مرة أخرى أجد نفسي مرغماً في الخوض في موضوع يبدو انه يطرح في
آخر اهتمامات القائمين على تلفزيوناتنا العربية ولكن المفاجأة
جاءت هذه المرة سارة
بامتياز، فبينما أنا منكب على كتابة هذا المقال خرجت علينا الاكاديمية
الدولية
للفنون التلفزيونية لتعلن عن تفوق مسلسل 'الاجتياح' على ازيد من 500 عمل
تلفزيوني
من مختلف انحاء العالم لنيل جوائز 'الايمي' ووصوله إلى التصفيات النهائية
بل
والانكى من ذلك حصوله على الجائزة كأول عمل عربي يصل إلى هذا
المستوى واستطاع
مقارعة العالم كله، وبذلك يأتي الرد على كل الذين عملوا على طمس نجاح هذا
العمل
والأهم من ذلك كله اخفاء المضمون الذي يحمله وهو يجسد حقيقة وفظاعة ما
يتعرض له
الشعب الفلسطيني وخصوصاً قبل اجتياح مخيم 'جنين' وبعده وما
رافق ذلك من احداث مؤلمة
واخرى اكثر من مشرفة تبرز بطولة الانسان الفلسطيني وبسالته والاهم انه قدم
بشكل
موثق، لتطل الفضائيات العربية بهذا القرار مخلصة لدورها المعتاد والمتكرر
والذي
اضحى مثيرا للسخرية حقا، في ازدواجية غريبة بين ما تعلنه من
تضامن ومساندة لقضية
فلسطين العادلة وبين محاربتها لها في السر والتبرؤ منها خوفا على مصالحها
التي وعلى
ما يبدو اهم من اي شيء آخر، والعمل كما يعرف الجميع من بطولة نخبة من نجوم
الدراما
السورية والاردنية نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر النجم
عباس النوري والنجمة
صبا مبارك والنجوم عبدالمنعم عمايري ومنذر رياحنة ونضال نجم وناذرة عمران
وحسن
عويتي وديما قندلفت ومن اخراج التونسي شوقي الماجري، وقد تعمدت ذكر البلد
الذي
ينتمي إليه الفنان رغم ايماني المطلق بوحدة المسار واننا كلنا
واحد (ونتمنى ان نصبح
كذلك) لابرز مدى التلاحم الذي كان سيد الموقف بين كافة مكونات العمل وصناعه
وهذا ما
كان يجب ان يكون له انعكاس ايجابي على تسويق المسلسل، ولكن مع كامل الاسف
فمطرب
الحي لا يطرب وهذه المقولة اثبتت جداوها على الاقل مع هذا
المسلسل بالضبط، فبعد ان
استبشرنا خيرا بما حققه مسلسل 'التغريبة الفلسطينية' من كسر للمعادلة التي
كانت
رائجة (وللأسف هي لا زالت كذلك) بأن كل عمل له صلة بالحقيقة كي لا نقول له
علاقة
بالقضية الفلسطينية يحكم عليه بالاعدام حتى قبل ولادته، حيث ان
ذلك المسلسل حظي
بنسبة متابعة عالية جدا وقدم بحرفية كبيرة وهذا الأمر ليس غريبا على صناعه
بدءا
بالشركة المنتجة وهي شركة سورية الدولية للانتاج الفني والكاتب الدكتور
وليد سيف
والمخرج الرائع دوما حاتم علي الى النجوم المشاركين فيه جمال
سليمان وخالد تاجا
وجولييت عواد وباسل خياط وتيم حسن ورامي حنا ونسرين طافش وسليم صبري ويارا
صبري
والعديد من النجوم، والغريب انه عرض في اكثر من فضائية عربية وعلى غير
العادة هذه
المرة، ولعل هذا الأمر ما يجعل فرص اقبال المنتجين على مثل هذا النوع من
الأعمال
يكون مصحوباً بالحذر الشديد خوفاً من المصير الذي اضحى حتمياً
مع الاشادة التامة
بالشجاعة التي يتحلى بها صناع الدراما السورية رغم ما عانته هي الاخرى قبل
سنوات من
حصار مفروض عليها، وما دمنا في حديث الاشادة والتنويه فلابد من توجيه
التحية
للقائمين على قناة 'ال بي سي' الفضائية اللبنانية على الاصرار
غير العادي والايمان
المطلق الذي تحلت به تجاه مسلسل 'الاجتياح' وخير مكافاة تتلقاها على ذلك
حصول العمل
على جائزة من ذلك الحجم، وفي الختام لطالما واصلنا على هذا النهج وواصلنا
السير فيه
فلا امل في دراما عربية مشتركة تترقى بنا إلى مصاف العالمية
ولنا من الطاقات
والمواهب ما يؤهلنا لبلوغ الهدف المنشود شرط الابتعاد عن المؤامرات
والدسائس والطعن
من الخلف والف تحية لصناع ملحمة 'الاجتياح'.. والف عتاب وتأنيب للذين لا
يدخرون
جهدا من اجل ردم هذه الملحمة واخفاء معالم نجاحها ولهم اقول لم
تنجحوا ولن
تنجحوا..
كاتب من المغرب
القدس العربي في
27/02/2009 |