كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

القبس في مهرجان كان الـ59: فشل في الإمساك بروح الرواية الأصلية ولم يخلق جوا أو غموضا

فيلم "شيفرة دافنشي": "بضاعة" من هوليوود في ورق سوليفان

كان ـ القبس من صلاح هاشم

عن فيلم

شفرة دافنشي

   
 
 
 
 

كان فيلم 'شيفرة دافنشي' الذي عرض في حفل افتتاح مهرجان 'كان' الدولي التاسع والخمسين بائسا ومملا ولم يعجبنا، والغريب ان ماكينة الدعاية الهوليوودية الجبارة التي لم تبخل عليه بالملايين، وتتجاوز ثلث ميزانية الفيلم (الذي تكلف اكثر من 125 مليون دولار) والتي انطلقت في عملها، وحتى قبل تصويره، استمرت كذلك حتى بعد عرضه، ويبدو انها ستظل دائرة هكذا لفترة، اقامت عدة سهرات صاخبة في 'كان' للاحتفال بنجومه بجوار البحر، ربما للترفيه عنهم، والتخفيف من صدمتهم بعد ان صفر للفيلم جمهور كان من النقاد.كنا نتوقع ان نشاهد عملا سينمائيا يدهشنا في حفل الافتتاح، بعد ان التهمنا الرواية وقرأناها بالانكليزية، وتابعنا تفاعلات صدورها، والمظاهرات التي خرجت في بعض الدول العربية والاسلامية من قبل المتعصبين الدينيين تطالب بحرقها، لانها تطعن كما قالوا في بعض مسلمات الديانة المسيحية، وتأتي بما اعتبره البعض زندقة، وتجديفا. يبدو الآن ان اي تعبير أو تفكير مخالف، في بعض المجتمعات التقليدية المتخلفة والمتعصبة، قد تكون عواقبه وخيمة. ياللرعب.

تخيلت ان 'شيفرة دافنشي' سيكون قنبلة في حفل الافتتاح، لكنه خيب أملنا. وتمخض الجبل عن فأرة.مشكلة الفيلم الذي لم يعجبنا، ان ماكينة الدعاية بالغت، واقول تهورت كثيرا في الدعاية للفيلم، ولم تترك ثغرة أو حتى هامشا صغيرا لكي نشغل عقلنا ونفكر ونتخيل.. لم تترك لنا فرصة للترقب والغموض، وعدم التوقع والدهشة، بل منحتنا كل شيء عن الفيلم، وقبل ان نشاهده، ووافقت على ان يتدخل كاتب الرواية في الفيلم، ويصبح منتجا منفذا وهذه وحدها لعنة. ولذلك كان لدينا اعتقادا جازما بأننا شاهدنا 'شيفرة دافنشي' من قبل، وعندما شاهدناه مع الحشد في كان صدمنا.

لا يوجد في 'شيفرة دافنشي' فن ولاسينما. انه مجرد 'بضاعة' هوليوودية نمطية ستاندار من العيار الثقيل ومجرد 'فرجة' استعراضية مقرفة. وتصيبك بالملل والاكتئاب، بضاعة مثل الاكل السريع، تمضغه بسرعة، وكأنه لم يكن، وتهضمه بأسرع مما أكلته، وبسرعة تنساه ايضا، مثل سندويتشات السكر في الخبز الحاف، ولايخلف اثرا. اذ لا يرقى 'شيفرة دافنشي' الى افلام الاثارة والغموض البوليسية الرائعة، التي شاهدناها من قبل عند هيتشكوك، وأورسون ويلز، وجون هيوستون وغيرهم. بل انه يخلو حتى من أبسط تسلية، ويبدو اصطناعيا ومسطحا وغير مقنع بالمرة.

فشل الفيلم.. لأن المخرج الاميركي رون هوارد أراد أن ينقل الرواية بحذافيرها، ولم ينجح في استلهام اجوائها، او الامساك بروح وتوهج العمل الاصلي، والمفروض في الفيلم الجيد، ان ينسيك العمل الاصلي، ويدفعك الى قراءة الرواية، كما دفع فيلم 'زوربا' للمخرج اليوناني مايكل كاكويانيس افراد جيل الستينيات في مصر الى الاقبال على رواية 'زوربا' وأعمال كازانتزاكيس الروائية الاخرى والتهامها. لم ينقل كاكويانيس احداث الرواية، بل امسك بروح العمل الادبي وتوهجه، ووظف عبقرية انتوني كوين في الاداء لتقمص دور زوربا في الفيلم، فصنع لنا فيلما ملهما. هنا يختار المخرج بدلا من نقل احداث الرواية ان يخلق جوا وغموضا وحالة أو يؤسس ل 'نظرة' مغايرة. ولأن الفن 'اختيار' سقط فيلم 'شيفرة دافنشي' لأنه خال من اي اختيار، فالمخرج هنا راح يلهث وراء 'تصوير' وقائع الرواية بكاميرا باردة جافة وبلا روح، فجاءت مشاهد الفيلم ايضا مسطحة وجافة وتصويرية وبلا كيان او روح، او حتى نسمة فن.

في 'شيفرة دافنشي' الذي ينتهي نهاية سعيدة صور كارت بوستال جميلة براقة لبرج ايفل في باريس في الليل، ومناظر مدهشة يا عيني في العاصمة لندن، ومطاردات مثيرة ثم تفقد تأثيراتها تدريجيا، وتدخيل لصور احداث تاريخية قديمة داخل نسيج الاحداث الواقعية التي يرويها الفيلم، الا ان كل تلك الابتكارات و'الحيل' قصد بها التحايل بأي وسيلة لصنع فيلم يعوزه الايقاع، والاستفادة من شهرة الرواية، واستثمار ذلك في 'فبركة' فيلم بسرعة على الجاهز.

مشكلة الفيلم ان كنت قرأت الرواية مثلي، انه نسخة مصورة جاهزة من الرواية، لكن ينقصها الحس والطابع والنفس الشخصي، الذي يتواري هنا في خلفية الصورة مثل شبح، بلا كيان.

تسأل أين المخرج وأين الفيلم ؟

مريم وسارة يعبران البحر

'شيفرة دافنشي' ليس الا محاولة سينمائية فاشلة لنقل رواية مثيرة بحذافيرها على الشاشة.بل ان الفيلم الذي يحكي عن جريمة قتل في اللوفر، ومحاولة اكتشاف الجناة التي يقوم بها عالم اميركي في علم الرموز بصحبة فتاة فرنسية، وتقودهما تلك المغامرة الى عدة اماكن ورحلات وشخصيات، يجعلنا، ومنذ اول لحظة في الفيلم، نركض ونلهث من كثرة استكشافاته العبقرية الملهمة لحل رموز الجريمة، وكلها ثرثرات وحوارات عقيمة بين توم هانكس واودري توتو بطلي الفيلم، وكله ديالوغات لشرح تلك الالغاز، المتضمنة في الرواية، والوصول الى استنتاجات تضرب بعرض الواقع والتاريخ، وتخلط ما بين الحقيقة والخيال، ويمكن بعد رحلة متعبة انهكتنا ان نتبين رسالته. يريد ان يقول الفيلم ان الكنيسة أعلى سلطة دينية مسيحية والفاتيكان انحازت وتبنت، لكي تحافظ على سلطتها ومركزها، انحازت لانجيل واحد من عدة اناجيل، ولم تتورع عن ارتكاب الجرائم والموبقات لكي تجعل من المسيح ابن الانسان الها، وتستمر من خلال ذلك في استغلال المسيحيين. في حين ان بعض الاناجيل الاخرى تحكي عن مسيح آخر انسان، وتتضمن اشارات وأسرارا تخصه وربما تعنينا، منها انه تزوج من مريم المجدلية، وانجب منها ابنة تدعى سارة، وغادر الاثنان مريم وسارة فلسطين، وركبا البحر الابيض المتوسط، وحطا على الشاطئ الفرنسي، هناك عند مدينة سانت ماري دو لامير على البحر، التي بنى فيها الغجر كنيسة لمريم المجدلية. ويشير الفيلم الى دور مريم المجدلية في انتشار الديانة المسيحية، حيث كانت اقرب الناس الي قلب يسوع المسيح بن مريم، وكانت اول من شاهده يقوم ويبعث من الاموات، فراحت تبلغ عن الامر.

تفسير وشرح

كما يحكي الفيلم عن عدة اشخاص كانوا يعلمون هذا السر (علاقة المسيح بمريم المجدلية) الذي حاول الفاتيكان اخفاءه، من ضمنهم فنان عصر النهضة العظيم ليوناردو دافنشي، والشاعر الفرنسي فيكتور هيغو، والدليل على ان ليوناردو كان يعلم بذلك السر، هو ابتسامة الموناليزا ولوحة العشاء الاخير. ويشرح الفيلم من خلال تشريح اللوحة كيف ان اسطورة 'الكاس المقدس' تشير الى مثلث خفي، وانه يشير الى شكل الجهاز التناسلي عند المرأة، كما ينتهي الفيلم بعد تفسير وشرح ـ بالرغي والثرثرة الفارغة والكلام وكأننا في درس لتعليم اللغة الهيروغليفية، ولابد من التركيز ـ وما ادراك من درس يطول فيه الشرح الى حد الملل والتململ ـ ويروح فيه توم هانكس يشرح ومن بعده اودريه توتو تعقب، ويظل الاثنان يفسران ويتكلمان معا طوال الفيلم، حتى تزهق و'تطلع روحك' وتصرخ خلصونا.

ينتهي الفيلم ـ برافو هوليوود ـ نهاية سعيدة ايضا، مثل كل الافلام الخارجة من المصنع الهوليوودي وهو فيلم نظيف لامع وبراق وبممثلين نجوم ودكتور في السيناريو، ونكتشف في النهاية السعيدة مع البطلة انها بنت حسب ونسب، وسليلة بعض الاسر الملكية التي حكمت فرنسا، وانها منحدرة من عائلة ستنا سارة ابنة مريم المجدلية وها هي تترك بطلنا حبيبها الاميركاني في الفيلم وتودعه كي يعود اخيرا الى حبيبته اميركا، وينبهها البطل في آخر لقطة الى ان المهم في الحياة ما يؤمن به المرء، ولا ينبغي ان ينشغل بأي افكار او معتقدات او مؤمرات اخرى، عليه فقط ان يبحث عما يؤمن به، ويؤمن به، وليذهب العالم الى الجحيم... والملاحظ في معظم الافلام الناجحة المأخوذة عن روايات، ان المخرج لا يعنى بالتفاصيل والاحداث، بل يسعى الى بناء جو او خلق وجهة نظر او تشكيل حالة غموض. السينما في الاساس تلميح، وليست تصريحا، ولن تجد في 'شيفرة دافنشي' تلميحا بل سلسلة طويلة من التصريحات، عن أسرار ومؤمرات والغاز ورموز.

حادثة وأجواء توتر

وهنا يطرح البعض سؤالا. لماذا نجحت بعض الافلام المأخوذة عن اعمال ادبية وفشل فيلم شيفرة دافنشي ؟. في فيلم 'مع سبق الاصرار' الاميركي المأخوذ عن رواية للاميركي ترومان كابوت مثلا، نجد انه نجح لأنه لم يعتمد على نقل احداث الرواية، بل سعى الى خلق 'جو' خاص في الفيلم عكس مناخات القرى الجنوبية الاميركية في اعماق الريف الاميركي بظلمها وعنصريتها وتزمتها وكراهيتها للسود، ولم يكن العبد الاميركي الانسان الاسود تحرر بعد، او حصل على حقوقه المدنية.

عكس الفيلم جو الحالة التي يخلقها عند ذلك الفضاء المظلم الملبد بالسحب والذي يمتد في الفيلم الى ما لا نهاية ويرعبنا ويرعب الناس، ففي اجواء التوتر هذه قد تقع حادثة او جريمة سطو، وقد نجح الفيلم الى حد كبير في الهروب من مطب نقل احداث الرواية كما وضعها ترومان كابوت على الشاشة، واكتفى باختيار بعض الاحداث الاساسية، والتركيز على خلق هذا الجو العصبي الهستيري، بل ان الفيلم تفرد عن الرواية بهذا 'الجو' الذي جعل الفيلم اشبه ما يكون بفيلم تسجيلي واقعي رائع، وكأنه صور في مكان الجريمة، كما نجح بفضل استخدام ممثلين غير محترفين في الفيلم. وهي جميعها عوامل افتقدها فيلم 'شيفرة دافنشي' لكي يحقق اي نجاح او يجعلنا نتعاطف معه.

لم يخلق 'شيفرة دافنشي' جوا او حالة او اي غموض، فبدا تافها وبلا قيمة، وغرق في بحر 'كان' على البحر من أول غطسة.

ولنا وقفات اخرى قادمة في 'القبس' مع أفلام ووقائع المهرجان الكبير.

القبس الكويتية في

20.05.2006

 
 

بعد عرض الفيلم فى افتتاح "كان" أكبر مهرجانات العالم

هل نبحث عن حل شفرة دافنشى أم شفرة أزمة المجتمع والثقافة؟

نقد سينمائى: أحمد يوسف 

نعرض فيلم شفرة دافنشي أم لا نعرضه؟ هذا هو السؤال!، وكأننا جميعاً نعيش تلك الحالة من القلق التى اعترت هاملت، الذى كان يشم رائحة العفن فى كل مكان لكنه ظل زمناً طويلاً عاجزاً عن الفعل، واكتفى مثلنا بادعاء الجنون المستفز تارة لعله يدفع الأشرار للاعتراف بأفعالهم أو التراجع عنها، وتارة أخرى بتلك المونولوجات الطويلة التى كانت تعبر عما يجيش فى روحه وعقله من انفعالات وأفكار متضاربة.

الغريب فى هذا الأمر كله أن أصحاب القضية فى الغرب قرروا عرض الفيلم، بل أنه مثل أيضاً افتتاحاً لمهرجان كان هذا العام، واختلفت ردود الافعال بين الترحيب بكل الآراء تحت راية حرية الإبداع، أو الدعوة لمقاطعة الفيلم، أو اتخاذ الفيلم نقطة انطلاق لحملة تبشير واسعة بالمعنى الحرفى للكلمة يحاول فيها المؤمنون ترسيخ العقيدة لدى المتشككين فيها.

وفى الفرق الهائل بين موقفنا وموقفهم يتجسد ذلك الحال الرث الذى وصلنا إليه على كل المستويات، فهم يتعاملون مع الواقع ونحن نهرب منه، وهم جعلوا الفيلم والرواية التى يعتمد عليها ذريعة لمناقشة إيجابية تعبر عن حيوية الحياة والثقافة، بينما اكتفينا نحن ببضع عبارات غامضة مبهمة تخلط على نحو مفزع بين الأمور، وكأننا نعيد تدوير الشعارات الفارغة من المعنى والأفكار المشوشة، التى جعلت من الرواية والفيلم نوعاً من الخيال العلمي عند البعض وهى رؤية تعبر عن الجهل الكامل بطبيعة الرواية، لذلك فإن من الواجب عند هؤلاء ضرورة عرض الفيلم باعتباره إبداعاً فنياً خالصاً.

كما قارن البعض الآخر بين شفرة دافنشي وفيلم الإغراء الأخير لسكورسيزى المأخوذ عن رواية كازانتزاكس الشهيرة، بدعوى أن هذه الأخيرة ألمحت وهو أمر ليس صحيحا بالمرة إلى علاقة شاذة بين المسيح والحواريين بما يصل إلى درجة الهرطقة المنحطة، بينما تمثل رواية كازانتزاكس عند من قرأها أرقى نموذج لتصوير المسيح باعتباره ثورياً حمل صليبه على كتفه واختار الاستشهاد رغم كل الإغراءات الدنيوية التى تدعو إلى الجنة الآن من أجل إنجاز رسالته.

أفزعنى وأصابنى بالمرارة ذلك الخليط من الأفكار والمواقف الجاهزة التى لم تقرأ شفرة دافنشي أوالإغراء الأخير ولكنها لم تتردد لحظة واحدة فى أن تدلى بدلوها فيهما وفى القضية المثارة حول عرض الفيلم أو عدم عرضه، إنه الفزع والمرارة اللذان لا ينبعان فقط من هذه القضية الآنية لكنهما فى الحقيقة ينبعان من طريقتنا فى التفكير وتناول كل أمور حياتنا، وهى طريقة تعتمد على الاستسهال والأحكام المسبقة، والتعامل مع واقعنا بالقطعة دون بذل جهد حقيقى فى أن نضع الجزئيات فى سياقها الكلى الشامل، ودون أن ندعو أهل الخبرة والعلم الذين يجب ألا ينتظروا الدعوة لكى يبحثوا بجدية ما يتعلق باختصاصهم، وإن أردت مثالاً من واقعنا فخذ عندك أزمة القضاة التى كان من المفترض أن تكون فرصة حقيقية لكى تلقى الضوء الكاشف على أزمة الدولة، ليس فقط فى ذلك السعار الأمنى المجنون الذى يواجه رجال القانون وبضع مئات من المتظاهرين المحتجين، وإنما كان الواجب أن نفرد المساحات الكافية لأهل الفتوى حتى يشرحوا بلغة سهلة مبسطة ومسألة بساطة اللغة أمر حيوى للغاية كيف أنه لاتوجد لدينا دولة بالمعنى الحقيقى للكلمة فى ظل غياب استقلال السلطات.

وإن شئت مثالاً آخر أكثر مرارة فهو أن السواد الأعظم من الناس الذين ندافع عنهم لا يعلمون بوجودنا، ليس لأنهم مقصرون بل لأن التقصير يقع على عاتقنا لأننا لم نبذل جهداً حقيقياً للوصول إليهم عبر كل القنوات والوسائل التقليدية وغير التقليدية، وبالمناسبة فإن صحف المعارضة كما يطلقون عليها تكاد لا يقرأها إلا الذين يعرفون ما فيها قبل أن يقرأوها.

فلنعد إلى فيلم شفرة دافنشي الذى كتب له السيناريو أكيفا جولدسمان وأخرجه رون هوارد، وهما بذاتهما كاتب ومخرج فيلم عقل جميل والرجل السيندريلا، هذان الفيلمان اللذان تمنى كاتب هذه السطور أن يتصدى لهما علماء الرياضة التقدميون لكى يشرحوا لنا ما هى نظرية اللعبة التى اعتمد عليها الفيلم الأول وبهر بها نقادنا، والمؤرخون والاقتصاديون لكى يعرضوا لنا حقيقة اسباب ونتائج أزمة الرأسمالية فى الثلاثينات التى دارت أحداث الفيلم الثانى على خلفيتها، لكن أحداً من أولئك وهؤلاء لم يعبأ بأن يكتب النقاد المصريون بوجه خاص، وفى اختلاف حتى عن النقاد الأمريكيين أنفسهم عن الفيلمين بإعجاب منقطع النظير فى الشكل والمضمون على السواء. وربما تمر أزمة عرض شفرة دافيشي أو عدم عرضه دون أن يتصدى المؤرخون لدينا لما جاء فى الرواية والفيلم، وأرجو أن ينتبه بعض نقادنا إلى أن دان براون مؤلف الرواية الأمريكى قد وضع فى صدر روايته صفحة تحمل عنوان حقيقة بالحروف الكبيرة يقول فيها بالحرف الواحد: كل ماجاء فى هذه الرواية بصدد وصف الأعمال الفنية والمعمارية والوثائق والطقوس الدينية السرية هو وصف يتسم بالدقة، بما يوحى بأنه يعتمد على حقائق تاريخية حتى أن صحيفة يو إس توداي وصفت الكتاب بأنه حقيقة تاريخية فى شكل رواية معاصرة. وإليك هذه الحقيقة المزعومة باختصار: ظل الناس ينظرون إلى المسيح بوصفه بشراً فانياً حتى قرر الامبراطور الرومانى كونستانتين فى القرن الرابع الميلادى ولأسباب شائنة خاصة به تأليه المسيح، كما تؤكد الرواية أن المسيح تزوج من مريم المجدلية التى أصبحت أماً لأطفاله الذين انحدرت منهم سلالة لا يزال أبناؤها يعيشون بيننا، وأن يسوع أراد أن تقود المجدلية الكنيسة من بعده لكن المجتمع الذكورى وكم سيفرح دعاه الفيمينيزم بهذا التفسير! قمع هذه الفكرة حتى أنهم وصموا المجدلية بأنها لم تكن إلا عاهرة.

كما تعتمد الرواية على حقيقة تاريخية مزعومة أخري، بأنه قد تأسست فى عام 1099 منظمة سرية تحمل اسم دير صهيون حاولت أن تعيد للمجدلية حقها المسلوب، وأن من أتباع هذه المنظمة عبر العصور شخصيات مثل إسحق نيوتن وفيكتور هيجو وليوناردو دافنشى وسوف نتوقف عند دافنشى لاحقاً، بينما الحقيقية التاريخية المؤكدة أنه لم يكن لأية جمعية باسم دير صهيون وجود إلا فى عام 1956 حين زعم نصاب فرنسى ليس فى الوصف أية مبالغة يدعى بيير بلانتار أنه سليل يسوع والمجدلية، وأن له بسبب ذلك حقاً فى عرش فرنسا!، ليعترف فيما بعد بأنه اختلق هذه الكذبة اختلاقاً وقام بتزوير بعض الوثائق. لكن ما دخل دافنشى وشفرته المزعومة بكل ذلك؟ هنا تبدأ أحداث الرواية التى يقوم ببطولتها شيرلوك هولمز معاصر يدعى روبرت لانجدون يحقق فى جريمة قتل أحد القائمين على ترميم لوحات متحف لوفر، ومن خلال العديد من الألغاز المفتعلة يصل المخبر السرى إلى الحقيقة: عندما رسم دافنشى لوحة العشاء الأخير فإنه قد وضع المجدلية على يمين يسوع بما يؤكد زعم جماعة دير صهيون، بينما يؤكد كل مؤرخى الفن أن القديس يوحنا الذى كان لايزال شاباً غضاً هو الموجود فى اللوحة إلى جانب المسيح، ولأن هناك فى اللوحة اثنى عشر شخصاً حول يسوع وبفرض وجود المجدلية وسطهم فأين ذهب الحوارى الثانى عشر؟!

فلنعد إلى سؤال البداية: هل نعرض الفيلم أم لا نعرضه؟!، وهل ينبغى أن نلقى بالعبء على جهة بعينها لكى تتحمل المسئولية؟ أم أن ذلك الأمر يجب أن يصبح الفرصة المثلى لكى يقوم النقاد والمتخصصون بالواجب عليهم فى إلقاء الضوء على شكل الفيلم ومضمونه، دون ذلك الاستسهال المعتاد فى صحافتنا بأن يكتب كل منا رأيه دون أن يستند إلى دراسة جادة تدعم هذا الرأي؟ وفى الحقيقة إن كانت هذه السطور لا يمانع لحظة واحدة بل إنه يدعو إلى ذلك فى أن توضع كل الأفكار والمعتقدات والأساطير فى إطار البحث العلمى التاريخي بشرط أن يكون علمياً وتاريخياً بحق، وأن تكون كل الاجتهادات مفتوحة للبحث دون الزعم بأنها الحقيقة التاريخية دون الاستناد لمنهج علمى حقيقي. لقد قرأ كاتب هذه السطور آلاف الصفحات حول التاريخ اليهودى كما يحكيه العهد القديم، والدراسات التى تفنده أو تراجعه أو تدعمه وتعتمد على الأنثروبولوجيا أو الفيلولوجيا ومناهج التأويل، مثل دراسات جيمس فريزر وفرويد وفلايكوفكسى وكمال صيلبى وسيد القمنى وعاطف عزت وغيرهم، لكن معظم هؤلاء لم يزعموا أنهم يملكون الحقيقة وحدهم، غير أن أحد الهواة المحترفين خرج علينا أخيراً بنظرية تزعم أن إخناتون هو نفسه موسي، ويخطط للاشتراك فى فيلم يحكى لنا رؤيته التى ليست إلا انتقاء عشوائياً من الدراسات السابقة عليه، عنئذ سوف نسأل نفس السؤال: هل نعرض هذا الفيلم أم نمنع عرضه؟. لكن كل ما أرجوه حقاً مرة أخرى أن تكون هذه هى الفرصة لكى نأخذ أمورنا بالمنهج العلمى الجاد، ونشعر بصدق بأن الكلمة مسئولية تقتضى بذل الجهد الذى يمنح البعض منا فرصته لنشرآرائه العشوائية باعتباره مثقفاً، فى عصر فقدت فيه كلمة الثقافة وكلمات أخرى معناها!

العربي المصرية في

21.05.2006

 
 

المفكرة ... استراتيجية "دافنشي" 

أخيراً عرض “شيفرة دافنشي” الذي انتظره الجميع بحرارة. النقاد كما غيرهم يلجون حالات من الحماس لمعرفة الحقيقة أو لمعرفة الخيال الذي يدّعي أنه مبني على حقيقة أو يؤدي إليها. إنهم، والجمهور العام، يريدون الحكم في قضية الفيلم. وقضية هذا الفيلم هي مدى صحّة الخطاب الذي يوجّهه للمشاهدين (والمستمدّة من الخطاب الذي وجهّه الكتاب أصلاً الى القراء) وهو أن الكنيسة الكاثوليكية، متمثّلة بالفاتيكان، تحاول إخفاء “حقيقة” مفادها أن المسيح كان تزوّج من مريم المجدلية التي أنجبت منه وتم تهريبها الى فرنسا (هل كان هناك شيء اسمه فرنسا آنذاك؟) حيث توالت سلالة المسيح الى اليوم. 

لكي يصبح الهراء مقبولاً، وما سبق ليس أكثر من ذلك، فإن على الوسيط الناقل أن يرسم ابتسامة ما على شفتيه كمن يقول: أعلم أن هذا يبدو خيالاً فارطاً لكن دعونا نسبر غوره قليلاً.

الفيلم من إنتاج شركة “إيماجن” (أي “تصوّر”) التي يرأسها كل من برايان جرايزر والمخرج رون هوارد ومن تبنّي وتقديم شركة “كولمبيا” وتوزيع شركة “سوني”. والذي أدركه جميع المشتركين هو الحاجة الى استراتيجية عمل بخصوص “شيفرة دافنشي”.

الفيلم وجد من البداية معارضة الهيئات والمؤسسات الدينية، وفي مقدّمتها الفاتيكان (الذي يبدو في الفيلم أشبه بخلية مجرمين) وهو أمر كان في مصلحة الفيلم. مثلما حدث في حالات سابقة، فالذين أحلّوا دم سليمان رشدي ساعدوا على ترويج كتابه الكاذب والمنافق. وحين هاجم اليهود فيلم مل جيبسون “العشاء الأخير” ساعدوا كثيراً على نجاحه. كان مطلوباً فقط توظيف معارضة الفاتيكان لمصلحة الفيلم لاستقطاب الجمهور الكبير.

الذي لم يكن بالحسبان هو التالي: المعارضة تنم عن اشمئزاز ورفض يشترك فيه مواطنون عاديون في الكثير من بقاع العالم. كما أن الفيلم لا يمكن الدفاع عنه حتى على افتراض أنه ليس سوى حكاية خيالية. إنه من الخفوت والقدرة على الاضمحلال خلال عرضه بحيث إن الداخلين إليه المستعدين لتبنّي وجهة نظره إذا ما كانت مقنعة يواجهون بشيء من الوعظ والمباشرة في الإلقاء والقليل جدّاً من حسن الأداء والكثير جداً من التنفيذ السيئ. بذلك، لا يخفق الفيلم في توظيف الهجوم عليه لعملية رابحة فقط (وأرقام الإيرادات خير برهان على صحة هذا التنبؤ من عدمه) بل يخفق في تسجيل نقاط رابحة بين المشاهدين وجلبهم الى افتراضاته.

“شيفرة دافنشي” عمل غير مثير للإعجاب حتى من قبل أن يرى نور العرض في الدول العربية. موزّع الفيلم ماريو حدّاد يقول لهذا الناقد بوضوح: “لن ير هذا الفيلم نور العرض لا في لبنان ولا سوريا ولا مصر ولا الأردن”. على عكس “العشاء الأخير” لمل جيبسون الذي خرج الى العروض العربية في وقت خروجه في الولايات المتحدة، ليس هناك قبول جاهز لهذا الفيلم لأنه في حين أن فيلم مل جيبسون يسرد حياة وآلام السيد المسيح فإن فيلم رون هوارد يسقط عنه القيمة الروحانية الأساسية.

على ذلك، لا بد من التساؤل حول ما إذا كان من حق أي جهة منع عرض أي فيلم لأي سبب. وهناك رأيان في هذا الصدد. الرأي الأول أن الأوان آن ليختار الناس ما يشاهدونه وما يقرؤونه وما يتفاعلون معه أو ضدّه. هذا الأوان في الحقيقة آن منذ السبعينات وأصحاب الرأي من المثقفين والمبدعين استطاعوا الضغط أحياناً فأنتجوا وأخرجوا أفلاماً عربية صعبة أو فرضوا عرض بعض الأفلام.

الرأي الثاني يقول إننا شعب مختلف عن باقي الشعوب ولدينا ما يوجب التصرّف ولعب دور الرقيب. المنع (او في حالات أخرى قص مشاهد من الفيلم) هو أهون سبيل لقطع دابر الطريق عن كل ما يمكن أن ينتج من إثارة في الشارع. وعليه فإنه عملية سريعة تضع المشاهدين المحتملين أمام الأمر الواقع. من يريد مشاهدة الفيلم الممنوع ليشاهده في باريس أو لندن. 

الخليج الإماراتية في

21.05.2006

 
 

شيفرة دافنشي الفيلم ليس أفضل حالا من الرواية:

لهاث ومطاردات مملة في كنائس أوروبا ورون هاوراد في بحثه عن الاشباح نسي جماليات اللوفر وباريس في الليل!

ابراهيم درويش

قرأتم الرواية والان جاء الفيلم. في الرواية الكثير من الكلام ولا مشاهد، في الفيلم صور كثيرة ولكن دون قصة. دان براون ليس كاتبا عظيما، ويعترف ان ما قدمه في كتابه الشهير جدا، شيفرة دافنشي، ليس جديدا بل هو معروف منذ زمن طويل. توم هانكس لا علاقة له بشخصية لانغدون. هذه هي الانطباعات الاولي التي تسجل عن فيلم شيفرة دافنشي ، القائم علي الرواية الذائعة الصيت التي كتبها دان براون. ولكن ما يميز الفيلم الجديد القائم علي الرواية هو انه يواصل تقاليد الاوصاف العظيمة عن العمل، فكل شيء فيه يشير للاعظم والاكبر ، فالرواية باعت اكبر الارقام (40 مليون نسخة)، والرواية هي عن الافكار الكبيرة عن الدين، والفيلم هو اضخم افلام العام ، والعبارة الاخيرة ليست في محلها، لان الفيلم وعلي الرغم من مواقف العديد من الجماعات المسيحية منه، فهو ليس كبيرا او عظيما، بل اسوأ من الرواية التي يعترف كاتبها ان افكارها ليست جديدة. وقد المحنا في قراءة سابقة الي ما قاله الروائي والناقد الايطالي المعروف امبرتو ايكو من ان الفكرة عن السر الدفين في المسيحية معروفة في دائرة الشائعات منذ قرون، والتقطها دان براون وحولها الي قصة باعت الملايين. دان براون كان في الاخبار طوال العام، فقد خاض معركة قضائية مع مؤلفين اتهماه بسرقة الكثير من افكارهما وما ورد في كتابهما، وخسر الكاتبان القضية لصالحه ثم جاء الفيلم الذي بدأت عروضه البريطانية يوم الجمعة ولقي احتفاء باردا من النقاد في مهرجان كان السينمائي الدولي.

قصة شيفرة دافنشي، صارت معروفة وجزءاً من المعزوفة الشعبية عن المؤامرات التاريخية، والفيلم الجديد هو محاولة لتحويل المؤامرة الي قصة بصرية، خاصة ان معركتها الاولي تبدأ في متحف اللوفر الفرنسي، وجريمة قتل تقود الي تحقيق وملاحقات طويلة. في مركز القصة، السر، الذي ضمنه ليورنادو دافنشي في عمله الفني الشهير العشاء الاخير عن العلاقة بين السيد المسيح ومريم المجدلية، وفكرة العلاقة الجسدية بينهما، مما يؤدي الي نزع القداسة عن اخص المعتقدات المسيحية، وعن المسيح الفادي، ولهذا السبب عارضت الكثير من الدول عرض الفيلم واستنكرته الكنيسة المسيحية، باعتباره تجديفا، وهجوم الكنيسة علي الفيلم علي طرف النقيض لاحتفائها بفيلم آلام السيد المسيح الذي استعرض بصورة قاسية صورة السيد المسيح في طريق الآلام قبل الصلب.

كل هذا يعزز الشعور بان شيفرة دافنشي هو عن النفج والنفخ ، فبراون ليس كاتبا ولا مفكرا اصيلا، المشكلة في فيلم دافنشي انه لا يوجد لديه ما يقوله فيما لا لايوجد لدي بروان ما يقدمه لجمهور قرائه.

الفيلم الجديد سلمته هوليوود الي المخرج المعروف رون هاوارد، وهو الذي قدم فيلما جميلا عن اسرار وجنون عالم الرياضيات المعروف جون ناش، في فيلم عقل جميل لكن قدرات هوارد علي تفكيك شفرة دافنشي لم تحظ باجماع، فالنقاد والقراءات التي قدمت عن الفيلم علي جانبي الاطلنطي عبرت عن خيبة الامل بالفيلم، الطويل والممل، بلا حبكة او قصة تجمع اطرافه.

رواية براون يطلق عليها اسم اقلب الصفحة لان احدا لا يرغب في تضييع وقته واكمال صفحات الرواية، وهنا في الفيلم الذي يعتبر اول تعاون بين توم هانكس، وهوارد منذ ان مثل الاول في فيلم ابولو 13، هو بمثابة نم في المشهد ، وهو ليس احسن من نص الرواية. ومع ان نص الفيلم كتبه يهودي هو اكيفا غولدزمان، وتعاون فيه براون نفسه حيث كتب عددا من الاغاني للفيلم، وظهر اسمه في نهاية الفيلم شيفرات اضافية: دان براون ، الا ان لا أحدَ من الذين شاهدوا الفيلم وكتبوا عنه أُعجبَ به، فهو قطعا ليس فيلم الصيف الذي تجب مشاهدته.

يبدأ الفيلم بمشهد يجمع بين ما يشبه المحاضرة عن فكرة الرمز او الايقنة والعمل المشبوه في متحف اللوفر، وفي مركزه توم هانكس (روبرت لانغدون)، فالمتحف يشهد عملية اغتيال لمديره وقيمه العجوز جاك سونيه (جان - بيير مارييل) حيث يقتله الراهب سيلاس (بول بيتاني). قبل ان يلفظ انفاسه يزودنا سونيه بعدد من المفاتيح التي ستقود الي حل لغز اغتياله وكلها كتبها بدمه وتدور حول لوحات فنية. المحقق الكابتن فاشيه (جون رينو) يحضر الي مشهد الجريمة لانغدون وصوفي نيفو (اودري توتو)، والسبب الذي يجعل الكابتن فاشيه يحضر هذين الشخصين هو ان لانغدون، استاذ علم الرمزيات والشيفرات في جامعة هارفارد كان صديقا لسونيه، اما صوفي فهي خبيرة في الشيفرات والخطوط وحفيدة القتيل. بعد جمع الادلة من مكان الحادث، يختفيان لمدة يومين حيث يتواصلان بالاشارات ويتحدثان عن الكثير من القضايا، الكأس المقدسة، نشوء المسيحية. ويبدو ان وراء دعوة الكابتن فاشيه للاستاذ الامريكي محاولته لتلبيسه القضية لولا هرب لانغدون مع نيفو، حيث يلاحق المشاهد محاولات الاثنين الهرب من ملاحقة الشرطة الفرنسية والبريطانية. ومع ملاحقة محللي الشيفرات لادلة ومفاتيح عن الادلة غالبا ما تقود الي اكتشافات غريبة وعجيبة ومواجهات في كنائس في انكلترا واسكتلندا وفرنسا. شيفرة دافنشي الفيلم والرواية هو فيلم عن المؤامرة التي لا تقبل اي شيء في ظاهره، اي لا تعترف بالتاريخ، وتعرف ان هناك قوي تعمل في الظلام منذ الفي عام لحماية سر وحجبه وخداع الجماهير. اي ان الكنيسة المسيحية خدعت المؤمنين الذين آمنوا بقداسة وقدسية السيد المسيح، في الوقت الذي تقوم به جمعية سرية اوباس دي تضم رجالا أخياراً ومن اصحاب القلم والريشة والفكرة اسحق نيوتن، ليوناردو دافنشي، وقيم المتحف من بين عدد آخر يعملون علي حماية احفاد المسيح الانسان وعروسه مريم المجدلية. فيلم شيفرة دافنشي يجمع في حبكته بين الفيلم الذي مثل فيه هاريسون فورد انديانا جونز وسلسلة افلام هاري بوتر . وفيه ايضا شبه بآلام المسيح، خاصة ان الراهب القاتل سيلاس الذي ينقل تقاريره الي رئيس جماعة اوباس دي، الاسقف مانويل ارينغاروسا الفريد مولينا فيما يقوم الراهب سيلاس بقتل الراهبات، وجلد وتعذيب نفسه بطريقة تذكر بميل غيبسون في آلام السيد المسيح .

لم يحظ فيلم شيفرة دافنشي بتعليق جيد، بل علي العكس، تسابق النقاد في نحت كل الاوصاف المشينة المرتبطة به، فهذا معلق يصف الفيلم بانه قاتم، موحل، وصور الاشباح التي تحوم حول كنيسة ويسستمنستر لحضور جنازة اسحق نيوتن، محرجة واضاف قائلا ان استعادة الماضي البيزنطي والحروب الصليبية ومحاكم التفتيش تذكر بافلام يصنعها عادة طلاب مدارس الفيلم. اما ناقد اخر، فقد كتب يقول يا للحسرة، هذا ليس فيلماً تجب مشاهدته في الصيف، بل هو فيلم مثير للحسرة ومخيب للآمال من البداية حتي النهاية .

وفي نقد اخر الكتاب (شيفرة دافنشي) الذي تلاحقك تفاهته داخل الغرفة، رواية عقيمة، واهانة لقرائها من اصحاب الاعمار المتوسطة الذين يعيشون في اوهايو الامريكية ويفكرون بزيارة اوروبا لاول مرة .

ولم يساعد هذا اداء توم هانكس الذي يبدو وكأنه لم ينس دروه في فيلم فوريست غام ، في مشهد مثير للضحك، عندما كان هانكس ملاحقا وتوتو في شوارع لندن، يتذكر قائلا يجب ان اسرع نحو المكتبة ، وفي مشهد اخر عندما يكتشف اهمية لوحة موناليزا لتحقيقه، تشير عليه نيفو ان اللوحة معلقة هناك ، كما يقول هانكس في مناسبة اخري يبدو انني دخلت في شيء لا اعرفه ، وهو تعبير واضح عن حيرة هانكس ومخرجه الذي لا يعرف التعامل مع الافلام القوطية او افلام الاثارة البوليسية. هناك اجماع علي ان توم هانكس لم يقدم عمقا للقصة، بل ان معالجة الفيلم لشخصية لانغدون، اقل تفصيلا ووضوحا من حضورها في الرواية. سير ايان ماكلين سير لي تيبنغ ، الخبير بالكأس المقدسة كان اداؤه جيدا، خاصة عندما شرح لتوتو رمزية العشاء الاخير الذي كان في مركز كتاب ورواية براون. لانغدون لايفتح فمه الا ويعطي محاضرة او يرمي نكتة بين الفينة والاخري. قد يكون هانكس مناسبا للدور هذا الا ان شخصيته لا عواطف فيها او عمقاً، وبالنسبة لتوتو فقد تصلح لفيلم كوميدي اكثر من فيلم اثارة وبوليسي. ولكن ما يميز هذا الفيلم انه وضع الرواية في مركز الانتباه وكشف اسرارها.

مشكلة هوارد انه تعامل مع نص كتبه دان براون، الذي كان مهتما اكثر بالاثارة او الامتاع، ويتعامل مع التاريخ عبر فكرة الكلمات المتقاطعة، ويريد امتاع قرائه بطريقة الدليل السياحي الذي يريد تقديم كل شيء تعلمه خلال عمله كدليل، ولهذا السبب لم ينجح كاتب النص في بناء سيناريو الفيلم بحيث يقدم لنا المعلومات الضرورية لفهم لغز الاثارة هذا.

فمسار الفيلم يقوم علي خط واضح، ملاحقات في السيارات وبعدها اطلاق رصاص وهكذا، وحتي مشاهد الحركة هذه لا تؤدي لتصاعد التوتر في الفيلم بل تؤثر عليه. المشكلة الاخري في الصور المستعادة او الفلاش باك التي وان سمحت لهوارد بالحرية للحديث عن تاريخ الكنيسة وحياة ابطال الفيلم الا انها تشبه الاحلام او اضغاث الاحلام. هاوراد وان تعامل مع سيناريو مركزه متحف اللوفر، الا انه لم يستخدم جماليات الفن بما فيه الكفاية، باريس في الليل مثلا، ولهذا جاء الفيلم باردا ومملا. لان الفيلم عن الحبكة والقصص الكثيرة فهو بلا بطل ولا شخصية رئيسية، وانتهي الفيلم الي ملاحقة، ولهاث، واحاديث عابرة عن الدين، والرموز، ولكن بلا حس درامي يصنف الفيلم كنوع من الاثارة البوليسية الجادة، ومن اراد فعلا قراءة عمل يحمل هذا الحس الدرامي الوسيطي، فعليه العودة الي اعمال امبرتو ايكو، خاصة اسم الوردة . ليس هناك حاجة للتذكير بالاطار التاريخي للرواية والعمل، فهذا صار معروفا ومتاحا لكل من قرأ العمل، ولكن ما اجمع عليه كل النقاد ان فيلم هوارد لم يرق الي فيلم يجعله فيلم الافلام في موسم الصيف القادم، وما دام كل شيء اصبح تحت الشمس، فلننتظر تموز (يوليو) موسم افلام هوليوود لنعرف مصير هذا الفيلم الذي يداور في منطقة اللامعلوم ويلهث في مدن وكنائس اوروبا. ظاهرة شيفرة دافنشي استدعت الكثير من الردود و الكتابات الكثيرة عن اصالة العمل، والدفاع عن العقيدة المسيحية، ضد هرطقات الرواية، ولكن ظاهرة الرواية تظل مدعاة للتساؤل، فمبيعاتها الكبيرة نوعا ما واقبال الناس عليها، هي في صورة من الصور ليست الا بحثا عن الاشياء الخارقة، ضمن هذا السياق يمكن تفسير نجاح العمل هذا بنفس الطريقة التي نجحت فيها اعمال اخري ذات طابع سحري، هاري بوتر ، والعودة الي اعمال تولكين نارنيا ، واعمال الكاتب البرازيلي باولو كويلو، فهناك نوع من الحنين الي عوالم سحرية، خيالية، يبدو ان هذه الاعمال تستجيب لها.

ناقد من اسرة القدس العربي

القدس العربي في

22.05.2006

 
 

فيلم «شفرة دافينشي» يثير زوبعة من الاحتجاجات

عمان - محمود الزواوي 

فاقت الضجة التي أثارها فيلم «شفرة دافينشي» ذو الطابع الديني كل التوقعات، وأثار الفيلم زوبعة من الجدل والاحتجاجات في دول عديدة بسبب حساسية موضوعه ومضمونه الديني الذي يثير تساؤلات مفترضة تتعلق بالديانة المسيحية في الرواية الخيالية التي استند إليها الفيلم، ومن ضمنها أن السيد المسيح تزوج من مريم المجدلية التي خلفت له طفلا، وأن الكنيسة الكاثوليكية تسترت على أسرار تتعلق بحياة السيد المسيح على مدى ألفي عام، وهي أسرار تم إخفاؤها في لوحات الفنان ليوناردو دافينشي.

وقد اقتصرت الاعتراضات على فيلم «شفرة دافينشي» خلال مرحلة إنتاجه على الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية بشكل عام، ولكنها امتدت الآن إلى عشرات الدول، وشملت بعض الطوائف المسيحية الأخرى. وتذكرنا الزوبعة التي يثيرها فيلم «شفرة دافينشي» حاليا بالضجة غير المسبوقة التي أحاطت بإنتاج وعرض الفيلم الديني ''آلام المسيح'' (2004) الذي يصور الاثنتي عشرة ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح وتعذيبه وصلبه، والحملة التي شنتها بعض المنظمات اليهودية الأميركية والكتاب اليهود ضد الفيلم ومخرجه ومنتجه ميل جيبسون، بحجة أن الفيلم سيثير المعاداة لليهود لأنه يربط موت السيد المسيح باليهود.

وقد تزامن عرض فيلم «شفرة دافينشي» في مهرجان كان السينمائي، كفيلم الافتتاح في المهرجان، مع عرضه في 72 دولة بينها ثماني دول عربية، هي مصر ولبنان وسوريا وقطر والبحرين والكويت والإمارات وسلطنة عمان. وعرض الفيلم في المهرجان خارج المسابقة بحضور مخرجه رون هوارد وأبطاله توم هانكس وأودري توتو وإيان ماكيلين وألفريد مولينا وجون رينو وبول بياني ومؤلف الرواية الشائعة التي استند إليها الفيلم دان براون، وأحيط عرض الفيلم بموجة إعلامية كبيرة.

وقد امتدت موجة الاحتجاجات التي سبقت ورافقت عرض الفيلم من إيطاليا وفرنسا وبريطانيا إلى اليونان والهند وتايلاند والصين وكوريا الجنوبية وسنغافوره والفلبين وأستراليا وليبيريا والعديد من دول أميركا اللاتينية. واقترنت حملة المؤسسات الدينية المسيحية ضد المضمون الديني المسيء لفيلم «شفرة دافينشي» بنقد لاذع للمستوى الفني للفيلم من نقاد السينما الذين شاهدوه لأول مرة في مهرجان كان، حيث أن منتجي الفيلم كانوا قد أحاطوا الفيلم بالكتمان ولم يقدموه في عروض مسبقة للنقاد، كما جرت العادة. وشهدت الساعات الأولى التي أعقبت افتتاح الفيلم في مهرجان كان حركة غير عادية في وكالات الأنباء العالمية وشبكة الإنترنت شملت بمجملها نقدا لاذعا للفيلم من عدد من كبار النقاد، رغم وجود قلة من النقاد الذين أشادوا بمستواه الفني.

وكان الفاتيكان قد اعترض بشدة على فيلم «شفرة دافينشي» قبل عرضه، ووصف مسؤول في الفاتيكان كتاب «شفرة دافينشي» والفيلم المبني عليه بأنهما ''أمثلة أخرى على بيع السيد المسيح ضمن حملة الفن التاريخي المزيف''. كما رفض المسؤولون في كنيسة وستمنستر بلندن السماح بتصوير مشاهد للفيلم داخل الكنيسة لاعتبارهم كتاب «شفرة دافينشي» كتابا غير سليم من الناحية اللاهوتية. ولكن ذلك جاء مناقضا لما حدث في باريس، حيث سمحت فرنسا بتصوير مشاهد للفيلم داخل متحف اللوفر الذي تقع فيه أحداث مفصلية في قصة الفيلم. ونددت الكنيسة الأرثوذكسية في اليونان بفيلم «شفرة دافينشي» وقالت إنه يشتمل على الكفر، ورفعت منظمات أرثوذكسية يونانية دعاوى في محاكم أثينا لمنع عرض الفيلم في دور السينما اليونانية. ورفعت مؤسسة كاثوليكية في الهند دعوى قضائية لمنع عرض الفيلم في الهند. ودعت الكنيسة الكاثوليكية في الصين أتباعها إلى مقاطعة الفيلم واتهمت منتجي الفيلم بانتهاك الأخلاق الدينية وبالإساءة لمشاعر رجال الدين وأتباع الكنيسة. وقامت الكنيسة الكاثوليكية في هونغ كونغ بتنظيم ندوات للرد على المغالطات الدينية الواردة في الفيلم. وأقنعت منظمات كاثوليكية الرقابة في تايلاند بقطع عشر دقائق من الفيلم، إلا أن الرقابة رجعت عن قرارها بعد احتجاج استوديو كولومبيا المنتج للفيلم على ذلك القرار. ونشرت مؤسسات مسيحية في أستراليا إعلانات في الصحف لتصحيح المغالطات في قصة الفيلم. وانضم الزعماء المسيحيون في كينيا إلى الصيحات المنددة بفيلم «شفرة دافينشي» ووصفوه بأنه لا أخلاقي وبأنه مزيج رديء للقصص الخيالية وأنصاف الحقائق والمواد الروحية المتفجرة. وتكررت احتجاجات مماثلة ضد الفيلم في كوريا الجنوبية وسنغافوره والفلبين وفي عدد من دول أميركا اللاتينية. وحضر عرض فيلم «شفرة دافينشي» في مهرجان كان عدد من الزعماء الكاثوليك الفرنسيين، وتنفس أحدهم الصعداء بعد مشاهدة الفيلم وقال إن قصة الفيلم غير قابلة للتصديق وبالتالي فإن الفيلم لا يشكل أي خطر على العقيدة المسيحية. وقد تحدث بعض ممثلي الفيلم عن موضوعه المثير للجدل في مهرجان كان، وقال بطل الفيلم توم هانكس «ليس هناك أي شك في أن الفيلم مثير للجدل إلى حد ما، ولكنني أعتقد بأن ذلك يتوقف على السياق الذي نفكر فيه». وأضاف أن «الأشخاص الذين يعتقدون بأن ما يشاهدونه في الفيلم يعبر عن الحقيقة هم أكثر خطورة من أولئك الذين يتأملون في احتمالاته الكثيرة». أما مخرج الفيلم رون هوارد، الذي اشتهر كنجم تلفزيوني في طفولته قبل أن يظهر في عدد من الأفلام السينمائية ثم يتحول إلى الإخراج السينمائي، فقد قال «ليس هناك شك في أن فيلم «شفرة دافينشي» سيثير غضب بعض الناس، ولكنني أذكر الجميع بأن الفيلم عمل فني لتسلية الجمهور وليس دراسة في اللاهوت».

الرأي الأردنية في

25.05.2006

 
 

محمد رضا عن "شفرة دافنشي" 

في مقابلاته يتحدث الممثل المعروف توم هانكس عن الضجة التي دارت حول الفيلم الذي افتتح كان والذي قاد بطولته شفرة دافنشي فيقول إنها غير مبررة‏,‏ لأنه فيلم خيالي لا علاقة له بالواقع‏.‏ إنها ذات العبارة التي يلجأ إليها عديدون يريدون التأكيد علي أنهم لا يقصدون ما فهم العديدون أنه المقصود‏.‏ المخرج رون هوارد قال لي ذلك‏.‏ كاتب السيناريو تحدث لتليفزيون أبو ظبي وقال ذلك‏.‏ الممثل الفرنسي جين رينو أصر علي ذلك‏,‏ والممثل البريطاني ألفرد مولينا قال‏:‏حين تريد شراء كتاب دان براون‏,‏شفرة دافنشي تدخل قسم الروايات الخيالية‏.‏ حين تشاهد هذا الفيلم تشاهد فيلما خياليا‏.‏ ربما كل هذا صحيحا لكنه بالتأكيد متأخر‏.‏

ما إن جلس الناس لمشاهدة هذا الفيلم بعيون يطل منها الترقب حتي أخذت مفاجآت الفيلم تتبلور علي نحو مخيب لآمال كل هؤلاء المذكورين‏,‏ هانكس وهوارد ورينو ومولينا وفوقهم الممثلة أودري توتو ولو أنها التزمت الصمت حيال هذا الموضوع أكثر من سواها‏.‏ في اليوم التالي سبقت الصحف الفرنسية الجميع بإعلانها موقفها من الفيلم‏.‏ سبعة من أصل عشرة نقاد كانت لديهم ملاحظات دامية حول الفيلم ومنحوه درجات متدنية‏.‏ الثلاثة الآخرين ليس من بينهم من اعتبره عملا خارقا‏.‏ هذا الناقد شاهد ألاف الأفلام القائمة علي التشويق لكنه قليلا ما شاهد أفلاما تشويقية مليئة بالادعاء والافتعال كما يفعل هذا الفيلم‏.‏ ليس لأن المشكلة في جانب دون آخر بل هي أفقية تشطر الفيلم وتترك علامتها فارقة‏.‏ نتحدث عن السيناريو وعن الإخراج وعن التمثيل وعن الحوار وعن احتمال كارثة تجارية ستحط علي فيلم تجاوزت ميزانيته الثمانين مليون دولار‏.‏

الفيلم يتحدث‏,‏ كما يعلم المتابعون الآن‏,‏ حول عالم رمزيات ليس هناك من اختصاص في هذا الشأن‏)‏ أميركي‏(‏ يؤديه توم هانكس‏)‏ يصل إلي فرنسا لإجراء محاضرات ليجد نفسه متهما بقتل عالم آخر وجدت جثته في متحف اللوفر‏.‏ القاتل الحقيقي مهووس ديني والذي يقف وراءه الفاتيكان الذي يريد إخفاء سر يكاد يتفشي‏:‏ السيد المسيح‏(‏ عليه السلام‏)‏ تزوج من مريم المجدلية وأنجب منها والسلالة من نحو‏2000‏ سنة وإلي اليوم معروفة‏...‏ بطلة الفيلم أودري توتو بالنتيجة هي الحفيدة المهددة أيضا بالموت‏.‏ ليس هناك دليل واحد في الفيلم يصلح لأن يبني عليه ما يستكمل هذه النظرية‏.‏ رغم ذلك يمضي الفيلم بها كمن كذب كذبة وقرر أن يصدقها بنفسه‏.‏ أكثر من ذلك‏,‏ أن هناك نظريات أخري لتأييد النظرية السابقة أو الوصول إليها‏,‏ لكنها بدورها تطير علي علو منخفض‏.‏ الفيلم من دون قصد يطلق عليها النار ويقتلها‏.‏

حين تبدي أودري دهشتها مما تسمعه من كلام المؤرخ لي تيبينغ إيان مكيلين الذي يؤمن بنظرياته حول الموضوع يخبرها بأن لديه الدليل‏,‏ ويمضي معلنا نظرية أخري لتأكيد النظرية التي قبلها‏.‏ توم هانكس في هذا المشهد الطويل والمثرثر يوافق بهز رأسه علي نحو متواصل‏.‏

تسأله أودري‏:‏ هل هذا ممكن؟

فيجيبها بفصاحة كاتب السيناريو أفيكا غولدزمان‏:‏ ليس غير ممكن‏.‏

ما يلي ذلك هو المزيد من السوء نفسه‏.‏ المخرج يحاول التنويع لإنقاذ مشاهده الطويلة من الغرق في الملل عبر عرض مواز علي الشاشة منقسمة إلي نصفين يعرض في نصفها الأول المشهد الحالي‏,‏ وفي نصفه الثاني ترجمة صورية للكلام المسموع‏.‏ فحين يتم الحديث عن الحملة الصليبية‏,‏ نري حملة صليبية‏.‏ بعد ذلك هناك كلام حول هروب مريم المجدلية إلي فرنسا‏(!)‏ فإذا بالنصف الأيسر من الصورة يعرض لقطة لامرأة تهرب بحماية من يبدو تابعا يريد تهريبها‏.‏

أزمة زوجية

ربما ليس من المنصف تخصيص فيلم الافتتاح بكل هذا القدر من الاهتمام خصوصا وأن المهرجان مليء كالعادة بالأفلام الأخري التي تستحق تسليط الضوء‏.‏ لكنك لن تجد فيلما آخر بين كل هذه المعروضة الذي استقطب هذا القدر من الاهتمام عالميا‏.‏ كما أن اختياره كفيلم افتتاح يحمل في طياته مسألة تلك الاختيارات الأقل من موفقة التي يعمد إليها المهرجان عادة‏.‏ هل كان جمهور كان بحاجة لأن يري شفرة دا فنشي علي شاشة مهرجان من المفترض به أن يكون خط دفاع أخير ضد الأفلام التجارية والسائدة التي إليها ينتمي فيلم رون هوارد؟ 

الخليج الإماراتية في

27.05.2006

 
 

بطلة فيلم «شفرة دا فينشي» تحدثت الى «الحياة» في مهرجان «كان» السينمائي...

أودري توتو: شتّان ما بين ذوق الجمهور والمهرجانات

كان - نبيل مسعد

قبل خمس سنوات رفضت لجنة تنظيم مهرجان «كان» السينمائي أن يشارك الفيلم الفرنسي «مصير أميلي بولان العظيم» في مسابقته الرسمية بحجة أنه لا يتفق مع روح المهر جان . وعلى رغم ذلك عرف الشريط نجاحاً عالمياً واسعاً وأطلق بطلته الممثلة الفرنسية أودري توتو إلى سماء الفن السابع، فهي عملت بعد ذلك تحت إدارة البريطاني ستيفن فريرز في فيلم «أشياء صغيرة قذرة» والأميركي أموس كوليك في «نهاية سعيدة»، إضافة الى الأفلام الفرنسية التي ظهرت فيها وأبرزها «يوم خطوبة طويل» من إخراج جان بيار جونيه الرجل الذي نفذ «أميلي بولان». ومن الطريف أن تكون توتو هي بطلة الفيلم الإفتتاحي لمهرجان «كان» في دورة 2006، وهو «شفرة دا فينشي» من إخراج الأميركي رون هوارد وبطولة توم هانكس وجان رينو، علماً أن توتو تفوقت على كل من صوفي مارسو وفيرجيني لودوايان وليندا هاردي وغيرهن من بطلات السينما الفرنسية اللاتي رشحتهن أوساط هوليوود من أجل للدور النسائي الرئيسي في «شفرة دا فينشي».

وحضرت النجمة الشابة (26 سنة) سهرة إفتتاح المهرجان. ووافقت في اليوم التالي أن تلتقي «الحياة» تحت خيمة نصبتها شركة «كولومبيا» الأميركية منتجة الفيلم، على شاطئ «كان».

·     تهدف بطلة فيلم «مصير أميلي بولان العظيم» الى تغيير مصائر الناس وإسعادهم بأي طريقة ممكنة فهل غير هذا الدور حياتك ومنحك السعادة؟

- نعم، لقد غير حياتي بكل تأكيد وحولني من فنانة مبتدئة نصف مجهولة إلى نجمة يتعرف عليها الجمهور في الطريق العام ويطلب منها الصور والتوقيعات. أما عن السعادة فهي حكاية ثانية، وأنا سعيدة بنجاحي بلا أدنى شك إلا أنها سعادة جزئية لاتكتمل إلا بالإتزان النفسي، وأعتبر نفسي في طريقي إليه (تبتسم).

·         هل تعتقدين أن نجاح «أميلي بولان» هو الذي دفع هوليوود الى منحك بطولة «شفرة دا فينشي»؟

- طبعا، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر، فالذي حصل هو تغيير وضعي الفني كلياً بعد «أميلي بولان» وبالتالي سمعت هوليوود عني وشاهدت الفيلم وعلمت بوجودي في أفلام أخرى جيدة ومختلفة الجنسيات، ما جعلني أستحق التواجد على قائمة المرشحات لبطولة «شفرة دا فينشي» إلى جوار صوفي مارسو وفيرجيني لودوايان وغيرهما من النجمات الفرنسيات المعروفات في الخارج.

·         أنت تفوقت عليهن جميعا في الإختبار إذاً؟

- لا تحاول أن تدفع بي إلى قول أشياء سلبية عن زميلاتي، فأنا لا أعرف إذا كنت تفوقـت عليهن في الاختبار في شأن «شفرة دا فينشي» أو إذا كانت العملية مبنية على المظهر أو لا، لكن خلاصة الحكاية إنني فزت بالدور مثلما يحدث أن تفوز زميلة لي بأحد الأدوار على حسابي أنا، فهذا هو قانون المهنة الفنية وهو لا يتعلق فقط بدرجة الموهبة في كل مرة بل بعوامل عدة يلعب مجموعهــا لمــصلحة فنانة معينة أو ضدها.

·         وهل تحتل النجومية الفنية المكانة الأولى في حياتك الآن؟

- أن النجومية لا تحتل المكانة الأولى بل وأكثر من ذلك، فأنا لست من النوع الذي يبدي إستعداده لفعل أي شيء وكل شيء من أجل الشهرة والعمل أمام الكاميرات. أنا محظوظة بما حدث لي حتى الآن وفي الوقت نفسه أعرف جيداً أن حياتي قابلة للتغيير فجأة بين يوم وليلة إذا عجزت عن تحقيق النجاح ذاته عبر أفلامي المستقبلية. لن أكافح من أجل السينما فأنا قادرة على العمل غداً كمعلمة في مدرسة أو مخرجة تلفزيونية أو أي شيء آخر، بحسب الظروف.

·     عودة إلى فيلم «مصير أميلي بولان العظيم» الذي يقف وراء نجاحك، فهل توقعت له مثل هذا المصير العظيم عندما قرأت السيناريو أساساً؟

- توقعت أن ينجح الفيلم في الصالات، لكن ليس بهذا الشكل أبداً، إذ لم أتخيله من النوع التجاري الذي يجذب الجماهير العريضة. وقد ذهلت حينما علمت أنه جذب عشرة ملايين متفرج إلى الصالات الفرنسية وحدها.

·         وما رأيك في كون مهرجان «كان» الذي يفتح لك ذراعيه اليوم قد رفض تقديم الفيلم في مسابقته الرسمية؟

- أرى في ذلك الدليل القاطع على انعدام الصلة بين ما يحدث في المهرجانات الرسمية من ناحية وذوق الجمهور العريض من ناحية أخرى، إلا في بعض الحالات مثل «شفرة دا فينشي»، فأنا مقتنعة بأن هذا الفيلم سيحقق في الصالات نفس ما حققته الرواية في المكتبات، سواء عرض في «كان» أو لم يعرض.

·         هل تعنين أن مهرجان «كان» هو المستفيد الأول من عرض «شفرة دا فينشي» فيه وليس العكس؟

- أنها من دون شك فائدة متبادلة لكن المهرجان يستفيد في رأيي كثيراً من عرض هذا الفيلم في سهرته الافتتاحية.

·     هل صحيح أن المخرج جان بيار جونيه كان قد اختار ممثلة أخرى في أول الأمر لبطولة «أميلي بولان» ولم يستعن بك إلا بعدما اعتزلت هي المشروع؟

- نعم، اتصل جونيه أولًا بالفنانة البريطانية إميلي واتسون فوافقت على أداء الدور، ولكنها اعتذرت في ما بعد لأسباب شخصية حالت دون مغادرتها لندن والانتقال الى باريس لتصوير الفيلم. وهنا تلقيت مكالمة هاتفية من وكيلة أعمالي تؤكد لي ان جان بيار جونيه يريد لقائي إثر مشاهدته فيلم «معهد التجميل فينوس» وهو يفكر في منحي بطولة فيلمه الجديد. وأنا أدرك الآن مدى حظي وكيف يمكن للقدر أن يتدخل في حياة إنسان ويحولها إلى ما هو أفضل.

·         كيف بدأت احتراف التمثيل؟

- أنا فتاة ريفية نشأت في مدينة «مونلوسون» الفرنسية الصغيرة، ولم أحلم في يوم ما باحتراف الفن بل كنت أفكر في تعلم المحاماة، إلا غير أن العلامات النهائية التي حصلت عليها في نهاية دروسي الثانوية لم تسمح لي بتحقيق طموحي، فاتجهت إلى الآداب والفلسفة واللغات إضافة إلى حصص في فن الدراما، لمجرد تعبئة وقتي وخوض تجربة مسلية.

وعن طريق الحصص هذه عثرت على أدوار صغيرة في حلقات تلفزيونية ثم على دور لا بأس به في فيلم «معهد فينوس للتجميل» الذي سمح لي بالحصول على جوائز عدة، فكانت الانطلاقة.

وعلى رغم أن الانطلاقة لم تتبعها نجومية فورية على مستوى دولي، فهي التي جلفتتلت المخرج جان بيار جونيه إلي فعرض علي بطولة «مصير أميلي بولان العظيم».

·     تقاسمت بطولة «شفرة دا فينشي» مع النجم الهوليوودي الكبير توم هانكس، فهل طلبت منه النصيحة في طريقة مواجهتك لدورك؟

- تفاديت أن أفعل ذلك حتى لا أثير القيل والقال من قبل العاملين في الفيلم، فكوني فزت بالدور يعني بوضوح في نظر الجميع إنني فنانة محترفة تعرف ما الذي يجب فعله ومتى، لكنني شعرت بأن توم هانكس كان يراقب تصرفاتي عن بعد، وهو نصحني من مرة عن طريق الهمس في أذني في شأن موقف معين.

·         ما هو لونك السينمائي المفضل كمتفرجة؟

- أنا مولعة بكل الروايات المبنية سينمائيا حول المؤثرات المرئية والصوتية، فأحدق في الشاشة مثل الصبية ولا أصدق ما أراه. أحب السينما التي تدهشني لا تلك التي تحكي لي ما أشاهده في حياتي اليومية، وبالتالي أعتقد بأن لوني المفضل هو لون المغامرات الخيالية شرط أن تتضمن نبرة رومانسية في حبكتها.

·     كتبت مجلة فرنسية معروفة أنك تغيرت الآن بعد عملك في فيلم هوليوودي كبير فأصبحت عصبية مع الإعلاميين في أحاديثك الصحافية، لكنني لم أجدك هكذا طوال حوارنا هذا فما رأيك في ما قيل أذاً؟

أترك لكل صحافي الحرية التامة في إستنتاج ما يريده في شأن شخصيتي وتصرفاتي. أما عن نفسي فلست على دراية بأي تغيير طرأ على أسلوب معاملتي للغير بعدما عملت في «شفرة دا فينشي».

الحياة اللبنانية في

27.05.2006

 
 

خديعة شيفرة دافنشي

ترجمة: د. تمام التلاوي * 

مقدمة المترجم:

أورد فيما يلي ترجمة للردّ الذي قامت به مؤسسة أوبوس داي الكاثوليكية على ما ورد حولها في رواية شيفرة دافنشي. وهذا بالطبع ليس لقناعتي بكذب داون بروان -مؤلف الرواية- ولا بصدق ما تقوله أوبوس داي عن نفسها, وإنما من أجل تبيان وجهة النظر الأخرى الواقفة بدروعها على الضفة المقابلة, ولجعل القارئ هو الحكم الأول والأخير بين الفن والدين -إن صح التعبير- وذلك في مناظرة أقل ما نستطيع قوله عنها بأنها غير متكافئة أصلا, وذلك من حيث اعتبار الدين لنفسه أنه هو المجيب الشافي على كل أسئلة الوجود الإنساني, في الوقت الذي يقوم فيه الفن بالمقابل, بطرح الأسئلة الوجودية وبلا هوادة, في رحلة إبداعية متحولة, لطالما خلخلت أركان الثوابت الدينية على مر العصور, وذلك رغبة منه -أي الفن- في اختراق الوجود إلى ما وراءه, والحياة إلى ما بعدها.

ملايين النسخ وبكل اللغات. إن الرواج العظيم لهذه الرواية أيها السادة لم يتأتَّ –برأيي الشخصي- من قيمتها الأدبية, بل أقول بجرأة أيضا إن هذه الرواية أدبيا هي رواية ضعيفة, وذلك من حيث امتلاكها لعناصر السرد الروائي الجمالية وخصوصا على صعيد اللغة, وهي بالعموم ليست أكثر من رواية بوليسية تعتمد عنصر التشويق في سرد الأحداث المتلاحقة, وهذا العنصر هو أقل ما يلزم توفره من عناصر السرد الروائي البوليسي. ولكن الرواية قد اكتسبت هذا الرواج، بما امتلكته من القيمة المعلوماتية والتنظيرية، كونها حاولت دكّ حصون المعتقدات المسيحية بأدوات هذا الدين نفسه, مسخرة مرجعياته الخاصة التاريخية والفنية والدينية, وكاشفة النقاب عن معلومات مجهولة من قبل الكثيرين, بالإضافة لطرحها لفرضيات مثيرة للجدل. ففي الوقت الذي يعلق فيه الكثير من المسيحيين (المؤمنين) لوحات دافنشي باعتبارها لوحات دينية (العشاء الأخير, عذراء الصخور...الخ), في بيوتهم وكنائسهم, هاهم يكتشفون فجأةً أن هذه اللوحات تحوي من الإلحاد أكثر بكثير مما تحويه من الدين, بل إنها تعتمد رموزاً إيمانيةً تابعةً لفكر ديني آخر -دين الأنثى- المناقض بشدة للفكر المسيحي (كمفهومه للكأس المقدسة, وعلاقة المسيح بالمجدلية).

إنها (صدمة الخديعة)، هذه برأيي ما وضعت هذه الرواية على رأس قائمة المبيعات مؤخراً (The best seller). ولكن الكثيرين ربما نسوا أن هذه الرواية

في النهاية هي رواية لا أكثر, ولا يمكن اعتماد أي شيء يرد فيها على انه حقيقة علمية, وهذه إحدى نقاط القوة الواردة في رد أوبوس داي على كل هذا الضجيج الذي أحدثته شيفرة دافنشي.

وإليكم النص:

شيفرة دافنشي والكنيسة الكاثوليكية وأوبوس داي

رداً على شيفرة دافنشي من أسقفية أوبوس داي في الولايات المتحدة:

لقد خدع العديد من القراء بالإدعاءات التي وردت في رواية شيفرة دافنشي حول التاريخ المسيحي وعقيدته اللاهوتية. نود أن نذكر هؤلاء أن شيفرة دافنشي هي عمل إبداعي قائم على الخيال وليس مصدراً محققاً للمعلومات حول هذه المسائل.

لقد أثار هذا الكتاب اهتماماً واسعاً حول نشوء الإنجيل والتعاليم المسيحية الأساسية كألوهية يسوع المسيح. هذه المواضيع مهمة وتستحق الدراسة ولكننا نأمل من القراء المهتمين أن يتحفزوا لدراسة هذه المواضيع من بعض المصادر المتوفرة والموثوق بها في أقسام الكتب (الغير خيالية) في المكتبات.

إن القراء اللذين يقومون بأبحاث جدية وأحكام نقدية في ممارساتهم سيكتشفون أن الفرضيات الموجودة في شيفرة دافنشي, حول يسوع المسيح ومريم المجدلية وتاريخ الكنسية, يعوزها الدعم من قبل المصادر العلمية الموثوقة. فمثلاً أشاع الكتاب فكرة أن الإمبراطور الروماني في القرن الرابع قسطنطين قد ابتدع فكرة إلوهية المسيح وذلك لأسباب سياسية. لكن الأدلة التاريخية أظهرت بوضوح في العهد الجديد ولوائح الكتابات المسيحية الأولى المبكرة إيمان المسيحية بإلوهية المسيح. بالإمكان الحصول على أمثلة أخرى على الإدعاءات الكاذبة الواردة في شيفرة دافنشي في مجلة (كرايسسز) أو على شبكة الإنترنيت. وبالنسبة للقراء اللذين يبذرون الوقت للكشف عن مرجعية المقالات في شيفرة دافنشي فإننا ننصحهم بقراءة كتاب (نقض شيفرة دافنشي) للكاتبة (آمي ولبورن) أو كتاب (خدعة دافنشي) للكاتبين (كارل أولسن و ساندرا ميسل) .

كما أننا أيضا نريد أن نوضح أن تصوير شيفرة دافنشي لأوبوس داي هو تصوير غير دقيق, سواء في الانطباع العام أوفي العديد من التفاصيل, ونحن غير مسؤولين عن أي رأي بأوبوس داي يرتكز على قراءة شيفرة دافنشي.

لأولئك المهتمين بمعلومات إضافية عن الأخطاء العديدة الواردة في الرواية بحق اوبوس داي, الرجاء متابعة القراءة..

1.      أوبوس داي والرهبان

لقد قدمت رواية شيفرة دافنشي وعلى امتدادها أعضاء أوبوس داي على أنهم رهبان, بل وأكثر من ذلك: كاريكاتورات رهبانية.

إن أعضاء أوبوس داي, ككل الكاثوليكيين, يقدرون الرهبان تقديرا عظيما, ولكن في الحقيقة لا يوجد رهبان في أوبوس داي. إنها مؤسسة كاثوليكية للناس العاديين والقساوسة وليست أخوية رهبانية.

إن أوبوس داي تتوخى حياة الفضيلة ولكنها لا تتضمن الانعزال عن العالم كتلك التي في الحياة الرهبانية. بل إن أوبوس داي تعلم الناس كيفية إقامة علاقة متينة مع الخالق في ومن خلال نشاطاتهم العلمانية الحياتية العادية.

إن عددا محدودا يشكل الأقلية من أعضاء أوبوس داي قد حملوا على عاتقهم مختارين مهمة التبتل أو العزوبية وذلك رغبة منهم للتفرغ من أجل تنظيم نشاطات أوبوس داي. ولكنهم مع ذلك لا يقدمون النذور ولا يرتدون التنانير ولا ينامون على حصر من القش, أو يقضون كل أوقاتهم في الصلاة والتعذيب الجسدي, ولا في أي طريقة من تلك التي صورتها الرواية عن رهبان أوبوس داي. وبالمقابل لأولئك المترهبين فإن هناك العديدين يمارسون أعمالا حرفية عادية.

في الواقع إن شيفرة دافنشي قد قلبت طبيعة أوبوس داي رأسا على عقب. فالتعاليم الرهبانية هي لأولئك الأشخاص الذين يقومون بمهمة البحث عن التطهر بالانعزال عن الحياة العامة, فيما أوبوس داي هي للناس الذين لديهم الكفاءة ليعيشوا بإيمانهم المسيحي في قلب المجتمع العلماني.

2.      أوبوس داي والجريمة

لقد أظهرت شيفرة دافنشي, بشكل كاذب, أعضاء أوبوس داي على أنهم يرتكبون الجرائم, يكذبون, يخدرون الآخرين, وبالرغم من تصرفاتهم الغير أخلاقية هذه إلا أنهم يعتبرونها مبررة مادامت في سبيل الله والكنيسة وأوبوس داي.

إن أوبوس داي هي مؤسسة كاثوليكية ملتزمة بالمذهب الكاثوليكي الذي يدين بشكل واضح السلوكيات الغير أخلاقية بما تشمله من الجريمة والكذب والسرقة وإيذاء الآخرين بشكل عام. والكنيسة الكاثوليكية تحرم قيام الشخص بعمل سيء حتى ولو كان غرضه حميدا.

مهمة أوبوس داي هي أن تساعد الناس على دمج إيمانهم بنشاطهم اليومي وكذلك التثقيف الروحي ومساعدة الأعضاء بالمشورة ليصبحوا أكثر مثالية. أعضاء أوبوس داي ككل الناس يرتكبون الأخطاء أحيانا, ولكن هذا لا يعطي الصورة الحقيقية لما تحض عليه أبوس داي ولا يظهره.

بالإضافة إلى نسب النشاطات الإجرامية إلى أوبوس داي فإن شفرة دافنشي قد صورت, وبشكل خاطئ أيضا, أعضاء أوبوس داي على أنهم يسعون للحصول على الثروة والنفوذ.

3.      أوبوس داي والتعذيب الجسدي:

إن شيفرة دافنشي قد جعلت الأمر يبدو وكأنه أعضاء أوبوس داي يمارسون تعذيبا جسديا ذاتيا بشكل دموي (ص12, 14, 29, 31, 73, 89, 127-128, 195, 276-279, 293). في الحقيقة وبالرغم من أن التاريخ يشير إلى أن بعض القديسين الكاثوليكيين فعلو ذلك, إلا أن أعضاء أوبوس داي لا يفعلونه.

تنصح الكنيسة الكاثوليكية بأن يمارس الإنسان التعذيب الذاتي. ويبين سر ألام المسيح أن للتضحيات الطوعية قيمة عالية وتجلب فوائد روحية للآخرين. كما أنها بالمقابل تجلب فوائد روحية شخصية, حيث تمكن الشخص من مقاومة النزوع أو الميل إلى ارتكاب الخطيئة.

لهذه الأسباب اهتمت الكنيسة بالصيام في أيام معينة, وأوصت بالالتزام بالفضائل باعتبارها أنواع أخرى أيضا من التعذيب الذاتي. إن التعذيب الذاتي بلا شك هو أحد أشكال التقرب إلى الله في حياة المسيحي ولا أحد يستطيع التقرب إليه بدونها. (ليس هناك من قداسة بلا نكران للذات وبدون معركة روحية): تعاليم الكنيسة الكاثوليكية رقم 2015.

وفيما يخص التعذيب الجسدي فان أوبوس داي تشدد على التضحيات الصغيرة أكثر من تلك فوق العادية, مع المحافظة على روحانيتها بدمج الإيمان بالأعمال اليومية. فمثلا أعضاء أوبوس داي يحاولون عمل تضحيات صغيرة, كالمواظبة على أدائهم في العمل عندما يتعبون, وأحيانا رفض بعض المتع الصغيرة, أو مد يد المساعدة للمحتاجين. وبعض أعضاء أوبوس داي يقومون باستعمال محدود للسياط وأدوات تأديب النفس. كأنماط من التعذيب النفسي الذي له مكانته في التقاليد الكاثوليكية نظرا لبعدها الرمزي بالنسبة لآلام المسيح.

إن الكنيسة تحض الناس على الرعاية الواعية لأجسادهم وصحتهم, وإن أي شخص لديه الخبرة بهذه الأشياء, يعلم أن هذه الممارسات لا تؤذي الصحة بأي حال من الأحوال. إن وصف شيفرة دافنشي لاستخدام السياط والتأديب النفسي مبالغ فيه بشكل كبير إنه ببساطة من غير المعقول أن يؤذي الشخص نفسه بها كما تم وصفه.

4.      أوبوس داي ومزاعم (النِّحلة):

لقد وصفت شفرة دافنشي أوبوس داي في عدة مواقع بصفة نِحلة أو فرقة ( ص 1, 29, 30, 40, 279). في الحقيقة إن أوبوس داي هي جزء لا يتجزأ من الكنيسة الكاثوليكية, وليس لها أي ممارسات أو تفرعات عدا تلك الخاصة بالكنيسة. ليس هناك أي تعريف أو نظرية سواء كانت أكاديمية أو شعبية يمكن لها أن تقدم أسسا لوصفها أوبوس داي بذلك المصطلح الازدرائي: نحلة أو فرقة.

إن أوبوس داي هي مؤسسة كاثوليكية تتوخى مساعدة الناس لكي يدمجوا أيمانهم بنشاطاتهم اليومية. وهي كسلطة أسقفية خاصة (حسب البنية التنظيمية للكنيسة الكاثوليكية) فإنها تتمة لعمل الأبرشية الكاثوليكية المحلية وذلك عن طريق تزويد الناس بالمزيد من التثقيف الروحي والهداية.

أسست أوبوس داي في اسبانيا عام 1928م بواسطة القس الكاثوليكي سان جوزي ماريا إسكريفا وبدأت تزدهر بدعم من المطران المحلي هناك. كما تلقت المصادقة النهائية عليها من الفاتيكان عام 1950م, وبدأت بالانتشار في عدة دول حول العالم. اليوم لدى اوبوس داي أعضاء يبلغون 83000, (3000منهم في الولايات المتحدة), و2000 قس. كما إن عدة ملايين من الناس حول العالم يشاركون في برامجها ونشاطاتها المتواجدة في أكثر من 60 دولة.

شيفرة دافنشي تجزم بشكل مثير للشجن أن أوبوس داي متورطة في عمليات غسيل دماغ وإكراه وتجنيد قسري (ص 1, 29, 325, 415), محاولة وبشكل غير عادل أن تماثل أوبوس داي بجماعات أخرى تستحق مثل هذه الصفات.

إن غرض أوبوس داي هو أن يهب الناس حياتهم لله, متبعين طريقة خاصة من الخدمة من خلال الكنيسة الكاثوليكية. إن حياة الإنسان هي فقط التي باستطاعتها أن تعطى بحرية من خلال اتخاذ قرار نابع من القلب وليس من خلال إكراه خارجي, فالإكراه طريقة خاطئة وغير فعالة. أوبوس داي تحترم دائما الحرية والوعي لدى أعضائها, ولدى من هم مرشحون لأن يصبحوا أعضاء, ولدى أي شخص آخر يتعامل معها. ولإظهار مدى اعتقادها بأهمية الحرية, فان اوبوس داي لديها إجراءات نوعية تضمن أن قرار الانضمام إليها هو قرار حر وعن وعي كامل. لا احد يحصل على عضوية دائمة في اوبوس داي دون أن يقضي أكثر من 6 سنوات في البنية التنظيمية والتثقيفية التي يتبع لها الأعضاء. كما أن لا أحد باستطاعته الحصول على انتساب مؤقت قبل عمر 18 ولا على عضوية دائمة قبل عمر 23.

5.      أوبوس داي والنساء:

هم أنهم يعتبرونها مبررة مادام ذلك في أنهم يعتبرونها مبررة مادام ذأااااأنهأتقول الرواية حول المركز الرئيسي لأوبوس داي في الولايات المتحدة: إن الرجال يدخلون البناء من الأبواب الرئيسية في جادة ليكسنغتون أفينو بينما تدخل النساء من الشارع الفرعي (ص 28). إن هذا الكلام غير دقيق. إن جميع الأشخاص ذكورا كانوا أم إناثا يستخدمون الأبواب التي تقودهم إلى القسم الذي يزورونه في المبنى. فالبناء مقسم إلى أقسام منفصلة, ولسبب مباشر هو أن قسما يمثل مكان إقامة النساء العازبات, وقسم آخر للرجال العازبين. لكن هذه الأقسام ليست مقيدة بالجنس, وإن قسم النساء -وليس الرجال- هو المطل على ليكسنغتون أفينو, وهذا عكس ما قيل في الكتاب.(ملاحظة: الكتاب أحيانا يسمي مبنى أوبوس داي تسمية غير دقيقة " مركز القيادة العالمي").

كما تفترض الرواية أن النساء الأعضاء في أوبوس داي يجبرن على تنظيف أماكن إقامة الرجال وبدون مقابل مادي, وأنهن يُعتبَرن كذلك طبقة أدنى من الرجال (ص 41, 415, 416). هذا غير صحيح, أوبوس داي هي مثل الكنيسة عامة تعلم أن الرجال والنساء لهم نفس الاحترام والقيمة, وإن كل ممارساتها تتماشى مع هذا المعتقد. النساء الأعضاء في أوبوس داي يتواجدن في كل المهن سواء تلك التي ينظر إليها المجتمع بتقدير وهيبة أو تلك التي يميل لعدم تقديرها كالأعمال المنزلية أو الأشغال الصغيرة. إن اوبوس داي تعلّم أن كل الأعمال الشريفة التي تعمل في سبيل الرب لها قيمة متساوية.

إن نساءً معدودات من أعضاء اوبوس داي اخترن إراديا أن يقمن بمهمة العناية بمراكز اوبوس داي للرجال والنساء. كما أنهن يشاركن بمراكز اجتماعات حيث تعقد النشاطات الروحية والثقافية. هؤلاء النسوة مدربات حرفيا ويدفع لهن مقابل خدماتهن, التي تشمل أيضا ترتيب الديكور الداخلي وتقديم الطعام وأعمال أخرى عالية المهارة. ملايين الأشخاص الذين يحضرون الاجتماعات والنشاطات الروحية في مراكز اوبوس داي يشهدون على حِرَفية هذه الأعمال, فيما ألمحت شيفرة دافنشي إلى أن أعمالها تنتقص من الكرامة والاحترام وتحط من قدر هؤلاء النسوة.

6.      أوبوس داي وبنك الفاتيكان:

تقول شيفرة دافنشي إن اوبوس داي قد مُنحت منزلة الأسقفية الخاصة بها كمكافأة لها على وديعة حولتها إلى بنك الفاتيكان (ص 40-41, 415-416). لا اوبوس داي ولا أي من أعضاءها ساعد بنك الفاتيكان (بوديعة).كما تفترض الرواية لقد منحت سلطة الكنيسة لابوس داي السلطة الأسقفية عام 1982م لأنها أدركت أن هذه الفئة القانونية الجديدة قد امتلكت لياقة جيدة وبنية جيدة للقيام بمهمة اوبوس داي.

وعلى كل حال فان منزلة الأسقفية الخاصة ليست شيئا مميزا: إنها ببساطة واحدة من عدة فئات قانونية التي تمتلكها الكنيسة تخص بها مؤسسة تحمل على عاتقها نشاطات رعاية خاصة. وبالمقارنة مع ما جرى تضمينه في الكتاب فان منزلة الأسقفية الخاصة, لا يمكن لها تقديم بعض الخدمات الخاصة بالبابا, كما لا تعني أن أعضاء اوبوس داي ليسو تحت وصاية مطرانهم المحلي.

7.      الاعتراف بمؤسس اوبوس داي

تفترض شيفرة دافنشي أن الكنيسة قد أخضعت قوانينها لصالح اوبوس داي بحيث تضع مؤسسها على قائمة "الركب السريع" لمنحه رتبة القداسة.

إن منح رتبة القداسة لـ جوزيه ماريا اسكريفا عام 2002, جاء بعد 27 سنة من وفاته ( وليس 20 سنه كما يقول الكتاب). وكان هذا هو الأول الذي يتم على هذا النحو, بعد دستور قوانين المنح الذي نظم إجراءات منح القداسة عام 1983, وبذلك تحرك بشكل أسرع مما كان يعتبر نموذجيا قبل ذلك.

الأم تيريزا وضعت على طريق الاعتراف حتى أسرع من ذلك, حيث جرى تطويبها بعد وفاتها بست سنوات فقط, (اسكريفا طوب خلال 17 سنة). وحتى حسب الإجراءات القديمة فإن تطويب قديس ليزيه, تيري, تم خلال 27 ستة أي تماما مثل اسكريفا.

المصدر: مكتب المعلومات لابوس داي 2005.

* شاعر وطبيب سوري

عن موقع "الإمبراطور" على العنوان التالي في

01.06.2006

 
 

شفرة دافنشي

محيي الدين اللاذقاني 

أخذت رواية دان براون «شيفرة دافنشي» من الانتشار والتقريظ أكثر مما تستحقه حبكة بوليسية مثيرة، والسبب موضوعها، فقد اقترب ذلك الكاتب من قدس الأقداس وحاول نسف المسيحية من جذورها لصالح الديانة اليهودية مستخدما رموز تاريخ الفن، أما الاسلام فلا يشار اليه في رواية من ستمائة صفحة إلا ثلاث مرات تخدم الأسلوب الرمزي وتعطيه شرعيته التاريخية. فقبل دافنشي، الذي أخفى الكثير من الألغاز والأسرار في لوحاته وكتبه، بأربعة قرون، قام فيلسوفنا الكندي، كما يقر بذلك المؤلف، باستخدام شيفرات كثيرة في نصوصه بحيث لا يصل المعنى الحقيقي إلا الى من يفك تلك الشيفرات والرموز.

لقد وقف هذا الكاتب الذكي على الصراط الذي يفصل المخيلة الروائية عن الحقائق التاريخية والدينية، وكان يقفز مرة الى هنا وأخرى الى هناك، وبذا يستطيع أن يقول لمن يغضب منه من رجال الدين المسيحي: أنا مجرد روائي استخدم مخيلتي فلا تأخذوا ما أقوله على محمل النص التاريخي أو الديني، ويغمز في اللحظة ذاتها للملاحدة والمشككين ليؤكد لهم أنه يقدم تلك المعلومات التاريخية كلها لينسف المعتقدات السائدة حول واحدة من أعرق وأقدم الديانات السماوية.

ولإحداث ذلك التأثير المزدوج والملتبس في نفسية القارئ، يقدم الكاتب قبل الدخول في العالم الروائي صفحة يعنونها باسم «حقيقة»، يؤكد فيها انه تم العثور في المكتبة الوطنية في باريس عام 1975 على لفيفة اسمها «دوسيه الأسرار» وفيها أسماء أعضاء بارزين من الجمعية السرية المعروفة باسم «رهبانية سيون»، بينهم ليوناردو دافنشي واسحق نيوتن وساندرو بوتيشيلي وفيكتور هيغو. أما المعلومة الثانية في صفحة الحقيقة، فهي ان منظمة طريق الرب الكاثوليكية (أوبس دي)، أكملت مبناها الرئيسي الذي يقع في الرقم 243 في ليكسينغتون أفنيو بنيويورك، بكلفة 47 مليون دولار. وهذه المنظمة مع الرهبانية هما محور الصراع الثنائي في رواية تستعيد بأسلوب معاصر طقوس الشر والخير والظلمة والنور والسالب والموجب والين واليانغ وما الى ذلك من تقاليب وثنائيات أشتهرت بها الديانات الوثنية التي سبقت التوحيد.

والاضافة التي تكمل هذا الشرك الذي ينصبه المؤلف للمؤمنين والمشككين معا، ان جميع الأوصاف الواردة في الرواية للاعمال الفنية وللوحات وللأبنية التاريخية من كنائس ومتاحف هي أوصاف حقيقية دقيقة تبدأ في متحف اللوفر في باريس لتصل في آخر الرواية الى كنيسة روزلين جنوب أدنبره الاسكوتلندية مع المرور على كنيسة ويستمنستر آبي اللندنية التي تبلغ عندها الرواية ذروة عالية من ذروات تطور حبكتها المثيرة لوجود قبر اسحق نيوتن فيها.

ولن أقدم تلخيصا للرواية حتى لا أفسدها على من يطالعونها وهم كثر، فقد تجاوزت مبيعاتها عشرة ملايين نسخة في غضون أشهر، لكني سأحاول أن أشير من خلال تاريخ الفن والعقائد الى بعض المحطات الأساسية التي اعتمد عليها الكاتب في صنع ذلك العمل الروائي المدوي الذي كان وقعه على العالم المسيحي الغربي وقع القنبلة، لدرجة ان عدة كرادلة في الفاتيكان انتقدوا الرواية علنا متجاهلين المحاولات العديدة لمؤلف «شيفرة دافنشي» لتبرئة الكنيسة الكاثوليكية المعاصرة من ارتكاب جرائم دموية واغتيالات كتلك التي تم اثباتها تاريخيا في العصور القديمة والمتوسطة.

يفترض دان براون في روايته ان «رهبانية سيون»، التي ثبت أيضا وجودها التاريخي بالوثائق، ما هي إلا امتداد حديث لجمعية «فرسان المعبد»، التي أنشئت عام 1099 ميلادي، أي أثناء الغزوة الصليبية الأولى التي ذهبت إلى بيت المقدس لتستعيده من المسلمين. وأهمية هذه الجمعية في الأدبيات المسيحية التقليدية انها عثرت، حسب المزاعم، على الكأس التي شرب منها المسيح عليه السلام في العشاء الأخير، ثم جمع فيها تلاميذه دمه.

تلك الكأس التي ظل المسيحيون الغربيون يؤمنون بوجودها الحقيقي، أخفاها «فرسان المعبد» بعد أن أحضروها من بين أنقاض هيكل سليمان في فلسطين منذ القرن الثاني عشر، في مكان ما في أوروبا، ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف عمليات البحث عنها لأن من يعثر عليها تكون له سلطة أقوى من سلطة الفاتيكان، وهذا البحث المستمر عن الكأس هو محور الرواية، مع فارق ان الكاتب يحيل الكأس الى المستوى الرمزي وذلك ما سنفصله لاحقا أثناء الحديث عن استراتيجية الاستقواء بالنساء.

 

عن موقع "الإمبراطور" على العنوان التالي في

01.06.2006

 
 

فيلم "شفرة دافنشي"

حربا شرسة ضد صناع الفيلم

إبراهيم غرايبة

وسط جدل عارم وطوفان من الانتقادات ودعوات بوقف عرضه استقبلت الأوساط السينمائية فيلم "شفرة دافنشي" المأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم لـ "دان براون" وافتتح به مهرجان كان السينمائى التاسع والثلاثين في 17 مايو ، بينما يخوض المسيحيون وكثير من المؤسسات الدينية وعلى رأسها الفاتيكان حربا شرسة ضد صناع الفيلم والمطالبة بإحجام الجمهور عن مشاهدته في حال فشل الدعاوي القضائية المطالبة بوقف عرضه في حين حرصت "سوني" الشركة المنتجة على أن تروج لفكرة انه مستوحى من أحداث خيالية وانه فيلم إثارة وليس فيلما دينيا في محاولة لتليين الموقف المسيحي وتشجيع الكاثوليكيين على التوجه إلى دور العرض لمشاهدته.

الفاتيكان التي يقدمها الفيلم والرواية على أنها مؤسسة دينية متسلطة زيفت تاريخ المسيحيين وأهدرت دور المرأة، تطالب بمنع عرض الفيلم في حين يؤكد أساقفة وقساوسة كبرى الكنائس والكاتدرائيات البريطانية أن الفيلم مبني على كثير من الأخطاء الجوهرية ومحاولات للتشكيك في أسس العقيدة المسيحية أبرزها زواج المسيح بمريم المجدلية وإنجابه فتاة منها. وفي كوريا الجنوبية أثار الفيلم جدلا واسعا حيث قدم المجلس المسيحي هناك طلبا إلى الحكومة لإصدار قرار يمنع عرض الفيلم واتخاذ إجراءات قضائية من الشركة الموزعة لما يحويه من تشويه "للحقائق" بينما أرسلت جماعة "اوبو سى دى" الايطالية الدينية في روما "6" خطابات إلى شركة "سوني" تطلب منها مراجعة هذا الفيلم أكثر من مرة قبل فوات الأوان والبدء في عرضه احتراما للمسيح والكنيسة. وعادت الراهبة "ماري مايكل" لتظهر في الصورة مجددا. وتهدد بقيادة مظاهرات تجوب العالم وتحتشد أمام دور العرض لتمنع الجمهور من الدخول وكانت ماري 61 عاما قد قادت مظاهرة ضد صناع الفيلم قبل أشهر دعت خلالها عليهم بعدم استكمال التصوير قائلة: "حين أقابل الله سيعلم إنني أحاول ما في استطاعتي أن أعارض ما يفعلون" كما جمعت منظمة المجتمع الأمريكي للحفاظ على التقاليد والعائلة وحماية الأديان TFP ما يزيد على 60 ألف توقيع احتجاجا على الفيلم ويطالبون شركة سوني بمنع عرضه وتأمل TFP أن تصل إلى مائة ألف توقيع عبر الخطابات البريدية و E.MALL قبل موعد عرض الفيلم .

وفى استطلاع للرأى نقلته مجلة "نوفل اوبسرفاتير" الفرنسية عن مجلة " العلم والحياة " خبر يؤكد ان 31 % من الفرنسيين مقتنعون تماما بأن رواية شفرة دافنشى مستوحاه من حقائق واقعية ..

أما موقع دراسات ألفا الإلكترونى التبشيرى فقد أصدر كتيباً من 32 صفحة أورد فيه المداخلة التى قام بها القس نيكي جومبل المسؤل عن ذلك الموقع فى لندن ، وهو يرد فيه على ما اورده دان براون من معلومات وحقائق مزعجة للكيان الكنسى . كما تم وضع نفس الكتيّب على شبكة النت لمن يرغب فى طبعه او قراءته.. إضافة الى الإعلان عن توزيعه على الطوابير التى تقف او ستقف لحجز مكان لمشاهدة الفيلم !..

ويبقى التساؤل مطروحا حتى ظهور الفيلم وعرضه على الجمهور : ترى هل نجح العاملون فى المجال السينمائى فى نقل كل تلك الحقائق الثابتة علميا وتاريخيا ، والتى أوردها دان براون بوضوح، أم ان مقص الرقباء قد لعب دورا بين الكواليس ؟! وإن كان هذا التساؤل التقليدى فى حد ذاته لا يمنع من أن نتأمل كل تلك ردود الأفعال التى دبّت بين أرجاء المؤسسة الكنسية للحيلولة دون وصول هذا الفيلم الى الجمهور أو للتعتيم و التشويش على ما يقدمه من حقائق ..

التشكيك في المعتقد الديني !!

وأثارت رواية " شيفرة دافنشي" لمؤلفها (دان براون) جدلاً كبيراً في الأردن مؤخراً مثلما هو الحال في باقي البلدان العربية التي منعت فيها الرواية وسحبت من الأسواق بعد أيام قليلة من توزيعها وتداولها . وكانت ردود الفعل متقاربة سواء في الوسط الإسلامي الذي دهش لهذا السرد التاريخي المغير لحقائق دينية مسيحية عديدة أو حتى الوسط المسيحي الكاثوليكي المتشدد في كل ما يتعلق بعقائده الموروثة.

الرواية المثيرة للجدل تقع في نحو 500 صفحة من القطع المتوسط تحاول كشف التأثيرات المتبادلة والتفاعلات بين الأديان السابقة للمسيحية وبين المسيحية نفسها وتحديدا بين الوثنية وبين المسيحية، وكثيرون ممن قرؤوا الرواية وجدوا فيها الكثير من محاولات التشكيك بأسس العقيدة المسيحية.

واللافت أن هذه الرواية والتي بيع منها حتى الآن أكثر من 9 ملايين نسخة في 50 لغة، والتي قامت "الدار العربية للعلوم"/ بيروت، بترجمتها وطباعتها - أنها وظفت مقولات مقدسة ومقبولة دينياً إسلاميا ومسيحياً لتسقطها على أحداث وتحولات وصراعات تاريخية ودينية وسياسية. وتحاول الرواية عبر شخوصها وأحداثها وعقدها عرض أفكار تناقض العقيدة المسيحية الحالية على نحو جوهري؛ بل إنها تنسف أحيانا بين سطورها حقائق عقدية غاية في الأهمية.

قصة الرواية!

قصة الرواية المثيرة تحكيها مجموعة شخصيات رمزية غير حقيقة أبرزها (جاك سونيير) مدير متحف اللوفر الذي يقتل في أول مشهد بالمسرح لتتابع الأحداث بعد ذلك وتظهر شخصية البروفيسور (روبرت لانغدون) المتخصص في تاريخ الأديان الذي تشتبه به الشرطة لأن (سونيير) كان قد كتب اسمه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. أما (صوفي نوفو) خبيرة الشيفرة في الشرطة الفرنسية فهي شخصية أخرى يستعان بها لتحليل (شيفرة) كتبها (سونيير)، ويتبين أنها حفيدة (سونيير)، وتدرك فوراً أن جدها أراد منها أن تستعين بـ(لانغدون) للبحث عن سرٍّ مهم .

أحد مشاهد فيلم شفرة دافنشي

يهرب (لانغدون) من اللوفر بمساعدة (صوفي) بعد أن تحصل بواسطة الشيفرة على مفتاح لحسابه في بنك زيوريخ السويسري، ويستخرجان من ودائع البنك صندوقاً أودعه سونييير يعتقد أنه يؤدي إلى صندوق يحوي وثائق وأسراراً مهمة وتاريخية تعود إلى جمعية (سيون) الدينية، وهي جمعية سرية دينية مسيحية تأسست عام 1099 يرأسها (سيون).

وتتابع أحداث القصة لتظهر أن (سيون) قُتل على يد جماعة دينية أخرى كاثوليكية متشددة تناصب (سيون) العداء وتدعى (أوبوس داي) في سبيل الحصول على الصندوق الذي يحوي وثائق فرسان الهيكل التي يحتفظ بها منذ آلاف السنين وتعود بحسب الرواية إلى الملك سليمان والهيكل المنسوب إليه.

يهرب (لانغدون) -الذي يجد الأدلة الظرفية تحيط به إلى صديقه السير (لاي تيبينغ) وهو مؤرخ ونبيل بريطاني قضي سنوات طويلة في البحث في تاريخ فرسان الهيكل ومحاولة الحصول على وثائقهم وآثارهم - إلى بريطانيا.

ويتبين في النهاية أن (تيبينغ) هو المخرج الأساسي للمسرحية، وأنه يستدرج رئيس جمعية (أوبوس داي) المتشددة لتلاحق أخوية (سيون)، وتقتل رؤساءها من أجل الحصول على وثائق فرسان الهيكل لعلها تعطيهم قوة ونفوذاً لدى الفاتيكان، أو على الأقل تمنع الفاتيكان من إبعاد الجمعية عن مظلة الفاتيكان، فقد ضاق البابا ذرعاً بالجمعية وتشددها وإساءاتها للديانة المسيحية.

وقد استغل (تيبينغ) تطرف الجمعية ولهفتها لحل مشكلتها مع الفاتيكان ليستدرجها لتساعده في البحث عن فرسان الهيكل من دون مسؤولية تقع عليه، ويظهر أنه لا توجد وثائق وأسرار ولا كأس مقدسة، وأنها ليست جميعها إلا طقوساً ورموزاً مستمدة من الأديان السابقة ومتداخلة مع المسيحية يؤمن بها فرسان الهيكل وجمعية (سيون).

وثائق جمعية سيون السرية

وللتوضيح أكثر حول ربط الرواية بالدين المسيحي فإن جمعية (سيون) الدينية محور الرواية- كشفت مكتبة باريس الوطنية عام 1975 عن مخطوطات ووثائق سرية لها، وتبين أن من بين أعضائها (ليوناردو دافنشي) وغيره من الأسماء الشهيرة من قبيل (إسحق نيوتن) و(فيكتور هوغو).

ويعتقد "السيونيون" أن المسيحية دخلت منعطفاً تاريخياً عندما تنصر الإمبراطور (قسطنطين)، وأدخل تعديلات خطيرة على المسيحية، مخالفة لسياقها وانتمائها الأصلي لسلسلة الديانات والرسل من قبيل ألوهية المسيح، وأن المسيحية الحالية هي مسيحية من صنع (قسطنطين) وأن المسيحية الحقيقة هي ما يؤمن به هؤلاء "السيونيون".

وتعرض القصة من خلال سردها للأحداث لكثير من المعتقدات التي تشكل خطاً أحمر بالنسبة لمسيحي اليوم على اختلاف طوائفهم، ومثال ذلك "أن المسيح -باعتقاد جماعة (السيونيين)- رجل عادي تزوج من مريم المجدلية، وأنجب منها بنتاً سميت (سارة) وأن ذريتها الملكية باعتبار أن المسيح من ذرية داود وسليمان باقية حتى اليوم"..

وأن وظيفة أعضاء جمعية (سيون) حماية هذه الأسرة الملكية من نسل المسيح ومريم المجدلية والحفاظ عليها، وبالعودة لأحداث القصة فإن (سونيير) مدير متحف اللوفر هو آخر رئيس للجمعية، وهو أيضاً من هذه السلالة الملكية.

القصة إذاً تعرض وتبشر بـ"المسيحين الجدد"، وهؤلاء المسيحيون (الجدد) بحسب السرد التاريخي الذي امتزج بالروائي في "شيفرة دافنشي" هم (السوينوين).

"السيونية " .. مسيحية وثنية !

والسيونية التي تعرض لها الرواية تبدو مزيجاً من الوثنية والمسيحية؛ فهي تؤمن بالمسيح وتعتقد بأتباعه، وتعتقد أيضاً ببشريته وبالمعتقدات السابقة للمسيحية.ويسوع المسيح كان شخصية تاريخية ذات تأثير مذهل، ألْهم الملايين وابتكر فلسفات جديدة، وكان يمتلك حقاً شرعياً للمطالبة بعرش ملك اليهود، باعتباره ينحدر من سلالة الملك داود والملك سليمان.

السيونية في الغرب

المثير الذي تعرضه الرواية في سردها أن (قسطنطين) -حسب اعتقاد السيونية– ظل وثنياً، ولم يتنصّر؛ بل إنه لم يتعمد إلا وهو على سرير الموت عندما كان أضعف من أن يعترض على ذلك، وكان الدين الرسمي في عهده هو عبادة الشمس، وكان (قسطنطين) كبير كهنتها، لكن لسوء حظه كان هناك اهتياج ديني متزايد يجتاح روما، إذ تضاعف أتباع المسيحية على نحو مذهل، وبدأ المسيحيون والوثنيون يتصارعون إلى درجة تهديد الإمبراطورية الرومانية بالانقسام .

ورأى (قسطنطين) أنه يجب اتخاذ قرار حاسم؛ فقرر عام 325 توحيد الإمبراطورية تحت لواء دين واحد هو المسيحية، لكنه أنشأ ديناً هجيناً مقبولاً من الطرفين، وذلك بدمج الرموز والطقوس الوثنية والمسيحية معاً.

ويستدل على ذلك بعدة شواهد من قبيل أقراص الشمس المصرية التي أصبحت هالات تحيط برؤوس القديسين الكاثوليكيين، والرموز التصويرية لـ(إيزيس) وهي تحضن طفلها الرضيع المعجزة (حورس) مثل (مريم) تحتضن المسيح الرضيع، وتاج الأسقف والمذبح والمناولة كلها طقوس مستمدة مباشرة من أديان قديمة وثنية غامضة، وتاريخ ميلاد المسيح 25 ديسمبر/ كانون الأول هو أيضاً تاريخ ميلاد (أوزيريس) و(أدونيس) و(كريشنا)، وحتى يوم العطلة الأسبوعية الأحد هو يوم عابدي الشمس أيضاً "sun day" أي يوم الشمس! .

وتنسف الرواية حقائق عقدية مسيحية غاية في الرسوخ من قبيل أن ألوهية المسيح حاجة ملّحة وضرورية للسلطة السياسية تم اعتمادها كضرورة فقط ، والمثير ما تقوله الرواية من أن (قسطنطين) أمر بإنجيل جديد أبطل الأناجيل السابقة التي تتحدث عن إنسانية المسيح وبشريته وجمعها وحرقها كلها.

الدين في خدمة السياسة !

وهنا يشير الكاتب والباحث الإسلامي الأردني (إبراهيم غرايبة) إلى أن وثائق البحر الميت التي اكتشفت عام 1950 وتنازعت عليها الأردن وإسرائيل تعدّ دليلاً مخالفاًَ لأناجيل (قسطنطين)، فقد تحدثت تلك الوثائق عن كهنوت المسيح بمصطلحات إنسانية تماماً، وهي تلقي الضوء على فبركات تاريخية تؤكد أن الإنجيل قد أُعدّ ونُقّح على أيدي رجال ذوي أهداف سياسية.

ويضيف (غرايبة) أن في القرآن إشارة لتأثير الأديان خاصة معتقدات الخصب والعطاء على بني إسرائيل، مثل عبادة بعل إله الخصب والعطاء عند الفينيقيين، وقد تحول بعض بني إسرائيل لعبادته، فكان (إلياس) الرسول -الذي كان يعيش في بلدة في مدينة عجلون شمال الأردن، ومازالت كنيسة (مار إلياس) التي بنيت في أوائل القرن السابع الميلادي قائمة في المكان- يخاطب قومه كما في القرآن "وإن إلياس لمن المرسلين، إذ قال لقومه ألا تتقون، أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين"، وربما يكون سفر نشيد الإنشاد في العهد القديم المنسوب إلى سليمان هو من امتدادات وتأثير الأديان السابقة التي تقدّس الخصب والأنثى .

ويعتقد (غرايبة) أن رواية "شيفرة دافنشي" ليست أكثر من محاولة لفهم تأثير المسيحية على ديانات كانت سائدة وتأثير هذه الديانات والمعتقدات على فئات وطوائف مسيحية؛ فنشأت طوائف تمزج بين المسيحية والأديان السابقة، كما في حالة فرسان الهيكل وأخوية (سيون)، وقد بقيت المسيحية العربية برأيه فترة طويلة تؤمن بالتوحيد وترفض عقيدة التثليث التي يؤمن بها مسيحيو اليوم!

خلاصة

وخلاصة القول : إن مؤلف رواية "دافنشي كود Da Vinci Code" يتطرق لمواضيع حساسة تتعلق بصلب الاعتقاد المسيحي وببساطة يمكن القول إن الرواية تتعرض للدور الخطير الذي قام به الإمبراطور (قسطنطين) الروماني في ترسيخ المسيحية الحديثة عن طريق خلق دين هجين يجمع بين المسيحية والوثنية، التي كان يؤمن بها.

ووردت في الكتاب أيضاً أمور تشكك في مجمل الاعتقاد المسيحي كقول مؤلفه: إن 25 ديسمبر هو عيد ميلاد الإله الفارسي "مثرا" الذي يعود إلى ما قبل ميلاد المسيح، وإن الهالات التي تحيط برؤوس القديسين هي أقراص الشمس المأخوذة من المصريين القدماء.

وإن المسيحيين في البداية كانوا يتعبدون يوم الشبط، أو السبت اليهودي، ولكن (قسطنطين) غيَّر اليوم ليتوافق مع اليوم الذي يقوم فيه الوثنيون بعبادة الشمس Sunday، وإن مدينة "نيقية" هي التي شهدت -عن طريق التصويت الذي شارك فيه كهان مسيحيون- ولادة فكرة أُلوهية المسيح وغير ذلك من الأسس الأخرى

عن موقع "الرسالة" في

01.06.2006

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)