كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

يوسف شاهين: أحارب الأميركيين بلا كراهية

القاهرة - محمود شحاتة

إسكندرية نيويورك

   
 
 
 
 

حقق المخرج المصري المعروف يوسف شاهين مكسباً جديداً للسينما العربية بعد اختيار فيلمه "إسكندرية - نيـويـورك" أو "الغضـب من القـلب" لاختتام تظاهرة "نظرة ما" في مهرجان كان السينمائي الدولي, وهو القسم الذي يحتفي بالأفلام المهمة لكن خارج المسابقة. وتلعب بطولة الفيلم يسرا ومحمود حميدة ولبلبة وهالة صدقي والوجه الجديد أحمد يحيى.

وعبر يوسف شاهين في حديث الى "الحياة" التي التقته فـور إعـلان قـائمة الأفـلام المشـاركة في فعاليات مهرجان "كان", عن سعادته باختـيار فيلمه, وقال: "بعـد أن حـصلت على أكبر تكريم في مهرجان كان عن مجمل أعمالي العام 1997 وضمن احتفالية المهرجان باليوبيل الذهبي طلبت منذ هذا التاريخ عدم المشاركة في المسابقة, حتى أمنح الفرصة للشباب الذين يحلمون بالمشاركة والجوائز".

وقال شاهين: "إن كل ما يهمني حالياً أن تصل رسالـة الفيلم للعالم أجمع من خلال عرضه في المهرجان والمهرجانات الأخرى, خـصـوصاً أن الفـيـلم يـحمل رسالة قوية وهي أنني لا أكره الشعب الأميركي إنما أكره السياسة الاميركية, أنا أحارب الاميركان مش بكراهية وإنما بحب".

وأضاف صاحب "الأرض" و"العصفور": "لا يوجد إنسان واحد لم يكن عنده "الحلم الاميركي", ولكن هذا كان زمان أما حالياً حدث تناقض عند كثيرين وأنا منهم. كيف أكره الشعب الاميركي ولي اصدقاء كثيرون منهم وحتى اليهود منهم, أنا تأتيني خطابات من يهود في اميركا يعبرون عن غضبهم من سياسة بوش وشـارون, فكيف أكره هؤلاء؟ أنا أكره السلطة الاميركية وليس الشعب الأميركي".

الحياة اللبنانية في

24.04.2004

 
 

شاهين يصوب فوهة كاميرا ناقدة الى اميركا في فيلمه الجديد

القاهرة - رويترز - هاجم المخرج المصري يوسف شاهين ما اعتبره عدم تسامح من جانب بعض الاصوليين في بلاده في افلام سابقة الا انه قرر ان يصوب الكاميرا الناقدة هذه المرة للولايات المتحدة حيث يرى ان التعصب السياسي وانحياز وسائل الاعلام يغذي مشاعر كراهية العرب.

وفي فيلمه الاخير «اسكندرية نيويورك» يعالج شاهين قضية الصدام بين حبه لاميركا التي درس فيها ذات يوم وغضبه مما يعتبره تأييدا ثابتا لاسرائيل على حساب العرب.

قال شاهين /78 عاما/ الذي يعد من ابرز مخرجي السينما العربية «اشعر بغضب شديد لكن ليس من الشعب الاميركي وانما من النظام الاميركي».

يحكي فيلم «اسكندرية نيويورك» قصة راقص باليه من نيويورك يكتشف ان والده مصري.

قال شاهين لرويترز ان بطله «شعر بالصدمة عندما عرف ان والده عربي. كان رفضه تلقائي نتيجة لما تروجه وسائل الاعلام.. وسائل الاعلام غير النزيهة التي تتعامل بمعايير مزدوجة طوال الوقت بيننا وبين اسرائيل».

ورغم انه ليس لشاهين ابن في نيويورك فان «اسكندرية نيويورك» يقوم بصورة ما على تجاربه هو الشخصية في الولايات المتحدة. وهذا رابع فيلم يتركز على حياة شاهين ومن المقرر طرحه في دور العرض خلال حزيران او تموز.

وفي نبرة تشاؤم واضحة بشان مستقبل العلاقات الاميركية العربية يفشل الاب والابن في تسوية خلافاتهما.

يقول شاهين ان وجهة نظره في مستقبل العلاقات العربية الاميركية تستند في جزء منها الى طبيعة سياسات الرئيس الاميركي جورج بوش في الشرق الاوسط والتي يرى انها ذات دوافع دينية. ويضيف «السيد بوش متعصب».

وانتقد شاهين ايضا السياسة الخارجية الاميركية في فيلم قصير عام 2002 في ذكرى هجمات 11 ايلول على الولايات المتحدة.

وفاز اول فيلم لشاهين عن سيرته الذاتية «اسكندرية ليه» عام 1978 بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان برلين. وحصل ايضا على جائزة «السعفة الذهبية» عن مجمل  اعماله من مهرجان كان السينمائي عام 1997.

ويبدا احدث افلام شاهين المولود في الاسكندرية على الساحل الشمالي لمصر من فترة الاربعينات عندما كان يدرس في باسادينا بلايهاوس وهو معهد اميركي للدراما

 ويقول انها كانت اجمل ايام حياته.

ويصوغ احتكاكه بالافلام والاعمال الموسيقية الاميركية رؤيته الاخراجية التي اكسبته سمعته كأحد ابرز المخرجين المثقفين في العالم العربي. قال شاهين «لقد كانت فترة رومانسية رائعة... كنت مفتونا بها».

لكن بعدما كان ينظر الى الولايات المتحدة باعتبارها ارض الحرية صار شاهين يرى الان ما يعتبره عدم تسامح وتعصبا سياسيا.

وقال «كان يفترض ان تكون الولايات المتحدة بوتقة للناس من جميع الاصول. لقد كانت فعلا بوتقة الا انها لم تعد كذلك على الاطلاق».

ويشعر شاهين بالقلق مما يعتبره تصاعدا في تيار المحافظين المسيحيين بالولايات المتحدة كما انه يشارك ايضا اخرين القلق مما يعتبرونه تصاعدا في التيار الديني المحافظ في مصر.

ولاحق محامون اصوليون المخرج المعروف في المحاكم المصرية لما اعتبروه تصويرا للنبي يوسف في فيلمه «المهاجر» عام 1994.

وفي فيلميه التاليين «المصير» و«الاخر» هاجم شاهين الاصوليين حيث اظهر الاصولية كقوة مدمرة ورجعية. وقد انتقد البعض الفيلمين بسبب ما انطويا عليه من تبسيط مخل في التعامل مع القضية المطروحة.

وصنع شاهين تلك الافلام في اواخر التسعينات خلال فترة شهدت تصاعدا في اعمال العنف بين الجماعات المتشددة والدولة.

ويقول شاهين الذي يعتبر نفسه جزءا من جيل الليبراليين المصريين انه ما زال يكافح ضد الرقابة المحافظة سواء من جانب الدولة او المجتمع.

وقال «انني اقاوم الا انها ليست حركة جماعية. حتى طلابي لا يقاتلون من اجل افكارهم. كل الناس تخاف من الجماعات الدينية».

ويقول شاهين ان الرقابة المصرية تتجنب الى حد كبير القطع من افلامه بسبب شهرته العالمية. الا انه يشكو من ان اعماله لا تعرض بصورة كافية عبر شاشات التلفزيون.

وهو يتميز غيظا في الوقت نفسه من تصاعد النزعة المحافظة بين الممثلات اللاتي يجعلن تصوير الافلام امرا صعبا.

ويقول «الان تقول لك الممثلة فورا.. انا ارفض القبلات. من ثم فانني لا استطيع الاستعانة بها. او تقول انها لا تريد ان تتعرى او تظهر بملابس مكشوفة اكثر مما ينبغي».

وتابع «الامر أشبه تماما بما يحدث في الشارع حيث يكاد يكون الحجاب مهيمنا بالكامل. على سبيل المثال جاءت طباختي يوما بغطاء رأس صغير والان ضاعفت مساحة الغطاء واضافت قبعة مما يجعل الامر في غاية الخطورة عندما تطبخ».

يقول شاهين انه يشعر بالغضب الشديد عندما يعلو صوت اذان الصلاة عبر مكبرات الصوت في مساجد القاهرة ليقطع عليه حديثه مع الاخرين.

ويقول «سأشتري مكبرا للصوت اكثر قوة لبث موسيقى اميركية بصوت عال جدا.. اعلى من صوت المؤذن».

الرأي الأردنية في

17.05.2004

 
 

"الاسكندرية- نيويورك" ليوسف شاهين:

"ماما" اميركا تقتل كل حنين

 من صلاح هاشم موفد "ايلاف" الى"كان":

عرض مهرجان"كان" أمس الخميس 20 مايو فيلم "الاسكندرية- نيويورك" للمخرج المصري العربي الكبير يوسف شاهين في اطار تظاهرة "نظرة خاصة "، كما يعرض الفيلم غدا السبت في اختتام فعاليات هذه التظاهرة الموازية للمسابقة الرسمية، وحضر العرض الفنانة المصرية لكبيرة لبلبة( التي تلعب دور"جين" زوجة المخرج بطل فيلم شاهين الجديد، ولم يكن "جو" حضر الي "كان" بعد)، وكان الفيلم، كما صرح شاهين من قبل في عدة لقاءات معه، يناقش علاقته الحميمية جدا بالعالم الجديد اميركا، التي احبها شاهين بجنون في شبابه، ودرس كما هو معروف في احد معاهدها الدرامية الخاصة، معهد "باسيدنا" الشهيرللفنون الدرامية في كاليفورنيا، لكي يعود في مابعد الي بلده الحبيب مصر، ويصنع مجموعة كبيرة من الافلام الرائعة، مثل "باب الحديد" 1958 و"جميلة بوحريد" و"الارض" 69 و"صلاح الدين" 63 و"العصفور"73  وغيرها من افلام كبيرة متميزة صنعت وجداننا، ودخلت حياتنا من أوسع باب، واصبحت من كلاسيكيات السينما العربية والعالمية ولكل العصور..

امريكا الحبيب الاول

غير أن  شاهين الذي عشق اميركا، وظل كما في جل افلامه ومواقفه الفكرية والسياسية منحازا الي امريكا حبيبته، اكتشف  لأسف انها خانته وخذلته، ويعود لشاهين، كما نعلم، فضل وضع السينماالمصرية و العربية علي خارطة السينمافي العالم، وهو الامر الذي لايمكن ان يختلف عليه اثنان، كما صار تلاميذ شاهين، ومن ضمنهم المخرج المصري يسري نصر الله، صاروا من المخرجين المعروفين في بلادنا، وتخطي بعضم سن الاربعين، اي صار لشاهين لا يكف عن الترديد بان اولاده هم تلاميذه، صار له أحفاده الآن، فهل سوف ياتري يفهمون- أحفاد شاهين- لماذا أحب امريكا، حتي بعد ان خذلته، ولماذا يعود في فيلمه الجديد الي الحبيب الاول؟

فيلم " الاسكندرية- نيويورك " الجديد، الذي شاهدناه في " كان "، هو امتداد لافلام السيرة الذاتية التي صنعها شاهين، ويأتي مكملا لثلاثيته التي تضم " الاسكندرية ليه"1978 و" الذاكرة " 1982و" الاسكندرية كمان وكمان " 1989، ولم يكن شاهين في " ثلاثيته" المذكورة هذه، قد حكي بعد عن تلك الفترة التي يتناولها في فيلمه الجديد،  فترة شبابه ودراسته في امريكا، لكن هاهو ينتهز الفرصة، وبخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001،  لكي يقول لنا شاهين رأيه في امريكا، وأحد لايعلم لماذا يعتبرشاهين هذا الامر ضروريا وملحا، وهناك أولويات أخري أكثراهمية والحاحا، ثم من يضمن لشاهين ياتري ان يجعلنا فيلمه نغير موقفنا من امريكا، او ان امريكا تنتظران يحدث ذلك، وتتحسن اوضاعنا معها؟. أسألوا شاهين..

يحكي لنا شاهين في "الاسكندرية- نيويورك" الذي شاهدناه امس، يحكي عن مخرج مصري معروف يدعي يحيي، وهو في عمر شاهين(78 سنة )،  ومتزوج، وأمراته عاقر،و يسافريحيي في الفيلم الي امريكا علي مضض، فقد كان دوما، كما كشف عن ذلك شاهين في المشاهد الاولي من فيلمه،كان متحمسا لمثل وقيم الحرية والديمقراطية التي تمثلها امريكا العالم الجديد، الا انه يأبي الآن بعد ان تغيرت امريكا، وصار" العالم الجديد" قديما.. و"كهنة".. وشاخ، وتبدلت سياسات امريكا ومعاملتها للعرب، يأبي المخرج يحيي ان يسافر لحضوراحتفال سينمائي لتكريمه وتكريم فنه، باعتباره اهم واكبر مخرج في مصر، غير ان العاملين معه  يدفعونه الي مراجعة قراره، ويحمسونه للذهاب الي امريكا، ومواجهة الامريكيين ومناقشتهم في عقر دارهم، فهي فرصة من ذهب،  لكي يشاهد افلامه اكبر عدد ممكن من الناس في البلاد، وسوف تتيح له هذه الفرصة من جهة اخري امكانية فتح ابواب الحوار مع الاميركيين انفسهم،  لكي يفسر لهم لماذا لم يعد يحب بلادهم..

وكان المشهد الافتتاحي للفيلم اظهر انا المخرج يحيي في فترة الخمسينيات، بعد العدوان الثلاثي علي مصر، ليذكر بالموقف الامريكي المشرف من تلك الحرب التي شنتها فرنسا وبريطانيا واسرائيل علي مصر في اعقاب تأميم قناة السويس، ومطالبتها بوقفها في الحال، ويتحدث يحيي في مشهد أخر عن علاقته بالسلطة  من خلال فيلم " الناس والنيل " الذي يحكي عن السد العالي الذي تسبب في غرق اكثر من 5 الآف قرية نوبية ومحوها من علي الخريطة، ويمهد شاهين من خلال هذه المشاهدالممتدة علي عدة حقب تاريخية، يمهد لرحلة المخرج يخيي الي امريكا، والتي سوف تكون كما سيتضح لنا في مابعد حافلة بالمفاجأت ومحشوة، ومن دون ضرورة درامية تمليها مواقف الفيلم وتطورها الطبيعي العضوي، محشوة بالاستعراضات..

يحضر مخرج الفيلم الاستاذ المخرج المصري الكبير يحيي- ويقوم بدوره في الفيلم الممثل الفنان محمود حميدة- يحضرمؤتمرا صحافيا بمناسبة تكريمه السينمائي في نيويورك، فيتحدث فيه عن مدينته الاسكندرية وقيم التسامح التي كانت سائدة في مصرفي فترة الخمسينيات بين اكثر من 16 جالية مهاجرة تعيش في المدينة من ايطاليا واليونان وسوريا الشام ولبنان، ولم يكن الفتي حينذاك يسأل الفتاة ماهي ديانتك، بل كان يسألها كيف تصلين، او بالاحري كيف تحبين   فالحب، لايعرف ديانات او جنسيات، ولم يكن هناك اي تمييز في التعامل مع الجنسيات والديانات المتعددةالتي كانت تشكل أنذاك " الموزاييك "  الثقافي الحضاري للمدينة..

ترسانة "استعراضية" ثرثارة.. يارب ارحم

ويلتقي يحيي في نيويورك بحبيبته القديمة "جنجر" من ايام الدراسة في امريكا، وكان يحيي وقتها شابا لايتجاوز عمره ال19 سنة، وتحضر الامريكية جنجرالمؤتمر الصحفي مع ابنهااسكندرالراقص الاول في اوبرا نيويورك، وتصر الام بقوة علي حضوره ولقائه مع المخرج المصري العجوز، ويكتشف يحيي ان اسكندر ابنه، وان الام اخفت عنهما سرها، ويبدأ يحيي او بالاحري يحيي شاهين يحكي عن قصة حب منذ اربعين عاما، حين حضر للدراسة في امريكا، ووقع في غرام جنجر الامريكية..

يحكي شاهين عن تفاصيل علاقتهما وظروف ميلاد الطفل اسكندر، ونكتشف ان يحيي درس الرقص لفترة عامين قبل حضوره للدراسة في امريكا، وانه كان صار اثناء الدراسة راقصا من الطراز الاول، وهاهو يحيي حفلا يرقص فيه مع جنجر ويحصلان علي الجائزة الاولي في مسابقة الرقص، ويبدأ الفيلم ينفتح هكذا رويدا علي فيلم فترة الدراسة في امريكا، وعلاقة يحيي بزملائه، وعلاقته باستاذته في المعهد،، وصاحبة البيت التي يسكن عندها، ويبدأ شاهين ينتقل بنا من موقف في الحاضر الي مواقف في الماضي، ويتنقل بين شخصيات الفيلم المتعددة، بين يحيي في شبابه ويحيي في شيخوخته، وجنجر في الماضي الي جنجر في الحاضر، ونكتشف انها عملت بعد ان حبلت منه وانجبت اسكندر، وكان يحيي عاد الي مصر، عملت كفتاة مرافقة بالساعة، وهو نوع من العهر والدعارةالمقنعة، وتزوجت من صديق لها، ثم طلقت منه في مابعد، وندخل مع فيلم شاهين من حكاية الي رواية، ومن رواية الي ملحمة من الروايات والحكايات، ولايمكن تلخيصها صاحبي، وانت تكاديامؤمن تموت من الضجر والملل، اذ ان شاهين وهو يقص علينا قصة حياته (من تاني)،  والله وحده يعلم الي متي ويصبرنا، وتأثيرات امريكا عليه، من خلال قصة المخرج المصري الكبير يحيي، "يصور" شاهين اناسا يتكلمون ويتحدثون، و"لا يصنع" فنا، وهناك فرق بين التصريح والتلميح، خطاب الصورة والخطاب الاذاعي..

يحكي شاهين من خلال "تصريحات" ابطاله وكلامهم وثرثرتهم، وليس من خلال الـ"تلميح"، ولغة الصورة التي هي عماد الفن، والمثير للشفقة والرثاء حقا، انه حتي هذه "التصريحات" لشخصيات فيلمه، التي هبطت ثقيلة علي ادمغتنا، بترسانة "استعراضية" من الاغنيات والرقصات المحشورة حشرا في الفيلم وسيناريو الفيلم المهلهل (هات ياكلام واستعراض وغنا يارب ارحم) جاءت وكانت تافهة وساذجة، مثل " معجزة" عدم عودة يحيي الي مصر واستمراريته في الدراسة في المعهد حتي التخرج،التي تحكيها لنا جنجر في الفيلم( وتقوم بدورها الفنانة الكبيرة يسري) بسبب ان الحكومة المصرية ارسلت شيكا لطالب مصري في امريكا بنفس الاسم، وصرف يحيي الشيك في محل الطالب، ودفع هكذا مصروفات الدراسة ولم يجبر علي العودة الي مصر..

والنتيجة ان فيلم " الاسكندرية – نيويورك " بدا لنامملا وكئيبا وتافها، ولولا ان القاعة كانت تحت المراقبة لكنت تسللت خارجا من فيلم شاهين الجديد، بعد ربع ساعة من بداية الفيلم، حيث لم يجعلني شاهين بفنه بعد ربع ساعة من بداية عرض الفيلم، اشعر بانني احتاجه- فيلم شاهين- او انه ضروري، وبدا لي التمثيل فيه مصطنعا في اغلب مشاهده،  وغير قابل للتصديق، ولا يملك قوة الاقناع اللازمة..

كما بدت لنا عملية اخراج هذا الفيلم- الذي سوف نعود اليه لاحقا بالتفصيل- بدت لنا ترفا كبيرا، وخسارة ان تضيع الاموال التي صرفت علي انتاج مثل هذا فيلم، لارضاء حاجة، لا اظن انها ضرورية.. حاجة شاهين لان يقول لنا لماذا خذلته ماما امريكا، ولماذا تحول حلمه الامريكي الوردي الي كابوس، وصار يكره امريكا وبوش، ونيويورك البشعة هذه التي تقتل كل حنين والتي يطالب في الفيلم شاهين، يطالب بالخروج منها، بعد ان كشف في الفيلم كيف ان ابنه الاجنبي الذي انجبه من جنجر الامريكية رفضه، رفض "ابوته" في نهاية الفيلم لانه عربي، وامريكا ليست بحاجة الي شاهين ولايهمها افلامه، ولاندري ماهي الفائدة الجمة التي سوف تعم وتعود علينا من افلام علي شاكلة هذا الفيلم، ونحن، كما يعلم شاهين، مشغولون حاليا بمسائل اكثر اهمية ضرورية، اكثر اهمية من ولع شاهين بهاملت او رغبته في ان يكون ممثلا عظيما مثل "كين" او"جيلجود" في تمثيل دور هاملت، او اعجابه بفريد استير وكوميديا هوليوود الموسيقية، وكرهه لغلاظة ستالون (رامبو الامريكي) ونعيه للحلم الامريكي الذي تحول الي كابوس، وهي جميعها اشياء ليست جديدة علينا كما انها لاتضيف جديدا الي معلوماتنا، ولاتقربنا اكثر من حاجتناالي أشياء جد أصيلة في حياتنا، حاجتنا الي ان ينتهي مثلا الظلم في العالم،  ويزول احتلال الارض، ونتحرر فكريا واقتصاديا، حاجتنا الي المزيد من السينما الفن، التي نتصالح بها مع انفسنا، ونعانق كل الكائنات والموجودات، ونحلق في السماء مع الطيور السابحات في الافق، لكن اين كل هذه الاشياء، في فيلم شاهين التقريري الاستعراضي الممل الثرثارالذي لم يعجبنا ولم يجعلنا نتحمس له. ياخسارة؟

موقع "إيلاف" في

21.05.2004

 
 

اسكندرية نيويورك أحدث أفلام يوسف شاهين فى عرض خاص جدًا

تمرد جو على الحلم الأمريكى

الرقابة: لن نحذف كادرا واحدا

وثيقة إدانة فنية تكشف الوجه الحقيقى لـ أمريكا

فاطمة النمر

تنتهى اليوم الأحد فعاليات الدورة 75 لمهرجان كان السينمائى الدولى بحفل الختام الذى يشهد إعادة عرض للأفلام الفائزة فى أقسام المسابقة الرسمية يليها توزيع الجوائز التى يقوم مخرجنا الكبير يوسف شاهين، بتقديم الجائزة الأهم فيها وهى جائزة أحسن مخرج. أما احتفال المهرجان ب يوسف شاهين فكان فى العاشرة من مساء الجمعة 12 مايو الجارى بعرض فيلم إسكندرية نيويورك داخل مسابقة نظرة ما فى أهم دار عرض كلود ديبوسيه وحفل سواريه مميز جدا. إسكندرية نيويورك هو الجزء الرابع فى سلسلة أفلام السيرة الذاتية ل يوسف شاهين، لكنه يعد الجزء الأهم ليس فقط لأنه يحكى مشوار 60 سنة حب وعذاب ما بين إسكندرية نيويورك، لكن لهذا القدر العالى جدا من الجرأة والشجاعة فى طرح شاهين لنوعية العلاقات التى تربط بينه وبين ذاته وبينه وبين الآخرين.

يبدأ الفيلم بنزول التترات على شاشة سوداء وكأنه يقول للمشاهد انتبه هذه وثيقة مهمة يصاحبها جزء من أغنية أنت غناء وتلحين فاروق الشرنوبى يقطع التترات ويفتح الفيلم بمشهد يجمع بين بطل الفيلم المخرج السينمائى يحيى يؤديه النجم محمود حميدة وصديق عمره الكاتب المثقف الثورى أديب أداء الفنان الهايل أحمد فؤاد سليم ويدور بينهما حوار غاضب من طرف أديب ومستخف من طرف يحيى حول رفض أمريكا تمويل مشروع بناء السد العالى، حيث يقارن يحيى بسذاجة بين السد العالى وبين فيلم له رفضت أمريكا تمويل إنتاجه. نعرف بشكل مباشر زمان ومكان المشهد بعبارة على الشاشة (القاهرة 1956) ونستنتج أنه أثناء العمل فى فيلم باب الحديد من وجود يحيى وأديب على مقهى فى محطة مصر، بعد هذا المشهد تستكمل التترات بجزء آخر من أغنية البداية لكن بصوت هدى عمار، تنتهى التترات ويدخل بنا غرفة المونتاج على مشهد وحوار يكمل به المشهد الافتتاحى، حيث يقول يحيى موجها كلامه ل أديب وللمونتيرة رشيدة عبدالسلام التى تظهر فى ظل الكادر الممثلة التى تجسدها يقول يحيى: إن أمريكا هى التى أجبرت إنجلترا وفرنسا وإسرائيل على وقف إطلاق النار (العدوان الثلاثي) فيواجهه الصديق الواعى أديب قائلا: انت حاتفضل طول عمرك كده؟.. مفيش فايدة فيك؟.. اللى وقف الحرب الإنذار الروسى افهم بقى!

فى هذا المشهد الذى هو بداية أحداث الفيلم تبدو الحيرة وآلام الشك واضحة جدا فى نظرات يحيى.. فـ يوسف شاهين لم يكن حتى هذه اللحظة قد كون وعيه السياسى وكان لم يزل واقعا تحت تأثير أكذوبة الحلم الأمريكى، واختيار يوسف شاهين لغرفة المونتاج المظلمة تقريبا، واختياره لوجود المونتيرة فى الظل صامتة، دليل على ما كان يعانيه من التشتت واختلاط الروئ، لأن المونتاج هو إعداد الصيغة النهائية للفيلم أى الصيغة النهائية المحددة للرسالة. وتتوالى أحداث الفيلم متنقلة فى عدة أزمنة من خلال الفلاش باك، ف يحيى يستعد للسفر إلى نيويورك التى قررت أخيرا إقامة مهرجان لأفلامه وتكريمه فى أكبر مؤسساتها السينمائية وتقع أحداث انتفاضة الأقصى فى سبتمبر 2000، فيقرر يحيى عدم السفر وتبدأ قناعاته فى التغيير، لكنه يسافر وتبدأ مواجهات من نوع آخر، فهو كان يتحدث كثيرا عن أصدقائه من اليهود وكيف أن علاقته بهم علاقة متوازنة وأنهم أى اليهود يحبونه ويحترمونه، لكن فى مشهد لمؤتمر صحفى أعقب عرض فيلم باب الحديد، كان أول من هاجموه وسخروا منه اليهود، ثم فى مشهد آخر يعد من أهم المشاهد فى الفيلم يجمع بين يحيى وصديقه الحميم اليهودى، والذى يعمل فى مجال الإنتاج السينمائى ويدور بينهما حوار حول رغبة يحيى فى مساعدة أمريكا له لإنتاج فيلم الناس والنيل الذى يحكى قصة السد العالى، فيقول له ذلك الصديق اليهودى: انت مجنون عاوزهم يساعدوك تعمل فيلم يمجد عبدالناصر؟.. الناس دول لا بيقبلوك ولا بيقبلوا العرب ولا بيقبلوا عبدالناصر!!

فيسأله يحيى وآلام الصدمة تعتصره أكثر فأكثر: طيب ما انت يهودى موش صهيونى وأنا وانت أصحاب طول عمرنا، لكن الصديق اليهودى يواجه يحيى بالحقيقة التى عاش عمره يهرب منها انت صحيح صاحبى لكن لو اخترت، حاختار إسرائيل طبعا!! ثم تأتى أحداث الفيلم كما كتبها وأخرجها يوسف شاهين بما يدفع يحيى لإعلان موقفه دون مواربة من كل الأوهام التى كان يتعلق بها، ف يحيى الذى تجاوز 70 عاما يقابل جنجر (الفنانة الجميلة يسرا) خلال مهرجان أفلامه فى نيويورك، وهى الفتاة التى أحبها من أول نظرة عندما قابلها كزميلة له فى معهد باسادينا وهو طالب صغير فقير وصل إلى أمريكا يحلم بتحقيق كل أحلامه فى الفن والشهرة والحب والفلوس.

المهم يسترجع يحيى مع جنجر ذكريات عمرها 60سنة ويعود بنا بالفلاش باك لبداية مشوار يحيى الصغير ويؤديه راقص الباليه الوجه الجديد أحمد يحيى أما جنجر الصغيرة تمثلها الوجه الجديد أيضا يسرا اللوزى، وفى أثناء حديث الذكريات نعرف أن جنجر أم لشاب راقص فى أهم فرقة باليه ب نيويورك اسمه اسكندر يؤديه أحمد يحيى وهو نفس الاسم الذى كانوا يطلقونه على يحيى وهو طالب فى معهد باسادينا وأن والد هذا الشاب هو يحيى. من لحظة هذه المعرفة ينقلنا يوسف شاهين لمنطقة فى منتهى الحساسية ومنتهى الجرأة أو الشجاعة ومنتهى الأهمية على عدة محاور. أول هذه المحاور هو حياة يوسف شاهين الشخصية الحقيقية فى الواقع والتى حكاها بشكل مباشر جدا فى الفيلم، وهى أنه فعلا ليس لديه أبناء وكم يفتقد أن يكون له ولد بعد هذا العمر وكم يتمنى وجوده وليس هو وحده بل وزوجته أيضا جان التى جسدتها باقتدار شديد وأداء مذهل الفنانة لبلبة فهى تبكى وتبكينا معها لرؤية إسكندر وتتفجر فيها كل طاقات الأمومة ولا تشعر بالغيرة تجاه جنجر وعلى العكس تقول لها: لا أستطيع منافستك وأنت أم لابن يحيى.

المحور الثانى هو أن هذا الابن أمريكى الأم والمولد والجنسية وكل شيء، وهو الحلم الذى حلم به يحيى أو يوسف شاهين عن أمريكا وعلاقته بها والحلم أن تعترف به أمريكا وتقبله، لكن هذا الابن الحلم الأمنية، الخيال يرفض بشكل قاطع وبمنتهى القسوة هذا الأب العربى حتى لو كان أحسن مخرج فى الدنيا ويصل هذا الرفض ل يحيى الأب والمخرج السينمائى والمواطن العربى، ويعلن هو أيضا رفضه لهذا الابن القاسى المتعجرف حتى لو كان أغلى أحلام عمره ويقول له: أنا زهقت وقرفت منك ومن أمريكا ودلوقت أنا اللى بارفضك. وينتهى الفيلم بمشهد ل يحيى الأب يسير وحيدا فى زحام نيويورك القاسية واختلطت فى ملامحه ونظراته مشاعر الألم بمشاعر الغضب وأغنية على الحجار نيويورك تقتل كل حنين. إسكندرية نيويورك بطولة محمود حميدة، يسرا، لبلبة، أحمد فواد سليم، هالة صدقى، ماجدة الخطيب، نيللى كريم، ومجموعة كبيرة من النجوم والوجوه الجديدة مثل أحمد يحيى، يسرا اللوزى، يسرا سليم، بشرى.

الفيلم سيناريو وحوار يوسف شاهين وخالد يوسف، إخراج يوسف شاهين ومخرج منفذ خالد يوسف الذى يقول عنه يوسف شاهين إنه أهم أبنائه إنتاج جابى وماريان خورى وأمير بلزان وجهاز السينما وتوزيع جهاز السينما ممثلا فى ممدوح الليثى الذى وصف الفيلم بأنه قمة النضج الفنى والفكرى ل يوسف شاهين، المونتاج ل رشيدة عبدالسلام، التصوير رمسيس مرزوق، الأغانى كلمات الزميل الشاعر الصحفى جمال بخيت، ألحان فاروق الشرنوبى وغناء على الحجار وهدى عمار، أما الموسيقى التصويرية والتوزيع ليحيى الموجى. الفيلم تم تصويره ما بين أمريكا فى أكثر من ولاية والقاهرة والسويس ويعتبر من أفلام الإنتاج الضخم حتى بالنسبة لأفلام يوسف شاهين.

ومن المتوقع أن يعرض الفيلم تجاريا بعد عودته من كان مباشرة، خاصة أن د. مدكور ثابت رئيس رقابة المصنفات الفنية صرح بعد مشاهدته للفيلم إنه لن يحذف منه كادرا واحدا. أخيرا بلا مجاملة ل يوسف شاهين إسكندرية نيويورك الغضب سابقا يؤكد عبقرية يوسف شاهين فى إدارة الممثل، وإخراج أصدق من المشاعر فجاء الفيلم فعلا مفعما بالمشاعر والرومانسية، وأعلى حالات الشجن التى تسللت لقلوب المشاهدين بمنتهى الرقة والنعومة.

العربي المصرية في

23.05.2004

 
 

اسكندرية... نيويورك

( 2 )

جابر عصفور

لم أتردَّد في قبول الدعوة لمشاهدة فيلم يوسف شاهين الأخير "إسكندرية.. نيويورك" لأننى عرفت أن الفيلم هو الجزء الثالث من أفلام الإسكندرية التي أرادها يوسف شاهين مرايا لحياته ولتحولات الإسكندرية التي تكثفت في ملامحها الحياة المصرية في علاقتها بالآخر الذي يبدأ من الضفة الأخرى للبحر المتوسط, ويمتد إلى أن يتجسّد في الولايات المتحدة الأميركية. ويبدو أن يوسف شاهين أراد أن يصنع ثلاثية موازية للأعمال الإبداعية الكبرى عن الإسكندرية, وأهمها "رباعية الإسكندرية" التي كتبها لورنس داريل (1912 - 1990) ونشرها ما بين 1957 - 1960. ولكن إذا كان داريل قد أظهر الإسكندرية من منظوره الأيديولوجي الذي لم ينفصل عن وضعه الوظيفي في الحكومة البريطانية التي كانت تستعمر الإسكندرية وبقية مصر في زمن أحداث الرواية, حيث لا نرى الإسكندرية الوطنية إلا في الهوامش المقموعة المشوهة, فإن يوسف شاهين ظل حريصاً على إبراز الإسكندرية الوطنية, الفضاء الذي انطلقت فيه شرائح الطبقة الوسطى مطالبة بالاستقلال والحرية, وتحركت فيه تظاهرات الطلبة بشعاراتهم التي لم تعرف التمييز الديني ولا التعصب الاعتقادي, مؤكدة المناخ السمح الذي أتاح لابن المحامي المسيحي أن يعرف - منذ الصبا - أن الدين لله والوطن للجميع, بل يخطو خطاه العلمانية في ثقة تتوثب فيها تطلعات الغد الواعد المقترن بالمخرج المصري - العربي الذي حقق ما لم يحققه غيره. وأضيف إلى ذلك فارقاً مهماً يؤكد خصوصية رؤية يوسف شاهين الإسكندرانية, وهو فارق يتصل بهذا "الآخر" الذي تعددت صوره, وبدأ من جنود الاحتلال البريطاني الذين رأيناهم في الفيلم الأول "إسكندرية.. ليه" موضع لعنات القوى الوطنية مع الملكية الفاسدة التي تحالفت مع الاحتلال, وانتهى بالحضور الأميركي القمعي في الفيلم الأخير, حيث تقترن نيويورك بسطوة النفوذ الصهيوني وسيطرة اليمين الرجعي واستشراء النزعات الاستعلائية المعادية لكل ما ليس بأميركي.

وبطل فيلم "إسكندرية.. نيويورك" هو يحيى شكري مراد, الاسم نفسه الذي تكرر في الفيلمين السابقين عن الإسكندرية. وتكراره يدل على تأكيد الرسالة الضمنية التي يراد توصيلها إلى المشاهد, كي تلفت انتباهه إلى أن هذه الأفلام عن يوسف شاهين بوصفها مرايا لحياته, ولكنها ليست عنه في الوقت نفسه وإنما عن يحيى شكري مراد الذي يغدو قناعاً لشخصية المخرج الذي يتحدث في ثلاثية الإسكندرية عن حياته, ولكنه لا يلتزم بوقائع هذه الحياة حرفياً, فيضيف إليها ما هو من جنسها, أو ما كان يتمنى أن يفعله, أو ما كان يمكن أن يقع على سبيل الاحتمال أو الضرورة. ولذلك يضم فيلم "إسكندرية.. نيويورك" وقائع أساسية دالة من حياة يوسف شاهين: ابن المحامي الذي ذهب إلى معهد التمثيل في باسادينا - لوس أنجليس - كاليفورنيا ليدرس التمثيل, والمغرم بتمثيل شخصية هاملت التي تشبهه من حيث ما ينطوي عليه من سؤال الحضور في الوجود, صعوبة الحياة بسبب ضيق ذات اليد أثناء الدراسة في المعهد, العودة إلى مصر وتحقيق حلم الممثل القديم بعد سنوات في "باب الحديد" 1958, المشاهد المنقولة من الأفلام التي أخرجها يوسف شاهين, ألوان التكريم التي نالها على امتداد السنين, الذهاب إلى مهرجان نيويورك الذي قام بتكريم يوسف شاهين وعرض أبرز أفلامه منذ عامين.. إلخ. كل هذه العلامات والوقائع تؤكد أن قناع يوسف شاهين (يحيى شكري مراد) يتطابق في كثير من ملامحه مع المخرج الذي يحاول أن يتباعد عن حياته ليراها في دلالاتها الأعمق.

أما العلامات والوقائع الأخرى التي ليست من حياة يوسف شاهين في الواقع أو بالضرورة فهي تؤكد حضور القناع المستقل نسبياً عن الشخصية التي يمثلها, والذى تضم ملامحه ما لا ينتسب إلى هذه الشخصية إلا على سبيل التمنّي أو الإمكان أو الرمز. وليس على مشاهد فيلم "إسكندرية.. نيويورك" - والأمر كذلك - أن يتقبل قصة الحب الموجودة في الفيلم بين يحيى الشاب والشابة جينجر على سبيل الحقيقة, أو يرى في ابنهما إسكندر (أو ألكسندر) ابناً فعلياً, أو يأخذ أشكال النبوغ المذهلة للشاب يحيى بوصفها أحداثاً فعلية, فكل هذه الأشياء وأشباهها تدخل في باب المجاز السينمائي وتقنيات الرمز التي تكشف - فنياً - عن أبعاد العلاقة بين ابن الشرق الإسكندراني وابنة الغرب الأميركية, وكيف أن هذه العلاقة انطوت على تفاعل الثقافات والحضارات الذي كان الابن (المتخيَّل) نتاجها, لكن نتاجها الذي يظل مشوها, متنكرا لأصله نتيجة أمرين: أولهما بذرة الخلل الموجودة في أصل العلاقة الملتبسة, وثانيهما تشوّه وعي الابن الذي صاغته الأجهزة الأيديولوجية لأميركا المستعمرة والعنصرية والصهيونية على السواء, أميركا التي تجسّدت إرهابياً في "الآخر" (1999) وعادت لتسقي الابن بسموم عنصريتها فتباعد بينه وأبيه الذي لم تكتمل فرصته بمعرفة الابن, وينتهى الفيلم والابن سادراً في إنكار أبيه الذي لم يسهم في تربيته (لأنه لم يكن يعرف بوجود الابن) التي اكتملت في سياق معادٍ لكل ما يمثله الأب.

ويمكن للعارف بالرواية العربية أن يجد وجه شبه لتيمة الابن الذي ينكر أباه ما بين فيلم يوسف شاهين ورواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا" حيث نواجه الابن الذي تركه والده رضيعاً, فأخذته أسرة إسرائيلية وتبنَّته, فأصبح إسرائيلياً. وحين يتاح لأبيه العودة إلى حيفا, ويكتشف وجود ابنه, ويذهب إليه بعد مرور السنوات العديدة, تعظم صدمة الأب حين ينكره الابن الذي تربَّى في سياق أجهزة أيديولوجية معادية, صاغت وعيه الإسرائيلي الذي لم يعد فيه مكان لأي مشاعر إزاء أبيه الطبيعي الذي اضطر وزوجه إلى الفرار من حيفا إنقاذاً لحياتهما, وعلى نحو أذهلهما عن حمل الوليد الذي ضاع منهما في متاهات الرعب.

ويقع يحيى شكري مراد في ما وقع فيه العائد إلى حيفا بالمعنى الرمزي, لكنه لم يكن يعرف أن له ابناً إلا بعد أن فاجأته حبيبته القديمة بكشف السر الذي أخفته عنه منذ لقائهما الذي أثمر الابن سنة 1975, والابن الذي اكتمل وعيه في ظل ثقافة معادية للعرب لا يمكن أن يعترف بالأب, حتى لو كان هذا الأب مخرجاً عبقرياً شاهد أعماله في مهرجان نيويورك السينمائي بضغط من أمه. والأب يبذل أقصى ما يستطيع لاسترجاع الابن الذي يظل نافراً, رافضاً إلى نهاية الفيلم, وذلك على نحو يبدو معه الرفض موازاة رمزية لاستحالة إقامة علاقة ناجحة لها ثمرة مواتية مع الآخر, خصوصاً إذا ما ظل هذا الآخر على ما هو عليه من غطرسة, أو إذا ما ظل العنصر المنتسب فيه إلى أميركا العنصرية هو السائد والأغلب.

ويتجلى التباس العلاقة بين الأنا والآخر على هذا النحو عبر توازيات وتقابلات (بل تداخلات) الأزمنة في النسيج السردي للفيلم. ويمكن التمييز في هذا المجال - بين ثلاثة أزمنة على الأقل: زمن الأربعينيات الذي يمتد من 1946 إلى 1948, وهو زمن الدراسة في معهد باسادينا, حيث أميركا التي كانت لا تزال محافظة في كثير من المناحي التي أغفلها الفيلم وناقضها في غير حالة. وزمن السبعينيات (سنة 1975 إن لم تخن الذاكرة) حيث اللقاء بالحبيبة القديمة التي انحرفت تحت ضغط سوء الأحوال الاقتصادية, وقررت الاستقامة بالزواج من شخص لا تحبه, فتلتقي بالحبيب القديم اللقاء الذي يستعيد الماضي ويرهص بالمستقبل, وتكون ثمرته الابن الذي ظل كأبيه لا يعرف السر الذي أخفته عنهما الأم لسبب لا ندريه على نحو مباشر أو صريح, لكنه يرتبط بطبيعة التشويق في عنصر المفاجأة التي ينبني عليها السيناريو الذي كتبه يوسف شاهين بمساعدة تلميذه خالد يوسف. والزمن الثالث هو الزمن الحالي, زمن بداية الألفية الثانية الذي لا نزال نعيش فيه, حيث يأتي الاكتشاف المتأخّر للأب المعادي للسياسة الأميركية والابن الذي تتجسد فيه عنصرية هذه السياسة ولا إنسانيتها. وبالطبع, فإن كل زمن يحمل ملامحه الخاصة, وذلك على نحو يبرز مفارقة الانتقالات بين الأزمنة في علاقات التوازي أو التقابل. ولكن الملامح الخاصة بكل زمن لم تنل حقها الكافي من عناية المخرج الكبير الذي ظل مشغولاً بالرسالة الإيديولوجية على نحو لم يكافئه الانشغال بتفاصيل بناء علاقات الأزمنة, خصوصاً في اختلافها الذي استحال إلى مشابهة تأكدت بتقارب الأزياء والديكورات وعلاقات الألوان وزوايا اللقطات وحركة الرقصات.

ويبدو التشابه بين الأزمنة مبرَّراً من منظور الزمن الأخير الذي تغلَّب على الأزمنة السابقة, وجعل البطل يحيى شكري مراد (قناع يوسف شاهين) يرى الأزمنة الماضية من عدسات الزمن الحاضر الذي يعيشه, ونكتوي معه بنيران كوارثه. أعني زمن أميركا التي يحكمها يمين متطرف في رجعيته, عنصري في نظرته, استعلائي في علاقته بغيره من شعوب العالم. والنتيجة أميركا المنحازة إلى إسرائيل من دون قيد أو شرط, والمعادية لحركات التحرر القومي الجديد, والغازية بالدمار لكل من أفغانستان والعراق تحت شعارات الحرية والتقدم التي ليست سوى شعارات زائفة تكشفت على نحو فاجع في ما حدث في سجن أبي غريب العراقي. ولأن الأعين المطلة من وراء قناع يحيى شكري مراد هي الأعين التي ترى أبشع وجوه أميركا, في تسلّطها وعنصريتها وقمعها, فإن ما تراه هذه الأعين يفرض نفسه على الوعي, ويصنع له عدسات قاتمة لا ترى الحاضر في مأسويته فحسب, بل تخلع هذه المأسوية على أزمنة الماضي كلها, فيراها البطل من منظور واحد لا يبرز الفوارق ولا يعترف بها, ولا يلمح المتغيرات الدالة أو يضعها موضعها من السرد السينمائي. هكذا, جاءت أميركا مطلع القرن الواحد والعشرين غير مختلفة عن أميركا السبعينيات أو الأربعينيات, حيث المحطات الزمنية التي يتحرك بينها السرد السينمائي ذهاباً وإياباً.

ولذلك فإننا نرى نيويورك في فيلم يوسف شاهين بأعين إيديولوجية لا تهتم كثيراً بموضوعية المغايرة أو رصد المتغيرات الزمنية الدالة, تماماً كما تبدو الإسكندرية من منظور واحد, لا يفارق معنى التثبيت العاطفي, وذلك في التضاد الذي يجعل الأولى نقيض الثانية والعكس صحيح بالقدر نفسه من زاوية الرسالة الإيديولوجية للفيلم.

أما عن الرسالة الإيديولوجية التي شغلت يوسف شاهين بعلاقة الأنا بالآخر: الشرق المُسْتَغَل والغرب المُسْتَغِلّ, إسكندرية التسامح ونيويورك التعصب, نقاء البطل الإسكندراني الذي لا ينحرف وانعدام هذا النقاء في الحبيبة الأميركية التي انحرفت ثم تابت, لكن توبتها لم تمنع من وجود البذرة الفاسدة التي انتقلت منها إلى الابن. ولذلك يبدو هذا الابن ممزقاً بين جينات الأب الفنان العبقري التي تثمر فيه راقص الباليه الموهوب في نيويورك, والجينات السلبية للأم التي أثمرت - على رغم الندم - التنكّر للأب الذي أخفت الأم نفسها ثمرة علاقتها به لسنوات وسنوات. ولم تكشف عن الحقيقة إلا بعد أن تيقنت من نجاح الحبيب القديم الذي أصبح مخرجاً عالمياً يلقى التكريم في كل مكان, ويحتفي به مهرجان نيويورك مؤكداً مكانته بما يجعل الانتساب إليه سبباً للفخار. والمحصلة المتكررة لهذه الثنائيات هي حشد الإيجابيات في ناحية الأنا أو البطل الإسكندراني الذي لا تشوبه شائبة ولا تقترب منه الهاماتاريا الأرسطية في أي مشهد من مشاهد الفيلم, وحشد السلبيات في ناحية الآخر بتمثيلاته المتعددة.

ويبدو أن يوسف شاهين ومساعده التنفيذي - خالد يوسف - انتبها إلى سذاجة الصيغة الحدِّية لهذه الثنائية الضدية, فقرَّرا التخفيف منها في بعض المشاهد, فأظهرا عميد المعهد وأستاذة الدراما بما يدل على خلوهما من التعصب, لكن بما أضاف إلى أوصاف عبقرية البطل ما يؤكد الثنائية نفسها. وقس على ذلك مدير مهرجان نيويورك الذي بدأ محتفياً بيوسف شاهين وانتهى مؤكداً للصيغة الحدية للثنائية في تضادها الفاقع. وأضيف إلى ذلك تكريم مهرجان كان الذي لم يخل من معنى الاضطهاد المطلق لكل ما هو عربي, فأضاف المزيد من اللون الفاقع للثنائية الضدية المتكررة. وأتصور أن البعد الأحادي لهذه الثنائية هو المسؤول عن تصوير "المرأة" الأميركية في الفيلم في صورة سلبية على نحو متكرر, فهي صاحبة المنزل التي تنام مع الطلاب جميعاً في باسادينا, وهي الحبيبة التي لا تقاوم حتى النهاية فتبيع جسدها هي وصديقتها الحميمة. ويبدو الأمر كما لو كانت هذه المرأة الرمز الجنسي الموازي للولايات المتحدة, مقابل الرمز المناقض للبطل الذي تصل به مبالغة المخرج إلى جعله ينشد السلام الأميركي في حفل تخرّجه لأنه فوق الخطأ وفوق التحيّز, مع أن المبالغة تؤدي دلالة مناقضة في إشارتها إلى تهيج آلية دفاعية مضمرة.

والحق أن هذه الالتباسات لم تفسد عليّ متعة مشاهدة "إسكندرية.. نيويورك" فالسيناريو الذي كتبه يوسف شاهين بمعاونة خالد يوسف أكثر إحكاماً من سيناريوهات الأفلام السابقة التي دفعتني إلى استنكار كتابة يوسف شاهين لسيناريوهات أفلامه, والتغيرات الموجودة في النص المكتوب الذي ظهر على الشاشة لا تقلّل من الإحكام النسبي للسيناريو والحوار بالقياس إلى أفلام أخرى. وحرص يوسف شاهين على إمتاع العين بحركة الكاميرا واختيار الزوايا الدالة وصياغة ضفيرة متجاوبة من الصوت واللحن, جنباً إلى جنب مشاهد الباليه الموضوعة في أماكنها داخل السيناريو, مسائل تؤكد أستاذيته, تلك الأستاذية التي تظهر في اختيار الممثلين وتحريكهم وإطلاق الطاقات الخلاقة بداخلهم. ولا بد من تهنئة يوسف شاهين على اكتشافه الممثل الواعد داخل شخصية أحمد يحيى راقص الباليه الذي أدَّى دورين داخل الفيلم: دور يحيى الشاب, ودور إسكندر الابن فكان بارعاً في الاثنين بفضل توجهات المخرج اللمّاح القادر على رؤية ما لا يرى في الممثلين. وكان أداء محمود حميدة مذهلاً في دور يحيى السبعيني, وكذلك يسرا ولبلبة, وكلتاهما تمتلك قدرة عالية على تجسيد الدلالات العديدة - والمتعارضة أحياناً - في المشهد الواحد. وقد أكّدت يسرا قدراتها الأدائية الاستثنائية كما سبق أن فعلت في أعمالها السابقة. والتهنئة واجبة لماجدة الخطيب وسناء يونس وسعاد نصر, ولازمة للشابات ابتداء من يسرا اللوزي التي أدّت بتلقائية دور جينجر الصغيرة ونيللى كريم في كارمن وغيرهما. ولا أنسى إخراج عبدالمنعم كامل للجزء الخاص بباليه كارمن, ولا أعرف إن كان هو الذي قام بإخراج مشاهد الباليه الأخرى التي أدَّاها أحمد يحيى من باليه "زوربا" وغيره, حيث اعتمد يوسف شاهين على تسجيلات فيديو مأخوذة من دار الأوبرا المصرية. أما موسيقى وألحان فاروق الشرنوبي التي أداها علي الحجار وهدى عمار فكانت في مستوى كلمات جمال بخيت والموسيقى التصويرية ليحيى الموجي, وبراعة تصوير رمسيس مرزوق التي تجاوبت مع غيرها من العناصر لتصنع فيلماً عالي المستوى ليوسف شاهين الذي لا يكفّ عن الاستجابة إلى اللهب المقدس للفن في داخله فيمتعنا بتقنياته الجمالية وجسارة معالجاته الإبداعية وطزاجة أحاسيسه الإخراجية حتى لو اختلفنا معه في تفاصيل رؤيته الإيديولوجية.

الحياة اللبنانية في

26.05.2004

 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)