كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

القبس في مهرجان «كان» السينمائي الدولي الـ 58

نجــوم آفـلـة تـبـحـــث عــن ومـضـة ضــياء

وفون تريير يفتح ملف «الديموقراطية المصدّرة»

كان (فرنسا) ـ عرفان رشيد

مهرجان كان السينمائي الدولي الثامن والخمسون

   
 
 
 
 

البساط الأحمر الذي يغطي السلالم المؤدية إلى «صالة لوميير» في قصر المهرجان على بولفارد «الكروازيت» في «كان» ليس حلم المخرجين والنجوم الشباب والطامحين إلى الدخول إلى مجّرة من مجرّات الفن السابع فحسب. المرور على ذلك البساط، ولو لثانية واحدة يعني الانتماء، في نظر الكثيرين، الانتماء إلى الصفوة السينمائية، ولا فرق لدى هؤلاء إن كانوا نجوما أو عاملين بسطاء في الماكنة الإنتاجية أو الإعلامية في هذا الفيلم أو ذاك. المهم هو المرور والاحساس، ولو للحظة واحدة فحسب، أن العالم بملايينه يشاهدونهم في تلك اللحظة. هذا هو «سحر» و«أسر» التلفزيون. ومهرجان «كان» هو المهرجان الوحيد في العالم الذي يوفّر هذه الفرصة، الحقيقية أو المفترضة، لذا فهو المهرجان الوحيد في العالم الذي يسعى وراءه المبدعون والسينمائيون في العالم وهو المهرجان الوحيد الذي يفرض إيقاعه وقوانينه الصارمة على الجميع من دون استثناء.

والمرور على البساط الأحمر ليس السبيل للانطلاق فحسب، بل يمكن أن يتحول إلى سبيل للانبعاث الفني من جديد، وهذا ما يحدث في هذه الدورة لعدد من النجوم الأميركان الذين يبدون كأن «نجمتهم» في سماء السينما قد أفَلَتْ شيئاً ما، وغالباً ما حدث ذلك لأسباب لا يمكن وضع وزرها على كاهل السينما. ربما كانت السينما الأمريكية، بصرامتها وقسوتها في الإقصاءات عن الواجهة هي جزء من مصائب هؤلاء، إلاّ أن الإقصاء الذاتي، في غالب الأحيان بسبب الإدمان على الكحول أو المخدّرات، هو السبب وراء الأزمات التي تُلمّ بهؤلاء النجوم.

وبهذا يصبح المرور على البساط الأحمر أمام صالة لوميير بالنسبة إلى نجم وسيم «سابق» مثل ميكي رورك فرصة ميلاد جديدة. رورك يؤدي دورا مثيرا ومهما في الشريط الجديد للمبدع المتميّز روبيرت رودريغيز «مدينة الإثم».

رورك الذي مرّ قبل وقت قصير بمرحلة أزمات شخصية وعائلية واقتصادية يقول: «لقد مرّ قبلي في هذا المسار شخص مثل جون ترافولتا وقد تمّكن ، لحسن حظه، من الصعود مجددا. أما أنا، وبعد حياة محترقة وإفلاس اقتصادي فإن عليّ أن أصعد أيضاً. عليّ أن أعمل وأعمل..».

وليس رورك لوحده يحلم بأن يتحوّل الحضور إلى «كان» فرصة للصعود من الهاوية من جديد، فهاهو النجم السابق روبيرت دونوي جونيور، الذي دفع بنفسه تكاليف وصوله وإقامته في «كان» للمشاركة في تقديم فيلم «Kiss Kiss Bang Bang» للأميركي الشاب شان بليك. يقول دونوي جونيور «لقد انتهيت إلى السجن لأكثر من مرة بسبب المخدّرات والكحول. ولا يوجد من بين االاستديوهات في هوليوود من لديه الاستعداد في المغامرة لدفع تكاليف التأمين لي، ربما كانوا على حق، إلاّ أنني أؤكد للجميع أنني شُفيت من ذلك الدرن وأبحث للعودة إلى عملي السابق..».

المجيء إلى «كان» لاستعادة الأضواء السابقة لا يقتصر فقط على الحضور بمعيّة فيلم داخل أو خارج المسابقة الرسمية أو داخل البرامج الملحقة في المهرجان. إذ تكفي أي مناسبة تتيح لـ «النجم الآفل» أي التماعة مهما كان أمدها. كثير من النجوم تعرّضوا إلى مصائب الإدمان على الكحول وعلى المخدّرات (ويكفي أن نتذّكر النجمة المبدعة ليزا مانيللي التي تعرّضت لمرات عديدة إلى انتكاسات صحية جدّية بسبب الإدمان على الكحول وأُدخلت المستشفى مرارا). كثير من هؤلاء يقبلون الحضور إلى «كان» حتى للمشاركة في حفل تقيمه دار أزياء أو ماركة عطور. لا يهم سبب الحضور، المهم هو الحضور.

الفيلم هو الأصلح للبقاء

كثير من النجوم مرّوا على ذلك البساط عبر سنوات المهرجان الـ58، وكثير منهم ترك بصمات الأكف على آجرّات موّزعة على أرضية الشارع وكثير من الصور، بالأسود والأبيض، تزيّن المطاعم والمقاهي هنا، لكن ما هو باق في مخيّلة الناس هو الفيلم. وأعتقد أن ما شاهدناه بالأمس من إبداع فنان متميّز ومشاكس على طريقته، سيدخل ضمن قائمة الأفلام التي ستبقى في الذهن طويلاً. وأتحدّث هنا عن «ماندارلاي» للمخرج الدانماركي المتميّز لارس فون تريير، الذي عُرض ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان.

خصوصية وإنجاز إبداعي

ما ميّز شريط فون تريير هو خصوصية اللغة السينمائية وتميّز التعامل مع الأداتين الرئيسيتين في الفيلم، أي الممثل والكاميرا. يواصل فون تريير إنجازه الإبداعي بإعطاء الموقع الأكرم في أدائه للكاميرا الرقمية مستفيداً ليس من انخفاض تكاليف الإنتاج، بل أيضاً من قدرة تلك الكاميرا على الحركة وعلى توليد إحساس لوني متميّز، خاصة إذا لم يتدّخل المخرج في إصلاح اللون في الشريط المغناطيسي الخارج من تلك الكاميرا. ولم يكتف فون تريير بعدم التدّخل بل استفاد من غلبة الأصفر من بين ألوان أحداثة ليعطي الفيلم كينونته التاريخية. بدا الشريط فعلاً كأننا أمام أحداث تجري في الثلاثينات من القرن الماضي، أو أننا إزاء فيلم صوّر بالأسود والأبيض وأدخلت عليه الألوان في وقت لاحق فبدت تلك الألوان باستيلية كامدة اللون.

أحداث الفيلم أيضاً تتحدث عن الأسود والأبيض، وعن رغبة الأبيض (أو ربما ادعّاؤه) بحمل الديموقراطية إلى الآخر (أي المجتمع الأميركي الأسود). تجري أحداث الفيلم في الثلاثينات وهو استكمال لفيلم «دوغفيل» وثاني حلقات الثلاثية التي يرغب فون تريير استكماله بفيلم لاحق. نحن أمام الرحلة التي تقوم بها غريس (أدت الدور بريس دالاس هاوارد ابنة المخرج رون هاوارد) برفقة والدها الذي صفى أبناء بلدة «دوغفيل» لأنهم كانوا يتعاملون مع غريس بتعال مرفوض. العلاقة بين غريس والأب ليست ودية للغاية ولا تبدوالفتاة معنية بشكل كبير مواصلة الرحلة مع والدها وأفراد عصابته. يصل موكب السيارات الثلاثينينة، إلى بلدة ماندارلاي في اللحظة التي يستعد فيها عدد من السود للقيام بجلد أسود آخر تنفيذاً لأوامر «السيّدة» البيضاء التي فرضت قوانينها على البلدة وتطبّق سياسة التمييز ضد «العبيد» على الرغم من أن نظام العبودية انتهى منذ 70 عاماً... غريس تتدخل وتقنع السيدة الموشكة على الموت الإقلاع عن معاملة السود كعبيد. السيدة تموت لكنها تترك لغريس كتاب قانونها.

تسعى غريس جاهدة إلى تطبيق الديموقراطية مستفيدة من تواجد المسلّحين الذين تركهم لها والدها من أفراد عصابته، تُخضع غريس كل شيء في البلدة إلى منطق «الديموقراطية» و«حق التصويت» على الأمور. تتمكن في كثير من الأمور، لكنها تُخفق في أخرى، وحين تفكر بالرحيل تلقى مواجهة من قبل سكان البلدة. «محظور عليك الرحيل. عليك البقاء هنا لأننا نريد ذلك. لقد قبلنا بقوانينك لأنها الأقل سوءاً من القوانين السابقة».

إذّاك تتحول غريس الديموقراطية إلى من يُمسك بيده بالسوط لينهال بالضربات على ظهر «العبد» نفسه الذي كانت تدّخلت لإنقاذه لدى وصولها إلى البلدة. تفعل ذلك لتربح الوقت، فهي على موعد مع أبيها وقوته وتكفيها دقائق معدودة. لكنها حين تنهال بالسوط على ظهر العبد الذي سرق إيراد محصول القطن (واغتصبها هي أيضاً عنوة) يمر بها الوقت من دون أن تُدرك، وعندما تخرج إلى الشارع للقاء والدها تجد على الأرض باقة من الزهور مع رسالة من الأب يقول فيها: «انتظرت، كما وعدت، عشر دقائق. كنت مستعداً للتدخل لكني رأيت «عملية الجلد» فأيقنت أنك تمكّّنت من إدارة الأمور. وتهيمنين عليها بشكل جيد للغاية...».

علاقة واصرار

الحديث عن العلاقة بين أميركا الأمس وأميركا اليوم في الفيلم مفروغ منه، لكن على رغم أنه لا يمكن الحديث عن هذا الفيلم من دون تأكيد إصرار فون تريير بوضوح على رفض منطق الإدارة الأميركية الحالية برئاسة الرئيس جورج بوش بشأن «تصدير الديموقراطية من خلال القوة»، فإن التميّز اللغوي والبصري لهذا المخرج المبدع يذهب أبعد من الخطاب السياسي للفيلم. طريقته المسرحية التي استفاد فيها من مسرح بيرتولد بريخت الكثير، وإصراره على توكيد الرمزية في الشكل والأداء يدخلان في إطار تجريب إبداعي يقود إلى شكل سينمائي خاص بفون تريير لوحده، لكن لا يُستبعد أن يترك آثاره على الكثير من المخرجين الشباب في المستقبل القريب. وهذا ما ينبغي مناقشته لدى الحديث عن هذا الفيلم.

استديو لطارق بن عمار في باريس.. وإلغاء ثلاثة أفلام

صرح المنتج التونسي العالمي طارق بن عمار انه بصدد انشاء استديو سينمائي في العاصمة الفرنسية باريس، وذلك من أجل استيعاب مشاريعه الانتاجية وخدمة المشاريع العالمية التي يجري انتاجها في باريس.

وأوضح بن عمار الذي يقيم هذه الأيام في مدينة كان الفرنسية للمشاركة في أعمال مهرجانها السينمائي الدولي ان الاستديو الجديد سيقدم خدمات انتاجية عالية الجودة بعد التجارب الايجابية التي خاضها من قبل سواء عبر الاستديوهات التي انشأها في تونس في مطلع الثمانينات أو الذي أسسه في مدينة تولوز، بالاضافة الى انتاج عدد كبير من الأعمال السينمائية في ايطاليا وفرنسا والولايات المتحدة.

ومن المقرر ان يعرض في الحفل الختامي من المهرجان فيلم «كروموفوبيا» من انتاج بن عمار وبطولة الاسبانية بينة لبي كروز وكرستيان سكوت توماس وبن شابلن ورالف.

وكانت المحطة الأولى لتواصل بن عمار مع مهرجان كان السينمائي حينما قدم في مطلع الثمانينات فيلم القراصنة من اخراج رومان بولانسكي.

وفيما يتعلق بالأفلام التي قررت اللجنة المنظمة لمهرجان كان السينمائي الغائها من قائمة الأفلام المطروحة لخوض المسابقة فقد ألغي ثلاثة أفلام.

وقد فاجأ قرار سحب الأفلام الثلاثة الجميع، خصوصا انها شهيرة جدا وعلى رأسها فيلم «القبور الثلاثة» للممثل الأميركي تومي لي جونز.

والمعروف ان تومي لي جونز حاصل على جائزة أوسكار عن أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم «الهارب».

والفيلمان الآخران اللذان سحبا من هذه المسابقة هما «الملك» من اخراج جيمس مارش وفيلم «القدس الصغيرة» من اخراج كارين البو الذي يعرض في تظاهرة اسبوع النقاد.

ويترأس لجنة تحكيم «الكاميرا الذهبية» المخرج الايراني عباس كياروستامي الفائز بالجائزة الذهبية لمهرجان كان السينمائي عن فيلمه «طعم الكرز».

يذكر ان مهرجان كان السينمائي الدولي تتواصل أعماله من الفترة 11 إلى 22 مايو الجاري.

القبس الكويتية في

20.05.2005

 
 

مدير مهرجان البندقية ماركو موللر: لم اختر فيلماً عربياً بعد

كان - عرفان رشيد 

"آتني بفيلم عربي جيّد وأنا أضعه ضمن المسابقة الرسمية في الدورة المقبلة من المهرجان" هذا ما أكده مدير مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي ماركو موللر لـ"الحياة" على هامش المؤتمر الصحافي الذي عقده في مدينة "كان" الفرنسية. ولدى سؤاله عما إذا كان ضمن اختياراته ومشاهداته فيلم عربي، أكد موللر أن أجندته "لا تحتوي حتى الآن على عنوان فيلم عربي مُختار". ولم تبد نبرة موللر تحدياً بقدر ما بدت طلباً صادقاً لأن يكون للسينما العربية التي يعرفها شخصياً حضور في هذه الدورة من المهرجان، لا سيما أن حضور المغاربيين إسماعيل فرّوخ التونسي وكمال شريف حقق في العام الماضي استحساناً أوصلهما إلى الحصول على جوائز مهمة في المهرجان، إضافة إلى استحسان النقد.

"ما شاهدت حتى الآن لا يرقى إلى مستوى الاختيار وأنا بانتظار ما سيعرضه علي المستشارون المسؤولون عن السينما العربية". موللر لا يُجانب الحقيقة، فحال السينما العربية في هذه السنة ليس مثيراً للفرح وما يُعوّل عليه لم ينته العمل فيه بعد ونأمل أن يتمكن المبدعون السينمائيون العرب من أنجاز أعمالهم في أسرع وقت.

إلى جانب ذلك أعلن موللر أن عدد الأفلام الروائية التي ستُعرض في الدورة المقبلة (31 آب/ أغسطس - 10 أيلول/ سبتمبر) "سيكون أقل بكثير ممّا كان عليه في العام الماضي".

وأضاف: "لا أتوقع اختيار أكثر من ستين فيلماً في مقابل 76 فيلماً في العام الماضي. أود أن تكون المشاهدة مريحة وأن تتاح للصحافيين مشاهدة أكبر عدد من الأفلام".

وأعلن مدير مهرجان فينيسيا أيضاً أن مجلس إدارة بينالة فينيسيا أقر اختياره الفنان الإيطالي الكبير دانتي فيرّيتّي رئيساً للجنة التحكيم الدولية للدورة المقبلة من المهرجان. ويعد فيرّيتّي، الذي سيزيّن هذه السنة أيضاً، أحد إبداعاته واجهة قصر السينما في جزيرة الليدو، يُعد من بين الأسماء اللامعة في إطار السينوغرافيا السينمائية، فهو عمل مع عدد كبير من أساتذة السينما الإيطالية مثل فيديريكو فيلليني وبيير باولو بازوليني وماركو فيرّري، إضافة إلى عدد من كبار مخرجي السينما الأوروبية والأميركية مثل جان جاك آنّو ونيل جوردان وتيري غيليام ومارتين سكورسيزي. وقد فازت تصميمات فيرّيتّي وزوجته فرانتشيسكا لو سكيافو في فيلمي مارتين سكورسيزي الأخيرين: "عصابات نيويورك" و"الطيّار" بجائزتي أوسكار.

الحياة اللبنانية في

20.05.2005

 
 

الدورة 58 لمهرجان كان السينمائي الدولي:

مخفي النمساوي يفضح الدم العنصري ومعركة في السماء المكسيكي تحفة حول الجسد و الطفل البلجيكي ينتصر للعفّة الاجتماعية و مندرلاي الدنماركي بلا دهشة!

زياد الخزاعي

استدعيتك كي تكون شاهداً علي ما سأفعله امامك يقول الجزائري مجيد (الممثل موريس بنعيشو) ببرودة اعصاب، قبل ان يخطفنا جميعا بواحد من اكثر المشاهد السينمائية صدمة: واقفا امام متهمه الفرنسي وصديق طفولته جورج (الممثل دانيال اتوي) وموصداً باب الشقة الصغيرة بظهره، يستل مجيد موسي حادة يقطع بها رقبته ويسقط مضرجاً بنزيف هائل من الدم. يحدث هذا في القسم النهائي من جديد صاحب مدرسة البيانو (السعفة الذهبية 2001). المخرج النمساوي ميكائيل هانيكه مخفي (Hidden) وفي عناصره الاساسية: دفع التهمة بالدم، وتحميل الإثم والشك المفترضين في دواخل البطل الذي أصر علي ظنونه وغباء اعتداده بنفسه.

الدم في هذا المشهد الصاعق، غسل اخلاقي ضد العنصرية الدفينة والتعصب والتهمة الجاهزة، الأزلية ضد الوافد حتي لو كان الاكثر قربا ومحبة. وجورج ومجيد ترافقا وتربيا معا في احدي المستعمرات الفرنسية في العمق الجزائري، هناك كان ابن الاقطاعي النافذ يمارس عنصريته وغله الشخصي ضد رفيقه، فهو السلطوي الذي عليه ان يستكفي قوته ويفرغ نزعاته الظالمة ليس بالضرورة كما يفهمها الكبار، لكنه كجزء من المشهدية الاستعمارية سيفرض جورج الابيض ـ الاوروبي قهره علي ابن افريقيا ـ الرقيق الدوني! هذا ما كان في السابق اما اليوم فالأول نجم تلفزيوني ذائع الصيت، يقدم برنامجا ثقافيا يستضيف اهم القامات الادبية الفرنسية والناطقة بها، (انه سلعة اخري في المجال الاعلامي)، متطامن في حياته العائلية (زوجته آن ـ الممثلة جولييت بينوش ـ ناشرة وصاحبة مكتبة مشهورة في الوسط الباريسي) له روتينه الحياتي الدقيق، رجل ممتثل لاستحقاقات طبقته واصوله الاجتماعية، قليل الكلام (علي عكس ما يتطلبه برنامجه من كثرته ودقة اختياراته لكلماته وجمله) منغلق الي حد ما علي تاريخه الشخصي، لا يكف عن قناعاته بسرعة. جورج ابن المدينة الكبيرة الذي يفرض عليه مقامه ان يكون حذراً من الآخرين ومتطلباتهم ومطباتهم! (دليله المشهد الذكي لجلسة السمر الليلية التي يستضيف بها الزوجان عددا من اصدقائهم. يسرد فيها احد الضيوف حكاية مغلفة القصد حول كلب!) ستنقلب حياته مع وصول مظاريف غامضة المصدر تحوي اشرطة فيديو تصور دارته وعائلته ونشاطات افرادها اليومية مرفقة برسمات طفولية تعبر عن انتقام دفين مليء بالدم. الوعيد في هذه الرسائل المتلفزة واضح باعتباره تصفية حساب شخصي، ومع تصاعد شكوك البطل حول ابنه اليافع واحتمال تورطه مع اصدقاء سوء حرضوه علي مشاكسة والديه، يكون علي جورج ان يتحمل تبعات تصرفاته المتعجلة التي تنعكس سريعا علي توازنه العائلي: الزوجة التي ستغرق برعبها والابن الذي يتغرب عن اهله. هل هذه من اهداف الرسائل الملغزة؟

يفتتح المخرج هانيكه فيلمه بمشهد طويل ملتبس هو عبارة عن صورة لقطة واحدة لمنزل البطل من دون ان تتحرك الكاميرا او تهتز، وكأن متربصاً طويل الصبر يرصد شيئاً ما لدارة جورج. تساءله الزوجة اذن ؟ يجيب بشك: لا شيء! ، هذا اللاشيء سيبقي هاجساً دراميا ثقيلاً طوال الفيلم، قبل ان يلغم هانيكه القناعات بشلال دم مجيد. وهذا اللاشيء هو الذي سيدفع بجورج الي توكيد شكوكه داخل وعيه المريض بان من يقوم بهذا الفعل الخسيس (تصفية الحساب) لن يكون سوي الجزائري ومع استعادته لكوابيس ماضيه، يدخل جورج في متاهة الانتقام. عليه ان يسرع قبل ان تحقق هذه التهديدات وحدة عائلته الصغيرة وتفرط بانسجام يقرع باب مجيد المدهوش برؤية صديق صباه ويهدده، كما كان ايام تسلطه القديمة، اما ما تغير الآن هو عدم قدرة جورج علي استخدام عنفه هذا الوافد الذي استوطن بلد مستعمره، هدا التداخل المعقد يفضحه مخرج العاب مضحكة (1997) شفرة غامضة (2001) و زمن الذئب (2002) عبر الوجوم والانكسار الظاهرين علي محيا مجيد باعتباره كائناً هامشيا، متغربا يعيش اقصاء اجتماعيا ضاغطا. شقة هذا الوافد هي التعبير الأمثل لانزواء شخصيته، فهي بقدر فوضويتها ووضاعتها، تضم عناصر من هموم وحدته: (تكدس الاشياء، الالوان الكئيبة، الضوء الشحيح).. مجيد انموذج للمهاجر الذي فرط بتاريخه ولم تستكف كينونته في بلد العربة الجديد، وهو ما يتضح جلياً بقلة حواراته، فهو علي قدر دهشته من الزائر وفجأة مقدمه بعد هذا الزمن الطويل سيجد نفسه عاجزا علي توظيب كلمات وجمل حاسمة تقنع جورج بانه ليس مرسل الطرود الغامضة، وان لا مصلحة له بتهديد حياته وعائلته. انه لا يخفي شيئا في داخله ضده. لقد كان ماضيا وحسب! جورج ومن شدة مخاوفه لا يجد السبيل لتصديقه، لقد اتخذ قراره بجلب الشرطة واعتقال مجيد وابنه (وليد افقير). هنا يحدث الانقلاب الدرامي الذكي في نص مخفي ، فبعد تبرأتهما، سيسعي الابن الجزائري في كشف هذا المخفي، وسننتظر قليلا قبل ان تظهر هذه الشخصية القوية، ذات الارادة والعزم في الواجهة، وبالذات بعد مشهد الانتحار، لتطارد جورج وتمتحن انسانيته الغائبة وخطل ظنونه بوالده. سيطارد الابن بطل مخفي في وسطه الابداعي: اي داخل الاستوديو، وسيشتمه ويهدده بالتحديد في مرحاض مؤسسته! فسعي جورج الي اخفاء اي فضيحة قد يسببها هذا الاجنبي المتفرنس بالغصب القانوني، سيقوده الي هذا المكان الغريب.

ينهار عالم جورج ويعي حجم الخراب الذي مارسته شخصيته المريضة بالانتقام والمتهالكة الاخلاق من دون ان ينجح في ايقاف الطرود الغامضة او من عدسة الرقيب الخفي الذي يظل يطارده، لكن هذه المرة بتهديد اكثر تقنينا. انها تراقب من دون كلل بوابة مدرسة الابن اليافع!! لنفهم بان الطريدة الحقيقية لم تكن سوي الوريث.

علي خلاف شريطه السابق زمن الذئب الذي تصدي لـ صناعة المهاجرين الذي غلب عليه الطابع السوداوي قصة وشخصيات والوانا، يكون مخفي اقرب الي مدرسة البيانو في بنائه ودراسته المعمقة لتهافت القيم الشخصية فالبطلة في هذا العمل الآخاذ مبدعة تشابه في شخصيتها المغلقة نظيرها جورج، مع فارق اساسي انها ستنتقم بطعن جسدها بسكين مطبخ بعد صدود الحبيب الشاب، اما في حالة الاخير فان النصل سيوجهه الضحية قربانا لاخطائه ورعبه.

هذاالرعب ذاته الذي سيقود بطل الشريط المكسيكي معركة في السماء (داخل المسابقة) للمخرج كارلوس رايغيداس (ولد عام 1971) الي مصيره المحتوم، بعد ان يواجه هو وزوجته موت الرضيع الذي خطفاه من جارتهما. فالإثم القاسي سيدفعه الي عزلة نادرة التفاصيل لا يغسلها سوي سعيه الحثيث علي ركبتيه الي اكبر الكنائس حيث يموت امام مذبحها وتحت انظار حجاجها. ماركوس السائق الشخصي لأحد الجنرالات الكبار لا يتمكن من لعن نفسه وفعله الاجرامي بصوت عال او باعتراف حاسم، وبدلا من ذلك يغرق بحرقة صمته الثقيل. هذا الواقع سيتغير سريعاً مع وصول الشابة آنا (آنا بولا موشكاديز) ابنة الجنرال التي تمتاز بالرعونة وانفتاح حياتها الجنسية (تعمل عاهرة ليس كسبا للمال، بل نشدانا لعلاقات سريعة تستكفي فيها رغباتها الجامعة). هذه الشخصية ستكون مفتاح الاعتراف الذي سيلقيه ماركوس علي مسامعها ويعلن سأسلم نفسي للشرطة توافقه الرأي وتحرضه علي اقدامه. لكن ماركوس يكشف عن جبنه وتردده، وبدلا من تصالحه مع ضميره، ينزلق في علاقة جنسية مفتوحة معها تنتهي بطعنات قاتلة يوجهها الي صدرها قبل ان يلتحق بارتال الحجاج الذين يحتفلون بعيد ديني، وهو شبه عار! يموت ماركوس بنفس غموض شخصيته (رأسه مخفي بكيس من قماش) فيما تحاصر الشرطة المكان. ينتهي الشريط بلقطة صادمة: آنا تمارس فعلاً جنسياً مع ماركوس، هو استكمال لمشهد الافتتاح. الذي نري فيه الشابة تسكب دموعها من دون ان نفهم الدوافع، اما في الأخير فانها ستنظر اليه برجاء جازع ليقول لها: انا احبك يا أنا فتجيبه وانا كذلك .

بين هاتين اللقطتين سيدرس المخرج بذكاء وجمالية اخاذة مفهوما لم يعه الكثيرون هو: الجسد البشري، اعضاؤه وتقاسيمه وحركاته ونشاطه الفسيولوجي وحيويته الطبيعية. ففي المشاهد الكثيرة للعمليات الجنسية بين البطلين سيعمد المخرج الشاب الي تصوير وضعياتهما بكثير من التأني والتفرس. فجسداهما الحيان هما البديلان لجسد الرضيع الذي مات ولم نره. كذلك فان ضمتهما خلال لقاءاتهما الجسدية سيمثل مقابلا للصمت الذي لف جثة القتيل الغائب، او لنقل انه صمت الموت المقبل لكليهما. شخصية الرضيع ستحتل حيزا دراميا معتبرا في شريط الطفل للمخرجين البلجيكيين الاخوين جان بيير ولوك داردن الذي شاركا به في المسابقة الرسمية، فمقدمه سيحول شخصية الأب الشاب برونو (جيرميه رينيه الذي اكتشفاه في فيلمها الثالث الوعد عام 1996) من لص صغير لا يتواني من الفعل الشائن المتمثل بسعيه الي بيعه لعصابة تتاجر بالاطفال الي كائن يستعيد انسانيته ويقرر التنازل للعقاب.

هذا الخطاب الاخلاقي (وهو ثيمة اوجداها في جل اشرطتهما خصوصا في رائعتهما روزيتا سعفة دورة 1999) لا يبثانها بشكل مباشر، بل عبر حبكة مبسطة ذات افعال كثيرة تشكل المعالم العامة للبطل، وغريبهما انهما لا يصرفان جهدا في التوطئة الدرامية اللازمة كي تشكل خلفياته الاجتماعية او العائلية. ان برونو يظهر امامنا فجأة بملامحه الشيطانية (علي رغم عمره البالغ عشرين عاما) وافعاله القبيحة والمرفوضة. كائن هامشي يعيش علي سرقات صغيرة وصفقات مشبوهة يقود عبرها مجموعة من الصبية الساعين الي ارباح مالية سريعة، برونو داخل عالم الجريمة فرد صغير دفعته مناكفته لحالته الي الحضيض من دون ان يستعير مقام زوجته الشابة سونيا (دبرا فرانسوا) واحاسيسها كأم، فهو عديم العاطفة، تجاه وليده نظرا لهمومه المفتعلة في الحصول علي صفقات أكبر.

تحاول الأم الجديدة ان تستعيد شيئاً من دفء عائلة غير مشكلة طبيعياً، تناكف الاب بملاطفات غرامية عما كانا يفعلانه كعاشقين مراهقين، وترتضي السير معه في تسكعه وتطفله اليومي وكذبه المستمر. برونو شخصية كذوب جبلت عليه كوسيلة حصانة ضد مسائلة الآخرين والتي هي في الغالب دفع حصص عالية لهم. واكبرها ستأتي لاحقا حين يخطف وليده ويقدمه سلعة للبيع، فيما سونيا تحاول تسجيله رسميا. وحينما يخبرها بما فعل تنهار. لا يجد البطل الخسيس سوي التراجع واعادة مثال الجريمة للعصابة والرضيع الي امه. لكن هذا لا يمر من دون عقاب مزدوج: الشابة التي ستلفظه من ثنائيتهما (ام وابن). وزعيم العصابة الذي يطالبه بمبلغ طائل اضافي.

امام هذا الوجع (سنراه معزولا بقسوة) يقرر اللص ان يسرق مال احد المتاجر بصحبة صبي من اعوانه، غير ان الامور تسير الي اقرب من فاجعة موت الاخير وسقوطه لاحقا بيد الشرطة، هنا يصحو ضميره فجأة ونراه في احد المراكز مقدما الغنيمة ومعلنا مسؤوليته. في المشهد الختامي المؤثر سيبكي برونو بين يدي سونيا ويظهر نفسه بالدموع. فقد عاد اخيرا الي كنف العائلة التي لم يتذوق سعادتها (والدته لفظته مع ارتباطها بشخص آخر لا يستسيغه).

الطفل شريط يغلب العفة الاجتماعية وينادي بها في مجتمع اوروبي يكرس الفردانية المريضة، ويشير الي ان بطله ضحية فقره واميته الاجتماعية والعائلية. كما ان عمل الاخوين دارت في خطابه السياسي شتيمة لنظم تستغفل ولادة اشرار وخاسرين رغم الرفاهية العامة في بلدان القارة العجوز. برونو كما روزيتا ضحيتان شابتان لا تستهدفهما القوانين كي تنمي فيهما روح المشاركة الجماعية، وما هامشيتهما سوي دليل علي فشل السياسي برصدهما وانقاذهما من السقوط الاخلاقي واللصوصية في حالة برونو والدعارة في حالة روزيتا.

يستكمل المخرج الطليعي الدنماركي لارسن فون ترير ثلاثيته المعنون بـ ارض الفرص والتي بدأها بـ دوغفيل عام 2003، حول تواريخ الولايات المتحدة (وللغرابة هو لم يسافر اليها ابدا بسبب اصابته بفوبيا الطيران!!) وعاد الي كان بالقسم الثاني وعنوانه ماندرلاي (داخل المسابقة اسوة بسابقه)، مسايرا فيه الخطة الابداعية المبتكرة والمعتمدة علي تصوير احداث الفيلم في استوديو شبه فارغ، متقشف الديكورات الي اقصي الحدود، فارضا علي طاقمه ادعاء التمثيل والتجسيد علي ارضية كتبت فوقها اسماء الاماكن وعناوين محيطها وغرفها. فـ مخترع تيار دوغما 95 الذي اكتسح كان قبل اعوام لا يفتئ يدهش الجميع بافكاره الثورية منذ تكسير الامواج (1996) و البلهاء (1998)، غامر بشكل غير مسبوق علي الصيرورة التقليدية في تصوير الفيلم السينمائي لاغيا اشتراطاته القديمة ومغامرا في تفكيك مفهوم المشاهدة العادية في دوغفيل . والاساس هنا قائم علي مشاركة ذلك المشاهد في تخيل المواقع وترتيب الاحداث. ما هو واقعي فعلا فيه هو الممثل بجسده وحواراته وحركاته. اما ما يدور او ما بني حوله فهو من مسؤولية ذلك القابع في ظلمة الصالة.

كان دوغفيل انقلابا مدوياً يحسب لترير ودليلا علي ان السينما ما زالت تغامر وتولد اشكالا متجددة (نذكر الفلك الروسي لاكسندرزكوروف الذي صوره بلقطة واحدة. وعشرة للايراني عباس كيارستمي الذي ثبت كاميرتي فيديو في مقدمة سيارة تجول شوارع طهران) ولئن اتخذ ترير قراره في تصوير نشوء الأمة الامريكية علي يد عصابات مهاجرين لا هم لهم سوي اغتصاب الارض والاثراء غير المشروع ضحيته الاولي الشابة كريس (انذاك نيكول كيدمان) فانه في مندرلاني صوب موهبته علي حقبة العبودية في الجنوب الامريكي.

العام هو 1933، البطلة كريس (الممثلة بريس دالاس هاورد في اداء ضعيف) ترافق والدها وعصابته بعد مغادرتهما دوغفيل يصلون الي ولاية الباما في طريقهم الي اقصي الجنوب بحثا عن موطأ قدم جديد لعمليات اجرامية بعد اقصائهم من المدينة الاولي. يقررون التوقف في مكان يدعي ماندرلي للراحة، حين تقترب امرأة سوداء من كريس وتطلب منها مساعدتها للدخول عبر بوابة حديدية هائلة الحجم، لتكتشف ان خلفها مرارات واهانات عنصرية شنيعة تفرضها مجموعة من البيض علي قطيع اسود من السخرة. وضد ارادة والدها تقرر البطلة الشابة البقاء قليلا للقيام بفعل انساني يقنع هذه العصبة من فك نير استعبادها لهؤلاء البشر، خصوصا وان نظام الرق أبطل منذ سبعين عاما. تصعق بعد عبورها البوابة حين تري رجلا اسود يدعي تيموثي وقد ربط الي عوارض قبل معاقبته بالجلد. تأمر بوقف الفعل اللانساني لتواجه السيدة الحاكمة التي تدعي بـ الام (الممثلة المخضرمة لورين باكال) وسلاحها، في سعي لمعرفة سر الادارة. المتمثل بكتاب مخطوط تكشفه السيدة وهي علي فراش الموت: يدعي قانون الأم إ الذي يضم قوانين تيسير المزرعة واشتراطات المعيشة فيها. تؤمن غريس بانها نذرت الي تغيير قدر هؤلاء المساكين وتثبيت رغبتها في اشاعة الديمقراطية بينهم. وبين جهدها في اعادة تنظيم أسرتها الجديدة ، تأسرها شخصية تيموثي الذييدعي انه من اصل افريقي نبيل، لكننا سنكتشف لاحقا ان هواجسه تدور حول خيانة اصوله وملته وسرقة جهد اقرانه: انه الطينة الفاسدة ضمن العشيرة! الوحيد الذي يحذر البطلة من دوافعه هو الحكيم واليام (داني غلوفر) المصر علي ان امريكا غير مهيئة لمساواة الزنوج مع البيض.

تنتخب غريس اماً جديدة (في الاحري سترغم لاحقا علي المنصب)! وتشيع قوة القانون وتعيد بناء البيت الداخلي: (قيمه، حقوقه، طبقيته، دورة عمله اليومية، مساواة افراده).. هنا تواجه امتحانها العصي الاول اكتشاف جثة طفلة في خربتها وبعد الكثير من التحقيق، يتوصل الجميع الي المجرمة وهي سيدة عجوز سرقت ـ بسبب جوعها ـ حصة الراحلة. وتقرر المحكمة الشعبية اعدامها، وتكليف احدهم بذلك لكن غريس ـ كقوة حاكمة ـ ستأخذ العقوبة بيدها.

اغواءات تيموثي ستوقع بغريس. وبدلا من اللقاء الطبيعي سيعمد الي اغتصابها بوحشية، فقد حقق انتقامه الشخصي قبل القصاص منه جماعيا، وهو يخاطبهم غريس لا تنسي انك قد صنعتينا . تجد البطلة انها تدور ضمن دوامة معقدة، فما صنعته لم ينتج سوي كثرة من المؤامرات و احلال العبودية بين طرف واخر، هنا تقرر هربها من المزرعة معلنة فشلها في المهمة المقدسة وتعبر الولايات الجنوبية ميممة وجهها الي نيويورك (وهي موضوع القسم الثالث الذي سيصوره لاحقا).

لا ريب ان موضوعة العبودية ما زالت متوافرة في مجتمع معقد مثل الامريكي، وان اختيار ترير لها دليل عن ذكائه وفطنته (ربط حكاياته مع البوم الصور في نهاية الشريط بعبوديات معاصرة ومحدثة) لكن ما بدا خافتا هو صنعته التي لم تخرج عما جود فيه بـ دوغفيل . ففي مندرلاي تراجع جهده البصري وخبت جماليته، وصارت المشاهد تكرارا للقسم الاول: الاضاءة المركزة، حركة الكاميرا المحمولة، التغريب البصري، الارتجال الادائي.. الامر الاكثر حضورا في المقابل، هو طرحه السياسي، ففي عناصر ماندرلاي الكثير من الخطبة الايديولوجية المنمقة، فادانة ارق اصبحت حكماً دوليا وانسانيا. ولن يزيد نص ترير اي شيء لها. الا ان اشاراته الذكية حول عنصرية الزنجي وخياناته لقضيته جاءت في موقعها الصحيح، واضفت نفسا انتقاديا علي شريطه العادي البناء والتراتب. الدهشة التي فجرها دوغفيل ماتت في تابعه، وعم تكرار كثير، وفلت الاداء من اغلب ممثليه (لعل افضلهم كانت مونا هاموند التي ادت دور العجوز وليما قاتلة الطفلة)، وبدلا من يحقق مندرلاي قفزة نوعية علي صعيد صنعة ترير تراجع الي ان تحول الي تحصيل قليل القيمة لما سبقه! 

ناقد من العراق يقيم في لندن

القدس العربي المصرية في

20.05.2005

 
 

المخرج العراقي الكردي هينر سليم:

«الكيلو متر صفر» دعوة للتفاؤل ولو كانت البداية صفراً

البيان الإماراتية من "كان"

يأتي اختيار فيلم «الكيلومتر صفر» للمخرج العراقي الكردي هينر سليم للمسابقة الرسمية لمهرجان كان، بمثابة إنجاز كبير يُسجل في رصيد هذا المخرج الشاب، وأيضاً السينما العراقية، التي تشارك للمرة الأولى في تاريخها في أهم مهرجان سينمائي عالمي.

وهينر سليم من مواليد كردستان العراق عام 1964، وحين بلغ السابعة عشرة من عمره هاجر إلى إيطاليا، عن طريق سوريا هرباً من ممارسات النظام العراقي السابق، ليستقر منذ قرابة العشرة أعوام في العاصمة الفرنسية.

بدأ ممارسة السينما من دون دراسة، الا عبر مجموعة من التجارب والمشاهدات التي اختزنها في ذاكرته، واقتبس منها الكثير سواء في فيلمه «الكيلومتر صفر» أو أعماله السابقة.

كان التاسع من ابريل 2003 أسعد أيام المخرج هينر سليم، فقد شهد ذلك اليوم إنهاء حكم الطاغية العراقي الذي عانى منه ومن بطشه. وسليم المقيم في باريس، يصوّر فيلم «فودكا الليمون» الذي نال عنه جائزة مهرجان فينسيا السينمائي في عام 2003 ـ عندما كان العالم يشهد انتهاء أسطورة صدام حسين.

ـ ووقتها قفزت إلى ذهنه فكرة فيلمه الجديد «الكيلومتر صفر» الذي يصوّر فيه جزءاً من المعاناة الشخصية التي مرّ بها الشعب الكردي أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية. ويُعد من أهم الأفلام التي أنتجت حول تلك الفترة، وتدور أحداثه حول مأساة أسرة مكوّنة من زوج وزوجته ووالدها المقعد.

قام ببطولة الفيلم الممثل ناظمي كيرك والممثلة بلسم بيلجين التي ينتمي زوجها إلى جيش صدام حسين ويظل يحلم باليوم الذي يستطيع فيه الهرب من جحيم الحرب العراقية ـ الإيرانية، ولكن زوجته ترفض مغادرة البلاد بسبب مرض والدها. وتأتي الفرصة التي طالما ظل أكو، وهو اسم البطل، ينتظرها عندما يتلقى أوامر بمرافقة جثمان أحد الجنود في طريق إعادته إلى عائلته.

ولكن لسوء حظه يتبيّن أن السائق الذي يصاحبه لإعادة الجثة هو من العرب الكارهين للأكراد. ويحاول «أكو» طوال الرحلة إقناع السائق بشكل أو بآخر للاتجاه إلى المنطقة الكردية حتى تتسنى له العودة إلى وطنه.

وفي مقابلة صحافية أجريت معه على هامش مهرجان كان، تحدث المخرج الكردي عن فيلمه الجديد. وفيما يلي نص الحوار:

·         كيف توصلت إلى فكرة الفيلم؟

ـ الفكرة تكوّنت لديّ في اليوم الذي شهد سقوط النظام في بغداد. وحينها كنت أصوِّر فيلم «فودكا الليمون» في أرمينيا. فتملّكتني الرغبة في أن أعود مرة أخرى إلى أهلي في كردستان. وفعلاً فعلت وبدأت في إعلام من حولي بأفكاري عن تصوير الفيلم، ولم أنتظر الحصول على أي تمويل من أي جهة، ولم تكن لدي فكرة عن المدة التي ستستغرقها عملية التصوير، وانتهت بي الحال إلى المكوث هناك قرابة الأربعة أشهر.

·         كيف تصف شعورك لدى عودتك مرة أخرى إلى وطنك بعد غياب 20 عاماً؟

ـ لقد صرخت من الفرحة عندما رأيت الأكراد أحراراً. ولكنهم كانوا قد عانوا بشكل كبير جعلهم غير قادرين على تقدير مدى هشاشة الوضع الذي كانوا عليه وخطره.

·         ما هي الصعوبات التي واجهتها هناك؟

ـ أصعب مشكلة كانت هي العثور على كاميرا والتعامل مع «النيجاتيف»، فلم تكن هناك كاميرا واحدة تعمل في البلد بأكمله. ومن المهم في هذا الصدد الإشارة إلى أن العراق لم ينتج سوى خمسة أفلام فقط خلال تاريخه. وكان تصوير الفيلم يتطلب قدراً كبيراً من السرعة والارتجالية في العمل، لأن أحداً لم يكن متأكداً مما ستؤول إليه الأمور في نهاية كل يوم.

·         وكيف استطعت أن تلبي متطلبات العمل الصعبة؟

ـ لأن العمل يدور في الشوارع، فكان لزاماً علينا أن نصوِّر في أكثر من مكان. وقد ساعدتنا السلطات التركية كثيراً في هذا الصدد. وكانت هناك مشكلة متمثلة في أن أحداث الفيلم كانت تدور في فترة الثمانينات، مما يعني أن هناك أشياء كثيرة قد اختفت ولم يعد لها أي وجود. وعندما وصلت إلى كردستان في وقت التصوير لم يكن هناك أي وجود للزي العسكري لجنود صدام.

ولم يكن هناك حتى وجود لأي صورة لصدام نفسه. وكان يتعيَّن علينا الالتزام بالحقيقة في عرضنا لمشاهد الحياة في تلك الفترة. فنحن لم ننس على سبيل المثال بيان الخطأ الإملائي الذي كان موجوداً في عبارة «الله أكبر» التي كتبها صدام بدمه على أحد الأعلام. ووقتها لم يتجرأ أحد على إخباره بهذا الخطأ الإملائي.

·     بالنسبة لشخص مثلك، أرغم على مغادرة وطنه، ألم يكن مؤلماً أن تعمل وحولك تلك الصور الكثيرة لصدام حسين وهي تهيمن على المكان؟

ـ كان الأمر يبدو وكأن صدام يعيش معنا كل لحظات الفيلم، إن صدام كان إحدى الشخصيات الرئيسية في الفيلم، فصوره كانت بمثابة الهاجس الذي يطارد شخصيات الشريط في كل مكان سواء من خلال الصور، أو الأحاديث المتلفزة أو الخطابات الإذاعية، والأهم من ذلك كله وجود هذا التمثال الضخم، الذي يبدو وكأنه يتابع شخصية أكو أثناء رحلته الطويلة.

·         من أين أتيت بهذا التمثال؟

ـ لقد تم تصنيعه خصيصاً من أجل الفيلم، وحدث في البداية أن رفض كل النحاتين الأكراد، الذين أعرفهم صنع التمثال، ثم نجحت في إقناع أحد النحاتين العرب بصنع التمثال، ولأسباب أمنية اضطررنا إلى نحت التمثال داخل كردستان.

حيث أخذ النحات في صنعه داخل فناء أحد المباني، ولكن عندما بدأت الأبعاد الحقيقية للتمثال تظهر كان رد السلطات فورياً، حيث تمت مصادرته، ووضع النحات في السجن، واستغرق الأمر مني طويلاً حتى استطعت إطلاق سراح الرجل!

·         من أين جئت بقصة الفيلم؟

ـ الفيلم مأحوذ عن قصة أخي الذي هرب من الجيش العراقي، ومن هذا المنطلق بنيت الفكرة على قصة حياة جندي حانق على الخدمة العسكرية، وأثناء التصوير كنت أعمل على تطوير أحداث الفيلم.

·         إلى ماذا أردت أن تشير في عملك؟

ـ الفيلم يشير إلى حقيقة الوضع في العراق الذي لايزال كما هو منذ 80 عاماً، فطوال تلك السنوات، لم تتقدم البلاد خطوة واحدة، قد يكون هذا مدعاة للتشاؤم ولكن في الوقت نفسه يمكن أن يكون الأمر دعوة للتفاؤل، إذا كان المرء يرى ذلك، فلو كانت نقطة البداية صفراً، فإنه ليس أمامك إلا أن تتحرك إلى الأمام! 

####

عيون «البيان» في المهرجان

وصل عدد الأفلام التي شاهدتها لجنة اختيار الأفلام بمهرجان «كان» السينمائي الدولي إلى 1540 فيلماً من 97 دولة. عقد المهرجان صلحاً مع الاستوديوهات الكبيرة في أميركا التي خاصمت المهرجان لسنوات طويلة.

وكانت قد انقطعت عن عرض أفلامها به بسبب النقد اللاذع من النقاد لهذه الأفلام، والذي يصاحب عادة دخولها مسابقة الأوسكار!، وكان نتيجة هذه المصالحة أن نجح رئيس المهرجان جيل جاكوب في تقديم (5) أفلام أميركية دفعة واحدة في المسابقة الرسمية وفيلمين آخرين في القسم الرسمي «خارج المسابقة».

* الفيلم العربي الوحيد في المسابقة الرسمية هو فيلم «كيلومتر زيرو» أو «الكيلو صفر» وهو إخراج أول للعراق هاينر سالم!

* يهتم مهرجان هذا العام بالأطفال، من خلال قسم جديد أقامه لهم، ويقيم «يوم الأطفال» في المهرجان، وهو يوم 13 مايو، حيث يخصص قاعة «لوميير» الكبرى في قصر المهرجان لدعوة ألفي طفل من سن 8 إلى 12 سنة، ليعرض عليهم أول عرض عالمي لفيلم «كيريكو والحيوانات المتوحشة».

وهو جزء جديد من مغامرات البطل الأفريقي الأسود الصغير، ثم يتوجهوا بعده إلى حفل على شاطئ الكروازيت يتناولون فيه المرطبات والحلوى يعقبه برنامج للسيرك الشهير «باو باب»، وتقوم بتنظيم هذه الحفلات وزارة التربية والتعليم الفرنسية بمشاركة هيئة اليونيسيف.

* «ورشة المهرجان» والتي يقيمها المهرجان لأول مرة في هذه الدورة، حيث يساعد بها المخرجين الشبان في إنتاج «أفلامهم الأولى»، اختارت 18 مشروعاً من مشروعات الأفلام التي تقدم بها هؤلاء الشبان فيما قبل، ويقوم بإنتاجها بالاشتراك مع المركز القومي للسينما في فرنسا وإحدى شركات الإنتاج الفرنسية.

وعلى رأس هؤلاء الذين وقع عليهم الاختيار توفيق أبو وائل الفلسطيني، ومحمد صالح هارون من صربيا ومخرجون جدد آخرون من البوسنة والبانيا واسبانيا وألمانيا والصين والأرجنتين والمكسيك وبيرو وباراجواي وتشاد وكازاخستان والجابون وفرنسا وبلجيكا وأميركا.

* القسم الجديد «كل سينما العالم» يقام في الصالة الجديدة التي أنشئت وتحمل هذا الاسم على شاطئ الكروازيت، حيث تتم دعوة إحدى الدول في كل يوم من أيام المهرجان لتعرض أفلامها على رواد المهرجان، وسوف يفتتح هذا القسم المغرب، ثم تتوالى العروض في الأيام التالية لكل من جنوب أفريقيا والمكسيك والنمسا وبيرو وسيريلانكا والفلبين.

* «درس السينما» الذي يقام كل عام حيث يقدم أحد المخرجين الكبار من أنحاء العالم محاضرة عن السينما، ويقدم هذا المخرج السنغالي الشهير عثمان سامبين الدرس، وقد حصل في العام الماضي على جائزة عن فيلمه «مولاي» الذي عرض في قسم «نظرة خاصة» بالمهرجان.

* يخصص هذا العام لأول مرة «درس النجوم» حيث يقوم أحد النجوم أو النجمات في إلقاء الدرس.. وتلقيه هذا العام كاثرين دي نيف حول تاريخها السينمائى ولقائها بكبار المخرجين العالميين والفرنسيين وأسلوب كل منهم في الاخراج.

* من أهم معارض التصوير الفوتوغرافي التي يقيمها المهرجان «معرض النجم الأميركي العبقري الراحل جيمس دين الذي كان كالشهاب الذي انطفأ بسرعة من 8 فبراير 1931 وحتى 30 سبتمبر 1955 بعد ان قدم 3 أفلام فقط دخل بها التاريخ من أوسع أبوابه .

وهي «شرق عدن» لايليا كازان سنة 54 و«ثورة بلا سبب» لنيكولاس راي سنة 55، ثم «العملاق» أمام إليزابيث تايلور سنة 55 أيضاً، كان جيمس دين نموذجاً للشاب الأميركي الثائر.. وكان بطلاً في سباق السيارات إلى أن انقلبت به السيارة ومات وبكته الملايين.

البيان الإماراتية في

20.05.2005

 
 

خمسة افلام مميزة في مهرجان كان محورها فكرة واحدة:

الماضي لا يمضي أين تهرب منه؟ انه يطاردك يطاردك حتى تستسلم او تموت!

كان – ابراهيم العريس

في واحد من آخر مشاهد فيلم "زهور محطمة" لجيم جارموش يقول بطل الفيلم دون جونستون (بيل موراي) للشاب الذي يلتقيه: "الماضي مضى... والمستقبل لم يأت بعد. كل ما لدينا في الحقيقة، هو الحاضر". فإذا كان صحيحاً ان المستقبل لم يأت بعد، والحاضر هو ما لدينا... هل صحيح في المقابل ان الماضي مضى حقاً؟

فيلم "زهور محطمة" هو آخر إبداعات واحد من اعمق مخرجي التيار المستقل وأفضلهم في السينما الأميركية. والفيلم يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان"، وحظوظ فوزه بجائزة اساس- إن لم يكن بالجائزة الأساسية – كبيرة جداً حتى الآن، اضافة الى حظوظ فوز ممثله الرئيسي بيل موراي، بجائزة افضل ممثل. اما السؤال الذي نطرحه هنا فإن الفيلم بالكاد يحاول ان يجيب عنه مباشرة. ومع هذا اذا كان الماضي قد مضى، لماذا كل هذا التشوق لدى دون جونستون، للقاء الابن الذي طلع له من ماضيه؟ ولماذا تراه قام بالرحلة في اعماق هذا الماضي لكي يعرف من هي – من بين عشيقاته السابقات – ام الولد، التي كتبت له رسالة غفلة تخبره فيها بأن له ابناً وأن هذا الابن يبحث عنه الآن؟

دون جونستون قبل وصول الرسالة كان يعيش حياته هادئاً وسط مشاغله الصغيرة ومشاكله المزعجة. لكنه كان قد "نسي" الماضي تماماً. كان خيل إليه انه يعيش، كما سيقول لاحقاً، لحاضره. ولكن في لحظة ما، عبر رسالة مختصرة قفز كل ماضيه امام عينيه ليقلب حاضره ومستقبله ايضاً. او هذا ما توحي إلينا به على الأقل تلك النظرة التي ينتهي الفيلم عليها.

عودته لا العودة إليه

والحقيقة ان بزوغ الماضي في "زهور محطمة" لم يكن بالأمر السيئ تماماً بالنسبة الى دون جونستون. كل ما في الأمر انه نقله الى الماضي. لكن الأمور لم تجر على هذا النحو، وعلى مثل هذه البساطة في اربعة افلام اخرى من الأفلام المشاركة، خصوصاً في "المسابقة الرسمية" في "كان"... وكلها يجمع بينها قاسمان مشتركان رئيسيان (باستثناء فيلم واحد هو "الملك" الذي لا يجمعه هنا سوى قاسم مشترك واحد يتعلق بعودة الماضي): اولاً انها من اخراج اربعة من كبار مخرجي ايامنا هذه، ومن المحسوبين ضمن "ابناء كان": دافيد كروننبرغ، جيم جارموش، آتوم اغويان، ومايكل هانكه، فيما يحمل "الملك" توقيع جيمس مارش الذي يشارك هنا للمرة الأولى بفيلم اول. اما القاسم المشترك الثاني فهو، كما اشرنا عودة الماضي. ولا نتحدث بالطبع عن العودة الى الماضي. فهذه العودة الأخيرة حاضرة في عدد كبير من الأفلام، حيث يطل السينمائي على ماضيه الشخصي او على ماضي مجتمعه او بلاده، كما يفعل لارس فون تراير (في "ماندرلاي") او الصيني وانغ خوايشياو في تحفته الجديدة "احلام شانغهاي" على سبيل المثال. نتحدث هنا عن الماضي الذي يعود ليغير... ليدمر... ليدفع المرء الى مواجهة ذاته، بعد ان يكون قد خيل إليه انه نسي كل شيء.

هذه الأفلام الخمسة، التي تشكل ظاهرة استثنائية اساسية في عروض هذا العام لمهرجان "كان" تقول لنا ان كل واحد منا له في حياته سر، او أمر خفي يعيش اليوم مرتاحاً وقد رماه جانباً وأقفل عليه باب الذكريات.

ذنب بعيد في "حيث تكمن الحقيقة" هناك فتاة قتلت قبل احداث الفيلم بخمسة عشر عاماً... وأقفلت الشرطة التحقيق مستنتجة ان الفتاة انتحرت. غير ان آتوم أغويان (الكندي من اصل ارمني) يوقظ الجريمة من سباتها، دافعاً كاتبة شابة (كانت ذات يوم في طفولتها ضيفة برنامج خيري تلفزيوني يقدمه فكاهيان مشهوران) الى التحقق في ما جرى. وها هي اذ تستعيد الماضي وتطل عليه، تدفع هذا الماضي الى القفز امام من كانا قد نسياه: الكوميديان نفسيهما. وتكون النتيجة ان واحداً منهما ينتحر اذ يشعر بأن الماضي عاد يطارده ويطارد عقدة ذنب كانت كامنة لديه. عقدة ذنب اخرى تكمن في خلفية الحياة الهادئة التي يعيشها الآن نجم برامج تلفزيونية ادبية يدعى جورج (دانيال اوتاي) في فيلم "خفي" للنمسوي مايكل هاينكه... لكن هذه العقدة، وبالتالي، الماضي نفسه، سيقفزان امام عيني جورج ليقلبا حياته. ولئن كان بزوغ الماضي تم في فيلم اغويان، عبر فتاة تريد وضع كتاب، فإنها هنا في فيلم هانكه تتم من طريق شرائط الفيديو التي تصل الى جورج لتقول له انه مراقب ومهدد، دافعة اياه الى التحري عن ماضيه: اذ يفعل ويكتشف ذنبه، لقد كان طفلاً حين تسبب في طرد فتى عربي تبناه ابواه... لكنه هو، جورج، غار من وجوده في البيت فوشى به. طبعاً ينتهي الفيلم من دون ان نعرف ما اذا كان للتهديد الحالي علاقة بذلك الذنب البعيد. وينتهي الفيلم بانتحار الصبي العربي، وقد اضحى اليوم رجلاً يعمل حارساً في المكان الذي يسكن فيه جورج... غير ان المهم هو ان الشرائط ايقظت ماضي جورج من سباته، وحركت عقدة ذنبه التي كان يخيل إليه انها ماتت، مع الماضي، الى الأبد.

انتقام لأم ظلمت

ما يحدث للقسيس المتزمت في فيلم "الملك" سيكون اسوأ كثيراً... وإن كان يشبه من ناحية ما، ما حدث لدون جونستون في "زهور محطمة". فهذا القسيس يعيش هادئاً، الآن، في بلدة ريفية تكساسية صغيرة، يهيمن فيها على كنيسة شديدة التزمت وعلى مدرسة اصولية وينشر مبادئ الأخلاق بين رعيته. ولكن ذات يوم، ومن حيث لا يتوقع يعود إليه، حتى هو، ماض كان يخيل إليه انه ذهب أدراج الرياح: يسرح شاب وسيم لطيف من البحرية التي امضى فيها ثلاث سنوات... الشاب يدعى ألفيس (ومن هنا اسم الفيلم "الملك"، من دون ان يعني هذا شيئاً معيناً) وهو من فوره بعد التسريح يقصد بلدة القسيس ليلتقيه مخبراً إياه انه ابنه. وأن من أنجبته امرأة كانت عشيقة للقسيس قبل ان يكتشف يسوع ويتحول قسيساً. الرد الوحيد الذي بادر إليه رجل الدين إزاء الماضي يطلع امامه على هذه الشاكلة ويكاد يهدد حياته العائلية الراهنة ووضعيته الكنسية، هو ان يطرد الشاب غير مبال بما جنى في ماضيه. لكن ألفيس لن يرضى بذلك طبعاً. سيرتب انتقامه لأمه المهجورة بعد ان عُبث بها. سيدمر القسيس وعائلته في ثأر متشعب يؤكد لرجل الدين هذا، ان كينونته الجديدة لا يمكنها ابداً ان تحميه من دفع ثمن ذلك الجرم البعيد الذي اقترفه.

من يدفع الثمن

غير بعيد من هذه الحال، حال توم ستال، الشخصية المحورية في فيلم دافيد كروننبرغ الجديد، والمشارك بدوره في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" لهذا العام. الفيلم يحمل عنواناً ذا دلالة مباشرة "تاريخ من العنف". غير انه لا يقدم لنا – كما قد يُفهم من العنوان – دراسة تاريخية للعنف. بل بالتحديد، يقدم حكاية هي الأخرى تتمحور حول ماض يبزغ فجأة في حياة رب عائلة هادئ، مسالم يعيش حياته اليومية في بلدة اميركية نائية. وكان يمكن توم ستال ان يبقى على هذه الحال الى الأبد لولا ظهور صورته على شاشة التلفزة بصفته "بطلاً اميركياً" تمكن من قتل رجلي عصابة هاجما مطعمه بعد ان ارتكبا جرائم عدة. فإذا ظهرت صورة توم، استيقظ لديه، هو الآخر، ماض كان خيل إليه انه صار في مهب النسيان. ولكن ابداً! اين تهرب من ماضيك. وماضي توم، الذي لن نتيقن نحن المتفرجين منه إلا بعد حين، يقول لنا انه كان عضواً في عصابات المافيا، مسؤولاً عن جرائم عدة وموبقات... قرر بعدها ان يغير اسمه وحياته. فجاء الى تلك البلدة ليتزوج ويكوّن عائلة صغيرة. رجل محترم آت من اللامكان. ولكن ها هو هذا اللامكان بالتحديد يطارده على شكل رجال عصابة ما إن رأوا صورته على الشاشة حتى اندفعوا الى البلدة. بيد ان المشكلة لن تكمن، هنا، في المعارك العنيفة التي يضطر الى خوضها وهو ينكر قطعياً ان يكون له اية علاقة برجل الماضي الذي كانه. المشكلة تكمن في علاقته الآن مع زوجته وعائلته اذ اكتشفا ان هذا الرجل المثالي الوديع المحب والكريم، ليس في حقيقته سوى مجرم سابق!

حسناً... ستنتهي الأمور، بالنسبة الى توم ستال على خير. فهو، في العنف الذي اضطر الآن الى ممارسته... وكذلك ممارسته تجاه زوجته، دفع ثمن ماضيه غالياً. الآن بعد دفع الثمن، يمكنه ان ينسى وأن يستعيد حياته. ومثله ما سيفعل دون جونستون (في "زهور محطمة") حتى ولو ادلى امامنا بالاستنتاج المتحدث عن ان الماضي مضى. لكن قسيس "الملك" لن ينجو من ماضيه. وكذلك حال احد الكوميديين في "حيث تكمن الحقيقة"... حيث ان كلاً منهما سيدفع الثمن غالياً من وجوده وجسده. ومع هذا يظل الأقسى مصير جورج (بطل "خفي") لأن فيلمه سينتهي من دون ان يعرف حقاً ما اذا كان لواقعه المهدد، علاقة بالماضي... هو الذي عليه منذ الآن وصاعداً ان يدفع ايضاً، ثمن انتحار حارس بنايته، اذ عاد ووشى به للشرطة من جديد بعد عقود من وشايته الأولى به!

سوف تطبعنا

طبعاً قد يكون اجتماع خمسة افلام، في شكل او في آخر، على فكرة واحدة، تُقدم عبر تنوع المواضيع وعبر تنوع في الأساليب مجرد صدفة، ولكن افلا يكون في إمكاننا اعتبار اطلالة السينما عن عودة الماضي إلينا، بدلاً من عودتنا الى الماضي، دليل نضج انساني عميق... باتت السينما نفسها مكاناً اولاً وأساسياً للتعبير عنه؟

ثم، هل من قبيل الصدفة ان تكون هذه الأفلام الخمسة معاً من اقوى ما قدمته دورة هذا العام لمهرجان كان؟ من المؤكد، حتى كتابة هذه السطور، ان واحداً من بين افلام كروننبرغ وجارموش وهاينكه واغويان هو الذي سيفوز بالجائزة الأساسية... او بما يدنو منها. اما "الملك" فلربما يفوز بجائزة من نوع آخر، اذ انه هو لا يعرض ضمن المسابقة الرسمية. ولكن، في الأحوال كافة، من الواضح – بفوز او من دونه – ان هذه الأفلام ستطبع متفرجيها، وتدفعهم الى التساؤل المحض حول الفكرة التي يخادعون بها انفسهم مدعين، كما حال دون جونستون، ان الماضي مضى.

####

«لا تأت قارعاً الباب»: السينما والعائلة والابن المحتمل

كان – ابراهيم العريس

في العام 1997، شارك فندرز في مهرجان "كان" كما كان اعتاد ان يفعل منذ بداياته السينمائية تقريباً. كان فيلمه المشارك في ذلك العام يحمل عنواناً واضحاً – ومتفائلاً – هو "نهاية العنف" وكان يشارك في المسابقة الرسمية (من دون ان يفوز بأية جائزة في نهاية الأمر). واليوم فقط يروي فندرز انه بعد التقديم الرسمي للفيلم حدث له وللطاقم العامل معه، ان هوجموا من مسلحين ملثمين سرقوا ما يحملون ومارسوا عليهم عنفاً. يومها ترك الملثمون ضحاياهم وفي عيونهم نظرات تحمل سؤالاً واضحاً: هل حقاً تعتقدون ان العنف انتهى؟

يروي فندرز هذه الحكاية اليوم ويضحك مؤكداً ان غيابه عن "كان" منذ ذلك الحين لم يكن، طبعاً، بسبب تلك الحادثة... بل لأنه بات مقلاً بعض الشيء. المهم ان فيم فندرز ضرب رقماً قياسياً في عدد مشاركاته في "كان". فهو، منذ العام 1976 (حين عرض "على مر الزمن"، فنال عنه جائزة النقد العالمي وانطلقت بفضله شهرته في العالم اجمع)، وحتى اليوم اذ يشارك بفيلمه الجديد "لا تأت طارقاً الباب" مشاركاً مجدداً في المسابقة الرسمية، شارك في المهرجان 12 مرة، وغالباً في هذه المسابقة نفسها. وهو فاز مرات عدة، منها مرة بـ"السعفة الذهبية" عن فيلمه "باريس/ تكساس" (1984) ومـرات بجـوائـز اقل شأناً بعض الشيء (جائزة النقاد الكبرى لـ"بعيداً... قريباً" – 1993، "جائزة الإخراج" لـ"عاصفة توت برلين" – 1997). كما ان فندرز ترأس لجنة التحكيم في العام 1989. وانطلاقاً من هذا كله، يعتبر فندرز من مخضرمي "كان" الكبار ومن ابناء هذا المهرجان الذي لم يتوقف منذ عقود عن اطلاق كبار محدّثي الفن السينمائي.

حتى كتابة هذه السطور لم يعرض فيلم فيم فندرز المشارك في المسابقة الرسمية بعد. ولكن يقال منذ الآن، انه فيلم يستعيد فندرز فيه انفاسه القديمة، وبخاصة اسلوب وأجواء "باريس/ تكساس" الذي يعتبر عادة واحداً من اجمل افلامـه وفيلماً مجدداً في فن السينما ككل. بخاصة انه هنا يستعيد علاقة مع الممثل والكاتب الأميركي سام شيبرد، الذي شاركه العمل في "باريس/ تكساس".

في الفيلم الجديد، الذي يبدو لنا قابلاً لأن يضمّ الى افلام "عودة الماضي" – لا "العودة الى الماضي"... للتوضيح – التي تحدثــنا عنــها في هــذه الصفـحة. ذلك ان الموضوع يدور حول ممثل، في اميركا اليوم، يقرر فجأة التخلي عن تصوير بقية مشاهد فيلمه الجديد. ويتوجه الى بلدته الصغيرة مسقط رأسه، لكي يعيش الى جانب امه... قبل ان يعرف ان له ابناً في مكان ما.

بحسب الذين عرفوا شيئاً عن هذا الفيلم فإن "لا تأت قارعاً الباب" – وهو عنوان مقتبس من اغنية "كاونتري" الشهيرة – يعيد فيم فندرز بعد غياب الى اجواء اميركا وبراريها، الى السينما، الى مفهوم العائلة، وإلى عوالم مرور الزمن. وهذه كلها امور اشتغلت عليها سينما فيم فندرز. اما هو فإنه يقول عن مشاركته في "كان"... إن هذا المهرجان قد رافق كل مسيرته السينمائية، مضيفاً: "حين اتيت الى هنا للمرة الأولى، كنت لا ازال مخرجاً شاباً مجهولاً". اما ما تغير بالنسبة إليه، بين زمن بداياته والزمن الذي يعيش فيه فهو، في رأيه "ظهور الثورة الرقمية، فهذه الثورة هي الآن في طريقها الى اعادة تحديد وموضعة نظرتنا وممارستنا السينمائية بالنسبة الى الإنتاج والتوزيع، ولكن ايضاً بالنسبة الى تصورنا نفسه لفن السينما".

الحياة اللبنانية في

20.05.2005

 
 

إبهار دانماركي في مهرجان "كان"

هل تتجدد السعفة الذهبية مع "أيام أخيرة" و"نفاق السنين"

رسالة مهرجان كان من سمير فريد

توقف النقاد وحضور مهرجان "كان" من النجوم أمام الفيلم الدانماركي "نفاق السنين" للارسن فون تريد.. بالإضافة إلي تحفة "أيام أخيرة" اخراج جوس فان سانت وكلاهما سبق وفاز بالسعفة الذهبية.. ولكنه لايزال "مخبأ" مايكل هانكي. و"تاريخ للعنف" إخراج دافيد كروننبرج علي قمة المرشحين للفوز بالسعفة الذهبية لعام 2005 مع إعلان الجوائز غدا السبت.

"ماندر لاي" الجزء الثاني من ثلاثية أمريكا التي بدأها فون ترير مع "دوجفيل" 2003. ومثل الجزء الأول لم يتم التصوير في أمريكا. بل إن المخرج لم يضع قدميه علي الأرض الأمريكية أبدا حتي الآن. ولكنه كما قال في المؤتمر الصحفي بعد عرض الفيلم : "أمريكا تشغل 60% من تفكيري مثل أغلب الناس في هذه الدنيا. وبهذه النسبة فأنا أمريكي

ثلاثة أوسمة فرنسية

قام وزير الثقافة الفرنسي نيابة عن رئيس الجمهورية بمنح ثلاثة أوسمة شرف إلي كل من جيل جاكوب رئيس المهرجان والممثل دانييل أوتوي والمخرج فرنسيس جيرو.

قام جيل جاكوب بمنح المخرج الأمريكي جورج لوكاس رمز المهرجان بمناسبة عرض فيلمه "حرب النجوم" خارج المسابقة.

أقامت إدارة مهرجان دبي السينمائي الدولي حفلا كبيرا علي شاطيء كارلتون في كان بمناسبة الدورة الثانية للمهرجان التي تنعقد من 11 إلي 17 ديسمبر القادم.

بمناسبة مرور 400 سنة علي صدور رواية سير فانتيس "دون كيشوت" يتم تصوير فيلمين : الأول "موت وحياة ميجيل دي سير فانتس" إخراج أنتونيو هيرنانديز. والثاني "ميجيل ووليم" إخراج إينيس باريس. الفيلم الأول عن حياة سير فانتس والثاني يتخيل لقاء بينه وبين وليم شكسبير.

أعلن هنا عن البدء في مشروع "مدينة السينما" في سان ديني إحدي ضواحي باريس وهي مدينة جديدة يقيمها المنتج والمخرج الفرنسي لوك بيسون والمنتج التونسي طارق بن عمار.. تقام المدينة علي مساحة 25 ألف متر مربع وتتكلف مائة مليون يورو وتفتتح عام .2007

عشية يوم أوروبا السنوي الثالث في مهرجان كان أعلنت فيفيان ريدنج مفوضة الاتحاد الأوروبي للتعليم والثقافة انها طلبت من البرلمان الأوروبي دعم السينما في ميزانية 2007 2013 بمبلغ ألف مليون يورو بزيادة 99% عن ميزانية 2001 2006 "513 مليونا".

لأول مرة اجتمعت ريدنج مع رئيس الاتحاد الأمريكي الجديد دان جيلكمان الذي تولي الرئاسة بعد اعتزال جاك فالينتي العام الماضي "تولي فالينتي رئاسة الاتحاد منذ 1966" وعشية يوم أوروبا أيضا رأست ريدنج اجتماعا مع رؤساء أكبر الشركات والمؤسسات السينمائية الأوروبية وحضره رئيس شركة تايم وارنر الأمريكية وكان ضيف شرف الاجتماع فنان السينما البريطاني مايكل وينتر بوتوم.

موضوع الدورة الجديدة ليوم أوروبا "السينما الأوروبية ومجتمع المعلومات" ويحضره 25 وزير ثقافة أوروبي.

الجمهورية المصرية في

20.05.2005

 
 

من يفوز بـسعفة كان الذهبية؟

"كان" 58 ينتصر لرينواروسينما المشاعر الجميلة النبيلة ويدعو الي السلام و التقارب والتواصل بين الشعوب

من صلاح هاشم موفد "ايلاف" الي مهرجان "كان"

كان: اي فيلم ياتري سوف يحصد "سعفة كان الذهبية"؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الصحافيون والنقاد الآن في المهرجان السينمائي 58 الكبير (أكثر من 4 الاف صحفي ومصور) الذي أوشك علي الانتهاء، حيث يختتم المهرجان أعماله بعد يومين، ويدفعنا في هذه العجالة، الي ترشيح مجموعة من الافلام الجيدة المهمة، التي طهرتنا بجمالها ولطفها وانسانيتها، وغسلتنا برقة وسحر السينما العظيمة، علي الرغم من أن السمة الاساسية يقينا في افلام مهرجان هذا العام، كما سبق ان نوهنا، كانت العنف الذي يمارس علي بني الانسان، في تلك المدن الاسفلتية العربيدة، تحت وفوق الارض، وحتي في اعماق السماء والافلاك والكواكب، كما نبه الامريكي جورج لوكاش بفيلمه "حرب النجوم" من افلام الخيال العلمي،الذي عرض خارج المسابقة الرسمية للمهرجان، وياله من فيلم تافه ساذج حقا وممل.. الا انه، لابد اولا من الاشارة هنا، الي تلك المقاطع او المشاهد الصغيرة، من افلام المخرج الفرنسي العظيم جان رينوار، التي كان يعرضها المهرجان، قبل عرض افلام المسابقة الرسمية، في العروض الصباحية المخصصة للصحفيين، والتي كانت توقظ فينا، ونحن لم نستيقظ بعد، توقظ فينا ذلك الحنين الي سحر السينما العظيمة، وأفلامها الرائعة في اعمال ذلك المخرج العملاق، حيث كانت تسطع تلك المشاهد من افلام رينوار، مثل فيلم " كان كان " بطولة جان جابان، وتتألق علي الشاشة، وهي تحاول ان تمسك بروح وجوهر الحياة ذاتها، وتسطع بذلك الفرح العميق، وبراءة الطفولة المحببة، فتجعلنا نتصالح مع انفسنا والعالم، بسحر السينما الفن، ونحب الحياة اكثر، ونقترب اعمق من انسانيتنا، كي نعانق كل الكائنات والموجودات،ونحن نحلم، مثل كل الصغار، بالمغامرة والسفر، واكتشاف العوالم التي لم يسمع بها أحد من قبل،ولا حلم، كما كان يردد عادة الكاتب والمخرج السينمائي الفرنسي جان كوكتو، لاحلم يشبه حلم السينما،.. ثم ندلف الي داخل المياه من دون وجل..  وقد كان لتلك المشاهد من افلام رينوار، وقع السحر في نفوسنا، وكانت عادة ماتنتهي بتصفيق حاد من الصالة في قاعة المهرجان الجبارة، والطريف، انها كانت تعرض مباشرة، بعد ان نصعد ذلك السلم في كان الي النجوم، والذي ينتهي عند تلك السعفة الذهبية في قلب السديم الازرق، ثم فجأة، اذا بنا نهبط من السماء الي الارض، كي ندخل مباشرة في احد المشاهد من افلام رينوار، وذلك بمناسبة تكريمه في المهرجان، فنبحر مع الاحبة والعشاق في قارب، كما في فيلم "جزء من الريف"، أو نرقص فرحا بتلك الحياة التي نعيشها الآن في اللحظة، في لقطة من فيلم "كان كان"، ونحن لاننسي ابدا اننا ايضا قطعة من النجوم، وذلك السديم الرباني.ولاشك ان للسينما ارتباط عميق بالصوفية والعشق والروحانيات، وهي اقرب ماتكون الي طقوس شعرو عبادة، كما في افلام ذلك المخرج، بل ان البعض يحب ان يعيش في حلم السينما، كما تقول احدي الشخصيات في فيلم الالماني فيم فندرز"لاتحضر لتطرق الباب"، اكثر من العيش في الحياة ذاتها، اي في قلب ذلك التيار الصاخب المرعب من العنف، الذي يسحبنا الي الفوضي والدمار، ويجرفنا امامه، ولا يد حانية لرفيق علي الطريق تطبطب علي الظهر، ولا يد لحبيبة تنتشلنا من هاوية الرعب والضياع والعدم..

ومن واقع مشاهداتنا لاعمال المهرجان في مسابقته الرسمية، وايماننا بان " كان " 58 سينتصرحتما لسينما رينوار والمشاعر الجميلة النبيلة، نرشح الافلام التالية للحصول علي جائزة "السعفة الذهبية":

*فيلم "المستور" للمخرج النمساوي بيتر هانكه:

انه اكثر افلام المهرجان من "سينما المؤلف" اكتمالا وتوازانا، وقد اعجبنا فيه الي جانب الموضوع الخطير الذي يناقشه، وثمة احالة هنا الي، او تشابه في الموضوع مع، فيلم "الطريق الضائع" لوست هاي واي للامريكي دافيد لينش، اعجبنا سيناريو الفيلم المشدود المحكم، من دون ترهل او اضافات اوحشو، والفيلم ككل واحد، أي في شموليته الفنية، يدعو الي التأمل، ويخلق بينه وبين المتفرج مساحة للنظر والتفكر، ويذكربحادثة عنصرية مؤلمة، يندي لها بالعار جبين فرنسا، وراح ضحيتها اكثر من مائتي جزائري، ماتوا غرقا في نهر السين في باريس، وعلي الرغم من ان الفيلم يناقش قضية فردية شخصية، الا انه ينسحب بذكاء علي الفضاء الاجتماعي الفرنسي، اي المجتمع الفرنسي ككل، وعلي تاريخ فرنسا وذاكرتها الكولونيالية الاستعمارية، ويشير واو من بعيد الي حق الجزائريين في ان اعتراف فرنسا بما وقع لهم وتقديمها لواجب الاعتذار، وتتألق في الفيلم الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، كما يلعب هنا الفرنسي دانيال دوتوي احد افضل ان لم يكن افضل ادواره علي الشاشة، والمهم هنا ان جرعة السينما في الفيلم تمنح لنا من دون زيادة او نقصان، كما ان نهايته المفتوحة، تجعلنا نحمله معنا، بعد ان نخرج من القاعة، كي يصبح موضوعا لتساؤلاتنا، وهو علي الرغم من ذهنيته التي قد تبدو احيانا مفرطة او مفبركة، يظل طوال الوقت محافظا علي توازنه من دون رهرطة، ولما فيه من تشويق ايضا واثارة. ونمنح فيلم هانكه سعفة كان الذهبية، سعفة العقل.

*فيلم "لا تحضر لتطرق الباب" للمخرج الالماني الكبير فيم فندرز:

نمنحه سعفة "كان" الذهبية، سعفة القلب، ونعتبره لغنائيته وعذوبة موضوعه، "الابوة او الحاجة الي أب" ومعالجته الانسانية العاطفية الشاعرية الذكية من اجمل افلام المهرجان واكثرها رقة وعذوبة.تكفي موسيقاه وذلك المنظر الطبيعي الرائع في الغرب الامريكي، وفي تلك البلدة الصغيرة، ويكفي ان تجد في الفيلم انسانا مازال يحبك بعد فترة فراق لمدة ثلاثين عاما وكسور، والفيلم كله يغسل امريكا من القبح الذي صورت به في افلام العتف والدم والمطاردات المثيرة، ويلونها من جديد بألوان البراءة والابوة وقوس قزح. لاتحضر لتطرق الباب هو فيلم عن الامل، الامل في ان يعود الينا وعينا، فنستيقظ من سباتنا وانانيتنا. كي نغرف من حياة الحاضر، ونتصالح مع انفسنا والعالم.وربما كانت تلك " المصالحة " هي عماد الفيلم، الذي وجدناه امتدادا لفيلم "باريس. تكساس" لنفس المخرج، الذي حصل به من قبل علي سعفة "كان" الذهبية.. انه درس في السينما "الرومانتيكية" العظيمة، وغسيل عيون، وهو ايضا تحية الي امريكا والت ويتمان، الشاعر الامريكي العظيم، امريكا الحرية والديمقراطية، امريكا الانسانية التي تعيش بالمشاركة، واقتسام لقمة الخبز مع الآخرين. انه درس عظيم في السعادة، كيف نعيشها وكيف نصنعها وكيف نتطهر من ذنوبنا، ونتصالح مع انفسنا والعالم. هذا فيلم يمنح الممثلة القديرة جيسكا لانج لاشك افضل ادوارها، ونرشحها للحصول بهذا الفيلم علي جائزة أحسن ممثلة. ولو كان معنا رينوار لكان صفق لفيم فندرز علي فيلمه واحتضنه وعانقه، وربما كانت هذه ايضا رغبتنا، ونريد ان نعبر بها هنا عن عميق امتناننا لهذا الفيلم الذي غسلنا من عنف افلام المهرجان ودمويتها ورعبها، وربما كان الفيلم يستحق سعفة كان فقط لتصويره الرائع وايقاعه وموسيقاه، وتلك النماذج النسائية الشامخة التي يعرضها، وهو يراهن علي ان المرأة هي مستقبل الانسان.، وبهذا الفيلم يعود الينا فيم فندرز في صحة وعافية ويسترد بذلك الفيلم شبابه ويعيد الينا ايضا شبابنا، علي سكة افلام الطريق كما في فيلمه الاثير "اليس في المدينة" و"الصديق الامريكي " وغيرهاو المفتوحة علي مغامرة الحياة وفلسفة الزن واجنحة الثواب والرغبة، كي ندلف الي داخل المياه من دون وجل، بعد ان نكون حلقنا بسحر السينما وفنها، مع الطيور السابحات في تلك الآفاق التي تمتد تحت شمس الرب، هنا علي الارض، والي ما لانهاية..

*فيلم "الزهور المتكسرة" للامريكي جيم جامروش:

من اجمل والطف الافلام الرقيقة الانسانية التي عرضها المهرجان. انه رحلة في ذاكرة وماضي انسان امريكي عازب، صنع ثروة من خلال عمله كمهندس كمبيوتر، وتصله رسالة وردية من دون توقيع، رسالة حب من احدي عشيقاته، لابلاغه بان له ابنا حملت به احدي وقد خرج ليبحث عن ابيه، لكن من تكون تلك العشيقة ؟ عليه اذن ان ينقب في ماضيه ويبحث عنها، انه رحلة لبطل الفيلم – الممثل الامريكي القديربيل موراي الذي يشمخ بتمثيله هنا، ويجعلنا نضحك ونتأسي معه طوال رحلته في امريكا، و نرشحه للحصول علي جائزة أحسن ممثل عن دوره في هذا الفيلم الفكاهي الجميل النبيل، وينتهي ايضا بعلامة استفهام كبيرة، وتتألق فيه جيسكا لانج، في دور السيدة- كانت محامية سابقة- السيدة التي تستطيع ان تتكلم مع الحيوانات المنزلية الاليفة، تتواصل معها وتحادثها وتفهم لغتها بالايماءة والاشارة، والله كما ضحكنا في هذا الفيلم الجميل علي مواقفه وقفشاته الكوميدية النظيفة، ومااشبه بيل موراي بنجيب الريحاني، وماصعب ذلك الدورالذي اداه بالصمت وحده وباقل حركة، و ايماءة، واشارة. وهناك افلام اخري سوف تحصد احدي جوائز "كان" لاشك، ونعتقد ان فيلم "منطقة حرة" للاسرائلي أموس جيتاي سوف يكون حتما من بينها، وهو اول فيلم اسرائيلي يصور في الاردن، ويتلقي دعما من اللجنة الاردنية الملكية كما تبين لنا من خلال تترات الفيلم..

ويمكن ان نضيف الي قائمة الافلام التي نرشحها للحصول علي سعفة "كان" الذهبية، فيلما رابعا رائعا نعتبره "تحفة" سينمائية، ونعني به فيلم "ثلاث مرات" للمخرج التايواني الكبير هو سياو سين، وهو آخر فيلم عرض في مسابقة المهرجان، ونعتبره "ماسة" سينمائية حقيقية.  بأسلوبه وعذوبته ورقته، وكان بمثابة كوب عسل، في المصطلح المطبخي، وعلي اعتبار ان مصطلحات فن الطهي، هي جديرة ايضا بالاستخدام، أليس كذلك ؟ وأن افلام السينما كما كان يقول هيتشكوك،هي مثل الطعام الذي نأكله.بل ان المعلم هيتشكوك كان يحلم بأن يصنع فيلما يحكي فيه عن دورة الطعام، خلال 24 ساعة داخل مدينة، ومن عند لحظة الاستيقاظ من النوم..

كان ذلك الفيلم "ثلاث أوقات"    للتايواني هو سياو سين، مثل كوب عسل، يندلق في حلوقنا، فيرطب ارواحنا، بعد العنف والحرب، اللذين عانينا منهما الامرين، وكدنا نخرج، ونحن نلعن "كان"، وافلام السينما التافهة تلك، التي صارت بعنفها ودمويتها بضاعة في سوبر ماركيتات المهرجانات، كي نهرب الي البحر المتوسطي الكبير، أو نتصعلك علي شريط كورنيش الكروازيت، ونستنشق هواء "كان" العليل، وتلك النسمات الطرية الطازجة القادمة من البحر تحت الشمس الافريقية العفية..

فيلم"ثلاث اوقات" هو من اجمل الافلام التي عرضها المهرجان فنيا وانسانيا وكل شييء، حيث يحكي عن ثلاث قصص حب، تقع في ثلاث فترات زمنية مختلفة، في تاريخ تايوان، في عام 1966 ثم في عام 1911 وعام 2005 . يحكي الفيلم الذي يترجم عنوانه بالصينية الي "أحلي الاوقات"، يحكي عن الذاكرة والتاريخ، لكي يقول لنا ان افعالنا، والطريقة التي نتصرف بها، تتأثردوما بعامل الزمن الذي نعيش فيه، والاوضاع الاجتماعية والتاريخية والسياسية، التي تتحكم في العلاقات بين البشر، وتلك المشاعر، ومن ضمنها مشاعر الحب التي تحكمنا. وهو يحلق بنا فنيا، حين نروح نستمتع بجمال الفيلم وانسيابيته، وننزلق علي بساط من دانتيلا وحرير، كما في قصيدة لجاك بريفير عن المطر، ننزلق الي متعة السينما الفن، التي تمارس سحرها علينا بكل قوة، وتجعلنا طوال الفيلم، ومن شدة جماله، وشفافيته، نحبس انفاسنا، ونحن نردد ان يا الهي هذه هي السينما الفن، أرقي أشكال التواصل والتخاطب، وكما يجب للسينما ان تكون. هذا هو التطريز الفني السينمائي علي اصوله، وبحنكة ومهارة وذكاء ومعلمة، وارفع تجسيد لحب الحياة، وعشق الوجود. يحكي هو سياو سين عن ذكريات شخصية وبخاصة في فترة 1966 في فيلمه، وكان عندئذ مهووسا بأغنية "مطر ودموع" التي كان يغنيها اليوناني ديموس ريتسوس في فرقة "افروديت تشايلد" في زمن الستينيات العظيم، ذلك الزمن الذي صنع باغانيه تلك وافلامه وجداننا، يخكي هو سياو بنفس وايقاع شرقي صوفي متمهل، فيجعل من فيلمه "ايقونة" سينمائية، وتكريما وتحية الي "احلي الاوقات" والذكريات التي صنعتنا. ويقول هو سياو: " ان حياتنا مليئة بتلك اللحظات والذكريات المجزأة،التي لا نستطيع ان نسميها، أوان نصنفها، وهي لحظات بلا اهمية تذكر، لكنها تسكن في الدماغ، وتمكث هناك، ولا تهتز. مثلا كنت احب في شبابي ان العب بلياردو، لذلك مازلت اتذكر بعض مقاطع من اغنية " دخان يتسلل الي عينيك" التي كنت اسمعها أنذاك في صالة البلياردو، لكني اقترب الآن من سن الستين، ومازالت هذه الذكريات تقبع هناك، حتي صارت قطعة من كياني، واحملها معي اينما ذهبت، وكنت فكرت ان افضل طريقة لاعترافي بجميلي نحوها، هو ان اصورها واصنع منها فيلما، ومازلت اعتقد بانها مازالت تمثل بالنسبة الي " احلي الاوقات " التي عشتها في حياتي، ليست الاحلي لانني لا استطيع أن أنساها، بل الاحلي لانها اشياء ضاعت وانتهت الي الابد، وهي الاحلي لانها مازالت الشييء الوحيد العالق بذاكرتنا، ولا اعتقد بأن فيلم هذا سيكون أخر فيلم اصنعه عن تلك الذكريات..".وتجدر الاشارة هنا الي اننا نرجح حصول فيلم " الطفل " للشقيقين البلجيكيين جان بيير ولوك داردين علي جائزة من جوائز المهرجان مع فيلم " ماندرلي " للدانمركي لارس فون تريير، لكننا نستبعد فوز اي منهما بجائزة السعفة الذهبية ..

كما نستبعد حصول فيلم المخرج الاسرائيلي أموس جيتاي "منطقة حرة"    الذي تشارك في بطولته الممثلة الفلسطينية هيام عباس علي اية جائزة، اذ يطرح من خلال3 نساء، امريكية واسرائيلية وفلسطينية، يطرح خطابا سينمائيا جافا، لاشك يدعو الي السلام والتقارب والتفاهم، وايقاف عجلة و دورة الرعب والدمار والدم في فلسطين، لكن من غير فن، في ماعدا المشهد الاول في الفيلم،الذي نعتبره طقسا روحيا رائعا، وفيه تشدو مغنية بمرثية مؤثرة من كتاب "الهاجادا" المقدس عند اليهود امام حائط المبكي، في ماتجهش الامريكية في السيارة في الفيلم، تجهش بالبكاء، في حين تسطو المغنية بشدوها علي ارواحنا، بذلك القصيد الصوفي الانساني، ويكاد يكون اشبه بقصيدة لوليام بليك، أو رابندرانات طاغور. نشيد يحكي صحيح عن الالم، لكنه يجدد الدعوة الي النهوض، والانتفاضة، كمايدعو الي الامل، ويذكر بعذابات الفلسطينيين وسط الاحتلال، والحريق الكبيرالذي سوف يأتي علي كل شيء، كما يحدث لتلك الواحة الفلسطينية من النخيل في الفيلم، وتأتي عليها النار بأكملها وتدمرها. وحيث يصرح أموس جيتاي في الفيلم،علي لسان المرأة الاسرائيلية بأن اسرائيل حالها واقف وراكد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، بسبب شيئين: الانتفاضة الفلسطينية،وأزمة البطالة في اسرائيل. تلك الازمة التي جعلت اصحاب المزارع، بعد منع العمال الفلسطينيين من الدخول الي اسرائيل يلجأون الي تشغيل عمال من تايلاند، ثم طردهم بعد فترة بسبب الازمة الاقتصادية التي استفحلت.

ونعتبر الفيلم، الذي لم يعجبنا، بسبب ضعف مستواه الفني، حيث بدا لنا اشبه مايكون بـ"خطاب" فكري جاف وبه الكثير من الادعاء، ولم تكن هناك ضرورة او حاجة ملحة ابدا لصنعه، ولم نلمس فيه حرارة افلام جيتاي الاخري "الضرورية"، و الاكثر فنية، والمناصرةللفلسطينيين، مثل فيلم "كادوش" او قدسي، الذي يحكي عن سيطرة اليمين الاسرائيلي الديني المتطرف علي الحياة الاجتماعية والسياسية في البلاد، بالاضافة الي افلام جيتاي التسجيلية الاخري، مثل "مذكرات حملة" و"الوادي" و"البيت"، وهي الافلام التي طرد جيتاي بسببها من اسرائيل، فغادر وعاش في المنفي، واعتبر متمردا ومنشقا علي المؤسسة اليهودية الصهيونية، لحين..

بدا لنا فيلم "منطقة حرة"، الذي ينتمي الي افلام الطريق، رود موفي، بدا لنا ذهنيا وجافا ومصنوعا، لذلك تجد ان الحوار في الفيلم، هومجرد كلام مكتوب، وبلا روح، وحين تنطق الشخصيات "الكرتونية" في الفيلم، فانها، لاتنطق الا بتصريحات لمخرجنا، تعبر عن "رؤيته" هو للوضع السياسي في بلده اسرائيل، ولذا جاء الفيلم مجرد مجموعة " نمر " تمثيلية، بمعني، في النهاية، لايوجد فيلم. لايوجد الا هذا النشيد الصوفي الروحاني، الذي هزنا من اعماقنا بكلماته ولحنه وموسيقاه، بصوت تلك المغنية الاسرائيلية العبقرية. ألم يكن هذا النشيد وحده يكفي ؟ او لم يكن كل ماحدث بعد ذلك في الرحلة مجرد " تركيب" فني مصنوع، ويفتقد لاية مصداقية؟ اجل يريد جيتاي ان يقول، انه يتمني ان تصبح تلك المنطقة" التجارية " المحررة علي ارض الاردن، نموذجا يحتذي به للتقارب بين سكان المنطقة، غير ان هذا الامر وحده لايكفي، وعلي الرغم من كافة النوايا الطيبة، لصنع فيلم..

والمؤكد في نظرنا ان احد هذه الافلام الاربعة الأخيرة التي ذكرناها، سوف يفوز بجائزة من جوائز "كان" السينمائي 58 الاخري، هذا ان لم يفز ب "سعفة كان الذهبية"..

موقع "إيلاف" في

20.05.2005

 
 

المراكشي ترد على الأصوليين المغاربة

فيلم "ماروك" في مسابقة "نظرة ما" بمهرجان "كان"

تعرية لواقع الشباب المغربي وأسئلة حول التعايش اليهودي الإسلامي

أحمد نجيم من كان

عرض أول أمس الخميس بقصر المهرجان بمدينة كان الفرنسية فيلم "ماروك" للمخرجة المغربية ليلى المراكشي، وبعد عرض الصحافة من المتوقع أن تقدم المخرجة اليوم الجمعة فيلمها للعموم على الساعة الثانية بعد الظهيرة. يبدأ الفيلم بتحديد لتاريخ الأحداث التي يتعرض لها، فالمشهد الأول ينقل المشاهد إلى مدخل مرقص بمدينة الدار البيضاء شهر رمضان عام 1997، شاب وشابة، يتبادلان القبل في سيارتهما، يفاجئان برجل شرطة، بعد شجار يخلي سبيلهما مقابل ورقة نقدية، وحارس سيارات يؤدي صلاة العشاء غير بعيد عنهما. ثم تنتقل الشابة غيتة، جسدتها الممثلة مرجانة العلوي، إلى مكان قريب تتابع شجار شابين، وتقع عينيها على شاب وسيم.  هده الأجواء الصاخبة التي ظهرت في المشاهد الأولى للفيلم سيؤطر أحداث الفيلم التي صاغتها ليلى المراكشي. فهو عن الشباب المغربي المنحدر من العائلات الميسورة، فغيثة فتاة من أسرة ميسورة تقطن غير بعيد عن كورنيش عين الذئاب بإحدى الفيلات الكبيرة، أبوها يملك أحد معامل النسيج، في سنتها الأخيرة بثانوية "ليوطي" التي تتبع النظام الفرنسي في التعليم.

لا يقدم "ماروك" قصة كلاسيكية بل يعرض يوميات غيثة في الأسابيع الأخيرة قبل امتحانات الباكالوريا، يومياتها العادية مع الأصدقاء والعائلة، فغيثة تقع في حب يوري بنشتريت، الشاب المغربي ويهودي الديانة، غير أن عائلتها من أبيها رجل الأعمال إلى أخيها القادم من بريطانيا يعارضان هده العلاقة، أما غيثة فغير آبهة بديانة "يوري"، جسده الممثل ماثيو بوجناح. ربما الفيلم المغربي الوحيد الدي تناول التعايش بين مسلمي ويهود المغرب في الحياة اليومية، فالعائلة الثرية ترفض ربط ابنتها علاقة صداقة مع يهودي مغربي، رغم أن هذه العائلة تتسامح معها بخصوص عدم صيام شهر رمضان وحضور الحفلات الليلية في مراقص الدار البيضاء.

ويثير الفيلم موضوع هجرة اليهود من المغرب، إذ يتحدث البطل يوري، في أحد المشاهد، أنه بعد الانتفاضة تفكر أسرته في مغادرة المغرب والإقامة في كندا شأن عائلات مغربية دات الديانة اليهودية.

في الفيلم انتقاد للأسر الميسورة، فحضور العائلة في حياة غيثة يقتصر في مشاهد محدودة أثناء تناول وجبة الإفطار في رمضان وأثناء تداول موضوع علاقتها مع يوري، أما بطلات الفيلم الأخريات، صوفيا، الدي جسدته فاتن العياشي، وأسماء قامت بالدور رزيقة سيموزراك، فحضور العائلة منعدم ودوره يقتصر على فرض زوج على صوفيا لتأمين دراستها في كندا.

وتؤكد ليلى المراكشي،  التي كانت تبلغ 18 سنة في العام 1997، أن "ماروك" بورتريه للشباب المغربي الميسور، الذي يعيش على الطريقة الغربية ويظل متشبثا بتقاليد بلده، وذهبت إلى أن مدينتها الدار البيضاء تجسد تناقضات المغرب المعاصر. وبررت اختيارها لسنة 1997 لأنها كانت تبلغ 18 سنة، وكانت تستعد لاجتياز امتحانات الباكالوريا مثل الشخصية الرئيسية في الفيلم، وأوضحت أنها عاشت في هدا العالم المنافق، وأوضحت في تقديمها للملف الصحافي، أنها تريد من خلال هدا الفيلم، الرد على حزب العدالة والتنمية الأصولي الدي اعتبر شباب المدارس الفرنسية في المغرب، قبل سنتين، غير "كاملي الانتماء المغربي"، وأضافت "لسنا أجانب، أردت أن أظهر أنه رغم غموض وتناقضات الشباب يظل متشبتا بانتمائه".

واعترفت أنه ليس الفيلم ليس سيرة داتية بمعناها العام، فهو تراكم لتجارب ومستملحات واقعية، "أثناء كتابة السيناريو، التقيت أصدقائي وحكوا لي تجاربهم ومغامراتهم، ثم بنيت الفيلم على علاقة الحب بين يوري وغيثة".

وأوضحت أنها حرضت لإعطاء قوة للفيلم أن تختار بعض الممثلين من هدا الوسط، لمنحه تميزه، بالإضافة إلى ممثلين أجانب.

ينقل الفيلم المشاهد إلى أجواء الشباب الميسور المغربي، ويحرص على محاكاة الواقع خاصة بتوظيف حوار واقعي قد يصدم أصحاب النيات السيئة. غير أن المخرجة اختارت الحل السهل في إنهاء علاقة غيثة ويوري، إد عمدت إلى قتله، وهو ما أثر على الفيلم بشكل عام وقدم نهاية للمخرجة كاتبة السيناريو للتخلص من الفيلم. فيلم "ماروك" تجربة سينمائية جديدة للمخرجين الشباب المغاربة الدين بدأوا ثورتهم السينمائية الهادئة على الأجيال السابقة، بمقاربة مواضيع ظلت طابو في هده السينما الناشئة. 

***

 أخبار كان 

كان لم تمنح مارادونا جائزة

نقلت صحيفة "20 دقيقة" المجانية عن إدارة كان أنها لم تعلن نيتها منح لاعب المنتخب الأرجنيتي دييغو مارادونا أية جائزة، وأضافت أن الخبر الذي نشر في وكالات الأنباء لم يتحدث عن نوع الجائزة. وكان النجم الأرجنيتي وصل أمس الخميس إلى مدينة كان. تجدر الإشارة إلى أن دورة هذه السنة استقطبت نجوم كرة القدم، إد قدم الأسطورة بيلي فيلما عن حياته في المهرجان.

 150 ألف يورو لحضور النجوم في الحفلات الخاصة

نجوم "كان" يمكنهم أن يعودوا إلى منازلهم بمبالغ مالية محترمة، بالإضافة إلى التعويضات التي يتلقوها مقابل ارتداء فستان أو بدلة لكبار المصممين، يتقاضى نجوم الفن السابع مبالغ مالية مهمة مقابل تلبيتهم دعوة حضور السهرات الخاصة المنظمة على شاطئ المدينة، وقدرت صحيفة "نيس ماتان" دلك ما بين 100 ألف و150 ألف يورو، وأوضحت أن النجمة باريس هيلتون شاركت في سهرة خاصة وأنه قد تكون تقاضت 150 ألف يورو، وأوضحت الصحيفة الجهوية أن هذا المبلغ لا يضخ في حساب النجم كاملا، بل توزع نسبة منه على الحراس الخاصيين وإعداد الظروف العامة لاستقبال النجوم. وكانت الممثلة الفرنسية كاترين دونوف أعلنت قبل سنتين أنها تقاضت 40 ألف يورو مقابل حضورها في الحفلات الخاصة، وهو ما عرضها لانتقادات شديدة.

سام شيبار يخشى الطائرة

اعترف سام شيابر كاتب السيناريو الأميركي، والبطل الرئيسي في فيلم فيم فاندريس "لا تطرق الباب علي"، بخوفه الكبير من ركوب الطائرة وقال في الندوة الصحافية التي تلت عرض الفيلم على الصحافة "لقد تناولت مخدرا لمقاومة الخوف الذي ينتابني كلما ركبت الطائرة". وكان هذا الخوف حال دون حضور هذا الكاتب إلى مهرجانات عالمية ومنها مهرجان كان، إذ يدشن هذا العام أول مهرجان له، رغم أن الأفلام التي كبت سيناريوهاتها سبق أن حازت على السعفة الذهبية، منها فيلم "باري تكساس" الذي أخرجه صديقه فيم فاندريس.

سيسيل دوفرانس تقدم حفل اختتام مهرجان "كان"

يسدل الستار يوم غد السبت على فعاليات الدورة 58 من مهرجان "كان" السينمائي العالمي، ولن يدوم حفل أكبر حدث سينمائي في العالم سوى 30 دقيقة بالمسرح الكبير لوميار بقصر المهرجان. أسند تقديم حفل الاختتام إلى العارضة الفرنسية سيسيل دوفرانس. وتنفرد بنقله القناة الفرنسية "كنال بلوس" بالواضح، أما الصحافيون فسيتابعون الحفل من قاعة بازان بقصر المهرجان عبر شاشة كبيرة. وسيحضر وزير الثقافة الفرنسي رونو دونيديو دوفابر الحفل كممثل للحكومة الفرنسية، بالإضافة إلى طاقم الأفلام 21 المشاركة في المسابقة الرسمية وضيوف المهرجان.

ويلي حفل الاختتام عرض فيلم "كرونوفوبيا" لمارتا فينيس في عرض أولي على الصعيد العالمي. ويلتحق المتوجون بجوائز "كان" لهذه الدورة بقاعة الندوات لعقد ندوة صحافية، ويدخل الفائزون بجوائز "كان" الخمس على انفراد حاملين جوائزهم، ويدوم لقاء كل فائز 15 دقيقة. تجدر الإشارة إلى أن جوائز المهرجان هي جائزة أحسن فيلم قصير، ثم جائزة أحسن دور رجالي وجائزة أحسن دور نسائي والجائزة الخاصة للجنة التحكيم، ثم السعفة الذهبية للمهرجان، أرقى الجوائز. وتعقد لجنة التحكيم برئاسة إمير كوستاريكا، ندوة صحافية صباح الأحد لشرح أسباب اختيار الأفلام الفائزة.

وتحظى الأفلام الأميركية بحظوظ وافرة للفوز بجوائز المهرجان، خاصة فيلم "ورود ممزقة" للمخرج جارموش و"حكاية عنف" لكرونبورغ و"سين سيتي" لفرانك ميلر وروبير رودريغيز، ثم فيلم "لا تطلق الباب علي" للمخرج الألماني فيم فينديرس، وتبقى حظوظ مخرجين أمثال لارس فان تريير والإخوة أرنو قائمة لنيل إحدى جوائز المهرجان.

وبدأت المدينة الشاطئية الجديدة صباح اليوم الجمعة تستعيد هدوءها بعد حياة لم تتوقف طيلة 24 ساعة خلال أيام المهرجان، إذ بدأت تختفي الاحتفالات وجمع مجموعة من ضيوف المهرجان حقائبهم مغادرين "كان".

موقع "إيلاف" في

20.05.2005

 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)