والدراما المغتالة
هنا هي الدراما الاذاعية، التي صدرت قرارات داخل مبني ماسبيرو مؤخرا بتجميد
انتاجها، مما ينعكس بالضرورة علي عمل الكثير من الفنانين والفنيين الذين
يعملون
في هذا المجال،
وبصورة خاصة مجموع الممثلين الذين كرسوا جهودهم ورتبوا حياتهم علي
العمل بالدراما الاذاعية بصورة اساسية، رغم تدني أجور ومكافآت العمل في هذا
المجال، هذا الي جانب القضاء علي فن خلق مخرجينا كبارا من أيام عثمان اباظة
ومحمد
علوان حتي حسني
غنيم وأحمد فتح الله، وجذب مؤخرا مخرجي السينما والتليفزيون،
فمازال له رونقه وجاذبيته وقيمته الثقافية، إلي جانب خطورته الإعلامية الكامنة
في قدرة هذا الفن الدرامي علي نقل رسائل الإعلام دون مباشرة تجعل المتلفي
متحفظا
تجاهها كما يحدث في البرامج الحوارية والتسجيلية الأخري.
إلي جانب هذا وذاك
تبرز قيمة أخري تتعلق بتنشيط ملكة الخيال لدي المتلقي، عبر خلق صور مرئية
غير
محدودة الأبعاد، تلعب المؤثرات الصوتية مع الموسيقي والأداء التمثيلي دورا
في دفع
المستمع لخلقها والتحليق معها في عوالم مطلقة،
غير مقيدة بما يحدده الديكور
المبني والملابس المصنوعة وزوايا الكاميرا المحاصرة للأماكن والكاشفة عن
تفاصيلها،
بينما تمنح الصورة الاذاعية، بكل المشحون فيها من صياغة درامية،
المستمع فرصة
تصور القصور والحواري والشوارع القديمة والمستقبلية، فيمتزج الواقع بالخيال،
ويسبح المتلقي،
كما كنا نسبح قديما، مع صوت زوزو نبيل، المجسد لشخصية
الراوية »شهرزاد« في عالم الف ليلة وليلة، فيطير مع علاء الدين ومصباحه
السحري، ويشارك السندباد مغامراته السبع،
ويصعد جبال النحاس، ويهبط لحواري
القاهرة وأزقة بغداد باجوائها التاريخية غير الموجودة الآن علي أرض
الواقع.
لهذا نجحت الدراما الاذاعية في أن تخلق لنفسها اعمالا ابداعية غير
متكررة من مسلسلات (المملوك الشارد)
و(القط الاسود)
و
(العسل المر)،
وتمثيليات (عذراء الربيع) و (علي بابا) و (فسم) الشهيرة ببطلها مرزوق
العتقي والسلطانية، وصاغت صورا غنائية بديعة من امثال
(السوق) و (والدندرمة)
و (نزهة) المعروفة بأغنية الجوز الخيل والعربية، وأعلن
الاذاعي الكبير الراحل ايهاب الازهري،
صاحب البرنامج الشهير (عزيزي المستمع
الخوف ممنوع)، اعلن ذات يوم ان
(الناس علي دين اذاعاتهم)
وذلك في كتابه
المتميز والذي يحمل هذه الجملة عنوانا له، مشيرا إلي هذا الدور الخطير الذي تلعبه
الاذاعة في تغيير وعني الناس بواقعهم، ومهما حدث من تقدم في مجال الصور المرئية
السينمائية والتليفزيونية،
يظل للاذاعة بريقها الخاص، وتظل للدراما الاذاعية
جاذبيتها المتعاملة مع اذن المستمع، دون أن تقيده بالجلوس أمام مصدر بثها
كالسينما والتليفزيون والمسرح والفن التشكيلي.
بالطبع هناك جوانب اخري تتعلق
بموضوع تجميد انتاج الدراما في الاذاعة المصرية، ترتبط بتخلي الدولة عن مسئوليتها
الثقافية تجاه مجتمعها، وترك امر الإبداع بأيدي شركات الانتاج الخاصة،
التي
ستربط نفسها حتما بشركات الإعلانات، التي ستمول أو تكفل أو علي الاقل ستصاحب بث
هذه التمثيليات الدرامية عبر الميكرفون،
مما يخضع الدراما للاعلان،
ويفسد ثقافة
الأذن مثلما يحدث الآن من عمليات إفساد ثقافة العين وتدمير
الدراما المرئية في
التليفزيون اليوم.
وأخيرا أن لدينا مهرجانا سنويا يحمل اليوم اسم (مهرجان
الاعلان العربي)
، بعد ان كان يحمل عنوان (مهرجان الاذاعة والتليفزيون«،
وتتنافس فيه الدراما الاذاعية المصرية مع مثيلاتها العربية.
فبأي دراما
ننافس؟.. وبأي مسلسل نؤكد اننا مازلنا نبدع؟
أخبار النجوم المصرية في
26/02/2009 |