كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

هاني أبو أسعد ينقل الصورة إلى هوليوود

«الجنة الآن» الحصار على الفلسطيني من الداخل والخارج

بيروت ـ نديم جرجورة :

عن فيلم

الجنة الآن

   
 
 
 
 

للمرّة الأولى منذ تأسيسها قبل سبعة وسبعين عاماً، تُرشّح «أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية» في لوس أنجلوس فيلماً فلسطينياً «لأفضل فيلم أجنبي». وللمرّة الأولى منذ ولادتها في فلسطين في مطلع القرن الفائت، تجد هذه السينما نفسها في لحظة تاريخية مهمّة على المستويين الجماهيري والتجاري ـ الاقتصادي، على الأقلّ.

ذلك أن فوز «الجنّة الآن» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، المقيم في هولندا، بجائزة «غولدن غلوب» في فئة أفضل فيلم أجنبي في السابع عشر من يناير الفائت، اعتُبر بمثابة «إعلان غير رسمي» أو «تأكيد شبه نهائي» للفوز بجائزة «أوسكار» في الفئة نفسها، انطلاقاً من الاعتبار السائد في الأوساط السينمائية المعنية بأن جوائز «غولدن غلوب»، التي تمنحها «جمعية الصحافيين الأجانب في هوليوود»، تمهّد طريقاً واسعة (جداً، في بعض الأحيان) أمام الأفلام الفائزة بها لانتزاع جوائز «أوسكار»، التي تمنحها الأكاديمية في الشهر الثالث من كل عام. (في الخامس من مارس 2006، تُعلَن النتائج النهائية لدورة العام الجاري).

أياً يكن، فإن «الجنّة الآن» يذهب بمخرجه إلى المعقل الدولي للسينما العالمية (هوليوود) بخطى ثابتة، وإن لم يفز بجائزة «أوسكار». ف«غولدن غلوب» تساهم في دفع أفلامها الفائزة في اتّجاه المقرّ العام لصناعة السينما، وتدعم مخرجيها في «معاركهم» اليومية للحصول على تمويل أو إنتاج، بتسهيلها أموراً كثيرة لهم في المتاهات المعروفة في عالم المال والصناعة.

غير أن هذا الفيلم الروائي الجديد لهاني أبو أسعد عرف نجاحاً في بعض المهرجانات الدولية التي شارك فيها مؤخّراً، نقدياً وجماهيرياً: في الدورة الفائتة (2005) ل«مهرجان برلين السينمائي الدولي» فاز بجائزة «بلو آنجيل» في فئة أفضل فيلم أوروبي (إنتاج مشترك بين فلسطين وفرنسا وألمانيا وهولندا)، ثم عُرض في مهرجاني القاهرة ودبي (افتتح الدورة الثانية لهذا الأخير)، بعد مشاركته في احتفالات جماهيرية ونقدية متنوّعة ومتفاوتة الاهتمام والمتابعة، ووصوله إلى «غولدن غلوب» عشية توزيع جوائز ال«أوسكار».

فهل «ينتزع» هذه الجائزة من الأفلام الأربعة الأخرى التي رُشّحت في الفئة نفسها، وهي: «لا تخبر شيئاً» (إيطاليا) لكريستينا كومينتشيني، «عيد ميلاد سعيد» (فرنسا) لكريستيان كاريون، «مدرسة صوفي، الأيام الأخيرة» (ألمانيا) لمارك روثموند و«تسوتسي» (جنوب إفريقيا) لغافن هوود؟ أم يفشل في ذلك؟

الجائزة أم الفيلم؟

لا شكّ في أن مسألة الجوائز هذه ليست أهمّ من القيم الجمالية والدرامية والفنية الخاصّة ب«الجنّة الآن»، ولا تستطيع أن تغطّي على المضمون الإنساني في التفاصيل التي صنعت الحكاية وناسها، وبيئتهم الاجتماعية والظلال السياسية والعقائدية والفكرية والحياتية التي عاشوا فيها.

فالفيلم «جميل» بمقاييسه الإبداعية المختلفة، وإن لم يبلغ مرحلة الكمال المطلق، والبحث الدرامي في مآزق الإنسان الفرد وموقعه في قلب الجماعة مشغول بتقنية تلفت النظر إلى سلاستها الحكائية من دون تبسيط أو سطحية أو خطابية مباشرة، وإن تخلّل ذلك كلّه كلام مباشر أو موقف واضح في ايديولوجيته الخارجة عن بنائها الفني والسينمائي. لهذا، لا يكترث نقّادٌ ومهتمّون بالفن السابع وقضاياه الجمالية والفكرية والدرامية بهذه الجوائز أو بغيرها، ولا يأبهون بمدى «قدرتها» على التأثير في جماهيرية الفيلم، إذ يميلون إلى بنيته الإبداعية المتكاملة، ويرون في تحقيقه الشروط المطلوبة مبتغاهم الثقافي والفني والفكري.

إلى جانب «حمى» الجوائز، لا يُمكن إغفال واقع بات مألوفاً في صناعة فيلم فلسطيني جديد: التأسيس الثقافي لسينما متحرّرة من سطوتها الايديولوجية، ومن خطابها العقائدي، ومن كونها أداة إعلامية للترويج السياسي أو الحزبي. ذلك أن «الجنّة الآن» يأتي في سياق نمط إبداعي يستلهم مواضيعه من الواقع الفلسطيني، في السياسة والحياة اليومية والمشاعر الإنسانية والانفعالات المختلفة، انطلاقاً من استعادة البُعد الإنساني البحت للفرد الفلسطيني، ومن مبدأ التعاطي معه كإنسان لا يختلف عن بقية البشر في أنحاء مختلفة من العالم.

إذاً، ظهر الفرد الفلسطيني في أفلام هذا النمط السينمائي إنساناً عادياً، يأكل ويشرب وينام وينفعل ويمارس حياته اليومية بشكل طبيعي ويختلف مع جيرانه ويعاني أزمات عدّة جرّاء تربية اجتماعية ودينية وأخلاقية مستمدة من العادات الراسخة في الوجدان العربي، ويحاول أن يكسر الحصار المفروض عليه من المجتمع الفلسطيني العربي أولاً، ومن الاحتلال الإسرائيلي ثانياً. في أفلام هذا النمط السينمائي الفلسطيني، لا ينسى المخرجون الفلسطينيون أن فلسطين محتلّة، وأن الاحتلال الإسرائيلي يساهم في تفعيل المعاناة والأزمات والانكسارات والخوف والغضب والفقر والبؤس والألم.

ولا يتجاوزون نتائج هذا الشقاء اليومي، محاولين دائماً إيجاد توازن ما بين آثار التربية الاجتماعية والدينية والأخلاقية الفلسطينية العربية وما يصنعه الاحتلال الإسرائيلي. وهذا كلّه، بلغة سينمائية شفّافة وجميلة غالباً، تستوفي شروطها الإبداعية وتصنع من الصُور سلاسل متتالية من الحكايات الإنسانية الفلسطينية.

لا يختلف «الجنّة الآن» عن المسار التجديدي في «صناعة» الفيلم الفلسطيني الحديث. إنه جزءٌ من الصورة الجديدة لسينما الإنسان الفرد، بعلاقته بذاته أولاً ثم بالآخر (المجتمع، الجماعة). إنه مرآة لآلاف التفاصيل اليومية التي يرويها أناس مجبولون بالقهر والعذاب من دون أن يتخلّوا عن إنسانيتهم وانتماءاتهم المختلفة ومقاومتهم الدائمة احتلالاً يسعى إلى انتزاعهم من أرضهم.

إنه واحدٌ من الأفلام التجديدية في السينما الفلسطينية، التي يسعى مخرجوها إلى جعلها مرايا الذات والواقع والحقائق الإنسانية المختلفة. وهو، كفيلم سينمائي بامتياز، يضيء عوالم الفرد الذاهب إلى حتفه بمهمة وطنية، ويتوغّل في نفسه وروحه في الساعات القليلة الأخيرة من «حياته»، من دون أن يسقط في فخّ التنظير الخطابي المملّ، وإن عرف شيئاً من ذلك في بعض المشاهد.

* جماليات بصرية ودرامية

يستحقّ «الجنّة الآن» اهتماماً وتقديراً ونقاشاً نقدياً جدّياً وضرورياً، بسبب معالجته الدرامية الجيّدة والمهمّة لمضمونه الدرامي، وجمالياته البصرية في صوغ مشاهد وعلاقات ونفسيات، وبساطته التقنية في توليف صُوَر ولقطات، وإدارته الفنية الجميلة للممثلين (قيس ناشف وعلي سليمان اللذين أدّيا الدورين الرئيسين، وهيام عباس).

ثم إن هاني أبو أسعد، كاتب السيناريو أيضاً، لم يسقط في فخّ التعميم، ولم يحسم (أو لعلّه لم يشأ أن يحسم) «الجدل الدائر» بين رافضي العمليات الانتحارية ـ الاستشهادية والمنظّرين لها، من جهة أولى، وبين من يعتبرها «انتحارية» ومن يراها «استشهادية»، من جهة ثانية. ذلك أن هاني أبو أسعد حرّر نصّه السينمائي البصري من أي إدانة أو ترويج، ولم يُنجز فيلماً دعائياً أو خطابياً أو استعراضياً، ولم يذهب إلى الأمكنة والحالات المعهودة في الغالبية الساحقة من الأفلام الفلسطينية والعربية المتمحورة حول فلسطين، بل اختار، منذ البداية، أن يتعمّق في الروح الإنسانية للفرد الفلسطيني في واحدة من أقسى اللحظات التي يواجهها في حياته، أي الموت.

وأراد أن يُفكّك عقَداً (أو بعضها على الأقلّ) في داخل المجتمع الفلسطيني، في السياسة والاجتماع وثقافة اليوم والعلاقة بالموت والذاكرة والآخر. فمنذ اللحظات الأولى، بدا واضحاً أن «الجنّة الآن» مصنوعٌ بشكل جيّد درامياً وجمالياً وفنياً وتقنياً، إذ سرعان ما يجذب المُشاهد إلى تفاصيله المختلفة، ويذهب به إلى عوالم أناس واقفين عند الحدّ الفاصل والواهي بين الحياة والموت.

والحياة الفلسطينية في «الجنّة الآن» مشحونة، في الوقت نفسه، بنبض العيش والحيوية والحركة المجتمعية التي يعرفها أي مجتمع إنساني آخر. شيئاً فشيئاً، يُفكّك أبو أسعد عالم بطلي فيلمه، فتظهر خبايا الذات والروح والقلب والألم والماضي والذاكرة، ثم يقع الانفجار، فتولد لحظة التحوّل: يُكلّف الشابان من قبل تنظيم فلسطيني مسلّح (لا تتوضّح هويته أو التزامه السياسي أو العقائدي أو الايديولوجي بشكل مباشر وعلني وسريع) بمهمة «وطنية» و«قومية» ملحّة: تنفيذ عملية استشهادية ـ انتحارية ضد إسرائيليين في تل أبيب. هنا، تنقلب الأمور، ويدخل الفيلم في ذات كل واحد منهما أثناء «رحلتهما» إلى تل أبيب، أي إلى الموت.

صحيح أن السرد كلّه عكس يومياتهما، ملقياً الضوء على بعض التفاصيل الفلسطينية في قلب المجتمع (لي عودة إليها)، غير أن لحظة التحوّل هذه فتحت العالم الحميم والخاصّ بهذين الشابين، في الزمن الفاصل بين بداية الرحلة ونهايتها في الموت: المشاعر، القلق، التوجّس، الخوف، البحث عن منفذ للخلاص، ليس فقط من تنفيذ العملية، بل أيضاً (وربما أساساً) من هذه الحياة اللعينة والموبوءة، خصوصاً أن سعيد (ابن العميل)، بعد «إيهامنا» (الجميل فنياً والصادق إنسانياً) بتردّده، «يوهمنا» ثانية أنه سيكون المنفّذ الوحيد للعملية، إذ يعود خالد إلى المدينة بحثاً عنه، بعد أن تفشل خطّة الدخول إلى تل أبيب، ويُغلق المُشاهد عينيه في ختام الفيلم طارحاً على نفسه أسئلة عدّة، لعل أولّها: هل نفّذ سعيد العملية أم لا؟

* المجتمع الفلسطيني

في سياق الفيلم، يُلقي هاني أبو أسعد ضوءاً ساطعاً، على تفاصيل الحياة اليومية في المجتمع الفلسطيني: المصوّر الذي لا يتردّد عن بيع ـ تأجير أفلام فيديو سُجّل عليها الخطاب الأخير أو الوصية للمقاتل الانتحاري ـ الاستشهادي (وهذا ما يحدث في فلسطين أصلاً، إذ اعتبر البعض أن هذه المسألة تُشكّل اليوم تجارة رابحة). المقاتلون الذين يأكلون السندويتشات أو المناقيش أثناء تصوير «زميل» أو «رفيق» لهم خطابه ـ الوصية هذا (بدا الأمر مؤثّراً للغاية، إذ كشف المشهد عن سخرية مريرة، بقالب كوميدي سوداوي صادم). هناك أيضاً الحب المبتور بين سعيد وصديقته الثرية سهى (لبنى زبّال)، مما يعكس شيئاً من التفاوت الطبقي الحاصل، والحياة العائلية في مواجهتها الموت وعيشها الحياة. إلخ.

وإذا بدا مشهد المقاتلين الذين يأكلون طعامهم أثناء تصوير زميلهم الذاهب إلى الموت، اختزالاً لعبثية الحياة ومتاهاتها وتعرّجاتها الحادّة، فإن المصوّر الذي يُفترض به أن يُصوّر هذا الخطاب ـ الوصية، بدا أكثر عبثية وواقعية، عندما اكتشف أن الكاميرا لم تصوّر شيئاً بسبب خطأ تقني، طالباً من زميله «المقاتل»، بتلقائية وعفوية تتناقضان ومناخ الموت، إعادة قول كل ما سبق أن قاله لتسجيله ثانية. كأن المقاتل «يُلقي» درساً أو يقرأ بياناً عادياً أو يُقدّم مشهداً تمثيلياً ما، أو كأن اللقطة كلّها تعيد صوغ مقطع أساسي من معنى الحياة اليومية في فلسطين.

في مقابل هذا كلّه، بدت لبنى زبّال صادمة في جمودها الانفعالي وسلوكها العاطفي وتحرّكاتها المختلفة أمام الكاميرا. وبدت سهى (الشخصية النسائية التي تؤدّيها زبّال) متوترة دائماً في علاقتها بالمحيطين بها، و«خطابية» جداً في المسائل المتعلّقة بالنضال والحب والعلاقات. وعلى الرغم من عدم توضيحه هوية التنظيم السياسي وانتمائه الايديولوجي، إلاّ أن بعض «قادته» أرخى لحيته وأوهم المُشاهد بالتزامه تياراً ما.

لكن المسألة ليست هنا: فهؤلاء الممثلون بدوا في لحظات قليلة عفويين في أدائهم، ومتوترين (ليس بالمعنى الجمالي أو الإنساني، بل على المستوى التمثيلي) في لحظات أخرى.

«الجنّة الآن»، بتفاصيله المتناقضة كلّها، يُشكّل محطّة مهمّة في المسار المهني والحياتي لهاني أبو أسعد، الذي أنجز عدداً من الأفلام الروائية والوثائقية، القصيرة والطويلة، ك«عرس رنا» أو «القدس في يوم آخر» و«فورد ترانزيت»: فالأول (روائي طويل، 2001)، المشغول بلغة مفكّكة ومملّة وباهتة، يسرد يوميات فلسطينية من خلال قصّة فتاة يريد والدها أن يزوّجها من رجل لا تحبّه، فتلحق بمن تحبّ في الطرقات المشرذمة لفلسطين.

والثاني (وثائقي، 2002)، رحلة من نوع آخر: في سيارة الأجرة فورد، أناس مختلفون يروون وقائع وحكايات، يُشكّل السائق رابطاً أساسياً بينهم (أي الناس) وخطّاً درامياً يجمعها (أي الحكايات). في مساره المهني هذا، يبدو «الجنّة الآن» أفضل فيلم سينمائي أنجزه هاني أبو أسعد حتى الآن، بمستوياته الفنية والتقنية والدرامية.

البيان الإماراتية في

09.02.2006

 
 

«الجنة الآن» من جائزة «غولدن غلوب» الى الأوسكار...

هوليوود: الأفلام الملتزمة تتقدم على التجارية  

لا تحب هوليوود الشعارات الكبيرة، ولا أن يقال عنها انها تهتم بالسياسة أكثر مما ينبغي. ومع هذا يزداد توجه عاصمة السينما الأميركية والعالمية عاماً بعد عام، صوب الأفلام الملتزمة، ليس انتاجاً فقط، بل حتى على صعيد التكريم والجوائز. وهذا الوضع يبدو هذا العام، من خلال ترشيحات الأفلام المتبارية للفوز بجوائز الأوسكار، واضحاً أكثر من أي عام مضى. ولعل علامته الأولى، الحضور الطاغي لفلسطين، تاريخاً وحاضراً، من خلال ما لا يقل عن فيلمين رئيسين، هما أولاً «ميونيخ» لستيفن سبيلبرغ، الذي يقول التباسات، صحية في نهاية الأمر، من حول عملية ميونيخ لأيلول الأسود التي أوقعت ضحايا رياضيين اسرائيليين، لكنها في المقابل دفعت اسرائيل الى ارتكاب عمليات انتقام أكثرها كان لا أخلاقياً... وهذا ما يشدد عليه الفيلم؟ ثم هناك «الجنة الآن» لهاني أبو أسعد، الفيلم الفلسطيني الذي كان حقق نجاحات وسجالات وجوائز خلال الشهور الفائتة، وهو عن شابين يجندان للقيام بعملية انتحارية داخل فلسطين المحتلة. وهذا الفيلم بدوره يحمل التباساته. ومن هنا واضح ان «ميونيخ» (المرشح لجائزة أفضل فيلم (وثلاث جوائز أخرى) و «الجنة الآن» المرشح لجائزة أفضل فيلم أجنبي (وكان قبل أيام فاز بمثلها في مباريات «الغولدن غلوب»)، سينقلان فلسطين وإشكالاتها الى قلب احتفالات الأوسكار... وتتضاعف أهمية هذا الأمر الآن على ضوء فوز حركة «حماس» بغالبية مقاعد البرلمان الفلسطيني الجديد.

«ميونيخ» ينافس في فئته أفلاماً لا تقل عنه قوة وحظوظاً: «جبل بروكباك» لآنغ لي، و «كابوتي» عن حياة الكاتب ترومان كابوتي، و «كراش»، وخصوصاً «ليلة سعيدة وحظاً سعيداً» لجورج كلوني، وهو الآخر فيلم سياسي فائق الأهمية عن الماكارثية.

ثلاثة من هذه الأفلام رشح أيضاً نجومها (ف. س. هوفمان وهيث ليدجر ودايفيد ستراترن) لأفضل ممثل، اضافة الى تيرنس هوار («هاستل اندملو») ويواكيم فينيكس («عبور الخط») عن حياة جوني كاش. ومن بين الأفلام التي ذكرنا حتى الآن، وحده الأخير رشحت ممثلته (ريس ويذرسبون) لأفضل ممثلة، بالتنافس مع كل من جودي دنش (السيدة هندرسون تقدم) وفيليسيتي هوفمان (ترانسأميركا) وكيرا ناتيلي وشارليز ثورون (فازت بالجائزة نفسها في العام الفائت). أما في فئة أفضل ممثل ثانوي فنجد نجوماً كباراً: جورج كلوني (سيريانا) وبول جاماتي وجاك سيلنهال ومات ديلون وويليام هارت. وفي فئة المخرجين الخمسة اصحاب الأفلام المتبارية على أحسن فيلم (آنغ لي، سبيلبرغ، كلوني، هاجيس وبنيت ميلر).

وبعد هذا تبقى الجوائز التقنية والفنية المختلفة... حين ترد أسماء الأفلام نفسها، مع بعض التنويعات، كأن يرشح جوش اولسون (أفضل سيناريو عن «تاريخ من العنف») أو وودي آلن (أحسن سيناريو أصيل عن «ضربة المباراة»)... أما الملاحظة التي تطرح نفسها ازاء هذا كله، اضافة الى تقدم الأفلام الملتزمة (والمستقلة أحياناً) في الترشيحات، فهي ان الأفلام الضخمة (مثل «كينغ كونغ» و «مذكرات غيتا» و «مدونات نارنيا» و «حرب العوالم») لا تحتل هذه المرة مكانة أولية في الترشيحات... حتى وإن ذكرت في هذه الفئة التقنية أو تلك.

وفي النهاية من يفوز من بين هؤلاء؟ على الهواة انتظار أيام أخرى قبل الحصول على الجواب، حتى وإن كان الذين تابعوا نتائج «الغولدن غلوب» أخذوا فكرة أولية من خلال نجاحات (مثل «جبر بروكباك» و «الجنة الآن» لهاني أبو أسعد) عما ستكون عليه نتائج الأوسكار... إذ جرت العادة على أن يكون جزء أساس من الفوز في الأوسكار مطابقاً لنتائج التصويت في «غولدن غلوب».

الحياة اللبنانية في

03.02.2006

 
 

الجنة الآن لهاني ابو اسعد:

هل صنع المخرج فيلمه وعينه علي المشاهد الغربي؟

د. عماد عبد الرازق

لم يفوت المخرج هاني أبو اسعد الفرصة فور اعلان فوز فيلمه الجنة الآن بجائزة غولدن غلوب كأحسن فيلم أجنبي لكي يعلن لدي تسلمه الجائزة أن المغزي السياسي وراء الفوز هو أنه يبين أن الفلسطينيين يستحقون الحرية والمساواة دون أي قيد أو شرط! وكأنما جدارة الفلسطينيين بالمساواة والحرية لم تكن قائمة من قبل وولدت مع فوز فيلمه بالجائزة؟ فإن كان يقصد أن قرن فوز الفيلم باسم فلسطين ككيان سياسي يشير الي اعتراف ضمني بـ الدولة التي يحلم بها كل فلسطيني، أو أن فوز الفيلم بالجائزة يعد اعترافا بجدارة هذه السينما ودورها في التعبير عن طموحات شعبها في الحرية والمساواة، فلنا أن نفترض انه لم يكن موفقا في التعبير او أن فرحة الفوز استغرقته. وله كل العذر.

ولكن ماذا عن اختلاط الرؤية أو اضطرابها في الفيلم ذاته؟

أول عناصر هذه الرؤية يتمثل في الزعم بأن إحدي مقولاته الأساسية هي ان العمليات الانتحارية/ الاستشهادية سببها الاحتلال. فإن كان الفيلم قد قال ذلك فهو تحصيل حاصل ولم يأت بجديد. قد يكون المخرج قد اشار الي ذلك في معرض تعليقاته او شروحاته للفيلم، لكن هذا ما لم نره في الفيلم ذاته. فلم نر تجسيدا حقيقياً لمعاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال بأي درجة يمكن ان تدفع المشاهد ـ خاصة غير العربي ـ للتعاطف مع أبطال الفيلم. بمثل ما اننا لم نر ايا من العمليات الانتحارية أو تأثيرها أو ضحاياها، ولم نر بالتالي رد الفعل الاسرائيلي والذي غالبا ما يتمثل في عقاب جماعي، وتلك هي أبعاد الدائرة الجهنمية من العنف والعنف المضاد، العمليات والردود الانتقامية التي تعقبها عمليات أخري والتي يدور فيها الصراع الفلسطيني الاسرائيلي طوال السنوات القليلة الماضية. اين الفيلم من كل هذا؟ بل إن التغطيات الإخبارية لذلك الصراع والتي تبثها شاشات التليفزيون حول العالم علي مدار الساعة وعلي مدار العام، تحوي صورا ومشاهد لا حصر لها من هذه العواقب الكارثية لدائرة العنف والعدوان ومعاناة الفلسطينيين التي لا تنتهي في ظل الاحتلال. وهذه الصور ذاتها هي التي أكسبت الفلسطينيين تعاطفا عالميا وهي التي دفعت شخصيات عالمية للتعبير عن تفهمها عن حالة اليأس التام الذي يدفع إليه الفلسطينيون وينتج عنها إقدامهم علي العمليات الانتحارية. (هذا ما قالته شيري بلير، حرم رئيس الوزراء البريطاني، وامبراطور الاعلام الأمريكي، تد تيرنر، ووزير الخارجية البلجيكي السابق، علي سبيل المثال لا الحصر).

الفيلم إذن لم يؤسس هذا الترابط بين الاحتلال ودفعه الفلسطينيين الي اليأس والعمليات الانتحارية بمنطق الدراما (ولا حتي بمنطق تسجيلي او وثائقي)، فكل ما شاهدناه من ظلم الاحتلال وعسفه وقهره، بضع نظرات وقحة او مريبة يوجهها جندي اسرائيلي علي حاجز امني للفتاة العربية اثناء تفتيشه حقيبتها. (المدهش حقا ان الفيلم ناله بعض من هذا العدوان الاسرائيلي كما تقول التقارير الاخبارية عنه، حيث تعرضت مدينة نابلس للقصف الصاروخي كما انفجرت عبوة ناسفة قرب احد مواقع التصوير فضلا عن اختطاف أحد العاملين الأجانب في طاقم الفيلم بواسطة مسلحين فلسطينيين. اما كان حريا بالفيلم ان ينقل لنا مثل هذه الوقائع كدليل دامغ علي القهر الذي يعيش تحته الفلسطينيون؟ الم يكن هذا ليصبح اجتراح الفيلم الأكثر تأثيرا وعمقا باندماج موضوع الفيلم وشكله علي نحو حيوي لا ينفصم، حين يجد أولئك الذين جاؤوا لتصوير عسف الاحتلال وقهره ـ إذا كان هذا هدفهم حقاـ الي متلقين لبعضٍ من هذا العسف؟ الم يكن هذا تحديدا ما فعله المخرج الأمريكي أوليفر ستون اثناء تصويره فيلم شخص غير مرغوب فيه قبل سنوات قليلة؟ أولم يفعلها الاسرائيليون مرارا وتكرارا بقتلهم نشطاء أجانب عمدا ومع سبق الإصرار والترصد في نفس لحظة احتجاجهم السلمي علي ممارسات الاحتلال؟ وماذا عن الوقائع الأحدث كاختطاف مسلحين فلسطينيين لأجانب جاؤوا خصيصا لمساعدة الفلسطينيين في مشاريع شتي تعبيرا عن تضامنهم وإيمانهم بعدالة قضيتهم.؟ افلا يجسد كل هذا جزءا من صميم الحالة الفلسطينية وواقعها الكافكاوي، والمأساوي؟ أين الفيلم من كل هذا؟

من ناحية أخري، هناك خلط في تصوير الدوافع الشخصية أو الإيديولوجية للأشخاص الذين يقومون بتنفيذ العمليات الانتحارية. بطلا الفيلم، الشابان سعيد وخالد، صديقان منذ الطفولة يعيشان في مدينة نابلس ويعملان بشكل غير منتظم في ورشة لإصلاح السيارات. الاثنان أخذا علي نفسيهما عهدا بأن يظلا اصدقاء أبد الدهر وألا يفرقهما شيء سوي الموت، وليكن ذلك من خلال قيامهما بعمليتين استشهاديتين سويا في نفس اللحظة، حينما يحين موعد تلبيتهما النداء. الفكرة في حد ذاتها تبدو غريبة حد العبث أو اللامعقول، ولكن لنا ان نفترض أنها من افرازات الواقع الفلسطيني العبثي اليومي ـ الذي لم يرنا المخرج من ملامحه شيئا يذكر باستثناء مشهد صاحب السيارة الأخرق الذي يصر علي ان يري حاجز الصدمات في السيارة معوجا رغم اعتداله. مثل هذه التفصيلة علي رمزيتها لا تشي بالكثير، وهناك عشرات الأمثلة كهذه في الحياة اليومية للمجتمعات العربية الفقيرة التي ترزح تحت صنوف مختلفة من القهر (عبّارات تغرق بمن عليها وقطارات ومسارح تحترق بمن فيها وما لا حصر له من اشكال الموت المجاني واليأس والبؤس، ولم نر حني الآن اصدقاء دفعهم اليأس الي الانتحار المزدوج).

ومع ذلك لنعمل مبدأ تعليق الشك الذي يحكم علاقة المشاهد بالعمل الفني، ولنمشِ مع الفكرة الي نهايتها المنطقية : ها قد حان وقت تلبية طلب الشهادة أخيرا وجاءهما ضابط الاتصال من التنظيم ـ الذي لا نعلم له هوية سياسية محددة سوي انه يجند أناسا ليسوا اعضاء فيه لتنفيذ عمليات انتحارية/ استشهادية! هكذا معطي آخر مجاني في الفيلم ـ ليجهزهما للمهمة في غضون ثماني واربعين ساعة.

هذه الفكرة الرئيسية التي تحدد شخصيتي بطلي الفيلم مقدمة لنا كمعطي مجاني. فالبطلان ليسا بالضرورة علي درجة من التدين، ولا رأينا أي دليل علي التزامهما إيديولويجيا أو حتي تنظيميا، فهما يقضيان ايامهما علي نحو عادي جدا بين شرب الشاي والتدخين وسماع الموسيقي والعمل كلما كان متاحا، أو كلما عنّ لأيّ منهما. حياتهما خالية من الاثارة ليس فيها آمال كبار ولا طموحات، ولكنها أيضا ليست مدلهمة السواد ولا في منتهي اليأس. لا هذا ولا ذاك. ليس هناك إذا دوافع إيديولوجية أو دينية قوية تدفعهما للاقدام علي تنفيذ عمليات استشهادية. ولنا أن نفترض أن من يقدمون علي تنفيذ هذه العمليات إنما يخضعون لنوع من التدريب والاعداد الذهني، وهم غالبا منضوون في تنظيمات تزرع فيهم تلك القناعات وتشحذهم وجدانيا وروحيا، وتؤهلهم لتلك اللحظة التي سيضحون فيها بحياتهم من أجل قضية يؤمنون بها. كلا لم نر شيئا من هذا لدي اي من البطلين.

بدلا من ذلك، نجد أن أحد الشابين، سعيد ، مدفوع بإحساس عميق بالذنب يطارده منذ الطفولة بسبب أن أباه كان متعاونا مع العدو الصهيوني وقد دفع الأب ثمنا لذلك، ولهذا فالابن يكابد طوال الوقت احساسه الدفين بالخزي، وإقدامه علي التطوع لتنفيذ عملية انتحارية يصبح معادلا لخلاصه الروحي، بصرف النظر عن اقتناعه بجدوي العملية. هذا التحليل او التبرير قد يبدو متسقا مع بناء الشخصية دراميا لكنه يختزل من ناحية أخري مفهوم العمليات الانتحارية/الاستشهادية علي نحو مخل تماما، بل إنه يفقد هذه العملية التي يقدم عليها البطل في نهاية الفيلم بالذات مبررها الاخلاقي. فهي تبدو كعقاب للاسرائيليين او انتقاما منهم علي تعاون أبيه معهم!

هذه المكابدة تكبر بداخل سعيد كنتيجة لمشاعر الحب التي تتبرعم في قلبه تجاه سهي التي تتردد علي ورشة السيارات التي يعمل فيها لإصلاح سيارتها، ففي اللحظة التي توشك حياته البائسة أن تكتسي بعضا من معني جميل، يحين موعد الوعد الذي كان قد قطعه علي نفسه مع صديق طفولته أن يموتا سويا شهداء للوطن. ظهور الفتاة سهي من شأنه أن يطيل أمد الصراع داخله ويعقده حين تحتدم المواجهة بينهما وتحاجج هي ضد العمليات الانتحارية علي اساس انها ليست من العدل في شيء ولن تجلب عدلا، كما يقول هو، بل إنها لا تخرج عن كونها نوعا من الانتقام خاصة وانها غالبا ما تطال اناسا أبرياء علي الطرف الآخر. لكن نقطة ضعف الفيلم هنا تكمن في أنه لا يرينا هذه المحاججة سينمائيا ولا دراميا، فالشخصيات تكتفي بالثرثرة حولها وكل يبدو مستمسكا بقناعته.

العجز وحده ليس كافيا

هل هي كوميديا سوداء ام معالجة تهكمية لظاهرة العمليات الانتحارية؟ هنا ايضا نجد قدرا غير قليل من الخلط. إذا قلنا أن من يقدم علي قتل نفسه وآخرين مدفوعا بشعور عميق بالعجز كما يقول المخرج في تصريحاته، فتلك بالتأكيد تيمة مأساوية يصعب تناولها بخفة أو بمزيج من التظرف والتهكم، علي النحو الذي جاء في بعض مشاهد الفيلم. علي سبيل المثال تتعطل كاميرا الفيديو التي سيتم بها تصوير رسالة الوداع التي يسجلها كل انتحاري قبيل مضيه الي مصيره المحتوم، فيفقد سعيد صبره ويحتد علي المصور صارخا: شو حاتروح تجيب مرتك تشغلها؟ . وفي نفس المشهد نجد ضابط الاتصال المكلف بتجهيزهما للعملية يتابع أداء الانتحاري للقسم فيما يقضم ساندويتشا ضخما، واحدا من السندويتشات التي اعدتها أم الانتحاري له ولأصدقائه قبل مغادرتهم المنزل بعد ان قضوا ليلتهم سويا. ويتابع الانتحاري شبه مدهوش الزملاء وهم يلتهمون السندويتشات في برود اعتيادي فاضح لا يخفي حتي نهمهم. هو نفسه يخرج عن سياق التسجيل بعد تلاوته لآيات قرآنية، ليوجه نصيحة أخيرة لأمه تذكرها كي تشتري زجاجات المياه من بائع آخر يبيعها بثمن أرخص. هذا المشهد بكامل تفاصيله مقدم بأسلوب تهكمي لا يتفق بالمرة مع الطابع المأساوي للموقف ولتيمة العمليات الانتحارية برمتها. كما أنه يكشف طابعا ارتجاليا او عشوائيا من الصعب ان يصدق المرء أنه يحكم علاقات أعضاء التنظيمات التي يقدم أفرادها أو أتباعها أو مجندوها، أيا كانت الصفة التي يصلون بها او عن طريقها الي تلك اللحظة الانتحارية/ الاستشهادية.

نعتقد ان التناول الواقعي للظاهرة كان يفترض أن يقدم المخرج نموذجا منواليا أي أكثر شيوعا لواحد من أولئك الأفراد الذين يسلكون الطريق المعتاد الي العمليات الانتحارية وكيف يتم اعداده وحشده وتربيته عقائديا ونفسيا لذروة اللحظة التراجيدية، علما بأنها قد لا تبدو كذلك لشخص توحد بالفعل بقضيته وقطع هذا الشوط من الإيمان التام بفكرة، علما بأن البطلين ليسا علي نفس المسافة من الفكرة، كما أن دوافعهما تختلف وإن جمع بينهما رباط وجداني بحكم الصداقة وتلك الفكرة الخرقاء بأن يفارقا الحياة سويا كما عاشوها، وينعكس ذلك جليا حين تطرأ تعقيدات تطرأ علي عملية التنفيذ. أما إذا كان المخرج قد قصد أن يقدم تناولا فانتازيا لظاهرة العمليات الانتحارية فإن ذلك قد لا يستقيم مع تصريحاته بأنه أراد أن يبين أن الشعور بالعجز هو الذي يدفع الفلسطينيين الي تنفيذ تلك العمليات. وهذا أيضا ليس اكتشافا ولا اجتراحا من المخرج، فاليأس بلا جدال هو القاسم المشترك الأعظم وراء عمليات الانتحار، لكنه لا يمكن أن يفسر وحده ظاهرة ترتبط عضويا وتاريخيا بحركة نضال شعب ولها جذور عقائدية في صلب ثقافة ذلك الشعب.

وهذا ايضا ما لم يتعرض له الفيلم الذي يقول مخرجه انه كعمل سينمائي يكتفي بعرض وجهات نظر مختلفة. فلم تكن هناك اصلا مناقشة للظاهرة بل إنها عرضت مبتورة تماما، حيث نفاجأ بهذين الشابين وقد انتقلا بين ليلة وضحاها من حياة رتيبة مملة، ونعم تخيم عليها سحابات يأس، الي خضم لحظة وجودية من الطراز الأول علي وشك ان يلقيا بنفسيهما الي التهلكة.

ان عنوان الفيلم يشي بنصه المضمر، وفحواه أن أولئك الذين يقدمون علي تنفيذ العمليات الانتحارية/ الاستشهادية إنما يفعلون ذلك هروبا من الجحيم الذي يصلونه علي الأرض وطمعا في الجنة التي تنتظرهم في النعيم الأبدي. لكن الفيلم فشل في أن يرينا هذا الجحيم الذي يدفع ساكنيه للهروب منه الي فردوس مأمول. وهو فردوس لا يبدو ان البطلين يؤمنان به حقا حين يسأل أحدهما عما يحدث بعد تفجيرهما نفسيهما فيخبره ضابط الاتصال أن ملاكين يأتيان ليحملانهما الي السماء فيسأل ثانية هل أنت متأكد ؟ ولا ندري هل هذا علي سبيل التظرف او التهكم؟ هذان البطلان نفساهما يتصرفان كمراهقين حينما يريان قائد الفصيل الفلسطيني الذي أوكل إليهما تنفيذ العملية لأول مرة وكأنما التقيا بنجمهما السينمائي المفضل وهما لا يصدقان انهما يريانه بشحمه ولحمه . هل هما علي هذه الدرجة من السذاجة؟ أم أن تلك إشارة تهكمية من المخرج من المفهوم برمته. أم أنها إشارة لنوعية غسيل المخ الذي يخضع له منفذو تلك العمليات، وهو ما لم نر شاهدا ولا دليلا عليه في الفيلم. هذا القائد نفسه مقدم علي أنه قبضاي يسير في شوارع نابلس محاطا بالأتباع واسلحتهم مشهرة، ونحن نعلم ان الطائرات الاسرائيلية لا هم لها سوي اصطياد المقاتلين الفلسطينيين بصواريخها ليل نهار.

هل صنع المخرج فيلمه وعينه علي الجمهور الغربي؟ هل لهذا علاقة بتمويله؟ هذه اسئلة مكررة ولا جدوي من طرحها لأنه لا ينبغي معاملة العمل الفني بالنيات، فلنا أن نحكم عليه فقط في حدود ما يعرض امامنا علي الشاشة. وقد شاهدت الفيلم مع اصدقاء فلسطينيين وكان أكثر ما ساءهم افتقاره للدقة والموضوعية في تصوير الواقع الفلسطيني، حتي اللهجة التي يتحدث بها ابطال الفيلم ليست لأبناء غزة والضفة الغربية بل لفلسطينيي الداخل. فهل هو نوع من الاستسهال أو الاستغفال طالما أنهم كلهم فلسطينيون في عيون المشاهد الغربي (وكله عند العرب صابون)؟

نقول ذلك وقناعتنا أنه لا ينبغي للجدل السياسي المثار حول الفيلم أن يؤثر علي حكمنا عليه كعمل فني في المقام الأول والأخير.

القدس العربي في

16.02.2006

 
 

خلاف على جنسية الفيلم الفلسطيني "الجنة الآن" 

على الموقع الرسمي لجوائز اكاديمية علوم الصورة وفنونها "أكاديمي اووردز"، يندرج اسم الفيلم الفلسطيني "الجنة الآن" Paradise Now في فئة الافلام المرشحة لأوسكار أفضل فيلم أجنبي. والى جانبه يتبع وصف "فلسطيني". في الحالات الطبيعية، لا يثير ذلك جدلاً. ولكن مع فلسطين، ثمة أصوات ستعلو معتبرة ان لا وجود لدولة فلسطين او ان لا اعراف بها. ذلك هو النقاش المثار حالياً في كواليس الاكاديمية التي على الرغم من نسبها الفيلم الى فلسطين على موقعها الالكتروني، لم تستطع الاجابة على تساؤلات الصحافيين حول كيفية تصنيفه في حفل توزيع الجوائز القريب لاسيما اذا مني بالفوز. الفيلم الذي يتناول حكاية شابين فلسطينيين يتحضران للقيام بعملية استشهادية، فاز اواخر الشهر الفائت بجائزة الكرة الذهب لأفضل فيلم أجنبي وهو منسوب الى فلسطين على موقع الأخيرة الالكتروني ايضاً. واذا كان هناك شيء مثبت في هذا الشأن هو ان احداً لا يستطيع انكار هوية الفيلم الكامنة في روحه. من الصعب الا نحس بفلسطين في شخصياته وحواراته وأمكنته... ما الذي يصنع جنسيته اكثر من كل ذلك؟ انتاجه الهولندي الالماني الفلسطيني المشترك؟ لعل هذا النقاش يندرج في اطار نقاش اوسع مازال يحتل مساحة في المناسبات الرسمية كالمهرجانات حيث تعلو الاصوات المطالبة بنسب الفيلم الى مخرجه بينما يسود اعتماد جنسية الجهة المنتجة. في الكواليس، تتردد الاخبار حول تلقي الاكاديمية ضغوطاً كثيرة من مجموعات يهودية تدفع في اتجاه عدم نسب الفيلم الى فلسطين والاكتفاء بوصفه آتياً من السلطة الفلسطينية لأن الوصف الاول يعني الاعتراف بوجود دولة فلسطينية. على هذا النحو تدخل السياسة في موضوعات شائكة كالتي تشكل طبيعة هذه المنطقة المشتعلة. قبل سنوات، برز فيلم فلسطيني آخر هو "يد الهية" لايليا سليمان. لم يواجه الفيلم مشكلة الجنسية او ربما فعل ولكن ابتعاده من اضواء الاوسكار لم يخرج الازمة الى السطح. لم يرشحه منتجوه بحسب قول مخرجه وقتذاك الى جوائز الاكاديمية ولكنه عُرض في مهرجان كان عام 2002 وحاز جائزة لجنة التحكيم الخاصة ويمكن المتابع ان يعثر عليه على موقع المهرجان الرسمي منسوباً الى بلدان انتاجه فرنسا والمغرب.

لعل السؤال الذي يطفو على السطح هنا هو المتعلق بالصورة كمنتج تعبيري او تمثيلي. بمعنى آخر، هل المطلوب ان تكون الصورة ممثلة للمكان الخارجة منه ام معبرة عنه؟ في الحالة الاولى، ستتحمل أعباء ان تكون صورة رسمية اي ان تعقد عليها آمال تصدير وجه ما متفق عليه لمنطقتها. اما المنحى التعبيري للصورة فهو الذي يذهب بها ابعد من الجغرافيا والتاريخ لتعبر عن أمكنة وبشر في اصقاع الارض المختلفة. فلو ان التحف السينمائية العالمية ظلت رهن تمثيلها الرسمي لمجتمعاتها لما جاز لها ان تعيش وان تنسج علاقة حية بالزمن.

الجدير ذكره ان "الجنة الآن" هو الفيلم الفلسطيني الاول الذي ينال ترشيح اوسكار وهو فوق ذلك يتناول موضوعاً حساساً لعله السبب الاول خلف اللغط المثار حوله هو العمليات الاستشهادية والتي يمكن ان تثير النقاش منذ التسمية بين منقسمين حول نعتها بالاستشهادية او الانتحارية. غالباً ما ينتظر المشاهد من عمل من هذا النوع ان يقف مع او ضد. ولكن ابو اسعد كان اذكى من اختزال الفيلم الى مجرد موقف وان كان في تفاصيل كثيرة يبقي النقاش مشرعاً آخذاً في الاعتبار النقاط التي تسجل لصالح الموضوع والاخرى التي تسجل ضده مع ابقائه على نقاش على لسان احدى شخصياته عن رفض العنف والقتل وعدم دواهما. ولكنه في المحصلة شريط لا يدعي الغوص عميقاً على الفكرة بقدر ما يخلق حالة مربكة تحاكي ارتباك كثيرين تجاه الموضوع نفسه. أي مصير ينتظر شريط "الجنة الآن" وهل سيطغى النقاش الشكلي حول جنسيته على النقاش السينمائي حول كيفية معالجته الموضوع الشائك؟ وأيهما في نهاية المطاف هو الحكم في فوزه او عدمه؟ أسئلة ربما نعثر على اجوبة لبعضها في الحفل المقبل لتوزيع جوائز الاوسكار الـ78 في الخامس من آذار/مارس المقبل.

المستقبل اللبنانية في

17.02.2006

 
 

بعد فوز «تسوتسي» بأوسكار أفضل فيلم أجنبي

«الجنة الآن» يربح اعترافاً بالحق الفلسطيني في الوجود

الوسط - منصورة عبدالأمير

ليبارك الله إفريقيا... كانت تلك أول عبارة استهل بها المخرج الجنوب إفريقي جافين هود حديثه الذي عبر خلاله عن فرحه الشديد لفوز فيلمه «تسوتسي» بأوسكار أفضل الأفلام الأجنبية لهذا العام. ش

ولعل عبارته تلك جاءت معبرة بأبلغ ما يكون عن واقع حال حفل الأوسكار هذا العام، على الأقل حين يتعلق الأمر بجائزة أفضل الأفلام الأجنبية التي رشح فيلم هود لنيلها وحصل عليها. ففيلم «تسوتسي» الذي قام هود نفسه باقتباس قصته من رواية كتبت في الخمسينات وتدور حول تأثير نظام الفصل العنصري على نفوس السود في جنوب إفريقيا، لم يتغلب على الأفلام الأخرى المرشحة للجائزة نفسها وحسب، لكنه جاء ليحسم الجدل الذي اندلع بمجرد ترشيح فيلم «الجنة الآن» الفلسطيني للجائزة نفسها، وتزايد بوصول أنباء ترشيح «ميونيخ» للمخرج الأميركي المعروف بمناصرته لليهود ولـ «اسرائيل» ستيفن سبيلبيرغ.

وكان الفيلم الفلسطيني «الجنة الآن» للمخرج هاني أبواسعد هو أكثر الأفلام إثارة للجدل لأنه يدور حول اثنين من المفجرين الانتحاريين، فنقلت وكالات الأنباء أن مجموعة من الإسرائيليين ممن فقدوا أقارب لهم في هجمات انتحارية فلسطينية، ناشدت منظمي جوائز الأوسكار قبل أيام من إعلان النتائج استبعاد الفيلم الذي يبحث في أسباب هذه الهجمات، والذي رشح لأوسكار أفضل الأفلام الأجنبية.

إسرائيليون: الجنة الآن أم جهنم الآن

المعارضون الاسرائيليون احتجوا على تصوير الفيلم للبعد الإنساني للمفجرين الانتحاريين، وعلى تقديم صورة ايجابية وإضفاء نوع من الشرعية على الهجمات الانتحارية متهمين أولئك الذين يتجاهلون هذا الأمر ويكرمون الفيلم بأنهم شركاء في الهجمات الانتحارية القادمة.

يوسي زور الذي قتل ابنه في تفجير حافلة، اتهم الفيلم، من خلال خطاب مرفق بالعريضة، بالتعاطف مع الهجمات الانتحارية التي يتبناها كثيرون شاركوا في الانتفاضة التي اندلعت ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة العام .2000

وقال زور لرويترز «ما يصفونه بالجنة الآن نصفه نحن بجهنم الآن وكل يوم. مهمة العالم الحر ألا يمنح جائزة لفيلم كهذا».

وفي الخطاب يسأل زور نفسه «هل كان سيتم ترشيح الفيلم لنيل جوائز في الولايات المتحدة لو كان يدور حول شابين سعوديين يتلقيان دروس طيران في الولايات المتحدة بهدف قيادة طائرة في اتجاه برجي مركز التجارة العالميين في مدينة نيويورك» لتصطدم بهما؟»

لفلسطين ... نعم لسلطتها

وإذ إنه لا يمكن سحب الفيلم من لائحة ترشيحات الأوسكار» فقد طالب الموقعون على العريضة الأكاديمية بتغيير بلد الفيلم» فهم يعترضون على اسم فلسطين الذي ورد على موقع الأكاديمية على الانترنت» لأنهم يرون أنه «لا يوجد بلد يعترف به المجتمع الدولي يحمل هذا الاسم». لكن رئيس المعهد العربي الاميركي جيمس زغبي انتقد هذا التصنيف والجهود الاسرائيلية لجعل منشأ الفيلم السلطة الفلسطينية وليس فلسطين، وقال «المشكلة هنا هي ان الناس من «إسرائيل» ليسوا قانعين بالسيطرة على أوجه الحياة الفلسطينية اليومية كافة بل انهم يريدون التحكم في طريقة تصوير الفلسطينيين لانفسهم في العالم الخارجي. يتعين عليهم ان يتركوا الناس يعبرون عن أنفسهم».

صحيفة «يديعوت أحرنوت»، من جانبها، أكدت ان القنصلية الاسرائيلية في مدينة لوس أنجليس كانت توقعت قبل أسابيع من حفل توزيع جوائز الاوسكار فوز «الجنة الآن» بجائزة أفضل فيلم اجنبي.

واضافت الصحيفة ان المسئولين في القنصلية الاسرائيلية في لوس أنجليس قرروا منع امكان الاعلان خلال حفل الاوسكار عن ان الفيلم يمثل فلسطين.

وتابعت ان القنصل الاسرائيلي العام في لوس أنجليس ايهود دانوخ والملحق الإعلامي جلعاد ميلو وجهات اسرائيلية ويهودية ذات تأثير في هوليوود حصلوا على وعد من الاكاديمية الأميركية للسينما بعدم عرض الفيلم على انه فلسطيني على رغم عرضه على هذا النحو في موقع حفل توزيع جوائز الاوسكار الالكتروني.

من جانب آخر لم ينجو الفيلم من انتقادات الدوائر الفلسطينية التي اتهمته بتقويض السمعة البطولية للمفجرين، بإظهار ترددهم ومخاوفهم. كما رفضت دور السينما الاسرائيلية الكبرى عرضه بعد ان عبر خبراء التوزيع عن خوفهم من ضعف الاقبال على مشاهدة فيلم عن المفجرين الانتحاريين كما تحدثوا عن مقاطعة محتملة.

وللانتحاريين جانب إنساني

يبرز الفيلم، الحاصل على جائزة الغولدن غلوب، معاناة الفلسطينيين اليومية تحت الاحتلال الإسرائيلي لكن شخصياته تناقش أيضاً ما إذا كان ذلك يبرر العنف، من خلال تصوير الساعات الـ 48 الأخيرة في حياة انتحاريين فلسطينيين. تم تصوير مشاهده في مدينتي نابلس والناصرة، وفيه نرى كيف يقرر الصديقان تنفيذ هجوم انتحاري في تل أبيب، ويتناول الفيلم مناقشاتهما وترددهما في تنفيذ العملية وشكوكهما ومخاوفهما.

قبيل نهاية الفيلم يقرر أحد الصديقين التراجع، لكنه يفشل في إقناع صديقه بالتخلي عن العملية، نظراً إلى اقبال الأخير على المهمة تكفيرا عن الذنب الذي شعر به لأن أحد أقاربه تجسس لصالح «إسرائيل». وينتهي الفيلم بأحدهما وهو جالس في حافلة بتل أبيب رابطاً حزاماً ناسفاً حول وسطه.

أبوأسعد تعمد أن يستخدم على لسان الانتحاري الذي يفجر نفسه عدداً من العبارات التي تعكس الضغوط المعقدة داخل المجتمع الفلسطيني، كما تعمد تصوير حال الشك التي تنتاب المفجرين الانتحاريين حتى اللحظة الأخيرة، مفيداً بأنه «كان هذا الوجه الإنساني هو ما أردت أن أظهره في فيلمي».

وحاز الفيلم» الذي عرض في ما يقرب من 60 دولة... من بينها «إسرائيل»، والأراضي الفلسطينية، على الإعجاب بوجه عام، بوصفه تساؤلاً عاطفياً عن دوافع المفجرين الانتحاريين الفلسطينيين. وفي إحدى التعليقات الإيجابية الكثيرة عن الفيلم نقرأ «أن فيلم (الجنة الآن) مخصص لهؤلاء الذين يدركون أن الفهم شيء والتبرير شيء آخر». كما أخذت شركة ميراماكس على عاتقها توزيعه في أميركا بعد أن غيرت العناوين والموسيقى التصويرية ورصدت له موازنة كبيرة للدعاية.

وعقب هذا المديح، منح الفيلم الكثير من الجوائز، فحاز جائزة أفضل فيلم أوروبي من مهرجان برلين السينمائي الدولي، وجائزة أفضل مونتاج من مهرجان هولندا للعام»، وجائزة «الغولدن غلوب» في الولايات المتحدة.

أبوأسعد يكسب الرهان

مهما يكن من أمر، ومهما تبلغ حدة الاحتجاج والاعتراضات لفيلم أبوأسعد، فاستطاع هذا المخرج الموهوب، أن يكسب الرهان ويحصل بفوزه ذاك على «اعتراف بأن الشعب الفلسطيني يستحق الحرية والمساواة غير المشروطة»، وتمكن بذكاء من أن يرفع قضية معاناة الشعب الفلسطيني الواقع تحت نير الاحتلال الصهيوني الى مصاف القضايا الإنسانية العالمية، وأن يلفت انتباه كل المهرجانات والتجمعات الفنية العالمية لقضية ومعاناة أبناء شعبه.

الوسط البحرينية في

08.03.2006

 
 

«الجنة الآن» فاز من دون الأوسكار

راسم المدهون 

يحق أن نسعد لأن فيلم «الجنة الآن» ترشح للأوسكار، على رغم أنه لم يفز بها. لا نقول ذلك كي نعزي أنفسنا أو المخرج هاني أبو أسعد، بل لأننا نعرف أن الجائزة هي الأوسكار، وأن ساحة المنافسة تقع في هوليوود. ولأننا نعرف ذلك ننظر إلى واقعة الترشيح في حدّ ذاتها بعين الرضا، ما دام فيلم أبو أسعد قد وصل إلى منبر السينما العالمية الأبرز، وأطلق من هناك رؤيته الفنية – السياسية، فأثار ما أثار من جدل ونقاشات. فهذه اتسعت دوائرها لتطاول الصحافة والتلفزيون ليس في عاصمة السينما وحسب، ولكن أيضاً في كل عواصم العالم، وخصوصاً عواصم الدول الغربية الكبرى، منذ أن فاز بجائزة «الغولدن غلوب»، وفتح باب التساؤلات عن مضامينه ومقولاته، بل حتى عن جنسية محققة. وما أثارته هذه النقطة من خلافات ومن جدالات عاصفة أحيت نقاشات أعمق عن فلسطين ومسألتها السياسية والوجودية. نقاشات كانت القوى المساندة لإسرائيل في الولايات المتحدة وفي الغرب عموماً، تتمنى أن تظل طيّ النسيان، فإذا هي في الواجهة، يعيدها إلى المنابر وساحات الرأي نتاج سينمائي لا يركن إلى نبل مقولاته، أو إلى جدارة وجهة نظره، بل هو يؤسسها على لغة سينمائية جميلة وجذّابة، لا تجعلها موضع احترام ومدعاة للنقاش الجدّي وحسب، ولكن تمنح صاحبها، بالقوة ذاتها، جدارة الانتماء إلى الحداثة والعصرية من خلال امتلاكه جماليات الخطاب الفني وقدرته على الإقناع.

بعد إعلان النتائج، قال أحد الأصدقاء: لم يستطع هاني أبو أسعد فتح أبواب القسطنطينية، ولكن يكفيه أنه هذه المرّة على الأقل، استطاع أن يدق أبوابها، بل أن يدقها بقوة ، لفتت إليه وإلى فيلمه الأنظار». أما الأكثر أهمية فهو بالضبط سؤال ما بعد الأوسكار، أي سؤال توزيع «الجنة الآن» وعرضه حيث يتوجب، ثم – وهذا هو الأهم – سؤال الحركة السينمائية الفلسطينية ذاتها. إنه السؤال الأجدر بالانتباه. ففيلم «الجنة الآن»، وغيره من الأفلام السينمائية الفلسطينية الناجحة الأخرى حققها مبدعوها من دون إسناد فعلي من أية مؤسسة رسمية فلسطينية وعربية، خصوصاً وفن السينما صناعة لا تتوقف شروط نجاحها عند الأفكار والأساليب الفنية. واضح أن «الجنة الآن» قد حقق حتى هذه اللحظة نجاحه على الساحة الدولية، ويلزمه أن يحققها على المستوى العربي. لا تظن أن المسألة ستكون سهلة كما قد يعتقد البعض، بل هي في غاية الصعوبة والتعقيد، فسؤال جنسية الفيلم الذي كان مطروحاً في هوليود لأسباب معروفة، سيكون مطروحاً بشدّة أكبر في الساحة العربية، ناهيك بأن غياب الحريات، وافتقادنا الرأي والرأي الآخر، هو إشكالية أخرى في مجتمعات سياسية لم تتعود تقبل فكرة مخالفة وبالذات في موضوع الصراع العربي – الإسرائيلي. هناك دائماً من يتحدثون عن «موقف الأمة»، ولا تقبل عقولهم فكرة أن «الأمة» ذاتها مواقف متباينة وآراء مختلفة. قبل ثلاثة عقود سأل أحد المثقفين العراقيين شاعراً بعثياً عراقياً بارزاً: لماذا تمنعون مجلة «مواقف» من الدخول للعراق، مع أنها لم تنشر مقالة ضدكم؟».

ابتسم الشاعر البعثي وقال: «بسبب اسمها... هل نسيت أن اسمها «مواقف»، ونحن نؤمن أن للأمة موقفها الواحد؟».

نخشى أن «وحدة الأمة»، أي وحدة الخطاب السياسي الواحد الذي يشبه النشيد. هي ما يمكن أن يواجه «الجنة الآن»، فتطرده من جنّات دور العرض العربية.

الحياة اللبنانية في

17.03.2006

 
 

خروج من الأوسكار بقرار سياسي:

الجنة الآن الفيلم الرابع في قائمة إسرائيل السوداء!

القاهرة ـ القدس العربي ـ من كمال القاضي:  

المرة الوحيدة التي سمحت فيها لجنة التحكيم الخاصة بأفلام الأوسكار بمشاركة فيلم عربي في المسابقة الرسمية وصعوده إلي القمة أقامت إسرائيل الدنيا ولم تقعدها. فمنذ اللحظة الأولي لترشيح الفيلم الفلسطيني الجنة الآن للمخرج هاني أبو أسعد للجائزة وأصوات الرفض والاحتجاج بوسائل الإعلام الصهيونية لم تهدأ، ولعل الأغرب في هذه الحملة هو الانطلاقة من القاعدة السياسية بمحاولة نفي وجود دولة فلسطينية من الأصل، ومن ثم لا يجوز اعتبار الفيلم فيلما فلسطينيا برغم هوية مخرجه وجنسيته معولين في انتفاء الصفة وإسقاط الجنسية علي كون الإنتاج أو التمويل هولنديا ـ فلسطينيا مشتركا، وعليه يتعين من وجهة نظرهم نسب الفيلم إلي هولندا لأنها جهة التمويل الرئيسية، وهذه هي في الحقيقة تكئة ضعيفة وحجة واهية تهدف بالأساس إلي حرمان الفيلم العربي من المشاركة العالمية وهذا هو موطن الداء وبيان القصد في الحملة المسعورة ضد هاني أبو أسعد وفيلمه وجائزة الأوسكار فإسرائيل لم تعد تحتمل مزيدا من التعبئة السياسية لوجدان وضمير العالم للتعامل مع القضية الفلسطينية العادلة بآليات مختلفة، غير تلك التي تقوم علي التأثيرات الدعائية للميديا الصهيونية باعتبار المقاومة النبيلة عملا إرهابية والاستشهاديين مجموعة من الانتحاريين الجهلاء .. وهذه هي الفكرة التي تتمحور حولها الأحداث في فيلم الجنة الآن إذ يقف هاني أبو أسعد علي حدود التماس بين هذا المفهوم الصهيوني الغربي والرؤية العربية القومية الإنسانية التي تري أن المقاومة عمل استشهادي تفرضه حتمية الصراع غير المتكافئ بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، يضاف إلي هذا المعطي المنطقي العقيدة الإيمانية لدي الفلسطينيين بأنهم أصحاب الحق في الأرض والوطن والمواطنة، وأن الوجود الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية هو آية من آيات الاحتلال السافر الذي يستوجب المواجهة بكافة الأسلحة وبذل الغالي والنفيس، حتي وإن كانت الروح والدم وهذا البعد اليقيني هو الذي أثار حفيظة الدولة الصهيونية وجعلها تطلق ألسنة اللهب في وجه الفيلم ومخرجه وتخلق رأيا عاما ضد الرؤية الإبداعية لمصادرة حقه في الفوز..وبالعودة للوراء قليلا نجد أن إسرائيل لعبت هذه اللعبة ضد أفلام سابقة كان لها نفس الدوي مثلما حدث مع فيلمي مملكة الجنة و آلام المسيح فالأول استفزها لأنه يقدم صلاح الدين بوصفه شخصية مثالية تتمتع بلياقة سياسية وسماحة دينية والثاني كشف النقاب عن جرائم اليهود ضد السيد المسيح واستنكر ممارسات التعذيب التي مورست عليه، وقد دفع المخرج ميل غيبسون ثمنا فادحا إزاء هذه الجرأة ولا يزال موضوعا في البلاك ليست حتي الآن، حيث تطارده اجهزة الدعاية المضادة في كل الاحتفاليات والمناسبات الدولية.. ونظن أن هناك أكثر من هذه الأدلة الثلاثة علي عنصرية الصهاينة واللوبي اليهودي داخل المؤسسات الإنتاجية الأمريكية، وربما يكون فيلم قائمة شندلر حجة أخري تضاف إلي الأدلة الثلاثة السابقة لتأكيد الحقيقة الراسخة المبرهنة علي عدم حيادية إسرائيل وازدواج معاييرها.

وبالنظر في ماهية فيلم الجنة الآن ومضمونه الإنساني والسياسي نجد أنه يطرح وجهتي النظر محل الخلاف في سبل المقاومة ضد المحتل وموقف البعض من العمليات الاستشهادية من خلال بطلي الفيلم خالد ، سعيد وهما من عموم الناس ولا علاقة لهما بالأيديولوجيا السياسية أو الدينية، غير أنهما يستشعران الظلم والقلق ويعانيان من ضيق ذات اليد، خاصة أنهما يعملان في ورشة لإصلاح السيارات بمدينة نابلس ويضيقان بأسلوب صاحب الورشة معهما، وهنا يمكن تفسير الخلفية الاجتماعية لأحوال الشابين بأنها الدافع وراء قبولهما القيام بالعملية الاستشهادية التي كلفوا بها من قبل زعيم التنظيم، ولكن في اعتقادنا وحسب قراءتنا للأحداث لم يكن الاضطهاد دافعا وحيدا وراء إقبال البطلين علي الشهادة بالجسارة التي بدت واضحة في تصرفاتهما والبساطة شديدة في التعامل مع آليات التنفيذ والإذعان التام لتعليمات القادة، بل الذي كان أكثر وضوحا هو ذلك الإيمان الفطري والعميق بالحق المغتصب وإدراك فوارق القوة بين جيش الاحتلال والمقاومة الذي يحتم اختيار الشهادة واللجوء إلي التضحية بالنفس كحل موضوعي للمواجهة وسبيلا وحيدا لتعويض النقص في القوة والعتاد.. وقد اشار هاني أبو أسعد لذلك في ديالوج استمر حوالي خمس دقائق بين البطل سعيد والفتاة الثرية التي حاولت إثنائه عن تنفيذ العملية وخلع الحزام الناسف، إذ كانت تري أن تفجير النفس ليس حلا للقضية فالأجدي هو استمرار المقاومة المسلحة وفق خطة استراتيجية بعيدة المدي، وبين الشد والجذب في الحوار المتصاعد بين الطرفين كانت تنجلي رؤية المخرج الذي صار ممزقا بين الخيارين أو هكذا وضع نفسه مكان المواطن الفلسطيني البسيط، فضلا عن تأكيده علي هذا المعني في تصويره لحيرة البطل الثاني خالد أثناء البحث عن صديقه ومحاولته التأكيد للقادة أن سعيد ليس خائنا ولا يمكن ان يبيع القضية.

كل هذه التداعيات مثلت الكثير من المراجعات والتساؤلات حول أهمية العمليات الاستشهادية وموقف الذات الإنسانية المجرد منها ولكنه لم ينزلق هاني أبو أسعد في نفس الوقت في خطيئة رفضها وإن كان ألمح في مشهد القسم الذي أداه البطلان أمام كاميرات الفيديو وهما يحملان الكلاشينكوف ومن خلفهم عدد من القيادات يتناولون الساندويتشات إلي المسؤولية الإنسانية التي يتحملها هؤلاء القادة وهم يدفعون زهرات الشباب الفلسطيني للإقبال علي الموت وهم غير مكترثين وأتصور أن هذا المشهد هو الأكثر إثارة للجدل لكونه يحمل معاني مختلفة يمكن تفسيرها ضد المخرج في حالة سوء الظن أو لصالحه لو افترضنا أنه يدافع عن حق الشباب في البقاء محافظة علي النوع طالما يتحملون هم وحدهم عبء وشرف المقاومة طلبا للشهادة وطمعا في الجنات والخيرات والحور العين، فيما يقبع الآخرون خلف الستار يكتفون بالتخطيط والتدبير وممارسة طقوس الغسل والطهارة لعرسان الجنة الموعودة.

يترك أبو أسعد المعاني مفتوحة مطلقا للمشاهد حرية التقييم دون أن يقطع بقبول أو رفض العمليات الاستشهادية ويقنع بتداخلاته وإيحاءاته الشعورية المثيرة للتعاطف مع الأبطال الاستشهاديين والمؤيدة أحيانا لفكرة المراجعة والميل لمبدأ استمرار المقاومة المسلحة والبطء في تنفيذ عمليات التفجير الاستشهادي.

و لعل المشهد الأخير للبطل سعيد الذي تمسك بقناعاته في الإصرار علي تفجير نفسه مدفوعا بإلحاح الماضي القديم الذي تركه والده الذي تمت تصفيته لأسباب غامضة وكان مفسرا لقصدية المخرج والسيناريست من ضرورة التمييز اليهود المدنيين المسالمين والصهاينة العسكريين، لاسيما وأن البطل رفض ركوب الحافلة التي كانت تقل يهودا مدنيين بعد لحظات من التردد، فيما صعد دون تفكير الحافلة الإسرائيلية التي أقلت جنود وضباط عسكريين ملفوفا بالحزام الناسف.. وعندئذ ركزت الكاميرا علي عينيه الشاخصتين في الوجوه والأشخاص ونزلت النهاية وبقي الحكم للمشاهد كي يختار بنفسه ما يراه مناسبا دون أن يملي عليه المخرج رأيا يحصر القضية في زاوية أحادية، وبذلك تصبح فلسفة الطرح استنتاج قابل للمداولة والجدل.

القدس العربي في

17.03.2006

 
 

جوائز الأوسكار‏..‏ بين السياسة والعنصرية

‏*‏ علا الشافعي 

تعد جائزة الأوسكار من أرفع الجوائز السينمائية علي مستوي العالم‏,‏ لذلك يترقب مئات الملايين عبر الشاشات نتائج المسابقة‏,‏ خاصة أن جائزة الأوسكار هي حلم وأمل نجوم العالم‏,‏ فهي تستطيع تغيير حياة النجم أو النجمة الذي يحصل عليها‏,‏ ويبذل العاملون في المجال السينمائي المساعي والجهود من أجل الوصول إلي الأوسكار‏,‏ وسماع أسمائهم تتردد ويسبقها النجم الحاصل علي الأوسكار‏,‏ وبالتالي ترتفع الأجور‏,‏ ويتسابق المنتجون علي التوقيع معهم علي أفلام جديدة‏.‏

وعلي الرغم من ذلك‏,‏ فهي الجائزة الأكثر إثارة للجدل واللغط حول أحقية فيلم أو استبعاد آخر بشكل عنصري واضح‏,‏ والشيء الأكيد والذي تحول إلي عرف في كل المهرجانات‏,‏ أن السياسية وترضية الآخر قاسم مشترك‏,‏ وتلعب دورا كبيرا في توزيع الجوائز بدءا من المهرجانات العالمية الكبري وصولا إلي مهرجاناتنا العربية المتواضعة‏,‏ والشيء الذي لا يستطيع أحد أن يغفله هو سيطرة رأس المال اليهودي علي كبريات شركات الإنتاج الهوليوودية وكبار فناني هوليوود أصبحوا علي وعي بذلك تماما‏,‏ لذلك تحولت منصة الأوسكار إلي منصة للتعبير عن المواقف السياسية لكبار الفنانين بدءا من موقف النجم العالمي مارلون براندو عندما رفض استلام جائزة أحسن ممثل عن دوره في فيلم الأب الروحي‏,‏ وأرسل صديقته ذات الأصول الهندية والتي ألقت كلمته التي عبر فيها عن رفضه لاستلام الجائزة احتجاجا علي المجازر التي لاقاها الهنود الحمر علي يد الأمريكيين‏.‏

والنجمة جوليا روبرتس التي علقت عندما تسلم نجمها المفضل دينزل واشنطن جائزة أحسن ممثل حيث قالت‏:‏كيف يكون لدينا ممثل بحجم دينزل واشنطن ويتأخر عليه الأوسكار حتي الآن‏,‏ وصولا إلي المخرج مايكل مور الذي ردد وهو يتسلم جائزته عن فيلمه فهرنهايت عار عليك يا بوش في تعليقه علي حرب العراق‏,‏ وكذلك استبعاد الفيلم الفلسطيني يد إلهية بحجة أن فلسطين ليست دولة معترفا بها في الأمم المتحدة‏,‏ علي الرغم من الجوائز التي حصدها الفيلم من كبريات المهرجانات‏,‏ وتكرر الأمر مع فيلم الجنة الآن للمخرج هاني أبو أسعد والذي فتح الباب للتساؤلات حول عنصرية الأوسكار‏,‏ ليس ذلك فقط بل علينا أن نتساءل نحن كعرب عن مخرجي‏48‏ والذين يقدمون سينما مختلفة متميزة‏,‏ يصلون بها إلي أكبر المهرجانات ومنهم توفيق أبو وائل‏,‏ إيليا سليمان‏,‏ وهاني أبو أسعد ولكن نتجاهلهم نحن العرب في عنصرية واضحة لأنهم يدفعون ثمن واقع لا ذنب لهم فيه‏.‏

فعن أي عنصرية نتحدث في الأوسكار ونحن العرب نمارس عنصرية علي مخرجين نكتفي فقط بالتباهي بأعمالهم‏.‏

####

رغم خسارة الجنة الآن

الفلسطينيون يعلنون انتفاضتهم الفنية ضد إسرائيل

معتز أحمد

تتواصل ردود الأفعال علي الساحة الفنية الفلسطينية بعد الخسارة الفادحة التي تعرض لها فيلم الجنة الآن للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد في مهرجان الأوسكار الأخير علي الرغم من توقع العديد من النقاد فوزه بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي لهذا العام خاصة مع ردود الفعل التي أثارها بجانب الجوائز المتعددة التي حصل عليها قبل الأوسكار مثل جائزة الجولدن جلوب التي تعتبر بداية التمهيد لفوز أي فيلم بالأوسكار بالإضافة لتكريمه في العديد من المهرجانات والمؤسسات الفنية والعالمية المختلفة الأخري‏.‏

اللافت أن التقارير الصحفية أو حتي الإعلامية الصادرة من تل أبيب كانت تترقب وبشدة حفل الأوسكار متمنية عدم فوز الجنة الآن ـ الذي ينتقد في الأساس العمليات الاستشهادية ـ بأي جائزة به خاصة مع إصرار مخرج الفيلم هاني أبو أسعد علي تعريف نفسه بـ فلسطيني الهوية وهو التعريف الذي أعطاه للفيلم أيضا‏,‏ الأمر الذي أثار غضب القوي الإعلامية في تل أبيب ودفع بعضها للسعادة صراحة عقب خسارة الفيلم لجائزة الأوسكار وخروجه خالي الوفاض من أهم جائزة سينمائية في العالم‏.‏

وفي ذروة هذا الحزن الفلسطيني علي خسارة الجائزة والإحباط المسيطر علي الدوائر الإعلامية العربية عقب الإعلان الرسمي عن نتائج توزيع جوائز الأوسكار الفنية العالمية رصدت الأهرام العربي أراء بعض من الفنانين العرب في إسرائيل الذين شرحوا وقع هذه الخسارة عليهم‏,‏ وهي الخسارة التي يبدو أنها أدمت قلوب هؤلاء الفنانين وفتحت جراحا لم تندمل منذ إقامة إسرائيل من‏58‏ عاما‏.‏

المخرج الفلسطيني الشاب توفيق أبو وائل مخرج فيلم عطش الذي يعتبر أحد أهم الأفلام الفلسطينية المتميزة خاصة مع تطرقه لقضايا العنصرية التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين ومحاولتها طمس هويتهم السياسية أو الاجتماعية كشف في حواره لـ الأهرام العربي عن المعاناة التي يعانيها الفنانون العرب في إسرائيل بصورة خاصة والفلسطينيون بصورة عامة موضحا أن العنصرية التي تتعامل بها إسرائيل معه مثلت له حافزا هاما يدفعه لتصوير الأفلام والأعمال الدرامية التي تكشف عن هذه العنصرية‏.‏

ويؤكد أبو وائل أن ردود الفعل التي صاحبت فيلم الجنة الآن بجانب ما أثاره فيلم عطش يعتبران دليلا علي وصول السينما الفلسطينية للعالمية مشيرا إلي أن فيلمه عطش وما سبقه من أفلام كثيرة أخري تكشف عن مأساة المجتمع الفلسطيني في إسرائيل بالتحديد تعتبر حلقة من سلسلة حلقات السينما الفلسطينية العظيمة ذاكرا بالتحديد المخرج الفلسطيني إيلي سليمان الذي فاز من قبل بجائزة مهرجان فينسيا وجائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان كان الدولي‏,‏ بالإضافة لعدد كبير من الفنانين الآخرين الذين فازوا بعشرات الجوائز الدولية رغم الصعوبات التي يتعرضون لها بداية من عدم وجود قاعدة جماهيرية للعرب في إسرائيل بجانب السياسات الإسرائيلية العنصرية التي تمارسها إسرائيل ضدهم بالإضافة إلي عدم وجود أي أدوار للسينما سواء في المناطق الفلسطينية بصورة عامة أم المناطق العربية داخل إسرائيل باستثناء الضفة الغربية التي يوجد بها واحدة أما بقية أدوار السينما فجميعها توجد في الأساس بـ تل أبيب‏,‏ بالإضافة إلي الصعوبات التي نواجهها في قضايا التمويل والرعاية المادية ويكفي أن إسرائيل تدعم الفنون السينمائية بها بقرابة‏60‏ مليون شيكل أي ما يوزاي قرابة‏14‏ مليون دولار وهو مبلغ ضخم يظهر لك حجم الاهتمام الإسرائيلي بالفنون ورصد الإمكانيات لإنجاح الحركة السينمائية في تل أبيب‏,‏ ورغم كل هذا فإن مجتمعنا العربي يحاول دائما استكمال مسيرة الإبداع الفني التي يحرص عليها من أجل الحفاظ علي هويته الفنية‏.‏

ويشير أبو وائل إلي أنه ومع غيره من الفنانين الفلسطينيين يحاربون العنصرية الإسرائيلية بالفن خاصة أنك أمام مجتمع يعاني فيه العرب بقوة بالإضافة إلي طغيان الجانب اليميني في السينما الإسرائيلية‏,‏ وعلي سبيل المثال فإن الأفلام التي يخرجها المخرج اليميني يوسي سيدر تمثل شعبية كبيرة في إسرائيل خاصة فيلمه الأخير نار القبيلة الذي تطرق لقضية الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة والمشاكل التي يتعرض لها المستوطنون بسبب قرار الحكومة الأخير بالانسحاب من غزة‏,‏ وهناك العديد من الشخصيات الإسرائيلية التي تدعم سيدر والتوجه السينمائي الذي يقوده والذي يسيطر عليه التوجه اليميني‏,‏ ومع كل هذا فنحن نحاول محاربة العنصرية الإسرائيلية بالفن والأفلام‏,‏ وردا علي سؤال عما إن كانت هذه الطريقة فعالة إم لا؟ اعترف أبو وائل بأنها فعالة للغاية ضاربا المثال بأن السينما الطاغية الآن في إسرائيل هي السينما الإيرانية وكبار فنانيها مثل مجيد مجيدي ومحسن مخملباف وغيره من الفنانين الآخرين‏,‏ وجميع الأفلام الإيرانية الحديثة تترجم للغة العبرية وتطبع في إسرائيل وذلك علي الرغم من اعتبار إيران هي العدو الأكبر والأخطر لإسرائيل‏.‏

وعن تقييمه للتعاون السينمائي العربي مع السينما الفلسطينية بوجه عام اعترف أبو وائل بأن هذا التعاون يتعرض للعديد من المشاكل وعلي سبيل المثال فهو كغيره من عرب فلسطين يحمل الهوية الإسرائيلية التي فرضت عليه‏,‏ حيث أنه مسلم عربي ولكن إسرائيلي الجنسية الأمر الذي يمنع العديد من المؤسسات العربية من التعامل معه أو مع غيره من الممثلين العرب‏,‏ ويكفي ما قامت به إدارة مهرجان القاهرة السينمائي العام الماضي عندما منعت عرض أفلام الفنانين من عرب إسرائيل بدعوي أنها تلقت تمويلا إسرائيليا وهو أمر غريب‏,‏ والكلام علي لسان أبو وائل‏,‏ خاصة الفنانين العرب في إسرائيل يهاجمون تل أبيب وسياستها بضراوة في هذه الأفلام بل ويتعرضون لهجوم حاد من قبل القوي اليمينية بها بسببها حيث نكشف القهر والظلم اللذين تنتهجهما تل أبيب ضدنا‏.‏ ومع هذا فإن أبو وائل يعذر الأخوة في مصر وعلي رأسهم رئيس المهرجان شريف الشوباشي الذي جاء قراره بمنع عرض أفلام الفلسطينيين من إسرائيل لعدم وعيه أو معرفته بحقيقة المجتمع العربي في إسرائيل وما يعانيه أفراده من صعوبات في الحياة بسبب العنصرية الإسرائيلية والتي تجعلهم يعيشون في جيتوهات فنية منعزلة عن العالم الخارجي‏.‏

من جانبه اعترف المطرب الفلسطيني جواد النيل برغبته في أن تنال جميع الأفلام الفلسطينية جوائز عالمية خاصة أن هذه الجائزة ستفتح باب التواصل العالمي بين الفلسطينيين والعالم كله وستعتبر بمثابة تنبيه يرسله الفلسطينيون للعالم كله بشأن وجود قاعدة فنية كبيرة من الممكن أن تصل للعالمية‏.‏ ويضيف النيل أن الفوز بالجوائز لأي عمل فلسطيني سيلفت الانتباه إليه وسيساعد بالتأكيد علي التواصل وبناء علاقات قوية ومتميزة مع العرب بصورة عامة خاصة مع تناقل وكالات الأنباء العالمية أنباء الحديث عن هذا الفيلم أو غيره من الأفلام والأعمال الفنية الفلسطينية المختلفة الأخري‏,‏ وتمني النيل أن يكون الجنة الآن أو عطش أو غيرها من الأفلام الفلسطينية الأخري بداية للتواصل الفني الكبير وامتداد لتقوية العلاقات الفنية بين الفلسطينيين والعالم كله‏.‏ومن جانبه يشير الممثل الفلسطيني هشام سليمان إلي أهمية الفن في التواصل مع العرب معتبرا أن التواصل الفني بصورة عامة مع العالم وخاصة مع العرب أمر هام للغاية غير أنه يعتبر أن التواصل مع العرب أهم بمرحل كثيرة غير أنه يري صعوبة القيام بهذا التواصل خاصة أن أغلب العرب وبالتحديد المصريون الذين يعتبرون قبل الفن الأولي في المنطقة ينظرون لعرب‏48‏ نظرات سلبية للغاية وهو أمر يصفه بالمؤسف خاصة أن هناك عددا من المصريين الذين يصفون إياه بالخيانة مع حمله للجنسية الإسرائيلية وهذا أمر في منتهي الخطورة‏.‏ ومن ثم يظهر أن‏'‏ الجنة الآن‏'‏ فتح الباب نحو الحديث عن العنصرية التي يتعرض لها العرب في إسرائيل‏,‏ وهي العنصرية التي تمثل الدافع الأساسي الذي يدفع الفلسطينيين للأمام فنيا الأمر الذي يعكس أهمية البعد الفني في الصراع العربي الإسرائيلي‏,‏ وهو البعد الذي اهتمت به تل أبيب بصورة أساسية وتضع العشرات من الأبحاث والمقالات لرصده‏*‏

من أشهر تواريخ هوليوود السياسية‏,‏ عندما رفض النجم الراحل مارلون براندو صاحب الجاذبية الطاغية‏,‏ عام‏1973‏ استلام ثاني جائزة أوسكار له عن دوره كأحسن ممثل في فيلم الأب الروحي‏,‏ اعتراضا منه علي سوء معاملة السكان الأصليين من الهنود الحمر‏.‏

ومن اعتراضات هوليوود علي مشاركة الأفلام الجريئة‏,‏ كان عام‏1972,‏ عندما تم منع عرض فيلم الأحد الدامي من إنتاج أيرلندا الشمالية عن مجزرة ارتكبها الجيش الإنجليزي مع الأيرلنديين بحجة أنه عرض في التليفزيون ولا يتم الترشيح لجوائز أوسكار إلا لأفلام عرضت في السينما‏,‏ وتم منع فيلم المحارب الإنجليزي في نفس الفترة والذي يتعلق بقضايا هندية‏,‏ وفي عام‏1999,‏ تم رفض فيلم بيت الزهر اللبناني‏,‏ لأسباب غير واضحة‏!!‏

الأهرام العربي في

18.03.2006

 
 

"ميونيخ واسطورة الانتقام " و "الجنة الآن"

فيلمان يلتقيان قي بؤرة مبدعة في معالجة العنف

انتصار الغريب

بعد أن حصد الفيلم الفلسطيني "الجنة الآن" جائزة غولدن جلوب الاميركية أو الكرة الذهبية كأفضل فيلم أجنبي بالاضافة الى عدد من الجوائز الهامة في المحافل الدولية ، يبدو ان الحملة الشرسة لم تهدأ بعد.. ويبدو أنها قد بدأت للتو ، ظهر المخرج الفلسطيني "هاني أيو أسعد" وهو من مدينة الناصرة كمنافس خطير الى جانب مخرجين عمالقة كبار في مهرجان غولدن جلوب الاخير ، وحاز على اعجاب النقاد بمحتواه المثير الهادف ، كما نجح في الطوفان بذلك المولود العربي الجديد حول العالم بكل فخر ، ومن الواضح ان المعركة التي يخوضها ليست بخاسرة ، كما توهم البعض من النقاد الاميركيين اليهود ، المفارقة الاخرى ان منتجه "امير هاريل" يعتبر واحدا من أهم المنتجين اليهود . نستطيع القول بأن المخرج من خلال الاستنباط الواعي والمقنع للاحداث المصدر الرئيسي للفيلم ، فان المسار الذهبي الذي اتبعه لتحقيق النجاح المطلوب وجد طريقه أخيرا والرواج كسر تقليدي بان الافلام الناجحة الاصلية تستحق اقليات محدودة من المشاهدين ولازالت تلك الفكرة غير واضحة للسينما في عالمنا اليوم .

الشخصيتان الرئيسيتان في الفيلم هما الشابان سعيد وخالد نموذجان من جيل الاحتلال ، عدم مبالاة بالمستقبل ، احتقار للوضع القائم ولغة الضجر والاختناق واللاجدوى، التي تداهم معظم الشباب في الأرض المحتلة ، كما يعنون الفيلم لمسألة هامة لطالما تبادرت الى أذهان الناس وربما العالم ، من يثير المتاعب في اسرائيل اليوم، هل هم حقيقة الفلسطينيون و ما الذي يجعل انسانا يخاطر بحياته ويهجر كل شئ ثم يموت بتلك الطريقة الوحشية تاركا خلفه علامات استفهام لاحصر لها ، كذلك ما الذي يجعل شاب وسيم في مقتبل العمر للقيام بعملية انتحارية وسط حشد من الناس في مدينة القدس أو تل أبيب ‍ أو في وسط سوق مزدحم على سبيل المثال !!!

البعض يتساءل عن ماهية الذين يقومون بتلك العمليات الانتحارية ‍ ماهي خلفياتهم ‍ .. ربما نجح الفيلم في الاجابة على تساؤلات عديدة ، ليس باستخدام الخطابات الحماسية والحملات الاعلامية ، لكن في التوغل في عقول تلك الشريحة من الشباب وطرائق تفكيرها . نستطيع القول بان تصوير المفارقات السياسية أصبح شيئا معتادا في تلك الافلام ، استكشاف لرحلة الموت التي يقوم بها هؤلاء فهم ليسوا على درجة كبيرة من التعصب أو التشدد بالافكار كما يعتقد البعض ولكن أكثر طبيعية ربما من بقية البشر الآخرين ، شباب ولدوا تحت ظل الاحتلال ولازالوا يعيشون بصعوبة رغم المتاريس والحواجز ، نابلس مثل كل المدن الفلسطينية محاطة بالاسوار الشائكة من جميع الجوانب والعيون المتلصصة التي تحصد الحركات ، الاعمال ، مايشعر به هؤلاء الشباب هو الاهمال ، الفاقة والفقر ، الاحتلال الحقيقة الوحيدة التي لم تتغير في حياتهم ، كل شئ بدأ بالاحتلال وينتهي به ، تعصف بهم الظروف الخانقة من كل جانب رغم لغة السلام الغامض ، الخطاب السياسي مايزال يراوح ذات اليمين وذات الشمال .

وينجح المخرج في جعل المشاهد يصدق أن مايحدث أما أعيننا انما هو حقيقة محضة أبطالها مجموعة من المتسكعين الذين تمردوا من فرط اليأس ودوام الحال من المحال ، فحملوا بنادقهم بحثا عن الحسم شباب ينفضون عن أنفسهم الهموم التي استولت عليهم ، بين الهوية واللاهوية وينخرطون في نضال عفوي ومرير في محاولة للتخلص من ذلك الخطر الداهم من الجانب الآخر يكاشف المشاهد الواعي بأن هؤلاء شباب ممتلئين حبا وعشقا للحياة والناس فيقدمون على عمليات تلوث حياتهم ، يبدأ المشهد عندما يتلقى الشاب "سعيد" رسالة من شخص مجهول فحواها " غدا سوف تقوم بعملية انتحارية في تل ابيب ، في الحانب الآخر وفي قبو أرضي نرى مجموعة من الشباب في مقتبل العمر يتشاورون ويلتقطون عدد من الصور التذكارية ثم يقوم أحدهم بتسجيل فيلم فيديو للمجموعة ، يحاولون التخلص من لحاهم وكتابة رسالة الوداع الاخيرة ، كما اعتدنا مشاهدتها على شاشات التلفاز ، تراهم يتحاورن باضطراب يتلقى أحد الشباب الاوامر من رئيس العمليات أو الشخص المطلوب رقم واحد لاسرائيل كما يصوره الفيلم لكنه في نظر البعض اسطورة ثم يرتدي حزاما ناسفا حول صدره ، يحملق أحدهم في وجه الآخر وتتجلى علامات استفهام عديدة ، في الجانب الآخر سعيد يقترب من السور الشائك سرعان ما ينجح في تخطيه رغم الجيب العسكري الذي كان مرابطا ، ثم ينزلق زميله خالد متراجعا الى الخلف عبر الثغرات الموجودة في الطريق يقرر سعيد استكمال مهمته متوجها الى اسرائيل ثم يقترب من محطة لتجمع الحافلات الاسرائيلية ، الانسانية تنتصر هنا من جانب آخر نرى سعيد قد تفاعل مع مشهد الام وهي تداعب طفلها الصغير فدفعه الى تغيير رأيه في اللحظات الاخيرة يتردد في تنفيذ المهمة ، ثمة من يعلن ان الضباب قد تلاشى ، يتناهى الخبر الى رئيس العمليات بأن سعيد لم يكمل المهمة ، برعب واضح مرتديا الحزام الناسف يقرر سعيد مغادرة الاراضي المحتلة سرا متوجها الى نابلس ثم يلتقي " سهى" المرأة التي التقاها منذ فترة وجيزة يتعانقان بحرارة ، ثم تحذره من المضي في هذا الطريق الخاطئ وانه لايجب الحاق الضرر بالمدنيين بأي شكل من الاشكال وان التحرير من نير الاحتلال ليس بهذا الاسلوب ، تلاحق الظروف الاقتصادية الخانقة سعيد وتصله الاخبار بان والده كان متعاونا وقد نفذ فيه حكم الاعدام يحاول تقصي الحقيقة ليكتشف انه قد تعرض للاستغلال من قبل سلطات الاحتلال، وسقط مثلما سقط غيره . بالنسبة الى الشباب الفلسطيني الذي يعيش في الارض المحتلة تعتبر تل ابيب بالنسبة اليه شيئا مختلفا للغاية حيث ناطحات السحاب ، الشواطي الرملية ، النساء الجميلات يحاول خالد اقناع صديقه سعيد بالتخلي عن المهمة لكن محاولاته تبوء بالفشل و يعود بمفرده الى نابلس ، بينما يتوحه سعيد الى الاراضي المحتلة لتنفيذ المهمة الاخيرة .

مارس اليهود ضغوطا شديدة على أعضاء اكاديمية الافلام في هوليود بعدم التصويت للفيلم ،لانه يعرض الانتحاريين حسب قولهم بصورة ايجابية، ونجحوا في حقيقة الامر في مساعيهم ، يعتبر منتح الفيلم ان جائزة الكرة الذهبية تمثل اعترافا بأن الشعب الفلسطيني يستحق المساواة والحرية ، كما أن الذين اشتركوا في الحملة لم يشاهدوا الفيلم واذا كانوا قد شاهدوه فعلا ، فانهم سيكتشفون بأنه لايمجد المفجرين، لكن محاولة صادقة لتفهم مايحدث هناك ، ربما نستطيع أن نتعامل مع هذه الظاهرة أكثر فهما وسلم، كما انه يعتقد بان هذا جزءا من القضية وهو محاولة التركيز على وصم الناس بتلك الطريقة التي قدم الفيلم بها نفسه لاتوجد دولة فلسطيينية هذه محاولة لصرف الانظار عن فيلم قوي ، من الاحرى مشاهدة جيدا قبل أن نطلق احكامنا يقول : كنت اتوقع بأن تبدأ الحملة بشكل مبكر وبعد مرور تلك الفترة وفوز الفيلم بالجائزة ، الترشيح للاوسكار و الكرة الذهبية فان الفيلم اكثر توازنا مما يتخيله الكثيرين .

ناقدة امريكية تقول بان الفيلم يدعم العنف ضد الابرياء كما يؤجج القصص المعادية للسامية ويحمل مغالطات كثيرة على سبيل المثال بطل الفيلم سعيد يقول في احد الحوارات بأنه لايريد السلام ويدعم حل الدولتين رغم انه غير عاطل عن العمل و كذلك تبرير اسطورة الانتحاريين بأنهم يفعلون مثل تلك الامور لانه ليست لهم وظائف ، لكن في حقيقة الامر معظم هؤلاء ينحدرون من أسر غنية ، لايتعلق الامر باليأس لكم بأيدلوجية معادية للسامية تثير الكراهية والبغضاء تجاه اليهود .

الفيلم الثاني هو "ميونيخ" أو الانتقام والاسطورة " للمخرج الامريكي المعروف " ستيفن سبيلبرغ " الذي يحكي قصة عملية " أيلول الاسود" و كيف تعاملت أجهزة المخابرات الاسرائيلية ابان حكومة رئيسة الوزراء الراحلة غولدا مائير ازاء عملية اختطاف الرهائن ابان الالعاب الاولمبية بمدينة ميونيخ عام 1972 و قد اسفرت عملية الاحتجاز حينذاك و التي قامت بها مجموعة تطلق على نفسها اسم "أيلول الاسود" عن مقتل 11 اسرائيليا و 5 فلسطينيين وشرطي الماني ، قصة فيلم ميونيخ عبارة عن عملية بحث وتقصي لفريق الاغتيال الذي تولى عملية البحث والمطاردة لمدبري العملية في اوربا ولبنان . قبل كل شئ فان اسلوب سبلبيرغ عبارة عن توليفة تتكون من تقنيات سينمائية عالية الجودة ومحتوى ثقافي متدني ، يبدو الفيلم للوهلة الاولى على انه يحمل تصورات حيدة لكنه في واقع الحال ليس الا فيلم اميركي غربي حيث الرحل القبيح يقتل الرجل الخير ، والدماء تتناثر في كل مكان ، بعض اليهود تظاهروا احتجاجا على الفيلم ، على انه يطلق تسمية المنتقمين على الارهابيين ، في واقع الحال نجد أن الفيلم يتيح للمنتقمين ان يتحدثوا عن انفسهم بموقع الدفاع وكيف تعرضوا للظلم وسوء المعاملة كل تلك السنوات من قبل اليهود، لكنه حديث شفاه فقط وايهام المشاهد بوجود توازن في الفيلم ولكن ابان الهجوم في ميونيخ تظهر بعض اللقطات العرب بطريقة مشينة ، بدون ضمير أو وجدان ، ولكن الاسرائيلين تداهمهم الوساوس والشكوك دائما عن جدوى تلك العمليات ، في كل عملية اغتيال يداهمهم التردد قبل اطلاق الرصاص أو اصابتهم للهدف ثم يتأكدون من سلامة الزوجة والاطفال وعدم وجود ضحايا ، انهم قتلة فقط وكما يقول المثل اليهودي : اقتل واندب ، ميونيخ عبارة عن دراما انتقام يعتمد على المعادلة المتغيرة اللامتناهية ، حيث القصة تبدأ بمشهد عنف يقود الى سلسلة من عمليات القتل العنيغة كرد فعل الى حانب الجثث المتراكمة وهناك الوفير منها في عملية ميونيخ ، العنصر الآخر في دراما ميونيخ يتعلق بصلاحية الانتقام الذي عفا عليه الزمن وجدوى تلك الشخصيات التي تولت عملية الانتقام رغم مضي سنوات على القصة رجوعا الى الوراء ، تبدأ أحداث سبتمبر عام 1972 في المدينة الاولمبية ميونيخ حيث يتوجه فريق من الكوماندوس الفلسطينيين الى حيث مقر اقامة مجموعة من لاعبي رياضة القوي الاسرائليين وقد تولى عملية الحراسة عدد من الالمان المدربين بمهارة فائقة ، يراقبون بهدوء ما يدور في الملعب الرياضي ، بعض الرياضيين المحتجزين فضل عدم المضي في القتال ووضع حد لاسالة الدما ء ، تذكرة بما حصل لليهود في معسكرات النازية عندما أطلق الرصاص بالجملة على عدد من الاسرى ، مشاهد من الماضي أضافت بعض الواقعية على القصة ، يصور الفيلم على أن الالمان لعبوا دورا خاطئا في تلك العملية وفي النهاية يتم تحرير بقية الرهائن في المطار قبل اقلاع الطائرة التي تقل الخاطفين ، بعد مرور أشهر على الحادث ، اختطفت طائرة لوفتهانزا ثم يتم تبادل الرهائن بثلاثة فلسطينيين كانوا سحناء لدى المانيا ، كما يتم تصوير أحد الخاطفين الطلقاء يتولى الاتفاق مع الحكومة الالمانية على ايجاد وسيلة لتحرير السجناء المتبقين .ربما يكون الاسرائيليين قد أحرزوا نجاحا في كسب التعاطف الى جانبهم ، ولكنه ليس بالشئ الوفير ، لقد بدأت اللعبة من جديد يتم تشكيل فريق من الجواسيس لتنفيذ عدد من الاغتيالات تحت قيادة الجنرال أوري آفنر (يقوم بدوره ايريك بانا) ، و يعتبر مؤسسا لحركة جوش شالوم أو كتلة السلام الاسرائيلية، في سنوات المراهقة شارك في الحرب العالمية الثانية ثم التحق في صفوف الجيش الاسرائيلي وعضو للكينيست ثلاث مرات من أعوام 1965-1973 و 1979 – 1983 ، آفنر يعتبر آفنر أول اسرائليي يعقد اتصالا مع قيادة حركة التحرير الفلسطينية عام 1974 ابان الحرب في لبنان عام 1982 عبر الى لينان ليكون أول اسرائيلي يلتثي ياسر عرفات وكان صخفيا على مدى أربعين عاما كرئيس تخرير لصحيفة هالوم هاززا ومؤلف للعديد من الكتب خةل الصراع الائرايليز اثر تنفيذ الفريق لعمليات الاغتيال ـ يكتشف آفنر ان القتل لايقود الى الحرية التي يحلم بها الاسرائيليين ، على الرغم من صلابته الشديدة واقتناعه بالمهمة الوطنية التي هو بصدد تقديمها لاسرائيل ، لم يتمكن من الصمود أمام الانهيار العصبي الذي داهمه تدريجيا ا زاء وطأة تأنيب الضمير التي آلت به الى حالة نفسية وفي نهاية الفيلم يرفض طلبا لمديره السابق في جهاز الموساد يطلب منه العودة الى اسرائيل ، اللقطة الاخيرة تظهر البطل آفنر واقفا وخلفه برجي مركز التجارة العالمي ، محذرا مديره بأن العنف المضاد للارهاب ليس بمقدوره جلب السلام للشرق الاوسط ، المشهد يومأ برسالة نقدية لسياسة الحرب ضد الارهاب التي اتبعتها الادارة الامريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر . ولكن هل يجعل القتل دولة مثل اسرائيل آمنة ، بذل المخرج سبيلبرغ جهدا كبيرا من ناحية جمع الحقائق المتعلقة بعملية ميونيخ بمساعدة كاتب السيناريو "توني كوشر" كما حرص على معالجة الفيلم من الناحية الاخلاقية والانسانية ، ولم يتحيز لأي من طرفي النزاع ، ليس الى جانب المقاتلين الفلسطينيين ولا جانب الجواسيس الاسرائيليين لكنه يناقش مسألة العنف والعنف المضاد ، كما أنه منح الشخصيات من كلا الطرفين مزيد من الفرص للتعبير عما يجول في نفوسهم من نوازع وكراهية تحاه الآخر ، من أولى الانتقادات الموجهة الى سبيلبرغ بأنه أضفى على عملية الانتقام الحاسمة وجهة نظر الانتقام مزيج من الاهمية مقارنه بطبيعة الصراع الفسلطيني الاسرائيلي وسلب أرض اآخرين كما أشار ناقد صحيفة نيويورك تايمز "ديفيد بروكس" بأن سبيلبرغ لم يفهم طبيعة التهديد الذي يواجه اسرائيل من قبل الراديكاليين الاسلاميين بينما صور الذين قاموا بعميلة أيلول الاسود بأنهم جماعة من الوطنيين الذين ينتمون الى جماعات التحرير المناهضة ، وفي النهاية فان الفسلطينيين الذين تم اغتيالهم انتقاما لعملية ميونيخ ليست لهم علاقة بالعملية المذكورة أ و طبيعة الصراع ، كان الموساد في النهاية يبحث عن أهداف سهلة ولذلك اختار بعض الدبلوماسيين الذين يقيمون في بعض الدول الاوربية و لايتمتعون بحماية كافية مثل الآخرين ، كما تناسى مخرج الفيلم طبيعة الصراع الدائر في الشرق الاوسط ، لكنه ركز على الصراع الاسرائلي الفلسطيني للحصول على جائزة أوسكار ، ومن المثير في الفيلم هو موت ثلاثة من أعضاء خلية الاستخبارات الاسرائيلية حيث تمت تصفيتهم في ظروف غامضة في عالم تتعارض فيه أجهزة الاستخبارات بمصالح أخرى حيث يصعب معرفة أو اكتشاف القاتل . منتج الفيلم ويدعى "آفي مغربي" ولد عام 1956 وله عدد من الافلام الوثائقية مثل "انتقام ولكن واحدة من عيناي" يجد ان الانتقام الانتحاري بهذا الاسلوب يلائم طبيعة الشخصية الاسرائيلية ، التي يبدو مقبولا بالنسبة لعدد كبير من الشعب اليهودي ، أو الاسطورة الوطنية حول الدفاع الانتحاري للموساد حيث يقاتل عدد غير محدود من اليهود حتى الموت بينما يشعر اليهود بأنهم يعيشون في مستوطنات محتلة في الضفة الغربية وقضية السلام بين اليهود والعرب لاتنتهي الا بالتعايش السلمي وقد تناسى سبلبيرغ أن العدو الحقيقي هو سلب أرض الآخرين .

####

فيلم ( الجنة الآن ) يثير جدلا دوليا قبل موعد الأوسكار ...

جاسم المطير 

هل يستطيع الفن والفن السينمائي بالذات أن يتجاوز القيود التي توضع أمام الحرية ..؟ سؤال يدور الآن في الأوساط الفنية الأمريكية والفرنسية والهولندية .

القضية المصاحبة لهذا " السؤال العالمي " هي المتعلقة بفيلم عنوانه ( الجنة الآن ) الذي يواجه في الغرب الليبرالي المنفتح نوعا من استبداد سياسي .

الفيلم يتناول مضمارا واحدا من مضامير القضية الفلسطينية وهو مضمار يتعلق بالفلسطيني الذي يفجر نفسه انتحارا والعقل الذي يدفع ويغذي اندفاعه . هل هو عقل الانحصار هل هو عقل الانعتاق هل هو عقل الوهم ..؟

أسئلة كثيرة مباشرة وغير مباشرة يطرحها هذا الفيلم الذي يصف حصراً آخر 48 ساعة في حياة أثنين من المفجرين الانتحاريين الفلسطينيين .

مخرج الفيلم هو هاني أبو أسعد .. فلسطيني يعيش في هولندا، ويدور فيلمه ـ الذي تم تصويره في مدينتي نابلس والناصرة ـ حول آخر 48 ساعة في حياة صديقين فلسطينيين، قررا تنفيذ هجوم انتحاري في تل أبيب .

يتناول الفيلم حوارا عميقا بدويا صوفيا بنوع من الحرية في لحظة وبنوع من التردد في لحظة أخرى وهو حوار ليس مطلقا ولا هو طموحا بل هو حوار يدرك بعضه بعضا بالشكوك والمخاوف رغم حماس البطولة والتضحية في سياق الحديث بينهما حيث ترد الفردانية ورودا واضحا في أعطاف كلامهما عن البطولة والحرية . لم يعبر الحوار بينهما عن قيمة نهائية مشتركة بينهما ، ربما كانت القيمة البارزة في حوارها تبدو مقلقة لذلك ظلت فكرة ما، تسيطر عليهما ، فكرة القلق إلى نهاية الفلم إذ يقرر أحد الصديقين التراجع، لكنه يفشل في إقناع صديقه بالتخلي عن العملية، وينتهي الفيلم بأحدهما وهو جالس في حافلة بتل أبيب رابطًا حزامًا ناسفًا حول وسطه.

في عمليات البحث التي أجراها قبل إنتاج فيلمه، اكتشف المخرج "هاني أبو أسعد" أن العديد من المفجرين الانتحاريين ينتابهم الشك حتى اللحظة الأخيرة. ويقول "هاني أبو أسعد" معلقًا:

·         لقد كان هذا الوجه الإنساني هو ما أردت أن أظهره في فيلمي .

لا أريد الحديث هنا بتفاصيل وافية عن شكل الفلم ومضمونه بقدر ما أريد الإشارة إلى موقف المشاهد الغربي والنقاد الغربيين إلى هذا الصنف من الأفلام السينمائية العربية . فقد عرض في ما يقرب من 60 دولة أجنبية كما تم عرضه في إسرائيل وفي عدد من المدن الفلسطينية ونال على الإعجاب بوجه عام، بوصفه تساؤلا عاطفيًّا حول دوافع الانتحاريين الفلسطينيين الذين يفجرون أنفسهم .

التساؤل العاطفي ينتج بعد مشاهدة هذا الفيلم بمعان مختلفة من بلد إلى بلد لكن حصر التساؤل يرتكز على منطلقات عقلية مختلفة تماما ومتعاكسة تماما لدى كل من المشاهد الفلسطيني والمشاهد الإسرائيلي وربما تقوم هذه المنطلقات على عقل التوهيم في اللغة وفي المفاهيم الدينية وفي التجربة النضالية السياسية وفي الإيحاء .

في غمرة التساؤلات الصحفية الغربية ، الهولندية تحديدا ، نلاحظ ظهور تعليق ايجابي يقف بين " الاحتمال " و " التردد " ليصف فيلم ( الجنة الآن ) بكونه موضوعا مخصصا لعقول الشبان الفلسطينيين الذين يدركون عن طريق التجريب أن ( الفهم ) شيء ، و( التبرير ) شيء آخر وبينهما مجموعة من الغايات الوهمية التي يمكن للإنسان تحقيقها بصورة حرة وتلقائية بالانتحار التفجيري لتحقيق الوصول إلى الجنة على الفور ، الجنة الآن ، وهي ثقافة متداولة وشائعة بين هذه المجاميع الشبابية الواهمة بتصورات ذهنية رمزية منبثقة عن ثقافة ما .

عقب هذا المديح، منح الفيلم العديد من الجوائز ، فقد حاز الفيلم جائزة في مهرجان برلين السينمائي الدولي .. وفي أكتوبر 2005 حصل على جائزة "أحسن فيلم هولندي للعام 2005 "، وفي يناير المنصرم حصل على جائزة "الغولدن غلوب" في الولايات المتحدة، كذلك تم ترشيحه لنيل جائزة الأوسكار كـ"أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية". وفي تعقيبه على نيل جائزة "الغولدن غلوب" صرح "هاني أبو أسعد" بأنه يرى ـ في الجائزة ـ اعترافًا بأن الشعب الفلسطيني يستحق الحرية والمساواة غير المشروطة .

لكن لا تنتاب السعادة الجميع حيال الفيلم ، فعلى جانبي الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي أُثيرت الاعتراضات على الفيلم ، لتصويره البعد الإنساني للمفجرين الانتحاريين، وفي الدوائر الفلسطينية انتقد الفيلم لتقويضه السمعة البطولية للمفجرين، بإظهار ترددهم ومخاوفهم .

الآن ــ من جهة أخرى ــ وقبل انعقاد مهرجان الأوسكار شن عدد من اليهود الأميركيين أصحاب النفوذ، والدبلوماسيين الإسرائيليين في الولايات المتحدة، حملة ضد ترشح الفيلم لنيل جائزة الأوسكار. وقد قدمت هذه الجماعة عريضة لأكاديمية الفنون السينمائية والعلوم.. موقعا عليها 4313 نحو شخصًا.. مطالبين الأكاديمية بسحب الفيلم من لائحة ترشيحات الأوسكار. وتشير العريضة إلى أن فيلم "الجنة الآن" يضفي الشرعية على الهجمات الانتحارية، وإن هؤلاء الذين يتجاهلون هذا الأمر، ويكرِّمون هذا الفيلم، يصبحون شركاء في الهجمات الانتحارية القادمة، كذلك أُرفق بالعريضة خطابٌ من "يوسي زور" والد "أساف زور"؛ التي قتلت في تفجير انتحاري عام 2003.

في الخطاب يسأل "يوسي زور" نفسه:

·     هل كان سيتم ترشيح الفيلم لنيل جوائز في الولايات المتحدة لو كان يدور حول شابين سعوديين يتلقيان دروس طيران في الولايات المتحدة بهدف قيادة طائرة في اتجاه برجي مركز التجارة العالميين في مدينة نيويورك؛ لتصطدم بهما .. ؟

من غير المتوقع أن يسحب الفيلم من لائحة ترشيحات الأوسكار؛ فإن الموقعين على العريضة يطالبون الأكاديمية بتغيير بلد الفيلم؛ فهم يعترضون على اسم فلسطين؛ لأنه "لا يوجد بلد يعترف به المجتمع الدولي يحمل هذا الاسم"، ويدرس المسئولون في الأكاديمية تغيير اسم بلد الفيلم؛ ليصبح "الأراضي الفلسطينية".

بهذا يصبح فيلم ( الجنة الآن ) ضمن مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في الساحة الدولية وفي ميادين الفنون السينمائية أيضا .

بصرة لاهاي في 2- 3 - 2006

موقع "القصة العراقية" في

20.03.2006

 
 

جوائز الاوسكار تجاهلت صوفي شول والجنة الان

طاهر عبد مسلم 

I

هاهو آذار يحمل ضجيج وبريق منح الاوسكار، المفصل الحاسم في مسار الانتاج السينمائي العالمي الذي ظل حتى الساعة دون منازع.. مهرجانا تتطلع اليه مئات الملايين في ارجاء المعمورة.. هذه البضاعة البراقة التي تسوقها ماكنة هوليوود منذ عقود طوال مازالت تخبىء في مخابئها الكثير ومازالت تحمل في اقبيتها الجديد والجديد حتى يتحول البساط الاحمر الذي يسير عليه نجوم الجوائز حلماً ما انفك يراود السينمائيين في ارجاء العالم مشرقاً ومغرباً حالها حال جوائز نوبل. فيما عجزت امم تعوم على بحيرات النفط التي تدر عليها المليارات سنوياً ، عجزت عن ان تصنع شيئا ذا قيمة عدا ترويج المناكفات والصراعات والتخلف وخراب مؤسسات الثقافة.

قطرة في بحر تلك المليارات العربية بالاخص قادرة على ان تصنع سينما تقدم صورة يجري استهدافها وتشويهها وهي صورة العرب والمسلمين اليوم.. اليس غير التظاهر والخطب العصماء، والعراك على شاشات الفضائيات من وسيلة رد حضارية ؟ اليس (الفيلم) اداة مفيدة وفعالة في هذا الباب؟

II

بعيدا عن هذا الاستطراد.. كان هنالك فلمان مهمان للغاية دخلا الاوسكار ورافق دخولهما تركيز مكثف على مضمونهما وفرص فوزهما بجائزة الفيلم الاجنبي وهما الفيلم الالماني الايام الاخيرة لصوفي شول الذي كنت قد تحدثت عنه الاسبوع الماضي ويستحق المزيد والمزيد من الحديث والثاني هو فيلم الجنة الان للفلسطيني هاني ابو أسعد.. الفيلمان يلتقيان في نقطة واحدة هي مسألة ظلم الانسان.. سواء تحت الحكم النازي ام تحت الاحتلال الاسرائيلي .. الضجة التي اثارها الفيلم الفلسطيني انبعثت اولا من جنسية الفيلم لان اطرافا معروفة انكرت على الفيلم وصانعيه ان يسموا انتماءهم (فلسطين) او بلد الانتاج كذلك.. وارادوا تسميته (السلطة الفلسطينية) ثم انكروا على القوم مثل هذا الاسم. واشتعلت حملة محمومة من الكراهية ضد الفيلم لانها المرة الاولى التي يدخل فيلم فلسطيني بالطبع هو فلسطيني مدعوم من العديد من الجهات الاوربية يدخل المنافسة في الاوسكار.

التأويل واسع وكبير للفيلم في التعبير والتعريف بـ (الفدائي الفلسطيني) الذي سموه انتحاريا تارة وارهابيا تارة اخرى وتحول الفيلم الفلسطيني الى ميدان جدل مرير اقلق كثيرا من الدوائر والمؤسسات وحتى الدول التي تتحدث بلا انقطاع عن حرية التعبير للبشر بينما هي لاتستمع الا لما يطربها.. فترفض اسم (فلسطين) ان يقترن بالفيلم كما ترفض سلوك الشابين بطلي الفيلم.

III

اما فيلم صوفي شول.. فقد كان موضوعه جديرا باهتمام اخر من جهة تقديم المأساة في اقبية النازية بلا تعذيب ولاكدمات ولاانتزاع اعترافات.. بينما كانت الذات الانسانية واقعيا تتعذب وتهان في داخل صوفي شول.. وكانت الكدمات تستولي على الروح.

وعلى هذا كان فيلم صوفي شول علامة فارقة في هذا النوع من الافلام بالطبع.. نال الفيلم جوائز عديدة في المانيا.. كما انه حضر بقوة في صالات السينما في اوربا وامريكا وحظي باهتمام كبير من النقاد وبين يدي العديد من المقالات التي كتبت بحق الفيلم.

يضاف لاجواء اوسكار 2006 سطوع نجم جورج كلوني.. هذا الرجل المولع بطرح مفاهيم ملحة تقترب من الفيلم السياسي كما انه كثيرا ماتعرض الى انتقادات من اطراف يمينية متشددة في الولايات المتحدة بسبب ارائه ومواقفه وانتقاداته لكثير من الجوانب السياسية والاجتماعية في امريكا.. وكان حضوره المهرجان من اجل السلام في برلين سببا اخر في التعبير عن ارائه ومواقفه الملفته للنظر.

اوسكار 2006 مر بفيلم صوفي شول وفيلم هاني ابو اسعد بهدوء بينما كانا من الافلام التي تستحق ان تحظى بمزيد من التكريم والاهتمام لكن العلامة الفارقة لاوسكار 2006 كما يجمع النقاد والمراقبون هو ان المشهد المأزوم لعالمنا اليوم قد تغلغل وحضر بقوة سواء عبر الفيلم السياسي والافلام التي تعرض للاثنيات والثقافات ( كما في الفيلم الفائز CRASH) ام في الفيلمين الفلسطيني والالماني.

في كل الاحوال كان حصول الفيلم الجنوب افريقي (سوتسي) الذي نسلط الضوء عليه في مكان آخر من هذه الصفحة، كان حصول هذا الفيلم على الجائزة تأكيدا للانطباع المأخوذ عن دورة هذا العام انها دورة (الاثنيات) والصراعات والجدل بين الثقافات فضلا على دخول جنوب افريقيا وفلسطين حيز المنافسة على الاوسكار لاول مرة.

موقع "ألف ياء" في

23.03.2006

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)