معظم الأفلام التي تنقل من صفحات “الكوميكس”، أو المجلات المصورة
صغيرة الحجم، الى شاشات السينما تكمن على يمين الخط السياسي على نحو آلي.
ذلك لأن مفهوم البطل الخارق الذي يؤول على نفسه تحقيق العدالة الغائبة
وإحلال القانون في حال هوانه والدفاع عن الحريّات والمظلومين، هو مفهوم
يبدو مقبولاً في الوهلة الأولى على أساس أن المرء بحاجة الى بطل يحميه من
الشر والأشرار الذين يرتعون في غياب الرادع الرسمي. البوليس هنا إما عاجز
عن الحركة او فاسد مرتش او ليس مجهّزاً بالأدوات التي تجعله قادراً على
إحراز النصر في معركته ضد الجريمة المنظّمة التي عادة ما يقودها شخص يتمتّع
بقوى مماثلة لتلك التي يتمتّع بها البطل الخارق او “السوبر هيرو” كما
يُصطلح على تسميته.
في نظرة أعمق، فإن هذا المفهوم يحصر الشرور في أشخاص وليس في مجتمعات
ويجد في استخدام القوّة الفردية كل التبرير لإلغاء دور القانون الذي يريد
الدفاع عنه وحصر المهام بالحل العسكري وحده.
فيلم زاك سنايدر (“يوم الموتى” ومثله “300”) الجديد يتجاوز “باتمان”
و”سوبرمان” و”سبايدرمان” في هذا الشأن ويصب مباشرة في تبرير ما هو أفدح:
استخدام القوّة النووية لخلق سلام شامل على الأرض. وفي لائحة تضم الأفلام
التي تدعو للحل العنفي فإن سلسلة تشارلز برونسون “أمنية موت” التي خرجت في
السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ومنحت بطلها (غير الخارق) كل الحق
في اقتناص القتلة بنفسه، باشرت سلسلة واسعة من الأفلام المماثلة التي تنتهي
هنا بحق البطل الخارق (المصنوع على ذات النموذج) تدمير الأرض إذا كان لابد
لأجل خلق حياة أفضل.
هذا مبدأ هتلري- نازي- فاش معروف، وهذا ما يتبنّاه زاك سنايدر في
فيلمه “الحراس” من دون جدال.
القصّة عن مجموعة من الشخصيات القويّة التي لها تاريخ عمل مشترك والتي
وصلت الى باب موصد حين منعتها الحكومة من ممارسة عملها فتفرّقت. يبدأ
الفيلم (الذي تبلغ مدّة عرضه نحو ساعتين ونصف الساعة) باغتيال أحد أفراد
المجموعة وعند النهاية نعلم هوية المغتال (الذي لا يجوز الإفصاح عنه حفاظاً
على مفاجآت الفيلم ووقعها على المشاهدين) لكن ما بين البداية والنهاية رحلة
حول حياة تلك الشخصيات الأربعة الباقية وتمزّقها بين رغبتها في العودة الى
ما كانت عليه وبين بحثها عن الاستمرار في حياة مدنية. في الإطار المحيط،
فإن الاتحاد السوفييتي، والأحداث تقع في الثمانينات من القرن الماضي، يهدد
الأمن القومي الأمريكي وأمن دول أخرى والرئيس نيكسون (في ولايته الثالثة
حسب الفيلم). وهناك جهة تشكّل طرفاً ثالثاً تخطط لهولوكوست نووي وعلى الرغم
مما تجده من معارضة، الا أن مفهومها هو الذي ينتصر وهو المفهوم الذي ينتهي
اليه الفيلم ذاته مكرراً أنه في بعض الأحيان يكون من الضروري التضحية
بالبعض لأجل الغالبية. ولتأكيد ذلك، فإن إحدى الصور الأخيرة التي يوردها
الفيلم، لقاء حب ومودّة بين الإدارتين الأمريكية والروسية التي كانت، حسبما
يقول الفيلم، على شفير حرب عالمية قبل أيام قليلة لكن المأساة وحدّتهما.
الأجواء الداكنة في هذا الفيلم ليست كتلك التي في سلسلة “باتمان”
القديمة او الحالية. هناك هي داكنة لأن الشر سطا لحين ظهور باتمان، ولأن
باتمان لا يستطيع الظهور الا في أجواء ليلية كشأن الوطاويط التي ينتمي
إليها. أما هنا فإن الأجواء داكنة لأن معظم الشخصيات، تلك التي تقدم
كأبطال، سادية، وجميعاً عنيفة قاسية. والفيلم يعمل على منوال تشجيع
انتقالها من بعض العنف الى كل العنف كشرط لمواجهة الشر والأشرار.
مثالان بارزان، من بين أمثلة أخرى، على ذلك. شخصية وولتر كوفاكس (جاكي
إيرل هايلي) شخصية يعذّبها ضميرها تعرّفنا على تاريخها فتقول إنها كانت
عادة متهاونة مع الأشرار الى أن داهمت رجلاً كان اختطف فتاة صغيرة قتلها
وترك بعض بقاياها لكلابه. وولتر يتناول فأساً ويحل محل القانون بأسره فيضرب
رأس المجرم لا مرّة او مرّتين بل مرّات عديدة. نقلته الى العنف خلّصته من
تبعات الحيرة عن هويّته وموضعه في المجتمع.
المثال الثاني كامن في شخصية دان (باتريك ولسون) الذي كان واحداً من
المجموعة قبل أن يعيش على أنقاض ماضيه وحيداً. حين تلجأ إليه زميلة الأمس
لوري (مالِن أكرمان) يُعاملها كمجرد صديقة وحين تجرّه الى بدء ممارسة الحب
معها يتوقّف بعد قليل شاعراً بعجزه. دان، الذي يستخدم نظارة طبّية طيلة
الوقت، يكتشف بعد ظهور عجزه، أن عليه أن يعود الى دور البطولة الذي يفتقده
في داخله فيرمي النظّارة لأن عينيه الآن عشرة على عشرة بعد هذا القرار
ويرتدي البذلة المطّاطية ويركب في تلك المركبة التي تشبه البيضة الحديدية
والمزوّدة بالعتاد والعدّة ويقرر -ومعه لوري- العودة الى سابق عهده. نتيجة
ذلك أنه في المرّة الثانية التي تُتاح له فيها فرصة ممارسة الحب مع لوري
يتجاوز عجزه مستعيداً كامل قوّته. المفاد هنا هو أن الضعف صاحب وولتر حين
كان لا يزال غير قادر على أن يحل محل القانون ويقاضي المجرمين بنفس
أسلحتهم، وصاحب دان حين اقتنع بالحياة الاجتماعية او المدنية.
"سان
فرانسيسكو" يحتفي بروبرت
ردفورد
في دورته الجديدة، رقم ،52 يُقيم مهرجان سان فرانسيسكو السينمائي
الدولي تظاهرة خاصّة احتفاء بالممثل والمخرج روبرت ردفورد يمنحه فيها
جائزته التكريمية الخاصّة.
يشمل الاحتفال أيضاً عرض مقاطع من أفلام لن تعرض في التظاهرة ولقاء
مفتوحاً بين المخرج- الممثل وجمهور المهرجان. ومن بين الأفلام التي ستعرض
“بوتش كاسيدي وسندانس كيد” العمل “الوسترن” الذي كان لعبه مع الممثل بول
نيومَن تحت إدارة المخرج الراحل جورج روي هيل سنة 1969.
المناسبة ذات وقع مزدوج من حيث أن كلاً من المهرجان والممثل- المخرج
المحتفى به له تاريخ سينمائي كبير وصل الى ذروته قبل سنوات وتوقّف عند سقف
معيّن.
بالنسبة للمهرجان فإن هذه المناسبة التي كانت تستقطب سينمائيين من كل
أنحاء العالم وتحظى بعروض أولى وبشعبية وإقبال جماهيري وإعلامي واسع هي
أصغر اليوم وأضعف مما كانت عليه.
المهرجان كان في الستّينات والسبعينات من القرن الماضي من جملة
النشاطات التي عبّرت عن الحياة الثقافية الجديدة حول العالم. مثله في ذلك
مثل صدور مجلات السينما المتخصصة بوفرة، واقتحام المخرجين المتميّزين
للصناعة السينمائية واستقبال صالات السينما حول العالم لإنتاجاتهم
الإبداعية الفريدة، كما هي الفترة التي كانت حافلة بالأساليب الثرية في
التعبير وبالقضايا الإنسانية الشاملة مع انتشار حالة وعي ثقافية وإنسانية
غير مسبوقة على صعيد شاسع كالذي انتشر.
من ناحيته، كان روبرت ردفورد من بين العلامات المميّزة لتلك الفترة.
إنه واحد من الممثلين الغربيين الذين استبدلوا السائد من التمثيل
الهوليوودي التقليدي، بملامح أكثر طبيعية وأحد عشرة ممثلين صنعوا نجوميّتهم
بالعمل مع مواهب مستقلّة او تتعامل مع “هوليوود” بشروطها الخاصة. من
الآخرين في هذا المجال، جاك نيكولسون، وسيدني بواتييه، وورن بايتي، ودستين
هوفمان، وروبرت دي نيرو وآل باتشينو.
مثل كثر سواه، بدأ روبرت ردفورد بأدوار صغيرة، لكنه سريعاً ما برهن
على نجاحه في تلك الأدوار حيث استطاع الانتقال الى الصف الثاني سريعاً من
البطولة بعد ثلاثة أفلام من الأدوار الصغيرة. في فيلم آرثر بن “المطاردة”
شارك مارلون براندو الظهور ثم انفرد بالبطولة الرجالية من بعد ذلك حين لعب
أمام الراحلة نتالي وود بطولة “هذه الملكية مُدانة” سنة 1966.
فيلم “بوتش كاسيدي وسندانس كيد” كان نقلة أخرى للأمام وتمهيداً لسلسلة
أفلام كشفت عن أن صاحب الوجه الوسيم والشعر الأشقر يستطيع -وبالإقناع ذاته-
تأدية أدوار خشنة بابتسامة او من دونها. وردفورد لم يكن الممثل الذي يريد
توظيف وسامته لقبول أي دور يُعرض عليه، لذلك ربط مهنته وتقدّمه فيها بنوعية
المخرجين الذين يتعامل معهم. والى جانب آرثر بن وجورج روي هيل، ظهر تحت
إدارة مايكل ريتشي وألان ج. باكولا وبيتر ياتس. لكن بعض أبرز أفلامه كانت
تحت إدارة سيدني بولاك الذي أخرج له سبعة أفلام.
أفلام القمة
سياسة التقشّف سائدة في
"هوليوود"
سطا فيلم “الحرّاس” كما كان متوقّعاً، على القمّة هذا الأسبوع في وقت
الإعلان عن أن ايرادات السينما واصلت ارتفاعها في الشهر الثاني من هذا
العام بنسبة خمسة عشرة في المائة عن الفترة ذاتها من العام السابق.
رغم ذلك، فإن سياسة التقشّف سائدة في “هوليوود” هذه الأيام. إذ استغنت
“صوني” عن 350 موظّفاً وكانت “وورنر” استغنت عن عدد مماثل قبل شهر من الآن.
وها هي شركة “دريمووركس”، التي يشارك في رئاستها المخرج والمنتج ستيفن
سبيلبرغ تبحث عن تمويل إضافي بعدما اعتذر أحد المصارف عن عدم إقراضها نحو
400 مليون دولار طلبتها.
وفي حين سجّل “الحراس” نحو 55 مليون دولار سريعة سقط تماماً فيلم
“الأخوان جوناس” وهو تسجيلي عبارة عن حفلة للفريق الغنائي الذي يُقال إنه
ذائع. وكان حط في المركز الثاني في الأسبوع الماضي، لكننا نجده في المركز
التاسع هذا الأسبوع ولن نجده في أي مركز في الأسبوع المقبل.
فيلم “مخطوفة” البوليسي، بطولة ليام نيسون، حافظ على رواجه لجانب
“المليونير المتشرد” و”شرطي المول”. في الأسبوع المقبل سيجد “الحراس” نفسه
في منافسة مع فيلم رعب حُشدت له دعاية قوية منذ بضعة أسابيع هو “البيت
الأخير على اليسار”.
شاشة البيت
الشاشة البريئة
عمد بعض المؤرخين الأجانب، عن قصد او جهل، الى اعتبار “سنو وايت
والأقزام السبعة” الذي رسمه وأنتجه “وولت ديزني” سنة 1937 أول فيلم رسوم
متحركة طويل في التاريخ. الحقيقة أنه لم يكن، فالألمانية لوتي رينر أنجزت
قبله بإحدى عشرة سنة فيلماً مستوحى من روايات “ألف ليلة وليلة” سمّته
“مغامرات الأمير أحمد”.
لكن “سنو وايت” كان الأول بالنسبة للسينما الأمريكية التي كانت عرفت
في الثلاثينات بزوغ سينما “الأنيماشن” من مصدرين متنافسين: “وولت ديزني” في
“هوليوود” و”ماكس فلايشر” في نيويورك ومهارة ديزني التسويقية وفوزه بسبق
تحقيقه الفيلم الأمريكي الطويل في هذا المجال دفعا فلايشر لمجاراته فحقق
بعد عامين على إنجاز “سنو وايت...” فيلم “رحلات غولير” هذا قبل أن يستسلم
لنجاحات “ديزني” وإخفاقاته التجارية وينسحب. إذ يُعاد إطلاق “سنو وايت” ضمن
مجموعة من أفلام “ديزني” المصنوعة قبل الخمسينات من القرن الماضي، فإن
المرء يكتشف قدراً من البراءة التي طغت على صناعة “ديزني” آنذاك. “سنو وايت
والأقزام السبعة” في خطابه الموجّه الى الأولاد صاغ لهم حكاية محبوبة يمكن
التعامل مع شخصياتها والتأقلم في مناخها الخيالي براحة. إنه فيلم بريء
لشاشة بريئة كانت -آنذاك- تحترم مشاهدها الأول على عكس انتاجات اليوم
المتوجّهة الى الصغار والكبار على حد سواء.
أوراق ناقد
تكنولوجيا الجريمة
هناك لعبة فيديو جديدة تصلح لأن تضع خط النهاية لكل ما يصدر هذه
الأيام من ألعاب فيديو عنيفة وغير إنسانية وبالتالي حظرها من التداول بشكل
عام، او على الأقل، حظر تداولها لمن هم تحت المائة سنة.
اللعبة يابانية الصنع واسمها “Rapelay” وفحواها اعتداء شاب على فتاة في حمّام في محطة قطارات بمساعدة بعض
أصدقائه ويطلب الفيديو، كما هي عادة كل ألعاب الفيديو المعنية هنا، مشاركة
اللاعب (أي الشخص الذي يشغّل اللعبة) في هذه العملية الوحشية القائمة على
استغلال غرائز حيوانية ترتفع حين يموت العقل. حتى لا تفسد اللعبة متعة
اللاعب، فإن الفتاة بعد حين تبدأ بالتجاوب. بذلك تُطلي اللعبة طلاء القبول
وتريح ضمير اللاعب إذا ما كان عنده ضمير.
لم أشاهد اللعبة بل أنقل معلومات وردت عنها في صحيفة “لوس أنجلوس
تايمز” التي أشارت من باب نقدها لها الى حقيقة أن موقع “أمازون” سحب اللعبة
من التداول ما يعني أنها كانت بالفعل مزعجة الى حد كبير.
الحال أن هذه اللعبة، وأي لعبة عنيفة منتشرة اليوم بفعل التكنولوجيا
الحديثة، هي خلاصة عقول تؤمن بإنجاز الأرباح المالية بصرف النظر عن الإساءة
الى المجتمع. إنها مثل الصحف الصفراء والمجلات الخلاعية وأفلام “البورنو”
ثم مثل اولئك الذين خربوا العالم اقتصادياً فقط لأجل أن يثروا على حساب
البشر، بلا اهتمام بالمسائل الإنسانية والأخلاقية التي يهتم بها معظم أبناء
الأرض.
والمسألة برمّتها متعلّقة بالنظم السياسية الغربية تلك التي تنادينا
بإطلاق الحريّات غير المسؤولة لنصبح مثلها وليمتد أخطبوط التجارة
بالمحرّمات خالياً من العوائق الى شعوب مستعدة للرقص من دون طبل او تزمير
في هذه الأيام حيث غابت القضايا الكبيرة وانحسرت التوجّهات القومية التي
كانت أكثر قدرة على حفظ كيان موحّد يعفينا من هذه العمليات الهدّامة.
في الغرب لا يستطيعون تحريم مثل هذه الأفاعي السامّة على أساس أنه أمر
يتعارض مع الحرية. لكننا ندرك ما هي التضحيات التي يدفعها المجتمع الغربي
(والحديث هنا ليس من باب النقد لأن المجتمع الغربي فيه الكثير أيضاً مما
يُحتذى به) من أجل خاطر عدم المساس بالحريّات العامّة.
ولعل قرية يرا كروز المكسيكية عنوان آخر لنفس المشكلة: كانت وديعة
هادئة يعيش فيها الجميع في تآلف ومن دون جرائم. قبل نحو سنة افتتح “كازينو”
روسي فيها. اليوم هي مرتع لتجارة المخدّرات ولجرائم القتل المنظّم والتجارة
بالأعمال المنافية، وحسب محطّة إذاعية عن مراسلها “ليس من يوم يمر من دون
اكتشاف جثّة ما”.
بالنسبة إلينا، لا نزال بعيدين عن الوصول الى قعر المنحدر، لكن الصعب
هو الحفاظ على هذا البعد في زمن التكنولوجيا التي كغيرها مثل سكّين المطبخ
تستجيب لرغبة حاملها.
م.ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
15/03/2009 |