تكرار الموضوعات التي تتناولها السينما في زمننا الحالي، أصاب الجمهور
بالملل والرتابة، وجعل المنتجين يبحثون عن بدائل أخرى، لأن هناك أزمة نصوص
بالفعل، وأزمة قصص سينمائية ركزت غالبيتها خلال السنوات الأخيرة، على
مساحات كبيرة من العنف والدم والجريمة، والموضوعات الشاذة والخيالية
المرتبطة بمصاصي الدماء وآكلي لحوم البشر، والتلذذ بالرؤوس المتطايرة
والأرجل والأيدي المقطوعة، وهذه الصور السلبية المزعجة، تركت تأثيراً ضاراً
على المشاهد والسينما معاً.
وبالفعل، اتجه صُناع السينما في العام 2008، إلى الرواية يحاولون
استثمار النجاحات التي حققتها أعمال بعينها في الأوساط الثقافية، نتيجة
الانتقادات الواسعة التي تعرضت لها الموضوعات التي يطرحونها سينمائياً منذ
سنوات، من حيث سذاجتها وتكرارها وعنفها، الأمر الذي صرف جزءاً مهماً من
الجمهور عنها. ودخول الرواية إلى السينما ظاهرة صحية بل هي ضرورة لإنتاج
إبداعات متميزة، وتدل على انتشار الثقافة بين الجمهور والسينمائيين، فهي
ترتقي بالفكر، وتحاول توصيل رسالة إلى المشاهدين، حيث اننا الآن قلما نجد
فيلماً سينمائياً يستحق الفرجة، أو يحاول توصيل فكرة جيدة، لأن كل
الموضوعات وإن اختلفت طريقة عرضها أصبحت مكررة، أما الرواية فهي تحمل فكر
صاحبها، الذي يحاول بقدر الإمكان أن يُظهر الأهداف والرسائل، التي تسمو
بالعقل والمشاعر البشرية.
وهناك علاقة خاصة بين السينما والرواية، بدأت منذ زمن طويل فكلاسيكيات
السينما العالمية مأخوذة من روايات معروفة، وكثيراً ما أغنت السينما عن
الكتاب، فكثير من الناس قد لا يقرأون الكتاب ولكنهم يشاهدون الفيلم، وربما
يقبلون على قراءته بعد ذلك. هذا التقليد كان متبعا بشكل كبير قديماً في
الأفلام العالمية، خاصة الأفلام الأميركية والروسية، ورغم أن تكلفتها أكبر
بكثير من الأفلام العادية، إلا أنها حققت نجاحاً كبيراً، وتركت بصمات واضحة
وملموسة في ذاكرة الفن السابع ويزخر الأدب العالمي بروائع القصص والحكايات،
التي وصل صيتها الشرق والغرب. وهذه القصص وجدت قبولاً واسعاً وانتشاراً
كبيراً لدى الشعوب في أنحاء العالم، فتحولت إلى أفلام على شاشات السينما،
ومن أشهر القصص والروايات التي أخرجها إلى الشاشة وساهم في انتشارها عباقرة
السينما:
ذهب مع الريح التي كتبتها مارغريت ميتشل عام 1926، وأمضت ما يقارب
العشر سنوات تعمل عليها حتى صدرت الرواية عام 1936، ونالت إعجاب القراء،
ونجحت نجاحاً كبيراً، ولايزال أثر هذا النجاح إلى يومنا هذا بفضل الفيلم،
الذي قدمها وحاز على عشر جوائز أوسكار. آمال عظيمة للكاتب الانجليزي تشارلز
ديكنز، الذي اهتمت السينما بأعماله وقدمتها في غاية الروعة، ومنها هذا
العمل الذي قام بكتابة السيناريو له ميتش غلازر وأخرجه ألفونسو كارون.
تاجر البندقية قدمه للسينما المخرج مايكل رادفورد، وتعتبر هذه الرواية
من أكثر أعمال شكسبير تعرضاً للانتقاد، إذ انه رصد لنا شخصية التاجر
اليهودي شايلوك وأدى دوره في الفيلم آل باتشينو. وهذا التاجر ليس عادياً،
فهو الطماع المرابي وهاتان صفتان ملتصقتان بالتاجر اليهودي في كل مكان.
زوربا للروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكيس، وقد تحولت الرواية إلى فيلم
سينمائي عام 1964، وقام بدور البطولة فيه أنطوني كوين وترشح عنه لجائزة
الأوسكار.
عطر للمخرج الألماني توم تايكور، من أهم الأفلام الأوروبية المنتجة في
السنوات الخمسين الأخيرة، وهو معد عن رواية بالاسم نفسه للكاتب الألماني
باتريك زوسكيند، حققت نجاحاً منقطع النظير، وطبع منها خمسة عشر مليون نسخة
وترجمت إلى اثنتين وأربعين لغة.
شفرة دافنشي فيلم مقتبس من كتاب يحمل الاسم ذاته للكاتب الأميركي دان
براون يقول إن يسوع المسيح ومريم المجدلية أقاما علاقة وأنجبا أطفالاً.
والفيلم من بطولة توم هانكس، وترجم هذا الكتاب إلى 44 لغة، وبيع منه حوالي
40 مليون نسخة في العالم منذ صدوره عام 2003.
وإذا أردنا التوقف عند السينما والرواية فلابد من رصد النماذج
المتميزة التي كانت لافتة للنظر في العام الماضي، والتي يعرض بعضها في
صالات السينما المحلية حالياً، وبعضها الآخر في الطريق إلينا، وهي حاله
خاصة شهدت أكثر من عمل تناول فكراً محترماً، وبعيدة كل البعد عن سطحية
الموجود في معظم الأعمال السينمائية التي طغت عليها مشاهد العنف والدماء،
وشاهدناها خلال الأعوام الماضية ولا نزال.
المليونير المتشرد سيناريو صاغه سيمون بيوفوي، وقد اقتبسه عن رواية
سؤال وجواب الذائعة الصيت للروائي والدبلوماسي الهندي فيغاس سوارب، والتي
كانت الأكثر مبيعاً في العديد من الدول، وترجمت إلى 36 لغة. واستطاع الفيلم
حصد جائزة الأوسكار لأفضل سيناريو أعد للسينما عن رواية أدبية.
بنجامين بوتن تحفة سينمائية تستغرق على الشاشة ساعتين و47 دقيقة.
اقتبست قصته من رواية ثانوية كتبها الأديب الأميركي سكوت فيتزجيرالد،
وطورها كاتب السيناريو اريك روث وأعطاها أبعاداً أعمق وأكثر شمولية.
إنكهارت أول فيلم فانتازيا يقوم على سلسلة أكثر روايات الخيال الشبابي
مبيعاُ لمؤلفتها الألمانية كورنيليا فانك، وهي ترتبط بأعداد ضخمة من القراء
الكبار في أنحاء العالم، إلى جانب الأطفال والمراهقين، الذين يتذوقون عوالم
السحر والخيال في رواياتها.
عمى فيلم مأخوذ عن رواية تحمل الاسم ذاته، نشرت عام 1995 للروائي
البرتغالي خوسيه ساراماغو، ويؤدي أدوار البطولة فيه إلى جانب جوليان مور كل
من مارك روفالو، وداني غلوفر والممثل المكسيكي غاييل غارسيا بيرنال.
القارئ يستند إلى رواية الكاتب الألماني شلينك برنهارد التي حققت
رواجاً كبيراً. وقامت بدور البطولة في الفيلم الممثلة العالمية الشهيرة كيت
وينسليت التي فازت عنه بجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة.
الطريق الثوري فيلم مقتبس عن رواية بالعنوان ذاته للكاتب ريتشارد
يايتس، وقد نشرت عام 1961؟. ورغم العقود التي أبرمت لتحويلها إلى فيلم
سينمائي، إلا أن انجازها لم يتم إلا في سنة 2008 عن طريق المنتج والمخرج
سام ماندس.
وخلاصة القول، لا يستطيع النقاد أن يكفوا عن إجراء المقارنات بين
الرواية والسينما، وكأن الحكم النهائي يريد الانتصار للقلم أو الانحياز
للكاميرا، بهدف جر القراء والمشاهدين وحشرهم، إما وراء متراس الكلمات أو في
خنادق الصور. ولم يهدأ السجال ولن يتوقف، طالما أن المؤشر متأرجح على ما
يتحقق في عالم السينما، من وجهة نظر الرواية، والعكس أيضا صحيح.
البيان الإماراتية في
15/03/2009 |