علي بعد70 كم من العاصمة البلجيكية بروكسل احتفلت الأسبوع الماضي
مدينة' مونس' ـ القريبة من الحدود الفرنسية والتي تتميز بالهدوء وجمال
الطبيعة برغم صغر حجمها وقلة عدد سكانها الذي لا يتعدي الــ100 ألف نسمة
أو أقل قليلا يتحدثون اللغة الفرنسية ـ باليوبيل الفضي لمهرجان أفلام الحب
الذي يقام كل عام في شهر فبراير.
بدأ الاحتفال بإلقاء الناقد' أندريه ستوريك' نائب رئيس المهرجان
بكلمة الافتتاح بالقاعة الملكية في مونس, ثم أعقبها عرض فيلم'
الجواسيس', أما عدد الأفلام المشاركة في أقسام المهرجان المختلفة فقد
تعدي الــ115 فيلما تنتمي لــ36 دولة من قارات مختلفة, ويقتصر عدد
أفلام المسابقة الرسمية علي أحد عشر فيلما أبرزها الفيلم الفرنسي' اعتن
بنفسك تعتني بك السماء' للمخرج' فرانسوا دوبيرون' الذي يعرفه الجمهور
المصري بعدما قدم فيلم' السيد إبراهيم وزهور القرآن' بطولة النجم
المصري العالمي عمر الشريف منذ خمس سنوات, لكن فيلمه الجديد يناقش مشكلة
في غاية الأهمية تشغل بال المجتمع الفرنسي خصوصا أصحاب البشرة السمراء,
حيث يحكي الفيلم قصة أسرة من أصل إفريقي تعيش في أحد الأحياء الفقيرة داخل
باريس وتعتمد بشكل أساسي علي الزوجة' سونيا' التي تعمل في محل لتنظيف
الملابس وتتحمل إدارة منزل مكون من أربعة أبناء وزوج يلعب القمار, مما
يضعها تحت ضغط كبير, وفي الوقت نفسه تكثر مشكلات الأبناء, حيث تطارد
الشرطة ابنها الأكبر الذي يعمل لحساب تجار المخدرات وتعاني البنت الصغري من
الانغماس في علاقة غير شرعية تنتهي بأن تكون حاملا في شهرها السابع ويعاني
الولد الصغير من حالة انطواء واللعب علي الأسطح العالية, مما يعرضه للخطر
مرات كثيرة, ويوم زفاف البنت الصغري تحدث مشاجرة بينها وبين الأب الذي
بدد أموال زفاف ابنته في لعب القمار, وأثناء الاستعداد للزفاف تكتشف الأم
أن زوجها قد مات فتخفي الأمر عن الأولاد, وبعد خروجهم تستغيث بجارها
الفرنسي' الأبيض' الطاعن في العمر فينصحها بدفنه في بدروم العمارة حتي
لا تتعرض للمساءلة القانونية التي لا تعترف بوجودها في فرنسا فتقبل بالأمر
الواقع حتي تستفيد بالمعاش الذي يصرف له, وتخبر الأولاد بأن أباهم سافر
لكن العجوز ظل يطاردها بعد ذلك ويساومها علي ذلك وإلا سيبوح بالسر,
وعندما تحقق له رغبته رغما عنها يخبرها بأنه سيموت ويطلب دفنه بجوار زوجها
كي تستفيد من معاشه الذي يأتيه عن طريق البريد, فتوافق حتي توفر لأولادها
حياة كريمة في إشارة لمعاناة الأسر الإفريقية وما تلاقيه في فرنسا, وبرغم
الميلودراما العالية التي تظهر في كل مشاهد الفيلم فإن المخرج تعامل مع
الأحداث وكأنه يرسم لوحة فنية تنتقل خلالها العين من مشهد إلي آخر بنعومة
مريحة للعين مع اختيار زوايا تصوير غاية في الروعة, حتي إن المشاهد لا
يستطيع البعد عن متابعة الأحداث التي أمامه, أما الأداء التمثيلي فشهد له
كل من تابع الفيلم برغم عدم وجود أسماء معروفة, حتي إن بطلة العمل حصلت
علي تحية كل الحاضرين عندما تم اختيارها لنيل جائزة أحسن ممثلة.
أما الحضور العربي فكان له وجود واضح برغم قلة عدد الأفلام
المشاركة, سواء داخل المسابقة الرسمية أم خارجها, وتمثل في أفلام'
أيام الضجر' للمخرج السوري عبداللطيف عبدالحميد وفيلم' عيد ميلاد
ليلي' للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي وفيلم' الحب المحجب' للمخرج
المغربي عزيز سلمي, وقد حاز فيلم' أيام الضجر' علي تصفيق جميع من
حضروا العرض, والذي يحكي قصة حياة أسرة بسيطة تسكن فوق مرتفعات الجولان
عام1958 أثناء زمن الوحدة بين مصر وسوريا, والمعاناة التي لقيتها عندما
تم استدعاء رب الأسرة الذي يعمل مساعدا في الجيش السوري لعمل عمليات عسكرية
داخل الأراضي المحتلة وإرغام الأسرة علي الهجرة من أرضها إلي الجنوب خوفا
من تحرك الأسطول السادس الأمريكي الواقف أمام السواحل اللبنانية, وقد
ظهرت براعة المخرج في تصوير هجرة الأسرة ونقل إحساس الغضب, مما يحدث داخل
الأتوبيس الخاص بنقل الأسر ولمحة التعايش بين المسلمين والمسيحيين في
المجتمع السوري من خلال نظرات الحب التي ظهرت بوضوح بين الولد الكبير
للأسرة وبين زميلته المسيحية في المدرسة, لكن يؤخذ علي المخرج إطالة بعض
المشاهد التي من الممكن اختصارها مثل مشهد النهاية الذي يعود فيه رب الأسرة
وقد فقد بصره وإحدي يديه أثناء الغارات لكنه في النهاية حصل علي ثناء
الجمهور الذي حضر الندوة وأشاد بالفيلم.
أما جائزة أحسن فيلم مشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان فقد ذهبت
للفيلم الفلسطيني' عيد ميلاد ليلي' للمخرج رشيد مشهراوي الذي عرض يوم
الاثنين, فقد استطاع المخرج بخبرته الكبيرة أن ينقل المشاهدين ويذهب بهم
إلي الأراضي المحتلة ويضعهم جنبا إلي جنب مع ما يعانيه الشعب الفلسطيني
جراء الاحتلال الإسرائيلي, من خلال أحد سائقي التاكسي الفلسطينيين الذي
جسده' محمد بكري' الذي يتذكر أن اليوم هو عيد ميلاد ابنته ليلي فيذهب
لشراء هدية عيد الميلاد لكنه يصطدم بعقبات تبعده تماما عن العودة للمنزل
والاحتفال مع أسرته بعيد الميلاد, وقد أشاد الحاضرون بجراءة الفكرة
والمغامرة التي حدثت للتصوير داخل الأراضي الواقعة تحت الاحتلال بالإضافة
لباقي عناصر العمل من إضاءة وتصوير وإخراج وسيناريو وتمثيل, ولم تكن
مفاجأة أن يفوز بجائزة أحسن فيلم.
أما جائزة لجنة التحكيم فذهبت لفيلم' حدائق الليل' الذي أخرجه'
داميان هاريس' والذي يناقش قضية مهمة تهم جميع الشعوب ومن بينها الشعب
المصري وهي قضية خطف واغتصاب الأطفال الصغار, وما يحدث جراء هذه الجريمة
البشعة من تشريد أطفال أصبح الشارع هو المأوي الرئيسي لهم, مما يجعلهم
خطرا علي المجتمع الذي يعيشون فيه برغم أنهم في الأساس ضحايا, لكن صناع
الفيلم تعاملوا مع القصة بحرفية شديدة من خلال فتاة صغيرة في الثامنة من
عمرها' ليزلي' تخرج من المدرسة عائدة إلي البيت فتجد شخصا يقول إن
والدها قد أرسله ليأتي بها إلي البيت, ويذهب بها إلي بيت آخر به أحد
الأطفال في نفس مرحلتها العمرية. وبعد دخولها المنزل يأتيها المختطف
منزوع القلب ويغتصبها, ثم بعد ذلك يجبرها علي العمل في الدعارة مقابل أن
تأتيه بالمال, وتظل الحال علي ما هي عليه إلي أن تصل إلي عمر الثانية
عشرة فتهرب هي وصديقها وتفترش الأرض وينامان أسفل الكباري وفي الحدائق
العامة وتكون الدعارة هي المهنة الرئيسية لهما ثم فجأة يتعرف أحد رجال
المباحث إلي' الفتاة' ويبحث عن أهلها إلي أن يجدهم فتعود الفتاة لحضن
الأسرة, لكنها تكتشف أن لها أخوات صغارا ولدوا بعد خطفها فتحاول أن
تتعايش مع الموقف, لكن سنوات التشرد والاختطاف برغم صغر عمرها تظل تنغص
عليها حياتها وتجعلها تشعر بأن حياتها الماضية وصمة عار لا تتناسب مع حال
أسرتها الجديدة, فتعود هاربة إلي الشارع الذي جاءت منه مرة أخري, ويحسب
للمخرج الاختيار الموفق للطفلة التي لعبت دور البطولة والتركيز علي تعبيرات
وجهها التي خرجت وكأنها طبيعية, كذلك أماكن التصوير واللعب بالإضاءة بشكل
مدروس تماما مما يجعل المشاهد يعيش بداخل الأحداث*
من داخل المهرجان
* نال الفيلم الروماني' نزهة' للمخرج إدريان سينارو استحسان
جمهور الحاضرين برغم اقتصار العمل علي ثلاث شخصيات رئيسية فقط يظهرون علي
الشاشة طوال ساعة ونصف الساعة هي مدة الفيلم.
* ماريان خوري هي رئيس إحدي لجان التحكيم في المهرجان.
* تقام العروض في القاعة الرئيسيةimagex نهارا وليلا في قاعةplzza.
* الغداء يبدأ يوميا من الساعة الواحدة في قاعةexpo حيث يتجمع كل ضيوف المهرجان فيها, أما العشاء فيكون باختيار
الضيوف في أحد مطاعم المدينة الراعية للمهرجان.
* الفنانة التونسية درة عرض لها علي هامش المهرجان الفيلم
التونسي7 شارع الحبيب بورقيبة.
* كان مقررا أن تشارك مصر بفيلم جنينة الأسماك للمخرج يسري نصر الله
لكن لم تكتمل ترجمته للغة الفرنسية.
الأهرام العربي في
28/02/2009 |