كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مارلون براندو سيرة حياة لن تطوى في حلقات

جـرعة مــن كأس... براندو

(الحلقة الاولى)

إعداد: لينا خليل

عن رحيل العملاق

مارلون براندو

   
 
 
 
 

لم يخف كراهيته للصحافة، فكان، هو المشهور بكرمه الانساني، بخيلا في احاديثه الصحافية. ومع هذا، وبعد مضي اشهر على موته (ولاحقا بعد عقود طويلة)، لن تستطيع الصحافة مبادلته التجاهل، اذ يصعب اخفاء الاعجاب الذي يثيره ذلك الممثل الطابع القرن العشرين بعبقرية مهنية، مع الاعتراف بالتناقض الواضح بين ادائه المهني المتماسك وأدائه الانساني المشتت في حياته الخاصة.

في الاول من تموز، وفي منزله في لوس انجلس، اقفل عينيه للمرة الاخيرة بعدما خانته رئتاه وما عادت آلة التنفس تنفع. عن عمر الثمانين انطفأ مارلون براندو من دون ان يأفل نجمه!

في سيرته الطويلة، غلب التمثيل المسرحي اولا على لامبالاته في اختيار مهنة وطريقة عيش، ثم تغلبت مهنة السينما السهلة على خيار المسرح المتعب قبل ان يأتي العمل السياسي الملتزم ليحتل المكان الاول ضمن اهتماماته. في الحقبة الاخيرة من حياته، استيقظ عنده الحس العائلي فحاول ان يقوم بدور الاب العادي على قبيلة اكبر من ان تكون عائلة عادية.

مارلون براندو الممثل النابغة، مارلون براندو الـ دون جوان الابدي، مارلون براندو الساخر من قوانين هوليوود، مارلون براندو المناضل المدافع عن الاقليات ولاسيما عن الهنود الاميركيين، براندو الرومانسي الحالم بتحويل جزيرة في تاهيتي مجتمعا مكتفيا بذاته لئلا تلوثه المدنية. براندو المخلف وراءه نسبة كبيرة من النساء المنتحرات ونسبة اكبر من اولاد شرعيين وغيرهم... كلهم مارلون براندو واحد نحاول ان نشربه كأسا سلسا في ملف متشابك مثل حياته وموزع على اكثر من حلقة متقاطعة.

لينا خليل

طفولة مهملة

ولد مارلون براندو في 3 نيسان عام 1924 في نبراسكا في الولايات المتحدة. وهو الولد الثالث بعد شقيقتين. تربى في كنف عائلة غريبة عجيبة، والده (ويدعى ايضا مارلون) مروّج تسويقي في شركة للمواد الكيميائية المستعملة في المواد الغذائية (قبل ان يصير مديرا)، يمضي ايامه على الطرق لتسويق المنتجات مغتنما الفرص في الوقت نفسه لاقتناص المغامرات النسائية. عرف كيف يؤمن حياة رغيدة لعائلته، لكن من جهة ثانية كان ذا طبع قاس وشرس يضرب زوجته حين تلومه على خياناته المتعددة ولا يعطي الاهمية الكبيرة لأولاده. عنه قال مارلون براندو في مذكراته التي كتبها في عمر السبعين: كنت احمل اسمه لكن لم انجح يوما في استدرار عاطفته او انظاره. كان يجد لذة في تحطيمي مرددا بأني سأكون دوما عديم النفع. كنت احبه واكرهه في آن واحد. كان رجلا مخيفا غاضبا مستعدا دائما للضرب ولاعطاء الاوامر. ربما من اجل هذا لم اتحمل كل ما يمثل السلطة طوال حياتي .

والدته دوروثي امرأة جميلة دينامية وحيوية بدأت مهنة التمثيل ولعبت امام الممثل هنري فوندا في احدى الفرق الدرامية المحلية. في محاولة لمداواة حسرة تحطم احلامها المهنية وخيانات زوجها المتكررة وتعرضها الدائم للضرب، كانت تغرق خيبتها بمعاقرة الخمرة حتى الاغماء. منها اخذ مارلون حساسية مفرطة وطبيعة معقدة فأحبها جدا رغم حضورها الغائب. في سيرة حياته قال عنها: تنقصني الكلمات لوصف رائحة امي حين كانت تشرب. مزيج غريب كان دليلا على ادمانها لذا كرهته. ومع هذا، كانت هذه الرائحة تجذبني الى نساء التقيتهنّ لاحقا في حياتي... اعتقد اني اخذت من امي سماتي الغريزية وحبي للموسيقى. ومن المؤكد اني ورثت من ابي قوتي البدنية وقدرتي على التحمل وميلي الى التحكم في الآخرين ... ونسي ان يقول شجاعة جعلته يواجه اباه وكان في الرابعة عشرة حين ضبطه مرة ينهال ضربا على الوالدة متحديا اياه بالكلمات الآتية: اذا ضربتها مرة بعد سوف اقتلك . فكانت المرة الاولى التي يتراجع فيها ابوه امام تحد جسدي.

براندو والمربية

من الاشخاص الذين طبعوا كذلك طفولة براندو مربيته ايرني. كان في الثالثة او الرابعة من عمره حين انتقلت لتقطن في المنزل كمربية خاصة له. في كتابه وصف بعاطفة عارمة الاوقات التي كانا يمضيانها معا ليلا ونهارا. كانت في الثامنة عشرة وكانت تنام بجانبه فكان يشعر كأنها ملك خاص له، حتى جاء ذلك اليوم الذي طردت فيه من المنزل الوالدي (لانها كانت حاملا من شاب تعاشره). عندما ادرك براندو الصغير انها ذهبت الى الابد، شعر بأحلامه تموت على ما وصف في كتابه. كانت امي تركتني منذ زمن طويل من اجل الكحول، وها هي ايرني ترحل. طوال حياتي سوف اعيد خلق وضع مماثل وابحث عن نساء يتركنني. ومنذ هذاليوم بالتحديد شعرت بنفسي انسحب من العالم .

طبعا لا يوافق الجميع رأي براندو بان النساء هنّ من كنّ يتركنه. الحري انه كان يتركهن اولا ربما خوفا من ان يسبقنه على اتخاذ هذه الخطوة تحاشيا لاحياء شعور الماضي نفسه. وحتى العدد المرتفع للنساء المنتحرات واللواتي حاولن الانتحار في تاريخ علاقاته الحافل، لم يدفعه الى الاعتراف بالامر. بل اكثر، تجاهل ذكرهن في كتابه. طبعا قد لا تكون له صلة مباشرة بدوافع انتحارهن لكن جميعهن شكّلن في يوم ما جزءا من حياته. بين اللواتي نجحت محاولاتهن نذكر الممثلتين: جا سكالا وبير انجيلي، وسكرتيرته السابقة سوزان سلايد، وشريكته في تمثيل فيلم One eyed Jacks بينا بيلليسير. الى هذه اللائحة تضاف اسماء لم تنجح محاولاتهن في الانتحار ومنهن صديقته السابقة التي ارتبط معها بعلاقة طويلة ريتا مورينو وايضا فرانس نويين بالاضافة الى زوجته السابقة آنا كاشفي.

المستقل المشاغب

في عمر السادسة انتقلت عائلة براندو الى ولاية الينوي. هناك عاش بوهيمية لامبالية من دون اي قواعد رادعة او نظام. في تلك الحقبة كان، وبحسب شهادة اختيه، صبياً صغيرا جديا شديد العزم . كان يحب اختراع المقالب جانحا بقوة الى الاستقلالية. اعتاد جلب اغراض متنوعة الى المنزل كان يعثر  عليها بين النفايات. تعاطفه مع المعوزين برز واضحا منذ صغره. فكان يصطحب الى المنزل مشردين. وفي احد الايام اتى الى المنزل بامرأة سكيرة. احب كذلك الحيوانات الضائعة فكانت حديقة البيت تغص بدواجن وكلاب وارانب وحصان وبقرة وهررة وعصافير وكأنها مأوى ومزرعة.

من جهة ثانية كان تلميذا فاشلا صعب المراس غير مسؤول. لم ينجح شيء في اثارة اهتمامه ولم يشترك في اي من النشاطات المدرسية، والسبب وجيه: كان يمضي معظم ايام بعد الظهر معاقبا! في يوم من الايام قرر والده ان الاوان قد آن لوضع حد لسلوكه غير المنتظم فسجله في مدرسة عسكرية كان بدوره تعلم فيها. لكن مارلون الابن كان كارثة. لم يهو الحياة العسكرية ولا الحياة النظامية. كان اصبح في السادسة عشرة من العمر وطرد سابقا من اكثر من مدرسة. واكثر ما كان يزعج براندو في الحياة العسكرية هو ضرورة انصياعه لدوام محدد هو القائل احب اسلوب الحياة حيث الوقت لا يعني شيئا . لذا عمد ذات ليلة الى فك الجرس الذي كان يوقظه في المدرسة ودفنه، لاحقا اعترف في قرارة نفسه بأنه ارتكب خطأ بعدما استبدلت ادارة المدرسة الجرس ببوق ينفخ كل ساعة!

في ربيع 1994 حصل المحتم وطرد من المدرسة العسكرية نتيجة لسلسلة اعمال تخريبية قام بها منها وصل التيار الكهربائي الى قبضات الابواب! لكن السبب المباشر كان وضعه قنبلة صنعها من المفرقعات امام باب غرفة استاذ. حار والده المستشاط غضبا ماذا يفعل بابنه العاق فوجد له وظيفة في شركة تصريف. بعد ستة اسابيع، وبعدما تعب من مد القساطل في الحفر، قرر براندو الانتقال الى نيويورك حيث كانت تدرس شقيقتاه.

في الحلقة المقبلة الى قطار الشهوة... والشهرة #

كان وحشا وملاكا وطاغيا بحضوره، شفافا ومدمرا. ومن كان مثله لا يمكن الموت ان يأتيه قاضيا بل مذكرا بأن للحياة دورها وقد حان وقت تأملها.

براندو لا يموت فمن كان يسخر من الموت بالحياة لا تعود سخافات الموت الجسدي تعنيه.

ولا يموت براندو لأنه بين القلائل الذين لا يفعل الموت سوى التذكير بوجودهم. ولأنه يكتفي في حضرة الموت بابتسامة ساخرة، ولأنه من النوع الذي ينتحر عندما يولد فلا يعود الموت حينذاك سوى تحول فيزيائي تافه.

وبراندو لا يموت لأن حياته كانت انتقاما صريحا من فعل الولادة.

واذ يفرد الدليل صفحاته في حلقات لحياة مارلون براندو واعماله، يدعو الى اعادة اكتشاف احد العباقرة في مجال الفن الدرامي.

جوزف بو نصار

دليل النهار اللبنانية في

29.10.2004

 
 

مارلون براندو.. سيرة حياة لن تطوى في حلقات

إعداد: لينا خليل

(الحلقة الثالثة)

المـال والليـل والنساء

لم ينكر مارلون براندو يوماً حبّه لاثنين: المال والنساء. ورغم أن الشهرة هي من أتاح له الوصول الى الإثنين، فقد كره الشهرة أكثر من أيّ شيء في حياته!

مع بلوغه الرابعة والعشرين اجتاز براندو الخط الذي يفصل بين الوضع المغمور والشهرة. بالنسبة الى النقاد والعاملين في المسرح أثبت موهبة متميزة ومهارة مقرونة بحسن الطالع. حتى قبل نجاح مسرحية A streetcar named desire، كانت عروض المنتجين الكثيرة قد بدأت تنهال عليه. وبعدها أغرقه النقاد بالمدائح. المخرج أيليا كازان الذي يتعامل معه في أكثر من فيلم قال عنه في تلك الحقبة: ها هو على طبيعته: حقود، طموح، حذر، مليء بالتوقعات. أما في الظاهر فلطيف ومهذّب. أفكاره تكون دوما أفضل مما يخطر على بالي. ومع هذا يوافق على كل ما أقول ثم يقوم بتنفيذ الأشياء بطريقة أفضل مما تمنيتّ . وكتب عنه صحافيون: شاب محيّر قلب منذ أول ظهور له في هذه المسرحية كل المعايير وأثر في كل الناس. في ليلة واحدة تفوق على سائر السابقين وغيّر وجه الفن الحديث الى الأبد... .

في تلك الفترة كان براندو يتقاضى 550 دولاراً في الأسبوع عن لعبه شخصية كوالسكي العنيفة في A Streetcar named desire. وكان يشغل في حيّ شعبي في نيويورك شقة إيجارها 23 دولاراً في  الشهر. بعدها انتقل الى شقق أخرى قاسمها المشترك الوضاعة غير آبه ما دامت المعجبات كن يعرفن دوماً أين يجدنه!

الإنفلات من القيود

كان يصرف المال من دون حساب. وكان والده يقتطع جزءاً مهماً من مدخوله ليدخره له في استثمارات،  ويبقي له ما يكفي من المال ليبذر ويسخو على الاخرين. كان جني المال أمراً مهماً بالنسبة اليه فقط كي يحسن تبذيره! التقى مرة في أثناء تنزهه في أحد شوارع نيويورك بممثل عاطل عن العمل وكان الفصل شتاء، فنزع معطفه عنه وقدمه اليه مبرراً ذلك انه كان متوجهاً الى أحد المتاجر لشراء معطف جديد. وهذا ما سوف يشتهر به براندو دوماً: السخاء الدائم والعفوي الذي لا يتطلب التفكير الطويل.

من جهة أخرى عرف بـ سخاء عاطفي لامس المرض. لم يدع امرأة تفلت من براثنه. البعض يسمي هذا هوساً جنسيا. ذلك كان اختصاص براندو! فإذا كان التمثيل اختصاصاً مارسه في حياته مرغماً لتحصيل لقمة العيش (الباهظة الثمن لديه)، فإن إغواء النساء والرجال في تلك الحقبة من حياته هو الإختصاص الذي كان يمارسه طوعاً وبسرور عارم، لم يتردد في الحديث عنه في سيرة حياته بعد نحو خمسين عاماً حين قال: المال الذي كان يقدمه لي نجاح المسرحية لم يكن مهما مقارنة بالباقي. فبعد كل عرض كنت أجد في انتظاري سبع فتيات أو ثماني في حجرتي. كنت استعرضهن سريعاً واختار واحدة لتمضية الليل معها، كان الأمر رائعاً بالنسبة الى شاب في الرابعة والعشرين من عمره لم يكن لديه سوى همّ واحد: ملاحقة رغباته الجنسية الى أيّ مكان. كان أمراً مسكراً أن تكون لي فرصة الحصول على أيّ امرأة أشاء. كنت مغرماً بالسهرات، أرقص، أعزف الموسيقى، وأسرق نساء من أريد... .

إقامة مدفوعة

وعن انفلاته اللامحدود في تلك الحقبة، أخبر براندو في سيرته كيف اضطر يوماً الى الهرب من زوج بعدما باغته في سرير زوجته. ووصف كذلك تأثير الكحول عليه راوياً كيف قفز مرة من شباك شقته في الطبقة الحادية عشرة جاعلا مدعوّيه يعتقدون أنه انتحر فيما كان متعمشقاً على حافة خطرة ليعود ويظهر ثانياً من الشباك ضاحكا لرؤيتهم هلعين.

ولأنّ براندو كان ملكاً في الاستفزاز، فقد نجح مرة في إقناع أحد العاملين معه، وكان قويّ البنية، بمجاراته في الملاكمة وذلك بين فصلين من المسرحية. وبعدما امتثل الخصم ذو الطبع المسالم، بقي براندو يستفزّه حتى تلقى منه ضربة قاضية على أنفه لقنته درساً بأنه ليس قوياً بقدر ما كان يعتقد! من جهة أخرى، ورغم إصابته العميقة والدم النازف حتى قدميه، لم يتخلف عن إنهاء المسرحية متحمّلا الألم الشديد، فاعتقد الجمهور ان الاصابة من صلب المؤثرات التي يفرضها دور كوالسكي العنيف. ومع نهاية العرض حمل الى المستشفى للخضوع لسلسلة عمليات...

ولم تنته الحكاية بعد. ففي المستشفى طابت له الإقامة بعد تماثله الى الشفاء لأنه كان يمضي وقته مستميلا الممرضات الى السطح. ولما عرف بزيارة مديرة المسرح له، طلب من صديق له جلب مساحيق التجميل الخاصة بالتبرّج المسرحي واستقبلها بوجه مخيف مع أنين من تحت الغطاء: متى أستطيع الخروج من هنا؟ ومن علاقات الخوف التي ارتسمت على وجه الزائرة عرف أن خطته قد نجحت وأن مدة إقامته في المستشفى قد مددت. ويختم بالقول: أجمل ما في تلك الإقامة أنها كانت مدفوعة !

أما على الصعيد العاطفي، فإن براندو وإن لم ينجح في التعلق بشخص واحد معين، فإنه لم يخف عشقه للنساء، وأحياناً للرجال. امتلأ سجله باسماء ارتبط بها موسمياً، تزوج من ثلاثة وأنجب من أكثر، رفض ان يعترف ببعض من أولاده وتبنى بعضاً ممن ليسوا أولاده! وفي ظل ذلك التلخيص المعقد الذي يعكس حياة عاطفية لم تعرف كيف تستقرّ، لم يميز براندو بين ممثلة شهيرة او سكرتيرة مجهولة، بين امرأة متزوجة او زوجة زميل، بين امرأة تكبره أو فتاة تصغره.

كانت كل امرأة تعجبه حلالا له. ومع هذا برهن في مذكراته أنه جنتلمان حقيقي حين غير أسماء طريداته احتراماً لحياتهن الخاصة. وتكتم اكثر من اللازم عن الكلام عن زوجاته هو من أبى طوال عمره التحدث عن حياته الخاصة. ولم يفض في سيرته إلا عما اعتبره معلومة تبيع من دون ان يورط احدا وخصوصا نفسه!

لقد عرفت الصحافة ببعض الأسماء ومن اللائحة الطويلة ذكر خصوصاً: حبه الأول كارميليتا و وهي من النساء النادرات اللواتي حافظن على صداقته. الفرنسية جوزيان مارياني التي كانت لمدة قصيرة خطيبته. الراقصة جيري غراي. النجمة فرانس نوين. الممثلة ريتا مورينو. عارضة الأزياء آنا كاشفي التي صارت زوجته الأولى وأنجبت منه صبيا تصارعا من أجله امام المحاكم. الممثلة المكسيكية ماريا لويز كاستينادا التي تزوج منها وأنجب صبياً وفتاة واتفقا على الطلاق الحبي قبل أن تعلم الصحافة أنهما متزوجان(!) تاريتا التاهيتية التي أصبحت زوجته الثالثة وأنجب منها ثلاثة أولاد... عدا علاقات أخرى مهمة في حياته وأخرى عابرة نسي أسماءها في الليلة التالية.  

دليل النهار اللبنانية في

12.11.2004

 
 

مارلون براندو.. سيرة حياة لن تطوى في حلقات

إعداد: لينا خليل

(الحلقة الرابعة)

الى هوليوود “مع كرهي الشديد”!

غادر مارلون براندو نيويورك الى هوليوود في الخامسة والعشرين من عمره تاركاً المسرح الى الابد. وبعد رفضه أكثر من عقد آخذاً على محترفي مهنة السينما أنهم لم يصوّروا يوماً في حياتهم فيلماً مقبولاً ، رفع المنتج ستانلي كرايمر التحدي مؤسساً عام 1949 شركة إنتاج خاصة به تعنى بمعالجة موضوعات آنية مستوحاة من أحداث الواقع. وارسل يوماً سيناريو الى براندو الذي رضي اخيراً بتمثيل دور البطولة في فيلم اول The Men.

من اجل تجسيد شخصية ذلك الرجل المعوّق في مستشفى لاعادة التأهيل، كان كرايمر ينوي الطلب من براندو تمضية بعض الوقت في مركز خاص من اجل التآلف مع الدور عندما سبقه هذا الاخير الى اقتراح الفكرة. فعاش على مدى اسبوعين حياة المعوّقين خاضعاً للعلاجات نفسها. كان يتنقل على كرسي متحرّك مشتركاً في سائر نشاطاتهم الاجتماعية. وعندما سئل عن السبب الذي دعاه الى تمثيل الفيلم شرح: شعرت كم يمكن ان يكون وضع المعوّقين مأسوياً. لا يدرك المرء حجم المشكلة والحرمان الفظيع واليأس المتولد من وضع كهذا الا متى عاشها بنفسه .

رغم تلك التصريحات كان القيمون على الفيلم قلقين. ففي اثناء التمارين كان براندو يتمتم دوره غير آبه بطريقة أداء الآخرين. لكن في اليوم الاول من التصوير نجح في إبكاء الممثلة تريزا رايت اللاعبة دور خطيبته فاستحق تصفيق الممثلين والفريق التقني. من دون أي خبرة في السينما، لم يفعل براندو سوى تطبيق مبدأ سائد في المسرح: تأمين الطاقة القصوى للعرض الاول.

الأعجوبة المضحكة

اثناء اقامته في المستشفى نجح براندو في إضحاك الثلاثين مقعداً الذين تقاسم معهم الغرفة من جرّاء تقليد تصرفاتهم. كان يخرج معهم في المساء للسهر مستعملاً بدوره الكرسي المتحرك. وقد بات واضحاً لديه ان زملاءه يضيقون ذرعاً بالاشخاص الذين تدفعهم الشفقة الى التودّد اليهم. ذات مرة، وكانوا في أحد البارات تقدمت منهم امرأة مبشّرة شرعت تشرح فوائد الصلاة وفاعلية الايمان والرجاء. استوى براندو على كرسيه المتحرك، وبدأ يتقدم منها مدعياً تشرّب كلماتها ثم، وببطء شديد، وقف على قدميه وقام بخطوات حذرة قبل أن يكمل العرض برقصة كلاكيت! وزعم المقهقهون الشاهدون على هذا الحدث ان المرأة غابت عن الوعي امام تلك الاعجوبة !

نجاح نسبي أصاب فيلم The Men. لكن براندو استطاع من جرائه إثبات الجاذبية التي يمارسها على الجمهور. بعض اوساط المسرح اعتقد أنه سيرجع الى الخشبة لكن سريعاً ما أعلن رفضه رغم خيبة  أهل المسرح الذين رغبوا في أن يصير أهم ممثل مسرحي في اميركا. وعبّر براندو عن قرار اعتزاله بأكثر من الصراحة مكرراً أنه لم يشأ يوماً التفرّغ للمسرح الكلاسيكي وأن اللعب على الخشبة لم ينجح يوماً في إعطائه الرضى الذاتي. ويضيف وهذا ما استهجنه كثيرون لأنه صدر عن ممثل موهوب الاشياء التي تسعدني هي مسائل شخصية لا تمت الى مهنتي بصلة !

النجاح اللامبالي

لم يصل يوماً الى هوليوود ممثل غير مبالٍ بالسينما مثله! خزانته تألفت من بضعة جينزات (والمعروف أنه من أطلق الجينز كموضة عامة بعدما كان مقتصراً على العمال) وقمصان قطنية من دون قبّات يرتديها حتى في حفلات الاستقبال الخاصة للمبتدئين. كان يطرد معلقي الصحافة رافضاً إعطاء المقابلات مصرّحاً السبب الوحيد الذي دفعني الى التمثيل هو عدم امتلاك الجرأة لرفض ما عرض عليّ من المال .

في تلك الحقبة كان يقطن لدى خالته مع جدته اليزابيت وينام على كنبة في الصالون علماً أن مدخوله كان اكثر من كاف ليستقل في شقة. طريقة لباسه وعيشه حيّرت  أهله الذين كانوا يمضون وقتهم بالرد على اسئلة الصحافيين المصرّين على مقابلته. ومرة رضي المشاركة في احدى الجلسات الصحافية فحضر مرتدياً روب النوم الخاص بجدته!

ومع هذا خلّف مارلون تأثيراً كبيراً في السينما. سرعان ما اكتشف حرفيّو هذا الفن أنهم أمام ممثل عبقري ذي شخصية جذابة تخدمهم على الصعيد التجاري. وعى براندو هذا الموضوع فتحوّل تمرّده كرهاً واضحاً لـ أصحاب السلطة في هوليوود . ولهذا، عندما رضي باعادة إحياء شخصية كوالسكي ذاتها التي أطلقته في المسرح ونقلها الى السينما رغم كرهه الشديد لها، كان المستفيد والضحية في آن واحد!

من أجل تمثيل فيلم A Streetcar Named Desire تقاضى براندو مبلغ 75 ألف دولار. حقق الفيلم أكثر من النجاح المتوقع وخصوصاً ان الممثلين ذاتهم الذين لعبوا أدوارهم على خشبة نيويورك تكفّلوا إحياء الشخصيات بالاضافة الى الممثلة ييان لي التي كانت لعبت شخصية بلانش على خشبة لندن. تفوّق الفيلم على المسرحية التي حملت العنوان نفسه مع المخرج ايليا كازان ذاته، وتكرّس براندو نجماً عالمياً.

يشرب من البئر و...

بعد تصوير فيلمه الثاني تعزّز قرار براندو بعدم العودة الى المسرح. ويقول في سيرته: سمعت بعد هذا أني بعت نفسي الى هوليوود. وهذا أمر صحيح لكني كنت أدرك تماماً ماذا أفعل. لم أكنّ يوماً أدنى احترام لهوليوود. بالنسبة اليّ هي البخل والسطحية والزقاقية والذوق السيئ. لكن أن أمثّل في فيلم يعني ألاّ أعمل سوى ثلاثة أشهر في السنة، وأن اقوم بما اشاء في الوقت الباقي .

حتى بعد نجاحاته اللاحقة وغرفه من النعم الكثيرة التي قدمتها اليه هوليوود، بقي مارلون براندو عدواً فكرياً لها وحليفاً تجارياً يستفيد منها وتستفيد منه! لم يخف التناقض الواضح بين افكاره وتطبيقها بل فسّرها يوماً في حديث نادر أجراه مع جريدة التايمز : عندما وصلت الى هوليوود كان عندي مفهوم راق وساذج عن وفائي للمبادئ المقتنع بها. كنت أبله بعض الشيء حين فكرت أني استطيع مقاومة فكرة ان المال دائماً على حق... أغرب ما في هوليوود أن ناسها يبدون طبيعيين فيما أبدو أنا غريباً! .

ولأن براندو انسان غير تقليدي بامتياز، تآلف تدريجاً مع الشهرة من دون ان يخسر شيئاً من استقلاليته، ومن دون المشاركة في حياة هوليوود الاجتماعية او الرضوخ للعبتها الاعلامية. 

دليل النهار اللبنانية في

19.11.2004

 
 

مارلون براندو.. سيرة حياة لن تطوى في حلقات

إعداد: لينا خليل

(الحلقة الخامسة)

النجاح والفشل

من المفارقات المتناقضة التي تجعل حياة براندو المهنية مختلفة عن غيره من الممثلين العالميين، ان شهرته مبنية على عدد قليل من النجاحات. عدا ان الممثلين من عياره عرفوا عدداً أكبر من النجاحات، اختبر هو في المقابل عدداً غير اعتيادي من الاعمال الفاشلة تجارياً. ومع هذا، وحتى اليوم، ثمة من يعتبره افضل ممثل عرفته السينما الاميركية.

بعد فيلمه الثاني A streetcar named desire الذي تقاضى عنه 75 الف دولار وترشح فيه لجائزة الاوسكار، تقاضى عن فيله الثالث Viva Zapata  1952 مئة ألف (وترشيح ثان الى الاوسكار)، ليصل اجره الى المليون دولار اميركي عام 1960 لمشاركته في فيلم The fugitive kind الذي صوره من دون رغبة فعلية. وبين التاريخين سلسلة من العناوين الناجحة: Julius Caesar 1953 وفيه أسكت القائلين بعدم قدرته على خوض أدوار تتطلب الفصاحة وحفظ الخطابات الطويلة مترشحاً كذلك لمرة ثالثة للاوسكار. بعده The wild one 1953 الفيلم الذي لعب فيه شخصية جوني الشاب المتمرد على رأس فرقة دراجين وهي شخصية سلبية أتت داعمة للصورة الحاضرة في رأس الجمهور عن براندو المحطّم ولم يكن نسي بعد تقمّصه شخصية كوالسكي في A streetcar named desire، وهذه صورة عنه لم يحبها براندو وكان يقول بعد هذين الفيلمين كوّن الناس رأياً مسبقاً عني. صرت ذلك الشخص القاسي البلا شفقة. صرت أينما كان ذلك الشاب ذا السترة السوداء على دراجة، هذا الوحش البلا رحمة. حتى بعدما أشيخ سوف يسألني الناس: أين رشاشك ! .

وتتوجت تلك الافلام الناجحة بفيلم هو السادس له  On the waterfront جعله هذه المرة يستحق جائزة الاوسكار لافضل ممثل عام 1954 بعدما كان ترشح لها سابقاً من دون حظ. عالج الفيلم عالم العمال والنقابات ومنظمات العمل ولعب فيه براندو دور تيري مالو ذلك الشاب المتوسط الذكاء وعديم الخبرة الذي بدأ مهنة الملاكمة ويمضي وقته بين عمل وآخر على الرصيف مربياً الحمام الى حين اقحامه واستغلاله في أمور نقابية.

الحظ بالمقلوب

بعد هذا التكريس انعطف براندو في مفترق آخر من حياته المهنية. فأفلامه الستة الأولى كانت أفلاماً غير مصنفة حققت نجاحاً فنياً وجماهيرياً. وبعدما فاز بالاوسكار صار يسمح لنفسه بالظهور في أفلام كبيرة منصاعاً لرأي الباحثين عن أفلام ضخمة ترتكز اساساً على النجوم. ظهوره الأول في انتاج تجاري كان في دور نابوليون في فيلم Desirée، تلاه Guys and Doll عام 1955، وThe Teahouse of the august moon عام 1956 وSayonara عام 1957 (رشح عن دوره فيه لجائزة الاوسكار)، وThe young Lions عام 1958. نجاح تلك الافلام كان مشكوكاً فيه والجمهور بدأ يتساءل لماذا تهدر مثل هذه الموهبة.

وعام 1958 تقاعد المخرج ستانلي كوبريك فتولى براندو مهمة اخراج One eyed Jaks متجاوزاً ثلاث مرات الموازنة الأساسية للفيلم امام غضب شركة باراماونت التي حمّلته مسؤولية التأخّر وزيادة النفقات. تلك كانت الشرارة الأساسية التي وضعت براندو في مواجهة صانعي السينما في هوليوود. وزادها تأزماً مشاركته في النسخة الجديدة لفيلم Mutiny on the Bounty عام 1962 حين كلف التصوير شركة مترو غولدوين عشرة ملايين دولار اكثر مما كان مقرراً، فقرر المسؤولون ان يكون براندو كبش المحرقة !

الأفلام التي صورها براندو في الستينات انتهت جميعها خاسرة وشكل معظمها كارثة سواء على الصعيد الفني أم التجاري. حتى ان بعض هذه الافلام لم يكن أبداً مقبولاً. يذكر منها بعض العناوين: The ugly American, Bedtime story, Morituri, The chase, The countess from Hong Kong, وCandy...

في تلك الحقبة نال براندو نصيبه من الانتقادات الفنية. حتى ان معجبيه أسفوا للمنعطف الذي اتخذته مهنة من بقيت الصحافة تسميه تهكماً أفضل ممثل في السينما الاميركية . وساهم براندو كثيراً في انزلاقته هذه عبر سوء تمييزه في اختيار السيناريوات ورفضه التمثيل في أفلام عرفت نجاحاً كبيراً مثل Lawrence of Arabia، وعن طريق ارادته السيئة التي أظهرها في التعاطي مع المخرجين والمنتجين. في كل فيلم مثله أراد ان يضيف مشهداً  يتلقى فيه الضربات ! وفي فيلم Reflection in a golden eye، تولت اليزابيت تايلو جلده على الوجه في ماكان منتجو هوليوود يرغبون القيام بالمثل بعدما عانوا منه الأمرّين ! أما اطباء النفس، فوجدوا في تصرف براندو هذا دليلاً على انه يعاني من عقدة التكفير المسيحانية، هو من يتآكله الاحساس بالذنب من جراء وصول الشهرة والثراء اليه في سهولة من دون ان يبذل الجهد الكثير وفي مهنة لم يكن لها الاحترام الكبير ! 

دليل النهار اللبنانية في

26.11.2004

 
 

مارلون براندو.. سيرة حياة لن تطوى في حلقات

إعداد: لينا خليل

(الحلقة السادسة)

العودة الى القمة وحرب الصحافة

بعد سلسلة أفلام ناجحة قذفته الى لقب "أفضل ممثل اميركي على الاطلاق"، أتت الستينات اليه بسلسلة من الافلام الفاشلة. ولم يسهّل طبعه المتقلّب الامور فعرف في أوساط السينما بالمزاجي الذي يكثر من الطلبات والانتقادات وحُمّل سائر العلل: فهو ممثل تصعب ادارته، وانسان لا يرتدع، ووقح، بحيث لم يجرؤ أحد على تولي الدفاع عنه! بات المنتجون والممولون في هوليوود يعتبرونه "وباء" حقيقياً للمردود التجاري ويصرّحون بأن اسمه وحده كفيل تجفيل رؤوس الاموال! وفي بداية السبعينات، وبعد مضي أكثر من 12 عاماً على اختبار آخر نجاح له، كان براندو في حاجة فعلية الى دور يعيده الى القمة عندما طرح اسمه ليلعب دور دون فيتو كورليوني في فيلم العرّاب The Godfather.

اقترح المخرج فرانسيس فورد كوبولا على شركة باراماونت اسم براندو فواجه الرفض المطلق والجازم! عندها اعتمد طريقاً ملتوياً لاقناع الشركة: قصد النجم في منزله في بيفرلي هيلز مع فريق تقني وحمله على تسجيل شريط يديو كإختبار. بعمر الـ47، ملتحفاً "روب" يابانياً، في فمه سيجار، ممشطاً شعره الى الوراء بواسطة الـ"جيل"، وضع براندو محارم ورقية في فمه متخذاً صوت مصاب سابق في الحنجرة... تاثّر مديرو باراماونت جداً بتلك اللقطة المقنعة للشخصية، هذا قبل أن يعلموا اسم الممثل! وتحت إلحاح كوبولا رضخوا للامر معربين عن عدم استعدادهم لدفع أكثر من مئة ألف دولار.

براندو، الذي كان في حاجة ماسة الى الاموال من اجل الاعمال (الابدية) الجارية في جزيرته في تاهيتي، والذي لم يكن يقبل بأقل من مليون دولار لتمثيل اعماله الاخيرة (الفاشلة)، رضي بهذا الأجر "الزهيد" شرط اقتطاع حصة مئوية من الارباح العامة. وفي النتيجة، ونظراً الى  النجاح المنقطع النظير الذي حققه الفيلم في تاريخ السينما الاميركية، ارتدّ العقد على براندو ببضعة ملايين من الدولارات (وتحديداً 16 مليوناً قبل اقتطاع الضريبة) وبجائزة أوسكار جديدة أعادته الى موقع القمة التي كانت ملكاً دائماً له منذ بداياته المهنية!

عداوة الصحافة

نجاحه الجديد بدّل وضعه المادي جذرياً والى الابد. أما الصحافيون الذين اعتقدوا أن نجاحه هذا سيجعله يغيّر رأيه بالمهنة او يقبل الاجابة في شكل أكثر ديبلوماسية على اسئلتهم فما لبث ظنهم أن خاب. "قد تتعجبون لأنني أمضيت نصف حياتي المهنية متسائلاً عما أحب أن أعمل. صحيح أني وجدت نفسي مضطراً لتحصيل لقمة العيش لكن مهنة التمثيل لم تكن يوماً من ميولي الاساسية".

كان براندو ينصاع مرغماً للادلاء بالاحاديث الصحافية فقط لأن العقد يلزمه الترويج للفيلم الذي يعمل عليه. وكان دائماً يرفض التحدّث عن حياته الشخصية. وفي البدايات، حين كان لا يزال ممثلاً مجهولاً على المسرح، أعطى روايات وهمية متضاربة عن حياته. فالملخصات الاعلانية الموزعة بين عامي 1944 و1946 أظهرته احياناً مولوداً في كالكوتا واحياناً اخرى في رانغون او بانكوك. أما والده فكان في رحلة استكشاف بحثاً  عن حيوانات غريبة!

امتلك براندو روح الدعابة وأحب كثيراً تضليل الصحافة. فلطالما اعتبر الدعاية الذاتية امراً سخيفاً وعبثياً مؤمناً بأن حياته الخاصة لا تعني الجمهور. وتلك نقطة لم يتراجع عنها طوال حياته المهنية مصرّحاً: "الشيء الوحيد الذي يدينه ممثل لجمهوره هو عدم إضجاره". سؤال آخر لم يكن براندو يحب الاجابة عليه، نظرته الخاصة الى فن التمثيل. وكان يدعم تهرّبه بالحجة الآتية "آخر همّ الجمهور هو معرفة رأيي بالفن المسرحي. المغامرات العاطفية المنسوبة اليّ تهمّه أكثر بكثير".

برفضه التحدّث عن فنّه وحياته الخاصة يكون فشل في ارضاء اثنين: الصحافيين والجمهور. ومتى كان يسهب في الحديث؟ فقط عندما كان يتحدث عن أمور تهمّه مثل مسألة الحقوق المدنية في اميركا وبعض المسائل السياسية وعلم النفس والسفر والفلسفة والكتب ما خلا منها كتب المسرح والسينما! اضطلاعه في هذه المجالات أدهش الصحافيين مراراً. لكن في الغالب كان يتهرّب من الصحافيين من دون إخفاء عدائيته تجاههم.

أكثر من مرة شرح للصحافة كرهه الصحافة! هذا مما ميّز براندو عن غيره من النجوم. فهو صادق حتى في كرهه، يقول كلمته ويمشي غير مبال بآراء الآخرين. ومن أقواله عن الصحافة "مع الشهرة يأتي طابور مزعج من الصحافيين الذين لا حدود لشهيتهم الى الامور الزقاقية. والصحافة لا تكره شيئاً أكثر من أن تمنع من الاقتراب من أحد معين. على سلطتها أن تبدأ من القوّادين في الشوارع وصولاً الى رئيس البلاد. وعندما تحقد لأنها لم تستطع الحصول منك على ما كانت متوقعة سماعه، لا تتردّد في تأليف الامور عنك، لأن هذا جزء لا يتجزّأ من حضارة تقضي اخلاقيتها بقبول أي شيء طالما كان مربحاً".

أتى هذا "الشعور" المفصّل في سيرة حياته. وفي أحاديث اخرى سئل فيها عن اسباب عدائيته للصحافيين شرح: "لأن الناس الذين يكتبون هم بلا مسؤولية ولا رحمة، حقودون وغير مجردين من المصلحة. لأن حياتي الخاصة لا تعني أحداً، ولأنني صوّرت بما لست عليه. فأنا وحش وفاشل ومضحك. أنا انسان ولا يحق لي سؤال أحد عن حياته الخاصة. بأي حق اذاً، وبحجة أنني ممثل يحق لكم سؤالي عن حياتي الخاصة؟ في هوليوود ليست الامور بسيطة. فلا يتكبّد أحد عناء السؤال... بل يكتب أي شيء كان. لا أحب التعاطي مع الصحافيين. أكرههم ويضجرونني...".

التناقض الغريب

في كل الاحوال لم ينجح براندو في إعطاء حل مناسب لمشكلة الانسان المقدّر مصيره بأن يصير ممثلاً. بمعنى آخر، ماذا يفعل الانسان كي يصيبه النجاح ويبقى محترماً ومحبوباً من الجمهور وفي الوقت نفسه يكون مقاوماً للاهتمام الذي يبديه له هذا الجمهور؟! ومع هذا، وبتناقض غريب، زادت تلك الاعتراضات تغذية شعبيته! وكما شرح بعض النقاد، فإن ثورته هذه، اكثر من موهبته كممثل، هي التي جعلته نقطة استقطاب في عصر فيه الانسان عبد للتقليد والتبعية.

واللافت ان آراء براندو كانت تأتي دائماً ابنة الغريزة أكثر مما تنتج عن دراسة وبحث عميقين. تصرفاته كذلك كانت ابنة الساعة، متمردة وصادقة لكن لا تخدم دائماً الغايات النبيلة التي وراءها. وتمنّعه عن تسلّم جائزة الاوسكار الثالثة التي استحقها عن فيلم "العرّاب" وإرسال فتاة من الهنود الاميركيين للتحدث باسمه نصرة لقضية ابناء عرقها واعتراضاً على السياسة الاميركية المتبعة هي مثال عن خطواته المتمردة لكن "الناقصة".

دليل النهار اللبنانية في

03.12.2004

 
 

مارلون براندو.. سيرة حياة لن تطوى في حلقات

إعداد: لينا خليل

(الحلقة السابعة)

استبدل الأوسكار بالسياسة والشهرة بجزيرة

بعدما كادت هوليوود تنسى مارلون براندو وتعتبره رهاناً خاسراً من ماض مجيد، عاد ترشيحه للاوسكار عام 1973 عن دوره في فيلم "العراب" ليقذفه ثانية الى واجهة العبقرية والشهرة. فبعد التصفيق الذي تلى إعلان اسمه فائزاً، اعتلت المنصة هندية من الاباش للتحدث باسمه وتعلن تمنعه عن تسلّم الجائزة نظرا الى الصورة المهينة التي تصوّر فيها هوليوود الهنود.

أدين موقف براندو هذا بقساوة. ليس لتبنيه قضية سياسية والترويج لها، بل لتصرفه غير اللائق وغير المفيد للهنود. فقط من كان يعرف براندو المتفرد بآرائه والبريء من الأحكام المسبقة والمتصرف على سجيته لم يفاجأوا بل اكتفوا بهز اكتافهم مبتسمين "انه براندو"!

"العراب" والسبب السخيف

وبهذا يكون "العراب" أعرب عن أن التزامه السياسي والانساني أقوى من الأواصر التي تربطه بمهنة لا تربطه فيها إلا المصلحة المتبادلة وهو في كل حال لم يخف يوماً اعتناقه التمثيل على مضض، فقط بغية المنفعة المادية، وان اتقن المهنة بكل جوارحه. وحين قبل بتمثيل دور العراب كان في حاجة ماسة الى المال للمضي في تحقيق "حلم" آخر استحكم به في بداية الستينات حين أغرم بمجموعة جزر في تاهيتي في أثناء تصويره فيلم   Mutiny of the bounty وبقي حتى عام 1973 يدفع المبالغ الطائلة لاستملاكها. هذا من دون ذكر الأموال التي  سيستمر في توظيفها (حتى نهاية حياته تقريباً) تارة لتحويل قسم من الجزيرة محمية بيئية ذات اكتفاء ذاتي (عن طريق تربية ثروة سمكية فيها) وطوراً لتحويل قسم  أخر منتجعاً سياحياً بعيداً عن فساد الحضارة!

وربما الموقف الاكثر ابرازاً تعلقه بقضيتيه السياسية والبيئية الخاصة بـ"جزيرته"، ولا مبالاته تجاه مهنة التمثيل  وعالم الشهرة، يتلخص بجملة قالها معتذراً لمحام بعدما اضطر الى مغادرة "الجزيرة" والتخلف عن موعد سابق معه: "يجب ان اقصد باريس لسبب سخيف". اما ذلك السبب "السخيف" فكان حضور العرض الأول لفيلم "العراب"!

وفي كل مرة كان الجمهور يعذر ولا ينفك معجبا. فآراء براندو السياسية، وليس فقط أداؤه كممثل، ساهمت ايضاً في بناء "اسطوريته".

كاهن... يحب الناس

منذ صغره اراد براندو ان يكون مرتبطاً بالتزام ما. في مذكراته كان يحلم بأن  يصير كاهناً لتكون له "رسالة" في الحياة. لكن بدلاً من اختيار الله آثر اختيار الانسان. لذلك ربما حاول التزام قضايا عامة تخدم الانسان من دون ان يسوق نفسه سياسياً. وظف نفسه في اليونيسف، تظاهر ضد الحرب في يتنام، عارض التسلح النووي. اما الكفاح الاكبر الذي خاضه فكان الدفاع عن الحقوق  المدنية في آب 1963 حين شارك في المسيرة التاريخية الى واشنطن قبل ان يقصد الجنوب للتظاهر ضد التمييز العنصري. وبعد اغتيال مارتن لوثر كينغ فكّر في التخلي عن السينما وتولي زمام القضية لكنه عاد واكتفى بتمويلها. ومن دون التخلي عن "حربه" هذه، أفاد من شهرته من اجل مساندة الهنود الاميركيين وقد قاده ذلك الى رفض جائزة الاوسكار لأن "السينما والتلفزيون اساءا معاملة الهنود الحمر".

لم يكن براندو انساناً مفكراً قادراً على اعطاء تبريرات لأسلوب حياته. لذلك كان يوظف طاقته لابراز تمرده وخصوصيته عن طريق اختيار بعض الأدوار وعبر أدائه المتمرد. إلا انه كان يستغل بعض المناسبات للإعلان عن بعض معتقداته كما حصل اثناء عقد مؤتمر صحافي في برلين للدفاع عن فيلم شارك في تمثيله. قال "هذا الفيلم يحاول إظهار النازية كموقف اخلاقي وليس كعقيدة محصورة بجغرافيا. هناك نازيون وآخرون حسنو الارادة في سائر البلدان. من العقيم ان نمضي وقتنا ناظرين الى الوراء مغذّين أحقاداً عقيمة. انه امر  مناف لأي تقدم". مما جعل صحافياً المانياً يعلّق: "يتحدث براندو كرجل سياسي اكثر منه كممثل سينمائي".

سياسي... غير سياسي

ربّما نجح براندو في ان يكون رجل سياسة لو لم يكن مكوّناً فكرة دونية عن نفسه. ففي مرحلة معينة من حياته حاول ان يحسن سلوكه وطريقة لباسه مكرّساً  وقتاً للقراءة والدراسة. لكن ان اردنا تصديق اصدقائه يجب القول أن اكثر المشكلات السيكولوجية التي كان يعانيها تكمن بالهوة القائمة بين النقص في الثقافة الكلاسيكية  وبين مقدراته الذكائية. وقد حاول في بداياته اللجوء الى اختصاصيين في علم النفس لردم هذه الهوة. من هنا نفهم ايضاً سبب عدائه للصحافة: فهو كان يخشى ان تسأله ما يعجز عن الاجابة عنه.

مرة  وحيدة قبل بتدوين البعض من آرائه الفلسفية والسياسية. كان جالساً قرب صحافي كندي في طائرة وطلب منه إشعال سيجارة. استأذنه الصحافي (أدلمان) بدردشة صغيرة فقبل على مضض. وبعدما شرح له سبب عدم قبوله تمثيل فيلم The Arrangement مع المخرج صديقه ايليا كازان "لأني كنت مخضوضاً بعد اغتيال  مارتن لوثر كينغ، ففي الآونة الاخيرة فهمت كم من الصعب مصالحة الطبيعة البشرية مع الميول  التي تدفعها الى العدائية"، ألحّ براندو على رفيق الرحلة ان يحمل ورقة وقلماً  كي يكون وفياً  لأقواله. وتابع الدردشة متحدثاً عن ابادة الشعوب ذات الأعراق والديانات المختلفة ولا سيما عن معاملة الهنود الاميركيين. وختم "حتى وإن أعيد تنظيم العالم غداً في شكل لم يبق فيه سوى لون بشرة واحدة ونظام اقتصادي واحد ومعتقد سياسي واحد، وحتى ان تحدث الناس لغة واحدة، سيجد من كان رأيه مختلفاً سبيلاً لاضطهاد الرأي الآخر. يحتاج الناس الى عدو. يحتاجون الى هدف، يحتاجون الى شر لمكافحته. ان افلاس الدين برهن على استحالة تعليم محبة القريب. وأحياء نيويورك الجميلة دليل  ساطع الى ان كل شيء قابل للبيع باستثناء محبة الآخرين".

براندو السياسي والفيلسوف؟ ربما. لكن ليس المواظب فكل ذلك الشغف السياسي ما لبث ان استبدله بشغف بيئي على جزيرة من دون ان يحافظ عل أي صلة مع الهنود الحمر ومع حركة المساواة في الحقوق المدنية.

تماماً كما سينسى لاحقا  الجزيرة ليفيق متأخراً على الاهتمام بعائلة أكبر من أن تحب كما يجب!

دليل النهار اللبنانية في

10.12.2004

 
 

مارلون براندو.. سيرة حياة لن تطوى في حلقات

إعداد: لينا خليل

(الحلقة الثامنة)

نساء وابناء ورماد منثور على جزيرة

"كانت الشهرة لعنة حياتي ولكن تخليت عنها بسهولة. فعندما اصبحت مغمورا ودّعت نهائيا الشخص الذي كنته... اكثر ما الوم نفسي عليه هو كون مهنتي اجبرتني على عيش حياة خاطئة، وان الشهرة اساءت الى كل الذين عرفتهم ما عدا استثناءات... لا يعود الناس يرونك على ما انت عليه، بل يعتبرونك شخصا اسطوريا، لكن حتى ذلك الشخص يخطىء".

كتب هذا مارلون براندو في عمر السبعين ونصف مآسيه لم تكن حصلت بعد! اذ لا يكفي الاعتراف بارتكاب الاخطاء للتكفير عنها. واكثر، ليس الندم ضمانا لعدم تكرار المزيد منها!

عرف براندو نجاحات كثيرة في حياته المهنية التي كرهها، وفي المقابل اختبر فشلا ذريعا في حياته العائلية التي حاول حضنها متأخرا. صحيح انه لم يتزوج سوى ثلاث مرات، لكن من الصعب حصر اسماء النساء اللواتي ارتبطت اسماؤهن باسمه في علاقات تارة عابرة وطورا طويلة ومتداخلة مع علاقات اخرى. من اورسولا اندروس الممثلة وعارضة الازياء العالمية، الى مارلين مونرو... وسائر نجمات السينما التي عاصرها على مدى ثمانين عاما! لم ينكر يوما هوسه بممارسة الجنس ولم يعف بحسب اقواله الا اسما واحدا من النجمات آنذاك، الممثلة فيفيان لي التي شاركها البطولة في فيلم A streetcar named desire وليس عن عفة بل لسبب شرحه في مذكراته معترفا: "كانت جميلة  خجولة وسريعة العطب ومثل "بلانش" بطلة الفيلم كانت تنام مع الجميع تقريبا. كنت استملتها بكل سرور لولا وجود لورانس اوليفييه. كان يعرف انها تخونه لكن كما الكثير من الازواج الذين عرفتهم كان يغض النظر، وانا كنت اقدّره جدا لذا لم اشأ ان اؤذيه...".

هو ومارلين مونرو

ووفاؤه للصداقة ايضا هو الذي القى بين يديه الممثلة مارلين مونرو! وتقول الخبرية فيما يزعم في سيرة حياته بأن لقاءه الاول بها كان في "اكتور ستوديو" ان لقاءهما الاول حصل في اثناء تمثيله فيلم "فيفا زاباتا" عام 1952 حين اتت مارلين الى موقع التصوير في تكساس لملاقاة عشيقها آنذاك المخرج ايليا كازان. وحصل ان زوجة كازان واولاده وصلوا مباغتة، فطلب من براندو مستنجدا ايواء مونرو في مقطورته والايهام بأنها عشيقته. فأتم براندو المهمة على اكمل وجه.

ذلك اللقاء كان الاول بين لقاءات تالية وبداية لصداقة ستدوم لحين وفاة النجمة. ويخبر براندو انها اتصلت به قبل يومين او ثلاثة من موتها لتدعوه الى العشاء،  لكنه اعتذر لارتباطه بموعد سابق متفقا معها على الاتصال في الاسبوع المقبل لتحديد موعد آخر. وهو الوحيد بين معارفها الذي بقي مصرا بأنه لم يلاحظ اي اكتئاب او احساس بالاحباط لديها مشككاً في نظرية انتحارها، داعما نظرية تعرضها للقتل.

يرى البعض في نفيه هذا طريقة للتحرر من ذكرى انتحار ومحاولة انتحار نساء اخريات كن في يوم ما عشيقاته، واللائحة طويلة... الا انه مرة اخرى لم يذكر ايا منهن في مذكراته! كما لم يذكر ايا من زوجاته إلا  للتحدث عن النفقات المالية المتوجبة عليه من جرائهن! والمؤكد انه كان يميل الى النساء السريعات العطب، والافضل من عرق ملون. اما بالنسبة الى عدد النساء اللواتي عرفهن فهو بنفسه يقول: "عرفت كمّا هائلا من المغامرات لذا لا استطيع ان اعتبر نفسي رجلا طبيعيا وعاقلا"! وقد بلغت شهيته الجنسية اوجها عام 1961 حين ذهب الى تاهيتي لتصوير فيلم Mutiny on the bounty، فأغوى سائر حسناوات الجزيرة، بالجملة والمفرق، مخلفا وراءه ابناء غير شرعيين كان من الصعب عليه التعرف لاحقا على امهاتهنّ!

زوجات وابناء

تزوج براندو ثلاث مرات، وله نحو 15 ولدا ليس بالضرورة منهن، وهو يعترف بأبوّة عشرة، منهم ثلاثة بالتبني.

وكانت المأساة حين اقدم ابنه البكر كريستيان عام 1990 على اطلاق النار على خطيب شايان ووالد جنينها في منزل براندو. وبعد فضيحة المحاكمة العلنية التي اجبر فيها براندو على المثول للشهادة، وكشف شخصية براندو  الخفية وذرف دموع الوجع امام عدسات الصحافة، وبعد الحكم على ابنه بعشر سنين من السجن، اعتقد مارلون انه لن يشهد مأساة أكبر من هذه. الا ان ابنته المحبوبة شايان، التي حاول ان يستبعدها عن الشهادة في المحاكمة بادخالها اكثر من مرة مصحا عقليا، والتي طالما حمّلت والدها مسؤولية قتل خطيبها، وبعد ثلاث محاولات انتحار فاشلة، اقدمت على محاولة ناجحة في عيد الفصح عام 1995...

وبهذا يكون براندو الذي كان يتسلى، تارة بإفساد عائلته بمحبته العارمة، وطورا بنسيانها وهجرها ليعود اليها اكثر شغفا وتطلبا، قد دفع ثمن مزاجيته غاليا، فاسحا امام الصحافة والعالم مشاهدة ضعفه هو عملاق الشاشة الذي كافح طويلا من اجل ابقاء حياته (ومشاعره) الخاصة بعيدا من الاضواء.

حتى النفس الاخير

وبعد تلوعه من فقدان ابنته وعجزه حتى عن حضور دفنها، صار يمضي معظم اوقاته في غرفته متحدثا على اللاسلكي مع بحارة مستعملا اسماء وهمية. تلك كانت الصلة الوحيدة التي تربطه بالعالم. لكن احلام عملاق الشاشة الاميركية لم تكن خبت بعد. فهو لم يكن يئس بعد من تحقيق حلم جزيرته المستحيل الذي كان يودي به الى الافلاس اكثر من مرة، وكانت السينما، التي لم يشأ اعلان حبه لها وان مرة، تنجح على تعويمه في كل مرة. حتى انه، وبعمر الثمانين، لم يكن اسدل الستار عن مهنته السينمائية. فقد كان اعطى موافقته على مشروعين: احياء شخصية في فيلم الصور المتحركة Big Bug Man وتمثيل شخصيته الخاصة في فيلم للسينمائي التونسي رضا بهي بعنوان "براندو وبراندو" الذي يتحدث عن حلم رجل اميركي يقصد بيت براندو في هوليوود للتعرف اليه...

كان من المفروض ان يتم التصوير بعد بضعة اشهر. لكن رئتي براندو خانتا نفسه المقبلة على الحياة. حتى زوجته تاريتا القادمة سريعا من الجزيرة في اتصال عاجل لم تستطع تلمّس نبضاته الاخيرة. فغاب براندو تاركا وراءه ممتلكات كثيرة بلا اموال، وورثة من ابنائه كبيرهم في الـ46 عاما وصغيرهم في العاشرة يعاني مرض التوحد كان رزق به مع اثنين آخرين من خادمته ماريا كريستينا روز...حياة غريبة عاشها ممثل بطل حتى آخر انفاسه. وتحققت وصيته الاخيرة بنثر رماده في جنوب جزيرته على المحيط الهادىء في منطقة يعيش فيها شخصان فقط: احد ابنائه وعشيقة سابقة. ابى اقامة دفن لائق لأنه لم يشأ ان تكون فيه مجموعة ارامل يبكين! كما أبى ان يدفن مع المشاهير هو الحائز محبة معجبين عــــــارمة بالاضــــــافة الى سبعة ترشيحات واوسكارين، لئلا يتحول قبره هدفا سياحيا!

متمرد براندو، حتى بعد النفس الاخير!

دليل النهار اللبنانية في

17.12.2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)