كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

"شـــيــفـرة دافـيــنــشـــي" لـرون هــــاورد.. إهــــــانــة الـســــيـنــمـا أولاً

باريس – من هوفيك حبشيان:

عن فيلم

شفرة دافنشي

   
 
 
 
 

بعد التدقيق، نكتشف ان "شيفرة دافينشي" لا يسيء الى الدين المسيحي بقدر ما يجر الى الوحل والبهدلة كل هؤلاء الذين يقفون وراء تحويل الكتاب فيلماً. في المقدمة، المخرج الاخرق رون هاورد ("رجل السيندريللا" - 2005)، ثانياً كاتب السيناريو المستعجل، ثالثاً الرواية نفسها التي لم تنكشف ركاكتها الا بعدما صارت على الشاشة، وتالياً لم يُترك للمتلقي ملذات ان يشغل مخيلته. ومن ثم الممثلون الذين لا يتحملون طبعاً مسؤولية هذه المهزلة مثلما يتحملها اصحاب العقول المدبرة. فكيف اذاً لشريط يحطم كل الارقام القياسية في مجال التضخيم والتسطيح والبلاهة وخفة العقل، أن يخيف رجال الدين، الى حدّ انهم يدعون المؤمنين وغير المؤمنين الى مقاطعته، وهو الفيلم الذي يقول عنه مخرجه انه "خياليّ يبغي الترفيه"؟ المشكلة تالياً ليست في الفيلم، بل في قلة ثقافة رجال الدين السينمائية وتقويمهم الاخرق الذي يوقعهم في فخ الترويج المجاني لاعدائهم ولاعداء الكنيسة بلا قصد. أسوأ ما في الموضوع انهم في كل مرة يجروننا الى هستيريا سمجة، يتبين ان الاعمال المستهدفة باردة وتفتقر الى الشغف وخالية من ادنى المتطلبات السينمائية. لا نعلم متى تنتهي لعبة القط والفأر بين الميالين الى "الفضيحة الدينية" وحراس أبواب السموات. النتيجة الوحيدة لهذا الصراع الذي انتقل الى هوليوود، واستغله خبراء الماركتينع، هي العدم والفراغ واللاشيء.

يرتكز الفيلم على نظريات تدعو الى السخرية من شدة اللهجة الاكيدة والثقة المتزايدة اللتين توضعان فيها على بساط البحث. لكن أوسكار "افضل نظرية" تناله نظرية المؤامرة التي يسرح الفيلم في جهنمها ويمرح ساعتين ونصف الساعة. كأن لا كاتب سيناريو ولا مخرج، يسهران على جعل الأطروحات تصدق. كأن هذين الكاتب والمخرج لا يكترثان اذا وجدت الاكذوبة ممراً الى عقل المشاهد. وكأن الخيال العلمي، كلما كان اخرق، صدّقه المتفرج وسهلت عملية تشويش مخيلته. انها قصة الكتاب منقولة الى الشاشة بحرفيتها. الحرفية هنا نقيض التصرف والاجتهاد، ومرادف لزوال المخرج وصمته المميت. للوهلة الاولى، يخيّل الينا ان القصة ليست أكثر ذكاء من المسلسلات البوليسية التي صوّرتها السينما الاميركية منذ سحيق العهود. للوهلة الاولى و"الاخيرة" ايضاً، جريمة + لغز + حل. هذه هي المقومات الثلاثية البعد لهذا الإنتاج البصري الذي كثيراً ما يعكس انحطاط الصنف البوليسي لعدم وجود كتّاب سيناريو ومخرجين يأخذون المشاهد في عاصفة سينمائية لا تهدأ، بدون تكرار لموافق عقيمة او اسفاف يتعب الاعصاب. هنا الثرثرة لا تنتهي. الاخذ والرد لا ينتهيان. حيرة المشاهد التائه بين الحقيقة المسلّم بها والاسطرة، لا تنتهي. الالتباس بين ما يقوله هذا وما يقوله ذاك، لا ينتهي الا عندما ندنو الى خاتمة احزاننا السينمائية.

خلافاً لدان براون، لا يفلح هاورد في بناء شخصيات من لحم ودم. فتوم هانكس في دور البروفسور روبرت لانغدون يبقى توم هانكس. كذلك جان رينو واودريه توتو وآخرون. ولإضافة بصمة مغايرة والاتيان بشيء ما، ينسب المخرج الى كل شخصية ماضياً حافلاً بعذابات من شأنها بناء كاراكتير هو مدعاة للفضول. لكن هذا الخيار الفني لا يثمر. بجرعات مدروسة، يضيف هاورد قليلاً من الصوفية هنا، وقليلاً من القداسة الدينية هناك. يستهويه اللغز والسر المرتبطان بالحقيقة في مفهومها الديني. لا شيء ينتج ايضاً من هذه المعادلة. فلا يبقى لهاورد الا ان يركن في مرأب، فيلم الحركة الخالي من المفاجآت: الاخراج الاكاديمي الباهت، الجمالية المشغولة بعجل وبلا ذوق، الفلاش باك القبيح الذي يشرح ما كان ينبغي ان يبقى خارج اطار التبرير ليتولد المزيد من الغموض.

يفتتح الفيلم بجريمة ضحيتها حارس متحف اللوفر (جان - بيار ماريال)، الذي تثير مشاهدته الضحك وهو يركض في اروقة المتحف الشهير هرباً ممن يرغب في قتله، ويمهد للمشاهد الفالتة من احد افلام السلسلة "ب". عندما يدخل البروفسور المختص بدراسة الرموز للاضاءة على ملابسات الجريمة، تطارده الشرطة الفرنسية والمجتمع السري (لكنه يفلت بريشه في كل مرة بأساليب بهلوانية) ويُمنَع من اكتشاف الحقيقة. لكن "الحقيقة"، الاقوى من كل شيء في الافلام الاميركية، ستظهر عاجلاً أو آجلاً. حقيقة كاريكاتورية مفادها ان صوفي نوفو (توتو)، محللة الالغاز الموهوبة التي ترافق البروفسور في رحلته الاستطلاعية، تنحدر من سلالة يسوع المسيح، وان مقبرة مريم المجدلية شيدت تحت هرم اللوفر (!). انها حقاً لمهزلة. بل "سكوب" العصر. خلنا انفسنا فجأة في الزمن الذي اكتشفت فيه الصحافة وجود ابنة غير شرعية للرئيس الراحل فرنسوا ميتران. هنا، يقال لنا ان للمسيح زوجة، وابنة غير شرعية، لكن "الحقيقة" خلافاً لمازارين، ابنة ميتران، تأخرت 2000 عام. زوجة وابنة: حقيقتان دفعة واحدة؟ نراهن انه حتى الذين ارادوا إمرار هذه البضاعة الرخيصة، يضحكون في سرهم!

لكن، رغم تهاوي الحجج وتراكم الافكار البلهاء، يزعم الشريط تقديم قراءة "تنويرية" للمقدسات والرموز المسيحية. لكنها قراءة مشفرة ومدعية لا أعرف اذا كانت تفيد البشرية في شيء. في المقابل، قد يكون هناك حقائق مرعبة تخفيها الكنيسة عن المنتسبين اليها، لكن المشاهد الواعي لن يذهب عبر هذا الفيلم الساقط من اليقين الى الشك. قد يكون من العار ان يفقد أحدنا الايمان على يد فيلم مماثل. فليترك هذه "الفضيلة" الى فيلم يستحق ان يعاد النظر في المقدسات الدينية من اجله.

من الواضح ان هذا القدر المشؤوم اصاب الجسد التمثيلي بأكمله. فهذه المرة الاولى منذ زمن بعيد يشوه أحد الأفلام ممثليه ويجعلهم نكرة الى هذا الحد. اذا نظرت الى وجوهم المكفهرة واطلالاتهم الشاحبة، وهذا ما يفعله المشاهد طوال الفيلم على اي حال، فسترى ان الاسماء التي استعان بها هاورد لضمان النجاح الجماهيري، ليست هدية لهذا الفيلم. كلهم من دون استثناء يتخبطون ويستنجدون مراراً وتكراراً. لكن الابواب كلها مغلقة!

بوتيرة جهنمية تتعاقب اللقطات وتتشابه، من دون ان يكون ثمة رابط بينها. لا شيء منظّماً في الفيلم سوى العشوائية. ولا شيء في الدنيا كان يبرر نقل تشويهات مماثلة من صفحات كتاب الى الشاشة. كثيرة هي المرات، وقعت الاقتباسات في فخاخ الاكاديمية والتنميط والكتابة الكسولة التقليدية، لكن قلما كان الاقتباس على هذا القدر من الخفة وعدم الانسيابية. ان تفترض السينما نظريات، فهذا حقها، لكن ان تقدمها في اطار نافر يرفضها حتى الطفل الرضيع، فهذا شأن آخر. لا بأس ان نقول اشياء عن التحف واللوحات، عن ليوناردو دافينشي والبابوات، شرط ان لا نكون ضحية لقهقهات المشاهدين وهزئهم.

الغريب في هذا كله، ان لا احد من المسؤولين عن الفيلم، المنطلقين من رغبتهم في ممارسة كامل حقوقهم المدنية وحريتهم، ادرك انه يهين السينما أكثر مما يهين المقدسات. تبرهن السينما الاميركية انها، بلجوئها الى قول اي شيء وكيفما كان وبأي ثمن، تستنجد بمواد اولية فاسدة في اطعام زبائنها، وهذه فضيحة أكبر من "الفضيحة الدينية" التي ترغب في اثارتها. للمناسبة، هل اصبحت الحرية عدوة السينما؟

النهار اللبنانية في

13.06.2006

 
 

هل تصل حرية الإبداع إلى درجة الإساءة للأديان ؟

مصر تصادر كتاب "شفرة دافنشي" وتمنع الفيلم المأخوذ عنه 

أفادت مصادر مصرية أن مجلس الشعب قرر مصادرة كتاب "شفرة دافنشي" ومنع دخول الفيلم المأخوذ عنه لاساءتهما للدين المسيحي.

وحذر رئيس مجلس الشعب الدكتور أحمد فتحى سرور من احتمال حدوث حرب بين الثقافات وهو الذى ينادى به البعض مؤكدا أن الصراع بين الثقافات يزرع بذور الفتنة بين الشعوب وهو الأمر الذى يعد خطرا أكبر من الأسلحة النووية لأنه يكمن داخل الشعوب.

وحضرت النائبة جورجيت صبحى الى جلسة المناقشة ومعها نسختان من الكتاب إحداهما ترجمة عربية له. وقالت وهى تلوح بالنسختين "الكتاب يتضمن اساءة بالغة. يتضمن اساءة للمسيح ويسيء للمسيحية والاسلام."

وقال حسين ابراهيم عضو المجلس عن جماعة الإخوان المسلمين "نحن مع الابداع. لكن كما رفضنا الاساءة فى واقعة الرسوم الكاريكاتورية التى أساءت للنبى محمد "صلى الله عليه وسلم" نرفض الاساءة للسيد المسيح والسيدة مريم العذراء."

ومن جانبها أكدت الحكومة على لسان وزير الثقافة فاروق حسنى رفضها لأى مساس بالسيد المسيح وتعهدت بعدم عرض الفيلم فى مصر والعمل على منع دخول الكتاب من الخارج.

وأكد حسنى أن الرقابة على المصنفات الفنية التابعة للوزارة ترفض أى أفلام تسىء للأديان أو تخدش الحياء الاجتماعى وذلك أساس العمل الرقابى موضحا أن نسخ الفيلم التى دخلت مصر لم تدخل بطريق رسمى انما من خلال القرصنة.

وكان عدد من نواب المجلس قد استنكروا الإساءة للدين المسيحى مثلما استنكر المسيحيون قبل ذلك الاساءة للنبى محمد صلى الله عليه وسلم مطالبين بمنع الكتاب والفيلم من دخول مصر ومتهمين كتاب "شفرة دافنشى" بأنه أسطورة صهيونية وفكر يسىء للمسيح الذى يجله الاسلام والمسلمين.

اعتراض

ومن الجانب المقابل تعالت أصوات معارضة لقرار المصادرة مطالبة بعرض الفيلم وتجاوز الرقابة عملا بمبدأ حرية الإبداع وكون المنع سببا مباشرا فى رواج العمل الممنوع بشكل أكبر.

وقال الناقد السينمائى عصام زكريا "إنه أصبح من المستحيل عمليا منع الجمهور من مشاهدة أى فيلم فى عصرالإنترنت التى جعلت كل الأفلام متاحة للجميع، مشيرا إلى أن قرارات المنع لن تؤدى إلا إلى تلهف الجمهور على مشاهدة الفيلم والرغبة فى الاطلاع على سبب المنع".

وقالت الناقدة أمينة الشريف إن البيان الذى صدر عن الكنائس المصرية منددا بالفيلم بيان سياسى فى المقام الأول، وإن الظروف المحتقنة حاليا فى مصر لا تسمح بعرض فيلم مثير للمشاكل ولو كان الوضع السياسى مختلفا ربما سمح بعرض الفيلم على استحياء مثل غيره من الأفلام الأخرى.

وأشارت إلى حالة الاستغراب التى تملكتها من اعتراض الغرب على غضب المسلمين من الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبى محمد صلى الله عليه وسلم فى الصحف الدانماركية وغيرها باعتبارها حرية تعبير مكفولة، وما يجرى فى الغرب حاليا من هجوم على الفيلم الذى يزعم أن السيد المسيح تزوج مريم المجدلية وله منها أبناء.

ولقى "شفرة دافنشي" الذى يستغرق عرضه ساعتين ونصفا استقبالا فاترا لدى عرضه الأول فى مهرجان كان السينمائى الدولى بسبب الدعاية المضادة التى سبقت عرضه حيث يتجاهل حقائق عقائدية مسيحية، ورغم ذلك حقق إيرادات ضخمة فى الدول التى عرض بها واحتل رأس قائمة أكثر الأفلام مشاهدة.

وكان جابى خورى مدير شركة افلام مصر العالمية التى تقوم بتوزيع أفلام شركة كولومبيا الاميركية منتجة دافنشى كود قال مطلع ايار/مايو إن الشركة سحبت الفيلم من السوق بناء على طلب جهات رسمية رغم حصولها على موافقة الرقابة لعرضه.

وتعرض الفيلم لانتقاد شديد من جانب الكنائس المصرية فى بيان يحمل توقيع البابا شنوده الثالث بطريرك الأقباط الارثوذكس وروساء الكنائس المسيحية فى مصر ويعتبر أن الفيلم يزيف التاريخ وعلم الآثار وتقوم وقائعه على الأباطيل.

كما أدان الفاتيكان الفيلم والكتاب وطالب المسيحيين فى العالم بمقاطعتهما . وأعلن رجال دين مسلمون فى أكثر من دولة أنهم يتضامنون مع المحتجين على الكتاب والفيلم. لأن الاسلام والمسيحية من الأديان السماوية المقدسة التى يجب احترامها.

ويستند الفيلم إلى رواية شهيرة بنفس الاسم كتبها المؤلف الأميركى دان براون وزعت منها ملايين النسخ وترجمت إلى لغات عدة وتعرضت لهجوم شديد من الأوساط الكنسية لتعرضها لحياة المسيح الذى قالت أنه تزوج من مريم المجدلية وانجب منها ذرية مازالت تتناسل حتى اليوم.

العرب أنلاين في

14.06.2006

 
 

«شيفرة دافنشي» بين رواية وفيلم

قصة حرب مقدسة تنتهي في متحف اللوفر

الوسط - نبيل عبدالكريم  

توقع الكثير من المعجبين برواية «شيفرة دافنشي» أن يكون الفيلم على سوية الرواية التي اكتسحت الأسواق وباعت حتى الآن قرابة 40 مليون نسخة.

إلا أن التوقع لم يكن في محله نظراً إلى ذلك الفارق بين رواية تعتمد الألغاز ولغة الأسرار وشريط سينمائي يريد نقل القصة من خلال سرد كل المحتويات. وهذا من الأعمال الصعبة لأن القدرة على حبك الرواية كتاباً يختلف عن نقل عناصر الموضوع الشائك بمختلف وجوهه من خلال الكاميرا.

حاول مخرج فيلم «شيفرة دافنشي» تقريب حكايات القصة قدر الإمكان إلى المشاهد. ونجح في مهمته إلى حد ما لكنه فقد السيطرة على تتابع المشاهد نظراً إلى ذاك التداخل بين العناصر المختلفة. فالرواية دمجت التاريخ بالعقائد بالإشارات بالرموز إضافة إلى مطاردات بوليسية يصعب فكها من دون الوقوع في التطويل السردي.

الفيلم الذي يعرض الآن في سينما الدانة جيد الصنع لكنه أقل من المتوقع، وذلك لسبب يعود إلى نجاح الرواية في مخاطبة الملايين من خلال سرد قصصي دمج مجموعة عناصر في سياق هادف. الفيلم قارب الرواية لكنه كان أقل منها في مستوى إمساك المخرج مختلف خيوط اللعبة. وحين تكون التوقعات عالية وتفوق التصور تصبح المقارنة بين الرواية والفيلم غير عادلة. فالمخرج تجرأ على معالجة موضوع شائك ومن أصعب المناطق حساسية وخصوصاً حين يتناول في جوانب منه مسائل عقائدية تمس إحساس مئات الملايين من البشر.

وبما أن السينما مكشوفة أكثر من الكتب وعدد المشاهدين عادة أوسع من القراء تصبح مهمة المخرج أصعب لأنه سيتعرض للنقد أكثر سواء من جهة المعجبين بالرواية أو من جهة الرافضين لها.

«شيفرة دافنشي» من الأفلام الروائية المعقدة التي تتشابك فيها مجموعة حقول تجمع بين التاريخ والأساطير والإشارات المبهمة أو الرموز الدالة على تناقضات سلبية وإيجابية في آن. فالإشارات والرموز تختلف في دلالاتها بين ثقافة وأخرى، وتتبدل معانيها بين زمن وآخر. وأحياناً تكون الرموز جيدة وإيجابية في تقاليد شعب وتدل على العكس في تقاليد شعوب أخرى. فالمسألة نسبية وتتغير رؤيتها بحسب المكان والزمان... وعندما تختلف الرؤية بهذه المقادير يصعب على الراوي أو المخرج أو المشاهد أن يقدم قراءة موحدة أو مقنعة. فلكل طرف زاوية ينظر منها إلى الأشياء. وتزيد المشكلة صعوبة حين تكون تلك الأشياء مقدسة عند البعض وغير ذلك عند البعض الآخر.

المسألة إذاً تتصل بالقراءة والرؤية والزاوية التي ينظر منها المشاهد إلى فيلم «شيفرة دافنشي». يبدأ الشريط في متحف اللوفر الفرنسي وتحديداً من تلك الباحة الواسعة التي أقيم في وسطها هرم زجاجي مفتوح على السماء وفي الآن يستخدم ممراً أو مدخلاً للمتحف الشهير في باريس.

بداية الفيلم هي الهرم الزجاجي في اللوفر وأيضاً نهايته تتوقف هناك. فالقصة تبدأ من تلك الردهات التي يطارد فيها أحد الجاملين للأسرار. وتلك الأسرار هي عبارة عن شيفرات وضعها دافنشي وتدل على خريطة طريق تنكشف فيها أحد أسرار الكنيسة وتمس الجوهر المقدس في الديانة المسيحية.

الخطورة هنا. فالموضوع الذي سرد في إطار مطاردة بوليسية تتضمن مجموعة حلقات مترابطة السلسلة وصولاً إلى نهاية القصة لا يتحدث عن مسألة عادية بل يحاول إعادة النظر في مقدس يعتبر من ثوابت المسيحية. وبسبب هذه الجرأة غير المتوقعة في تناول جانب تاريخي حساس ومسكوت عنه احتجت الكنيسة الكاثوليكية على الفيلم واعترضت على استخفافه بإيمان ملايين الناس وطالبت بمنع عرضه في دور السينما حتى لا تنشأ حساسيات تزعزع مفاهيم متوارثة ومتفقاً على قدسيتها.

الفيلم بدأت دور السينما بعرضه وسط ضجة كبيرة أحدثتها احتجاجات الكنيسة التي وجهت انتقادات قوية قبل مشاهدة الشريط. ولذلك حين أعلن بدء العروض زحفت الملايين في العالم لمشاهدة تحفة سينمائية كما توقع الجميع. ولكن الشريط الذي يحاول ربط كل عناصر الرواية فشل في القيام بهذه المهمة بسبب تلك التعقيدات التي قد تكون مقنعة كرواية لكنها ليست كذلك كقصة مصورة في شريط سينمائي.

جوانب الفيلم

تتألف عناصر الفيلم من جوانب مختلفة. فهناك أولاً الرموز والأرقام والألغاز والإشارات الغامضة أو الدالة. وهناك ثانياً قصة تاريخية دينية تتحدث عن تلك الاجتهادات في تفسير المسيحية وخصوصاً في بداياتها الأولى. وهناك ثالثاً اختلاف وجهات النظر بين المسيحيين في تحديد طبيعة المسيح، فبعض الفرق تتحدث عن طبيعة واحدة وبعض الفرق تتحدث عن طبيعتين. وهناك رابعاً اختلاف الرؤية في الأناجيل والتوافق الكنسي الذي حصل في مجمع نيقية في القرن الرابع الميلادي فاختار من كل الأناجيل خمسة (متشابهة) وحذف ما تبقى وأمر بإحراقها ومنع تداولها متهماً كل من يروج لها بالهرطقة. وهناك خامساً قصة سرقة تابوت يقال إن مريم المجدلية مدفونة به من بيت المقدس في فترة حروب الفرنجة في فلسطين قبل ألف سنة. وهناك سادساً ذاك التواطؤ الذي حصل بين مجموعة أطلق عليها «فرسان الهيكل» وكنيسة روما ويقوم على فكرة سرقة التابوت (مريم المجدلية) وإخفاء مكانه ومعالمه. وهنالك سابعاً قصة انتقال التابوت من مكان إلى آخر لحفظ السر المقدس ومنع نمو تلك المعتقدات التي تفصل بين الصانع والأنبياء والرسل.

كل هذا الكم من التداخلات يمكن حصره في رواية مقنعة للقارئ لكنه من الصعب تحويله إلى صور تقنع المشاهد. فالكاميرا قوية حين تكون مكلفة بنقل سيناريو متماسك موحد الاتجاهات، ولكن قدراتها تضعف حين تتداخل السيناريوهات ويختلط التاريخ بالزمن المعاصر.

أهمية الرواية أنها تستخدم التاريخ كمادة زمنية معاصرة وتضع تلك الأساطير والأسرار وخفايا الكنيسة وتاريخها المظلم واستبدادها بالرأي حرصاً على مصالح تربط أصحاب المؤسسة بفكرة واحدة تقوم على معتقد ديني مقدس.

الرواية نجحت في تفكيك الرموز وحاول الفيلم نقل تلك المتتاليات في سياق متماسك لكنه فشل في التقاط كل العناصر وتحويلها إلى عمل مقنع للمشاهد. فالعمل لا يتحدث عن زمن مضى بل إنه ينقل الماضي إلى حاضر في صورة مطاردات بوليسية تبدأ في ردهات ودهاليز اللوفر.

يبدأ الفيلم من اللوفر الذي تقع فيه جريمة قتل. وفي اللحظة التي يسقط فيها هذا القتيل الذي يترك إشارات ترمز إلى ألغاز وأسرار تبدأ مطاردة من نوع آخر بين الشرطة المخترقة من منظمة دينية تابعة إلى الكنيسة وعالم في تفسير تلك الرموز وشابة تعمل مع الشرطة على صلة قربى بذاك القتيل.

هناك إذاً مطاردة معاصرة بوليسية بامتياز تلاحق مجموع رموز تتصل بالتاريخ والمقدسات وتطول الكنيسة وموقعها المقدس في ذاكرة الغالبية من المسيحيين.

«شيفرة دافنشي» موجودة في المتحف خلف لوحة «الموناليزا». وأيضاً لها صلة بتلك اللوحة التي ترسم «العشاء الأخير» بين السيد المسيح وتلامذته الـ .12 ومن خلال رسومات دافنشي تبدأ مراجعة التاريخ ومدى صحة تلك الروايات المنقولة عن ألوهية المسيح. ولماذا تحرص الكنيسة على إخفاء ذاك «السر» الموجود في تابوت «مريم المجدلية».

هذه هي القصة بينما الرواية فإنها ممتدة على أكثر من بعد. والبعد الأخير يقوم على فكرة التشكيك بتلك الرواية الرسمية المنقولة عن الكنيسة. هذه النقطة تشكل صدمة للمؤمنين لذلك بدأت الفرق تطارد بعضها حتى لا ينكشف السر المقدس تلك الكأس التي شرب منها المسيح في ليلة العشاء الأخيرة. دافنشي في لوحته لم يضعها على الطاولة بل رسم إلى جانب المسيح صورة غامضة وهي لتلك السيدة مريم المجدلية.

النقطة تمس إذاً قداسة السيد المسيح. وأيضاً الفكرة ليست بعيدة عن تلك الصورة التي يرسمها القرآن الكريم في آياته. وهذه الصورة التي تعتبر عادية في تفكير المسلمين ومعتقدهم مرفوضة عند المؤمنين وخصوصاً أتباع الكنيسة الكاثوليكية. الرواية/ الفيلم يتحدث عن هذا الجانب المقدس عند فئة واسعة من البشر بينما هو ليس مقدساً عند فئة أخرى من الناس. والمطاردة التي تحصل هي لمنع انكشاف السر الموجود في تلك الشيفرة التي وضعها دافنشي وترمز إلى إشارات تدل على المكان المدفون فيه تابوت مريم المجدلية. وهذا التابوت إذا فتح ستنهار بسببه معتقدات الملايين من البشر.

هذه الرسالة الأخيرة التي يريد الفيلم (الرواية) إيصالها. هل نكشف الحقيقة أم نترك الناس على إيمانهم؟ وما الفائدة من قول الحقيقة إذا كانت في الأخير لن تقدم الشيء الجديد سوى تخريب القديم؟

ينتهي الفيلم على نهايتين ساذجتين: الأولى أن الشرطية (المحققة) هي آخر الأبناء من سلالة مريم المجدلية (وهذا يعني أن المسيح بشر أرسله الله إلى الناس) والثانية أن تابوت مريم المجدلية مدفون في اللوفر وتحت الهرم الزجاجي المنصوب في باحة المتحف.

النهاية ضعيفة ومضحكة لكنها كانت كافية لإشعال معركة عقائدية أعلنتها الكنيسة معتبرة أن الفيلم (الرواية) تجاوز حده وأساء إلى مشاعر المؤمنين بألوهية المسيح (طبيعة واحدة) وأعاد فتح ملف أغلق منذ 1600 سنة حين أحرقت الأناجيل التي تعاكس تلك الفكرة وهي قريبة في تصورها عن صورة المسيح التي وصفت في الآيات القرآنية.

المسألة إذاً تبدأ في متحف وتنتهي في متحف. فهذا أصبح من التاريخ ولا ضرورة لإعادة فتح ملفات تحولت إلى قناعات ثابتة عند الملايين. والمسألة أيضاً تتصل بالزمان والمكان واختلاف رؤية البشر للرموز والألغاز والإشارات بسبب اختلاف الثقافات. فلكل ثقافة سرها ولكل حضاره طقسها... لتترك الأشياء على حالها كما وصلت من زمن سابق.

أوليفر ستون يقدم من خلال فيلمه هذا، إدانة جديدة لأمريكا وجنودها، كما يقدم إدانة لكل الحروب بشكل أو بآخر. لقد قدم المخرج فيلماً متقناً في حرفيته، يعد من بين أهم أفلام الحركة والتكنيك السينمائي الأمريكي، ولكن هذا لا يجعله يتميز كثيراً عن الجيد من أفلام حرب فيتنام.

الوسط البحرينية في

14.06.2006

 
 

استياء نقدي من الفيلم .. وعائد مالي كبير

«شيفرة دافنشي» .. لا شيء بروعة تلك الرواية

فهد الإسطاء  

استطاعت الصالات السينمائية في الامارات والبحرين ان تحقق خطوة متقدمة في حرية العرض والتعبير، حينما افتتحت الاسبوع الماضي عرض الفيلم الاكثر جدلا والاكثر انتظارا من قبل الجمهور السينمائي: «شيفرة دافنشي The Da Vinci Code» وسط حضور كبير من المشاهدين امتلأت بهم الصالات طيلة فترات العرض .

وبعيدا عن تداعيات عرض الفيلم والجدل الكبير الذي أثاره عبر العالم كما هي الرواية المأخوذ منها الفيلم، والسبب في كل هذا، الانتظار والتشوق. ثم كل هذه الضجة وغيرها من الامور التي تحدثنا عنها أكثر من مرة منذ افتتاح الفلم في مهرجان «كان» منتصف الشهر الماضي، نأتي الآن الى السؤال الأهم والنقطة الأكثر فنية: كيف كان الفيلم ؟

الحقيقة أنني قبل مشاهدة الفيلم كنت محملا ببعض الانطباعات العامة والمتفاوتة حول مستواه الفني، ومدى قدرته على تحويل تلك الرواية بصرياً، وبالتالي قدرته على نيل اعجاب او استحسان المشاهدين عامة ومحبي الرواية ومعجبيها خاصة. كان بعض الأصدقاء المتابعين والمهتمين سينمائيا أبدوا اعجابا كبيرا بالفيلم، خلافا لرأي الأغلبية والانطباع العام لدى النقاد عبر مواقعهم الخاصة او حتى المشاهدين عبر اشهر مواقع الانترنت السينمائية، حيث لم يعطوا الفيلم اكثر من 6,5 من التقدير النهائي 10 لما يتجاوز 32 ألف مصوت بينما كان النقاد اكثر قسوة مع الفيلم حين منحوه تقديرا ضعيفا للغاية، 24 بالمائة في اكثر من 190 مراجعة نقدية طرزت بعبارات الانتقاد والتهكم.

يقول ديفيد انسن من النيوزويك عن «رون هوارد» المخرج «وكاتب السيناريو» أكيفا غولدسمان «واللذين سبق ان تعاونا معا في فيلمهما الاوسكاري» عقل جميل A Beautiful Mind «وحصل كل منهما على الاوسكار كأفضل مخرج، وأفضل كاتب سيناريو، اضافة لأفضل فيلم، ثم تعاونا مرة اخرى في فيلم «الرجل السندريلا Cinderella Man» قبل ان يتعاونا مجددا في هذا الفيلم الأخير «شيفرة دافنشي»: إنهما «كافحا وبقوة لحشر قصة دان براون المثيرة والمعقدة في ساعتين ونصف الساعة مما أدى الى فيلم مخيب».

وهذا فعلا ما يمكن ملاحظته في الفيلم، فليس هناك من شيء بروعة تلك الرواية التي قدمها دان براون باثارتها البوليسية ولحظاتها الحابسة للانفاس رغم امتلاك المخرج للتأثير البصري والموسيقي، او حتى التعقيد الفلسفي والفكري الذي قامت عليه القصة حول عدد من القضايا الدينية والتحليل الفني، أو كما يقول أحد النقاد من ان «الكتاب يحبس أنفاسك بينما الفيلم يجعلك غير مرتاح». فالفيلم جاء مختزلا بشكل مشتت لا يرضي في اعتقادي من قرأ الرواية، ولم يستطع ان يفرض الانسجام التام في من شاهد الفيلم دون ان يقرأ الرواية أولا. فالفيلم أصبح وكأنه يقدم اشارات مختصرة لما تحتويه الرواية (اشير هنا مثلا الى علاقة سيلاس بالقسيس أرينغاروسا أحد كبار أعضاء جماعة اوبوس داي والتي شكلت بقدر كبير شخصية سيلاس وهي شخصية اساسية ومحورية في الفيلم. ثم هناك المعنى الفلسفي المهم في نظرية «الأنثى المقدسة» والتي جاءت في الفيلم بشكل مختزل وعابر).

وبطبيعة الحال لاينتظر من الفيلم ان يكون طبق الاصل من رواية ما، أو أن يتقصى مراحل أحداثه ونقاطه المهمة، ولكن من جهة اخرى لا يمكن ان تكون كل رواية صالحة للتحويل السينمائي.

وفي ما يصفه ريتشارد كورليس في مجلة التايم بأنه «خامد في الغالب» ويقول عنه باول اريندت في الـ«بي بي سي» بانه «كريه» يقول جيمس بيرديناللي من رييلفيو «انه يمكن لكل واحد ان يصنف شيفرة دافنشي كتحويل لكنه تجنب الشيء الأعظم بهامش كبير»، بينما تعلق الناقدة ايمي بيناكوللي بسخرية «الشيء الغائب هو تلك البهجة النقية والمذنبة في حل اللغز كما لو اننا نبقى جانبا بدلا من المشاركة في الصيد ليقوم اثنان من الفلاحين بالصيد عنا». فيما يقول شون بورنز في فلادلفيا الاسبوعية «انه ليس سيئا كما سمعت... بل هو اسوأ».

بالتأكيد هناك معجبون بالفيلم او لنقل إنهم يعتقدونه فيلما جيدا كما هو الناقد الشهير روجر ايربرت وويليام ارنولد الذي يراه «أكثر ارضاء وتسلية من الكتاب»، وجوليس برينر وغيرهم بالطبع كما هو حال الافلام التي لا تحظى باجماع مطلق ايجابا او سلبا.

واذا كان هذا من جهة الاخراج والرؤية العامة التي طرحها المخرج والسيناريست عبر الفيلم فماذا عن الأداء؟ باعتقادي ان الممثل الكبير ايان مكلين الذي قام بدور السير لي الثري والباحث الانجليزي، تصدر اعجاب الكثير من المشاهدين كما هو ايضا جاي رينو في دور المحقق بيزو فاش، الا ان توم هانكس بدا خاسرا في هذا الفيلم واثبت صحة من رأوا خطأ اختياره لشخصية العالم روبيرت لينغدون بحيويته وحدة ذهنه بينما لم يضف الفيلم للمثلة الفرنسية اودري توتو شيئا.

بقي ان نشير الى ان الفيلم حقق ربما الهدف الأهم عنده وهو العائد المالي الكبير في شباك التذاكر حيث ما زال يحتل المرتبة الخامسة في اسبوعه الرابع محققا اكثر من 127 مليون دولار في اميركا الشمالية وحدها.

الشرق الأوسط في

16.06.2006

 
 

يهدر - دائما - حقوق المصريين

مجلس الشعب يتفرغ لمصادرة شفرة دافنشى.. بالإجماع!

سعيد شعيب

ماذا تفعل إذا قرر السيد النائب عضو مجلس الشعب الذى اخترته بكامل إرادتك لكى يمثلك إذا حدث فعلاً واخترته بحرية أن يربيك من جديد، أى يقول لك ماذا تشرب وماذا تأكل وماذا تلبس، وكيف تحب وكيف تعامل زوجتك وأولادك.. وماذا تقرأ وماذا تشاهد وغيرها من تفاصيل حياتك.

وهو هنا لا يقول فقط، ولكنه يتخذ قرارات بحرمانك كمواطن من حقك فى أن تختار ما تريده فى الحياة، ويقرر لك ولى ما يريده هو دون حتى أن يستأذنا أو يسأل عن رأينا. فقد قرر السادة النواب الانتقال من خانة السياسيين، يخطئون ويصيبون مثل كل البشر، الى خانة الوعاظ والآباء والمربين، أى قرروا أن يعيدوا تربيتنا من جديد، تعليمنا، فقد تصوروا أننا أعطيناهم توكيلاً على بياض بأن يفعلو فينا ما يشاءوا حتى لو كان فيه انتهاك لحريتنا ولخصوصيتنا.

هذا بالضبط ما فعله السادة النواب الذين قرروا منذ عدة أيام بالإجماع -لاحظ بالإجماع- مصادرة رواية وفيلم شفرة دافنشى، فهما فى رأيهم يسيئان للأديان.. ولأننا -أى الشعب مصري- شوية عيال صغيرة، أو مجموعة من البشر ناقصى العقل والدين، فقد قرروا أن يمنعوا ويصادروا حتى لا تفسد عقولنا ويهتز إيماننا!!

وليست هذه هى المرة الأولى التى يرتكب فيها المجلس الموقر هذه الأفعال، فقد تخصص فى السنوات الأخيرة فى مناقشة الأفلام مثل طيور الظلام والباحثات عن الحرية وبحب السيما، وكمان الكتب مثل الروايات الثلاث الشهيرة والرواية الأشهر وليمة لأعشاب البحر وغيرها وغيرها.

والمشكلة الأولى أن التفويض الذى أعطاه الناخب للسادة الأعضاء ليس على بياض، ولكن لكى يمارسوا دورهم المحدد فى القانون وهو التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية، أى الحكومة وأجهزة الدولة، ولكنهم لم يأخذوا تفويضاً من الناخب بأن يتولوا هم الرقابة بأنفسهم، أى يصبحون بديلاً للسلطة التنفيذية، فهذا مخالف للقانون، وفيه خلط بين السلطات وهو ما يمنعه الدستور، الذى اقر ووضع ضوابط للفصل بين السلطات فى البلد، والمقصود بها السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية.

كما أن سلطات هذا المجلس ليست مطلقة كما يتصور أعضاؤه ولكنها محددة بالدستور وإذا حدث وتم تجاوزه يتم حل المجلس وهذا حدث كثيرا، فقد أصدرت المحكمة الدستورية أكثر من مرة حكمها بحله، منها فى عام 2000 بسبب عدم وجود إشراف قضائى كامل على الانتخابات، وفى عام 1984 و1987 بسبب حرمان المستقلين من حق الترشح للانتخابات. أى أن سلطة هذا المجلس غير مطلقة ولكنها محكومة بمواد الدستور، وإذا حدث وتعارضت قراراته وقوانينه مع الدستور يتم حله. ومن المؤكد أن السادة النواب يعرفون أن الدستور يكفل تماما الحريات للمواطن المصرى، يعنى حرية الرأى والاعتقاد والتعبير وغيرها.. كما يكفل له حرية المعرفة، كما أن الدولة المصرية وقعت على المعاهدات الدولية التى أصبحت جزءا أصيلاً من القانون ومنها حرية التعبير وحرية المعرفة، صحيح أن هناك قوانين مقيدة للحريات ولكنها غير منصوص عليها لا فى المعاهدات الدولية ولا فى الدستور وهو الأصل.. ولا يوجد فى الدستور أى مادة تنص على أن يمارس السادة النواب الرقابة والوصاية بأنفسهم على هذا الشعب المسكين، كما قال النائب محمود معروف وكيل لجنة الثقافة والإعلام فى المجلس السابق والذى كان قد صرح من قبل مؤكداً أن التصدى للأفلام الهابطة ومنع عرضها هو اختصاص أصيل لمجلس الشعب، وإنه من المغالطة أن يتصور السينمائيون أن مجلس الشعب ليس رقيبا عليهم. فالرجل واضح أنه لم يقرأ القانون ولا يعرف حدود سلطاته التى منحها له الدستور والناخبون، فليس من حقه حرمان أى مواطن من قراءة أو مشاهدة ما يريد، ثم إن المصادرة لا تجوز قانوناً إلا بحكم محكمة، والمجلس الموقر ليس سلطة قضائية وليس من حقه أن يلعب هذا الدور.

الأمر الثانى المدهش فى القرار الأخير بالمصادرة هو أنه كما نشرت الصحف قد تم اتخاذه بالإجماع يانهار أسود.

أى ظهر الموقف الحقيقى لجماعة الإخوان المسلمين من الحريات، فهم كما قال مرشدهم لو تولوا السلطة فسوف يربون هذا الشعب من جديد. ومع ذلك فهذا متوقع من جماعة تعتبر نفسها وكيلة الله جل علاه على الأرض والمتحدثة باسمه واسم الإسلام.. ولكن الغريب فعلاً هم المحسوبون على باقى التيارات السياسية، فأعضاء الحزب الحاكم الذى صدع رءوسنا بالحديث عن الدولة المدنية والفكر الجديد والذى قال رئيس وزرائه منذ أسابيع قليلة أن مصر دولة علمانية، ويقصد أنها غير دينية، ها هم يدافعون عن المصادرة وقمع حرية التعبير.. ثم لماذا لم يصدر أصحاب الفكر الجديد فى الحزب بياناً يرفض المصادرة ويدافع عن الحريات؟! وكيف يوافق وزير الثقافة فاروق حسنى على المصادرة ويؤيدها وهو نفسه فنان، فهل هو خائف على موقعه أم على ماذا ؟!

ربما.. ومع ذلك فهذا متوقع من نظام لا يريد التخلص من جينات استبداده، يستغل الدين بمؤسساته الرسمية كى يبقى فى السلطة الى أبد الآبدين.

وهذا الموقف المخزى من جانب النظام يتسق مع طبيعته التى ترى أنه ولى أمر هذا الشعب ولا تتصور أبداً أنها يمكن أن ترحل فى يوم من الأيام.. أى أنها تعتبر نفسها تفهم مصلحة الناس أكثر منهم، ولعلنا نتذكر تصريح د.نظيف بأن المصريين لم ينضجوا بعد حتى ينالوا حريتهم.

كما أن هذا الموقف متسق مع مواقف كثيرة للنظام وآخرها التراجع الرهيب عن تأييد حكم المحكمة بحق البهائى فى تسجيل ديانته فى الأوراق الرسمية، يعنى التراجع عن حرية الفكر والاعتقاد كما ينص الدستور.. ولست بحاجة للاستفاضة فيما هو معروف ومكرر.

إذن ما هو غير المتوقع؟

هم باقى القوى التى تدَعى الدفاع عن الحريات والدولة المدنية مثل حزب الوفد الذى يبنى وجوده فى الحياة السياسية على أساس ليبرالى، أى حماية الحق فى التعبير. وخذ عندك الناصريين وممثلى حزب التجمع والمستقلين وغيرهم.. فكيف يدافعون عن جريمة حرمان المصريين من حقهم فى المعرفة والاختيار؟!

هى أسئلة تبدو وكأنها بلا إجابات.

فهذه القوى السياسية الأخرى التى تتحدث ليل نهار عن الحرية وحتمية الحرية صمتوا تماما على هذه المصادرة، كما صمتوا من قبل على السلطات غير القانونية للأزهر ومجمع البحوث والكنيسة وصمتوا وصمتوا.. فهل يتصورون أن الحرية هى فقط لا غير حرية خلع الرئيس ونظامه من الحكم، أم أن الحرية هى حرية للجميع، بمعنى أن تكون مصر بلدا ديمقراطيا، بلدا يصون حق المواطن أياً كانت توجهاته فى التعبير السلمى عن أفكاره حتى لو كانت مخالفة للآراء السائدة فى المجتمع، يعنى ليست فقط حرية المعارضة فى سب ولعن النظام ولكن حرية الجميع بلا أى تحفظات.

هى باختصار حرية المواطن فى أن يختار ما يشاء ويعبر عن أفكاره بكل الوسائل السلمية، ولكنها أحزاب وتيارات يعشش فى جيناتها الاستبداد مثل السلطة بالضبط، ولذلك أصابها الجمود والخراب.. فكيف لمستبد وديكتاتور أن يحارب من أجل حرية غيره، هو فقط يريد حرية ازاحة النظام ليجلس مكانه ويطبق ذات الآليات. فهم لا يتفاعلون مع الشعب ولكنهم مثل النظام ومثل جماعة الإخوان يريدون أن يربوه من جديد على مفاهيمهم وأفكارهم التى لا يأتيها الباطل من أمامها ولا من خلفها وهذه هى مأساة الحرية فى هذهاالبلد. فكل طموحهم هو أن ينزلوا النظام الكابس على قلب البلد ويركبوا هم مكانه.. فالفرق بينهما أن هذا فى السلطة فعلاً وهذا يحارب من أجل السطو عليها..ولا يريدون أن يفهموا أن دورهم هو حماية الحرية للجميع، حماية حق المصريين فى الاختيار، والدفاع عن استقلال المؤسسات، والوقوف ضد أشكال القهر والمصادرة من النظام ومن أى جهة دينية أو غير دينية.

مثلهم مثل النظام يتصورون أن المنع والمصادرة هى الحل، هم يريدون أن يغموا أعينهم حتى لا يروا الشمس، شمس تؤكد لكل ذى بصر وبصيرة أن المنع فى هذا الزمان مستحيل، وأن الرواية والفيلم يوزعان وسيوزعان فى مصر الآن وغداً والى الأبد، وموجودان على النت لمن يريد، فقرارهم بالمنع سيؤدى الى زيادة عدد الذين سيقرأون ويشاهدون ولتذهب قراراتهم للجحيم.

العربي المصرية في

18.06.2006

 
 

باطل وغير دستوري

قرار مجلس الشعب بعدم عرض شفرة دافنشى

لمياء نور 

هل من حق رئيس وأعضاء المجلس الموقر نواب الشعب، أن يتخذوا قرارا فى غفلة من الشعب الذى اختارهم بداية من رئيس المجلس حتى أصغر الأعضاء سنا، بمنع عرض عمل إبداعى، لمجرد أنهم يرون من وجهة نظرهم، أنه غير مناسب لكى يشاهده الشعب؟، هل من حقهم مصادرة حقنا فى مشاهدة العمل وإبداء رأينا فيه، سواء بالسلب أو بالإيجاب؟ ثم هل شاهد كل أعضاء المجلس الموقر هذا العمل ليكون رأيهم بالمنع والمصادرة مبنيا على حقائق فنية ثابتة؟ ومن أعطاهم هذا الحق؟ خلفياتهم الثقافية ودراستهم الفنية؟ أم ممارسة دور الوصاية علينا كما يتم ممارسته فى كل أمورنا السياسية والاقتصادية؟ بل هل من حق وزير الثقافة نفسه إصدار قرار بمنع عرض الفيلم ومصادرته دون أن يكون أى دور للجهات المعنية بذلك؟، بل ومصادرة حق هذه الجهات فى أن تقول رأيها بالسلب أو الإيجاب فى العمل الفنى؟ ثم ما معنى أن يقول فاروق حسنى، إن دور الوزير غلب داخله دور الفنان، حيث إن الوزير بداخله مع منع عرض الفيلم، فى حين أن الفنان بداخله مع عرض العمل الإبداعى؟!

ويرد عليه د.صلاح صادق أستاذ القانون العام قائلا: لا هذا ولا ذاك، فالوزير فى النهاية مجرد موظف دولة، وعقلية الموظف هنا هى التى تصرفت واتخذت القرار! ثم لماذا ازدواجية المعايير التى يتحدث بها وزير الثقافة حول وضعه كوزير أو كفنان؟ويضيف: قرار المجلس هنا غير دستورى، لأن المجلس يسن القوانين ويراقب السلطة التنفيذية، فهل السلطة التنفيذية اتخذت قرارا بالسلب أو الإيجاب حتى يتم ذلك؟ لم يحدث، وبالتالى فهو قرار عشوائى، كعادة قرارات عديدة بغض النظر عن الفيلم، فالمجلس لايقوم بدوره الرئيسى، فمتى كان مجلس الشعب يقوم بدور رقابى؟ ولماذا يترك السادة أعضاء المجلس الموقرون الأصل ويمسكون فى الفروع، وهناك عشرات بل مئات من قضايا الفساد؟ أين دورهم الرقابى على ما يحدث من فساد فى كل شبر على أرض مصر؟ أين دورهم الرقابى على ما يحدث فى السياسة والاقتصاد المنهوب؟ أين حلولهم للبطالة التى جاءت فى برنامج الرئيس الانتخابى وفق تقديرهم 4.5 مليون، وان أكثر كثيرا؟! ثم يتخذون قرارا بمنع فيلم!!

ويؤكد د.حمدى عبد الرحمن أستاذ القانون الدستورى، المجلس ليس له اختصاص دستورى سوى أن يضع قوانين، فهو ليس سلطة تنفيذية، وأعتقد ان ما حدث هو مجرد توصية للحكومة، وتوصية ليست واجبة التنفيذ، أى انه ليس أكثر من مجرد رأى سياسى للدولة، والجهة صاحبة الشأن فى هذا المنع من حقها أن تطعن على القرار أمام مجلس الدولة.

ويضيف: هذا القرار ليس له اختصاص، ومجرد نوع من المزايدة على الوحدة الوطنية.

ويقول عاكف جاد وكيل نقابة المحامين: الدستور يحمى أمور الفكر والرأى، ولكن القانون يتضاءل امام الدين، واعتقد ان الإخوان فى المجلس هم من تبنى هذا الاتجاه لخروج هذا القرار.

ويضيف: نحن مع حرية الرأى والرأى الآخر، ولكن أعتقد أن القرار رغم عدم دستوريته، إلا أن الأمر تمت مناقشته فى ظل الظروف التى تمر بها مصر حاليا، رغم أن الدستور يكفل حرية الأديان، ثم ماذا تنتظر من نائب يقف على باب وزير أو رئيس مجلس إدارة ليوقع ورقة، أو طلباً لقرار تعيين؟!

أحمد يوسف المحامى كان مع القرار مؤكدا: نحن لسنا ضد حرية الإبداع، ولكن إبداع دون أن يشكك فى العقائد أو قدرة الله، وأعتقد أن مجلس الشعب اتخذ هذا القرار بعد الرجوع إلى الأزهر، وحتى لو يتم أخذ رأى الأزهر فمن الواجب حجب أى عمل من شأنه تشويه أى دين سماوى.

العربي المصرية في

18.06.2006

 
 

"دافنشي كود" .. كارت أحمر

مي كامل - القاهرة  

افتتح مهرجان كان السينمائي السنوي بفيلم "شفرة دافنشي"، الذي وجه له الكثير من النقد من قبل الصحفيين، ويمثل الفيلم معالجة سينمائية لقصة "دان براون" التي تحمل نفس الاسم، والتي أثارت من قبل استياء المسيحيين لزعم القصة أن المسيح تزوج ماريا المجدلية وأنجب منها طفلا، وبلغت تكلفة الفيلم 125 مليون دولار، بجانب حملة الدعاية الضخمة قبل بدء عرضه.

وكان رد فعل الصحفيين سلبيا خلال العرض الافتتاحي للمهرجان، يقول ستيفن شايفر من بوسطن هيرالد لوكالة رويترز "الفيلم ليس ناجحا أو مشوقا أو رومانسيا، كما أنه ليس مسليا".

ووصل نجما الفيلم توم هانكس واودري تاوتو إلى كان في قطار مزين بصورة عملاقة للوحة الشهيرة الموناليزا يوم الثلاثاء قبل وصول مئات الممثلين والممثلات الذين يسعون للدعاية والمتعة في المنتجع الفرنسي "كان".

ألغاز الموناليزا

وفيلم دافنشي كود The Da Vinci Code""، هو رواية للكاتب دان براون تحولت لفيلم بطولة توم هانكس وإخراج رون هوارد الفائز بأوسكار عام 2002 عن فيلمه "رجل استثنائي"، وتبدأ أحداث الرواية في متحف اللوفر قرب لوحة الموناليزا أو الجوكندا التي رسمها ليوناردو دافنشي، ثم تقع بعد ذلك جريمة قتل بالمتحف ليبدأ عالم من الرموز في تتبع ألغاز لوحات دافنشي التي تؤدي لاكتشاف لغز ديني تحميه جماعة سرية لمدة ألفين عام.

ويناقش الفيلم عدة محاور تشكك في أسس المسيحية ومعرفة حقيقة "الكأس المقدسة"، كما يحمل قيمة seek the truth أو البحث عن الحقيقة وهو ما أثار إعجاب الكثيرين.

وكان المخرج رون هوارد قد أعرب عن شكره لمدير متحف اللوفر هنري لواريت لتعاونه وموافقته على التصوير داخل المتحف، رغم اعتراضه على تصوير لوحة الموناليزا بالكاميرات لعدم تصويب أي إضاءة عاليه عليها مما جعل المخرج يقوم بتصوير لوحة مزيفة للموناليزا، وأكد رون هوارد عن فرحته بأنه من القلائل الذين استطاعوا التصوير داخل متحف اللوفر مشيرا إلى أن ذلك كان إحدى أسباب رغبته في تصوير الفيلم.

أما "توم هانكس" الذي يجسد دور البروفيسور "روبرت لانجدون" فأكد انه لأول مرة يرى الإثنى عشر لوحة التي رسمها دافنشي، وأبدي فرحته لبطولة هذا الفيلم مع مخرج كـ "هوارد" مشيرا إلى ثقته في نجاح الفيلم.

وتشارك في البطولة الممثلة "اودري تاتو" التي جاء اختيارها من منطلق أنها فرنسية الأصل حيث ستزيد ملامحها الشخصية إقناعا بجانب لغتها الانجليزية.

جماعة "أوبس دى"

وكانت الرواية عند صدورها قد أحدثت ضجة كبيرة واعترض عليها الفاتيكان وكثير من المسيحيين، ودعا الفاتيكان المؤمنين المسيحيين إلى مقاطعة شراء الرواية وقرائتها لأنها تسيء إلى السيد المسيح، والكنيسة من خلال اتهامها بأنها أخفت حقائق معينة في التاريخ، كما تجسد الرواية والفيلم الكنيسة ورجال الدين بمظهر الأشرار أو العنصر الذي يكافحه البطل، ودعت جماعة "أوبس دي" الكاثوليكية إلى حذف الإشارات التي تمس معتقدات معتنقي المذهب الكاثوليكي في الديانة المسيحية من النسخة السينمائية لرواية دان براون الشهيرة "شفرة دافنشي".

وقالت الجماعة في بيان صدر بالعاصمة الايطالية روما إن "شفرة دافنشي تقدم صورة مشوهة للكنيسة الكاثوليكية"، وتصور الرواية جماعة "أوبس دي" كحركة متعطشة للقوة وتعتمد على إخفاء حقيقة نسل المسيح، وقالت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية إن كل ما ذكر في هذه الرواية هو خيالي.

موقع "عشرينات" المصري في

18.06.2006

 
 

لا يوجد في رواية ـ وفيلم ـ «شفرة دافنشي» ما يبرر المصادرة!

د. عفاف عبد المعطي  

* الترجمة العربية للرواية وأصلها الإنجليزي كانتا تباعان في معرض القاهرة الدولي للكتاب خلال العامين السابقين

* الحكومة الفرنسية منحت صنّاع الفيلم كل ما طلبوه من تسهيلات لتصويره في المواقع الأثرية والمتاحف القومية.. علي الرغم من اعتراض الكنيسة الكاثوليكية عليه

* الرواية تُرجمت إلي كل لغات العالم.. والمؤلف حصل علي حكمين قضائيين بالبراءة من تهمة سرقة أفكار غيره

* جوهر الرواية الذي يثير اللبس هو محاولة إظهار أن الكنيسة محت كل الشواهد التي تدل علي بشرية السيد المسيح.. وهمشت من دور المرأة في حياته  

منذ صدور رواية شفرة دافنشي (2005 راندم هاوس - بريطانيا) والحوار حولها هو الأكثر جدلا في علي مستوي العالم بدءًا من مبيعاتها التي بلغت الملايين، أو ترجماتها التي قاربت جميع لغات العالم، ثم الدعوة التي أقامها القسيسان مايكل بايجنت، وريتشارد لي، اللذان طالبا فيها بإثبات حق ملكيتهما الفكرية للرواية، التي ادعيا فيها بأن براون سرق فكرتها من كتاب، قالا إنهما أصدراه عام 1982 تحت عنوان " الدم المقدس، والكأس المقدس" لكن المحكمة الجنائية العليا في بريطانيا رفضت تلك الدعوة القضائية. ولم تكن هذه هي المرة الأولي التي يتم فيها اتهام براون بسرقة أفكار أدبية، فقد اتهم من قبل بسرقة أفكار من كتاب لويس بيردو بعنوان Daughter of God (ابنة الرب)، وطالب مؤلف الكتاب بدفع مبلغ 150 مليون دولار أمريكي للتنازل عن القضية. إلا أن الحكم النهائي برأ براون من جميع هذه الاتهامات بالقول "إن الرموز المخفية في لوحة ليوناردو دافنشي والتي تدور حولها أحداث القصة لا تشبه بأي شكل من الأشكال كتاب بيرد."

أما عن العالم العربي فقد لاحظت أن الرواية كانت تباع وتتداول في معرض القاهرة الدولي للكتاب السابق ومن قبله كذلك وكلنا يعرف ان من لم يجدها في محل الشراء قد استعارها من صديق أو تصرّف بحيث يكون ضمن القارئين . والآن بعد كل هذا نقرأ عن منع الفيلم من العرض في مصر خاصة بعد أن كتب عنه نقاد سينمائيون مصريون ممن شاهدوه في مهرجان كان، وكذلك تتم محاولة مصادرة الرواية . فلماذا؟

حرية التعبير وجماليات النص

تدور أحداث رواية "شفرة دافنشي" في كل من فرنسا وبريطانيا. وتبدأ بالتحديد من داخل متحف اللوفر بباريس، وضمن أجواء بوليسية غامضة حيث جريمة قتل أمين المتحف (القيم سونير) أحد الأعضاء البارزين في جماعة "سيون" السرية وسط ظروف غامضه.. وقد ترك رسالة خلف لوحة ليوناردو دافنشي إلي حفيدته (صوفي) الإخصائية في علم الشفرات.. ضمنها كل الرموز السرية التي يحتفظ بها، وطالبها بالاستعانة في حل الشفرة بالبروفيسور "لانجدون" أستاذ علم الرموز الدينية بجامعة هارفارد، ومن خلال رحلة البحث عن حل شفرة الرسالة يتضح السر الذي حافظت عليه جماعة "سيون" الموجودة ضمن وثائق "مخطوطات البحر الميت" و"بروتوكولات حكماء صهيون".لذلك يستدعي العالم الامريكي الدكتور روبرت لانجدون أستاذ علم الرموز الدينية في جامعة هارفارد اثناء تواجده في باريس لإلقاء محاضرة ضمن مجاله العلمي. يكتشف لانجدون ألغاز تدل علي وجود منظمة سرية مقدسة امتد عمرها إلي مئات السنين وكان من احد اعضائها البارزين العالم مكتشف الجاذبية اسحاق نيوتن والرسام ليوناردو دافنشي.

تدور اغلب احداث الرواية حول اختراعات واعمال دافنتشي الفنية. وقد ساعد لانجدون في مهمته الحسناء صوفي خبيرة فك الشفرات، والتي يتضح لاحقا ان لها دورا كبيرا في الرواية، سلسلة من الألغاز الشيقة والمثيرة والتي تستدعي مراجعة التاريخ لفك ألغازه وسط مطاردة شرسة من اعضاء المنظمة السرية. ومنذ الصفحة الأولي من الرواية يقرر المؤلف دان براون حقائق عدة: أولاها أن جمعية "سيون" الدينية جمعية أوربية تأسست عام 1009 وهي منظمة حقيقية.. وأنه في عام 1975 اكتشفت مكتبة باريس مخطوطات عرفت باسم الوثائق السرية ذكر فيها بعض أسماء أعضاء جمعية سيون ومنهم ليوناردو دافنشي، وإسحق نيوتن، وفيكتور هوجو. كما أن وصف كافة الأعمال الفنية والمعمارية والوثائقية والطقوس السرية داخل الرواية هو وصف دقيق وحقيقي.

ولعل ليوناردافنتشي نفسه ـ غير التعرض لدور الفاتيكان الديني في النص ـ هو الفنان المثير للجدال الذي كان غريب الأطوار ينبش العديد من الجثث ليدرس البنية التشريحية عند الإنسان، ويحتفظ بمذكرات يكتبها بطريقة غامضة يعاكس فيها اتجاه الكتابة الواقعي. وكان يؤمن بأنه يمتلك علما كيميائيا يحول الرصاص إلي ذهب، وكان يعتقد أنه قادر علي صنع إكسير يؤخر الموت. وبرغم أنه رسم كمًّا هائلا من الفن المسيحي وبرغم طبيعته الروحانية فقد ظل علي خلاف مستمر مع الكنيسة، يرسم الموضوعات المسيحية، لكنه يضمّن اللوحات الكثير من الأسرار والرموز التي تحتشد بمعتقداته الخاصة كأحد الأعضاء البارزين في جماعة "سيون" التي هي أبعد ما تكون عن المسيحية. وفوق جدارية كنيسة سانتا ماريا في ميلانو بإيطاليا رسم دافنشي لوحته الأسطورية "العشاء الأخير" التي ضمنها الكثير من الأسرار والرموز حول عقائده. ولذلك قدم دان براون قراءته الصادمة لها محاولا فك الشفرات وتحليل الخطوط داخل اللوحة.

الكنيسة والمرأة المقدسة

اذا نظرنا الي المعني المستتر الذي يقدمه الكاتب دان بروان في النص نجده يميل الي محاولة إظهار التزيد الذي قام به رجال الفاتيكان في سرد تاريخ المسيح ومحو كل الشواهد حول بشريته.. كما يؤكد أن الكنيسة قد همشت من دور المرأة حين حولت العالم من الوثنية المؤنثة إلي المسيحية الذكورية بإطلاق حملة تشهير حاولت محو صورة الأنثي المقدسة كما محت تماما أي أثر للآلهة الأنثي حديثاً. وحولت الاتحاد الجنسي الفطري بين الرجل والمرأة من فعل مقدس إلي فعل شائن، وهو ما أفقد الحياة التوازن.

ولعل سبب الخلط والتطاول الديني الذي يراه البعض في النص راجع الي فكرة "الأنثي المقدسة" التي هي عقيدة جوهرية لدي جماعة سيون السرية الذي يعتبر السرد حولها هو ركيزة النص الأكبر.. ولتأكيد هذه الفكرة يقدم دان براون قراءة جمالية ممتعة ومبدعة في لوحة "الموناليزا" والتي تعكس بوضوح إيمان ليوناردو دافنشي بالتوازن بين الذكر والأنثي. فالموناليزا كما يؤكد الخبراء لا هي ذكر ولا هي أنثي ولكنها التحام بين الاثنين، بل إن تحليل اللون بواسطة الكمبيوتر وتحليل صورة دافنشي نفسه يؤكد نقاطا متشابهة بين وجهيهما.

هنا يربط المؤلف اللوحة بتاريخ الفن القديم ومعتقدات دافنشي و يفترض أن دافنشي ترك في لوحته رموزا ودلائل تشي بوجود لغز تاريخي خطير، يجدر فك شيفرته، وهذا ما يفسر عنوان الرواية؛ فالإله الفرعوني "آمون" إله الخصوبة المصور علي هيئة رجل برأس خروف والإلهة المؤنثة "إيزيس" رمز الأرض الخصبة والتي كانت تكتب بحروف تصويرية "ليزا".. يكون في اتحادهما "آمون ليزا" أو "موناليزا" كما أرادها ليوناردو دافنشي دليلا علي الاتحاد المقدس بين الذكر والأنثي.. ولعله أحد أسرار دافنشي محاولة اكتشاف سبب لابتسامة الموناليزا الغامضة.

واذا كانت الحكومة الفرنسية قد منحت التسهيلات اللازمة من أجل تصوير الفيلم الذي حمل نفس عنوان الرواية "شفرة دافنشي" في المواقع الأثرية والمتاحف الوطنية الفرنسية، كما أوصت بإنشاء جهاز خاص لمتابعة الأمر، فضلا عن التصوير في متحف اللوفر الذي تقع فيه معظم أحداث النص، فينبغي علي العالم العربي خاصة الجهات التنفيذية التي لها حق الحكم بالمصادرة ـ بعد تداول قراءة الرواية وانتشارها بشكل كبير ـ اعتبار ما ورد في النص من قبل الخيال المبدع خاصة مع الصيحات الكثيرة الرسمية والشعبية التي تدعو الي حرية التعبير، كذلك مناقشة ما يرد في الفيلم بصورة نقدية فنية واعية خاصة وأنه قد عرض من قبله فيلم آلام المسيح الذي لا يقل شأنا من حيث التناول الديني عن "شفرة دافنشي".

جريدة القاهرة في

20.06.2006

 
 

شفرة دافنشي:

حرية التعبير والحوار الغائب

عيد عبد الحليم 

يتجدد الحديث - دائما - عن حرية التعبير بتجدد حالات المصادرة والمنع، وما حدث مؤخرا مع رواية شفرة دافنشى والفيلم المأخوذ عنها وتحويل القضية إلى مجلس الشعب، أمر يدعو للتساؤل.

وإذا كنا - هنا - لسنا بصدد الدفاع عن الرواية والفيلم إلا أننا أولا وأخيرا مع حرية الرأى والتعبير وشعارنا المحاورة لا المصادرة.

فى البداية يؤكد الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى أنه من ناحية المبدأ لا يوجد أخطر على المجتمع ولا على الثقافة ولا على مقدرات الشعب والوطن من الطغيان والاستبداد والمنع والمصادرة.

ويضيف حجازى أن المنع والمصادرة معناهما أن الذين يقومون بهما يعتبرون أنفسهم أعقل وأقدر على التمييز والتقييم والحكم، وأنهم مسئولون عن شعب من الأطفال أو من غير الراشدين أو من العاجزين أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم وليس معنى ذلك أن كل الأعمال الأدبية والفنية صالحة وخالية من العيوب أو بريئة من سوء القصد، فبعض الأعمال بها عيوب وأخطاء لكن ما أسهل أن نبين هذه الأخطاء أو ننقد هذه الأعمال.

لذا علينا أن نوضح للجمهور ما يجب الاحتراس منه، وهذه التوضيحات مطلوبة أكثر من النقاد والمثقفين المختصين بالحكم على الأعمال الأدبية والفنية لأنهم هم المرجع فى هذا، أنا عندما تعرض لى مسألة فى العقيدة أسأل رجل الدين لكن فى مسألة تعرض للأدب أسأل رجاء النقاش أو فى السينما أسأل سمير فريد أو رفيق الصبان أو يوسف شاهين، أما أن نجد فتاوى فى النحت يقدمها المفتى وفتاوى فى الأدب يقدمها البابا شنودة، وفتاوى فى السينما يقدمها أعضاء مجلس الشعب فهذه مسائل غير مفهومة..!!.

من حق المواطنين جميعا أن يناقشوا أى عمل أدبى أو فنى لكن يجب ألا يتسرعوا فى الحكم عليه، خصوصا أننا نكاد نشك أن غالبية المتحدثين عن شفرة دافنشى قد شاهدوا الفيلم أو قرأوا الرواية.

ويضيف حجازى أن مبدأ المنع والمصادرة هو أصل لكل النكبات التى حاقت بمصر خلال الخمسين عاما الماضية، وهذه الرقابة الدائمة التى لم تحمنا من الهزيمة العسكرية ولم تحمنا من التدهور الاقتصادى ولم تحقق لنا التنمية والتقدم الثقافى أو العلمي. من حقنا - الآن - أن نعيد النظر فيها، ومن حقنا أن نقول إن المصادرة لا تحمى عقلا أو فكرا، بل تجعل الضمير عاجزا أن يختار بنفسه، لأنك تُعين على الشعب من يفرض عليه موقفا، لذلك نجد أسئلة غبية توجه إلى رجال الدين فى وسائل الإعلام المختلفة، فهل أصبحنا عاجزين أن نفكر لأنفسنا، فأصبحنا نسأل فيما لا يسأل فيه أى طفل عادي، والسبب هو تغييب الوعي.

الحرية أولا

أما الناقد الكبير فاروق عبدالقادر فيبدأ كلامه قائلا: أنا ضد المصادرة لأن الأصل فى أى عمل هو الإباحة، وأنا قرأت الرواية ولم أجد فيها شيئا مختلفا لأن شخصية المسيح فى الغرب حولها اختلافات كثيرة، وقد كانت هناك مسرحية عرضت فى لندن من وقت قريب تحت عنوان المسيح نجم فوق العادة كتبها شخص مسيحي، قريبة الطرح من الرواية الحالية.

فتصور الحضارة الغربية للمسيح مختلف عن تصورنا نحن فهم يتعاملون معها على أساس أن هناك خلافا حول إنسانيته وألوهيته.

ليس فى الحضارة الغربية - الآن - شيء مقدس، فلماذا نفرض عليهم تصوراتنا؟.

أما عن مصادرة الرواية فهذا أمر هزلى لأنها موجودة ومطبوعة فى بيروت وتباع على الأرصفة وفى المكتبات.

ويؤكد عبدالقادر أن موقف النظام السياسى من الأعمال الإبداعية موقف فيه كثير من اللبس لأنه نظام هش، وسنظل فى هذه الدائرة مادام هذا النظام الرخو موجودا، وهو نظام يتصف بصفتين:

الأولى أنه نظام رخو، والثانية أنه نظام باطش جدا ولذا تكثر الإجراءات العشوائية.

أما عن مظهرية إعلان قرار المصادرة للمزايدة على التيارات الدينية الموجودة فهذا مكسب وقتى عابر.

وقد كان البابا شنودة أكثر استنارة حين أعلن أنه سيدعو المسيحيين لمقاطعة الفيلم، دون أن يعلن أنه يسعى لمصادرته.

الفن والسياسة

وتشير الناقدة د. منى طلبة إلى أن وصول القضية إلى مجلس الشعب أمر مؤسف، المفروض أن عرض الفيلم شيء طبيعي، والمفترض أن تقوم مهمة مجلس الشعب على مناقشة القضايا الرئيسية التى يعانى منها الشعب المصرى من بطالة وفقر وصحة وغيرها.

الأمر الآخر أن حرية التعبير - على حد تعبير د. منى - أصبحت سبوبة للسياسيين من أجل المنظرة، ويبدو الأمر فى النهاية وكأننا ندور فى دائرة مفرغة.

أما الملاحظة الثانية من وجهة نظر د. منى فهى أن هذه القضايا تستغل لصالح موازين قوى ولمصالح شخصية بين سلطة دينية إسلامية وسلطة دينية مسيحية ولا علاقة لها بحرية التعبير.

ويبدو المشهد فى هذه الصورة المركبة من خلال سلطات تحاول أن تملأ الساحة بألاعيب سياسية فى الأساس، كذلك رأينا أن السلطة السياسية المصرية خلال العشرين عاما الماضية تفرغ الثقافة أو تستقطبها أو تقمعها، بالمقابل تنمو سلطات دينية غريبة ومع ذلك فإن المثقفين الحقيقيين مازالت فيهم الروح لمواجهة سياسة الاستقطاب من سلطة سياسية تتظاهر بالاستنارة.

ضد التشويه

ويرى الروائى فؤاد قنديل أن المسألة ليست فى وصول القضايا إلى مجلس الشعب أو غيره من المؤسسات لكن المسألة أولا وأخيرا تخص حرية التعبير وحدود هذه الحرية.

ويضيف قنديل: أنا من مناصرى إطلاق الخيال للأديب والفنان بحيث لا يزيف التاريخ ولا يهاجم المقدسات فى الصميم، ماعدا ذلك فعلى المبدع أن يتحرك ويصول كما يشاء، ولست ضد نقل حياة الأنبياء والصحابة وغيرهم إلى الفنون والآداب، ولكن علينا أن نحترم - فقط - الحقائق التى أكدتها الأديان، وأكدها المؤرخون.

ولابد من الإشارة إلى أننا لابد أن نركز فى معاركنا على الحياة التى تجرى على الأرض وليس على الماضى البعيد الذى يخص السماء، نحن محاصرون بآلاف المشكلات التى يتعين أن يكون للمثقف دور فيها .

وعن شفرة دافنشى بالتحديد فانزعاجى قائم على تصوير المسيح على غير حقيقته، وأنا شخصيا لا أقبل هذا كما لا أقبل أن يصور أحد الكتاب سيدنا محمدا مدمنا للخمر بدعوى حرية التعبير، فهذا خيال مشبوه ومضاد لمسيرة الحياة وضد التاريخ وضد الحقيقة.

الأهالي المصرية في

21.06.2006

 
 

"شفرة دافنشي":

تحل اللغز الانثوى فى الحضارة البشرية  

لوس أنجيلس -العرب اونلاين: بدأ المخرج الحائز على جائزة الاوسكار رون هاورد التجهيز للانطلاق هذه الايام فى تصوير فيلم الاثارة الدينى "شفرة دافنشي" المقتبس عن رواية للكاتب دان براون تحمل الاسم نفسه وسيعرض الفيلم فى مايو -أيار- العام المقبل.

وقد استقطب مخرج الفيلم الممثل البريطانى بول بيتانى لينضم إلى أبطاله، حيث سيلعب بيتانى الذى مثل فى أفلام مثل "ويمبلدون" و"السيد والقائد: الطرف الاقصى من العالم" دور رجل متعصب مصاب بالبهاق يدعى سيلاس. وسينضم بيتانى إلى كل من الممثل الامريكى توم هانكس والفرنسى جان رينو والبريطانيان إيان مكليلان وألفريد مولينا والممثلة أودرى تاوتو الوجه الانثوى فى البطولة.

وسيتناول المخرج قصة فيلمه من هذه الرواية وسيتطرق وباسلوب روائى بحت لاحداث من حياة المسيح وسيرته. ولكن بصورة تختلف تماما عن الصورة التى وردت فى الكتب السماوية.. كما يصور الفيلم "الفاتيكان" بصورة مؤسسة دينية متسلطة، لكن الحبكة، قد جاءت فى ابراز دور المؤسسات الدينية ودور المجتمع الذكورى الذى ساد المجتمعات البشرية فى الالفى سنة الماضية دورهم فى تجاهل مساهمة المرأة ودورها الاساسى فى الحضارات البشرية عبر العصور الطويلة الماضية
ويتحدث الفيلم عن ملحمة مشوقة تلتمس العثور على الكأس المقدسة التى شرب منها المسيح فى العشاء الاخير. والتى راح المسيحيون فيما بعد يجدون فى البحث عنها، كما تتحدث الرواية عن صراع تاريخى بين رؤيتين مختلفتين لما يتعلق بملحمة البحث عن الكأس المقدسة.

رؤية تصر على ابراز الدور المهم والرئيسى الذى لعبته "ماريا المجدلية" فى الديانة المسيحية. وبكونه اكبر بكثير من مجرد كونها ـ اى المجدلية ـ مثالاً لحادثة تبرز خصلة التسامح فى الدين المسيحي، ورؤية ثانية تنفى اى دور للمجدلية بخلاف كونها المثال الذى رسخ مبدأ التسامح فى العقيدة.

اما كيف اصبح دافنشى طرفا فى هذه الملحمة، فهو فى الفيلم دائما من انصار الرؤية الاولي، وانه قد استخدم شفرات فى كل اعماله، بدءا بالموناليزا، ووصولا الى "العشاء الاخير"، تشير وتذكر بهذا الدور الانثوى فى الحضارة البشرية.
ورغم ان الفيلم ليس فيلماً وثائقياً تبشيرياً يحاول إقناع المشاهد بحقيقة تاريخية معينة، فإنه فى تناوله المثير سيسلط الضوء على حقائق متعددة -لا حقيقة واحدة- طرحت فى الكتاب وقدمت رؤى انقلابية لتاريخ المسيحية وتاريخ المسيح؛ وهو ما دفع الناقد البريطانى مارك لوسون بوصفها "بالهراء الخلاب"، وهو ما دفع أيضا ثلاثة مؤلفين غربيين للرد عليها من خلال ثلاثة كتب: "الحقيقة وراء شفرة دافنشي"، "وحل شفرة دافنشي"، و"الحقيقة والخيال فى شفرة دافنشي".

زيف رجال الفاتيكان

رواية "شفرة دافنشي"، وكما وصفتها "نيويورك تايمز" لا تقل فى تشويقها عن سلسلة روايات "هارى بوتر" الشهيرة. وقد اثارت هذه الرواية ما اثارت من ضجة فى اوروبا واميركا بلغت حد الاستياء والنقد.

ترجمت الرواية إلى 50 لغة عالمية بينما وزعت الطبعة الإنجليزية منها حتى الآن أكثر من 10 ملايين نسخة، ويظن أن دان براون نفسه كان مفاجأة للجميع فليس له تاريخ روائى أدبى كبير ولد عام 1965 -39 عاما- عمل مدرسا للغة الإنجليزية فى المدارس الأمريكية حتى عام 1996، ثم ترك العمل متفرغا للعمل الأدبى وكتب 3 روايات قبل "شفرة دافنشي" لم تحقق ذات الشهرة لكنها اتسمت أيضا بالطابع البوليسي.

وقد بدأت فكرة رواية "شفرة دافنشي" عند قيام دان براون بدراسة الفن فى جامعة أشبيلية فى أسبانيا حيث تعلم بعض ألغاز لوحات ليوناردو دافنشي. ولعل تأثيرات بلايث زوجة الكاتب الرسامة ومؤرخة الفن واضحة فى الرواية، حيث يمزج الكتاب بين تاريخ الفن والأساطير، ويقدم قراءات جمالية ممتعة لكنائس باريس وروما ولأعمال ليوناردو دافنشي.

من ناحية أخرى اعتمد المؤلف فى كثير من معلوماته على قسم دراسة اللوحات وإدارة التوثيق بمتحف اللوفر وجمعية لندن للسجلات، ومجموعة الوثائق فى دير ويستمينسير، واتحاد العلماء الأمريكيين وأيضا كتاب -محاط بالشك- بعنوان "دم مقدس كأس مقدسة".

ومنذ الصفحة الأولى من الرواية يقرر المؤلف عدة حقائق: أولاها أن جمعية "سيون" الدينية جمعية أوربية تأسست عام 1009 وهى منظمة حقيقية، وأنه فى عام 1975 اكتشفت مكتبة باريس مخطوطات عرفت باسم الوثائق السرية ذكر فيها بعض أسماء أعضاء جمعية سيون ومنهم ليوناردو دافنشي، وإسحق نيوتن، وفيكتور هوجو. كما أن وصف كافة الأعمال الفنية والمعمارية والوثائقية والطقوس السرية داخل الرواية هو وصف دقيق وحقيقي.

داخل متحف اللوفر بباريس، وضمن أجواء بوليسية غامضة تبدأ رواية شفرة دافنشى من جريمة قتل أمين المتحف -القيم سونير- أحد الأعضاء البارزين فى جماعة "سيون" السرية والذى ترك رسالة خلف لوحة ليوناردو دافنشى إلى حفيدته -صوفي- الإخصائية فى علم الشفرات ضمنها كل الرموز السرية التى يحتفظ بها، وطالبها بالاستعانة فى حل الشفرة بالبروفيسور "لانغدون" أستاذ علم الرموز الدينية بجامعة هارفارد، ومن خلال رحلة البحث عن حل شفرة الرسالة يتضح السر الذى حافظت عليه جماعة "سيون" الموجودة ضمن وثائق "مخطوطات البحر الميت" و"بروتوكولات حكماء صهيون".

بوضوح يعلن الكاتب تزييف رجال الفاتيكان لتاريخ المسيح ومحو كل الشواهد حول بشريته. كما يؤكد إهدار الكنيسة لدور المرأة حين حولت العالم من الوثنية المؤنثة إلى المسيحية الذكورية بإطلاق حملة تشهير حولت الأنثى المقدسة إلى شيطان ومحت تماما أى أثر للآلهة الأنثى فى الدين الحديث. وحولت الاتحاد الجنسى الفطرى بين الرجل والمرأة من فعل مقدس إلى فعلة شائنة، وهو ما أفقد الحياة التوازن.

"الأنثى المقدسة" هى عقيدة جوهرية لدى جماعة سيون السرية. ولتأكيد هذه الفكرة يقدم دان براون قراءة جمالية ممتعة ومبدعة فى لوحة "الموناليزا" والتى تعكس بوضوح إيمان ليوناردو دافنشى بالتوازن بين الذكر والأنثي. فالموناليزا كما يؤكد الخبراء لا هى ذكر ولا هى أنثى ولكنها التحام بين الاثنين، بل إن تحليل اللون بواسطة الكمبيوتر وتحليل صورة دافنشى نفسه يؤكد نقاطا متشابهة بين وجهيهما.

هنا يربط المؤلف اللوحة بتاريخ الفن القديم ومعتقدات دافنشي؛ فالإله الفرعونى "آمون" إله الخصوبة المصور على هيئة رجل برأس خروف والإلهة المؤنثة "إيزيس" رمز الأرض الخصبة والتى كانت تكتب بحروف تصويرية "ليزا" يكون فى اتحادهما "آمون ليزا" أو "موناليزا" كما أرادها ليوناردو دافنشى دليلا على الاتحاد المقدس بين الذكر والأنثي. ولعله أحد أسرار دافنشى وسبب ابتسامة الموناليزا الغامضة.

كان ليوناردو دافنشى فنانا غريب الأطوار ينبش العديد من الجثث ليدرس البنية التشريحية عند الإنسان، ويحتفظ بمذكرات يكتبها بطريقة غامضة يعاكس فيها اتجاه الكتابة. وكان يؤمن بأنه يمتلك علما كيميائيا يحول الرصاص إلى ذهب، وكان يعتقد أنه قادر على غش الرب من خلال صنع إكسير يؤخر الموت.

وبرغم أنه رسم كمًّا هائلا من الفن المسيحى وبرغم طبيعته الروحانية فقد ظل على خلاف مستمر مع الكنيسة، يرسم الموضوعات المسيحية، لكنه يضمّن اللوحات الكثير من الأسرار والرموز التى تحتشد بمعتقداته الخاصة كأحد الأعضاء البارزين فى جماعة "سيون" التى هى أبعد ما تكون عن المسيحية.

وفوق جدارية كنيسة سانتا ماريا فى ميلانو بإيطاليا رسم دافنشى لوحته الأسطورية "العشاء الأخير" التى ضمنها الكثير من الأسرار والرموز حول عقائده. ويقدم دان براون قراءته الصادمة محاولا فك الشفرات وتحليل الخطوط داخل اللوحة.

ان الحبكة الرئيسية تتلخص فى محاولات التغييب والتجاهل المتعمدة، من قبل المجتمعات الذكورية، لدور المرأة ومساهماتها فى بناء التاريخ والحضارات البشرية باختلاف مراحلها واشكالها، والمؤسسات الدينية كلها لعبت ولا تزال تلعب جزءا كبيرا فى تلك المحاولات، واذا كان ذلك غير واضح فى المجتمعات المسيحية الغربية، بسبب التغييرات والتحولات المجتمعية التى اعطت للمرأة بعضا من حقوقها ودورها المغيب، فإن المجتمعات المسيحية الشرقية لا تزال تفرط فى تغييب دور المرأة التاريخى الذى ـ على ما يبدو ـ يبث الذعر فى هذه المجتمعات بدليل حرص الرقابة فى لبنان، بلد الحريات، على منع رواية "شفرة دافنشي"، حيث اصدرات المديرية العامة للأمن العام فى لبنان قرار بمنع تداول الرواية فى أصلها الإنجليزى وترجمتها العربية والفرنسية بعد أن تصاعد غضب المركز الكاثوليكى للإعلام وأوصى بمنع الرواية. وموقف الكنيسة الكاثوليكية فى لبنان يثير أكثر من تساؤل، خاصة أن الكنيسة الغربية بل و"الفاتيكان" نفسه لم يجرؤ على المطالبة بمصادرة الرواية أو منع توزيعها.

ولعلها المسافة السياسية والثقافية التى تعكس مناخا فارقا بين الشرق والغرب، فلم يعد مسموحا داخل المجتمع الأوربى بممارسات تتصدى لحرية التعبير أو حرية العقيدة.. بينما الأصل -لا يزال- فى المجتمعات الشرقية والعربية -حتى لو كانت بلادا تتمتع بهامش حرية كلبنان- هو المنع والمصادرة.

العرب أنلاين في

23.06.2006

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)