحدث الثالث, وسأحدثكم عنه حين
زياتي المقبلة لباريس إن شاء الله.
وفي نهاية الحوار مع ابنة الريحاني أكدت أنها سوف تعمل حتي آخر يوم في
عمرها لإحياء ذكري أبيها حتي يبقي خالدا في ذاكرة أجيال اليوم والغد, ذلك
من خلال نشر المزيد عنه بجميع اللغات والاستمرار في عرض أفلامه وعمل
المعارض عنه, مضيفة: خصصنا جوائز باسم نحيب الريحاني بالمدارس
للتلاميذ.وأعطينا المكتبة مؤلفات متنوعة عنه حتي تتمكن أجيال النشء من
معرفة الريحاني, وكأن لسان حالي يقول للأطفال: لا تنسوا أن هناك فنانا
عملاقا كان في حقبة منصرمة اسمه الريحاني.
كما أفصحت جينا الريحاني عن نيتها في الرجوع لباريس قريبا من أجل عمل
المزيد من الأنشطة عن والدها في محافل فرنسا الثقافية مثل معهد العالم
العربي وغيره. وفي هذا الإطار يعيش جمهور المركز الثقافي المصري بقلب
الحي اللاتيني بباريس- علي مدي شهر فبراير الحالي- مع ذكري الفنان
الراحل نحيب الريحاني احتفالا بالذكري120 علي مولده والستين علي وفاته
حيث سيعرض عددا من أفلامه, وندوة من مذكرات الريحاني وابنته*
الأهرام العربي في
21/02/2009 |