كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

حكي عن أزمته مع وحيد حامد

الدكتور مدكور ثابت في حوار وسط العواصف:

لم نعرض «بحب السيما» علي الكنيسة وضجة روبي مفتعلة

حسن أبوالعلا

بحب

السيما

   
 
 
 
 

يبدو الدكتور مدكور ثابت رئيس الرقابة علي المصنفات الفنية رابط الجأش مع أنه يشغل منصبا يثير اللغط، ما بين مطالبين بالإطاحة به بحكم أن الرقابة مفهوم ضد الإبداع لم يعد صالحا في عصر العولمة... وما بين متشددين يرون في جهاز الرقابة الحد الأدني الذي يلبي رغباتهم في حشد الجميع لحماية التقاليد والآداب وعدم الخروج عن تعاليم الأديان ومع هذا فمدكور ثابت شخصية هادئة رزينة مؤمن بحرية الإبداع بلا حدود فهي في رأيه نهم هادر لا تحجزه سدود ولكنه مضطر في الكثير من الأحيان لأبغض الحلال، ويلعب دور الرقيب الذي يقص ويحذف ويصادر ويمنع.. ولا يخرج الدكتور مدكور ثابت من أزمة حتي يدخل في أزمات.. فقبل أيام انفجرت قنبلة وحيد حامد بدون ذكر الأسماء والتي لم تحسم قضيتها بعد ثم أزمة أسماء الأفلام ومن بينها فيلم عادل إمام الجديد... وأزمة فيلم روبي وفيلم «بحب السيما»، والجميع في انتظار أزمة جديدة مع إيناس الدغيدي، بسبب فيلمها الجريء الباحثات عن الحرية.. تري ما الأسباب الحقيقية وراء أزمة وحيد حامد ولماذا يعترض عادل إمام علي الرقابة.. وهل الفنانون الكبار فوق المساءلة وعلي رأسهم ريشة تجعلهم أعلي من الرقيب.. الدكتور مدكور ثابت أجاب عن كل هذه التساؤلات وتحدث لـ «القاهرة» عن أزمات الرقابة الأخيرة.

* ما حقيقة الأزمة التي أثارها وحيد حامد حول فيلمه الجديد «بدون ذكر الأسماء»؟

 ـ لقد اتفقت مع وحيد حامد علي التصالح وعدم الإدلاء بأي تصريحات صحفية لحين أن تصدر لجنة التظلمات قرارها الذي سنلتزم به سويا.. وأنا من ناحيتي ملتزم أخلاقيا بهذا الاتفاق ولأنني مؤمن جدا بديمقراطية فكرة لجنة التظلمات حتي لو جاءت قرارتها ضد قرارات الرقابة.

* هل يتصيد وحيد حامد الأخطاء لإثارة ضجة إعلامية حول فيلمه؟

 ـ وحيد حامد كاتب كبير وليس في حاجة لمثل هذه الافتعالات التي يلجأ إليها الناشئون أو من هم دون مستواه ولا أظنه في حاجة  لمثل هذا النوع من الدعاية.

* ألا تري أن الفنانين الكبار يتعاملون مع الرقابة بمنطق أن علي رأسهم ريشة؟

ـ إذا كان هذا إحساس البعض منهم فهذا شأنهم لكن تعاملنا مع الجميع سواسية ولا فرق بين كبير وصغير وربما يكون البعض ممن حصلوا علي هذا التميز من حيث الحرية في فترات سابقة أصبحوا مستائين لأنهم الآن قد تساووا مع الجميع.. فقد أصبحت الحرية للجميع وليس هناك من يتميز بها وحده.

* وماذا عن مشكلة «بحب السيما» وما أثير حول عرض الفيلم علي الكنيسة؟

 ـ ما تسبب فيما أثير من مشاكل حول فيلم «بحب السيما» سببه الأساسي هو مفاجأة ضيق الوقت ما بين وصول نسخة الفيلم من الخارج قبل أيام من الموعد المحدد لعرضه بدليل أننا عندما أسرعنا في جمع اللجنة العليا لم يكتمل عددها وأثناء الاجتماع الأول غير المكتمل حدث نقاش أبدي فيه بعض الأعضاء لمجرد الاقتراح والنقاش فكرة الاستنارة بآراء رجال الدين ولم تكن أكثر من مجرد اقتراح لم يؤخذ الجد ومع ذلك كان لتسرب هذه المناقشة تفسير خاطئ سرعان ما أشيع أنه قرار بالعرض علي الكنيسة وهو ما نفيته نفيا قاطعا وتفهم الجميع الحقيقة، خاصة بعد أن اجتمعت اللجنة العليا بأكملها وأصدرنا القرار النهائي بكل الجرأة لعرض الفيلم مع تحديد عرضه للكبار فقط. وهذه هي التجربة الثانية للرقابة بعد فيلم «سهر الليالي»، حيث حرصنا علي أن يحتفظ الفيلم بسياقه مادام الموضوع جادا ويحترم عقل المشاهد وحتي لا نتسبب في تشويه مثل هذا العمل وشجعنا علي هذه الخطوة نجاح التجربة مع الجمهور والمجتمع في «سهر الليالي».

* وهل من حق الأزهر أو الكنيسة التدخل في عرض الأعمال الفنية؟

 ـ القانون يجبرن علي عرض المصنفات الدينية علي الأزهر أو الكنيسة وهنا يجب توضيح المقصود بالمصنفات الدينية وهي التي تتعامل مع المصحف الشريف أو الأحاديث النبوية أو قصص الأنبياء تعاملا مباشرا أما إذا كان العمل يعالج دراما اجتماعية لأسر دينية وما شابه فالقانون لا يجبرنا في عرض هذا سواء علي الأزهر أو الكنيسة وعلي سبيل المثال عندما قدمت السينما المصرية فيلم «الإرهابي» للفنان الكبير عادل إمام فهذا موضوع اجتماعي حول أسرة مسلمة وأخري مسيحية فلا شأن للأزهر أو الكنيسة بهذا الموضوع ولكن عندما يتم إصدار أشرطة مسجل عليها تلاوة للمصحف أو الأحاديث أو المواعظ الدينية فموافقة الأزهر واجبة قانونا وأصحاب الشركات يدركون هذا ويأتون بالتصاريح من تلقاء أنفسهم فلسنا نحن الذين نحيل للأزهر مثل هذه المصنفات.

* وما الأسباب التي جعلتكم تصرحون بعرض فيلم «بحب السيما» للكبار فقط؟

 ـ نفس التفاصيل التي لم يعتد المتفرج المصري وجودها في مشاهد السينما المصرية ولكنها تأتي في سياق جاد من المعالجة بحيث لا ينطبق عليها في هذه الحالة أنها خادشة للحياء كما جري العرف وعلي سبيل المثال مشهد اللقاء الجنسي بين الزوج والزوجة كان من المستحيل ألا يكون في سياق الفيلم وإلا فقد معناه.

* هل يمكن أن تكون لافتة «للكبار فقط»، وسيلة لعرض بعض الأعمال الجادة التي تحمل قدرا من الجرأة؟

ـ نأخذ مأخذ الجد فكرة التصنيف العمري للمشاهدة مثلما هو معمول به في الخارج بالدول المتحضرة لكي يتلقي المجتمع حقه من المبدعين وكذلك يجد المبدع فرصته في المعالجة الفنية للرسالة التي ينبغي توصيلها لمجتمعه وأعتقد أننا يمكن أن ننجح في ذلك بالتدريج.

* في فيلم «بحب السيما» أشار البعض لجرأة الحوار وبعض الألفاظ التي لم نتعود عليها علي شاشة السينما؟

 ـ هذه الجرأة تحسب للفيلم وللمجتمع الذي يتقبلها وللرقابة التي لا تشيح بوجهها عن طبيعة العصر وقد أثبتت التجربة سواء في «سهر الليالي» أو «بحب السيما» أن المجتمع ليس بما يحاول البعض أن يصوره به من تخلف عن تقبل هذه الحرية وهذه الجرأة، وكل ما نطلبه  هو ألا يتعمد البعض تشويه تجربة الحرية سواء بالادعاء الكاذب بأن الرقابة مازالت كما هي بتاريخها سيئ السمعة أو بمطالبتها بفرض القيود لأن المجتمع أكثر نضجا من المشوشين ومن المتزمتين في آن واحد.

* ولماذا لم يصرح بعرض «بحب السيما» مباشرة دون العرض علي لجنة عليا؟

 ـ لأن السيناريو كان قد أجيز بعد رفضه وكانت الإجازة من خلال لجنة عليا وبالتالي فهي مسألة إجرائية ليس إلا.

* وما حقيقة الضجة التي أثيرت حول فيلم روبي الجديد «7 ورقات كوتشينة»؟

 ـ الأهم من كل هذا هو الضجة المفتعلة التي سبقت وصول الفيلم للرقابة... فما لا يعلمه الجميع أننا ظللنا نسمع ونقرأ عن أزمات لهذا الفيلم مع الرقابة طوال أكثر من عام بينما لم يصلنا الفيلم ولم يشاهده الرقباء بل والأغرب أننا لم نكن نعلم إن كان يجري تصويره أم لا وتم  شحذ المجتمع كله في ترقب لهذا الفيلم فما إن وصلتنا نسخة العمل أخيرا منذ ثلاثة أسابيع فقط وشاهده الرقباء فكتبوا التقارير التي تحمل الكثير من الاستفزاز من الكليبات ومشاهد الجنس به والتي لا يرقي سياقها إلي حالة مثل «سهر الليالي»، أو «بحب السيما» وهذا ليس تقييما فنيا، فجاءت محذوفات الرقباء كثيفة بشكل لم نعهده ولهذا السبب ولتطبيق المبدأ الديمقراطي فما إن طلب مخرج الفيلم «لاحظ أن هذا بناء علي طلبه» عرضه علي لجنة عليا حتي بدا وكأنه قد أصبح قضية رأي عام لذلك استجبت إلي طلبه ودعوة لجنة من النقاد لمشاهدته حيث كانت المفاجأة التي وقعت علي شخصيا مثل بقية من شاهدوه بأن النسخة المقدمة ليس بها كل ما يستحق هذا الضجيج والدليل علي ذلك أن الفيلم قد اقتصر علي 3 كليبات غنائية فقط من بين ما كان ينوي مخرجه تقديمه وأصبحت المشكلة غير مطروحة للنقاش الذي تم شحذ المجتمع له بهذه الضخامة ولم تعد أمامنا أي مشكلة للتصريح بالفيلم بعد حذف لقطة من هنا وأخري من هناك مع عدة جمل مما يعتبر خادشا للحياء وفقا لقانون الرقابة.

* قرأنا مؤخرا عن اعتراض الرقابة علي سيناريو فيلم «المنفي» للمخرج عاطف حتاتة والذي يتناول مشاكل المراهقين؟

 ـ هذا الموضوع لا أساس له من الصحة ومثل هذا النوع من الأخبار ليس بغريب علينا يوميا وهذا الخبر أو غيره مثل الضجة التي أثيرت بافتعال حول فيلم روبي.. ويوميا تعرض علي  قصاصات صحف حول نجمة أو نجم أو أغنية لها أزمة مع الرقابة وتعودت أن أحيل هذه الأخبار إلي الإدارة المعنية بالمصنف وسرعان ما يأتي الرد بأن هذا العمل لم يرد للرقابة ولم نسمع به في أي  طلب ولن أستطيع أن أتفرغ لتكذيب كل ذلك لكن للأمانة هناك صحفيون جادون يحترمون مهنتهم ويتصلون بي شخصيا ليسألوني كلما تسرب إليهم أحد هذه الأخبار الكاذبة فأقول لهم الحقيقة وهذا وحده ما أعترف به.

* وماذا عن اعتراض الرقابة علي سيناريو فيلم «يد الله» الذي يتناول محاولة اغتيال الرئيس مبارك الفاشلة في أديس أبابا عام 1995؟

 ـ بالمناسبة الفيلم تمت الموافقة الرقابية عليه لكن هذا الموضوع ومثله من الموضوعات الحربية التي تتناول حرب أكتوبر أو كل ما تدور به من تفاصيل حربية أو عسكرية يتوجب الحصول فيها علي موافقة المخابرات الحربية وهو إجراء تقليدي معروف لدي السينمائيين بطول تاريخ الإنتاج وآخر مثال علي هذا أن لجنة التظلمات عندما وافقت علي فيلم «المشير والرئيس» واشترطت بعض الملحوظات إلا أنها حرصت علي الشرط الرئيسي الذي يتمثل في الحصول علي موافقة الجهات الأمنية وبهذه المناسبة فالرقابة لا تلجأ إطلاقا إلي جهات الأمن ولا تحول أي سيناريو إلي أي جهة أمنية إلا فيما يشترطه القانون من هذه الموضوعات المباشرة التي يجب أن تبدي فيها المخابرات الحربية موافقتها علي ما يخرج من تفاصيل أو فنية المعالجة للتفاصيل نفسها.

* هل نتوقع صداما جديدا مع إيناس الدغيدي عند عر ض فيلم «الباحثات عن الحرية»؟

 ـ لماذا التوقع بصدام مع إيناس الدغيدي.. مرة أخري أذكر بتجربة ما حدث مع فيلم روبي من ضجة كانت النتيجة هي ما سيشاهده الجمهور وبالمناسبة فيما يتعلق بإيناس الدغيدي فقد أصبح اسمها علامة تجارية يعلمها الجميع... إذن فليمتنع الرافضون من الذهاب إلي فيلمها إذا كانوا يرفضونها وليتركوا لمن لا يرفضونها أن يقيموها وذلك بدلا من وجع الدماغ... أما من حيث التوقع فإن ما يكتب علي الورق لا يمكن أن ينبئ بما ستصبح عليه الصورة فقد يكتب السيناريست جملة بسيطة يقول فيها يلتقي الزوج بزوجته في غرفة النوم فيجسدها مخرج بطريقة بينما يقدمها مخرج آخر بطريقة مختلفة ولا نعرف التفاصيل إلا بعد المشاهدة علي الشاشة وفي كلتا الحالتين فإن سياق العمل الفني وجديته هي التي تفرض الموقف.

* وما أسباب اعتراض الرقابة علي أسماء بعض الأفلام ومنها فيلم عادل إمام؟

 ـ بخصوص فيلم عادل إمام «عريس من جهة أمنية»، فهذا العنوان هو الذي تم تقديم السيناريو به ولم يحدث إطلاقا أن تم تقديم اسم آخر كما أشيع في بعض الأخبار.. وبالنسبة لفيلم «حرامي في الداخلية» فكان وجه الاعتراض أنه لا علاقة له بالموضوع الذي لا يدور من قريب أو بعيد في وزارة الداخلية وقد تحجج كاتب ومنتج الفيلم بأن القصة تدور في مدينة جامعية وهذه تعتبر وكأنها مدرسة داخلية أما فيلم «أشتاتا شلتوت» فقد رفض المستشار القانوني طلب التغيير استنادا إلي القانون نفسه وهذا هو ما التزمنا به رغم أن أسرة الفيلم بادرت بتغيير الاسم لمجرد غلق باب الشوشرة غير المطلوبة والدليل علي موقف الرقابة أن اسم البطل في داخل الفيلم مازال «شلتوت» لأنه لا يمس اسم عالمنا الجليل الشيخ محمود شلتوت من قريب أو بعيد بل كانت المفاجأة أن هذا ليس العمل الأول في تاريخ السينما أو المسرح الذي يستخدم فيه اسم شلتوت دون أن تثار هذه الضجة وكان آخرها مسرحية «المواطن مهدي» لوليد يوسف وبطلها اسمه شلتوت.

* وهل من حق الرقابة الاعتراض علي أسماء الأفلام بدعوي تفاهتها مثلا؟

ـ استمرارا لمبدأ حرية الإبداع وعدم تدخل الرقابة في التقييم الفني لأنها ليست مهمتها وإنما مهمة الحركة النقدية والمجتمع، فإن الرقابة لا تتدخل في اختيار أسماء الأفلام أو فيما ينتج منها إلا فيما يخدش الحياء العام أو ينطبق عليه القانون وإلا تسببت الرقابة في مصادرة أسماء أعمال قد تصبح فيما بعد من الأعمال المهمة والدليل أن الرقابة اختلفوا ذات مرة حول اسم لمسرحية بعنوان «إبرة في شبرا» وحسم الأمر بالموافقة عندما اتضح أنه تم التصريح لأحد أهم كتاب المسرح في مصر والعالم العربي وهو ألفريد فرج لمسرحية بعنوان «عطوة أبومطوة» إذن من الذي سيفرق بين الكبير والصغير أو الإبداع المهم وغير المهم في مثل هذه الحالات... ألا يحتمل إذا ما فتحت الرقابة سلطة التدخل في الموافقة علي الأسماء بحجة المستوي الهابط أن يمنع اسم مسرحية لألفريد فرج أو يمنع اسم «الفرافير» وهي عنوان المسرحية التي أحدثت نقطة تحول في المسرح المصري في الستينيات ليوسف إدريس... فيجب أن نفرق بين دور الرقابة ودور الحركة النقدية والمجتمع وبهذه المناسبة لقد طرحت أمام لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشعب عدد السيناريوهات التي تم التصريح بها خلال الأربع سنوات والنصف الماضية وتبلغ 880 سيناريو تم التصريح بها ولم ينتج منها إلا نحو 80 فيلما هي التي تمثل الشريحة السائدة الآن والتي ينتقدها الجميع... إذن ما ذنب الرقابة وهي ليست جهة إنتاج فقد صرحت من الأفلام المئات من بينها الجاد وغير الجاد فالمسئولية إنتاجية بحتة والمطلوب هو استمرار هذه الصحوة النقدية فيما يسود من هذا الإنتاج.

* حرصك علي عناوين الأعمال الفنية يجعلنا نتساءل عن مؤهلات الرقباء في إجازة أو منع الأعمال نفسها خاصة أن أغلبهم لاعلاقة لهم بالدراما؟

 ـ لهذا السبب لجأت إلي صيغة شوري النقاد لإنقاذ الأعمال الإبداعية مما قد تتعرض له من جراء ذلك وبالمناسبة يتصور البعض أن صيغة شوري النقاد هي إشراك للمثقفين في الرقابة وأود التصحيح بأن المقصود هو إشراكهم في حماية المبدع وليس العكس.

* ولكن البعض يشكك في شرعية ما يسمي بمجلس  شوري النقاد؟

 ـ من حيث الناحية القانونية فالقانون يمنح رئيس الرقابة حق الحصول علي الاستشارة سواء بلجنة مصغرة أو لجنة موسعة أو بأي صيغة يراها استشارية والجديد في هذه المرة هو أنه بدلا من تحديد الاستشارة بلجنة محددة الأعضاء أصبحت المسألة مفتوحة للجميع للمشاركة بالرأي وفي نفس السؤال حول الرقباء أجد نفسي في حيرة ممن يعترضون علي صيغة شوري النقاد ويوجهون النقد للرقباء بأنهم ليسوا من المثقفين.

* أليس في هذا تناقض أن تطلب المثقفين وعندما أحقق الصيغة التي ألجأ فيها للمثقفين أكون محل انتقاد.

ـ لاحظ أن العمل اليومي بالرقابة يضم مئات الأغاني وعشرات الأفلام والمسرحيات يوميا لا يمكن أن تفرغ لها من المثقفين الذين يقوموا بهذا العمل اليومي ولذلك كان الحل في إيجاد هذه الصيغة عند الحالات الاستشكالية وحدها.

* ألا تري أن قوانين الرقابة الحالية تحتاج إلي تعديل؟

 ـ بالتأكيد ولكن أؤكد أيضا أنه مهما عدلت قوانين الرقابة فستبقي الرقابة رهن المساحة التقديرية في مواجهة أي عمل فني  لأن مساحة التقييم مساحة مراوغة والدليل علي ذلك أن أحسن الأعمال الفنية يختلف عليها أكبرالنقاد ما بين مؤيد ومعارض فما بالك عندما يكون العمل الفني بين أيدي رقباء وهم ليسوا نقادا في النهاية.. وأخطر ما في مسألة القوانين هو السؤال عن معايير للرقابة فإن وصفت هذه المعايير فسوف تكون الكارثة بعينها لأن العمل الفني أولا وأخيرا هو سياق وفكرة وضع محاذير مثل قائمة البقال لا يمكن أن يتم التعامل بها في مجال الفن.

* بما أنك موافق علي تعديل قانون الرقابة فهناك من يتعجب من عرض سيناريو الأفلام علي الرقباء ثم عرضها بعد ذلك علي شريط السينما؟

 ـ ما أفهمه أن السبب وراء هذا التشريع منذ سنوات طويلة قد جاء لصالح المنتج وحتي لا يشارك في عمل ويصرف الأموال قبل أن يتأكد من أن هذا العمل موافق عليه رقابيا حتي لا يصرف الأموال الطائلة ثم يكتشف أن عمله مرفوض أما الآن وقد أصبحت الحرية مكفولة للجميع فأعتقد أن من حق المبدع أن يأتي بعمله مباشرة علي شريط مصور ليتم اتخاذ إجراءات التصريح بشأنه والدليل علي ذلك أن الفيلم الأجنبي يصل جاهزا من الخارج كنسخة عرض فلا تطلب الرقابة السيناريو وإنما تتعامل معه باعتباره عملا مكتملا.

جريدة القاهرة في

22.06.2004

 
 

«بحب السيما»

حكايات أسرة قبطية في فيلم رائع لا يعترف بشعار «يحيا الهلال مع الصليب»

د.وليد سيف

مللنا من حكاية أن بطرس ومحمد أصحاب أو أن تريزا صديقة فاطمة أو حتي من هتافات وشعارات مثل يحيا الهلال مع الصليب لأنها أصبحت من كثرة تكرارها أقرب للابتذال، خاصة أنها تؤكد علي أشياء من المفترض أن تكون ليست في حاجة إلي أي تأكيد. نحن نتعامل في فيلم «بحب السيما» مع أسرة قبطية كأبطال أو شخصيات رئيسية لهم جيرانهم وأقاربهم وأصدقاؤهم من الأسر القبطية كشخصيات ثانية أوثانوية.. كما يتضمن الفيلم العديد من الشخصيات التي لم نتعرف علي ديانتها سواء كانت مسلمة أو مسيحية.. وهي مسألة تحسب لصناع الفيلم بالتأكيد وليس عليهم. أولا لأن هذا الأمر لا يشغل اهتمام مؤلف الفيلم ولا مخرجه، وثانيا وثالثا ورابعا لأن هذه المسألة ليس لها علاقة بموضوع الفيلم ولأن ذكرها أو اثارتها لا تضيف قيمة أو أهمية بل علي العكس سوف تخرج بنا عن الموضوع. إن الفيلم يتصدي لحكاية أسرة قبطية لا تشكل علاقتها بإخوانها المسلمين قضية أو تثير أزمة.. تماما مثل آلاف الأفلام المصرية التي تحكي عن أسر مسلمة دون أدني اهتمام بعلاقتهم بإخوانهم المسيحيين لأن هذا ليس موضوعها..ولكن ربما يكون التوفيق قد جانب صناع الفيلم حين حرصوا علي إبراز أن حتي طبيب الأسرة مسيحي بوضع تمثال العذراء علي مكتبه وهي تفصيلة كان يمكن الاستغناء عنها..

يعود بنا إلي الوراء أربعين سنة نعيم الراوي ـ غير المرئي إلا في طفولته ومن خلال الأحداث.. يرصد لنا تفاصيل ذكرياته في شبرا.. تتشبع عيوننا معه بتكوينات الحي العريق بواجهات بيوته وبواباته وسلالمه ودرابزيناته وبلكوناته وشبابيكه المتجاوره إلي حد التلاصق.. نطل من شبابيكه علي أبراج الكنائس وأسراب الحمام تارة وعلي شبابيك الجيران أو الحيطان الصماء في جوانب أخري.. نتجول في الشوارع ونلمح أفيشات أفلام الستينيات ومانشيتات الجرائد النارية في عهد عبدالناصر.. يتفنن المصور طارق التلمساني ومهندس الديكور والمشرف الفني صلاح مرعي ليقدموا لنا هذه الصورة بقدر كبير من الصدق والجمال الفني والمتعة البصرية.. ولا تخدم هذه الصور إلا بناء دراميا رائعا شيده هاني فوزي مؤلفا وعبر عنه ببلاغة مبدع متمكن هو أسامة فوزي مخرجا..

فداخل هذه الجدران وخلف النوافذ حكايات وحكايات استطاع المؤلف أن يمزجها بمهارة وأن يتخير منها ما يتفق مع رؤيته وأن يجعلها جميعا تساهم في ثراء هذا البناء الراسخ متعدد الأبعاد الذي لم نعهده منذ فيلم «أرض الخوف» لداود عبدالسيد مع اختلاف الموضوع طبعا.. نتابع في الفيلم حكاية أو تفاصيل من حكاية أسرة نعيم في بيت يسيطر عليه خوف الأبناء من الأب وكبت الزوجة جنسيا ومعنويا في مواجهة قهر رب الأسرة الذي يعاني بدوره من خوف مرضي وغير طبيعي من الرب. وكل ذلك دون أن تغلف الفيلم مسحة تراجيدية أو مبالغات ميلودرامية إلا في أضيق الحدود.. وتشغل الخلفية السياسية للأحداث أو المواكبة للفترة الزمنية المساحة التي تجعلها محسوسة ومؤثرة دون مباشرة أو مبالغة سواء من خلال مانشيتات الجرائد أو نشرات الأخبار أو من خلال الأحداث حيث يتعرض الأب لبطش رجال المباحث تأديبا له علي تهمة ملفقة من رئيسه فيعبر ببلاغة وبأداء رائع لمحمود حميدة: «كل واحد بيحاول يشكل اللي تحت منه وما حدش بيتغير إلا لو هو عايز.. عبدالناصر نفسه يقدر يخللي حد اشتراكي غصب عنه؟» وبعد أن يتوصل إلي اختياره الحقيقي بعد اكتشاف مرضه يقول: «عايشين سلسلة طويلة من الخوف والكبت والجبن والكذب.. العمر قصير حرام نضيعه في المتاهة دي.. أنا كمان بأكدب عامل قديس.. دا حلال ودا حرام.. الحقيقة أني بأحب الخطية..».

وهكذا يشكل الفيلم بمهارة بنائه من خلال الأحداث والمواقف والحوار مستوياته الثلاثة: حكاية الأسرة = الحدوتة.. الخلفية السياسية والصدام مع السلطة = البعد السياسي.. الحلال والحرام والطقوس والحوار مع الرب = البعد الديني والميتافيزيقي.. وتتحدد بذلك المستويات الثلاثة للسلطات: سلطة الأب وسلطة الحاكم وسلطة الرب عز وجل.. ولا تتوقف التساؤلات حول هذه المحاور أو الأبعاد طوال العمل وتلعب كل الشخصيات دورا في هذا الجانب أو ذلك.. وتساهم أسئلة الطفل الذكية في فرض الكثير من التساؤلات بل إن الفنان التشكيلي الذي يقع في غرام الأم يلعب علي هذه المحاور ذاتها.. فقد سبق له أن كان معتقلا سياسيا، كما أنه مر بتجربة الالحاد ولم يعرف الصلاة أو الإيمان إلا في السجن.. وازدواجية العلاقة بين كل ما هو ديني ودنيوي تتبدي بوضوح في مشاهد الكنيسة الهادئة التي سرعان ما تتحول إلي مشاهد ساخنة صاخبة كما تتحول جلسات الصلاة دائما إلي معاررك محمومة ربما فرض عليها التنفيذ طابعا من المبالغة استدرارا لضحك جمهور أدمن الكوميديا الغليظة، بينما ينجح الفيلم بالفعل في إضفاء حال من الكوميديا الخفيفة اعتمادا علي مواقف واقعية صادقة.. مثل خطبة الناظرة في طابور الصباح وحديثها عن الحمامات فور الانتهاء من قراءة المانشيتات السياسية المهمة.. أو عمليات ابتزاز الطفل للأهل والمعارف والزملاء من أجل التستر علي أسرارهم وإن كانت وصلت إلي حد كبير من المبالغة في المشهد الذي يطلب منه الجار فيه يد شقيقته.. كما شاب مشهد اخافة الأب للابن من عذاب النار نفس الطابع من المبالغة.. فالأب يأخذ الطفل إلي الحجرة المظلمة: «عارف جهنم دي إيه.. ضلمة.. ونار لا تنطفئ.. ودود لا يموت».. ويصل الأمر إلي ذروة غير مقبولة حين يضعه علي شباك الحجرة.. علي الجانب الآخر يمتلئ الفيلم بالحوارات الصادقة اللماحة مثل حكاية صلاة الأب وهو يحسد لص اليمين «اللي عاش حياته هايص في المسخرة وفي الآخر فاز بالجنة ابن الإيه».. أو شرح الجدة العجوز للحفيد عن فكرة العذاب أو المرض الذي يجنبنا عذابات أو شرورا أكبر.

ولا يتوقف الفيلم في أي لحظة من لحظاته عن مناقشة التابوهات الثلاثة: الدين والجنس والسياسة.. وكما تمتزج العناصر الثلاثة تمتزج المشاهد في تداع جميل تفرضه وحدة الموضوع كما يحققه المونتاج لخالد مرعي ببلاغة رغم اختلاف الأجواء بل والأساليب الفنية في التنفيذ.. فبينما تأخذ معظم المشاهد الشكل الواقعي البسيط.. يغلف مشهد سقوط اللوحات في الشقة والكشف عن خلفياتها من الصور العارية يغلف هذ المشهد شكلا تعبيريا وإيقاعا سينمائيا مختلفا باستخدام الحركة البطيئة في بعض أجزائه وكذلك الحال في مشهد دخول السينما حيث تتحول الصورة إلي تعبير مباشر عن تصور الطفل الخيالي للسينما فعمال السينما لهم أجنحة الملائكة بينما شخصيات الفيلم تدور حول رؤوسها هالات الأنبياء..وتظل من أجمل الأجزاء التي رأيناها ربما في تاريخ السينما المصرية هذا الجزء الذي يبدأ من ركوب الطفل للدراجة بصحبة الأب الذي أصبح في حالة تصالح مع الحياة بينما البحر والسماء في الخلفية وقت الغروب ومع صوت خطاب التنحي لعبد الناصر نتابع قرص الشمس وهو يسقط في الماء ثم ننتقل إيقاعيا برصانة وبإيقاع بليغ إلي صباح اليوم التالي واستعراض خارجي للبيوت كبداية لفصل جديد قصير يفتتح بموت الأب.. تتحقق لهذه المشاهد هذا التوافق الشديد والانسجام التام بين عناصر السيناريو والتصوير والمونتاج والإخراج لنلتقي مع حالة نادرة من حالات السينما الخالصة في الفيلم المصري.. فالانتقال البارع من مشهد إلي مشهد بل من لقطة إلي لقطة يمكنك أن تلحظه في العديد من المشاهد الأساسية ومنها المشهد الذي يبدأ بحوار الأم مع الأب حول مصروف البيت ويتطور إلي مشهد جنسي وينتهي بإحباط الزوجة وتأنيبها للزوج لأنه يتعامل مع الأمر كما لو كان جريمة يجب إخفاؤها.. تتصاعد الحالة الدرامية والنفسية للشخصيات مع تقطيع محسوب وحركة مدروسة للممثل ودرجات إضاءة تلعب مختلف الأدوار دراميا وواقعيا ونفسيا.. فهي الإضاءة المناسبة للزمن ونوع اللمبات المستخدمة.. وهي الإضاءة المناسبة للموقف لإظهار ما يلزم وإخفاء ما لا يلزم.. وهي الإضاءة التي تغلف الوجوه بدرجات من الظلال حسب اعتامها الروحي وهي التي تحيط شخصياتها بالسواد كما لو كانت محاصرة بين قضبان الظلمة.. بينما تأتي الموسيقي للتركيز علي الانفعالات حينا فتأتي أشبه بنبضات القلب أو اهتزاز الأعصاب أو للربط بين الأجزاء في أحيان أخري لتساهم في تحقيق وحدة عضوية صوتية للعمل بين فصوله في تنويعات مؤثرة من الموسيقي الكنسية ألفها باقتدار خالد شكري.

يعبر الفيلم أيضا عن حالة نادرة من حالات صدق الديكور ودراميته والإخراج الفني المدروس ليس في الديكور الرئيسي ـ شقة نعيم ـ بل أيضا في المدرسة بتفاصيلها وشقة الجدة بمختلف حجراتها التي ترتبط ارتباطا شديدا بشخصيتها والزمن الذي تنتمي إليه ـ زمن تربية الدجاج في حجرة الكرار ـ ومساحات الحركة الضيقة التي تبرز عصبية الجدة في صراعها الدائم مع القطط التي تسرق اللحم والحمأة لصة التوابل والأبناء الذين لا تنتهي مشاكلهم والفرخة الشركسية التي تكسر البيض.. وكما تساهم الديكورات في خلق هذه الحالة من الصدق تشترك أيضا الأزياء والملابس وتسريحات الشعر.. فيمكن لأبناء الجيل أن يتذكروا مع الفيلم زمن سيطرة البيجامات الكاستور.. بل وروب ديشامبر الأب البائس الذي يخرج به في ظلمة ليل ومطر الشتاء بحثا عن تليفون أو تاكسي لاستدعاء الطبيب لإسعاف الابن المريض.. نفس المستوي من الإجادة في التعبير عن هذه الأجواء يتحقق في مشهد ثورة الطفل علي السماء وهو واقف في البلكونة فتتلبد السماء بالغيوم وتهطل الأمطار وتفرض الإضاءة الموحية سيطرتها لتحقق هذه الحالة.. وعلي الجانب الآخر نرقب مع كل صباح جديد هذا النصوع الشديد وهذا الأمل الجديد.. الفيلم بلا شك هو فرصة رائعة لمحمود حميدة اقتنصها بكل اجتهاد ليعبر عن شخصية في حالة صراع مع الذات وفي تحول دائم عبر من خلال نظراتها وخطواتها بنفس الإجادة التي عبر بها في حواراتها أو مونولوجاتها.. استطاعت أيضا ليلي علوي أن تضفي حالة من الأمومة الصادقة وأن تعبر عن الأنوثة المتعطشة والزوجة القلقة المتوترة التي تظل في حالة بحث دائم عن شيء ربما تنساه فتحدث كارثة.. إن خطواتها قلقة كمن تسير علي جمر من  النار وصوتها يرتعش من حين إلي الآخر وردود أفعالها تتطلب قدرا من الوقت فتعبر ببلاغة عن الإنسانة التي فقدت حريتها، منذ زمن وتتحول مع النهاية إلي الأم الطاغية التي تحرم الآخرين من حرياتهم.

جسدت عايدة عبدالعزيز ببراعتها المعهودة وحضورها الطاغي نموذجا ألفناه للجدة العفية المفعمة بالنشاط والطاقة والمنشغلة دائما بعملها الدائب في المنزل والمنهمكة في صراعاتها اليومية التي لا تتيح لها أي فرصة لتأملات أو تساؤلات وجودية.

وعلي الجانب الآخر كانت نادية رفيق هي النقيض في وهنها الدائم واستسلامها للمرض والفراش واقترابها الحميم من الفكر الديني المتسامح المتصالح مع الحياة والمرض بل وربما الموت أيضا بحكمة السنين والعمر الطويل.. يضفي الطفل يوسف عثمان بملامحه الوسيمة البشوشة وابتسامته الدائمة حالة من المرح علي الفيلم بوجه عام وإن كانت بعض المشاهد والمواقف تتطلب تعبيرات خاصة.. علي النقيض من ذلك افتقدت ملامح وتعبيرات زكي فطين أي إحساس بالمرح أو حتي الاحتفال بالحياة الذي يدعو البطل إليه.. بينما كان حضور الوجوه الجديدة قويا وأخاذا ومنهم جاسمين وإدوارد ورياض جوهر وبالطبع الوجه المتمكن للنجمة الصاعدة منة شلبي.. وهكذا تمتزح كل العناصر الفنية في توافق نادر لأحد أفلامنا الرائعة الذي لا يشوبه كثيرا اختلاط الأساليب في بعض الأحيان أو المبالغة في بعض المشاهد.. إنه أحد الأفلام المهمة الممتعة التي تجعلك تحب السينما حقا ورغما عن أي تحفظات أراها تتضاءل وسط هذا البنيان الشامخ.

جريدة القاهرة المصرية في

22.06.2004

 
 

أسامة فوزي

فيلمي يدعو الى التسامح ورفض القمع

محمود شحاتة

هناك مخرجون يعيشون طويلاً ويعملون كثيراً ولا يحققون شيئاً ملموساً أو تأثيراً, وهناك مخرجون قليلاً ما يعملون ولكن يتميزون بالاتقان, ولهذا يحققون نجاحاً وتأثيراً ومن هؤلاء المخرج المصري أسامة فوزي الذي قدم خلال 9 سنوات ثلاثة أفلام فقط, هي "عفاريت الاسفلت" و"جنة الشياطين" واليوم "بحب السيما" الذي أحدث ولا يزال يحدث ضجة كبرى بسبب ما تعرض له من اعتراضات رقابية, إضافة الى اعتراض عدد من "النقاد الاقباط" بسبب "جرأة موضوعه". فهو يعد "أول فيلم مصري عن الاقباط", إذ يتطرق في شكل واقعي الى عائلة مسيحية في حياتها الواقعية من خلال موقف طفل يحب السينما في الوقت الذي يرى والده انها - السينما - "حرام ومن عمل الشيطان". وخلال ذلك يمر الفيلم بالكثير من الخطوط التي تنقل علاقة العائلة في شكلها الواقعي وسط محيطها في حي شبرا. وتلعب بطولة الفيلم ليلى علوي الى جانب محمود حميدة والطفل يوسف عثمان.

"الحياة" التقت المخرج أسامة فوزي وكان معه هذا الحوار:

·         هل توقعت ان يمر الفيلم بكل هذه الازمات أم فوجئت بوقوعها؟

- لا.. لم اتوقع ذلك ابداً. وأعتقد أن المشكلات ترجع الى الأوضاع الرديئة التي تعاني منها السينما أو "الذوق" الذي يسود من موجات الاضحاك وغيرها. وهذا على الأقل ما يردده الموزعون قائلين ان هذه النوعية هي التي يقبل عليها الجمهور, وكان هذا في الأساس وراء تعطيل الفيلم وتوقف العمل به على رغم أن كلفته لم تتجاوز 4 ملايين جنيه بنسخه ودعايته. كاد الفيلم الا يخرج الى النور بسبب 400 الف جنيه فهل هذا الرقم يعطل اكتمال فيلم؟ المهم تم التغلب على هذه الازمة بعد ثلاث سنوات من المعاناة النفسية وأنجز الفيلم كاملاً.

·     عندما عرض عليك المؤلف هاني فوزي إخراج الفيلم هل توقعت أنه سيحدث ازمة رقابية أو اعتراضات وصلت الى المطالبة بمنع عرضه؟

- شعرت منذ البداية ان الموضوع مهم جداً لاننا نحتاج الى مثل هذه الأفلام هذه الأيام, لما تحمله من قضايا كثيرة. صحيح ان الحرية التي نتمتع بها اليوم تفوق ما كان لدينا في الستينات ولكنها ليست كافية وليست مناسبة للعصر والتقدّم التكنولوجي. فكرة الوصاية لم تعد فكرة مناسبة, الى جانب أن الفيلم فيه تأمل بالنسبة الى الستينات, إذ كان لا بد من أن نتساءل لماذا حالنا هي هكذا, إنك إن تأملت فترة الستينات ستعرف لماذا وصلنا الى هذه الحال... انظر الى التعليم ومستوى المدرسين لنكتشف كم انهم مقهورون. المدرس بائس وحالته تستحق العطف.

·         هل مناقشتك قضايا ساخنة الآن, مع الاسقاط على الستينات هروب من الرقابة أم تأكيد مقصود أن العصور تشبه بعضها بعضاً؟

- ليس خوفاً من الرقابة, وانما تحايل من كاتب السيناريو هاني فوزي. طالما ان عندك رقابة في الفكر ستكون مضطراً للتحايل.

·         إذاً كان الهروب الى الستينات مقصوداً؟

- طبعاً. كان تحايلاً لأنك لو قلت ان احداثه تدور حالياً ما كان سيسمح لك بتحقيقه.

·         في رأيك هل أن هناك اشياء تغيرت منذ الستينات ام ما زال الوضع على ما هو عليه بحسب الفيلم؟

- لا.. الوضع الآن اسوأ كثيراً, لأن هناك الخوف والتزمت, والتعصب أصبح تطرفاً عنيفاً بسلاح وفيه دم وقتل. التعليم اسوأ, الستينات لم تكن بالعصبية والتطرف نفسيهما كنا أكثر تسامحاً لأن العالم كله اليوم يسوده التطرف بداية من بوش - الذي اعتبره أكبر متطرف -. إذاً المتطرفون هم الذين يحكمون العالم اليوم, وأنا اتمنى ان يساعد الفيلم على التسامح وعدم التعصب وأن يجعل الجمهور الذي يشاهده يفكر بأن يصبح أكثر تسامحاً مع نفسه ومع الآخرين.

·         هل ترى أن مصطلحات مثل "السينما النظيفة" واشياء من هذا النوع هي نتاج الافكار والسنوات الماضية؟

- هي مصطلحات سخيفة: ما معنى سينما نظيفة؟ يعني ليس فيها قبلات, نعم هي نتاج سيطرة عقول معينة على صناعة السينما, والاعلام يشجعها ولهذا تصبح حقيقة وواقعاً وكأنه مفهوم حقيقي ومطلوب وأصبح ثابتاً. أنا كل ما اعرفه ان هناك فيلماً جيداً وفيلماً رديئاً, إنما "حكاية" فيلم نظيف يعصى عليّ فهمها فهل لأن عندي "قبلة" يصبح فيلمي "قذراً"؟ إنه تفكير قاصر وسطحي ورجعي.

·     هل ترى ان هذه النوعية من افلام ما يسمى بالسينما نظيفة "تعطل" المبدعين الحقيقيين مثلك حتى على مستوى "تربص" الرقابة؟

- بالتأكيد لها تأثير سيئ, خصوصاً عندما تسود وتأثيرها السيئ لانها سائدة وتقريباً لا يوجد غيرها. إنما لو كانت موجودة في مناخ صحي فيه كل انواع السينما وفيه مساحة لخلق انواع مختلفة وليس فقط شكلاً واحداً, لن تكون هناك مشكلة. نحن لسنا ضد هذه الافلام, وإنما ضدها لأنها اصبحت اكثر سطحية ووحيدة في السوق. إن كل ما اطلبه واتمناه ان نحترم مهنتنا ونتقن عملنا. أنا لست ضد الافلام المصنوعة بهدف تسلية الجمهور ولا ضد الافلام البسيطة ولا اريد أن اقول التجارية والجماهيرية, فهذه ايضاً من التصفيات والافكار الخاطئة والاعلام تناولها كثيراً الى أن اصبحت حقيقة وكأن هناك افلام مهرجانات وافلاماً تجارية. الحقيقة أن كل الافلام تجارية وجماهيرية. وليس هناك افلام تصنع للمهرجان هذه مقولة كاذبة وليست حقيقية على الاطلاق, ففي النهاية اي فيلم "يحقق" بهدف تجاري وهذه من الافكار التي اضرت بالصناعة وكان من نتيجتها ان الافلام الجيدة كانت تحاصر لسنين طويلة وما زالت حتى هذه اللحظة تحاصر وآخر نموذج "بحب السيما". ارجع فقط شهوراً الى الوراء وراجع ما نشر في الصحف عن موسم الصيف السينمائي ستجد اسم "بحب السيما" غائباً من المنافسة ولم يذكر إلا قبل بدء الموسم الحقيقي بأسبوعين, لأنهم يرون أنه "فيلم مهرجانات" وهذا للاسف يحدث لهذه الافلام من زمان. حدث مع افلام محمد خان وخيري بشارة والراحل رضوان الكاشف. المفروض ان تُعطى فرصة للافلام الجيدة لكي "تنزل" في دور عرض عدة, بفضل توزيع جغرافي متميز ولا يجب ان يُحكم عليها قبل عرضها.

·         عند الحديث عن المخرجين الشباب المتميزين لا بد من أن يذكر اسمك في مقدمهم هل هذا يسعدك بعيداً من اي ايرادات؟

- (يضحك). أنا سعيد "انهم فاكرين اسمي. وهذا احساس حقيقي لانني فعلاً شعرت خلال السنوات الاربع الماضية انني مرفوض من الجميع. كانت تجربة قاسية عليّ. عندي فيلم وأنا غير قادر على إنجازه. وفي الوقت نفسه لا استطيع ان أحقق عملاً ثانياً. وأؤكد لك هنا انني كنت ساعتزل الاخراج لو ان هذا الفيلم لم يعرض. وربما كنت سأهاجر, لأن فيلم "بحب السيما" انتهى تصويره قبل 4 سنوات ولم يسأل اي انسان لماذا لم يعرض وما مصيره. ولكن عندما عرض لمست رد الفعل وعادت ثقتي بالاعلام. وكان دور المثقفين والصحافيين عظيماً ومؤثراً في الوقوف ضد الرقابة وتشددها.

·         هل صدمت من النقاد الاقباط بمحاولتهم ارتداء عباءة الدين في رؤية الفيلم؟

- أجل كانت صدمة كبيرة, لأن الناقد لا يجب ان يقف مع المنع. انا أرى أن الناقد الفني لابد من أن يكون مع الحرية, خصوصاً ان كل الحجج التي وردت لم يكن لها معنى. كانت الحجة الرئيسة أن الناس جاهلون. لذلك فهم "يخشون" ألا يفهم الناس. وربما جاءت الحساسية والخوف من كون الفيلم يتناول اسرة مسيحية. اليوم بعد 100 سنة سينما وبعد تجاهل السينما للاقباط ما زلنا نلاحظ انه مطلوب منهم ان يشاركوا في مشاهد ثانوية وملائكية. اما نحن فإننا قدمنا في الفيلم اسرة مصرية بعيداً من الاديان, ممكن ان يكون من بين افرادها متطرف يرى أنه يعرف مصلحتها أكثر, ويقوم بفرض وصايته وفكره عليها وهذا مفروض.

·         هل أنت متمرد؟

- انا لا احب اي نوع من السلطات (...) السلطة سميت سلطة لأن أصحابها يتسلطون على الناس. المفروض اصلاً انهم اشخاص يخدموننا ونحن نختارهم في الانتخابات لادارة البلد. والمفروض اننا نحن من يحاسبهم على ادارة البلد, ولكن رجال السلطة يفرضون علينا اشياء ليست في مصلحتنا بحجة انهم "فاهمين" انها مصلحتنا من دون ان يسألنا أحد, أو يأخذ رأينا في أي شيء. الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أنا احترمه, ولكن يجب لا ننكر أن في عهده كان هناك قهر وكذب سياسي وكان هناك تسلط ادى الى هزيمة نعاني منها حتى هذه اللحظة (6719) عبد الناصر عندما "عمل" الاشتراكية هل اخذ رأي الشعب بصرف النظر هل كانت في مصلحتنا أم لا؟ في النهاية لم يسأل احد ومن بعده أتى الرئيس السادات فعمل انفتاحاً اقتصادياً. هل سأل الشعب واخذ رأيه.

الحياة اللبنانية في

25.06.2004

 
 

"بحب السيما"

أن تكره التسلط وتحب الحياة

ماجد حبته

فم الأسد كان واضحًا في فيلم "سينما باراديسو"، ورغم ذلك كان الجمهور يتوقع أن تكتمل المشاهد الساخنة، وفي كل مرة كان أملهم يخيب.

فم الأسد وضعه المخرج الإيطالي جوزيب ترناتوري على الفتحة التي تخرج منها أشعة آلة العرض التي لا تعرض إلا ما تسمح به الكنيسة.

بين فيلم "سينما باراديسو" و"بحب السيما" 15 عامًا، وتشابهات عديدة، أقلها أن البطل في الفيلمين طفل صغير.. تشابهات في الحالة، واتفاق على حب السينما، واعتبارها معادلا للحياة أو لحب الحياة. وبينهما فم الأسد، وإن كان "بحب السيما" لم يخرج من فم أسد واحد بل مر على أفواه أسود عديدة: بعد الورق، وبعد التصوير، وبعد آلة العرض أيضًا.. حتى رأيناه على الشاشة، والسبب الظاهر لذلك كله أن أحداث الفيلم تتناول أسرة مسيحية.

صراع بين الحياة والتسلط

"بحب السيما" فيلم إنساني، سيجد فيه كل من يشاهده أنماطًا يعرفها من البشر إن لم يجد نفسه، مسلمًا كان أم مسيحيًّا، والصراع في الفيلم لا علاقة له بديانة أبطاله.

إنه صراع بين من يريد أن يعيش الحياة ومن يدفعه خوفه من ارتكاب معصية إلى النفور منها، صراع بين رأس السلطة والواقعين في نطاق سيطرته، هو فيلم ضد كل سلطة أبوية تقتل الخيال وتحد من الحرية.

بحب السيما فيلم عن السلطة: سلطة الأب في المنزل، وسلطة المدرس في المدرسة، وسلطة الطبيب، وفي السياق سلطة الكنيسة، وسلطة من يدعون أنهم الوحيدون القادرون على التمييز بين الحلال والحرام. وقبل كل ذلك وبعده هناك السلطة السياسية التي تدعي أنها الأعرف بمصلحة الشعب من نفسه!.

الأحداث تقدم لنا أبًا متزمتًا يجبرنا على التعاطف معه، يعمل اختصاصيًّا اجتماعيًّا في مدرسة، مديرها والمحيطون به لصوص وفاسدون، يستيقظ من نومه ليصلي داعيًا الله أن يغفر له أخطاء ارتكبها وأخرى ربما يرتكبها، يساعد أشقاءه ماديًّا، ولا يبخل على الطلبة المحتاجين لمساعدته، ويتصدى لمدير المدرسة اللص ويرفض أن يكذب حتى لو أدى ذلك إلى إدانته بعد أن اعتدي عليه بالضرب. 

أما مشكلته فهي أنه يفهم التدين فهما خاطئا، ويفهم علاقته مع الله بشكل يعرف -قبل أن تنتهي الأحداث- مساوئه، ويدرك أيضًا الفارق بين من يعبد الله خوفًا من النار وطمعًا في الجنة، ومن يعبده لأنه يحبه.

وهو فارق يأتي في سياق سلسلة ممتدة وغير منتهية من محاولات فرض الوصاية، تبدأ بكبير (وهناك أكبر يسبقه) يمارس سلطته على أصغر، وليس أمام من لا يجد أمامه الفرصة للتسلط غير البحث عن سلطة لا يصل إليها إلا بالابتزاز.

في "بحب السيما" نرى الكل يملك سلطة من أعلى سلطة سياسية (جمال عبد الناصر) إلى الطفل الصغير نعيم (يوسف عثمان)، وكلهم يسعون لفرضها على من دونهم.

نرى الأب عدلي (محمود حميدة) المقتنع بأنه يعمل لصالح زوجته وأولاده، ومن قبلهم لصالح نفسه، ويؤمن بما يحاول فرضه عليهم. تزمته يجبر زوجته نعمات (ليلى علوي) على الإقلاع عن الرسم، وتكتفي بعملها ناظرة مدرسة، وتجعل وجه لوحاتها للحائط، أما الوجه الظاهر فلا يرقى فنيا إلى مستواه، وتزين جدران المدرسة المصرية بمناظر إيطالية.

تزمت الزوج يدفع الزوجة -أيضا- إلى التمرد، وإلى ممارسة ما لا يرضاه وأكثر في الخفاء، لكن الأم التي عانت من التسلط لا تتردد في ممارسة الشيء نفسه حين تتاح لها الفرصة، وتصبح بعد وفاة زوجها المسئولة عن أسرتها.

وتحت وطأة الأب والأم فهناك الطفل نعيم وشقيقته نعيمة؛ نعيم مضطر لأن يلبس ما لا يطيقه ويـأكل ما لا يريده؛ تنفيذا لأوامر الأب الذي يحرمه من الأشياء التي يحبها ويجد فيها متعته، يحرمه من السينما التي لا يمل طوال الفيلم من إعلان رغبته في الذهاب إليها.

والبنت أيضا واقعة داخل نطاق السيطرة، محرومة من لبس ما تريده، وممنوعة من أشياء أخرى كثيرة ترى زميلاتها ينعمن بها، لكنها لا تمتنع من فعل ما تريد حين تختفي عن أعين الرقباء.

"هل يمكن لأحد أن يجبِر أحدا على أن يكون مؤمنا؟" 

و"لا حتى عبد الناصر يستطيع أن يجعل أحدا اشتراكيا".

بالضبط هذا هو ما يؤكده الفيلم؛ فعدلي لم يستطع بتزمته أن يجبر أفراد أسرته على الالتزام بأفكاره؛ فالزوجة التي جعلها تتخلى عن هوايتها التي تحبها تعود للرسم، وتفعل ما هو أكثر من ذلك. والطفل نعيم يدفعه ترهيب والده له وتأكيده له أنه سيذهب إلى جهنم على كل هفوة يرتكبها إلى أن يصبح غير مبالٍ بأي شيء ما دام سيدخل جهنم لا محالة. أما نعيمة ابنة عدلي فضاقت بتعليمات والدها، فرقصت في المنزل، وأحبت ابن الجيران.

سلسلة التسلط داخل الأسرة تنتهي بالطفل نعيم الذي لا يجد ما يرد به على المتسلطين إلا بابتزازهم.

نعيم هو بطل الفيلم الحقيقي الذي تأتي الحكاية كلها على لسانه بعد 30 سنة من حدوثها، هو ابن لعائلة مسيحية تسكن شبرا سنة 1966، أبوه أرثوذكسي وأمه بروتستانتية، يرى والدته وهي ترسم سرا في الليل، فيلوح لها بهذا الاكتشاف (يبتزها) حتى تسمح له بالذهاب إلى السينما مع خالته وخطيبها.

ويرى خالته في مواقف غير أخلاقية مع خطيبها فيطلب منها مقابل صمته أن تصنع له -مثلا- كوب شربات، وأن تذهب به إليه في غرفة الضيوف!.

لقد دفعه قهر المتسلطين إلى ابتزازهم وإلى التمرد، وحين يمتلك هو الآخر سلطة فإنه يمارسها في أبشع صورها؛ إذ استغل كونه ابن الناظرة واستولى على كوتشينة (أوراق لعب) عليها صور عاريات كانت مع تلميذ، واستولى على "ساندويتش" كان مع آخر.

فيلم مسيحي أم اجتماعي؟

أما كون الفيلم يتناول أسرة مسيحية في سابقة هي الأولى من نوعها في السينما المصرية فهو ما يحتاج إلى وقفة؛ فالأقباط المصريون ظهروا في أفلام عديدة مثل "فيلم هندي" و"يوم حلو ويوم مر" و"يا دنيا يا غرامي"، وهناك أيضا مسلسلات كان أهمها "أوان الورد" الذي أحدث ضجة كبيرة وقت عرضه، و"النساء قادمات".. على أن أهم المسلسلات التي ظهر فيها قبطي مصري كان مسلسل "خيال الظل" الذي لم نعرف فيه أن أحد الشخصيات الرئيسية الثلاثة مسيحي إلا من تفاصيل صغيرة، وغير ذلك رأيناه مواطنا عاديا، ويكاد يكون هذا المسلسل هو الوحيد الذي أفلت من مولد الشعارات الرنانة التي لا هدف لها غير الترويج لما يسمى بالوحدة الوطنية، بتأكيدهم على أن محمد يحب جرجس!.

الأرقام تقول إن الكنائس المصرية أنتجت 175 فيلما خلال الـ17 عاما الماضية، بواقع 10 أفلام سنويا تقريبا، لكن ما تنتجه الكنائس والمراكز الثقافية المسيحية لا علاقة له بالفيلم الذي نتحدث عنه، لا علاقة له بفيلم "بحب السيما". 

فما اصطلح على تسميته بالأفلام المسيحية هي تلك التي تصور قصص الأنبياء والقديسين، أو تتناول قصصا اجتماعية تربوية مسيحية. أما "بحب السيما" فهو اجتماعي، بمجرد أن تراه تنسى أن الأحداث تتناول أسرة مسيحية. وتشعر أنك تشاهد بشرا من لحم ودم. لا يميزهم شيء عن أي أسرة مصرية سوى فروق طفيفة، في الدعاء والقسم والأماكن التي يترددون عليها للعبادة، وشكل الاحتفال بالمناسبات الخاصة.

قراءة حال السينما المصرية من الفيلم

"بحب السيما" فيلم حقيقي، يعيد للسينما المصرية بعض الثقة في أدواتها وصناعها؛ بدءا من المخرج -أسامة فوزي- الذي ظهرت بصماته واضحة، ولم يكن مجرد منفذ لقفشات ونكات كما يحدث في موجة الأفلام الشبابية التي انتشرت مؤخرا، مرورا بالسينارست -هاني فوزي- الذي قدم سيناريو متماسكا وليس مجموعة لقطات، وانتهاء بأبطال الفيلم وعلى رأسهم الطفل -يوسف عثمان- الذي كان مفاجأة بكل المعايير؛ فلا توجد ذرة من الافتعال في أدائه، يعبر عن المواقف بكل حواسه، بعينيه اللتين خلف النظارة الصغيرة، بحركات يديه وملامح وجهه، وحتى التفاتاته وحركات شفتيه. أما الجمل التي جاءت على لسانه فجاءت متسقة تماما مع طفل في مثل سنه، لا توجد كلمة واحدة غريبة، وإن حدث فقد سبقها إلى أذنك ما يبرر معرفته لها وجريانها على لسانه.

في فيلم "بحب السيما" سنجد هذا التوازي الفني بين تسلط الأب وحكم عبد الناصر، وموت الأب في اليوم نفسه الذي مات فيه عبد الناصر سياسيا: يوم إلقائه خطاب التنحي في التاسع من يونيو عام 1967. لم يأت هذا اليوم إلا بعد أن أدرك الأب أن التزمت نوع من النفاق، بعد أن اشترى جهاز تليفزيون وحمل ابنه على كتفه، وذهب به إلى السينما، لكن جهاز الرقابة في مصر أصر على إنزال الطفل من على كتف والده، ولم يسمح له بدخول دار العرض.

معاناة الطفل نعيم في الفيلم أصبحت هي معاناة الطفل يوسف عثمان (الذي قام بالدور) في الواقع؛ فلو أراد أن يصطحب زملاءه في المدرسة إلى السينما ليشاهد معهم الفيلم الذي يقاسم ليلى علوي ومحمود حميدة بطولته فسيجد من يمنعه ويمنعهم من الدخول، مشيرا إلى اللافتة التي اشترطت الرقابة وضعها، وهي لافتة "للكبار فقط".  

** صحفي وناقد سينمائي مصري

إسلام أنلاين في

30.06.2004

 
 

الأهرام العربي تواصل فتح الملف

رؤيتان جديدتان لـ" بحب السيما"

لاتزال ردود الأفعال حول قرار الرقابة علي المصنفات الفنية بعرض فيلم بحب السيما علي جمهور السينما قائمة ولايزال الجدال حول موضوعه قائما ويبدو أن الميزة الأساسية في الفيلم تنبع من قدرته علي إثارة كمية هائلة من التساؤلات حول بعض القضايا الاجتماعية والسياسية رغم أن البعض تغافل عن كل هذه القضايا وحاول التعامل معه كموضوع ديني وقد بدا هذا واضحا من بعض الأفعال التي نشرتها الصحف أخيرا لبعض رجال الدين المسيحي‏,‏ تحفظوا علي الرؤية التي يتبناها الفيلم وهو يعالج أحوال أسرة مسيحية مصرية في منتصف الستينيات ورغبة منها في تطوير النقاش تنشر الأهرام العربي رؤيتين جديدتين حول الفيلم لعالم أزهري هو الدكتور مبروك عطية الذي كان قد قاطع السينما لسنوات إلي أن حفزه الجدال حول الفيلم لمشاهدته وتأمل معناه وتأويل دلالاته وهي رؤية مستنيرة تنحاز لقيم التسامح والتعدد ورفض الاستبداد الموجود في الفيلم‏,‏ أما الرؤية الثانية فهي لكاتب قبطي معروف هو أديب نجيب سلامة الذي يعمل في مجال العمل العام ويتناول فيها سلبيات وإيجابيات الفيلم من منظور فني وينتصر ـ رغم أي تحفظ ـ لقرار الرقابة بعرض الفيلم ويرفض في نفس الوقت أن تختزل صورة المسيحيين المصريين في الصورة التي قدمها الفيلم وينحاز الكاتب بوضوح إلي حق مبدعي الفيلم وصناعه في رفض التزمت الديني والإعلاء من شأن التسامح لأن في ذلك دعما لحرية الإبداع وانتصارا حقيقيا لأي دين‏.‏....الأهرام العربي

 

‏تأملات عالم أزهري أحب الفيلم والسينما معا‏:

تاريخ علي بيـاض تكتبه أسرة مصرية علي الشاشة 

‏ د‏.‏ مبروك عطية (رئيس قسم اللغويات ـ جامعة الأزهر)

مشيت وفي رأسي مشهد الغروب الذي أذن بالنهاية‏,‏ غروب الشمس التي لا تعرف الخلل‏,‏ فهي آية‏,‏ سحبت علي وجه البحر الذي لا يعرف الملل‏,‏ فلحركته غاية‏,‏ وعلي امتداد الرمل الذي لون حلل‏,‏ تحركت الدراجة علي بطء‏,‏ وعلي ظهرها رجل دنا منه الأجل‏,‏ وأمامه طفله الذي فرد ذراعيه‏,‏ فقص القدر جناحيه‏,‏ بموت أبيه الذي كان الأمل‏,‏ ذلك الطفل الذي ابتسم في وجه المحن‏,‏وأحب السينما رغم التعصب والنكسة وانكسار البطل‏,‏ ومازال في الليل نبض وإن غابت الشمس واختفي القمر‏.‏خرجت من الأهرام العربي وأنا أفكر متي أشاهد فيلم‏(‏ بحب السيما‏)‏ لأري ما رآه غيري وكتب عنه‏,‏ وأثار في ضوء مشاهدته ما أثار‏,‏ من قضايا متصلة بالدين والإبداع‏,‏ والفن‏,‏ والرقابة‏,‏ والأزهر‏,‏ والكنيسة‏,‏ إذن فالكلام كثير والقضية خطيرة‏,‏ وكان القرار في لحظة واحدة أن أتجه الآن إلي إحدي دور العرض القريبة من مبني الأهرام العملاق‏,‏ وذلك لأنني نشأت نشأة لا تعرف التلكؤ ولا اللكاعة تلك النشأة الجادة جدا من أول كتاب سيدنا إلي لحظة هذا القرار‏,‏ وقبل المشاهدة دار في رأسي ما يمكن أن يقوله الناس وهم يشاهدون رجلا‏,‏ هو أستاذ في جامعة الأزهر‏,‏ ومن الذين يشتغلون في حقل الدعوة الإسلامية ويعرفونه‏,‏ فكل صباح يطالعهم بدرس جديد عبر شاشة القناة الأولي‏,‏ وتذكرت السينما التي دخلناها صغارا ونحن تلاميذ نكتب الشعر والقصة ونعد أنفسنا من أهل الأدب والثقافة‏,‏ وقد درسنا في الأزهر الأدب القديم والحديث بمدارسه وفنونه‏,‏ ولم يقل أحد من شيوخنا إن دراسة الرومانسية والواقعية والرمزية والبرناسية وجميع الـ إية حرام‏,‏ بل إن كتب التفسير تفيض بأبيات الشعر التي جيء بها لتفسير بعض ألفاظ القرآن الكريم ومعانيها فيها من المجون ما فيها‏,‏ لكن موضع الشاهد هو المراد‏,‏ وليس الغرض إشاعة ما فيها في حياة المسلمين‏,‏ وقررت أن أقول أنا فلان‏,‏ وقد جئت لأشاهد الموضوع‏,‏ حتي أكتب فيه‏,‏ أمنا للبس‏,‏ ودفعا لأية شبهة‏,‏ وقد كفاني القدر ذلك حيث تلقفني مدير دار العرض‏,‏ ورحب بي‏,‏ وأجلسني في مكان مخصوص‏,‏ ووضع أمامي مائدة صغيرة‏,‏ وحياني وقدم لي التحية‏,‏ شكرته‏,‏ وأخرجت أوراقي‏,‏ وبدأت أشاهد الموضوع من أوله إلي آخره‏,‏ ولم أجد شيئا واحدا مما كتب الناس وأثاروا من قضايا ووقفت علي أشياء أخري غير التي وقف عليها غيري‏,‏ فالمصدر واحد والعيون مختلفة‏,‏ ومازال المعني في بطن الشاعر‏,‏ وكل كاتب في الأدب يقول ما فهم‏,‏ ويثبت ما رأي‏,‏ لكن شيئا ما يجمع بين المختلفين‏,‏ وهو النص‏,‏ وكان مما وقفت عليه‏:‏

أن للموضوع خلاصة‏,‏ وفيه مواقف وموضوعات وعواطف‏,‏ وخلاصته كما رأيت عائلة مصرية شهيدة‏,‏ في فترة من فترات تاريخنا المعاصر‏,‏ تعاني مر العيش‏,‏ وتكتب التاريخ علي البيض‏,‏ ولا تسلم من مضايقات الناس‏,‏ ينشأ طفلها مع تلك المفارقات ما بين الواقع والخيال الذي هو واقع أيضا‏,‏ لا يتمني من عيشه إلا أن يأكل نوعا من البطاطس ويدخل دار السينما‏,‏ ولأنه لابد للإنسان من دين يعيش علي معتقداته كانت حياة الأب ما بين الشك واليقين في النهايات التي عليها مدار الإنسان في آخرته‏,‏ وذلك ما هو في صلب البخاري من قول نبينا ـ صلي الله عليه وسلم ـ إنما الأعمال بالخواتيم عاش متشددا متعصبا ملتزما قدر طاقته‏,‏ فأخطأت زوجته‏,‏ ورقصت ابنته‏,‏ وصلي ولده نعيم علي طريقته‏,‏ سكر فأخطأ وأساء‏,‏ وحين بدأ يتخلص من شدته أدركته المنية فمات‏,‏ وحملت امرأته من بعده رسالته لتربية ولديها ومازال الناس يضحكون علي ثلاثي أضواء المسرح الضيف وسمير وجورج‏.‏

أما المواقف فقد أعادني إلي تلك الفترة التي كنا فيها نقف في طابور المدرسة لتحية العلم‏,‏ ونقول‏:‏ تحيا الجمهورية العربية المتحدة ثلاث مرات وبعدها كنا نقول‏:‏ عاش الرئيس جمال عبدالناصر ثلاث مرات‏,‏ وهذه الأخيرة لم يهتف بها التلاميذ في الفيلم‏,‏ والمدرسة لم تكن مبيضة كما هي مدارسنا الآن‏,‏ فكنت تري الطوب الأحمر كما شاهدته وقدم الكاتب والمخرج مدرس اللغة العربية علي العادة المعروفة مقطع الثياب‏,‏ مثار السخرية‏,‏ ومديرة المدرسة فنانة‏,‏ أنسيت موهبتها بسبب شظف العيش‏,‏ فبين حلم الفتاة وصباها‏,‏ وبين الزوجة الفقيرة‏,‏ والأم بون شاسع كالبون الشاسع بين الريشة التي يمسك بها الفنان‏,‏ وماكينة الخياطة التي تجلس عليها لتخيط لأولادها وأسرتها أثوابهم‏,‏ وما بين الانطلاق في أحضان الطبيعة وإن لم تتحرك الأقدام إلي متنزه‏,‏ وبين القيد في حضن زوج لا يريد أن يري وجهها في النور وهي في فراشه‏.‏

ومن المواقف أيضا في تلك الفترة ارتباط العلاقة بين الفتي والفتاة بالزواج‏,‏ فالطفل الذي يضع عينه علي طفلة كالشاب الذي يتعلق بشابة‏,‏ حديث الصغار والكبار عن الزواج‏,‏ يقول الطفل‏:‏ أنا عايز أدخل البيت من بابه أي‏:‏ لا تشكي في خلقي‏,‏ وتزوجت أخت نعمات دون حديث عن مشكلة الشقة والسكن والخلو والمقدم‏,‏ فمازلت وأنا أشاهد أري في ذاكرتي لوحة شقة للإيجار وأتذكر الذين كانوا يبخرون بيوتهم‏,‏ ويرقونها بالفاتحة وآية الكرسي والمعوذتين حتي يسوق الله ـ تعالي ـ إليها من يسكنها‏,‏ وكان النور والماء علي حساب صاحب الملك‏,‏ وكان المستأجر يأكل ويشرب في المناسبات كالعاشورة ومولد النبوي من عند أصحاب البيت بما يعادل ما يدفعه‏,‏ إيجارا لسكنه‏,‏ وكنت أري أصحاب البيت يفرحون بالساكن ونسا لهم قبل التفكير في القروش المعدودة‏,‏ ويبدو أن هناك روحا كانت بين الناس صعدت الآن إلي بارئها إلا عند من رحم الله تعالي ـ وهم قليل ـ ومازالت تلك اللوحة تعلق الآن علي البيوت ولكن القاريء لا يخفي عليه الجواب إن سأل‏:‏ ماذا تريدون فيها؟ فشتان ما بين ناس وناس‏,‏ وعلي التحقيق‏:‏ شتان ما بين زمان وزمان‏.‏

ومن المواقف كذلك أن الموضوع ذكرني بذلك الرجل الذي عاش عمره بخيلا جماعا للمال‏,‏ فلما أراد أن يفرجها علي نفسه‏,‏ لم تمهله المنية فمات والجنيه في يده يريد أن يعطيه لبائع الفاكهة‏,‏ فحين رغب‏(‏ عدلي‏)‏ أن يشتري التلفاز‏,‏ وأن يتنزه علي شاطيء خال كالشوارع الخالية إلا من أصحاب الهتافات في المناسبات الرسمية مات‏.

وأما الموضوعات التي أثيرت في ذهني خلال المشاهدة فكثيرة جدا‏,‏ منها‏:‏ موضوع الأدب مع الله تعالي في الدعاء والمناجاة‏,‏ ويعرفه المؤمنون علي يقين بالغيب‏,‏ أما الإساءة فقد نقلها القرآن الكريم بأشد ماجاء في الفيلم وما يسمعه الناس في الشارع‏,‏ وقالت اليهود يد الله مغلولة لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء‏,‏ وخاطب المسلمين بقوله‏:‏ وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا فالمؤمن ظنه حسن‏,‏ بأن الله ناصره‏,‏ والمنافق ظنه سيء‏,‏ وحكي عن أهل مكة قولهم‏:‏ لولا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم وقولهم‏:‏ لو شاء الله ما أشركنا وقد قال ربنا تعالي‏:‏ وما قدروا الله حق قدره وهذا واضح جلي لاخفاء فيه‏,‏ وهؤلاء لن يضروا الله شيئا‏,‏ فمن أساء فقد أساء إلي نفسه وظلم نفسه‏,‏ وقد قال ربنا ـ تعالي ـ‏:‏ يأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم وغير ذلك كثير من الآيات القرآنية التي ترصد واقع البشر‏,‏ كما ترصد واقع المؤمنين فأردت أن أعيبها ونسب العيب إلي نفسه‏,‏ وقال‏:‏ فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك فنسب الخير إلي الله‏.‏

ومن تلك الموضوعات أن‏(‏ عدلي‏)‏ أساء الأدب وهو سكران‏,‏ والذنب كما نعلم للسكر والعقاب عليه‏,‏ لكن ما يترتب علي السكران من إلقاء اللوم عليه وهو سكران فليس من الفهم‏,‏ لذلك كانت الخمر أم الخبائث‏,‏ وقد سكر حمزة عم النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قبل تحريم الخمر فاحمر وجهه وعقر دابة علي بن أبي طالب‏,‏ ولما اشتكي إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ذهب إليه فأساء‏,‏ وقال‏:‏ ما أنتم إلا عبيد لأبي فتركه النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ وانصرف‏,‏ لعلمه ـ صلي الله عليه وسلم ـ بأن حواره لا يفيد وأن انتظاره معناه سماع كثير من الأذي والإساءة حتي حرم الله تعالي الخمر نهائيا‏,‏ فانسد باب الإساءة التي هي مصدر من مصادره‏,‏ وإلا يعدم الناس غيره‏,‏ ومن تلك الأسباب الغضب‏,‏ لأنه من الشيطان‏,‏ ولذا نصح صلي الله عليه وسلم ـ من استنصحه فقال له مرارا‏:‏ لا تغضب‏.‏

ومن تلك الموضوعات‏:‏ الزواج بصيغته التي وردت في الموضوع‏,‏ وهو من الموضوعات غير المطروحة في الدعوة الآن‏,‏ فالإسلام يقر بنكاح الكافرين فضلا عن أهل الكتاب‏,‏ والذين دخلوا في الإسلام أزواجا أبقاهم النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ علي زواجهم القديم‏,‏ ولم يلقنهم صنيعة أخري‏,‏ وفي ذلك يكتب الكثير مما لا يتسع له المجال هنا‏.‏

ومن تلك الموضوعات‏:‏ أثر التعصب في حياة الفرد والأمة‏,‏ حيث كان سببا في المرض‏,‏ وانحراف الزوجة‏,‏ وعدم النجاح في العمل‏,‏ ومعالجة المخالفين بالحكمة أجدي للناس جميعا من الضرب والشدة‏,‏ ودائما يكون التعصب بسبب اختلاط الأوراق‏,‏ والفضيلة منزلة وسطي بين الإفراط والتفريط‏,‏ ومما اختلطت فيه الأوراق اعتقاد أن حكمة الزواج هي الإنجاب فقط‏,‏ وحمل الناس جميعا علي الاستقامة‏,‏ وأن المرأة سبب الفساد‏,‏ وأشياء كثيرة‏.‏

ومن العواطف التي حملها الموضوع وأثارها عاطفة الحب الذي لم يجد أرضا ولا وطنا وهو يحمل الجنسية الوطنية الشرعية‏,‏ فضل الطريق‏,‏ ودفنته صاحبته في شبابها الذي ولي قبل أن تغيب الشمس‏,‏ وذلك الحب الملوث الذي حمله فنان اشتري لنفسه لوحتها وأغراها بكلمات كانت العسل في واقع المر‏,‏ غني عليها حتي أرداها‏,‏ وأخبرها بأنها مخلوقة لتطير‏,‏ فطارت إلي المعصية في بؤر الدم العامي‏,‏ واستغفرت وتابت‏,‏ بل قطعت خط الرجعة ورضيت بالعيش مربية في البيت وفي المدرسة‏,‏ وكذلك العاطفة العامة في الفرح والحزن‏,‏ وهذا واقع لا يعرف مكانا‏,‏ يحدث في الكنيسة كما يحدث في الجامع‏,‏ وقد كتب الجبرتي عن معارك حدثت في الجامع الأزهر ومنها ما حدث بين الشيخ أحمد النفراوي والشيخ عبدالباقي القليني للنزاع علي مشيخة الأزهر واستعملت البنادق وقتل عشرة وأغلقت أبواب الأزهر ومنعت الصلاة فيه‏,‏ وذلك بسبب الأنصار والمحبين والمريدين لكل شيخ‏,‏ فالهوي تيار جارف‏,‏ كذلك عاطفة الصبي في آخر مشهد للأب قبل رحيله وهو يفرد ذراعيه أمامه علي الدراجة يريد أن يطير وأبوه من خلفه يحميه‏,‏ وقد مات أبوه أو أماته تعصبه‏,‏ فلم يترك الزمن لولده جناحا ولا انشراحا‏,‏ ذلك بعض ما وقفت عليه ولعلك أيها القاريء تذكر كلمتي في مطلع هذا المقال بأنه موضوع عائلة مصرية ولم أقل مسيحية‏*

####

..‏ وكاتب قبطي يشيد بقرار عرض الفيلم‏:‏

نعم يوجد هنا مسيحيون فعلا 

نبيل نجيب سلامة (الهيئة القبطية الإنجيلية) 

لست أعلم سببا لخوف بعض أصحاب السلطة من اتخاذ قرار في موضوع ما‏,‏ قد يشعر أنه يمس من قريب أو بعيد شريحة بعينها من شرائح المجتمع‏!

أقول ذلك بمناسبة الجدل الذي أثير أخيرا حول الفيلم السينمائي بحب السيما بسبب أن قصته تدور أحداثها داخل أسرة مصرية مسيحية‏,‏ كذلك كل الشخصيات المحورية في الفيلم مسيحية‏,‏ وأيضا كاتب الفيلم‏,‏ ومخرجه كلاهما مسيحيان‏!!‏الفيلم شأنه‏,‏ شأن أي فيلم به العديد من الإيجابيات‏,‏ وكذلك السلبيات‏,‏ ظل حبيس المخازن أكثر من ثلاث سنوات‏,‏ بعد أن تعثر إنتاجه أيضا لعدة سنوات‏,‏ إلي أن بدأ يأخذ أولي خطواته للنور‏,‏ حيث اصطدم بالرقيب الذي رفض التصريح بعرض الفيلم بدعوي أنه يتعرض لحياة المسيحيين الشخصية‏,‏ ويجب أولا عرضه علي رجال الكنيسة لأخذ رأيها بشأن التصريح بعرضه أو لا‏,‏ فما كان من المنتج إسعاد يونس‏,‏ والمخرج أسامة فوزي‏,‏ إلا التظلم من القرار أمام لجنة التظلمات‏,‏ ليتم الاتفاق علي عرض الفيلم أمام مجموعة من المفكرين والإعلاميين والسينمائيين المسلمين والمسيحيين‏,‏ كان ردهم‏:‏ أهلا بحرية الإبداع‏,‏ لا لكل من يحاول أن يكبل رأيا أو فكرا بقيود يدعي أنها لصالح الدين أي دين‏.‏

وأخيرا خرج الفيلم إلي النور بعد وضع جملة هلامية تقول للكبار فقط ويقول المجتمع كلنا بنحب السيما‏,‏ ويبدأ عرض الفيلم داخل العشرات من دور العرض في مصر وخارجها‏,‏ وليحقق في أسبوع عرضه الأول في مصر أكثر من نصف مليون جنيه‏.‏

بحب السيما دراما اجتماعية‏,‏ حاول كاتبها الاقتراب من بعض الأفكار الحساسة كما يدعي البعض‏,‏ مثل الصراع الداخلي الذي يعيشه البعض بين الحرية والتزمت‏,‏ الحرام والحلال‏,‏ يريد أن يوجه من خلالها صرخة لكل إنسان يدعي أنه صاحب الحقيقة المطلقة في أمور عامة‏,‏ أو خاصة‏,‏ تقول‏:‏ نحن أدري بمصلحتنا‏.‏

تدور قصة الفيلم عام‏1966,‏ كما سبق أن أشرنا حول أسرة مصرية مسيحية تعيش في حي شبرا‏,‏ أحد أكبر أحياء القاهرة التي يسكنها مسيحيون‏,‏ وتستغرق أحداثه عاما كاملا‏,‏ تنتهي مع وقوع هزيمة‏5‏ يونيو‏1967,‏ وإعلان الرئيس عبدالناصر تنحيه عن الحكم‏.‏

رب الأسرة‏,‏ عدلي محمود حميدة يعمل أخصائيا اجتماعي بإحدي المدارس‏,‏ شديد الطيبة‏,‏ يخشي بحكم نشأته الدينيةمن عقاب الآخرة إلي حد الهوس‏,‏ نراه يقع ضحية لطلبة المدرسة الذين يستغلون طيبته للنصب عليه والحصول منه علي الأموال سواء الشخصية‏,‏ أم التي تخص بعض أنشطة المدرسة‏,‏ عدلي شخصية متزمتة في كل جوانب الحياة‏,‏ يشعر بالقهر من جانب المحيطين به‏,‏ خاصةمن رئيسه المباشر ناظر المدرسة الحرامي‏,‏ ورغم ذلك هو يمارس نفس أسلوب القهر الذي يتعرض له‏,‏ علي زوجته عنايات ليلي علوي‏,‏ وطفله نعيم الطفل يوسف عثمان وابنته نعيمة الطفلة ياسمين عاطف معتبرا أن العديد من مباهج الحياة حرام‏,‏ كالعلاقة الزوجية بعد أن تكون قد أدت رسالتها‏,‏ وأنجبت الأطفال‏,‏ كذلك مشاهدة التليفزيون‏,‏ والأفلام السينمائية وغيرها‏.‏

تستمر الأحداث‏,‏ ويستمر معها مسلسل القهر داخل الأسرة وخارجها فتري الطفل نعيم‏,‏ أيضا الذي يحب السيما‏,‏ يمارس القهر علي خالته نوسة منة شلبي التي رآها مع خطيبها لمعي‏,‏ وهما يتبادلان القبلات‏,‏ وعلي جدته المريضة‏,‏ وعلي الأطفال في المدرسة التي تعمل بها والدته ناظرة‏.‏

عنايات‏,‏ الزوجة أيضا مقهورة‏,‏ من جميع الأطراف رغم أنها فنانة تشكيلية‏,‏ من المفروض أنها ذات حس مرهف‏,‏ إلا أنها اضطرت إلي ممارسة القمع علي زوجها أيضا وكبتت رغباتها وأحلامها حتي أصبح من السهل عليها الوقوع في الخطيئة‏,‏ خاصة مع ظهور زميلها الفنان التشكيلي ممدوح زكي فطين عبدالوهاب الذي يروي لها أزمته مع الزواج‏,‏ وكيف تخلت عنه خطيبته فور القبض عليه ودخوله المعتقل‏,‏ وتبدأ بينهما قصة حب جديدة من خلال مشاكلهما الأسرية‏,‏ لكن ما لبثت أن انتهت حيث تشعر الزوجة بالخطأ الكبير الذي كان من الممكن أن تقع فيه مع زميلها‏,‏ وسرعان ما تعود إلي رشدها‏,‏ وتطلب من الله أن يصفح عنها هذا الخطأ‏.‏

مع مرور الوقت يكتشف عدلي أن أقرب الناس إليه سواء من داخل الأسرة الصغيرة‏,‏ أم من خارجها ـ لا يستمعون إلي النصائح والإرشادات التي يقدمها لهم‏,‏ ويفعلون المحرمات‏,‏ فيشعر في داخله بالهزيمة‏,‏ ويبدأ في استرجاع شريط حياته‏,‏ فيكتشف أن علاقته بالله طوال السنين الماضية كانت علاقة خوف‏,‏ وليس حبا فينجرف هو أيضا إلي المحرمات‏,‏ فيدخل السيما مع ابنه نعيم‏,‏ ويشاهد التليفزيون‏,‏ ويظل علي هذا الحال حتي تنتهي حياته مع غروب شمس نفس اليوم الذي أعلن فيه جمال عبدالناصر تنحيه عن الحكم باعتباره المسئول عن هزيمة يونيو‏.1967‏
الفيلم يدخل في أعماق شريحة قليلة من المسيحيين‏,‏ تمثلها هذه الأسرة‏,‏ بمعتقداتها وخلافاتها المستمرة التي تمتد حتي إلي داخل الكنيسة‏,‏ وهو نقلة جديدة في تاريخ السينما المصرية‏,‏ تميز كاتبه هاني فوزي‏,‏ بالجرأة‏,‏ وجاء بسيناريو سلس وواقعي‏,‏ علي الرغم من اعتراض البعض‏,‏ وبخاصة من المسيحيين علي قصة الفيلم‏,‏ فعلي الرغم من كونه في الأساس فنانا تشكيليا‏,‏ إلا أنه درس السينما‏,‏ والنقد السينمائي‏,‏ فجاءت أعماله الثلاثة التي قدمها للسينما حتي الآن أرض الأحلام ـ فيلم هندي ـ بحب السيما أعمالا متميزة تمثل سينما واقعية راقية‏,‏ لذلك كان من الطبيعي أن يتم ترشيح هذا الفيلم ليمثل مصر في العديد من المهرجانات الدولية‏.‏

كما تميز المخرج الشاب أسامة فوزي‏,‏ في ثالث عمل أيضا له بعد عفاريت الأسفلت ـ وجنة الشياطين بأنه استطاع أن يضع الفيلم داخل كوكتيل من البهجة والمتعة التي لا تخلو من العمق علي مستوي الفكر والصورة‏,‏ خاصة في مشهد النهاية الذي جمع فيه بين لحظة الغروب‏,‏ وخبر تنحي عبدالناصر‏,‏ ووفاة عدلي‏,‏ كأن لسان حاله يقول هكذا انتهت مرحلة من الزمن بحلوها ومرها‏,‏ وهيا بنا نبدأ معا مرحلة جديدة‏,‏ علي الرغم من أن الفترة التي واكبت أحداث الفيلم‏,‏ وهي فترة الستينيات قد شهدت العديد من الأحداث السياسية‏,‏ التي فرضت علي المجتمع العديد من القيود‏.‏

كما نجح أسامة فوزي في تقديم وجه جديد للسينما المصرية‏,‏ قد يعيد إليها أفلام أنور وجدي وفيروز‏,‏ عمره اليوم عشر سنوات‏,‏ كما هو محور أحداث الفيلم علي الرغم من أنه لم يكن قد تجاوز السادسة وقت التصوير‏,‏ وهو الطفل يوسف عثمان‏.‏

أبطال الفيلم‏,‏ الفنانة ليلي علوي‏,‏ وعلي الرغم من حساسية العمل‏,‏ إلا أنها نجحت في تقديم الدور بتلقائية شديدة‏,‏ وكان لبساطتها في الأداء‏,‏ إلي جانب عدسة طارق التلمساني مدير التصوير‏,‏ دور كبير في أن يشعر المشاهد بأنه يعيش مع هذه الأسرة‏.‏

الفنان محمود حميدة‏,‏ يبحث دائما عن الجديد والصعب غير المألوف في الشخصيات التي يلعبها‏,‏ كما أنه استطاع أن يقرأ رؤية المخرج‏,‏ فنجح في تقديم الشخصية بصدق وأمانة‏,‏ أيضا في ثالث عمل له مع نفس المخرج‏,‏ منة شلبي اهتمت بجسدها أكثر من اهتمامها بالشخصية‏,‏ علي الرغم من أن تصوير هذا العمل كان في بداية حياتها الفنية‏,‏ كما أسهم المونتاج والملابس والديكور في تكثيف الحالة الشعورية للفيلم‏.‏

بحب السيما بالرغم من الحديث عن إيجابياته‏,‏ إلا أن هناك بعض السلبيات‏,‏ مثل الطفل نعيم الذي كان يتحدث بطلاقة‏,‏ علي الرغم من أنه لم يتجاوز السادسة من عمره‏,‏ وخاصة في حديثه عن الجنس‏,‏ كذلك إصرار الزوجة عنايات الفنانة التشكيلية علي أن معظم أعمالها الفنية صور لسيدات عاريات‏,‏ أيضا من الأخطاء التي تناولها الفيلم الألفاظ التي تفوهت بها الخالة عايدة عبدالعزيز‏,‏ في حفل زفاف ابنتها منة شلبي داخل الكنيسة‏,‏ والطفل الصغير وهو يتبول علي المعزين‏,‏ كذلك منة شلبي وهي تمارس الحب بالقبلات مع خطيبها أثناء الصلاة‏,‏ هناك أيضا بعض المبالغات في السياق الدرامي للعمل‏,‏ والتي توحي للمشاهد العادي‏,‏ أن حال هذه الأسرة هو نفسه حال شريحة كبيرة من المجتمع المصري المسيحي‏,‏ وهذا بالتأكيد خطأ‏.‏

في النهاية يجب أن نشيد بالدور الذي قام به الدكتور جابر عصفور‏,‏ الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة‏,‏ رئيس لجنة التظلمات‏,‏ كذلك الدكتور مدكور ثابت‏,‏ مدير عام الرقابة علي المصنفات الفنية‏,‏ في التأكيد علي أهمية إطلاق العنان أمام المبدعين في كل المجالات‏,‏ كي يعبروا عن رؤيتهم من خلال العديد من الأعمال الإبداعية سواء أكانت مقروءة أم مسموعة أم مرئية‏*

الأهرام العربي في

03.07.2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)