كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مخرج «بحب السيما» وصف أفلامه بأنها صادمة

أسامة فوزي:

علي المؤسسة الدينية أن تراجع مواقفها حتي لا تنضم إلي خندق أعداء الفن والحرية

حسن أبو العلا

بحب

السيما

   
 
 
 
 

يمتلك المخرج أسامة فوزي قدرة كبيرة علي الغوص في أعماق شخصياته ليجعلها نابضة بالحياة علي الشاشة وفي ظل التيار السينمائي السائد الذي يكرس للسطحية والتفاهة طرح أفكارا ورؤي جديدة ومختلفة وظهر هذا بوضوح في فيلميه السابقين «عفاريت الأسفلت» و«جنة الشياطين» .. وينتمي أسامة فوزي لمدرسة خاصة في الإخراج لا تعترف بالاستسهال ولا ترضي عن الجودة بديلا، وبعد غياب أكثر من ثلاث سنوات انتظر كل عشاق السينما عودته ليساهم ولو بقدر بسيط في تجميل وجه سينما عريقة تعاني من أزمة جودة علي كل المستويات ولكن يبدو أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن .. فقد واجه فيلم أسامة فوزي الأخير والرائع «بحب السيما» حربا شرسة وصلت إلي اتهامه بالإساءة للعقيدة المسيحية .. وعن أزمة الفيلم الأخيرة وغيابه عن الساحة تحدث أسامة فوزي للقاهرة.

·         تأخير عرض الفيلم لمدة ثلاث سنوات هل جاء بنتيجة سلبية؟

- أي تأخير لاشك أنه سيكون ضد الفيلم وإن كان الضرر الأكبر وقع علي كمخرج فقد مضت ثلاث سنوات وأنا بدون عمل، كما أن هذا الفيلم كان يمكن أن يضيف الكثير لأبطاله لو عرض بعد الانتهاء من تصويره فقد منعنا الطفل يوسف عثمان من العمل لمدة ثلاث سنوات انتظارا لعرضه وفي النهاية رضخنا لرغبته وسمحنا له بالعمل لعدم تأكدنا من نزول الفيلم لدور العرض.. وعموما الفن الجيد نادر وقليل ولابد أن يتعامل الناس مع السينما بفهم لقيمتها والذين يصنعون أفلاما بهذا الشكل قلة سواء حاليا أو من ثلاث سنوات مضت .

·         من وجهة نظرك .. من المسئول عن إنحدار مستوي السينما المصرية حاليا؟

- من الصعب تحديد المسئولية في أشخاص بعينهم فالمسئولية تقع علي عاتق المجتمع والدولة التي لا ترعي الفن والثقافة بشكل كاف ولا تساند الأعمال ذات القيمة بالصورة المناسبة .. والقائمون علي صناعة السينما شاركوا في الجزء الأكبر من المسئولية لاستسلامهم أمام السهل والسائد وما يتصورون أنه يحقق النجاح المادي الذين يبحثون عنه علي حساب قواعد وأصول المهنة بدون تفكير بشكل منظم باعتبارهم قائمين علي صناعة مهمة جدا.

·         ألم تكن مغامرة أن تقدم فيلما عن أسرة مسيحية وهي مسألة لم نعتدها في السينما من قبل؟

- كل فيلم في حد ذاته مغامرة بمعني أنه ليس هناك من يستطيع أن يتأكد من نجاح أو فشل فيلم قبل تصويره وبهذا المفهوم تكون السينما نفسها مغامرة .. وعندما نصنع أفلاما فنحن نعرف أنه من الممكن أن نصطدم ببعض المفاهيم التقليدية عند شرائح عديدة بالمجتمع، وبالتالي ففكرة الصدام لا مفر منها ولكن هل يجب أن نخاف ونتراجع عن مناقشة بعض الموضوعات .. أعتقد أن الإجابة ستكون بالنفي لأن السؤال نفسه يطرح دور المثقف في مجتمعه وإذا كان كل مثقف وفنان سيهرب مما يراه خطأ في الناس والمجتمع دون تأمله ومناقشته فلن نواجه مشاكلنا وسنظل نعاني من نفس الأوضاع الفوضوية السائدة التي تتسبب في كل ردود الأفعال المخيفة حاليا وأزمة السينما نفسها ترجع للفوضي التي نعيشها في حياتنا بشكل عام .

غياب الشخصية المسلمة

·         هناك من انتقد الفيلم بسبب غياب الشخصيات المسلمة .. فهل كان هذا مقصودا؟

- إذا كانت السينما المصرية علي مدي 100 سنة قدمت أكثر من 3000 فيلم فمنهم 2999 فيلم اًليس فيها شخصية مسيحية ولم يسأل أحد عن ذلك لأن السؤال غير منطقي ومع ذلك أوضح أنني ضد طرح الأسئلة التي تبحث حول ديانة الشخصيات أو صانعي الفيلم أو من صرحوا بعرضه أو من وقفوا ضده .. فالفيلم يدور حول أب متزمت ومحافظ وبالتالي ليست له علاقات اجتماعية ثم من قال إن الشخصيات الثانوية ليست بها شخصيات مسلمة فهل كنت مطالباً بوضع لافتة توضح الديانة علي ظهر كل ممثل، فزملاء الزوج والزوجة في العمل مسلمون وكذلك الجيران الذين حضروا عيد ميلاد الابن.

·         لماذا وقع اختيارك علي فترة الستينيات كزمن للفيلم؟

- النموذج موجود  وواضح في ربطه بالزمن الحالي من خلال الراوي وربما زاد التعصب حاليا عن الستينيات .. واختيار هذه المرحلة جاء للحصول علي مزيد من الحرية فهناك أشياء من الممكن منعها لو تم تناولها بشكل معاصر .. كما أن نفس الفترة تربطني بتفاصيل خاصة بالحقيقة وحدثت بالفعل لمؤلف الفيلم هاني فوزي في طفولته وإن كان الفيلم لا يعد سيرة ذاتية فليس كل شيء نقدمه قد حدث بالفعل فنحن أضفنا أشياء من الخيال لخدمة البناء الدرامي.

·         ما رأيك في الهجوم الذي تعرض له الفيلم من بعض رجال الدين المسيحي ومطالبتهم بمنع عرضه؟

- هؤلاء الناس أعداء للفن والحرية ويؤكدون أن الأفكار التي طرحها الفيلم صحيحة علي الرغم من أننا لم نؤكد أنها موجودة في الكنيسة بل موجودة عند شخص يفسر الدين بشكل خاطئ .. وعندما يأتي بعض رجال الدين ليطرحوا نفس الأفكار فإنهم يؤكدون أن هذا الرجل لم يأت بهذا التفسير من فراغ .. وما حدث ترجع أهميته لنعرف بوضوح هل رجال الدين مع الفن أم ضده .. فقد حدث نوع من الوصاية واستخدام السلطة ووصل الأمر لتحريض المسيحيين ضد الفيلم وبدأوا يهددون بأقباط المهجر وبأنهم أرسلوا اعتراضات حول الفيلم علي الرغم من أنهم لم يشاهدوه.

تدخل المؤسسة الدينية

·         هل تري أن من حق المؤسسات الدينية التدخل في الأعمال الفنية؟

- ليس من حق المؤسسات الدينية التدخل في الفن من قريب أو بعيد وأحد الأسباب التي استفزت الكنيسة أن المثقفين وقفوا مع الفيلم دون الرجوع إليهم.

·         أفلامك تبدو قليلة علي الرغم أنك بدأت الإخراج قبل ثماني سنوات؟

- هذه طاقة السوق والمناخ العام الذي لا يقبل هذه النوعية من الأفلام التي تواجه الاضطهاد باستمرار ولا ينطبق هذا علي السينما التي أقدمها فقط ولكن هناك آخرين مثلي ولكن الاضطهاد يزيد والسماح بوجود هذه الأفلام أصبح أقل كثيرا عن السنوات الماضية فأيام «عفاريت الأسفلت» كانت المساحة أكبر لتقديم هذه النوعية عما هو موجود حاليا رغم أن التمويل كان يأتي بصعوبة وكذلك تحمس الفنانين وموافقة الرقابة ونزول الفيلم لدور العرض .. فالاضطهاد أصبح أكبر ووجود مصطلحات غبية ليست موجودة إلا في مصر مثل أفلام المهرجانات والأفلام التجارية فأصبحنا نضع الأفلام الجادة تحت قائمة أفلام المهرجانات وكأنها لا تصنع إلا لهذا الغرض وكأن الأفلام التجارية هي الموجهة للجمهور، وهو تصنيف خاطئ وغبي يعكس التخلف الذي نعيشه فالأفلام لا تصنع للمهرجانات ولكنها تصنع للجمهور.

·         ولكن البعض يري أن أفلامك صادمة؟

- أفلامي صادمة وأحيانا مستفزة ولكن السبب في ذلك أننا نعيش في مجتمع جبان لا يريد المواجهة ولم يعتد عليها .. وعندما أقدم فيلما احترم فيه المشاهد يتهمونني بالتعالي علي الجمهور .. فعلي العكس أنا أحترم الجمهور وأتعامل معه علي أنه يفكر وليس علي أنه سطحي وتافه كما أنني لا أري صعوبة في فهم أفلامي.

اضطهاد سوق التوزيع

·         هل سننتظر ثلاث سنوات أخري لنشاهد لك فيلما جديدا؟

- أنا طاقتي أكبر من ذلك بكثير وكل فيلم أقدمه يضيف لي ولو كنت قدمت أفلاما أكثر كنت سأتطور أكثر وأتقدم نحو الأفضل ولكن الوقت الذي يضيع ليس بسببي ولكنه نتيجة ما تعانيه الأفلام من اضطهاد سواء من سوق التوزيع أو من الدولة أو من المحطات التليفزيونية والفضائيات التي تعرض باستمرار الأفلام الرديئة والتافهة وفي حالة عرض الأفلام الجيدة يتم اضطهادها سواء بالحذف منها أو عرضها في أوقات غير جيدة.

·         كيف جاء اختيارك للطفل يوسف عثمان للمشاركة في بطولة الفيلم؟

- كنت أبحث عن طفل من خلال استديو الممثل الذي يشرف عليه الدكتور محمد عبد الهادي واخترت يوسف من بين ثلاثة أطفال لأنني وجدته الأفضل فقررت التركيز معه قبل بدء التصوير بشهرين.

·         هل وجدت صعوبة في التعامل مع طفل يقدم دوراً رئيسياً في الفيلم؟

- في البداية كنت متخوفاً ويائساً من وجود طفل موهوب لأننا مجتمع يقتل المواهب .. فلم تعد هناك أنشطة في المدارس ولم يعد متاحاً أن تعثر علي طفل موهوب والمشكلة أن الفيلم ارتبط وجوده بوجود هذا الطفل كما انني بجانب الموهبة كنت أبحث عن طفل لديه إحساس بالمسئولية وهو ما وجدته في يوسف عثمان فهو موهوب وذكي والصعوبات معه كانت عادية جدا.

·         وما رأيك في عرض «بحب السيما» للكبار فقط؟

- لا أري أي ضرورة لعرض الفيلم للكبار فقط لأنه لا يحتوي علي شيء يخدش حياء الأطفال ولكن اتمني أن تكون هذه حدود الرقابة .. ففكرة الرقابة علي الفكر ليست موجودة إلا في الدول المتخلفة وأنا أعطي للرقابة الحق في مسألة التصنيف العمري أفضل من الحذف والمنع، وفي نفس الوقت كنت أتمني أن يري كل الأطفال هذا الفيلم ليعرفوا أنه من الممكن أن يكون لهم موقف رافض تجاه أي شخص يمارس عليهم القهر حتي لو كان ذلك عن طريق السلطة الأبوية.

جريدة القاهرة في

20.07.2004

 
 

بعد دخول ملف الفيلم مكتب النائب العام

بحب السيما فيلم ديني بشهادة المؤلف

أعد الندوة للنشر ـ علا الشافعي / سيد محمود حسن

بدخول ملف فيلم بحب السينما إلي مكتب النائب العام‏,‏ انتقل الجدل حول الفيلم إلي مرحلة جديدة‏,‏ فالاختلاف مع موضوعه أخذ الآن ثقل الدعاوي القضائية التي يطالب فيها المعترضون بوقف عرض الفيلم‏,‏ لأنه يسئ إلي الدين المسيحي‏,‏ والمؤسف أن مئات القراءات النقدية التي دافعت عن الفيلم كقيمة فنية رفيعة لم تفلح في توضيح الصورة أمام المعترضين‏,‏ ومن منطلق إيمان الأهرام العربي بضرورة ترسيخ قيمة حرية الاختلاف دعت المجلة نجوم الفيلم وصناعه إلي ندوة لتأمل المسار الجديد الذي اتخذه الفيلم بحضور مجموعة من المثقفين المعنيين بوضع الأقباط والمهتمين بحرية التعبير‏,‏ وكنا نتوقع حضور هذه النخبة من النجوم‏,‏ علي الأقل لأنهم في حاجة إلي من يدعمهم في مواجهة هذا المناخ الرقابي المتشدد‏,‏ غير أن بعضهم فضل الغياب‏,‏ مما رسخ لدي البعض الانطباع بأن النجوم لا يلتزمون‏.‏

وأيا كان الموقف من هؤلاء النجوم‏,‏ كان قرار عقد الندوة ضروريا لتوسيع زوايا النظر إلي الفيلم‏.‏ في بداية الندوة أكد خيري رمضان مدير تحرير الأهرام العربي علي القيمة الفنية الرفيعة للفيلم‏,‏ مشيرا إلي أن جانبا من الجدل حوله كشف عن وجود قوي أخري تقف وراء دعاوي المصادرة التي تلاحق الفيلم‏.‏ وأضاف رمضان إنه من المؤسف فعلا غياب نجوم الفيلم وصناعه عن الندوة‏,‏ وهو ما يؤكد مجددا علي وجود نوعية من النجوم لا تؤمن بقيمة الالتزام ولا تهتم بالدفاع عن أعمالها‏.‏

وقد بد أت الندوة بكلمة من هاني فوزي مؤلف الفيلم‏,.‏ كشف فيها عن تطور مراحل تنفيذه‏,‏ ونفي ما أشيع عن وجود قوي خفية عملت علي تأخير ظهوره‏,‏ وقال إن تأجيل تنفيذ الفيلم يعود لأسباب إنتاجية بحتة لا علاقة لها بموضوعه‏.‏

ومن جهته طلب عاطف حزين سكرتير تحرير المجلة مزيدا من التفاصيل من مؤلف الفيلم عن حقيقة ما تردد بشأن موضوعه‏,‏ وهل تضمن بالفعل أطيافا من السيرة الذاتية لمؤلفه؟

أجاب هاني فوزي‏:‏ إنه لا يستطيع القول إن الفيلم هو سيرة ذاتية تطابق حياته تطابقا كاملا‏,‏ لأن أي عمل فني فيه جزء من الواقع ونسبة من الخيال‏,‏ فلا يوجد فيلم خيالي بنسبة‏%100‏ وكذلك لا يوجد فيلم يطابق وقائع حقيقية مطابقة كاملة إلا الفيلم التسجيلي‏.‏

ومضي فوزي يقول‏:‏ عندما بدأت كتابة بحب السينما كانت لدي رغبة في تجاوز كل القيود والتابوهات‏,‏ ومن ثم وجدت أن رواية الأحداث من عين الطفل‏,‏ تقدم لي هذه الإمكانية في السرد الحر‏,‏ كما أن فترة الستينيات مثلت لي فترة مثالية لطرح الفكرة التي مرت بمشكلات رقابية عديدة إلي أن أجازها علي أبو شادي في اليوم الأخير لعمله في جهاز الرقابة‏.‏

وأكد فوزي أن لديه شعورا بأن جانبا من الضجة حول الفيلم مفتعل‏,‏ لأن الفيلم عادي‏,‏ وكان من الممكن التعامل معه كفيلم كوميدي حول مغامرات طفل‏.‏

ثم تحدث الدكتور محمد عفيفي‏,‏ أستاذ التاريخ الحديث في جامعة القاهرة والمتخصص في تاريخ الأقباط‏,‏ مؤكدا أن الكنيسة القبطية لم يكن لديها أي مشكلات كبيرة في التعامل مع قضايا فنية تثيرحساسية لدي مؤسسة دينية مثل الأزهر‏,‏ ومن ذلك قضية تجسيد الأنبياء والشخصيات الدينية والتاريخية‏,‏ لكن موقف بعض مؤسسات الكنيسة المتحفظ علي فيلم بحب السينما يعود بالأساس إلي موضوعه الذي عرض الحياة اليومية لأسرة مسيحية بطريقة بسيطة‏,‏ كاشفا عن وجود حساسيات بين الطائفة الأرثوذكسية والطائفة الإنجيلية‏,‏ وهذا هو جوهر المشكلة وما أزعج مؤسسات الكنيسة فعلا يعود إلي عمق تأثير السينما وسحرها الجماهيري‏.‏

وانتهي عفيفي إلي القول إن الكنيسة المصرية ليست تيار ا واحدا‏,‏ فالذين اتخذوا موقفا مناهضا من الفيلم لا يمثلون الكنيسة‏,‏ وإنما يمثلون التيار المتشدد بداخلها‏,‏ والذي عبر عن نفسه من خلال بيان لجنة المصنفات الكنسية‏,‏ وهو بيان هزيل جدا‏.‏

وتحدث نجاد البرعي المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان‏,‏ مؤكدا أن المجموعة التي تقدمت ببلاغات ضد الفيلم إلي النائب العام هي الوجه الآخر لما كان يفعله أصوليون مصريون‏,‏ أشهرهم يوسف البدري‏,‏ كان يلاحق كل مبدع يجرؤ علي طرح وجهة نظر مغايرة لتصورهم عن الإسلام‏.‏

عبر البرعي عن دهشته لوجود لجنة تسمي بـ لجنة المصنفات المسيحية‏,‏ وقال‏:‏ إن هذه اللجنة التي كشف عنها للمرة الأولي ستلعب في المستقبل الدور نفسه الذي يلعبه مجمع البحوث الإسلامية في ملاحقة المبدعين‏,‏ وقال البرعي إن هذا الاكتشاف يأتي في سياق تطورات اجتماعية وسياسية تدفع المجتمع المصري كله إلي مزيد من التشدد والانغلاق يزيد منها التحريض الذي يمارسه رجال الدين لدفع الناس لمعاداة حرية الرأي والتعبير‏,‏ ومن ذلك ما تردد عن وجود تعليمات وجهها بعض رجال الكنيسة لمنع المسيحيين من مشاهدة الفيلم‏.‏

ودعا البرعي إلي تكاتف المبدعين المصريين ورجال الصحافة لمعالجة قانونية للأزمة والمطالبة بإلغاء المادة رقم‏(98‏ و‏)‏ من قانون العقوبات الخاصة بازدراء الأديان لأنها تستخدم الآن لقمع الحريات‏.‏

وتحدث الناقد السينمائي عصام زكريا عن القيمة الفنية‏,‏ لكنه أكد صعوبة الحديث عن هذه القيمة خارج الأزمة المثارة حول الفيلم‏,‏ الذي وصفه بأنه فيلم رفيع المستوي‏,‏ وبسبب قيمته الفنية تمكن من تجاوز العقبات الرقابية‏,‏ لأن العمل الفني المتميز يفرض نفسه‏.‏

وقال زكريا إن الفيلم ليس هو أول فيلم يتناول حياة الأقباط‏,‏ لكنه أهم فيلم تناولها في سياق تعرضه لفترة تاريخية مهمة هي فترة الستينيات‏.‏

ويقول زكريا‏:‏ للأسف هناك من طالب من النقاد بحذف بعض التعبيرات الخشنة من لغة الحوار‏,‏ ولو فعلنا ذلك لأصبح الفيلم مثل الطبعة المهذبة من ألف ليلة لا قيمة حقيقة لها‏.‏

وهنا تدخل محمد حبوشة مدير تحرير الأهرام العربي‏,‏ مؤكدا أن لغة الحوار بدت في أحيان كثيرة فجة وجارحة بصورة أثرت علي درجة الاستمتاع بما في الفيلم من جماليات ومعان راقية‏.‏

ومن جديد عاد هاني فوزي‏,‏ مؤلف الفيلم للحديث عن فيلمه‏,‏ مؤكدا أن حديثه في البداية عن اعتبار موضوع الفيلم موضوعا كوميديا‏,‏ لم يكن إلا بغرض واحد هو السخرية من القراءات التعسفية التي عملت علي اختزال الفيلم علي الرغم من كونه يتحمل تأويلات وقراءات كثيرة‏,‏ والفيلم بهذا المعني يحتاج إلي أن يقرأ ككل متكامل وليس بهذا الأسلوب التعسفي الذي يتوقف أمام مشاهد معينة أو بعض الألفاظ التي ترد في سياق كاشف عن روح أصحابه‏,‏ وأكد فوزي أن الغرض الأساسي من تقديم جمل الشتيمة المبتذلة داخل الكنيسة هو الكشف عن قشرة التدين الهشة التي يتمسك بها الأشخاص‏,‏ وللأسف هناك مسيحيون كانوا يظنون أنهم خارج الواقع‏,‏ وجاء الفيلم ليضغط علي هذا الجرح الذي أكد أن المسيحيين لايزالون يعيشون في قمقم‏,‏ وقال فوزي هناك قراءة مهمة للفيلم‏.‏ ينبغي أن تركز علي نقده للسلطة بكل تيماتها وأفكارها وأنماطها سواء في مجال الدين أو العلم أو الطب‏,‏ والفيلم يكشف حجم الكذب والتناقضات في تعاملنا مع ثلاثة تابوهات هي الجنس و الدين والجريمة‏.‏ غير أن المفاجأة الحقيقية في الندوة جاءت من الكاتب الإسلامي ممدوح الشيخ‏,‏ الذي قدم قراءة مغايرة للفيلم خارج سياق الإشادة بموضوعه‏,‏ وأكد أن الفيلم استفزه كمسلم‏,‏ وتفهم أسباب غضب المسيحيين من موضوعه‏,‏ فالفيلم مكتوب من داخل نموذج فكري‏,‏ وقال أنا كمسلم ضد الفيلم لأسباب دينية محضة‏,‏ فهو ضد تعزيزقيمة الإيمان الديني‏,‏ سواء كان إيمانه بالمسيحية أم الإسلام‏,‏ هو جزء من منظومة الإلحاد الربوبي‏,‏ التي انتشرت أخيرا‏,‏ ورأيي أن ما أطلق علي الفيلم من تهم لم يلق جزافا‏,‏ فالفيلم ملئ بالصدمات ونحن مجتمع يحكمنا القانون والدستور‏,‏ وكلها تشريعات تعطي للرافض للفيلم حق التقاضي وتساءل الشيخ هل العمل الفني يعطي لصاحبه قداسة تجعله في حل من أن يراعي أي اعتبارات دينية‏.‏

وأشار الشيخ إلي ضرورة الوعي بالسياق التاريخي الذي ظهر فيه الفيلم‏,‏ فالكنيسة في العشرين عاما الأخيرة كان لها رهان سياسي‏,‏ هو الرهان علي دعم أكبر للعلمانيين لمواجهة المناخ الإسلامي المتطرف‏,‏ واليوم الإلحاد الربوبي طال الكنيسة من خلال الفيلم‏,‏ لذا كان من الطبيعي أن ينتفض المتدينون لمواجهته‏,‏ خاصة أن طاقم الفيلم في معظمه من المسيحيين‏.‏

وتعقيبا علي رأي الشيخ أكد نجاد البرعي أنه يدخل في منظومة فكرية تدفع المجتمع كله إلي الإنغلاق أو الخوف من الحرية‏,‏ وإذا كان الشيخ يتحدث عن القانون وأهمية الالتزام به‏,‏ فعلينا أن نفهم أن القانون كائن اجتماعي يستدعي دائما لأسباب سياسية‏,‏ لكن يمكن أيضا التكاتف لتغييره خاصة أن مصر عرفت في السبعينيات نوعا آخر من الإسلام‏,‏ هو الإسلام البدوي المتشدد‏,‏ والذي أفرز إلي جواره مسيحية متشددة‏.‏

وفيما يتعلق بمسألة حق الرافضين للفيلم في التقاضي‏,‏ فللأسف هو شكل من أشكال إساءة استخدام هذا الحق‏,‏ فلا يوجد نص قانوني واحد يعطي الحق لأي جهة دينية في الرقابة باستثناء التفسير المتعسف للفتوي التي قدمها مجلس الدولة عام‏1994‏ من خلال المستشار طارق البشري‏,‏ ومادمنا اتفقنا علي أن الفن وجهات نظر‏,‏ فلا يمكن وضع الدين كمعيار للحكم عليه‏,‏ وفي هذه الحالة سنخسر الدين والسياسة معا‏.‏

رياض أبو عواد المحرر الثقافي لوكالة الأنباء الفرنسية تحدث عن الفيلم‏,‏ مؤكدا أن جزءا من رفض الفيلم يعود إلي جهود المؤسسة الدينية وسعيها لخنق المجتمع وتضييق هامش الحريات‏,‏ وللأسف بدأ هذا السعي منذ سنوات بفضل أفكار البترودولار‏.‏

ومرة أخري طلب هاني فوزي مؤلف الفيلم الكلمة ليؤكد رفضه للطريقة التي تحدث بها ممدوح الشيخ‏,‏ خاصة إشارته إلي وجود طاقم مسيحي وراء الفيلم‏,‏ مشيرا إلي أن الفيلم من إنتاج الشركة العربية‏,‏ لذلك فهو لم يفهم القصد من وراء عبارة إن الفيلم غير برئ‏,‏ وقال فوزي‏:‏ علينا أن نتعامل مع شخصيات الفيلم بوصفها شخصيات تمثل نفسها‏,‏ فعدلي البطل ليس هو كل مسيحيي مصر في الستينيات‏,‏ بدليل أن كل الشخصيات من حوله تختلف معه‏,‏ ومن ثم فالمطلوب أن نتعلم قيمة الاختلاف‏.‏

وامتدادا لهذه الرؤية أكد عصام زكريا رفضه لطريقة التفكير البوليسي التي يتعامل بها البعض مع الفيلم‏,‏ مشيرا إلي ضرورة أن تكون الإباحة هي الأصل‏,‏ وليس التحريم‏,‏ ومن ثم فالمطلوب مزيدا من الحريات والجرأة في اقتحام التابوهات‏.‏ والدفاع عن الفيلم لأنه قدم صورة مختلفة للأقباط بخلاف الصورة التي تقدمها الدراما التليفزيونية‏.‏

ويبدو أن هذا الرأي فتح شهية هاني فوزي للكلام مجددا‏,‏ وأكد أن الفيلم هو أيضا فيلم ديني‏,‏ ولا أفهم منطق الذين يتصورون أنه ضد الدين‏,‏ فعل سبيل المثال نجد فكرة الخلاص الموجودة في المسيحية التي تقول إن الإنسان خاطئ بطبيعته‏,‏ فهو يذهب إلي الخطأ ويرتكبه إلا إذا أراد الرب له غير ذلك‏,‏ فعدلي بطل الفيلم وصل إلي الخلاص عندما أضاء الله قلبه‏,‏ فهو لم يستطع أن يغير نفسه‏,‏ لكن تغير عندما وصل الإيمان الحقيقي إلي قلبه ثم مات وهو يصلي‏*‏

الأهرام العربي في

24.07.2004

 
 

"بحب السيما"

عندما يصطدم المجتمع بـ"قداسة" الفنان

عبد الجليل الشرنوبي**

ليست أزمة فيلم "بحب السيما" مجرد زوبعة في فنجان الحياة الثقافية العربية فحسب بل تتجاوز هذا إلى كونها تجسيدا لحالة الفصام التي يعاني منها الفنان العربي الذي يطالب عادة بحرية تناوله لكل مفردات المجتمع، رافضًا أن يتم فرض "تابوه" من أي نوع على إبداعه، لكنه يتحول إلى حالة متفردة في القداسة عندما يطالبه المجتمع بأن ينزل من برجه العاجي ليناقش ما طرحه.

وهذا ليس ادعاء بل واقع جسدته ندوة نقابة الصحفيين التي كانت مساء الخميس 15-7-2004 والتي انتهت بفواصل من "الردح" التي امتدت من سيناريو العمل إلى حضور الندوة عن طريق بطل العمل محمود حميدة الذي اعتبر كل من ضد الفيلم "جاهل وظلامي".

تقسيم الناس لمتدينين وفنانين

تكمن أزمة الرؤية التي طرحها فيلم "بحب السيما" في طرح بعيد كل البعد عن علاقة الفيلم وصناعه بالكنيسة.

وهذا الطرح هو السعي الحثيث إلى تقسيم الناس إلى متدينين وفنانين وهو ذات الطرح الذي سبق إليه يوسف شاهين في "المصير"؛ وبالتالي عليك أن تكون ضمن أحد المعسكرين، وتصنف نفسك بحسب ما تعتقده من علاقة بينك وبين الوجود، فإما أن تكون الحياة بالنسبة لك هي كل شيء "إبداع وجنس وخمر وتدخين وسخرية من كل مقدس وأي قيمة"، أو تتحول إلى ناسك أي "تحرّم السينما والغناء والرسم والضحك وربما الطعام والشراب".

هذا الطرح كان المتحكم في وجهة نظر صناع العمل (بحب السيما)، وهو ذاته كان الحاكم في صناعة فيلمهم السابق "جنة الشياطين".

وهنا تكمن الإجابة عن السؤال البديهي: لماذا البطل في كلا الفيلمين مسيحي الديانة وليس مسلمًا؟

الواقع المطروح في "بحب السيما" ومن قبله "جنة الشياطين" لن يقبله بأي حال طرح فيلم عربي جمهور مشاهديه من المسلمين مضافًا إليهم الشريحة القبطية أو المسيحية في عموم العالم العربي، وبالتالي كان الحل هو الهروب إلى الواقع القبطي بتداعيات شخوصه، مع عدم تعاظم ردود الفعل على اعتبار أن ما لن تقبله الكنيسة البروتستانتية ربما تقبله الكاثوليكية أو الإنجيلية وساعتها يمكن الهروب بما يحمله الفيلم من اعتراض هذه إلى تلك! هذا التحليل ليس مجرد رؤية، ولكنه واقع صرح به صناع "جنة الشياطين" عندما اختاروا أن تكون الشخصية المحورية في فيلمهم (الجثة التي كان صاحبها اسمه طبل ومجسدها هو محمود حميدة)، شخصية قبطي هرب من زيف حياته الأرستقراطية المقيدة بأعراف اجتماعية وتعاليم كنسية إلى رحابة عالم الغجر والصعاليك والقوادين، حيث لا قيود ولا معايير إلا القوة البوهيمية الصرفة.

ومن أشد ما يلفت الانتباه في هذا الفيلم، ويثير علامات التعجب حول دور الرقابة وجود العبارة الرقابية الخالدة "للكبار فقط" على "أفيش وتيترات" الفيلم، وباعث هذا الموقف هو كون أحد أبطال الفيلم طفلاً صغيرًا.. بل ويعتبر هذا الطفل «نعيم» هو محرك أحداث العمل والشاهد عليها كما أنه راوي الفيلم، إضافة لكونه صاحب العنوان "بحب السيما".

وهنا أسوق كلمات الكاتب الكبير يحيى حقي قبل 41 عامًا وتحديدًا في 18 فبراير/شباط 1963 عندما كتب على صفحات جريدة المساء يقول: فيلم الهمسة الصارخة يُعرض للكبار فقط على حين أن حوادثه تجري داخل مدرسة ابتدائية، وأحد أدوار البطولة لممثلة لا يزيد طولها على شبرين!

ثم اختتم حقي مقالته بسؤال: ماذا لو جاءت تلميذات هذه المدرسة ومعهن البطلة الصغيرة وأردن مشاهدة الفيلم الذي قمن هن أنفسهن بتمثيله؟ أنت ترى أن منطق القيد القانوني سيقتضي من هذا الرقيب أن يحرم عليهن الدخول حرصًا على أخلاقهن من التلوث بهذا الفيلم الذي هو من عجينهن وخبزهن.

ولا يزال الواقع يفرض على الرقابة أن تتعامل مع المنتَج الفني بلا إدراك تام لطبيعة علاقتها به، وبدون قياس لأبعاد مشكلته معها ثم مشكلتنا معهما التي لا يمكن التفاعل معها على اعتبارها معادلة مشاهدة لا نتيجة صناعة يصلنا منتجها النهائي ومحظور على الصغار مشاهدته، رغم أن أحدهم استعار عيوننا ليسير بها بين عوالم الفيلم.

من أجواء الفيلم

فيلم "بحب السيما" يبدأ بصوت شريف منير -راويًا بلسان الطفل نعيم بطل أحداث الفيلم-، حيث يؤكد أننا في حي شبرا بالقاهرة عام 1966، وبعدها يبدأ في استعراض مكونات بيئته: الأب (محمود حميدة) المسيحي الملتزم جدًّا، والذي يبدأ يومه بالصلاة والاستغفار، والأم (ليلى علوي) ناظرة المدرسة القلقة دائمًا، والأخت، ثم الجيران "مسيحيون" أيضا باستثناء "الجنايني".

ثم تبدأ الأحداث –قبل التيترات- بحوار بين الأب وصغيره حول حرمة السينما ومن يشاهدها أو يعمل بها، ويتطور الحوار ليصل إلى شجار بين الأب والطفل بعد تأكيد الأول أن صغيره من أهل النار!

الشخصيات المحورية في العمل والتي من خلالها ينساق المشاهد نحو "حب السيما" تتجسد في: أب متسلط بسبب خوفه من دخول النار؛ وبالتالي يحرّم كل متع الدنيا، لكنه في ذات الوقت صاحب مبادئ تدفعه لمساعدة كل من حوله والوقوف في وجه ناظر المدرسة الفاسد -لم يقل الفيلم هل هو مسلم أم مسيحي- وهو ما يعرّض الأب إلى التنكيل به في مباحث أمن الدولة بسبب وشاية تتهمه بأنه شيوعي. وأم تعاني جمود زوجها وعدم إشباعه رغباتها وميله لمساعدة أهله أكثر من التوسيع عليها وعلى أولادها، إضافة إلى دفنه موهبتها الفنية في الرسم بدعوى تحريم الفنون. وأخت للزوجة كل علاقتها بالحياة تدور في فلك الجنس وكذلك صديقاتها. وحماتان إحداهما قعيدة ومسالمة والأخرى حريصة جدًّا لدرجة أنها تكتب تاريخ نزول البيضة إلى الحفاضة التي تلفها على خاصرة دجاجاتها. وأخ للزوجة.. محب للفنون وعلى رأسها السينما ويتمنى دخول كلية الفنون الجميلة لكنه يفشل بسبب (الثانوية العامة) فيهاجر.

هذه الشخوص الرئيسية نتعرف عليها بعيني «نعيم» الصبي الصغير الذي يحب السينما على خلاف رؤية والده لها، وفي خضم الصراع بين رغبات الابن وتوجهات الأب يظهر أمام عيوننا -كمشاهدين- وبعيدًا عن عيني رفيق الرحلة مفتش الموسيقى (زكي فطين) الذي يرتدي مسوح النضال الشيوعي مؤكدًا عشقه للفن والحرية رغم بغضه للثورة -ثورة يوليو- التي نسيته معتقلاً؛ لأنه شيوعي وعندما خرج وجدها اشترت الرفاق.. فقرر الانكفاء على الأتيليه الخاص به.

نظراتنا بعيني الصبي نعيم ساهمت في جعلنا أوقاتًا كثيرة نتعرف على المفردات المشوهة التي صبهّا الفيلم في نفس الصبي الصغير ليخرجه مشوهًا يرى دائمًا العالم من بين ثقوب الأبواب، حيث لا تبدو إلا العورات! كما أكسبت نظرات نعيم الشقية الكثير من الحيوية لإيقاع العمل الذي راح يعلق كل تفاصيله الدقيقة على فضول نعيم وبالتالي لا نملك -كمشاهدين- الاعتراض على دخولنا عالم أسرة الأم بكل مفرداته (بيض الحماة- غراميات الخالة- حب الخال للفن- صفاقة صديقات الخالة في الإفصاح عن رغباتهن- وشعر الجد المدهون والمصفف بعناية).. وكذا وجدنا أنفسنا وجهًا لوجه مع سقوط النفس البشرية في هوة رغباتها -وأيضًا بعيني نعيم- داخل الكنيسة مرة وداخل منزل أسرة الزوجة أخرى.. وعلينا أن نقبل استثمار نعيم ابن السنوات الخمس لكل هذا نظير أن يذهب إلى محبوبته "السيما".

الرؤية بعيون طفل

ومن أجل عيون نعيم التي ارتديناها من ساعة دخول قاعة العرض صار لزامًا علينا أن نتحمل "اللعب مع العيال" مثلما تحمله المؤلف والمخرج وفريق عمل الفيلم.. وبناء عليه اندفعنا مع نعيم إلى الأطباء ومعامل التحاليل لنطمئن على صحته، كما ذهبنا معه إلى دورة مياه مدرسة أمه لنشاهد موقفه الرجولي مع الفتاة الصغيرة التي صحبته إلى هناك لتعرض عليه ملابسها الداخلية فيتهمها بقلة الأدب تمامًا كما حدث مع فريق الصبية الذين كانوا يلعبون بـ«الكوتشينة» المطبوع عليها صور عارية.. وهكذا راح الفيلم يلم علينا كل ما استطاع مؤلفه هاني فوزي أن يجمعه من ذكريات كل الطفولات المجرمة مضافًا إليها تجليات خياله الخصب ليتم في النهاية صناعة جو عام من السخط موجه إلى كل ناصح وإلى كل سلطة وإلى كل نظام، متبنيًا خطاب المخرج العالمي "لويس بونويل" الذي كان رائد مدرسة سينمائية شعارها "نحن لسنا إرهابيين لكننا نحارب مجتمعًا نحتقره، وسلاحنا ليس البنادق طبعًا، ولكنه التعرية.. وهي عامل قوي في عملية الاكتشاف والفضح للجرائم الاجتماعية والإمبريالية والطغيان الديني باختصار كل الدعائم السرية والكريهة للنظام الذي يجب تدميره، وبالتالي تكون غايتنا تفجير النظام الاجتماعي ككل"!

هذه الرؤية التي طرحها بونويل وسيلفادور دالي قبل أكثر من نصف قرن يحاول اليوم فريق عمل "بحب السيما" إعادة إحيائها من خلال الجمع بين كل مفردات الرؤية الخاصة بنعيم ليتحول الأب من أداة سلطة دينية في لحظة مكاشفة بعد صدمة استجواب مباحث أمن الدولة إلى شخص محب للحياة "اللذة"، وفي سبيلها يقرر الاستغناء عن كل الممنوعات حتى الطبية ليموت وهو يتلو صلواته المقدسة! بينما تفيق الأم بعد وفاة زوجها لتحل محله محرقة للصور التي كانت ترسمها وكان يحرمها.. أما الخالة فتفتح بابًا جديدًا على العائلة بطلاقها من زوجها الذي اكتشفت أنه عاطل، ولا يملك من مقومات الزوجية إلا فحولته.. كما أن نعيم قرر أن يخطب أخته لابن الجيران نظير تذكرة سينما على أن يتم تأجيل الحديث في هذا الموضوع حتى تكبر الفتاة..

وأخيرًا يموت الجد وهو يتابع مع باقي أفراد الأسرة التليفزيون فتغلقه ابنته (الزوجة ليلى علوي) لتبكي مع أمها وأختها الأب، بينما يعاود نعيم فتح التليفزيون ليضحك مع ثلاثي أضواء المسرح.. وينتهي العمل بين ضحكاته ونحيب الثلاث نساء.

"بحب السيما" جمع العديد من المفردات السينمائية التي تؤكد موهبة صانعيه فنيا، وأبرزهم المخرج أسامة فوزي والسينارست هاني فوزي.. لكنه في النهاية وضعنا أمام مطالب حثيثة بضرورة الاستغناء عن الثوابت الاجتماعية والدينية والسياسية، التي تفرض -من وجهة نظر صناع الفيلم- قيودًا على الحياة، وحتى التابوه الفني الذي تحول إلى تيمات ثابتة في الأعمال "البطل الفقير الذي يحب الفتاة الغنية والتي بدورها تحمل في أحشائها جنينًا من علاقة محرمة".. وبالتالي صرنا من خلال "بحب السيما" أمام رؤية جديدة للحياة بدون قيود، وما علينا في أحلك الظروف إلا أن نتجاهل مَن حولنا أو نعطيهم ظهورنا، ونضحك مع ثلاثي أضواء المسرح!

"بحب السيما" شريط جديد يضاف إلى العديد من العلب التي تحوي مشاهد صادمة أو جملاً مثيرة للجدل أو إسقاطات تجافي الواقع، وكانت كلها تكرس في النهاية لـ"تابوه" جديد يعطي لنفسه حق الطرح والنقد والسخرية والازدراء بدون أن يراجعه أحد وإلا تحول إلى رجعي ومتخلف وضد الإبداع وظلامي..

وبناء على هذا أعترف بأنني ظلامي لا أقبل السخرية من دور العبادة حتى، وإن كانت بها سقطات بشرية.. ومتخلف؛ لأنني ضد ظهور امرأة تستحم أو تمارس الجنس على شاشة السينما.. ورجعي لأن هناك قواعد وأعرافًا وقيمًا نبت على أرضها مجتمعنا، ويجب ألا تسقط لحساب الرؤى الفنية.. وأخيرًا "بحب السينما.. لكنني أكره سقطاتها".

إسلام أنلاين المصرية في

26.07.2004

 
 

نحن نتراجع إلي  الخلف ونظلم مبدعينا ونحرمهم من حقوقهم

«بحب السيما»

أزمة جهل وخلل في التلقي

أسامة عبد الفتاح

أزمة «بحب السيما»، تؤكد أننا لسنا فقط «محلك سر» بل نتراجع إلي الخلف، ويسقط المزيد منا أسري للفكر الرجعي المتجمد، ويفتش بعضنا في عقول المبدعين وضمائرهم وينصب نفسه وكيلا للناس، يتحدث بأسمائهم ويحدد ما يريدون وما يرفضون.

والأخطر أنه صارت في المجتمع رقابة أكثر تزمتا من رقابة الدولة، التي وافقت علي عرض الفيلم بعد استشارة كبار المثقفين المسيحيين، وتنفيذ ملاحظاتهم البسيطة التي لم تتجاوز حذف جملتين أو ثلاث من شريط الصوت دون مس شريط الصورة، كما أكد لي مخرج الفيلم أسامة فوزي.. فإذا بمن يخرج علينا مطالبا بمنع الفيلم كله، متهما إياه، بازدراء الأديان!

وقبل التزمت، تشير هذه التهمة الخطيرة إلي مشكلة أخري تتعلق بالتلقي وبالفهم إذ يبدو أن  البعض شاهد فيلما آخر غير الذي شاهدناه، فما شاهدناه يمجد الدين ويدعو إلي فهمه بالطريقة الصحيحة والوصول إلي روحه السمحة  بعيدا عن أي تطرف ويدعو أيضا إلي التطهر لكن بعد إظهار خطورة الخطيئة، وحياة الكبت التي يمكن أن تؤدي إلي الوقوع فيها.

فكل المواعظ والدروس الدينية المباشرة تعجز عن الدعوة إلي تجنب الخطيئة وإدانتها كما فعل المشهد الجميل والمؤثر للبطلة «نعمات» «ليلي علوي» وهي تتطهر من خطيئة الخيانة الزوجية في الكنيسة وتبكي بصدق وتدين نفسها بأكثر مما يمكن أن تفعل أي سلطة اجتماعية أو دينية... ومن يشاهد هذا المشهد ثم يقول إن الفيلم يزدري الأديان فلابد أن لديه خللا ما سواء في التلقي أو في النوايا.

نفس الخلل دفع البعض إلي انتقاد مخاطبة الأب «محمود حميدة»، والابن «يوسف عثمان»، لربنا بصراحة وبدون حرج رغم أن ذلك ما نفعله جميعا عند الشدائد... وهذا الموقف أكبر دليل علي أننا نتراجع إلي الخلف، فقد كنا نسمح في الماضي «رقابة ومجتمعا»، بمخاطبة ربنا ليس بصراحة فقط، ولكن بسخرية أيضا. لنتذكر مثلا فيلم «نور العيون»، عندما خاطب حسن فايق ربنا قائلا: أنا قلت لك لبن مش زبادي، عندما طلب من ربنا أن يجعل يومه «لبن»، فانقلبت عليه دراجة محملة بالزبادي!

لنتذكر أيضا فيلم «شارع الحب»، عندما خاطب عبدالسلام النابلسي ربنا قائلا: كفاية ماتبسطهاش أكتر من كده، بعد أن طلب من الباسط أن يبسطها فوقعت عليه حلة  ملوخية.

والمؤسف أن هذا الخلل في التلقي طال بعض كبار كتابنا ومثقفينا فقد كتب الكاتب الكبير والمهم محمد سلماوي مشيدا بالفيلم لكنه أخذ عليه أنه يدور في عهد عبدالناصر، قائلا: إن هذا العصر لم يعرف التطرف الديني وحتي لو كان ذلك صحيحا، فإن الفيلم ليس له علاقة من قريب أو بعيد بفكرة التطرف الديني، ولا يناقشها علي الإطلاق، والأب الذي يعتبره الأستاذ سلماوي رمزا للتطرف الديني ليس في الحقيقة سوي رمز للخوف... فهو مجرد شخص خائف من النار وعقاب ربنا، ويفعل كل ما يتصور أنه يجنبه الاحتراق  في جهنم، بل يتمني في صلاة من صلواته أمام صورة المسيح نهاية «عسل» مثل القديس الذي عاش حياته بالطول والعرض ثم نال الجنة في آخر لحظة من حياته... فأين ذلك من التطرف الديني؟

وهناك مشهد يؤكد ما تذهب إليه ويعد من مشاهد الفيلم الرئيسية حين يسير الأب تحت المطر ويخاطب ربنا قائلا: أنا مش بحبك.. أنا بخاف منك بس فهل هناك متطرف دينيا يقول أو يفعل ذلك؟

وحتي الرموز الدينية التي تظهر في الفيلم ما هي إلا رموز للتسامح والتحضر، فنحن نري الكنيسة تعمل علي توصيل رسالتها من خلال إقامة المسرحيات مثل مسرحية «يوسف» ونري قسا بشوشا يصر علي إتمام زواج العروسين «منة شلبي وإدوارد فؤاد،» رغم امتلاء وجهه بالكدمات بعد خناقة الأسرتين.

هذا الخلل في التلقي حرم الفنان محمود حميدة من أن ينال حقه بعد أن أدي ليس فقط أهم أدواره علي الإطلاق ولكن واحدا من أعظم وأصعب الأدوار في تاريخ السينما المصرية... فقد أخذ عليه البعض المبالغة في الأداء في بعض المشاهد رغم أن هذه المبالغة هي التي تشهد له بموهبته وفهمه للشخصية التي يؤديها... فحميدة لم يستخدم المبالغة سوي في المشاهد التي يبالغ فيها الأب لكي يقنع أسرته بأشياء هو نفسه غير مقتنع بها، ولكنه يضطر إلي ذلك متصورا أن هذا هو طريق النجاة من جهنم وبعد أن يكتشف خطأه ويبدأ في السعي لتعويض أسرته وإسعادها، تختفي المبالغة تماما من الأداء ويحل مكانها أسلوب آخر دافئ، وحميم والتحول مقصود تماما، سواء من حميدة أو المخرج أسامة فوزي.

وفي كل الأحوال تؤكد أزمة «بحب السيما» أننا إزاء فيلم حقيقي، يثير الجدل ويدفع إلي التأمل، ويختلف حوله المتلقون، من يراه تحفة  فنية، ومن يعتبره كارثة صادمة، وهذا بلا شك يحسب للفيلم رغم التحفظات الفنية وليس الرقابية عليه، فهو علي الأقل ليس كليب للدعارة أو وصلة للشرشحة مثل بعض الأفلام المعروضة حاليا.

معظم تحفظاتي تتعلق بسيناريو هاني فوزي، ويشارك في تحمل مسئوليتها بالطبع المخرج وعلي رأسها استخدام الراوي من أول إلي آخر لحظة... والراوي هو أضعف الحيل الدرامية علي الإطلاق، ودائما من الأفضل التعبير بالصورة في السينما وليس بما يصبه الراوي في آذاننا، وفضلا عن ذلك فإن له مشكلاته التي تضعف الفيلم وتوجد به الثغرات فمن أين الراوي الطفل بعد أن يكبر أن يعرف أدق الخصوصيات  التي نتابعها بين أمه وأبيه؟ ومن أين له أن يعرف ومن ثم يروي لنا ما جري بعيدا عن دائرته تماما مثل واقعة خيانة أمه ومثل مشكلات أبيه في العمل؟

السيناريو ضيّع أيضا أكثر من فرصة لإنهاء الفيلم نهاية قوية فبعد كل «كريشندو»  درامي في الجزء الأخير نفاجأ  بالمزيد من المشاهد التي كان يمكن الاستغناء عنها أو تقديمها، ولست مقتنعا بوجهة نظر الصديق أسامة فوزي الذي قال في لقاء تليفزيوني،:إن المشكلة في المتلقين الذين اعتادوا علي نمط محدد من البناء السينمائي، ويرفضون أي بناء آخر.. فالحقيقة أن هناك فعلا عددا من المشاهد التي كان يمكن التصرف فيها علي الأقل بالتقديم مثل مشهد وفاة الجد في النهاية، والحقيقة أيضا أن المشاهدين ينصرفون قبل نهاية الفيلم.

كما أفرط السيناريو في السخرية القاسية من كل شيء متخفيا وراء شخصية الطفل، ومستخدما وسيلته  الأثيرة في التبول علي الجميع، وقد كانت وسيلة طريفة في البداية، وتحولت إلي شيء مقزز في النهاية وأفقدت الطفل الكثير من المشاهدين معه.. إلا أنني أتفهم تماما ما  كان يقصده صناع الفيلم من وراء ذلك وهو أن الجميع يمارسون قهرهم علي الجميع، بمن فيهم الطفل، الذي يمارس قهره علي خالته «منة شلبي»، وجدته «نادية رفيق»، وغيرهما.

وبعيدا عن السيناريو، لم تكن موسيقي خالد شكري علي مستوي الدراما، وبدت نشازا في كثير من الأحيان وإن كانت بقية العناصر التقنية شديدة التفوق، والتميز، وتكفي للتغطية علي العيوب، علي رأس هذه العناصر  أسامة فوزي الذي أصبح بعد ثلاثة أفلام فقط، من أهم المخرجين المصريين بفضل دقته التقنية، واهتمامه بالتفاصيل وقدرته الكبيرة علي إدارة الممثلين وإخراج أفضل ما عندهم.

ونجح مدير التصوير الكبير طارق التلمساني في تحقيق العمق المطلوب في أضيق المساحات واستخدم الإضاءة ببراعة لإظهار الأبعاد الخفية في الشخصيات خاصة شخصية الأب وهذا التفوق التقني إلي جانب الجرأة  والجدة والأداء التمثيلي الرائع لحميدة وليلي علوي وعايدة عبدالعزيز يضع الفيلم في مصاف أهم الإبداعات السينمائية في السنوات الأخيرة بالفعل وليس في الدعاية فقط.

جريدة القاهرة في

27.07.2004

 
 

"بحب السيما" أم "بكره الكنيسة"؟

ممدوح الشيخ**

تابعت خلال الأيام الماضية ما كانت تنشره الصحف من أخبار فيلم "بحب السيما"، وردود الفعل المسيحية الغاضبة؛ فتذكرت على الفور مناقشة بيني وبين المفكر المصري المرموق الدكتور رفيق حبيب قبل حوالي عشرة أعوام، وفيها استشرف ببصيرة ثاقبة أن الرهان الذي جازفت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بالانحياز إليه في تسعينيات القرن الماضي سينقلب عليها؛ ففي إطار خوفها من "المد الإسلامي" اختارت التحالف مع بعض أشد العلمانيين المصريين تطرفا بهدف صدّ هذا المد، وكانت العلاقات الدافئة التي تربط بعضا منهم بالبابا شنودة شخصيا أمرا معروفا بل مشهورا، وكان الدكتور رفيق حبيب برؤيته الثاقبة يتوقع أن ينقلب هؤلاء على الكنيسة بمجرد أن يعتبروا أنهم نجحوا في مواجهة المد الإسلامي؛ وهو ما تشير إليه معركة "بحب السيما".

نظرة بعيون ناقد

وقد أحيط الفيلم بسيل من الكتابات المغرقة في الدروشة دفاعا عن فيلم لا يمكن الدفاع عنه إلا من منطلق تمجيد الانحطاط والاحتفاء به. ووسط هذا الهراء المنظم كانت هناك أصوات تناولته بقدر كبير من الموضوعية كالناقد عبد الجليل الشرنوبي في مقاله: "بحب السيما.. عندما يصطدم المجتمع بقداسة الفنان"، وهو يرى أن الأزمة التي أحدثها الفيلم تجسيد لحالة الفصام التي يعانيها الفنان العربي؛ إذ يطالب بحرية تناول كل مفردات المجتمع، رافضًا أن يفرض على إبداعه "تابوه" من أي نوع، لكنه يتحول إلى حالة متفردة في القداسة عندما يطالبه المجتمع بأن ينزل من برجه العاجي ليناقش ما طرحه. وهو يقسم الناس إلى متدينين وفنانين، وهو الطرح نفسه الذي سبق إليه يوسف شاهين في "المصير"، وبالتالي عليك أن تكون ضمن أحد المعسكرين.. فإما أن تكون الحياة بالنسبة لك كل شيء: إبداع، جنس، خمر، تدخين، سخرية من كل مقدس وأي قيمة، وإما أن تتحول إلى ناسك تحرّم السينما والغناء والرسم والضحك، وربما الطعام والشراب!!

والفيلم يدور بصفة أساسية حول طفل مغرم بالسينما على نحو غير مبرر، والده مسيحي أرثوذكسي متطرف، يرمز بوضوح لمسيحية العصور الوسطى، وأمه بروتستانتية محبة للحياة، ذات موهبة فنية اضطرت لدفنها تحت وطأة القيود الخانقة التي يفرضها عليها الزوج المتشدد، ولا يفوت المؤلف طبعا أن يجعل كل لوحاتها مزدوجة؛ وجهها المسموح به رسومات باهتة من الطبيعة، ووجهها المحظور أجساد عارية تشع بالحياة. والخيوط الدرامية الأخرى كلها تخدم الخيط الرئيسي، سواء في المحيط العائلي أم في محيط العمل.

أما المشاهد الجنسية التي كان يمكن تنفيذها بشكل أكثر إيحاء لتقوم بالدور نفسه في البناء الدرامي والسباب الكثير غير المبرر فحدث عنهما ولا حرج.

وهناك تشابه واضح بينه وبين فيلم "عصفور السطح" للتونسي رشيد بوغدير، والجزء الأخير منه بعد وفاة الزوج المتشدد، وتحول زوجته للتشدد يستند إلى أسطورة مصرية تحكي قصة متصوف وعاهرة، كلاهما كان ذا شهرة مدوية، وكانا متعاصرين في الإسكندرية، وتحت إلحاح تلاميذه ذهب المتصوف لهداية العاهرة، فتبادلا المواقع لتهتدي العاهرة، وينحرف المتصوف.

والبعد الرمزي في الفيلم واضح جدا تعكسه الشخصية الأسطورة للطفل نعيم المشغول بشكل مرضي بالسينما والإله، وهو أمر خارج عن نطاق المألوف، كما أن هذا التكوين لم يكن ليتناسب مطلقا مع ما طرأ عليه في النصف الثاني من الفيلم اهتمام مرضي أيضا بالجنس، رغم أنه لم يصل لمرحلة المراهقة. ولكي يضع المؤلف محددات أمام المشاهد تجعله يستقبل الفيلم كعمل رمزي يسوق على لسان الأب المتدين محاضرة طويلة عن سبب اختياره للاسم ودلالاته الدينية. أما مشهد النكسة المغرق في الرمزية فيحاول إيهام المشاهد بأن النكسة السياسية العسكرية التي مني بها عبد الناصر أصابت معه السلطة الدينية.

أما الفكرة المركزية في الفيلم التي صرح مؤلف الفيلم أنها تلخص تصوره للمفهوم الحقيقي للخلاص المسيحي، وفيها حديث عن حب الإله بدلا من الخوف منه؛ فهي إعادة إنتاج للإلحاد الربوبي، وحسب موسوعة المسيري فإن إسبينوزا -أحد آباء الإلحاد الربوبي- تعرض لقضية الدين، وأشار إليه مستخدما تعبير "الحب الفكري للإله" (باللاتينية:  amor dei intcllectualis)، وهذه هي الديانة الحقيقية، وهي ديانة عقلية عقلانية. وهذا الدين هو فلسفة إسبينوزا، وإطلاق كلمة "دين" عليه يشبه تماما إطلاق كلمة "الإله" على الطبيعة.

وهبت العاصفة

المفاجأة الأولى كانت الصراحة التي تحدث بها المؤلف عن الفيلم، مُطلِقًا عبارات من نوع: "المسيحيون دائما لا يعيشون الواقع"، "الفيلم ضد العصور الوسطى"، "الفيلم محاولة لتعرية قشرة التدين السطحي والتناقض الصارخ في حياة المتدينين"... ورغم غياب المخرج عن هذه الندوة فإن تصريحاته المراوغة عن الفيلم حضرت كنقيض لموقف المؤلف؛ ففي مقابل تصريح المخرج أسامة فوزي بأن الدعوى القضائية التي تطالب بوقف عرض الفيلم "تعتمد على رؤية منقوصة"، فالفيلم: "لا يتطرق إلى الطائفة القبطية بل يعالج حالة شخصية متزمتة (..)، أنا لم أصنع فيلما دعائيا مع الأقباط أو ضد الأقباط، إنما أتطرق إلى حالة إنسانية نستطيع أن نجد مثلها في أي ديانة، في الإسلام أو الهندوسية".

أما مشاركتي فانصبت أولا على وضع الفيلم في سياقه الصحيح كعمل "تبشيري" منفذ بوعي شديد؛ وبالتالي فالتفتيش في خلفياته ومراميه أمر مشروع، ثم أشرت إلى كشف منطق الخداع الذي يتبعه معظم العلمانيين المتطرفين في هجومهم المنظم على المقدسات الدينية، متعمدين اللجوء لمنطق مزدوج يفتقر للشفافية والمصارحة، فإذا كان رد الفعل المعادي محدودا أفصحوا عن حقيقة مراميهم. أما في مواجهة رد عنيف فيفضلون الاحتماء وراء مقولات الواقعية وادعاء العفوية، متهمين خصومهم بالتصرف وفقا لمنطق بوليسي، متجاهلين أن المنطق البوليسي رد فعل طبيعي للسلوك اللصوصي!!

وفي استخدام مكشوف للمنطق المراوغ كان رد المؤلف أن الفيلم واقعي وليس رمزيا، وأن هذه مجرد عائلة مسيحية، وليست رمزا للمسيحيين!! مؤكدا بذلك أن المنطق المراوغ سيد الموقف، غير أنه قبل نهاية الندوة كانت له مداخلة اتسمت بالصراحة الشديدة؛ إذ قال: إن "الفيلم ديني"، مؤكدا أن الكتاب المقدس هو المصدر الرئيسي لثقافته، وأن الانزعاج الشديد من الإباحية التي احتواها الفيلم يتجاهل أن الكتاب المقدس فيه الكثير مما يماثل ذلك، مشيرا إلى "سفر نشيد الإنشاد"، والقصة التي تنسب –كذبا وافتراء- لابنتَيْ النبي لوط عليه السلام أنهما ضاجعتا أباهما وأنجبتا منه، وغير ذلك من النصوص التي شغلت علماء مقارنة الأديان لقرون.

وبعد أيام عقدت إحدى الهيئات الإنجيلية ندوة خاصة لمناقشة الفيلم، تحولت إلى ساحة لصراخ عنيف فجّره انقسام حاد بين أرثوذكس رأوا أن موقف الكنسية الإنجيلية من الفيلم مغرض؛ لأنها سمحت بتصوير بعض مشاهده في إحدى كنائسها؛ وهو ما جعل أسرة الفيلم توجه الشكر لها في مقدمة الفيلم، وبدأ الاستقطاب يتحول لاستقطاب مذهبي حادّ طاشت فيه عبارات واتهامات حادة.

بين الرمزي والواقعي

وفي النهاية تظل قضية الرمزي والواقعي مربط الفرس في المعركة، وهي ما تبقى من معارك سابقة مشابهة: رواية "أولاد حارتنا"، فيلم "المصير"، رواية "وليمة لأعشاب البحر"... وغيرها، فبينما يجب التساؤل بوضوح عما إذا كان مشروعا طرح عملٍ ما معادٍ للأديان السماوية يحاول "أنسنتها" والتعامل معها بوصفها ظاهرة تاريخية أنتجتها البيئة، ولم تنزل من السماء، ينصرف المتحاورون لجدل عقيم حول مقصد المبدع بعد أن شاعت ثقافة ظاهرها يخالف باطنها على شكل مخيف.

ولا تقتصر الظاهرة على الأعمال الإبداعية؛ بل امتدت لساحة الفكر؛ فمثلا في إطار المؤتمر الأخير للجمعية الفلسفية تحدث الدكتور حسن حنفي عن تجربته كما نقلتها جريدة "أخبار الأدب" (في عدد 28 / 12 / 2003) فقال متحدثا عن الدكتور نصر حامد أبو زيد:

"قال أشياء كنت أتمنى أن أقولها، ولكن ربما استخدامي لآليات التخفي حال بين فهم ما أردت أن أقول. نحن مجموعة من الأفراد لو اصطادونا لتم تصفيتنا واحدا واحدا، ولذلك أرى أن أفضل وسيلة للمواجهة هي استخدام أسلوب حرب العصابات. اضرب واجرِ. ازرع قنابل موقوتة في أماكن متعددة تنفجر وقتما تنفجر، ليس المهم هو الوقت. المهم أن تغير الواقع والفكر. ولذلك يسمونني: المفكر الزئبقي. لا أحد يستطيع أن يمسك علي شيئا. الجماعات الإسلامية تراني ماركسيا. الشيوعيون يرون أني أصولي. الحكومة تتعامل على أنني شيوعي إخواني!".

"والزمن الذي يراهن عليه حنفي يجعله يتساءل: لماذا أنا متعجل؟ وكيف أقاوم 1000 عام من تثبيت السلطة؟ المداخل لفهم مشروع أبو زيد -كما يرى حنفي- تتمثل في فهم التأويل. فالتأويل يراه وسيلة للتحرر من سلطة النص. وأصحاب المصلحة يريدون تثبيت النص؛ لأنهم يريدون تثبيت السلطة؛ لأن تثبيت النص هو تثبيت السلطة بمفهومها العام؛ سواء أكانت سلطة الأب أو الحاكم أو حتى صدام حسين!!".

"كما اعتبر حنفي أن كثيرا من السجالات الثقافية هي صراع على السلطة؛ فلا فرق مثلا في بنية الخطاب بين العلمانيين والسلفيين في الجزائر. إنما الأمر كله صراع على السلطة!!" (انتهى النص وعلامات التعجب منقولة كما نشرتها "أخبار الأدب").

والدين كمعطى ثقافي مفهوم ربوبي لا يقول به إلا شخص يؤمن بالله، ويرفض الوحي السماوي، ويرى العقل قادرا بمفرده على إنتاج المنظومات القيمية كافة، والمنهج التخريبي الذي يصفه حسن حنفي ليس جديدا، ويبدو أنه متفق عليه؛ ففي أعقاب صدور حكم محكمة استئناف القاهرة بالتفريق بين نصر أبو زيد وزوجته كتب الراحل خليل عبد الكريم في "مجلة القاهرة" وتحت عنوان "المواجهة من الداخل" ما نصه: "طالما ناشدت الزملاء المثقفين التقدميين والطليعيين والمستنيرين الليبراليين والعلمانيين الالتفات إلى الإسلام... وبعد صدور حكم محكمة استئناف القاهرة ضد د.نصر وزوجته د.إبتهال ظهر الفقر المدقع في الثقافة الإسلامية لدى التقدميين والطليعيين والمستنيرين.. من أيدوه وهللوا له؛ ذلك أن مقالاتهم والبيانات التي طلعت بها علينا الأحزاب والهيئات والنقابات والاتحادات ومراكز حقوق الإنسان باستثناء محدود للغاية جاءت زاعقة بل صاخبة إنشائية خطابية لم ترد على الحكم ردا موضوعيا؛ بل تكلمت عن الأمور الحافة أو المحيطة، مثل الظلامية والعودة للقرون الوسطى ومحاكم التفتيش... إلخ. وكان ذلك متوقعا بل طبيعيا؛ لأن ثقافة هؤلاء الجهابذة الإسلامية ممحوة، ولكنهم بذلك -وهو الأهم- قدموا على طبق من ذهب إبريزا خالصا لخصومهم دليل الثبوت على صحة ما يقال عن اتهامهم إياهم بالنفور من الإسلام، بل عدائهم إياه وكل ما يمت إليه بأدنى صلة".

ويحدد خليل عبد الكريم الأسلوب الأفضل لخوض معركة التنوير، قائلا: "إن معركة الاستنارة طويلة وممضة، وتحتاج إلى نفس طويل وصبر جميل، وستكون سجالا -أي هزائم وانتصارات-، وأهم أسلحتها الإيمان بالقضية التي يناضل من أجلها وعدم اليأس مهما حدث؛ لأن الخصم شرس وعنيد وإمكانياته بالغة الضخامة، وإن رأينا أن نشهر في وجهه السلاح ذاته الذي يدعي أنه يمسك به وهو الثقافة الإسلامية" (مجلة القاهرة - عدد خاص - يوليو 1995).

وهو لا يخجل من الاعتراف بأن اتهام هذا "التنظيم السري" بالنفور من الإسلام ومعاداتهم كل ما يمت له بصلة اتهام صحيح، وأن الحل نقل المعركة إلى داخل الثقافة الإسلامية.

وقد جمعتني به الصدفة قبل سنوات في مكتب حسن حنفي بكلية الآداب جامعة القاهرة، كنت قد توجهت إلى حسن حنفي لإجراء حوار معه (نشرته فيما بعد جريدة المستقلة اللندنية)، وبعد إجراء الحوار دعاني حسن حنفي لحضور لقاء فكري محدود في مكتبه لمناقشة كتاب أصدره الراحل خليل عبد الكريم عن قضية نصر أبو زيد. وقد دخلت في حوار مع خليل عبد الكريم الذي قال: إننا لا نستطيع أن نبشر بما نريد من خلال روسو أو مونتسيكيو وإلا حوصرنا؛ فيجب أن نبشر به من داخل منظومة الثقافة الإسلامية، وعندما سألته عن حق الناس في الاختيار سياسيا قال: ينبغي تربية الناس تنويريا أولا قبل منحهم حق الاختيار!! والترجمة الصريحة لهذا الكلام الزئبقي هو أن الوصاية إما أن تكون دينية أو علمانية، لكنها في كل الأحوال موجودة، وليس للناس أن يختاروا إلا ضمن بدائل!!

إن المصارحة شرط موضوعي لبناء علاقة صحيحة، والمنطق الزئبقي في السينما والفكر على السواء هو المشكلة الأخطر وليس غضب متدينين متطرفين أو اللجوء للتقاضي في مواجهة أعمال إبداعية؛ فالفيلم عمل تبشيري بدين وضعي هو الربوبية، وهو لا يعادي الكنسية فحسب؛ بل يعادي فكرة الدين السماوي. وما دام القانون يسمح باللجوء للتقاضي فلا مبرر للغمز واللمز بحق من يستخدمون هذه الوسيلة؛ لأن هذا نوع من التفتيش في الضمائر، وإلا فإن ازدهار الثقافة "الزئبقية" سيؤدي حتما لازدهار مقابل للثقافة البوليسية.

إسلام أنلاين في

28.07.2004

 
 

محمود حميدة:

بحب السيما أصاب الناس بصدمة

القاهرة - جميل حسن:

يتهمه البعض بالغرور، وآخرون يرونه موهوبا وواثقا بنفسه، يقرأ كثيرا ويتحدث قليلا، وضعه الجمهور في مقارنة مع الفنان رشدي أباظة، فلم تسعده المقارنة رغم الشرف الذي ناله بوضع اسمه بجانب اسم فنان كبير· بدأ محمود حميدة مشواره الفني من خلال التليفزيون ثم انصرف عنه بلا رجعة بسبب عقدة نفسية لازمته منذ الصغر، ويعترف حميدة بأنه كان يكره المخرج يوسف شاهين، ثم أحبه عندما عمل معه، ودافع عن جيل الشباب من نجوم السينما، لكنه لم يبخس حق النجوم السابقين، وأبدى إعجابه بفيلم ''جنة الشياطين'' لكنه أكد أنه لم يحقق إيرادات من شباك التذاكر، ودافع عن فيلم ''بحب السيما'' واعتبره أهم فيلم في تاريخ السينما المصرية!

·         يقولون إن محمود حميدة هبط على السينما بالباراشوت وأصبح نجما بين يوم وليلة؟

- لم أكن دخيلا على الساحة الفنية، لأن حبي للتمثيل بدأ منذ الطفولة، كنت أعيش في الريف وتنقلت مع والدي الذي كان يعمل مدرسا بين محافظات مصر وفي كل مكان أقمنا فيه كنت أشيد مسارح وأقدم مسرحيات مع أصدقائي وأجبر أهلي على مشاهدتها، ثم قدمت أعمالا على المسرح المدرسي وعندما التحقت بكلية الهندسة فشلت لأن اهتمامي إنصب على المسرح ثم تحولت الى الدراسة بكلية التجارة وبدلا من ان أقضي اربع سنوات في المرحلة الجامعية قضيت أحد عشر عاما اعتبرتها فترة دراسة مهمة للمسرح من خلال الجلوس المستمر مع زملائي من طلاب معهد الفنون المسرحية لدرجة أنني قرأت كل ما يدرسونه في المعهد وركزت على كتاب إعداد الممثل وقرأته وشعرت بأنني أعددت نفسي جيدا للوقوف أمام الكاميرا·

·         هذا يعني أنك علمت نفسك بنفسك؟

- نعم، وهذا صعب، وازعم أنني توصلت الى منهج خاص بي في التمثيل وبدأت أقف مع أصدقائي على خشبة المسرح لنقدم العديد من العروض المسرحية الخاصة بالهواه وكان يشاهدنا جمهور غفير·

·         متى بدأت مرحلة الاحتراف؟

- بينما كنا نقدم هذه العروض المسرحية·· شاهدني المخرج أحمد خضر الذي رشحني للعمل في مسلسل كان يصوره، ثم شاركت في أربعة مسلسلات أخرى بأدوار ربما كانت صغيرة لكنها مهمة·

·         ومتى كان اتجاهك للسينما؟

- دخلت مجال السينما متأخرا، عمري كان 37 عاما، عندما شاهدني مخرجو السينما من خلال التليفزيون ورصيدي الآن أصبح 50 فيلما قدمتها خلال الأربعة عشر عاما الماضية لأن عمري حاليا 51 عاما·

·         رغم أن بدايتك تليفزيونية·· الا انك ابتعدت عن التليفزيون نهائيا بعد أعمالك الخمسة الأولى؟

- لأنني أعاني عقدة نفسية تجاه التليفزيون، وعندما كنت طفلا·· اشترى جارنا التليفزيون فكان سكان العمارة يذهبون إليه ليشاهدوا هذا الصندوق الغريب، وكنت أرفض الجلوس معهم، وعندما اشترى والدي التليفزيون بعدها بشهر·· كان سكان العمارة يأتون ليشاهدوه، وكنت أجلس في غرفة بعيدة وأندهش من التفافهم حوله، أما سبب العقدة فهو أن هذا الجهاز الخطير بمثابة الديكتاتور، لأنه يجعل من مقدم البرنامج أي برنامج حاكما، والجمهور هو المحكوم، ولا يعطي الفرصة للمحكوم بأن يبدي رأيه، أنهم يعرضون سلعتهم على الشاشة ولا نملك نحن حق الرفض·

غرور

·         قيل أنك مغرور وتتعالى على التليفزيون؟

- لا أتعالى على هذا الجهاز الخطير، ولا أنكر أيضا ''نعرة'' بعض نجوم السينما الذين يتعالون على التليفزيون، أما ابتعادي عنه فسببه تلك العقدة التي لا تتيح الفرصة للمشاهد لأن يرفض ما يعرض عليه، وأنا أرفض الديكتاتورية وفرض الآراء بالقوة وأعتقد أن هذا التبرير مقبول خاصة أنني لا أشاهد التليفزيون منذ طفولتي·

·         كنت غزير الإنتاج في بداية مشوارك ثم تراجع كم أفلامك؟

- قدمت في السنوات الثلاث الأولى من مشواري الفني 28 فيلما، وبذلت مجهودا كبيرا خاصة أنني لا أجيد تصوير عملين في وقت واحد، لذلك لم أحصل على راحة طوال تلك الفترة، وكان المخزون بداخلي كبيرا ويؤهلني لتقديم هذا الكم من الأفلام·

·         لماذا تراجع عدد أفلامك؟

- بعد أن قدمت 28 فيلما في ثلاث سنوات·· قدمت خمسة أفلام في عامين وهذا قليل لكنه طبيعي، لأنني كنت استنفدت المخزون الذي ادخرته، حتى أنني اتجهت الى فكرة تقديم فيلم واحد كل عام ثم فيلم كل عامين ولم استجب لكل العروض التي أتلقاها من مخرجين أو منتجين لأنني لا أستطيع تقديم شخصية لمجرد أن أحدا طلب مني تقديمها، فلابد أن يكون لدي المخزون الذي يسعفني في تقديم الشخصية، وأنا معروف بأنني لا أجامل أحدا على حساب ما أقدمه من فن·

·         هل حدث تحول في حياتك؟

- دخلت مجال السينما في سن السابعة والثلاثين، وبعد سن الأربعين لابد أن يحدث هذا التحول الفكري، لقد شعرت أنني لم أعد قادرا على الإبداع فجلست اقرأ وأدرس حتى أجد مخزونا جديدا يؤهلني للوقوف أمام الكاميرا مرة أخرى، فالشاعر والكاتب الروائي وكاتب القصة يقرأ ويعتمد على مخزونه الابداعي، ولابد لي كممثل من أن اقرأ وأشاهد أعمال الآخرين حتى أكون نفس المخزون لأنني أبدع من خلال عملي كممثل·

·         البعض شبهك بالفنان رشدي أباظة عندما ظهرت·· هل أسعدك هذا؟

- الجمهور يحلو له تشبيه فنان جديد بفنان قديم أحبه، وعندما سمعت هذا التشبيه قلت إنه يشرفني لكنه لا يسعدني، لأنني أريد أن أكون محمود حميدة، فلو كنت نسخة من الفنان رشدي أباظة فلن يقبلني الجمهور لأنه صاحب مشوار طويل وله بصمة وحتى أكون صاحب بصمة لابد أن أقدم نفسي كممثل بأسلوب مختلف·

·         كيف استطعت أن تفلت من سجن النمطية في الأدوار؟

- أندهش من الفنان الذي يقول وضعني المخرجون في سجن شخصية ما، فالفنان يجب الا يستسلم لاختيارات المخرجين، وأنا حتى لو قدمت شخصية الطبيب عشرات المرات،، ففي كل مرة لابد ان أقدمها بشكل مختلف، والفنان الذي يقدم الشخصية الواحدة بنفس الأسلوب هو فنان نمطي ويجب الا نعترف به كممثل، وأنا لست نمطيا·

·         كيف ترى سينما الشباب التي حققت نجاحا جماهيريا؟

- حتى تقول سينما·· فلابد ان تكون هناك صناعة ونحن لدينا أفلام قريبة من الجودة ونجوم هذه الأفلام أحبهم الجمهور الذي اعتبره سيد الموقف، ولا تعليق على رأيه وأنا أو غيري لا نستطيع أن ننكر الجهد الذي بذله النجوم الشباب والحب الذي شملهم به الجمهور، وهذا لا يعني ان الشباب أعلى قيمة من النجوم الذين سبقوهم، ولا يعني ان محمد هنيدي أعلى قيمة من عادل إمام، لأن شباك التذاكر هو الفيصل، والفيلم الذي يحقق إيرادات هو الذي أحبه الجمهور صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في العمل الفني·

جنة الشياطين

·         لكن البعض يقارن بين سينما الشباب وسينما كبار النجوم وينصفون الشباب؟

- شباك التذاكر هو الفيصل، وأفلام عادل أمام مثلا ناجحه جماهيريا بدليل أن شباك التذاكر لا يتوقف عن صرف التذاكر للجمهور، كما أنني ضد المقارنة بين هذا وذاك، لأن الجميع أمام الجمهور وهو الذي يختار الفيلم الذي يشاهده، ونجاح جيل لا يعني فشل الجيل السابق عليه·

·         لكنك قلت من قبل·· لا تصدقوا شباك التذاكر؟

- لم أقل ذلك، بل استند الى شباك التذاكر عندما أتطرق للحديث عن نجاح أي عمل فني، لكني اعترض أحيانا على مغالاة البعض الذين يتحدثون عن إيرادات وهمية لم يحققها الشباك·

·         رغم حصوله على العديد من الجوائز·· الا ان فيلمك ''جنة الشياطين'' لم يحقق النجاح الجماهيري المطلوب؟

- هذا صحيح، لأن الفيلم من نوعية الأفلام التي تنتجها هوليود والتي توضع تحت مسمى ''أفلام عالية التقنية'' ونسبة هذه الأفلام 2 في المئة من مجموع ما تقدمه السينما في العالم كل عام، وعندما شرعت في إنتاج هذا الفيلم لم أكن اعلم أني سأخسر، حتى أنني أنشأت شركة توزيع من اجله ثم فوجئت بخسارة كبيرة لكني سعيد بالتجربة لأنها فريدة واستفدت منها الكثير رغم ان الفيلم لم يحقق إيرادات من شباك التذاكر·

·         هل أسست شركة إنتاج من أجل أفلامك أم من أجل الآخرين؟

- اسستها من أجلي ومن أجل الآخرين، كنت في البداية أرفض خوض تجربة الإنتاج وكنت أقول إنني احترم التخصص، لكني بعد سنوات وعندما شاهدت أسماء لفنانين كبار في هوليود ينتجون· أدركت ان الإنتاج تجربة مهمة وعلى النجوم سواء كانوا كتاب أو ممثلين أو مخرجين خوضها، وشركتي موجودة لأي فنان سواء كان يقدم الكوميديا أو التراجيديا أو الاكشن، والمهم ان يتوفر في العمل الذي أنتجه الجودة·

·         لماذا تأخر ظهورك في بطولات مطلقة؟

- حصلت على البطولة المطلقة في ثاني أفلامي، ثم رفضتها من تلقاء نفسي لأنني كنت أقرأ الخريطة السينمائية بتأن، ومن يقرأ تاريخ السينما يجد ان هناك فترة تعتمد فيها السينما على البطل المطلق، ثم تأتي فترة أخرى تعتمد فيها على البطولة الجماعية، والفترة التي ظهرت فيها كانت السينما تعتمد على البطل المطلق وكنت ألمس التحول الذي يعتري الساحة بعد سنوات قليلة فرحبت بالبطولة الثانية، والدليل على صدق رؤيتي ان مجموعة محمد هنيدي وعلاء ولي الدين وأشرف عبد الباقي وأحمد آدم·· كانوا يظهرون سويا في عمل واحد، ثم انقسمت المجموعة ليظهر كل اثنين في عمل، ثم تحمل كل منهم بطولة فيلم بمفرده، وها هي السينما تعود في الفترة الحالية الى البطولات الجماعية، كما أنني مؤمن بأن الفيلم يجب الا يتحمل بطولته فنان واحد، لأن السينما صناعة تقوم على عمل المجموعة وليس الفرد·

·         كنت بديلا لأكثر من فنان في أكثر من عمل·· ألا يزعجك هذا؟

- مطلقا، لأن العمل سوف يظهر سواء بي أو بغيري، ومثلما كنت بديلا لفنان فهناك فنانون كانوا بدلاء لي، نحن في سوق، ويتم استخدامنا بشكل أو بآخر، المهم ان يقدم صاحب المنتج سلعته للمستهلك·

الإمبراطور

·         قلت من قبل أنك السبب في نجاح الأفلام التي عملت فيها مع أحمد زكي؟

- لم أقل ذلك مطلقا لأن الجمهور شاهدني في السينما من خلال أحمد زكي، لأنه قدمني في فيلم ''الإمبراطور'' والجمهور الذي ذهب ليشاهد الفيلم·· ذهب ليشاهد أحمد زكي لأنه لم يكن يعرفني، ثم خرج من دار العرض وهو يعرفني، ولابد ان نعطي كل ذي حق حقه·

·         كيف ترى عملك مع المخرج يوسف شاهين؟

- لم أكن أحب أفلام يوسف شاهين، وقلت له ذلك في أول لقاء جمعني به عندما طلبني للعمل معه في فيلم ''المهاجر'' وكان رد يوسف عليَّ هو انه لا يحب التعامل مع الجهلاء الذين يعتقدون أنهم نجوم لكنهم ''حمير'' وعندما عملت معه أحببته فهو مخرج صاحب خبرة كبيرة يستفيد منها كل من يعمل معه·

·         هل يطيب لك تقديم سيرة يوسف شاهين الذاتية في أفلامه؟

- لابد من تصحيح خطأ وقع فيه النقاد والجمهور، يوسف شاهين لم يقدم سيرته الذاتية في أفلامه، هو يعيد تقديم مشاهد مضى عليها سنوات وهذه المشاهد عاشها مع والديه أو مع أساتذته، انه يعيد إنتاج أشياء قديمة بشكل يتناسب والعصر الحالي·

·         وماذا عن دورك في فيلم ''إسكندرية - نيويورك''؟

- أجسد شخصية مخرج في سن الخامسة والأربعين تعلم في نيويورك ثم عاد ليعمل في بلده مصر·

·         هل تختار المخرج الذي تعمل معه؟

- الفنان الذي يختار المخرج الذي يعمل معه لا يقدم الا أفلاما رديئة، فالمخرج هو الذي يختار الفنان لأنه الوحيد القادر على تحريكه، فالممثل لا يحرك المخرج، لكن المخرج يحرك كل فريق التمثيل، وأعرف بعض النماذج لفنانين يختارون مخرجيهم وتكون النتيجة أفلاما رديئة·

·         هل تتدخل في العملية الإخراجية ولو بالرأي الاستشاري؟

- الممثل رهن المخرج، وعندما تدور الكاميرا يترك الفنان نفسه لقائد العمل وهو المخرج لأن دوري كممثل هو صناعة الشخصية وتقديمها للمخرج ليصورها بالشكل الذي يراه مناسبا حتى لو كان المخرج لا يعرف شيئا فهذه ليست مسؤولية الممثل·

·         تعترض دائما على مصطلح ''سينما المقاولات'' رغم اعترافك بأن أفلاما ضعيفة موجودة في الساحة؟

- البعض ربط بين المقاولات والأفلام الضعيفة، وعلينا ان نعلم ان أي فيلم قوي أو ضعيف هو ''مقاوله'' فالمخرج يذهب الى المنتج ويقدم له السيناريو ويطلب منه ميزانية معينة وتلك مقاولة، أي ان المخرج يقاول المنتج على الفيلم، ثم يذهب المخرج الى النجم ليقاوله، ويستوي في ذلك مخرج الأفلام الضعيفة أو القوية·

·         ألم تقدم أفلاما ضعيفة؟

- قدمت أفلاما ضعيفة ولست نادما عليها، لأنني لست السبب في ظهورها بهذا الشكل الضعيف، فالمسؤولية على المخرج والممثل يقدم الشخصية جاهزة للمخرج والأخير يطوعها بالشكل الذي يتناسب مع العمل الفني·

·         البعض انتقد فيلم ''بحب السيما'' بماذا ترد؟

- فيلم ''بحب السيما'' أهم فيلم قدمته طوال مشواري الفني، كما انه اهم فيلم قدمته السينما المصرية على مر تاريخها، لأنه أول فيلم يستعرض حياة اسرة مسيحية بهذا الشكل، والانتقادات التي وجهها البعض للفيلم سببها حالة الصدمة التي احدثها ''بحب السيما'' أما الجمهور فلم يتوقع مشاهدة عمل بهذه الجرأة·

·         وأين أنت من المسرح؟

- حبي للفن ارتبط بالمسرح، لكني ابتعدت عنه لانني لم أجد المنتج الذي ينفق بسخاء على نص مسرحي، وأتمنى الوقوف على خشبة المسرح من خلال عمل قوي ومنتج س

الإتحاد الإماراتية في

31.07.2004

 
 

بعد التزمت والتشنجات

ماذا خسر الأقباط في معركة «بحب السيما»؟

سامح فوزي

* الغضب المقدس الذي فجره الأقباط أعطي ـ دون قصد ـ الشرعية للأصولية الإسلامية * ردود الفعل العنيفة تؤكد أن القضية سياسية تتعلق بهواجس الأقباط علي صورتهم أكثر من كونها فنية  

قبل أن تمضي معركة فيلم "بحب السيما" أسوة بمعارك أخري مشابهة يجب أن نستعرض ما حدث فيها بشيء من التمعن والتحليل. ربما لا يوجد الكثير الذي يمكن إضافته بشأن الفيلم الذي أشبع تحليلا ونقدا. ولكن ما يجب تناوله الآن هو تداعيات هذه المعركة التي أظن أنها علي المدي البعيد لن تكون في صالح الأقباط.

انتفاضة الأقباط

فجأة ـ وبدون مقدمات ـ وجد المجتمع أن هناك وجها غير مألوف للأقباط ظهر في ردود الأفعال الانتفاضية  تجاه فيلم "بحب السيما". وجها غاضبا يميز قسماته بعض التشنجات. ذهب البعض  للقضاء طالبين المصادرة. علا صوت الضجيج، وتحول المشهد إلي ما يشبه معركة مصغرة بين الأقباط والفن. وكان طبيعيا أن يستشعر بعض المثقفين الخطر، وكثير منهم قريب من الملف القبطي المتخم بالمشكلات مثل السيد ياسين وصلاح عيسي ونبيل عبد الفتاح وآخرون. وسبق أن وقفوا  في نفس الخندق مع الأقباط المطالبين بالمواطنة الكاملة. شعروا أن هناك "تزمتا قبطيا" تحت ركام الأحداث مسكوتا عنه، لم يسفر عن وجهه  من قبل علي هذا النحو الغاضب. وبينما ظلوا لسنوات يحاربون الأصولية الإسلامية، وجدوا أنفسهم للمرة الأولي إزاء ما يشبه أصولية كانت غائبة عن المشهد السياسي. أصولية تحركها مشاعر الغضب الذي وصفه أصحابه بالمقدس، وقد يكون كذلك. ولكن المشكلة الأساسية أن وسائل التنفيس عن هذا الغضب لم تختلف كثيرا عن الوسائل التي يتبعها الأصوليون الإسلاميون في التعبير عن مشاعر مماثلة.  اللجوء إلي سلاح المصادرة، ورفع شعارات عقائدية، وتحريك لمشاعر شعبية غاضبة ظهرت في صيحات أطلقها بضع عشرات من الشباب في ساحة الكاتدرائية في تكرار كربوني لرد الفعل الشعبي الغاضب تجاه حادثة جريدة النبأ. هكذا وجد المثقفون تلاقيا بين الأصولية الإسلامية والتزمت القبطي دون أن يكون لهما أهداف مشتركة. الأصولية الإسلامية تريد مجتمعا إسلاميا خالصا.. غارقا في التشدد وأسيرا للقراءات غير الرحبة  للنصوص الدينية. أما التزمت القبطي فإنه  يريد حضورا مجتمعيا ملائكيا نقيا صمغيا احتفائيا بالأقباط. الأصولية الإسلامية  تصارع من أجل أسلمة المجتمع، أما التزمت القبطي فيسعي  فقط من أجل أن تظل له صورة نقية طوباوية في المجتمع. الظاهر إذن أن هناك تلاقيا في المصالح علي الجانبين، ولكني أتصور أن هناك حتما اختلافا في المنطلقات. وهو الأمر الذي ضاع وسط موجات الصياح والتشنج العالية.

أجندة سياسية

الخطأ الذي وقع فيه الأقباط دون أن يدروا  ودون أن يقصدوا بالتأكيد  هو إعطاء شرعية للأصولية الإسلامية في سعيها إلي فرض تصورها علي المجتمع المصري، من خلال استخدام نفس منطلقاتها وأدواتها. وبهذا عبر الأقباط عن غضب عفوي يتسم بقصر النظر  ولا يحمل أجندة سياسية،  ومنحوا من خلاله صكا للأصولية الإسلامية التي تحمل بالتأكيد أجندة سياسية.  المعركة الأساسية للأصولية الإسلامية -كما يتضح من خطابها ومواقفها ـ في السنوات الأخيرة هي ضرب مراكز الإبداع في المجتمع لصالح إنتاجها أحادي النظرة للحياة والإبداع، وخلق صورة نمطية لمجتمع مثالي شكلي في المخيلة فقط. صب تصرف بعض الأقباط في مجري هذه الأصولية، وبالتالي لم يكن مستغربا أن يرفع بعض المنتمين للإسلام السياسي عقيرتهم ضد الفيلم، ليس من باب الغيرة علي ما اعتبره البعض انتهاكا للمقدسات المسيحية في هذا العمل الدرامي، ولكن من باب سحب الأقباط علي أرضيتهم. وأتصور أن مجريات الأمور قادت إلي هذه النتيجة. وهكذا خرجت الأصولية الإٍسلامية من المعركة كاسبة، وكان الخاسرون الرئيسيون هم الأقباط أولا وأخيرا. يضاف إليهم المبدعون الذين قد يؤثرون السلامة في المستقبل من باب سد الذرائع ويبتعدون عن تقديم الشخصية القبطية. وهو ما يصب مباشرة في مصالح الأصولية الإسلامية.

مواجهة العلمانية

ويؤكد ذلك ما انتهت إليه بعض التصريحات والأحاديث الإعلامية الصادرة عن أقباط  والتي اعتبرت أن علي المسيحيين والمسلمين مواجهة العلمانية. أطلقوا هذه التصريحات وهم لا يدرون أن حل مشكلات المواطنة، وحصول كل المصريين علي حقوق المواطنة الكاملة، بما فيهم الأقباط لن يتأتي إلا باستكمال بناء مجتمع علماني مدني، تكون فيه الدولة محايدة تجاه أصحاب الأديان المختلفة. العلمانية الحقيقية تعني الفصل الكامل بين الدين والدولة. وهي الصيغة المثلي الملائمة للحالة المصرية التي تشهد تعددية دينية وسياسية وثقافية. والدين المسيحي ذاته يقوم علي مبدأ الفصل بين الدين والدولة.  والقبول بعكس ذلك يعني التسليم بقيام دولة دينية إسلامية يتحول فيها الآخر الديني إلي مواطن من الدرجة الثانية أو بعبارة أدق إلي "ذمي" في صيغ جديدة معاصرة. وتنحية الدين عن الدولة لا يعني استبعاده من بنية المجتمع. سيظل هناك مجتمع مؤمن، يشغل الدين ضميره الحي النابض. وتحتل المؤسسة الدينية دورها الصحيح في الحفاظ علي القيم الروحية والإنسانية. إنها ليست دعوة للإلحاد- كما يصورها الأصوليون- لكنها دعوة في الأساس إلي رد الاعتبار للتدين الصحيح النقي بعيدا عن التلوث بمناورات السياسة والسلطة. وقد اكتشف المثقفون المسلمون المستنيرون هذا الأمر. ويكاد يتبني الأستاذ جمال البنا نفس الخطاب من خلال سعيه الدائم إلي التأكيد علي حتمية فصل الدين عن السلطة، حتي لا يصبح الدين أداة للشرعية السياسية، وتبرير السياسيات علي حسب الجوهر والمضمون الإنساني والروحي، جوهر الدين.

الأصولية الإسلامية

الأصولية الإسلامية تسعي إلي بناء دولة دينية. ولها أساليب في تحقيق ذلك أهمها محاصرة الإبداع. ولم يكن مستغربا أن يكون مطلب الرقابة علي السينما أحد البنود الواردة في مبادرة الإصلاح التي طرحها الإخوان المسلمون منذ بضعة أشهر. بالتأكيد هناك مشاهد في الفيلم - كنت أتمني عدم وجودها- ورغم ذلك كنت أتمني أيضا أن يكون نقد العمل الفني- علي أرضية مدنية أسوة بأي عمل درامي-  من خلال مبدعين ونقاد في حوار يستخدم أدوات النقد السينمائي المتعارف عليها  في مناخ من الحرية التي نتمناها لا يسوده تشنج أو عصبية دينية، ولا يلجأ أحد إلي خطاب ديني في نقد العمل الفني حتي لا يقع في فخ استخدام نفس الخطاب والآليات التي تلجأ إليها الأصولية الإسلامية.  أي أن يكون نقد الفن في مصلحة الفن وليس ضده.

هذا الفيلم ـ رغم ما قد يرد عليه من انتقادات لها وجاهتها ـ يعبر عن بداية عودة الشخصية القبطية التي غابت عن الفن لسنوات في الوقت الذي سعت فيه الأصولية الإسلامية إلي تغييبها عن الواقع سواء باستخدام آليات العنف المادي أو العنف الطائفي النصوصي. ولم يكن ليصادف رد الفعل الانتفاضي لولا مناخ التشدد الذي تشهده الحالة المصرية. في مناخ مختلف شهدته مصر في الستينيات حتي منتصف السبعينيات عرض فيلم آخر مشابه هو "الراهبة"، ولم يصادف اعتراضا وتشنجا علي هذا النحو إلا عندما أطلت الأصولية الإسلامية بقوة علي المشهد المصري، وما ارتفق بها من انغلاق قبطي في محاولة للدفاع عن الذات المهددة.

القضية إذن ـ كما سبق أن ذكرت ـ سياسية تتعلق بهواجس الأقباط علي صورتهم أكثر من كونها فنية. الانتباه لهذا الأمر كان ضرورة حتي يدار المشهد بهدوء ورصانة. ولكن الصوت العالي والتشنج كانت لهما الغلبة. وخرج الأقباط خاسرين. وخرجت الأصولية الإسلامية وحدها منتصرة في معركة جاءت لها علي طبق من ذهب.

جريدة القاهرة في

03.08.2004

 
 

بعد حكم المحكمة بعدم اختصاصها.. مخرج فيلم «بحب السيما»:

فيلمي بسيط للغاية لا يمس الدين في شيء

القاهرة/ عبداللطيف خاطر

وأخيراً انتصرت السينما الجريئة في معركتها التي دامت عامين ضد مقص الرقيب وبدأ عرض فيلم »بحب السيما« وبالرغم أيضا من محاولات منعه وحكم المحكمة الاسبوع الماضي بعدم اختصاصها بمنع الفيلم والذي لازال يثار حوله علامات استفهام كونه فيلما روائيا عن حياة أسرة مصرية قبطية.

وملخص القول ان الجدل انتهى حول فيلم »بحب السيما« بعرضه. وبعيدا عن المخزونات الثلاثة يطرح الفيلم من جديد قضية ظهور الاقباط على الشاشة بعد ان كانوا يشكون من عدم الظهور أو الظهور الهامشي، ومن طريقة معالجة مشاكل الاقباط المسيحيين على الشاشة.

والغريب أن الحساسية كانت قد بلغت حد الاحتجاج رغم أن كاتبه ومخرجه ومنتجه مسيحيون وهو يعالج قضية مسيحية لها وجاهتها في الأوساط القبطية، والاغرب أن البعض طالب بعرضه على الكنيسة وبعض كبار رجال الدين المسيحيين لئلا يثير الحساسيات.

يتناول الفيلم حياة أسرة مسيحية يحب طفلها السينما لكن تزمت الأب والأم يحول دون أن يذهب هذا الطفل حتى الى السينما لمشاهدة الافلام التي يحبها! الفيلم عرض فعلا في 35 نسخة بعد حذف جملة واحدة من الحوار على لسان ليلى علوي تقول فيها »يلعن أبو البلد« مع تخفيف مشهد المشاجرة في الكنيسة، وكذا شتيمة الكنيسة على لسان ليلى علوي أيضا. كان الفيلم قد شهد جدلا واسعا في الاوساط الفنية، بسبب موضوعه الذي لم تتطرق إليه السينما من قبل، وكان قد بدأ تصويره قبل ثلاث سنوات وتعطل استكماله عامين لمشاكل انتاجية، ولكن المشاكل الاخطر حدثت عندما عرض على مهرجان القاهرة قبل عامين للاشتراك في المسابقة، لكن ادارة المهرجان تخوفت من موضوعه.

منذ تلك اللحظة احيط الفيلم بمقولة تؤكد أنه اذا تم عرضه فسوف يثير بلبلة في الاوساط المسيحية ولدى الكنيسة، ومن هنا فقد عادت الرقابة ـ التي كانت اجازت السيناريو سنة 1996 بواسطة لجنة خاصة ـ الى مراقبة الفيلم بعد تصويره، وبرغم وجود رقيبة خلال تصوير كل مشاهد الفيلم، ووقعت على كل علبة تصوير بأنها مطابقة لما ورد في السيناريو الذي اعتمدته الرقابة!

شاهدت لجنة رقابية الفيلم واعترضت عليه رقيبة مسيحية وانصرفت دون أن تستكمله مما اثار مخاوف الرقابة من غضب مسيحي على هذا الفيلم، فقرر د.مدكور ثابت مدير الرقابة تشكيل لجنة عليا من مثقفين وسينمائيين ونقاد لمشاهدة الفيلم لابداء الرأي فيه. وتطور الأمر باقتراح عرضه على الكنيسة للبت فيه، ولكن قوبل برد فعل قوي رافض من فريق الفيلم الى ان شكلت لجنة عليا يرأسها أمين عام المجلس الأعلى للثقافة د.جابر عصفور أقرت الفيلم!

مدير الرقابة »د.مدكور ثابت« يقول: ليس صحيحا أننا كنا سنستعين بالكنيسة، ولكنه مجرد اقتراح من أحد أعضاء لجنة الرقابة، ولم نعر هذا الاقتراح اهتماما.

·         لكن المخرج كتب شكرا خاصا للكنيسة في مقدمة الفيلم فهل يعني هذا أن الكنيسة اطلعت على السيناريو قبل التصوير؟

لم يحدث هذا والشكر كان يتعلق بسماح إحدى الكنائس بتصوير بعض مشاهد الفيلم بداخلها. وربما يعود السبب في الضجة التي حدثت الى تخوف بعض الرقباء من مشاهد قد تثير غضب قطاع من المسيحيين في الفيلم.

المؤرخ الدكتور يونان لبيب رزق شاهد الفيلم وكان ضمن 13 شخصا حضروا الجلسة الاخيرة التي عقدت بالمجلس الأعلى للثقافة لتقرير مصير الفيلم ووافقت على عرضه. منهم د.جابر عصفور ود.مدكور ثابت ود.اسامة الغزالي حرب، ود.هدى بدران ود.نبيل لوقا بباوي، وانضم الى الجلسة كل من المخرج اسامة فوزي والمؤلف هاني فوزي واسعاد يونس، ودارت المناقشات حتى استقر رأي النخبة على عرض الفيلم مع بعض التعديلات الطفيفة لكن البنية الاساسية للفيلم بقيت كما هي.

ويضيف: »والأهم في هذا الأمر أن اللجنة كانت عند موقف محدد وهي تعتبر أن المساس بهذا العمل تحت وطأة الخوف من ردود الأفعال تعتبره أمرا مرفوضا على الاطلاق. وايضا اللجنة رفضت ان يكون لرجال الدين رأي في تقرير مصير الفيلم، وفي رأي البعض أن الاحكام التي يصدرها رجال الدين من منطلق الحرام والحلال، تختلف عن الاحكام التي يصدرها عن درجة الابداع في العمل«.

وعن فيلم »بحب السيما« يقول الدكتور يونان: »هذا الفيلم مختلف عن الاعمال الفنية الاخرى التي تناولت المسيحي أو الاسرة المسيحية. اعتبره بداية حقيقية لظهور المسيحي والاسرة المسيحية بشكل واقعي وطبيعي على الشاشة«.

مخرج الفيلم اسامة فوزي يقول ان هذا الفيلم صادف مشكلات كثيرة، لكن اخطر ما تعرض إليه مؤخرا هو عرضه على لجنة عليا للرقابة وبعض الشخصيات المسيحية.

اسامة يرى أن المسيحيين لم يعتادوا مشاهدة أنفسهم بشكل حقيقي على الشاشة وهذا هو سر خوفهم وتشككهم وتحفظهم تجاه عمل يمكن ان يتعرض للأسرة المسيحية. ويقول: »فيلمي بسيط للغاية لا يمس الدين في شيء بل يتعرض لحياة أسرة مسيحية تعيش مفردات حياتها اليومية مثلها مثل أي انسان يعيش على أرض مصر وكل من شاهد الفيلم يرى أنه فيلم جديد وليس فيه اساءة للدين.

الكاتب هاني فوزي مؤلف الفيلم يرى أن المسيحيين من حقهم أن يعبروا عن أنفسهم ويعبروا أيضا عن عيوبهم بشكل وقاعي وطبيعي ولا سلطة لأحد في هذا الموضوع، ويؤكد أن الذعر اصاب الرقابة بسبب تخوفهم من رد الفعل، فأرادت أن تجد لنفسها خط رجعة.

أما منتج الفيلم »هاني جرجس فوزي« فيقول: »الهوس الذي احاط فيلم »بحب السيما« ليس سببه التعرض لأسرة مسيحية، بل السبب هو شائعة أطلقها أحد من شاهدوا الفيلمين لدى عرضه على مهرجان القاهرة السينمائي الدولي قبل عامين، فقد سرت شائعات ان الفيلم سيثير بلبلة ويغضب الكنيسة والجمهور المسيحي، وبالتالي اكتسب الفيلم سمعة زائفة بأنه ضد المسيحيين، مع ان كاتبه ومخرجه ومنتجه من المسيحيين، كما أن الفيلم لا يمس الدين المسيحي نفسه بل يتناول المواطن المسيحي!

وبرغم الموافقة على عدم عرض الفيلم، فإن موقف الرقابة معه كان مؤسفا، فالرقيب لم تكن لديه جرأة كافية لاجازة الفيلم، واستعان بآخرين لجيزوه له، برغم اجازة الرقابة للسيناريو من قبل، وهذا يهدد ثقة المنتجين ـ فيما بعد ـ بالرقابة، لأن المنتج ـ أي منتج ـ قد يخشى أن تعود الرقابة الى التعرض للفيلم بعد ان تعطيه ترخيصا لتصوير الفيلم! ولو كانت الرقابة قد منعت الفيلم لكنت عرضته في الخارج!

ويشير هاني جرجس الى أن السيمنا قدمت الشخصية المسيحية في أعمال عدة، ولم يخل فيلم لحسن الإمام يخلو من شخصية مسيحية وكنت أسعد بظهور هذه الشخصيات، برغم انها كانت بلا عمق فني حقيقي وينبغي ألا تتدخل الكنيسة في الافلام، ولا أية مؤسسة دينية والمرجعية هي الرقابة!

المخرج »داود عبدالسيد« يقول: »المشكلة أن السينما اعتادت تقديم الاقباط بالصورة التي يرتضيها الاقباط وحدهم، وكما يريدونها شخصية ملائكية مثالية، وكأنه ليس من بين الاقباط الشريف والمثقف والطيب والكذاب واللص، كأي انسان، فأنا ضد تجميل الصورة المسيحية في السينما وانجاز للصورة الواقعية وأنا كقبطي يسعدني ظهور المسيحيين في السينما بصورة حقيقية لا خيالية!

ولابد من اتاحة الفرصة للافلام التي تتناول هذه الصورة وان نصاب بذعر وندفع بالعمل الفني للكنيسة، فهذا ليس ضد الفن فقط بل ضد تقاليد اجتماعية وثقافية تقول بأن المؤسسة الدينية ليست جهة اختصاص، لأن الحياة الفنية والثقافية لا علاقة لها بمحاذير الكنيسة.

الناقد رؤوف توفيق، يؤكد أن المسيحي مثل المسلم وهو ليس شخصية متميزة ونحن المبدعين علينا أن نكون واثقين من أنفسنا طالما أننا نقدم أعمالا جيدة ومتميزة ولا يجب أن نتعرض للمساءلة أو التحفظ ويجب أن نتخطى كل هذه المؤثرات.

ولأن الشخصية المسيحية لم تظهر في السينما منذ زمن طويل، فيجب عندما تظهر أن نتجاوز العيوب التي ستظهر فيها باعتبارها ليست شخصية ملائكية بل انسانية.

السيناريست مجدي صابر قدم نموذجا للأسرة المسيحية يعكس الخير والشر والسلبيات والايجابيات في مسلسل »حرس سلاح«. البطل مسيحي يلعب الدور »يسري مصطفى« انسان عادي لا يهمه أي شيء في الحياة سوى الاموال وعلى النقيض كانت زوجته، ويقول »هذا التوازن مطلوب على الأقل في هذه الفترة الى أن تزداد الأعمال التي تتحدث بشكل متوازن وموضوعي عن الاقباط وفي هذه الحالة يمكن الكتابة عن الشخصية المسيحية بشكل واقعي بكل سلبياتها وايجابياتها.

ويقول: »أنا لا ادعي ان الاقباط ملائكة. هم بشر يصيبون ويخطئون، لكن يجب على العمل الفني الذي يتناول صورة الاسرة القبطية أن يتناولها باعتبارها أسرة مصرية داخل كل مكان في مصر بغض النظر عن ديانتها أو ملتها«.

السيناريست عاطف بشاي يقول: »ليس معنى وجود انتقاد لشيء معين في ممارسة العقيدة أنه مساس بالعقيدة كلها. ومع الأسف البعض سواء من المسلمين والمسيحيين اصبح يستخدم الدين للتستر على كثير من العورات، فما هي المشكلة ان يقال إن هناك قبطيا منحرفا هذا ليس معناه أن الدين المسيحي معيب بل دين قويم والمتمسكين به من أهل الكتاب.

ويبرر عاطف بشاي ثورة المسيحيين على صورة المسيحي في بعض الأعمال الفنية بالميراث القديم لصورة المسيحي في الأعمال السابقة فيقول: »كانت صورة المسيحي في السينما أما الملاك أو الشرير المخطئ. فالمتفرج المسيحي أو القبطي لم يتعود أن يرى صورته الحقيقية على الشاشة، وما يحدث في التجربة الجديدة أنها تقدم المسيحي باعتباره بشرا يخطئ ويصيب وهو من دم ولحم.

أما الكاتب أسامة أنور عكاشة قدم الشخصية المسيحية في عدد من المسلسلات التي كتبها للتلفزيون مثل »الشهد والدموع« و»ليالي الحلمية« و»أميرة عابدين« و»ضمير أبله حكمت« وغيرها، باعتبارها كما يقول »شخصية من دم ولحم« تشكل نسيجا حقيقيا في المجتمع المصري مثلها مثل الشخصيات المسلمة تماما، ورغم هذا تعرض عكاشة لهجوم أحد القساوسة عندما كتب مقالا يهاجمه فيه عن كتابته لإحدى الشخصيات المسيحية في مسلسل »أميرة عابدين« وكان صاحب الشخصية مدمنا للمخدرات، واستنكر القس ظهور هذه الشخصية المسيحية بهذا الشكل باعتباره ظهورا سلبيا. عكاشة لم يفوت الفرصة ورد عليه انه لا يقصد المعنى الذي ذهب إليه، لكنه قصد بالأساس الاهتمام بالشخصية المسيحية وعدم تجاهلها، وان أي شخصية مسيحية ليست بالضرورة ملاكا والمسيحي مواطن عادي جدا وانها تفعل مثل ما يفعله المسلمون.

ولا يجب أن نتوقف عند فكرة المسلم والمسيحي ولا اعرف ايضا تفسيرا لتشكيل الرقابة للجنة لمشاهدة فيلم »بحب السيما« من رجال الدين المسيحي هذا يعكس احساسا بالذنب لا معنى له!

الأيام البحرينية في

17.08.2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)