أسماء كبيرة تكرر أعمالها وتسقط دماء وجرائم وانتحار تسيطر
على مهرجان «كان»
كان ـ مسعود أمر الله آل علي
كان هذا العام متميزاً بحضور صاخب وأنوار ساطعة، والأسماء اللامعة، ولكن
الأفلام جاءت باهتة كما كان متوقعاً، فالمشكلة في تكرار الأسماء ذاتها في
المسابقة الرسمية. أسماء يبدو أنها شاخت وأصبحت تصنع أفلاماً مكررة بدورها،
أو مقتبسة من أعمال سابقة. لم نجد ما يُبهرنا ويُفاجئنا، ولم نجد ما يُمكن
تسميته «تحفة سينمائية»، ستُضيف أو ستعلق في أذهاننا لسنوات طويلة.
أفلام تُنسى بمجرّد مشاهدتها تبحث عن نفس طازج جديد يمنحنا رعشة العتمة حين
تتساقط أضواء الحكايات الإنسانية، على بياض الشاشة النقي، لكننا صُدمنا
بحمرة الدماء تحتل الشاشة مع العنف أو الجريمة، أو الشخصيات الانتحارية
بشكلٍ عام تُلاحقنا حتى في أحلامنا بعد يوم منهك من المتابعة.
في «لاموس» تنتحر زوجة رجل الأعمال، كما في «متوارٍ» بطلقة في الرأس، وفي
«ضارب» ينتحر الأب بعد فصله من عمله في لج البحر، بينما في «نهارات أخيرة»
ينتحر الممثل الرئيسي في نهاية الفيلم. في «معركة في السماء» تُقتل البطلة
في حادثة مجانية، في «انتخاب» تبرع عصابتان في فنون القتل، حتى يصل الأمر
بزعيم إحدى العصابتين إلى قتل منافسه بضربات متواصلة وجامدة بحجر ضخم على
رأسه.
في «الكيلومتر صفر» سيارات بامتداد النظر من الجثث، وتعذيب وشجارات لا
نهائية. في «أينما تختبئ الحقيقة» تدور الحكاية أصلاً حول جريمة قتل في
فندق. في «تاريخ العنف» تصل الدماء إلى ذروتها حتى تأخذ شكلاً
كاريكاتورياً. في «مدينة الخطيئة» آلاف الرصاصات والقتلى. في «المقابر
الثلاث لميلكيدوس إسترادا» يُقتل إسترادا ويدفن، ثم يدفن مرة أخرى، ثم
يتعفّن، ثم يُدفن ثالثة.
أفلام المسابقة الرسمية
أفلام قليلة هي التي أحدث الفارق في المسابقة الرسمية، وأضافت نكهة خاصة
إلى خلطة كان. في «متوارٍ» للنمساوي مايكل هانيكه يُدهشنا في أسلوب طرح
حبكة الفيلم المبتكرة، ويُقحمنا في لغز الحكاية الذي يظلّ مبهماً حتى بعد
نهاية الفيلم، وذلك عندما يتلقى زوجان شريط فيديو يصوّر حياتهما سرّاً،
فتبدأ الأسئلة المحيرة: مَن صنع الشريط؟ هل هو بداية لسلسلة من الأشرطة
المقبلة؟
ما هو الغرض من إرساله؟ ومن مرسله؟ وعندها تبدأ الشخصيات بمراجعة حياتها
أولاً، واكتشاف طبيعة كل منها على سجيتها الحقيقية.«ضارب» للياباني مساهيرو
كوباياشي يستعرض بحرارة العلاقات الإنسانية سواء في قمّة قسوتها، أو في أرق
حالاتها، وذلك عندما تعود البطلة إلى اليابان بعد ستة أشهر من أسرها في
العراق، لتجابه مآزق ومحناً لم تتوقّعها.
في «أحلام شنغهاي» للصيني وانغ زياوشواي يتّخذ الفيلم شكلاً واقعياً بحتاً
وكأنك تعيش الحياة بلحظتها الآنية في الصالة؛ فلا مزايدات أو رتوش في الحلم
الذي تعيشه الشخصيات في الرجوع إلى شنغهاي بعد أن أجبروا على الرحيل
منها.تظل بقية الأفلام متراوحة بين المتوسط والعادي جداً.
هناك أفلام جميلة، مثل «الطفل» البلجيكي للأخوين لوك جان ـ بيير داردينيه،
وفيلم «أيام أخيرة» للأميركي غاس فان سانت، لكنهما نسخ أقل إبهاراً وألقاً
من أفلامها السابقة.«الطفل»، كما في «أحلام شنغهاي»، أنت في لب الواقع دون
ماكياج في قصة إنسانية عميقة بين صديق وصديقته يعيشان على حافة الحياة،
وبينهما طفل عمره تسعة أيام.
لا يبدو الأب مكترثاً أو مهتماً بالطفل، هو لص ومزوّر ومتعاط للكحول
والمخدرات، ويعيش يومه مما يكتسبه من هذه المهن الفاسدة.«أيام أخيرة»
يتعرّض إلى اللحظات الأخيرة في حياة المطرب كورت كوبين، وما شابها من
انهيار تام في الإحساس بالحياة ومتعها. فان سانت يستخدم البناء المتداخل
والمشتبك والملتوي.
هناك أفلام سقطت في فخ اللعبة البصرية والإدهاش اللحظي، وفشلت في شحن
المضمون بالهم الإنساني المحايد. «الكيلومتر صفر» للكردي ـ العراقي ـ
الفرنسي هونير سليم أتى جافاً وقاسياً لوجهة النظر التي يطرحها؛ فعوض تأريخ
واستعراض الوضع السياسي في العراق في مرحلة الثمانينات أثناء الحرب مع
إيران، وقُبيل الإبادة الجماعية في «حلبجة»، نجده يغوص في المشكلة الكردية
صانعاً فيلمياً يستمد رؤاه بأحادية، ويعنيه هو بالذات ككردي.
الكندي أتوم أغويان في «أينما تختبئ الحقيقة» يصنع فيلماً بارداً للسوق
الأميركية على ما يبدو، ولا يختلف عنه زميله ديفيد كروننبرغ في «تاريخ من
العنف». الاثنان يتناولان محور الجريمة بطريقة ملغّزة.«أينما تختبئ
الحقيقة» يتبع حكاية ثنائي استعراضي كوميدي يتم العثور على جثة فتاة في
غرفة فندقهما.
ولا دليل دامغ على تورطهما في قتلها، يفترق الاثنان فجأة، ويتوقف البرنامج
الجماهيري الناجح الذي تقاسماه لفترةٍ طويلة، ويختفيان عن الأنظار.في
«تاريخ العنف» يتواصل لغز أغويان هنا، وذلك عندما يضطر أب أسرة إلى القتل
دفاعاً عن رزقه وعائلته، ويمضي بنا إلى سلسلة من الحالات «الاضطرارية» التي
ينخرط فيها الأب في تفجير رأس كل من يقابله في طريقه.
يعود الدانماركي لارس فون تراير في «ماندلاي» بجزءٍ ثانٍ من ثلاثية، بدأها
بفيلم «دوغفيل»، وسيختمها في 2007 بفيلم «واشنطن». هذه المرّة يطرح قضية
العبودية في فترة الثلاثينات في أميركا.ويعود الأميركي جيم جارموش في «زهور
مهشّمة»، وهو كوميديا سوداء خفيفة معبّأ بالقفشات الذكية، والتمثيل المحكم،
وخاصة من بيل موراي.
فيلم جيد آخر هو «الثلاث مقابر لميلكويس إسترادا» للممثل الأميركي الشهير
تومي لي جونز في أوّل تجربة إخراجية سينمائية. عندما يُقتل «إسترادا»
الصديق المكسيكي الأعز لتومي لي جونز، يحافظ الأخير على تنفيذ أمنيته بدفن
جثته في قريته في المكسيك بين عائلته؛ ويمضي في رحلة على حصان برفقة الجثة
والقاتل بين الجبال والسهول إلى وجهة هلامية.
الألماني فيم فيندرز يعود إلى أجواء فيلمه «باريس-تكساس» مع سام شيبارد في
فيلمه «لا تأتي متجولاً»، ولكن بخيبة أمل كبيرة هذه المرّة. يبدو الفيلم
متكلفاً ومتصنعاً، وفيه الكثير من الإدعاء والفذلكة الإخراجية.مرّة أخرى
عاموس غيتاي في المسابقة الرسمية بفيلم «منطقة حرّة» حول ثلاث نساء من
جنسيات مختلفة: ناتالي بورتمان من أميركا.
وحنا لازلو من إسرائيل، وهيام عباس من فلسطين تأخذهن الأحداث في رحلة إلى
الأردن. يقدّم الفيلم معلومات بديهية وساذجة حول الاحتلال الإسرائيلي
لفلسطين وللجزء الحدودي من الأردن، ويُحاول إقناعنا باستخفاف بمعاناة كل
منهن.
غياب العرب
وبدا الحضور العربي واهناً في المسابقة الرسمية؛ فباستثناء فيلم هونير سليم
«الكيلومتر صفر» ـ ولا نعلم إن كان بإمكاننا اعتباره عربياً لأن صانعه اتخذ
موقف الضد في الفيلم ـ لم يكن العرب موجودين إلا في خلفيات الأفلام الأخرى؛
في «متوارٍ» تحضر شخصية الجزائري المشكوك في أمرها بإرسال الأشرطة، ما تؤدي
بها إلى الانتحار. في «ضارب» تأتي البطلة من العراق بعد اختطافها والعفو
عنها. في «لا تأتي متجولاً» تظهر لقطة على التلفزيون للوضع في فلسطين، لا
نعرف السبب.
فيلم «ثلاثة أوقات» للتايواني هو هيساو ـ هيسن يأتي ضعيفاً وهشّاً، هذا
المخرج الذي أدهشنا في أفلامه السابقة يسرد هنا ثلاث حكايات في أزمنة
مختلفة وبنفس الممثلين، وقت للحب الذي تجري أحداثه في الستينات، حول امرأة
تشرف على صالة بلياردو وتقع في الحب مع زبون يأتي لأوّل مرّة، لكنه لا
يستطيع نسيانها.
تظاهرة «نظرة ما»
خيبة اخرى حضرت إلى «كان» هذا العام تمثلت في اختيارات تظاهرة «نظرة ما»،
هذه التظاهرة التي عادة ما تكون أكثر فنية وأهمية، لأنها تبحث عن
الاكتشافات الجديدة والمغايرة والمستقلة، وتدعم السينما الشابة، وتفرد
مساحات واسعة للصورة البديلة. أتى معظم أفلام هذه السنة فاتراً وعادياً
وأقل من الطموح.
من الأفلام المضيئة فيلم «مدينة أدنى» للبرازيلي سيرجيو ماشادو الذي يرحل
في علاقة ثلاثية بين شابين أمضيا حياة الطفولة معاً، ويعملان الآن في نقل
البضائع بحراً عن طريق سفينة صغيرة يمتلكانها.
الفيلم البرازيلي الآخر «سينما، أسبرين ونسور» يصحبنا المخرج مارتشيلو
غوميز في رحلة وسط الشمال الشرقي من البرازيل في العام 1942 في أوّل إخراج
له، وذلك عندما يلتقي رجل ألماني «يوهان» هارب من الحرب مع البرازيلي «رانولفو»
الهارب هو أيضاً من القحط الذي أصاب المنطقة.
في فيلم «القوس»، ينسج المخرج الكوري كيم-كي دوك فيلماً رائعاً حول عجوز
ستيني يقع في حب فتاة في السادسة عشرة مخططاً الزواج منها في عيد ميلادها
السابع عشرة. الاثنان يعيشان على سفينة وسط البحر، غير أن الفتاة لم ترَ
المدينة أو البر منذ العاشرة من عمرها. تبدو نظرة كي-دوك الشخصية مغايرة عن
مجايليه، وخاصة في تناوله مواضيع الحياة العادية بأسلوب مركّب وغير مباشر.
المخرج الأسترالي توني كرافتز يُشارك بفيلم «فتى يهودي» 52 دقيقة) حول شاب
يدعى «يوري» يعود من إسرائيل إلى أستراليا، بعد أن مات أبوه وأقام مراسم
الجنازة، يعود أكثر قسوة وحدّة على نفسه، رافضاً ديانته اليهودية، تائهاً
في المدينة، متخلياً عن صديقته ليعمل سائق أجرة. الفيلم متوسط المستوى،
ويظل بطيئاً في إيقاعه على الرغم من قصر مدّته.
في تجربة غير مطروقة من قبل، يحاول المخرج الهنغاري كورنيل موندروزو في
«جوانا» أن يمزج الدراما بالأوبرا، ولكن بطريقة عصرية، حيث تتناول الكلمات
مشاكل مثل المخدرات والجرائم والوحدة والتوهان. بصرياً الفيلم أكثر من
رائع، والألوان مدهشة وخلابة، لكن على الصعيد الدرامي، يبقى ثقيلاً نوعاً
ما.
الفرنسي فرانسوا أوزون في «وقت للرحيل» يعود بفيلم إنساني صرف، هذا الولد
الذهبي -كما يُلقبه الفرنسيين- يتناول حياة «رومين»، شاب في الثلاثينات من
عمره، مصوّر مشهور، يعيش حياة أكثر من رائعة، لكنه يكتشف في يومٍ ما أنه
مصاب بالسرطان، وأمامه شهران قبل أن يموت.
المغربية ليلى مراكشي في «ماروك أو المغرب»، الفيلم العربي الوحيد في
التظاهرة، تستعرض حياة المراهقين في الدار البيضاء، وخاصة الطبقة الراقية
منهم. نمط عيش غربي يصطدم بالعادات والتقاليد، رومانسية، حفلات ليلية،
صداقات، سيارات وسباقات، موسيقا في معظمها غربي، حفلة تخرّج الثانوية
العامة. يتمركز الفيلم حول «ريتا» المسلمة التي تقع في حب شاب يهودي، وتجد
الرفض من قِبل الأخ، الوحيد الذي يصلي ويصوم رمضان، ومن قِبل الأهل أيضاً.
تصر «ريتا» على استمرار هذا الحب، وتقابله خفية. في أحد المشاهد، ينزع
اليهودي قلادة عليها نجمة داود ويلبسها «ريتا». في مشهد آخر، يُصلي الأخ،
لكن «ريتا» تنهره وتقاطعه. لا نعلم ما الذي تُريد إيصاله ليلى مراكشي،
فالشاب اليهودي يموت في حادثة سيارة عادية لينتهي الفيلم، إذن حتى طرح
مسألة تعدّد الديانات لم تجد المبرّر الكافي لتمريرها هنا.
الأرجنتيني خوان سولاناس في «شمال شرق»، يصنع فيلماً هادئاً تنطق فيه
الصورة والحكاية معاً، في أوّل إخراج له، والده المخرج المعروف فرناندو
سولاناس، ينسج حكاية عميقة لامرأة وطفلها يعيشان في قرية صغيرة يطالبها
صاحب الأرض بإخلاء البيت لبناء مشروع تجاري. من جهة أخرى، تأتي امرأة من
باريس لتتبنى طفلاً. تتقابل المرأتان صدفة، وتنشأ بينهما علاقة.
في «سانغري» للمخرج المكسيكي أمات إسكلانتي تنقلب حياة «دييغو» البوّاب
عندما تزوره ابنته المراهقة من زوجة سابقة طالبة العيش معه، لكن الزوجة
الجديدة ترفض مجرّد وجودها، فيقع الأب والزوج في حيرة بين ابنة يائسة على
شفا الانتحار، وزوجة عنيدة وغيورة. الفيلم مأساوي وجارح، خاصة في تلك
المشاهد التي تنتحر فيها الابنة، ويُجبر الأب على رمي جثتها في مكان تجمع
القمامة.
أفلام سوق كان
هنا بعض من الأفلام العربية التي عُرضت في سوق الأفلام، وهي لا تدخل هنا في
أي من أقسام كان الرئيسية، ولكنها عروض خاصة بالمنتجين والموزعين.فيلم
«الجنة الآن» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد ربما يكون من أجمل وأعمق
الأفلام العربية المعروضة، وقد حاز على جائزة في مهرجان برلين الماضي.
والفيلمان العربيان الآخران، يشتركان في موضوع الرقص الشرقي. أجساد وأجساد
كثيرة ترقص كفن أو كاستعراض. في «صباح» للمخرجة الكندية ـ السورية ربى
ندّه، نتتبع حياة المسلمة «صباح» التي تعيش مع أسرتها المحافظة في كندا.
«صباح» ممنوعة من الخروج، عليها أن تؤدي واجبات المنزل من طبخ وتنظيف،
وتلتزم بمواعيد خروجها ودخولها.
هذا الفيلم الذي كنّا نرقبه طويلاً من ربى، والذي أنتجه المخرج الكندي
الشهير أتوم أغويان وتلعب زوجته الحقيقة دور «صباح» أتى مخيّباً ومكرّراً
لآلاف الأفلام التي تطرّقت إلى موضوع الزواج من ديانات أخرى، كما فيلم
«ماروك»، ويبدو موجهاً إلى جمهور غربي يفتّش على مثل هذه المواضيع التي
يستكشف فيها أجساد النساء العربيات وهن يرقصن بداعٍ أو من غيره.
في محاولة للمزج بين المادي (الجسد)، والروحي (الشعر) تحاول جوسلين صعب في
فيلمها «دنيا» أن توجد قصة تتصاعد فيها الدراما على أكثر من منحى: الرقابة،
المحرمات، العادات والتقاليد، الختان، حرية التعبير الفكري،ولكنها لا تنجح
لأن الفيلم يُعاني من إطالة غير مبررة، وخاصة في مشاهد الرقص، وقراءة
الأشعار.
وفي مشهد الختام أيضاً عندما ترقص حنان ترك لمدّة تربو على الأربع دقائق في
مشهد بطيء وثقيل، ربما لأن المخرجة أرادت أن توصل فكرة الإرادة والتحدي
والإتقان، ولكن هيهات.
####
توزيع جوائز مهرجان «كان» في ختام فعالياته
(كان ـ خاص لـ «البيان»)
اختتم مهرجان «كان» السينمائي الدولي دورته الثامنة والخمسين ليل أمس في
حفل الختام، الذي حضرته مجموعة كبيرة من المشاركين من السينمائيين
والمهتمين والفنيين. وزعت خلاله عشر جوائز تتصدرها جائزة السعفة الذهبية
التي حصدها الاخوان (جان بيير ولوك درديني) عن فيلمهما «لان فانت».
وحصل المخرج الأميركي جيم جارموش على الجائزة الكبرى عن فيلمه «الزهور
المكسورة» وجائزة أفضل ممثل ذهبت للأميركي أيضاً توم لي جونز عن فيلم
«المقابر الثلاث»، وأفضل ممثلة للاسرائيلية حنا لازلو عن فيلم «منطقة حرة»
من إخراج عاموس غيتاي. وحاز المخرج الفرنسي النمساوي الأصل مايكل هانيكه
على جائزة أفضل إخراج عن فيلمه «كاشيه».
وجائزة أفضل سيناريو انتزعها جيرمو ارييغا، وجائزة الكاميرا الذهبية وهي
خاصة بأول عمل لمخرج تقاسمها السيرلانكي جايا سوندرا، والأميركية ميرندا
جولاي. والجائزة الخاصة للجنة التحكيم حصل عليها المخرج الصيني وانغ
زياشواي عن فيلمه «أحلام شنغهاي».
####
حين يتحول
الحدث الصغير إلى قصة سينمائية كبيرة
الأبوة الغائبة وطمأنينة الأمومة مفردات تتكرر
حاملة الهموم الإنسانية
«كان» ـ عرفان الزهاوي
تكررت المفردات والموضوعات في الدورة الثامنة والخمسين لمهرجان «كان»
السينمائي، ومن بينها موضوع الأبوة، وعلاقة الأبناء بالأب وكون الأم، أو
المرأة بشكل عام، المرساة التي تُعطي العائلة (والأبناء) قدراً لا بأس به
من الطمأنينة واستعادة التوازن. بدا ذلك واضحاً في شريط الإيطالي ماركو
توليو جوردانا من خلال صلة الصغير «ساندرو» بوالده وصلته بالآخرين عبر مرآة
الأب.
وتجلى ذلك بشكل أكثر وضوحاً، في الشريط الجميل «لا تأت وتقرع الباب» الذي
أنجزه المخرج الألماني فيم فيندرز بالتعاون مع الكاتب والممثل الأميركي سام
شيبارد الذي جسد في الشريط شخصية « هاوارد سبينس» بطل أفلام رعاة البقر
الذي يشعر بالضياع وبفقدان القناعة، إزاء ما يفعل، فهو برغم الشهرة يشعر
بالرغبة في الهرب من عالمه المزيّف، والذي لم يعد موجوداً في الواقع.
ويهرب خلال تصوير مشاهد الفيلم الجديد من موقع التصوير وينتهي به الأمر إلى
البلدة التي تعيش فيها والدته العجوز. ويكتشف هاوارد قيمة ما قد يعطي
لحياته معنى ما. يكتشف أن إحدى علاقاته العابرة أنتجت ولداً فيحث الخطى
للبحث عن المرأة التي التقاها ولا يذكر منها شيئاً.
ويجد هاوارد ابنه لكنه يكتشف أيضاً مقدار حطة حياته السابقة، ويسعى جاهداً
لربط الصلة مع الابن لكنه يُواجه بالرفض المطلق. وأدت دور الأم بشكل جميل
النجمة جيسّيكا لانغ ـ زوجة سام شيبارد ـ حيث ترفض أن تكون الطُعم للوصول
إلى قلب الابن لكنها لا تقف حائلاً أمام عودة الصفاء بينهما.
تكتشف أن لهاوارد ابنة حملت هي الأخرى رماد أمها لتذرّه في سماء البلدة
التي ولدت فيها. الفتاة « سكاي» ـ أدت الدور سارة بولّي ـ تتمكن في النهاية
من إقناع الابن بالعفو عن أخطاء الوالد الذي يعود إلى موقع التصوير لإنهاء
مشاهد الفيلم، وليحول دون المصائب التأمينية التي لا حول لكاهليه،
المتعبين، أصلاً على تحمّلهما. على أمل أن يعود إلى تلك البلدة ويبني
عائلة.
بعد نجاحهما المطلق في أعمالهما الأخرى، وبالذات في فيلمي «روزيتا» في سنة
1999 و«الإبن» في سنة 2002 يعود الأخوان جان بيار ولوك داردين إلى شغفهما
بالحكايات والقصص الصغيرة، التي قد تمر أمام ناظرينا على صفحات الصحف
اليومية من دون أن تثير اهتمامنا.
قصة «برونو» الشاب السارق المشرّد و«سونيا» الفتاة الشقراء التي رُزقت منه
قبل أسبوع بمولود ذكر تتحول بين يدي هذين المخرجين إلى مأساة تشمل الجميع
بتأثيراتها وتلّم بين ظهرانيها مفردات عديدة منها بؤس مناطق الضواحي في
المدن الكبرى وجريمة القاصرين وأيضاً قدرة حدث صغير آخر على إحداث الانقلاب
الضروري في حياة من لم يمتلك في حياته احتراماً أو اعتباراً لأي شيء بما في
ذلك الطفل النازل من صلبه.
وربما كانت هذه الرسالة الأساسية التي يسعى الأخوان داردين إيصالها إلى
المشاهد، أي قدرة الإنسان على التمرّد على ماضيه الأسود، والعودة كائناً
طبيعياً يقيم للمبادئ الإنسانية حساباً خاصاً ومهماً.وإذا كان شريط
كروننبورغ «تاريخ من العنف» دلل من خلال بطليه الثانويين وليم هارت وإيد
هاريس، أن لا وجود لدور كبير أو دور صغير، فإن شريط الأخوين داردين، يؤكد
أن لا وجود لقصة سينمائية كبيرة أو قصة سينمائية صغيرة.
كل شيء وكل حدث يمكن أن يتحوّل إلى قصة سينمائية كبيرة إذا ما أمسكت به
أنامل فنانين مبدعين من مقاس الأخوين داردين. هذان المخرجان سبق وأن حملا
إلى بلدهما، بلجيكا، السعفة الذهبية في سنة 1999 عن فيلم «روزيتا», وفازت
بطلة الفيلم إيميلي ديكيني بجائزة أفضل ممثلة عن دورها (روزيتا) وفاز بطل
فيلمها السابق (الابن) أوليفييه غورمييه بجائزة أفضل ممثل عن دوره في
الفيلم في سنة 2002.
ورغم أن الكثيرين يستبعدون أن يقع شريط الأخوين داردين ضمن الأفلام التي
يُفضّلها رئيس لجنة التحكيم الدولية أمير كوستوريتسا، فإن هذا الشريط
البسيط والأخّاذ سيعود بالتأكيد إلى بلاده حاملاً معه إحدى جوائز المهرجان.
وعلى أي حال فقد فاز بتقدير النقّاد الحاضرين في المهرجان.
####
فرنسا وأحلام السعفة الذهبية
قبيل الإعلان أمس عن جوائز مهرجان «كان»، وفي طليعتها السعفة الذهبية، حلمت
فرنسا بانتزاع أول سعفة ذهبية لها منذ سنة 1987 بفيلم «كاشيه» (مخفي).
ويحتل الفيلم الفرنسي الذي اخرجه النمساوي مايكل هانيكي وقام ببطولته
دانييل اوتوي وجولييت بينوش الصدارة في ترتيب الافلام الاوفر حظاً، الذي
وضعته صحيفة «لو فيلم فرانسيه» السينمائية المتخصصة مستندة الى التعليقات،
التي كتبت عنه في الصحف الفرنسية.
وحصل فيلم «كاشيه» مساء الجمعة الماضي على جائزة الاتحاد الدولي للنقاد
السينمائيين وأيضا جائزة لجنة التحكيم المسكونية مما يعزز موقفه أكثر.
وتنافس على السعفة مع «كاشيه» أربعة أفلام هي «لاست دايز» (آخر الأيام)
لغاس فان سنت (الولايات المتحدة) و«اندرلاي» لارس فون تريير (الدنمارك) و«روكن
فلاورز»(زهور محطمة) لجيم جرموش (الولايات المتحدة) و«انفان»(الطفل)
للأخوين جان بيار ولوك داردن (بلجيكا).
وضمن قائمة الأوفر حظاً تضم أسماء من أصحاب الوزن الثقيل في عالم السينما
العالمية. وعلاوة على ذلك فان ثلاثة منهم سبق ان حصلوا بالفعل على سعفة
ذهبية وهم الاخوان دارين سنة 1999 عن «روزيتا» ولارس فون تريير سنة 2000 عن
«دانسر ان ذى دارك» (راقصة في الظلام) وغاس فان سنت عام 2003 عن «اليفانت»
(الفيل).
وإضافة إلى السعفة الذهبية هناك الجائزة الكبرى التي تمنح للفيلم الأكثر
ابتكارا وجائزة أفضل تمثيل وجائزتا الإخراج والسيناريو وجائزة لجنة التحكيم
وسعفة أفضل فيلم قصير وأخيرا الكاميرا الذهبية لأفضل عمل أول.
(أ.ف.ب)
|