يوميات
مهرجان كان
السينمائي الدولي...
(5)
مخرج أفضل فيلم عرض في المسابقة حتى أمس
ريتشارد لينكلاتر: “أمة الطعام السريع”
محنة إنسانية
“كان” محمد رُضا:
“أمة
الطعام السريع” هو أفضل فيلم شوهد في المسابقة حتى الآن. البعض لن يوافق
مانحاً فيلم “فولفر” الأسباني تلك الأولوية. لكن “فولفر” فيلم بلا أجندة
اجتماعية أو سياسية، كذلك فإن هناك مطارح في الفيلم يبدو كما لو كان
استرسالاً في الوصف. ليس أن “أمة الطعام السريع” يخلو من شوائب بينها
اضطراره لمنحى من المباشرة، لكنه في النهاية لديه رسالة يريد إبلاغها ويصرف
الوقت والجهد لتوظيف مستوى فني جيّد لإتمامها.
رتشارد
لينكلاتر مخرج شاب مواليد 1960 انطلق في السينما في مطلع التسعينات من
القرن الماضي وعرفه المجتمع في الغرب بأفلام “فتيان نيوتن” و”حياة يقظة”
و”مدرسة الروك” و”قبل المغيب” الذي كان تكملة لفيلم سابق بعنوان “قبل
الشروق” الذي نال الجائزة الفضية في مهرجان برلين، وكل أفلامه هذه لم تنبئ
بوجود حاجة الى طرح سياسي يتناول العلاقة بين المواطن الأمريكي والمؤسسة
الخاصة او الرسمية. لكن “أمة الطعام السريع” يفعل ذلك ويفاجئنا بالنتائج.
“أمة
الطعام السريع” فيلم عن تحقيق يقوم به موظف في سلسلة مطاعم همبرجر بعدما تم
اكتشاف فضلات حيوانات في اللحم. من جهة مقابلة، قصة مجموعة من العمّال
المكسيكيين الذين يتم تهريبهم الى أمريكا وتشغيلهم. عن الحلم الأمريكي الذي
يتحقق فقط للكبار ولن يرى النور لمن هم دون ذلك. عن حاجة امريكا لنفض
طريقتها في التعامل مع نفسها والحد من هيمنة الأخ الأكبر، وهو يأتي في وقت
تشهد فيه الولايات المتحدة كل ذلك السجال الدائر حول الهجرة غير المشروعة
عبر الحدود.
جلسنا،
المخرج لينكلاتر وأنا، في “كان” نتداول الفيلم من كافة جوانبه.
·
يختلف هذا الفيلم عن أعمالك السابقة جميعاً من حيث موضوعه ورسالته
السياسية. الأفلام السابقة توخّت سرد حكايات ناعمة وعاطفية او شخصية لكنها
مغلّفة برقّة طروحاتها. أليس كذلك؟
- أوافقك
الى حد. في “قبل الغروب” و”بعد الغروب” هناك طرح لمسائل اجتماعية. لا أقول
سياسية، بل اجتماعية ولو في نطاق ما يسمح به الموضوع الذي كان، كما تعلم،
قائماً على لقاء شخصيّتين تتبادلان الحديث كل عن نفسها وعن الآخر. في
الإطار يتيح الحوار بعض التداول في الموضوع الاجتماعي ولو عبر سلوكياتها.
·
موضوع هذا الفيلم كان يصلح لأن يكون
تسجيلياً. هل توافق؟
- نعم كان
يمكن للفيلم أن يكون تسجيلياً وهو مقتبس عن كتاب غير روائي لإريك شلوسر.
حين جلست معه لأول مرة قلت له: أعتقد أن هذا الكتاب يمكن أن يتحوّل الى
فيلم تسجيلي لكنه انطلق يتحدّث عن أفكار روائية. استمعت إليه ومع نهاية
كلامي أدركت أن تحويل هذا الكتاب الى فيلم درامي أمر ممكن. الكتاب نفسه فيه
ملامح روائية كافية لتطويرها الى سيناريو روائي كامل.
·
ماذا فعلت في سياق كتابة السيناريو؟
- ذهبت
والكاتب الى ولاية كولورادو أكثر من مرة، وحين جلست لأكتب السيناريو عشت
هناك لفترة أشتم فيها رائحة المكان. الكثير من الشخصيات تم تأليفها من
معاينات ولقاءات... بعض الشخصيات المكسيكية وبعض الشخصيات الأمريكية.
·
كيف وجدت استعداد شركة الإنتاج للتعامل مع
موضوع كهذا؟
- بدأت من
دون اتفاق مع شركة إنتاج او توزيع. هذه جاءت في الوقت المناسب لاحقاً لتقوم
بالمهمة نيابة عني. وجاءت راغبة في الاتفاق على توزيع فيلمي الآخر (عنوانه
A
Scanner Darkly
ومعروض داخل تظاهرة “نظرة ما”) لكنها أعجبت بهذا الفيلم
واتفقنا عليه.
·
أفهم أن شركة الإنتاج جاءت بعد إتمامك
التصوير؟
- كنت لا
زلت أصوّر الفيلم حين بدأنا الحديث وأتممنا الاتفاق أول ما انتهيت من
التصوير.
·
معنى ذلك أنها لم تقرأ السيناريو او تتدخل
فيه.
- مطلقاً.
لم تتدخل في هذه المرحلة على الإطلاق.
·
لكن الفيلم يحمل هويّة أمريكية فرنسية وهناك
تمويل من ال”بي بي سي” البريطانية.
- صحيح.
هذا كله ورد تباعاً. كل ما كان لدينا حين بدأنا العمل هو اتصالات مستمرة
لجذب الانتباه اليه.
·
ماذا تعني حين تتحدث بلغة الجمع؟
- المنتج
الذي يعمل معي جيريمي توماس وأنا.
·
أين وجدت مجموعة الممثلين غير المعروفين
الذين شاركوا في الفيلم؟
- نشرنا
إعلانات وقامت شركة “الكاستينج” بالإشراف على هذه المسألة. حين كنت أجلس
الى المرشّحين طالباً منهم تأدية مشاهد للاختبار كنت أبحث عمّن يعكس شخصية
الأمريكي البحتة. الفيلم ليس هوليووديا ولا أريد شخصيات تبدو كما لو كانت
جزءاً من التركيبة السينمائية الهوليوودية. كنت أريدها واقعية. كما تقول
هناك مجموعة من الممثلين غير المعروفين، لكن أشلي جونسون لها أدوار سابقة
وهناك مجموعة من الممثلين المعروفين أيضاً.
·
إيثان هوك يظهر في كل أفلامك تقريباً، لماذا؟
- نوع من
إيمان المخرج بموهبة معيّنة وتفاهم دائم. إيثان يشاركني الرغبة في توفير
افلام خاصة مثل هذا الفيلم. وهو دائما ما عكس مقدرة فائقة على تجسيد شخصية
الفتى الأمريكي العادي جداً.
·
ألا تعتقد أن هناك بعض الوعظ المباشر في بعض
المشاهد ومنها مشهد يتولى فيه شرح الوضع ورأيه فيه؟
- ذلك
المشهد لغاية درامية وليست إعلانية. إنه المشهد الذي سيشحن ابنة أخته (أشلي
جونسون) بالتساؤلات حول الموضوع المطروح. ستفهم أن الأمور ليست على ما
يرام. وكما تعلم فهي بائعة في محل للأطعمة السريعة وردّة فعلها بعدما سمعت
ما سمعته من عمّها دخول مكتب عملها وتقديم استقالتها. حين يسألها المدير عن
السبب تقول له: “لا أشعر بأنه عمل صالح لي... هناك شيء خطأ فيه”. إذاً هو
ليس خطابياً. ليس في تصوّري. لا أسعى أن أكون واعظاً بل أريد استخدام
الفيلم وسيلة لفتح العين على أخطاء وعيوب أوضاع معيّنة.
·
ماذا سيكون رأي الجمهور الأمريكي في الفيلم. إنه يطرح مسائل مهمة كثيرة من
بينها كيف نأكل وماذا نأكل وكيف تحوّلنا الى زبائن لمؤسسات مهيّمنة كما
يطرح موضوع الهجرة غير المشروعة وما يحدث للعمّال حين يقعون تحت براثن
مستغليهم الذين هم أيضا مكسيكيون يعملون للأخ الكبير.
- لا أدري
إذا ما كان الوضع أكبر من قدرة الفيلم على معالجته. لكن السينما قوية لأنك
تستطيع دوماً أن تتحدّث عن البشر في محنهم الإنسانية. وهذا الفيلم أساساً
هو محنة إنسانية. لا أدري ماذا ستكون ردّة الفعل حياله لكني أعلم أنه ستكون
هناك أشياء من خلف الستار تقع له. بالنسبة إليّ هو فيلم إنساني بالدرجة
الأولى.
لقطات
*العرض
الأول لفيلم “حليم” تم في قاعة بعيدة عن قصر المهرجانات، كون الفيلم أخفق
سابقاً في دخول العروض الرسمية. عدد كبير من الصحافيين والسينمائيين العرب
أمّوا الفيلم الذي أخرجه شريف عرفة والذي قاد بطولته الفنان الراحل أحمد
زكي. التعليق الذي انتشر بعد العرض من الحاضرين هو مزيج بين اعجاب محدود
وشعور بأن الفيلم أطول بكثير مما يجب (نحو ثلاث ساعات).
*الذين توقعوا وصول الممثل العالمي عمر الشريف إلى “كان” اعترفوا بأن
توقعاتهم لم تتبلور عن نتيجة ايجابية. لأيام بقي احتمال حضور عمر الشريف
المهرجان أم لا أمراً عالقاً في الهواء إلى أن تأكد أن الممثل طار من باريس
إلى نيوزيلاندا حيث يصوّر مشاهد من أحد أفلامه الأجنبية. الشائعات هنا
تحدّثت عن أن الشريف سيقدّم فيلم “عمارة يعقوبيان”.
*المدينة
تتحدث عن فيلم “كيف الحال” للمخرج ايزودور مسلّم، والسبب أنه مقدّم أولاً
على أساس أنه أول فيلم روائي سعودي، وثانياً على أنه فيلم عن الصراع بين
المحافظين والداعين إلى التغيير، وثالثاً على أساس انه من انتاج شركة
روتانا التي يرأسها رجل الأعمال الأمير الوليد بن طلال. اهتمام الصحافة
الغربية فيه تجلّى إلى الآن في عدة مقالات نشرت في مجلة “فاراياتي”
المؤثّرة وفي “الجارديان” البريطانية و”نيويورك تايمز” الأمريكية.
*تبعاً
للاستقبال الفاتر الذي حصده فيلم “شيفرة دا فنشي” قررت شركة صوني الموزعة
اغلاق الكتاب على “كان” والاهتمام بنتائج السوق. السؤال المطروح هنا هو
عمّا اذا كان الفيلم سيستطيع تحقيق النجاح التجاري اعتماداً على كل هذا
الضجيج الذي حققه أو أن الكتابات النقدية التي انتشرت ، ومعظمها ضد الفيلم
ودعوة المؤسسات الدينية لمقاطعته، ستؤثر عليه. الأرقام في الأيام القليلة
المقبلة ستجيب عن هذا السؤال.
مهارة
فائقة في توظيف
عناصر السينما
"جيش
من الظلال" تحفة
منسية تظهر
من حق
القارئ أن يتساءل عن سبب مداومة بعض النقاد (وهذا الناقد بين هذا البعض)
على الحديث عن أفلام لا يمكن مشاهدتها. حيناً ينطلق وراء فيلم صامت، وحيناً
وراء فيلم من حقبة أخرى غابرة. حيناً يقفز فرحاً باكتشافه فيلماً أمريكياً
منسياً وحيناً آخر يتذكر بحنان وألفة عملاً من الفترة السوفييتية أو من
المدرسة البريطانية الجديدة أو ينتقل الى اليابان أو تشيلي أو إسبانيا
للحديث عن بعض أعمالها.
من حق
القارئ التساؤل عما يُثير النقاد في أفلام قديمة، بيضاء وسوداء في الغالب.
حتى حين تكون ملوّنة تبدو كما لو كانت بيضاء وسوداء. ومن حقه أن يرتاب في
أن المسألة إما أن الناقد جاوز المائة عام ولذلك يحن الى الأمس الناضر، أو
أنه يحاول الظهور بمظهر من يعرف والتباهي بما شاهده على جمهور لم يشاهد
شيئاً مما يذكر.
في هذه
المسألة حقيقتان: الأولى أن معظم كلاسيكيات الأمس والكثير من درره
السينمائية بات متوافراً على اسطوانات مدمّجة، بحيث لم يعد هناك عذر.
تستطيع أن تجلس على كرسيك أمام الكمبيوتر وتطلب الفيلم الذي تريده من على
الشاشة وبذلك تشارك ما يكتبه الناقد عنه.
الثانية،
أن مسؤولية عدم عرض أفلام حديثة وقديمة ذات قيمة فنية عالية يتحمّله القارئ
أو المشاهد مناصفة مع شركات التوزيع. شركة التوزيع هي آخر من يكترث للعب
دور ثقافي أو اجتماعي في حياة الشخص. تستثمر في الرائج وليست مستعدة (إلا
في حالات معيّنة) أن توفر للجمهور فيلماً من خارج الطرح التجاري البحت.
والدوافع معروفة. لكن المشاهد بدوره لا يتحرك ولا يطالب ولا يشترك في تحمّل
مسؤولية هذا الغياب لأنه إما لا يعرف كيف أو يكتفي بمطالعة ما يكتب عن هذه
الأفلام أو لأنه لا يكترث إلا قليلاً.
النتيجة
ذلك الفراغ الثقافي الذي هو جزء من الفراغ الثقافي الأكبر. والحقيقة هي أن
أفلام الأمس تعاملت مع الفن والثقافة والإنسان وقضاياه بكثير من الصدق
والإيمان بأهمية هذه العناصر بحيث أن مشاهدة أي منها اليوم هو حديث في
الزمن الحاضر وفي الإنسان الذي يعيش هذا الزمن كما هو تعبير عن زمن وإنسان
مضيا.
الصالات
الأوروبية والأمريكية تشترك في نعمة واحدة: هناك بضع شركات تبحث في القديم
غير المستهلك وتعيد إطلاقه. وهذا الأسبوع في الولايات المتحدة أطلق واحد من
تلك التحف المنسية صوب جمهور لا يبلغ تعداده ربع الجمهور الذي يدخل “عذراء
في الأربعين” ولا خمس مشاهدي “ستار وورز- الجزء الثالث” لكنهم كافون لإنجاز
المطلوب: إعادة الحياة لتحفة سينمائية من دون أن يخسر الموزّع المتخصص بهذه
النوعية استثماره.
الفيلم هو
“جيش من الظلال”، فيلم فرنسي أخرجه جان- بيير ملفيل الذي عاش ما بين 1917
و1973 وأنجز في حياته أقل من سبعة عشر فيلماً. هذا الفيلم و”النفس الثاني”
و”اللص الطيّب” و”الأولاد المتعبون” و”الدائرة الحمراء” و”الساموراي” هي
أفضل تلك المجموعة الصغيرة نسبياً من الأعمال. كلها تشترك في مهارة عالية
لتوظيف اللقطة والمكان والشخصية بتجانس رائع لتعكس دراما من المواقف على
صعد متعددة. تشترك أيضاً في أنها أفلام تتأنى لكنها لا تتوقف عن التبلور.
أبطالها أناس فاتهم قطار أول وأخير أتيح لهم في مطلع حياتهم. لم يركبوه.
عانوا من ذلك وغالبوا المعاناة فتضاعفت. “جيش من الظلال” الذي أنجزه سنة
1969 يعصر هذه النواحي جيّداً.
“جيش من
الظلال” يبدأ بمشهد لجنود ألمان يدخلون منطقة الشانزليزيه الشهيرة بخطواتهم
العسكرية المعهودة. كل خطوة تبدو كما لو كانت موجهة ضد كبرياء الفرنسي الذي
صُدم بغزو الألمان لباريس واحتلالهم لها. من هذه البداية يضع المخرج نفسه
وفيلمه عرضَة لشعور المشاهد بالحرج وربما بالغضب من هذا التذكير. على
المخرج ملفيل بعد ذلك تبرير بدايته وهو يفعل ذلك على خير وجه.
إنه فيلم
حول مجموعة صغيرة من المقاومين الفرنسيين ضد النازية خلال 1943. هذا الفيلم
مقتبس عن رواية وضعها الفرنسي جوزف كيسل في السنة نفسها لفتت نظر المخرج
الذي حاول نقلها الى الشاشة أكثر من مرة ولم ينجح الا سنة 1969 ولأسباب
أهمها أن كثيرين كانوا راغبين في عدم العودة الى الماضي تحت مظلة ملفيل.
فأفلامه لا تعود الى الماضي بسبب الحنين، ولا تنظر الى الأمس كنافذة لطبيعة
جميلة. ملفيل يعالج كل عالم وكل فترة زمنية يقدّمها على نحو مشابه. نحو
داكن بشخصياته كما بأحداثه. في قلب هذه الشخصيات هنا الشخصية التي يؤديها
بطل الفيلم (الراحل لينو فنتورا). ملفيل كان يحب الشخصيات ذات الأكتاف
العريضة كونها قادرة، رمزياً على الأقل، على حمل هموم العالم بأسره. ولينو
فنتورا دائما ما لعب شخصية الرجل الذي يحسن دفع الآخرين الى الجدار رمزياً
كما فعلياً. الرجل الذي يقدر على التعنيف. والضرب وتحمّل ردّات فعل ذلك في
هذا الفيلم هو سجين هارب من معسكر نازي. عليه أن يتخفّى من دون أن يختفي.
لا يستطيع أن يختفي لأن عليه مهمة كلف بها نفسه. أبطال ملفيل عموماً
هكذاً... يكتبون على أنفسهم تنفيذ مهام خطرة ليس حبّاً بها بل استجابة لقدر
وتبعاً لمصير.
فنتورا في
هذا الوضع مثله مثل الان ديلون في “الساموراي”. رجل يؤدي مهمة تحمل في
طيّاتها دمار الذات. مثل تلك الفراشة التي نعلم جميعاً كيف تحرق نفسها
حينما تدفعها حاجة غريبة ماسّة الى النور. الفارق أن العتمة هي القاضية
وليس النور. أفلام جان- بيير ملفيل هو “سوبر فيلم نوار” يختلف عن ال “فيلم
نوار” الأمريكي باختلاف تنفيذه لكنه يلتقي وإياه في كل الخطوط العريضة
والأصغر منها.
أفلام
اليوم ... "قصر
صيفي" أزمة سياسية بلا أسباب
(قصر
صيفي)
اخراج:
لو يي
تمثيل:
هاو لي، جيوا سشانونغ، هو لينغ
صيني
من المؤسف
أن الفيلم الذي سبقته دعايته حين تم الكشف عن غضب الحكومة الصينية على
منتجه (فانج لي) وعلى مخرجه (لو يي) كونهما أرسلا الفيلم إلى ادارة مهرجان
“كان” من دون إذن مسبق، يخفق في إثارة الاعجاب حاملاً بين طيّاته مسألة
مهمة وهي هل نؤيد فيلماً يعاني من مشاكل سينمائية لمجرد أنه يحمل نقداً
سياسياً أم أن التأييد السياسي يأتي في المقدّمة.
بالنسبة
لهذا الناقد على الفيلم أن يحمي رسالته بصياغة ومعالجة فنية جيدة وناجحة
وإلا فإن الحاجة إليه كعمل ذي رسالة سياسية تصبح مهددة بالاضمحلال تماماً.
الفيلم، درامياً كان أو تسجيلياً، هو وسيط مختلف عن المسرح والاذاعة
والتلفزيون يجب أن يُعامل كذلك. حين يخفق في انجاز هذه المهمة، فإن رسالته
السياسية تصبح عنصراً جانبياً أقل قدرة على التأثير أو أحياناً التأييد.
“قصر
صيفي” ل “لويي” يقع في هذا الشرك بعد قليل من بدايته. انه دراما عاطفية حول
عاشقين يلتقيان قبل أربع عشرة سنة (حين يبدأ الفيلم) يقعان في الحب. تبدو
الحياة بينهما آيلة إلى مستقبل عاطفي زاهر. فجأة تتدخل السلطة، عبر أحداث
ساحة تيانانمن، وتقمع قصة الحب (ولو بشكل غير مقصود) ما يفرّق الحبيبين
لعدة سنوات قبل لقائهما من جديد.
هذا كله
يبدو حالة رومانسية وردية بالنسبة لبعض المشاهدين، لكنه على الشاشة أقل من
ذلك، ويؤدي السعي المفرط في محاولة تجسيد وضع أمر معين إلى نتيجة معاكسة.
هنا، تطالعنا صور مشكّلة فنياً لكنها ذات تأثير حسّي محدود. أكثر من ذلك
يتحوّل الموضوع إلى متابعة تكاد لا تنتهي. الفيلم في 140 دقيقة مسهبة
وطويلة وأحياناً خالية من التطوّر بين كل مرحلة زمنية وأخرى.
(الريح
التي هزت الشعير)
إخراج:
كن لوتش
تمثيل:
سيليان مورفي، بادريز ديلاني، ليام كننجهام
بريطاني
للمخرج
البريطاني كن لوتش عادةً لمسات تبحث والوضع الانساني في مجتمع ملبّد بغيوم
ضغوط الحياة الاجتماعية والسياسية. وهذا الفيلم لا يختلف مطلقاً عن أفلامه
السابقة في هذا الاطار باستثناء أن الدراما تمتزج بالطرح السياسي ثم تذوب
فيه عوض العكس. حقيقة أن الفيلم يدهن بالطلاء الأسود كل الشخصيات
البريطانية لصالح كل الشخصيات الايرلندية تقريباً يجعله طرفاً غير محايد
ويؤثر سلباً على مصداقية الأحداث وعلى دفاع الفيلم عن الشخصيات التي يراها
كضحية للوضع الذي كان سائداً. وحقيقة أن الأحداث تقع في عشرينات القرن
الماضي يجعل السؤال المطروح حول لماذا على مشاهد اليوم استيعاب هذا الفيلم
ومشاهدته؟
انه حول
الشاب داميان (سيليان مورفي) الذي يستعد لترك ايرلندا والتوجه إلى لندن
بغية العمل كطبيب. لكنه يتعرض لما يقضي على استعداداته ويحوّل حياته عن
الهدف الذي كان وضعه نصب عينيه.
المفكرة
... استراتيجية
"دافنشي"
أخيراً
عرض “شيفرة دافنشي” الذي انتظره الجميع بحرارة. النقاد كما غيرهم يلجون
حالات من الحماس لمعرفة الحقيقة أو لمعرفة الخيال الذي يدّعي أنه مبني على
حقيقة أو يؤدي إليها. إنهم، والجمهور العام، يريدون الحكم في قضية الفيلم.
وقضية هذا الفيلم هي مدى صحّة الخطاب الذي يوجّهه للمشاهدين (والمستمدّة من
الخطاب الذي وجهّه الكتاب أصلاً الى القراء) وهو أن الكنيسة الكاثوليكية،
متمثّلة بالفاتيكان، تحاول إخفاء “حقيقة” مفادها أن المسيح كان تزوّج من
مريم المجدلية التي أنجبت منه وتم تهريبها الى فرنسا (هل كان هناك شيء اسمه
فرنسا آنذاك؟) حيث توالت سلالة المسيح الى اليوم.
لكي يصبح
الهراء مقبولاً، وما سبق ليس أكثر من ذلك، فإن على الوسيط الناقل أن يرسم
ابتسامة ما على شفتيه كمن يقول: أعلم أن هذا يبدو خيالاً فارطاً لكن دعونا
نسبر غوره قليلاً.
الفيلم من
إنتاج شركة “إيماجن” (أي “تصوّر”) التي يرأسها كل من برايان جرايزر والمخرج
رون هوارد ومن تبنّي وتقديم شركة “كولمبيا” وتوزيع شركة “سوني”. والذي
أدركه جميع المشتركين هو الحاجة الى استراتيجية عمل بخصوص “شيفرة دافنشي”.
الفيلم
وجد من البداية معارضة الهيئات والمؤسسات الدينية، وفي مقدّمتها الفاتيكان
(الذي يبدو في الفيلم أشبه بخلية مجرمين) وهو أمر كان في مصلحة الفيلم.
مثلما حدث في حالات سابقة، فالذين أحلّوا دم سليمان رشدي ساعدوا على ترويج
كتابه الكاذب والمنافق. وحين هاجم اليهود فيلم مل جيبسون “العشاء الأخير”
ساعدوا كثيراً على نجاحه. كان مطلوباً فقط توظيف معارضة الفاتيكان لمصلحة
الفيلم لاستقطاب الجمهور الكبير.
الذي لم
يكن بالحسبان هو التالي: المعارضة تنم عن اشمئزاز ورفض يشترك فيه مواطنون
عاديون في الكثير من بقاع العالم. كما أن الفيلم لا يمكن الدفاع عنه حتى
على افتراض أنه ليس سوى حكاية خيالية. إنه من الخفوت والقدرة على الاضمحلال
خلال عرضه بحيث إن الداخلين إليه المستعدين لتبنّي وجهة نظره إذا ما كانت
مقنعة يواجهون بشيء من الوعظ والمباشرة في الإلقاء والقليل جدّاً من حسن
الأداء والكثير جداً من التنفيذ السيئ. بذلك، لا يخفق الفيلم في توظيف
الهجوم عليه لعملية رابحة فقط (وأرقام الإيرادات خير برهان على صحة هذا
التنبؤ من عدمه) بل يخفق في تسجيل نقاط رابحة بين المشاهدين وجلبهم الى
افتراضاته.
“شيفرة
دافنشي” عمل غير مثير للإعجاب حتى من قبل أن يرى نور العرض في الدول
العربية. موزّع الفيلم ماريو حدّاد يقول لهذا الناقد بوضوح: “لن ير هذا
الفيلم نور العرض لا في لبنان ولا سوريا ولا مصر ولا الأردن”. على عكس
“العشاء الأخير” لمل جيبسون الذي خرج الى العروض العربية في وقت خروجه في
الولايات المتحدة، ليس هناك قبول جاهز لهذا الفيلم لأنه في حين أن فيلم مل
جيبسون يسرد حياة وآلام السيد المسيح فإن فيلم رون هوارد يسقط عنه القيمة
الروحانية الأساسية.
على ذلك،
لا بد من التساؤل حول ما إذا كان من حق أي جهة منع عرض أي فيلم لأي سبب.
وهناك رأيان في هذا الصدد. الرأي الأول أن الأوان آن ليختار الناس ما
يشاهدونه وما يقرؤونه وما يتفاعلون معه أو ضدّه. هذا الأوان في الحقيقة آن
منذ السبعينات وأصحاب الرأي من المثقفين والمبدعين استطاعوا الضغط أحياناً
فأنتجوا وأخرجوا أفلاماً عربية صعبة أو فرضوا عرض بعض الأفلام.
الرأي
الثاني يقول إننا شعب مختلف عن باقي الشعوب ولدينا ما يوجب التصرّف ولعب
دور الرقيب. المنع (او في حالات أخرى قص مشاهد من الفيلم) هو أهون سبيل
لقطع دابر الطريق عن كل ما يمكن أن ينتج من إثارة في الشارع. وعليه فإنه
عملية سريعة تضع المشاهدين المحتملين أمام الأمر الواقع. من يريد مشاهدة
الفيلم الممنوع ليشاهده في باريس أو لندن.
م.ر
merci4404@earthlink.net
|