كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

ماكينة التأويل الديني تهدر فى القاهرة:

قائمة الممنوعات المصرية تطول "دافنشي" شفرةً وروايةً وشريطاً..

حمدي رزق

عن فيلم

شفرة دافنشي

   
 
 
 
 

تحت قبة البرلمان، وقف وزير الثقافة "فاروق حسني" يطالب بعدم إدخال كتاب "شفرة دافنشي" أو إدخال شريطه السينمائي إلى مصر، وتحمس الوزير لـ"المنع" فيما يشبه خطبة عصماء عن الوحدة الوطنية، وعن المسيحيين الذين يشعرون بإهانة معتقداتهم بهذه الرواية وهذا الشريط.. وتجمهر النواب حول حسني وصارت تظاهرة ضد "دافنشي".

وبادر المثقفون إلى اتهام الوزير بالتهاون مع الرجعية والانهزام أمام 88 نائباً لجماعة الاخوان (المحظورة) في البرلمان، فضلاً عن النواب المسيحيين. صحيح أن الوزير عاد فأنكر الاتهام، وأكد أن هذه إدعاءات هدفها اصطناع البطولة، لكن ظل "شبح المنع" ماثلاً في الصورة، فانضم دافنشي بروايته وشريطه السينمائي إلى قائمة طويلة من الأعمال المصادرة في مصر، تلك القائمة التي تقف وراءها ممنوعات صلبة، لا تريد أن تتزحزح، وتأبى أن تتفكك أمام نداءات الإصلاح السياسي التي تجتاح الشارع والنخبة في مصر الآن.

"الممنوعات" في مصر لا تفهم لغة الإصلاح ولا تخضع مرة لمفرداتها. الإصلاح يمضي في طريقه، فينجح حيناً ويخفق حيناً، والممنوعات تمضي أيضاً في طريقها وإن كانت تحقق مكاسب على طول الطريق، وتكتسب الأنصار.. فكأن ثمة مسارين متوازيين أحدهما للإصلاح والثاني للممنوعات، وهما متضادان في الاتجاه، الأول يسير باتجاه المستقبل والثاني مصرّ على العودة للوراء.

"شفرة دافنشي" كان الشفرة التي فكت هذا اللغز، فالتطرف وعدم قبول الآخر ليس لدى المسلمين فقط، أنه يقفز متخطياً الأديان، لأنه ابن المناخ العام. والممنوعات ليست مجرد مناخ، إنها أيضا قوانين وبنى مؤسسية راسخة. والغريب ـ والخطير ـ أن أي تعديل يطلبه الليبراليون وأنصار الحريات لقوانين الرقابة على المصنفات الفنية أو على المطبوعات، سيمر بالبرلمان، ما يعني أنه ربما يزداد تعقيداً وضيق أفق ويتحول لقائمة "ممنوعات" لا إلى قانون مرن كما هو مطلوب!

المسألة كذلك ليست رقابة أو منعا وفق القوانين الرقابية، بل ثمة أعراف طارئة على المجتمع كنتيجة للمناخ المعبأ بالتطرف فرضت ممنوعات إضافية. صحيح أن الدولة حاصرت فرص إقامة "دعاوى حسبة" ضد الأفراد وقيدتها بـ"المصلحة العامة" لكن "الحسبة" قائمة، ويتم تفعيلها وقت الضرورة داخل أية مؤسسة، حتى المؤسسات الثقافية والتربوية، إذا كان القائمون عليها من أصحاب فكر الحسبة ".. ألم يتم رفع التماثيل من افنية كلية الفنون الجميلة بدعوى أن النحت حرام ؟!".

استعراض "الممنوعات" في مصر بات ضرورة، للوقوف على إمكانات تفكيكها، وللإطلاع على حجمها الآخذ بالتضخم!

أولاد حارتنا

كانت "دار الهلال" بصدد إعادة طبع رواية نجيب محفوظ الأشهر "أولاد حارتنا" تلك التي نال عنها شيخ الرواية العربية جائزة نوبل 1988، ومنعت في مصر نحو 45 عاماً من النشر. وبعد أن تم إخراج الرواية فنياً وتجهيزها طباعياً وأصبح في حكم المؤكد صدورها خلال أيام عن سلسلة "روايات الهلال" جرى إجهاض الفكرة برمتها ظاهريا السبب هو اعتراض رئيس اتحاد الناشرين العرب "إبراهيم المعلم" ـ مالك "دار الشروق" ومحتكر الحق في إصدار وبيع أعمال نجيب محفوظ بدءاً من العام 2002 ـ على النشر وتهديده بمقاضاة "دار الهلال"، فيما أكد محامي نجيب محفوظ أن الأستاذ أيضاً ـ يعني محفوظ ـ لم يتم استئذانه في النشر لكن وراء "المنع" في اللحظات الأخيرة حزمة من الأسباب يقال إن من بينها اعتراضات "أمنية" مباشرة، تحاشياً لإعطاء جماعة الاخوان "المحظورة"الفرصة للانقضاض على الثقافة وعلى الصحافة القومية أيضاً ممثلة هنا في "دار الهلال".

والحق أن المؤسسة العتيقة التي تأسست 1892 كانت اتجهت لطبع الرواية اعتماداً على "النوايا الحسنة" في اتجاهين.. أولهما شيوع مناخ إصلاحي متحرر في العامين الأخيرين سمح بما لم يكن مسموحاً به من قبل في مجال الإبداع أو التعبير عن الرأي عموماً، وثانيهما هو أن منع الرواية مر عليه نحو 45 عاماً وجرى نسيان القصة برمتها، بخاصة أن هذه العقود الطويلة شهدت نقاشات واسعة حول الرواية، وبرّأتها من التهم التي علقت بها.

و"أولاد حارتنا" نموذج لقائمة الممنوعات التي تواجه العمل الإبداعي المقروء، بل وأي كتاب مطبوع في مصر. فحين أعدها نجيب محفوظ للنشر في أوائل الستينات فوجئ باعتراض الأزهر عليها، على اعتبار أن شخصياتها الرئيسة تمثل كبار الأنبياء "إبراهيم وموسى والمسيح ومحمد" وأن شخصية "الجبلاوي" ـ الأب ـ في الرواية هي معادل موضوعي للذات الإلهية.

وعلى الرغم من علمانية النظام في الحقبة الناصرية، إلا أنه ـ في مزايدته على "الاخوان" الذين كانوا يملأون معتقلاته وسجونه ـ استجاب للأزهر ومنع طبع الرواية وتداولها في مصر، فذهب بها محفوظ إلى سهيل إدريس وطبعها في "دار الآداب" ببيروت، وهكذا تم منع "أولاد حارتنا" مرتين استجابة لممنوع فعال جداً اسمه "التأويل". فإذا كان الكاتب سيء الحظ سلطت عليه الأقدار شخصاً ـ ليس بالضرورة أن يكون رجل دين ـ أوّلَ نصه الأدبي تأويلاً يتضاد مع الأديان، فقضى عليه بالمنع الأدبي والمعنوي والمادي طوال الزمان.

ضحايا التأويل

على قائمة "أولاد حارتنا" ـ قائمة ضحايا التأويل المغلوط للعمل الثقافي المطبوع ـ ضحايا كثر.. يذكر التاريخ أن أولهم هو عميد الأدب العربي طه حسين الذي تعرض كتابه "في الشعر الجاهلي" للمنع والمصادرة عام 1926 بل أحيل طه حسين بسبب هذا الكتاب إلى المحاكمة، لأن أزهريين اتهموا الكتاب بأنه يطعن في صحة نزول القرآن الكريم، مع أن كاتبه لم يقل حرفاً واحداً من ذلك. وقد تخلى حزب "الوفد" الذي كان طه حسين عضواً فيه عن هذه المعركة، وتركه يواجه المحاكمة وحيداً. واستغل الرجعيون المعركة للمطالبة بإلغاء الجامعة المصرية لأن طه حسين كان عميد كلية الآداب فيها، وكادوا ينجحون في مسعاهم، لولا دفاع سعد زغلول عن الجامعة.

مرت معركة العميد بسلام بعد أن كاد يتعرض لظلمات السجون بسبب كتابه هذا، وقبل العميد تنقيح الكتاب وتعديله والحذف منه ليتمكن من إصداره بعنوان "في الأدب الجاهلي"، ذلك الكتاب الراقد بأمان في أرفف المكتبة العربية الآن بعد أن حظي بمباركة الأزهر.

وفي العام 1994 تعرض الأكاديمي والدارس التاريخي نصر حامد أبو زيد ليس فقط إلى منع كل كتبه وأبحاثه من التداول والطبع والنشر، بل تعرض لدعوى حسبة أفضت إلى تفريقه عن زوجته في سابقة كانت الأولى في نوعها.. وبالتالي اضطر الرجل وزوجته إلى اللجوء لهولندا التي لا يزال مقيماً فيها إلى الآن.. وأبو زيد ـ أيضاً ـ من ضحايا التأويل، فالدكتور عبدالصبور شاهين وعدد من الشيوخ اتهموه بالطعن في القرآن والأنبياء، وأساءوا تأويل مذهبه القائل بـ"تفسير القرآن تاريخيا، وبأسباب نزوله"!

ولا يوجد في قانون المطبوعات نص واحد صريح يبيح للدولة مصادرة أي كتاب أو رواية من العناوين التي ذكرناها، لكن ثمة ممنوع قوي اسمه "الاصطدام بالتأويل". ويستمد هذا الممنوع قوته الطاغية من أن الدولة في كل العصور "عصر الملك أبو زيد"، جارت هذه التيارات التي دعت للمنع، لكي تسد عليها ثغرة المزايدة الدينية على الدولة، لأنها مزايدة خطرة لا تهوى الدولة الدخول فيها.

في السياق نفسه منعت أعمال كثيرة، مثل كتاب "النبي موسى" للسيد القمني أو "السيرة النبوية" لخليل عبدالكريم و"سقوط الإمام" لنوال السعداوي، وجميعها اصطدم بسوء التأويل الديني، فصار من ضحاياه.

الثالوث الرهيب

الرقابة على المصنفات الفنية في مصر لديها قانون تم وضعه في العام 1946. والحق أن الهدف منه كان سياسياً، وهو تحجيم أي تطلع لدى السينمائيين المصريين في تأليب الفقراء على طبقة "الباشوات" في مصر، أو حاشية الملك فاروق أو الطبقة الملتحقة به، بعد أن بدأت الواقعية تتسرب إلى شاشة السينما على يد المخرجين "كمال سليم" و"كامل التلمساني" و"صلاح أبو سيف".

وفي العام نفسه الذي صدر فيه قانون الرقابة على المصنفات كان حسن البنا مؤسس جماعة "الاخوان" قد انتخب ـ على يد القراء ـ كأهم شخصية مصرية في العام 1946، فهل كانت مصادفة؟ اشتمل قانون الرقابة على ثلاثة ممنوعات هي: الجنس والدين والسياسة، سماها المثقفون والمبدعون بالثالوث الرهيب، أو "التابو" الذي من المحال تحطيمه.

هنا الممنوع يتجسد في قانون فولاذي لا يمكن خرقه، قانون يقول إن الرقابة ملزمة بإرسال أي سيناريو أو شريط أو حتى فكرة لمعالجة سينمائية إلى الأزهر إذا كانت تحتوي نصاً دينياً أو شخصية إسلامية مقدسة أو إذا ظهر فيها صحابي، أو إرسالها إلى "الكنيسة" إن كانت تلك المقدسات مسيحية.

والأزهر ـ بدوره ـ لديه فتوى يعمل بها في تلك الحالة، تقول بأن النبي "عليه الصلاة والسلام" والعشرة المبشرين بالجنة ممنوعون من الظهور في أي عمل فني، أما الكنيسة فلا تحرم ظهور المسيح ذاته على الشاشة.. فهل اكتفت "المؤسسة الدينية" بممنوعاتها تلك؟

لا.. فالأزهر حال دون ظهور آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام في أعمال دينية عدة مع أنهم غير متضمنين في الفتوى، وحال دون توجيه أي نقد للتابعين وللصحابة غير المبشرين بالجنة، مع أنهم غير ممنوعين من الظهور "أي أن الممنوع هنا تمدد واستفحل تحت حماية الفتوى الأصلية".

ومنع الأزهر ـ على سبيل المثال، لا الحصر الكامل ـ شريط "القادسية" لسعاد حسني لظهور سعد بن أبي وقاص فيه، ومنع مسلسل "سلمان الفارسي" ومسلسل "أبو عبيدة بن الجراح" ومسرحية "الحسين ثائراً وشهيداً" لعبد الرحمن الشرقاوي، والطريف ـ المؤسف كذلك ـ أن الرقابة منعت عرض شريط "الرسالة" للراحل مصطفى العقاد خوفاً من غضب الأزهر، فيما ثبت أن الأزهر لم يصدر قراراً بمنعه من العرض في مصر.

وظلت الكنيسة المصرية بعيدة عن "الممنوعات" إلى أن برز دورها في المنع في السنين الأخيرة. فالكنيسة طبقت المحظور الديني الرقابي على شريط "بحب السيما" لليلى علوي ومحمود حميدة، لمجرد أنه يتناول قصة حياة أسرة مسيحية مصرية، ومع أنه لم يكن يتضمن أي نص ديني ولا ظهرت فيه شخصية دينية واحدة، وتم إنقاذ الشريط بأعجوبة من يد الكنيسة وعرض بعد حذف مشاهد عدة منه.

والكنيسة أيضاً تصدت بقلق واضح لشريط "آلام المسيح" لميل جيبسون وكاد يتعرض للمنع، لكنه عرض مع قليل من المحذوفات "أوشك الأزهر أن يتدخل للمنع، لأن لديه فتوى أخرى تقول بتحريم ظهور الأنبياء في الأعمال الفنية"، وكما كان موقف الكنيسة من "بحب السيما" و"آلام المسيح" كان موقفها أخيراً من رواية وشريط "شفرة دافنشي"، لكن موقفها الأخير أكثر تشدداً، لأنه أفضى إلى المنع الكامل والمصادرة من المنبع.

أمنية وجنسية

وإلى جانب الممنوع الرقابي الديني ثمة ممنوع أمني، حيث يقتضي وجود أي سيناريو فني لدى الرقابة يحتوي مشهداً أو عبارة أو تلميحاً يخص الأمن القومي بإحالته إلى جهات الأمن المختصة، كما يقتضي أي سيناريو عن أعمال عسكرية إحالته إلى "المخابرات الحربية" المصرية لاعتماده.

وعلى عكس المتوقع؛ فإن المؤسسة العسكرية وكذا الأمنية كانتا متخففتين من القيد الرقابي أكثر من المؤسسة الدينية، بل إنهما لم تمنعا سيناريو واحداً إلى الآن من الناحية الرسمية، وأسهمت المؤسسة العسكرية في تنفيذ وتسهيل الأشرطة الحربية السينمائية المصرية كلها إلى الآن!

وسياسياً، يتحسس الرقباء صدورهم ليمسكوا بقلوبهم المذعورة إذا جاء ذكر الرئيس في أي شريط سينمائي، مع أن مؤسسة الرئاسة ـ في كل مرة ـ ثبت أنها متسامحة أكثر من الرقابة!

ففي العام 2001 تعنتت الرقابة مع شريط "جواز بقرار جمهوري" لحنان ترك وهاني رمزي لاحتوائه كلمتي "قرار جمهوري"، ولأن الرئيس مبارك يظهر في المشهد الختامي للشريط وهو يصافح بطلي الشريط. والمثير أن المؤسسة الرئاسية وافقت على العنوان وعلى ظهور الرئيس، وإن كان ظهوره مقتطعاً من شريط تسجيلي، وتكرر الموقف مع شريط هاني رمزي الحالي "ظاظا رئيس جمهورية" الذي يلعب فيه رمزي دور مترشح للرئاسة يفوز بها في الانتخابات.. وللمرة الثانية تمرر الرئاسة الشريط، بعد أن تعنتت معه الرقابة!

أما المحظور الجنسي، فإنه منع من الظهور إلى الآن أشرطة بارزة من العرض على شاشة التليفزيون الرسمي المصري، كشريط "خمسة باب" لعادل إمام ونادية الجندي، و"درب الهوى" لمديحة كامل ومحمود عبدالعزيز، و"المذنبون" لسهير رمزي، و"أرجوك أعطني هذا الدواء" لنبيلة عبيد وغيرها من الأشرطة التي صارت موجودة في كل بيت سواء في صورة أشرطة فيديو أو أقراص مدمجة.. فكانت الرقابة في كل أحوالها مسكونة بهواجس "المنع" ربما أكثر من الجهات التي نفترض فيها الحرص على المنع!

مناخ المنع

خارج القوانين والمؤسسات، امتدادات ملحوظة لا ريب فيها!

فقبل شهرين تم رفع التماثيل في كلية الفنون الجميلة، لأن عميدها يقول بتحريم النحت. صحيح أن العميد دافع عن نفسه، وسعى كل مسعى لتبرئة نفسه، لكن ظلت حقيقة رهيبة على السطح كالسمكة الميتة تفضح الأمر برمته، فعدد المنقبات داخل الكلية يتزايد، وعدد الفارين من قسم النحت يتعاظم، لأن تحريم هذا الفن ومنعه هو مبدأ موجود بالأساس داخل الكلية!

وفي المعهد العالي للسينما نجد الظاهرة ذاتها، وبعض الطالبات والطلاب حرم على نفسه الالتحاق بقسم "التمثيل والإخراج" لأن التمثيل حرام في رأيهم مع أنهم التحقوا بمعهد السينما بإرادتهم..

وطلاب الفنون الجميلة ومعهد السينما هنا، إنما يمثلون مناخاً عاماً يباشر المنع ضد مساحات كاملة من الإبداع، كالتمثيل والاستعراض والغناء والنحت، وهي فنون تنامى مناخ منعها منذ صعود التيار الديني المتطرف في السبعينات. وكذا نجد قطاعاً كبيراً من البسطاء يحرمون على أنفسهم قراءة "أولاد حارتنا" أو اقتناء كتب نوال السعداوي لأنها "حرام"، ويمنعون أبناءهم من الاقتراب منها. فيما تنشغل النخبة بمناقشة سبل الإصلاح السياسي والدستوري والفكري في مصر، وهنا يثور السؤال حول هذين المسارين المتوازيين المتضادين، هل من الممكن أن يلتقيا برغم ذلك؟ بالطبع من المحال أن يلتقيا، الأمر الذي يلقي بظلاله حول طبيعة الإصلاح المطلوب في مصر الآن، وبصفة عاجلة.

المستقبل اللبنانية في

25.06.2006

 
 

شفرة دافنشي.. الكود السري للصهيونية

تقرير- عمرو محمود 

شفرة دافنشي.. الفيلم والرواية أحدهما أو كلاهما كفيلٌ بالإلحاح على مَن سبق له قراءة "برتوكولات حكماء صهيون" أن يعود بسرعة لقراءة جديدة أكثر عمقًا لهذه البروتوكولات، التي تنص على ضرورة تخريب العقائد والأفكار التي يعتنقها الأغيار (غير اليهود)، والسبب أن الفيلم والرواية تتناول إحدى الأفكار التي تطعن في العقائد المسيحية التي بات غالبُ أتباعها لا يكترثون للهيمنة الصهيونية عليها، بل يعتبرونها الامتداد التاريخي بل والمستقبلي لليهود والمسيحية معًا!!

وخلاصة الفكرة التي يقوم عليها العمل الأدبي (الرواية) والعمل الفني (الفيلم السينمائي) هو أن هناك جماعةً تؤمن بأن السيد المسيح- عليه السلام- تزوج من مريم المجدلية وما زال نسلهما يعيش بين البشر، وتتبنَّى هذه الفكرة جماعةٌ سريةٌ تراها عقيدةً لها، مخالفةً بذلك الإجماع المسيحي الذي يرى أن السيد المسيح عليه السلام لم يتزوج من مريم المجدلية أو غيرها.

 غلاف النسخة المترجمة من الرواية

ويغوص الفيلم والرواية في تفاصيل لوحة دافنشي (العشاء الأخير) لاستخراج رموز عن أشياء لا تخطر على بال أحد، إلا إذا كان له هدفٌ من وراء معرفتها أو البحث عنها، فهي شفرة أشبه ما تكون بفكِّ السحر والشعوذة منها إلى دين أو عقيدة، ويذهب العمل الأدبي والفني إلى اتهام المسيحيين وأديان العالم كله بالعمل على تهيمش دور المرأة؛ مما جعل الأديان كلها على مستوى العالم ذكوريةً (أي لا نصيب للمرأة في القيام بدور فيها) وهي نفس اللهجة أو الشفرة التي تتحدث بها الألسن عن الفقه الإسلامي، واصفةً تراثنا العظيم بأنه فقه ذكوري ليس للمرأة فيه احترامٌ أو تقديرٌ، وهي رؤيةٌ خاطئةٌ وقاصرةٌ بلا أدنى شك.. إذن منبع الهجوم على الأديان واحد؛ مما يدعونا- مرةً أخرى- إلى قراءة بروتوكولات حكماء صهيونية.

وفي هذا الصدد كان مجلس الشعب المصري على حقٍّ عندما طلب من وزير الثقافة فاروق حسني عدمَ عرض الفيلم في مصر، لكن سرعان ما ثارت ثائرةُ طائفةٍ من مدَّعي الفن والثقافة (أعداء الأديان) من كل اتجاه، مطالبةً بضرورة عرض الفيلم في دور السينما، خاصةً أن نُسَخَه المسروقة تملأ الأرصفة وتُباع بأسعار زهيدة وفي متناول الجميع!!

لقد قاد الإسلاميون الدعوة إلى رفض الفيلم في مصر لكونه يمس السيد المسيح عليه السلام ويؤذي مشاعر المسلمين إلى جانب المسحيين، والمسلم لا يكتمل إيمانه إلا بالإيمان بجميع الأنبياء والرسل والسيد المسيح منهم عليهم جميعًا السلام.

هذا رغم أن الرواية في أصلها تقرر مبدأً يتفق مع العقيدة الإسلامية بشأن السيد المسيح عليه السلام فيما يتعلق بكونه بشرًا وليس إلهًا، إلا أن الحق لا يتجزَّأ، فالإساءة في جانب والتجميل في آخر أمرٌ مرفوض تمامًا فيما يتعلق بالأديان.

العمل الفني

لقد عمد كثيرٌ من النقَّاد في تناولهم للفيلم إلى الإشارة إلى النواحي الفنية رغم ذكر بعض الملاحظات عليها، مع إهمال الإشارة إلى خطورة تناول الأديان في الأعمال الفنية بشكل لا يوافق عليه أصحابها، بل يرون فيه إيذاءً لمشاعرهم، وتجريحًا في عقيدتهم، يرفضونه بكل قوة ومعهم كل الحق في ذلك.

بل إن القس مرقص عزيز- كاهن الكنيسة المعلَّقة- اتهم المؤلف دان براون صراحةً بأنه لا ديني، رغم ادعائه الكاثوليكية، وقال القس: إن المؤلف دان براون ذكَر في كتابه أن الأديان جميعًا ملفَّقة ومفبركة؛ ولذلك فهو لا يعترف بالأديان ومن الطبيعي أن يهاجمها.

الحقيقة أن كلام القس يتَّسم بالوعي الشديد لما يُحاك في الظلام من مؤامرات ضد الأديان، بل إن وعيَه العميق لهذه القضية بالذات جعله يقول إن هذه الرواية تدعو إلى تصور وجود سلالة اسمها (الميروفينجية) وهذه السلالة سوف تحكم "إسرائيل" ويمتد حكمُها إلى العالم كله كما ينتظر اليهود من مسيحهم المزعوم.

ويؤكد القس أن هذا دليلٌ واضحٌ على أن هذا الفيلم وقبله الرواية يخدمان الصهيونية التي تهدف إلى الإساءة لكافة الأديان وتدعو إلى فكرة شعب الله المختار، بل إن القس أضاف أن مما يؤكد صهيونية هذا العمل ظهور النجمة السداسية في آخر الفيلم.

ما ذكره القس مرقس عزيز تؤكده الأرقام أيضًا؛ حيث إن الرواية التي كتبها المؤلف الأمريكي دان براون قد قرأها حتى الآن أكثر من أربعين مليون قارئ بخلاف الذين قرأوها على الإنترنت، هذا بالإضافة إلى حملات الترويج والبروباجندا في الإعلام الغربي لخدمة كل من الرواية والفيلم، وهو الأمر الذي يؤكد أن هناك يدًا خفيةً تمتلك هذه القدرة في الإعلام الغربي (الأوروبي والأمريكي معًا).

هذه اليد معروف تاريخها وقدرتها على التأثير وتشير إليها دائمًا إحصائياتٌ وأرقامٌ حول امتلاك الصهاينة السيطرة على معظم وسائل الإعلام الغربية (في أوروبا وأمريكا).. يؤكد ذلك الاتهامات الأخيرة من جانب المسيحيين الأرثوذكس إلى الكنيسة الإنجيلية التي تردَّد أنها سوف تعرض الفيلم وتم اتهامها بالعمل لصالح جهات أجنبية.

جرائم الصهيونية

ورغم أن ضلوع الصهيونية في الجرائم الثقافية لم يعد يحتاج إلى دليل ذلك أن نظرة الفكر الصهيوني إلى غير اليهودي تتسم بالتكبر والاستعلاء، انطلاقًا من نظرية شعب الله المختار التي يُرجعونها إلى أصول دينية وعقائدية لديهم، والأدلة على ذلك كثيرة، فهناك دراسة كاملة عن نظرة الصهيوني إلى العربي حصلت بها باحثة على درجة الدكتوراه.

وتؤكد الدراسة أن نظرة الصهيوني للعربي نظرةٌ دونيةٌ، وهو أمر ليس غريبًا إذا استدعينا نظرية شعب الله المختار ومفهوم الأغيار وتشبيههم بأنهم كائناتٌ خلقها الله لخدمة اليهود!!

الشيء الغريب أن جانبًا ممن يصفون أنفسهم بالمثقَّفين يطالبون بعرض الفيلم وتداول الرواية التي تسيء إلى مشاعر الشعب، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إنه يأتي في إطار خدمة الأفكار الصهيونية التي مهما تلونت فإن الذي لا شك فيه أنها تحارب الإنسانية كلها وليس الأديان فقط.

إن المطلوب إزاءَ هذا النوع من الفن هو كشف حقيقة وبيان أكاذيبه وأهدافه المسمومة التي تسعى من خلالها قوى خفية لبَثِّ أفكارها بهدف تخريب عقول البشر جميعًا، بحيث لا يبقى أمامها إلا الخضوع لفكرة الصهيونية التي تسعى الى السيطرة الكاملة على العالم.

ولكن ذلك يجعلنا نسأل: مَن الذي يستطيع أن يقوم بذلك ويقاوم سلطة الصهيونية في الإعلام الأوروبي والأمريكي والمخدوعين من بني جلدتنا؟!

إخوان أنلاين في

25.06.2006

 
 

من لا يخاف شفرة دافنشي

سامح فوزي*

فجأة تحول فيلم "شفرة دافنشي" إلي موضوع سياسي يناقش في مجلس الشعب، الذي قرر أعضاؤه- أغلبية وحزبيين وأخوان- حظر عرضه علي خلفية إساءته للعقيدة المسيحية. موقف نواب الشعب في هذه الحادثة يستحق التوقف أمامه.  هناك من  يري أن هذا الموقف يعبر عن إدراك بخطورة الشأن الطائفي، ولاسيما أن الشباب القبطي بدأ يعرف طريقه إلي التظاهر – أولا- في صحن الكاتدرائية، ثم –ثانيا- في شوارع الإسكندرية. إذن تسييس القضية يغلق الباب أمام تحولها إلي شأن طائفي. الجميع تكالب علي مصادرة الفيلم، وفق مصالح مختلفة. الحكومة لا تريد صدامات طائفية لا مبرر لها، والإخوان يستغلون كل منفذ يتاح أمامهم للهيمنة علي الفن، وإرساء مزيد من السوابق في المصادرة، اليوم هم مشجعون في "شفرة دافنشي"، وغدا قد يكونوا لاعبون في قضية يجيدون توظيفها. وإذا كان هذا موقفهم في مجلس الشعب، إلا أن موقفهم العام كان باهتا. لم يسعوا- مثلا- إلي الضغط لحظره في نقابة الصحفيين التي قررت عرضه ثم تراجعت للأسباب ذاتها التي دفعت الحكومة لاتخاذ قرارها بالمصادرة.

نحن لسنا في معرض تقييم القصة التي قرأها الملايين، وتحولت إلي فيلم يري كثير من نقاد العالم إنه "ضعيف فنيا". الفيلم مسيء للمسيحية لا جدل في ذلك. لكنه- في تقديري- لن يسيء للأقباط أو المسلمين قدر استمرار الاحتقان الطائفي السائد، المكتوم حينا والظاهر أحيانا، والتي لم يفعل مجلس الشعب شيئا ملموسا لإيقاف حدته، سوي الخطب الإنشائية التي قذفتها حناجر بعض أعضائه إبان أحداث الاعتداء علي ثلاثة كنائس بالإسكندرية في إبريل الماضي.  والفيلم- رغم سخافته- لن ينال من العقيدة المسيحية التي يعتنقها المليارات في كل بقاع العالم، تماما مثل رسوم الكاريكاتير في الصحيفة الدانماركية التي أساءت إلي العقيدة الإسلامية التي يؤمن بها المليارات علي وجه الكرة الأرضية. كل ما حدث أنه جري تسييس القضية ليس دفاعا عن الرموز الدينية، ولكن للتغطية علي قضايا أكثر سخونة والتهابا وإلحاحا.

مجلس الشعب الذي اتخذ هذا الموقف- رغم انه يبدو فيه إدراك بخطورة النيل من الشأن العقيدي، لم يعرف عنه علي مدار عدة عقود التعرض للشأن الطائفي. منذ صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق برئاسة جمال العطيفي عام 1972، تنحي مجلس الشعب عن المسألة برمتها، حتى تقرير اللجنة التي شكلها، والذي اتسم بالموضوعية والنزاهة، اعتراه النسيان ولم يعرف طريقه للتنفيذ. ولو أخذ مجلس الشعب القضية بجدية وقتئذ لما ساء الوضع، وتفاقم، وأصبح عصيا علي الحل. اليوم أفاق المجلس الموقر- حسب تعبير رئيسه - ليس علي محاولات تخريب التعايش الإسلامي المسيحي في داخل مصر، لكنه كشر عن أنيابه تجاه فيلم لا يدافع عنه أحد،   ولا تملك منظمات حقوق الإنسان سوي تحسس طريقها حتى لا ترتطم بحائط سد. لماذا لم يتصد مجلس الشعب لأشرطة الكاسيت والخطب الملغومة التي تطلقها بعض المنابر، ولماذا لم تأخذ الحمية أعضاءه تجاه مظاهر التخريب القصدي الذي تقوم بها بعض الأقلام لميراث التعايش بين المسلمين والأقباط.

وإذا قال البعض أن هذه هي مسئولية السلطة التنفيذية... فأين هي مسئولية المؤسسة التشريعية تجاه التلكؤ في إصدار تشريع موحد لبناء دور العبادة. هذا الموضوع أشار إليه- بكثير من الوضوح- تقرير لجنة العطيفي الذي لم ير النور. كم من المشكلات حدثت بسبب بناء وترميم الكنائس. حاول رئيس الجمهورية تجاوز الأزمة بسلسلة من القرارات المتعاقبة التي تنم عن رغبة حقيقية في إحداث المساواة بين المصريين، ولكن تأتي البيروقراطية- كالعادة- لتضع العراقيل التي تفرغ المبادرات الرئاسية من محتواها. يكفي أن نسأل أنفسنا ما مصير القرار الجمهوري الذي صدر في ديسمبر عام 2005 لتسهيل إجراءات ترميم وإعادة بناء الكنائس؟ المعلومات المتوفرة حتى الآن تشير إلي أن البيروقراطية أعادت تفسير القرار الجمهوري خلافا لمضمونه، نصا وروحا. هذه لها قصة أخري.

ويمتد بنا التساؤل إلي ما هو أبعد. لماذا لم يتخذ- حتى الآن- مجلس الشعب من السياسات الثقافية والتعليمية والإعلامية ما يصب في النهاية في تدعيم المواطنة في المجتمع المصري؟ لا أري سببا سوي أن هذه القضية لم تعد لها من يدافع عنها، ولا يجد أحد مصلحة في تبنيها. يبدو أن المجتمع يكتفي بتحويل الشأن الطائفي إلي "شأن أمني" تتحمل وزارة الداخلية وحدها مسئوليته، هو أمر يكشف عن تنصل كل مؤسسات الدولة- وفي مقدمتها المؤسسة التشريعية- من تحمل دورها. يكفي أن نقول أن المجلس الأعلى للصحافة- وهو يتبع مجلس الشورى- يرصد في تقاريره مظاهر عديدة من تجاوز الصحف سواء بنشر صور تخدش الحياء أو بالخلط الفاضح بين الإعلان والتحرير، إلا أنه لم يحدث أن وجه لوما للصحف- وما أكثرها- التي تفت في عضد المواطنة، وصفاء العلاقات المتبادلة بين المسلمين والمسيحيين، وتنشر علي الملأ  ثقافة البغضاء.

في كل الأحداث الطائفية لم يوجه عضو في مجلس الشعب استجوابا أو حتى سؤال لرئيس الوزراء أو أحد من وزرائه، تمضي الأحداث، وتصل إلي قمة الشحن والإثارة وسط صمت غريب من نواب الشعب. وأتذكر أنه جمعني في أعقاب حادث السيدة وفاء قسطنطين ( نوفمبر 2004) لقاء تلفزيوني مع أحد نواب مجلس الشعب العتاة، فما كان منه إلا التأكيد علي دور رئيس الجمهورية في تجاوز الأزمة، فقلت له: دور رئيس الجمهورية معروف ومعلن، ولكن أين دور المؤسسة التي تنتمي إليها، ولماذا لم يناقش الموضوع من الأصل في داخلها؟ وأين دورك الشخصي- بوصفك نائبا في البرلمان- في التصدي للأزمة التي كادت تعصف بوحدة هذا البلد؟  فما كان منه إلا إعادة التأكيد علي دور الرئيس مبارك، وكأن رئيس الدولة يجب أن  يحمل علي كاهله كل مظاهر إخفاق مؤسسات الدولة الأخرى. ولولا أنه- أي رئيس الجمهورية- قام بتعيين خمسة أقباط في المجلس لما كان يوجد به سوي عضو قبطي واحد، هو وزير المالية، ضمن 454 عضوا. والملفت أن الحزب الوطني وأحزاب المعارضة والإخوان المسلمين أنفسهم لم يسعوا- بجدية- لإنجاح أي قبطي، والنفر القليل من الأقباط  ممن وصلوا بجهدهم الشخصي لمرحلة الإعادة في الانتخابات البرلمانية تعرضوا إلي دعاية طائفية وألاعيب إخوانية لا تخفي علي أحد، جري  خلالها توظيف "الدين" لإقصاء المرشح القبطي خارج حلبة المنافسة.

الغريب أن مجلس الشعب قرر في أعقاب حادثة الإسكندرية في إبريل الماضي تشكيل لجنة لتقصي الحقائق. وتفاءل البعض بقرب عودة الشأن الطائفي إلي جدول أعمال المجلس، إلا أن التفاؤل- المتسرع- تبخر عندما تجمد الموضوع، ولم تتشكل لجنة تقصي حقائق، ولم ير أعضاء المجلس جديدا في هذا الشأن. 

إنني لا أخاف علي الأقباط أو عقيدتهم من "شفرة دافنشي" المبتذلة، مثلما لم أخش علي المسلمين أو عقيدتهم من "رسوم كاريكاتير" القميئة، ولكني أخشي عليهم جميعا من تصاعد مناخ طائفي، يتراكم ويتنامي، إنكاره لن يسهم في حله، والالتفاف حوله لن يفيد، ولا يكفي أن نترك بيت الداء، ونبحث عن صغائر الأشياء لنسجل "المواقف الكبرى". 

*مفكر مصري (مجلة روزاليوسف)

شفاف الشرق الأوسط في

25.06.2006

 
 

مشاهد

جدل المقدس في فيلم / رواية شيفرة دافنشي

د.طاهر عبد مسلم علوان

1

يثير المقدس اشكاليات متجددة في مجال الأبداع .. فهل ان ما مطلوب هو  الخوض في حذر تام في بنية المقدس وعدم الأقتراب من المناطق الأكثر اثارة للجدل ؟ام تراها حرية مطلقة كتلك التي جاءت مع رواية دان براون ... لاسيما اذا كان الأمر مرتبطا بالفنون الأدائية والسمعية البصرية ، وحيث كانت السينما شاهدة على الأقتراب من الموضوعات المقدسة ومن ذلك سير الأنبياء والموضوعات المرتبطة بالعقائد .. و ربما كانت السينما الأمريكية خاصة هي الأكثر اثارة للجدل ولردود الأفعال الصاخبة لجهة تقديم سيرة المسيح عليه السلام ، ولاينسى المتابع النسخة المعدة عن رواية كازننزاكس : التجلي الأخير للسيد المسيح ثم فيلم العاطفة لميل جبسن انتاجا وتمثيلا ويوم كنا طلابا في الجامعة لن انسى فيلما اسمه (اكوز او الحصان ) لايقل مباشرة وصراحة في عرض افكاره.

ما يجمع بين هذه الأفلام جميعا مع شيفرة دافنشي انها تسعى الى اعادة قراءة المقدس من وجهة نظر غربية تزعزعت في داخلها كثير من القناعات، وفاقمت غربة الرأسمالية والليبرالية ومستحدثات تكنولوجيا العصر وثمار الرفاهية فضلا عن اطلاق الحريات الجنسية وحرية المعتقد ، كل هذه شكلت ملامح انسان الأزمة المتشكك القلق الذي يبحث دونما توقف عن اجابات لاتقدمه له السلطة ولا الدولة ولا المؤسسة الأجتماعية.هذا المقدس يتفجر فجأة على نطاق عالمي من خلال ماتركته شيفرة دافنشي من اصداء ... ابتداءا من الرواية، التي تجاوزت بمسافات قائمة الروايات  الأفضل مبيعا best seller book     الى الكتاب القنبلة    Blockbuster book      اذ يكفي ان الرواية قد ترجمت الى 35 لغة وبيع منها 40 مليون نسخة ومازالت اصداؤها متصلة منذ العام 2004 تاريخ صدورها .

2

بالطبع هنالك الكثير الكثير مما يمكن الأستشهاد به مما كتب من تعليقات عن الرواية / الفيلم ،اذكر على عجل مااطلعت عليه في نوفيل اوبزرفاتوار بقلم ماري فرانس ايكيجون و ماكتبته لورا ميللر في نيويورك تايمز تحت عنوان الكلمة الأخيرة فضلا عن عشرات المقالات لبول سمث في صحف ودوريات تدافع عن الكاثوليكية التي تمسها هذه الرواية / الفيلم .والمسألة عبر هذا السيل من الدراسات تتعلق بأعادة تفسير المقدس ، ومن ذلك مايعلنه دان براون مؤلف الرواية نفسه  صراحة من مفاهيم اشكالية ،وحيث تدور الحبكة الرئيسية في الرواية حول "روبرت لانجدون" أستاذ الرموز الدينية في جامعة هارفارد، والذي يجسده "توم هانكس" في الفيلم، والذي يتم استدعاؤه إلى متحف اللوفر بباريس للتحقيق في مقتل المشرف عليه؛ حيث تكتشف جثة القتيل ممددة بنفس الطريقة التي رسمها "ليوناردو دافنشي" في إحدى لوحاته الشهيرة وعلى صدره نقش رمز النجمة الخماسية، وكتبت إلى جواره رسالة بدماء القتيل.

وفي الرواية يصحب المؤلف دان براون قارئه منذ البداية عبر مسار الجريمة والتحقيق لمحاولة تفسير الأدلة التي تشير إلى محاولة الكنيسة لإخفاء أحد أكثر الأسرار خطورة، والمتعلقة  بالسيد المسيح عليه السلام  وزواجه وانجابه، بل وأكثر من ذلك، أن سلالته كوّنت الأسرة الميروفنجية والتي لا يزال أحفادها موجودين حتى الآن.

ووفقًا للرواية أيضًا، فإن تنظيمًا سريًّا يعرف باسم "أخوية سيون" قام بحراسة هذا السر الخطير منذ الحملات الصليبية حين اكتشف "فرسان المعبد" الدليل الذي يشير إليه تحت أحد معابد القدس، وتشير الشيفرة التي تحمل الرواية اسمها إلى المكان الذي دفنت فيه مريم المجدلية ومعها كافة الوثائق الخطيرة .

3

وفي وقت يؤكد براون في متن روايته ان مايرد في الرواية هي وقائع حقيقية تقول الكنيسة الرومانية الكاثوليكية إن كل ما ذكر في هذه الرواية والفيلم هو خيالي وان الفيلم هو مجرد اسطورة".

وان الخطر يكمن في التصديق بما يرد في الرواية لكن السؤال المرافق لهذا الدفاع والدفاع المضاد يكمن في النقاش حول مجموعة من الكتب الأخرى التي صدرت ككتاب "الدم المقدس والكأس المقدسة" للمؤلفين "بايجنت وليه ولينكولن"، وكتاب "بندول فوكو" لـ"أمبرتو إيكو" وهي كتب تناقش  الأفكار نفسها، ولقيت تجاهلاً تامًّا ولم تثر غضب المجموعات الكنسية يوم صدرت .

وبعد هذا عرض فيلم شيفرة دافنشي في مهرجان كان الأخير ، لكنه قوبل بفتور ولم ينل جائزة ، وأثار الفيلم الذي قام بإخراجه "رون هاوارد"، وقام ببطولته كل من "توم هانكس" و"أودري تاتو" و"أيان ماكليلان" دائرة واسعة من الاحتجاجات حول العالم، حتى قبل عرضه؛ اما بعد عرضه الأول في كان فقد منع في العديد من عواصم العالم ومنها بالطبع عواصم عربية واسلامية لأنه يهين العقيدة المسيحية، ويشوّه شخص السيد المسيح عليه السلام ، ومن بين هؤلاء: الفاتيكان في روما، وجماعات اليمين المسيحي في أمريكا. ربما كانت قصة المساس بالمقدس تعيد الى الأذهان فكرة المعايير المزدوجة السائدة بشكل فاجر في عالمنا اليوم ، فالغرب الساخط على مروجي الشيفرة رواية وفيلما والمصدقين بهما ، انكر على جمهور المسلمين سخطهم واحتجاجهم على الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)...وعلى هذا تجد اوساط معتدلة نفسها امام حرج حقيقي في المضي بفكرة الحرية في التعبير والرأي وما تؤدي اليه من اهدار خطير لمفاهيم موروثة فهنالك من هذه المفاهيم المعرضة للأهتزاز كثير جدا مما لايتسع المجال للخوض فيه من جهة ولحساسية الموضوع من جهة اخرى ، فقد قادت هذه الرواية / الفيلم الى دهاليز خطيرة وحساسة وطرحت مفاهيم اخطر ولهذا خلفت ردود افعال شديدة ومع ذلك ظل الغرب متسائلا هل سيمضي مع هذه الموجة والى اين ؟

الزمان العراقية في

29.06.2006

 
 

الرواية تهزّ العالم من جديد!

يوخنا دانيال 

تتردّد على ألسنة التاس في الآونة الأخيرة عبارات " شفرة دافنشي" و"عمارة يعقوبيان" بكثرة، بمناسبة بدء عرض الفلمين المأخوذين عن هذين العملين الأدبيين الناجحين. وقبل ان يّتحول هذان العملان الى فلمين، كانا مشهورين الى حد بعيد بين القرّاء والمهتمين بالأدب الروائي في كل مكان. وان كان من المعتاد بيع عدة ملايين نسخة من أي عمل روائي شهير في أمريكا، فانه من النادر ان تحظى رواية بهذا الحجم من الشهرة والمبيعات والترجمة السريعة الى اللغات الأخرى في العالم العربي، مثلما حدث مع رواية عمارة يعقوبيان .

"شفرة دافنشي" تشتغل على محرّم كبير، هو الدين ...و تحاول ان تقترح مسارات جديدة، لقصة حياة يسوع المسيح، بناءاً على أدلة وشواهد تستقرأ من أعمال الفنان الكبير ليوناردو دافنشي، وعلى الأخص لوحة العشاء الأخير الموجودة في متحف اللوفر. هذه المسارات تتعارض تماماً مع القصة الرسمية والمعتقدات السائدة بين عموم المسيحيين. لذا يعارض الفاتيكان والكنيسة عموماً – وحتى المسلمين أيضاً – مثل هذه الرواية، وبالتالي العمل السينمائي المبني عليها. ان الرواية لا تنتقد سوء استخدام السلطة او الانحراف داخل الكنيسة، كلا... بل انها تتناول صلب القصة المسيحية التقليدية، في اِطار من التحقيق البوليسي المشوّق، والذي أصبح دارجاً الآن في الآداب الغربية – وحتى العربية التي تقلّدها أيضاً –  منذ ان نشر الروائي والناقد الايطالي  أمبرتو إيكو روايته العظيمة "اسم الوردة"، وأعقبها بروايته العادية جداً المسماة "بندول فوكو". بالطبع ان العمل الروائي يفسح المجال للقارىء للتأمل والتقصي والتفكير... على العكس من العمل السينمائي الذي يجب ان يلتزم بوقت عرض محدد، ويجب ان يسوده التشويق والاثارة والمتطلّبات الضرورية لشباك التذاكر. لقد جاء الفلم أخفّ كثيراً من الرواية، على حد قول الناقد الكبير الأستاذ "ابراهيم العريس" في تغطياته لفعاليات مهرجان كان الأخير.

أما بالنسبة لرواية "عمارة يعقوبيان" فهي تشتغل على الثالوث المحرّم أيضاً في العالم العربي : (الدين، الجنس، السياسة) ... ولكنها لا تتعرّض الى الأسس والمعتقدات في موضوعي الدين والسياسة، بل تنتقد سوء استخدام السلطة والاستغلال السيء لكليهما. لكن الرواية اجرأ بكثير من ذلك في مجال العلاقات الجنسية، وخصوصاً في التعرّض التفصيلي لمسألة العلاقات الجنسية المثلية الذكرية، وهذا شيء غير مسبوق في تاريخ الرواية العربية، وبهذا الإسهاب والتفصيل والحيادية "المقلقة". في السياسة تهاجم الفساد واحتكار السلطة، أما في الدين فان الرواية تتعرّض للتطرّف الديني السياسي والإرهاب. لكن الرواية لا تُلقي التهم، بل تطرح كل شيء بهدوء وطريقة مقنعة، وبلغة حيادية او تقريرية، بعيداً عن البلاغة والرمزية والبهلوانيات والشحطات السريالية. وقد حاز الفلم المأخوذ عن الرواية جوائزاً، وحصد الاعجاب اينما عرض في برلين وكان ونيويورك وغيرها.

ان أهم ميزة في هذين العملين: هي الجرأة في تناول المحرّمات او أشباه المحرّمات. انهما تستفيدان من مناخ الحرية وشبكة الأمان المجتمعي في بلديهما، ونقصد أمريكا في حالة شفرة دافنشي، ومصر في حالة عمارة يعقوبيان. وقد أثارت الروايتان الكثير من الجدل والنقاشات على مستويات مختلفة، وترجمت الى العديد من اللغات، ووجدتا طريقها معبداً او سالكاً الى السينما في هوليوود والقاهرة. وهذا ما يعطي الروايتين قوة مضاعفة او بالاحرى مبيعات اضافية. من لم يقرأ الرواية سوف يشاهد الفلم بالتأكيد. ومن لا يقرأ أصلاً، فانه سيلجأ الى مشاهدة الفلم... ربما ليتباهى في المجتمعات على الأقل، بمعرفته بشفرة دافنشي او عمارة يعقوبيان. وقد حظي الفلمان المأخوذان عن الروايتين بكرم وبذخ في انتاجهما، ونجوم كبار يجسدون الأدوار الرئيسية من أمثال توم هانكس وأودري توتو في شفرة دافنشي، وعادل إمام ويسرى ونور الشريف وآخرين في عمارة يعقوبيان.

لكن ماذا عن الروائي في العراق؟ ولننسى السينما في العراق مؤقتاً.

مثى نكتب رواية تثير هذا القدر من الضجة والتساؤلات الحقيقية؟

متى نكتب رواية تثير حفيظة السلطة والقوى المحافظة والمهيمنة على المجتمع؟ ومتى يحظى الروائي العراقي بهذا القدر من التكريم والأهمية والدعم والاسناد من المجتمع؟

هل يأتي يوم يتنافس فيه صناع السينما العراقيون –  اِن وجدوا – من أجل تحويل رواية عراقية عظيمة الى فلم عظيم ... بعيداً عن أموال ونفوذ الحكومة او الدولة؟ أسئلة وتساؤلات... ولا أجوبة ولا إجابات.

وربما تكون الرقابة الرسمية قد زالت عن الكتاب العراقيين حالياً، وربما يمكنهم ان يقولوا ما يريدون... لكن ماذا سيقولون وسط هذه الأجواء والمناخات من العنف والإرهاب والتخوين والقتل ... وغياب أبسط الخدمات والضمانات الاجتماعية .... كل هذه "السيوف" ستؤدي الى نمو وازدهار "الرقابة الذاتية" او السكوت او اللجوء الى العبث او الرمزية او الهروبية... بالضبط مثلما كان يحدث أيام الطغيان والدكتاتورية!

موقع "كيكا" في

01.07.2006

 
 

علي أبوشادي:

نسخة شفرة دافنشي مزورة..

وسوق القرصنة ينافس أسواق المخدرات

حسام عبدالبصير 

أكد الناقد علي أبوشادي رئيس جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية أن فيلم »شفرة دافنشي« الذي تثار حوله في الوقت الراهن ضجة كبيرة لم يتم عرضه علي الرقابة من الأساس حتي يصدر قراراً بإجازته أو رفضه، وأضاف أنه يرفض جملة وتفصيلاً فكرة مشاهدة فيلم إلا إذا كان قد دخل البلاد بشكل شرعي.. لأن الحكم علي نسخة مزورة أمر غير مقبول ولا يقره منطق. وقال أبوشادي: لم تتقدم أي شركة توزيع للرقابة لإجازة الفيلم وبذلك ينتفي أي حق للرقابة في إجازته، وأشار إلي أنه بالرغم من ذلك فإن جهوداً كبيرة يبذلها الرقباء لضبط النسخ المهربة من »شفرة دافنشي«   وغيره من الأعمال التي يتم بيعها في الأسواق مشدداً علي أن الكثير من هؤلاء الموظفين يتم الاعتداء عليهم بالضرب ويتعرضون للإصابات من قبل قراصنة الأفلام الذين لا يدخرون وسعاً في ابتكار العديد من الوسائل كل صباح لجني المزيد من الأرباح، فالسوق الذي يعج بآلاف النسخ المهربة للأعمال بات شبيهاً بسوق المخدرات فحينما يتم ضبط مهرب يظهر العشرات كل يوم.

وأكد أن الذين يثيرون الضجة حول دافنشي عليهم أن يعلموا أنه في حالة عرضه علي الرقابة فإن منعه سوف يكون بالقانون الذي يرفض الإساءة للأديان.

وفي تصريحاته، أكد أبوشادي أن القراصنة الجدد يقومون بترجمة الأفلام الأجنبية للعربية من أجل إغراء أكبر قدر من المشاهدين.

ووصف ما جري في مجلس الشعب من قرار جماعي بحظر دخول الفيلم بأنه وإن كان يوافق علي هذا القرار من أجل الدفاع عن الأديان إلا أنه يخشي مستقبلاً من أن يؤدي خلال المستقبل لزيادة رقعة تأثير المعادين للفن الذين يطمحون لتقييد حرية الإبداع بشكل كبير مراهنين علي تدين الشعب المصري والذي لا يشكك أحد في معتقداته أو انتمائه.

وحول الجهة التي يتم منها تهريب »شفرة دافنشي« قال إنه يأتي من عدة بلدان أهمها روسيا، بالإضافة إلي المواقع الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت. وأكد أن الموسم الصيفي للسينما المصرية الذي بدأ قبل أسبوعين حال دون تقدم الشركة الموزعة للحصول علي حق عرض »دافنشي« في مصر، كما أن غرق الأسواق بالنسخ المزورة أدي لتراجع أي احتمالات لإمكانية تحقيق الشركة لأي أرباح في حالة إذا ما تم إجازة العمل والسماح بعرضه.

وكشف »أبوشادي« النقاب عن أن رجال القضاء والنيابة انتقدوا مؤخراً جهاز الرقابة لأنه يقوم بضبط أطفال صغار يقومون بترويج وبيع النسخ المزورة.

وقال »أبوشادي«: طُلِبَ منا عدم إرسال الأحداث لجهات التحقيق والمحاكم، وكان ردنا أن القراصنة يدفعون بالأحداث لبيع الأفلام علي الأرصفة وذلك كي يظلوا بمنأي عن الملاحقة، وبالرغم من ذلك نحرص علي مطاردة هؤلاء في مختلف المحافظات والمدن المصرية بالرغم من الإمكانات المتواضعة لجهاز الرقابة والذي يستخدم سيارة متهالكة في مطاردة اللصوص.

وطالب »أبوشادي« بضرورة دعم جهازه من أجل مراقبة الأسواق المنتشرة، ووصف ما يجري حالياً في أوساط السينمائيين والنقاد والسياسيين ومختلف النخب التي هيمن عليها حديث دافنشي، بأنه يلقي الضوء علي حالة فراغ متناهية قائلاً إنهم قاموا بعمل »زار« للفيلم بدون أي مبرر.

موقع "الوفد" المصرية في

03.07.2006

 
 

شفرة دافنشي ومهرجان كان

ربما لم تنل رواية من الروايات الشعبية قدرا من الدعاية قدر ما نالت رواية "شفرة دافنشي"، فقد ترجمت إلى عشرات اللغات، ووزعت عشرات الملايين من النسخ، واصبح الخيال الشعبي - على الأقل في الغرب- مهيئا بدرجة كبيرة لاستقبال فيلم سنيمائي عنها. ومنذ بدء تصوير الفيلم السينمائي الذي يقوم بدوري البطولة فيه الممثل الأمريكي توم هانكس والفرنسية أودري تاتو، والاهتمام يتزايد وتتسع رقعة التغطية الإعلامية ويزداد معها الاهتمام. وأخيرا جاء الفيلم وعرض للمرة الأولى في افتتاح الدورة التاسعة والخمسين من مهرجان كان السينمائي.. فماذا كانت حصيلة الانتظار والترقب؟ من المعروف أن تحويل الرواية إلى سيناريو سينمائي يتطلب مهارة خاصة، ليس فقط بسبب الحجم الكبير للرواية، ولكن اساسا، بسبب تعقدها وتعدد شخصياتها وأحداثها وتفسيراتها الموغلة في التاريخ والفانتازيا معا. هذا الدرس الأول الذي لا شك أن مخرجا كبيرا مثل رون هاوارد يدرك أهميته، بدا من أول وهلة أنه نُسي أو تم تجاهله بسبب الرغبة في تقديم الرواية إلى جمهور السينما مع المحافظة قدر الإمكان، على معظم دروبها وشخصياتها المتعددة.

خطابي طابع

ولا شك أن هذه الرغبة أدت إلى تحويل فيلم يفترض أن يكون من أفلام الإثارة والتشويق، إلى فيلم خطابي يمتلئ بالشروح التفسيرية الطويلة وبالحوار المصطنع صنعا لشرح طبيعة الموضوع وخلفياته للجمهور الذي لم يقرأ الرواية بالطبع. يصور الفيلم عالما سريا مفترضا له شفراته الخاصة وبعضها لم يتوصل أحد إلى فك رموزه حتى الآن. ويقول الفيلم إن بعض المفاتيح المهمة لمعرفة ما خفي سواء عن الصورة "الحقيقية" للمسيح كامنة عن طريق شفرات خاصة في عدد من لوحات فنان عصر النهضة الايطالي ليوناردو دافنشي وأهمها موناليزا والعشاء الأخير. ويصور الفيلم كيف أصبح هناك عالم خاص سري من أتباع الكنيسة الكاثوليكية، يقيم جدارا من القداسة حول أشياء ووقائع مشكوك تماما في صحتها العلمية تتعلق بأصل المسيح ودعوته وتشكك في الكثير من المسلمات التي استقرت عبر القرون في أذهان المسيحيين في العالم: سواء من الكاثوليك أو غيرهم

الإيقاع البطيء

هنا على العكس من أفلام التشويق المثيرة، ايقاع بطئ وتكرار ممل للأفكار ومبالغات تصل حد الهستيرية أحيانا، دون وجود أي لحظات موحية للتأمل واستيعاب ما يحدث من تراكم معلوماتي لا يفيد كثيرا في دفع الحبكة إلى الأمام نحو الذروة التي لا تجيئ ابدا على أي حال! المخرج رون هاوارد الذي حقق تميزا جعله يحتل الصف الأول من مخرجي السينما الأمريكية ذات المذاق الخاص في أفلام مثل "العقل الجميل" أو "الرجل السندريلا"، يعاني هنا من موضوع يبدو غريبا عليه رغم شيوع روايته. هاوارد يصنع مشاهد جميلة متقنة في حد ذاتها، إلا أنه يفقد السيطرة على ايقاع فيلمه الذي يتجاوز الساعتين ونصف الساعة بقليل، كما تسقط منه الحبكة وتفلت خيوطها من يده، وبديهي أيضا أنه يعجز عن السيطرة على الموضوع بسبب رداءة السيناريو الذي يطمح إلى أن يروي كل شئ عن كل شئ في رواية دان براون ولكن دون نجاح يذكر.

سذاجة الحبكة

إلا أن الفيلم الذي يجعل بطله الدكتور روبرت لانجدون - خبير الرموز- يخوض مغامرة هائلة بين باريس ولندن واسكتلندا يتعرض خلالها للتصفية الجسدية - لا ينجح في شد انتباه المتفرجين بل وتبدو الحبكة في كثير من الأحيان هشة بل وساذجة. ويساهم تعدد الشخصيات وتداخلها في زيادة الاحساس بالاضطراب من هذه الشخصيات شخصية فتاة فرنسية تدعى "صوفي" (تقوم بأداء دورها أودري تاتو) يفترض أنها خبيرة في فك الشفرة، وهي تعمل في خدمة الشرطة الفرنسية إلا أننا سرعان ما نعرف أن القتيل الحارس على أسرار متحف اللوفر الباريسي- الذي يلقى مصرعه بوحشية في المشهد الأول من الفيلم- هو جدها. بعد ذلك نعرف أنها فقدت أسرتها في حادث سيارة ونشأت في كنف الجد الذي نعود فنعرف من خلال شرح طويل من طرف البطل، أنه لم يكن جدها وأنها ليست "صوفي" بل فتاة أخرى تنتمي لأسرة من العائلة المالكة القديمة! . والمشكلة أن الحوار الذي تنطق به الشخصيات يخالف تماما الحوار التلقائي البسيط الذي أصبح مألوفا في لغة سينما اليوم، فهو هنا واضح الإنشائية والبلاغة اللفظية مع كثير من الشروح والسرد التاريخي الذي لا ينقطع. وقد أثار الحوار الهزيل سخرية النقاد الذين شاهدوا الفيلم في عرض خاص مساء الثلاثاء قبل يوم من الافتتاح الرسمي، وبوجه خاص عندما يقول هانكس لتاتو: إنك أخر حلقة من سلالة المسيح على الأرض! واستقبل بعض الصحفيين الفيلم بعد انتهائه بصفير الاستهجان. وحتى الدور الذي يقوم به الممثل الانجليزي الكبير السير إيان ماكلين (وهو دور السير لي تيبينج ) لم يبدو مقنعا بل ويبدو الممثل الكبير وهو يجاهد عبر الفيلم لجعل دوره يصل للمشاهد دون جدوى. والمفترض أنه ينقلب من الوجه الطيب الذي يساعد البطلين إلى وجه شرير وجزء من المؤامرة الكونية المستمرة لاخفاء الحقائق. أما تلك "الحقائق" الافتراضية فمنها أن المسيح ليس ابن مريم العذراء، وأن مريم المجدلية لم تكن عاهرة تابت على يدي المسيح، بل كانت امرأة فاضلة وشوهتها الكنسية في العام 591 ميلادية.

وقد وجهت أسئلة كثيرة إلى توم هانكس في المؤتمر الصحفي الذي حضره صناع الفيلم، معظمها بعيد عن الفيلم نفسه وبعضها يسخر منه مباشرة، بل إن أحدهم سأله عن سر اعجابه بأيسلنده! إلا أن البديهة الحاضرة لدى هانكس انقذته من المأزق الذي وجد نفسه فيه بينما دافع المخرج رون هاوارد عن الفيلم قائلا إنه مجرد عمل خيالي. ويبدو دور الممثل الشهير توم هانكس ضعيفا رغم مركزيته، فهو يبدو لنا تائها بين أدغال موضوع لا يفهمه ولا يستطيع استيعابه. هناك عدد من مشاهد العنف والمطاردة والقتل وكثير من سيارات الشرطة الفرنسية التي نكتشف أن أحد ضباطها العاملين في كشف جريمة اللوفر، ضالع أيضا في المؤامرة السرية للإبقاء على لغز "الكأس المقدس" الذي يسعى بطل الفيلم لفك شفرته! إلا أن هذه العناصر كلها إضافة إلى تعدد الأماكن والتصوير المتميز بظلاله وتضاريسه داخل مواقع حقيقية مثل متحف اللوفر وقصر فيليت وكاتدرائية ويستمنستر، لا تنجح في انقاذ الفيلم من الترهل.

####

د. نجم عبد الكريم

"أشباه المثقفين" صفة تطلق على أدعياء الثقافة ممن يخوضون في أمور لا علم لهم بها، وإنما يتشدقون بالمعرفة، وهم يعلمون علم اليقين أنهم يخوضون كذباً فيما لا علم لهم به. والبعض من هؤلاء قد استمرأ تصديق ذلك الكذب وصار يطرح نفسه كمثقف، معتمداً على كليشيهات وعناوين فاقعة في ظاهرها، جوفاء في باطنها.. والسوق العربية تعج بهذه العيّنات القشرية والمسطحة المعارف، والتي نشاهدها ليل نهار عبر وسائط الإعلام والمؤتمرات والمنتديات التي تعقد هنا وهناك، ويتبوأ الكثير منهم مراكز مرموقة في أجهزةٍ تُقرر فيها ـ بكل أسف ـ مصائر الناس!!..

• أسوق هذه المقدمة بسبب ابتلائي بالالتقاء بمثل هذه العيّنات، فهم كالتخمة حيث تغصّ بهم طبيعة العمل الإعلامي والثقافي.. وليس من قبيل المصادفة أن المئات من هذا النمط من ـمدّعي الثقافةـ كانوا في السنوات الثلاث الماضية يتحدثون عن "شِفرة دافينتشي" وكأنها بحثٌ توثيقي تاريخي قام به مؤرخٌ عظيم لينسف الأسس التي ارتكزت عليها الديانة المسيحية، وهم يرون أن (دان براون) المسيحي الأمريكي قد أكد هذه الحقيقة، وبالتالي فإنهم كثيراً ما يرددون: (من فمك أُدينك)، والبعض من هؤلاء ممن تنتابهم هواجس الهوس الديني، صاروا ينظرون إلى هذه الرواية، وكأنها رمزٌ لانتصار الإسلام..

• وبسبب سعة انتشار رواية شيفرة دافينتشي، فإن بعضاً من أشباه المثقفين يعتقد أنه إذا لم يدلي بدلوه في محتوى أحداثها، فإن ذلك يحول دون وضعه في مصاف المثقفين.. فصار الواحد منهم يعتبرها من أعظم الكتب التي قرأها في حياته.. وآخرون يرون فيها إنجازاً تاريخياً علمياً أدى إلى اكتشاف حقيقة هذا الزيف الذي تقوم عليه الديانة المسيحية، وقد ساعدتهم على ذلك تهيئة الأجواء المنبثقة من احتجاجات الكنائس ورجال الدين المسيحي على مضمون ما جاء في تلك الرواية.

فلو كان هؤلاء من أشباه المثقفين وأدعياء المعرفة لهم قدم راسخة في عالم القراءة، لأدركوا أن دان براون قد اعتمد في كتابة روايته على أسلوب التشويق "SUSPENCE" ، وهو من الأساليب التي درجت عليها الكثير من المدارس الأدبية، كبوليسيات أرسين لوبين، وسيكولوجيات شرلوك هولمز، مروراً بكتابات أجاثا كريستي، وألفريد هيتشكوك وما شابه ذلك.

لكن الخديعة التي أوقعت أشباه المثقفين في الفخ الذي نصبه لهم دان براون في شِفرة دافينتشي، أنه ذكر في الصفحة الحادية عشرة من النسخة المترجمة إلى اللغة العربية تحت عنوان (حقائق) مجموعةً من المعلومات مثل:

• جمعية سيون الدينية ـ هي جمعية أوروبية سرية تأسست عام 1099 وهي منظمة حقيقية، وأنه تم اكتشاف مخطوطات عُرفت باسم الوثائق السرية، ذُكرت فيها أسماء أعضاء انتموا إلى تلك الجمعية، منهم: اسحق نيوتن، وساندرو بوتيشِلي، وفيكتور هوجو، وليوناردو دافينتشي، ثم أورد تاريخ العثور على مخطوطات هذه الجمعية.

• كما أشار أيضاً إلى المجموعة الأسقفية الفاتيكانية التي تعرف باسم أوبوس داى، وهي مذهب متشدد متخصص في غسل الأدمغة، والقيام بممارسة خطيرة تعرف بالتعذيب الجسدي الذاتي، وحدّد مقرها في إحدى جادات نيويورك، كما ذكر مبلغ تكلفة مقرها وهو (47) مليون دولار أمريكي.

• هذه المعلومات وغيرها والتي توحي بأنها حقائق تاريخية، تضمنت أسماء لمشاهير، كانت هي الطُعم الذي ابتلعه المتحمسون من أشباه المثقفين لرواية شِفرة دافينتشي، والتي بنى على ما أورده فيها من حقائق ـمزعومةـ أحداث روايته، فانطلق من الأسرار التي احتوت عليها لوحتا الموناليزا والعشاء الأخير، لـ ليوناردو دافينتشي، ليستمر في سرد الأحداث التي جعلت من السيد المسيح متزوجاً من مريم المجدلية، وله منها نسل، تمثل في الشخوص الذين كان لهم أدوار في الرواية. وبحكم الطقوس التي برع دان براون في تصويرها، إذ وُفّق في جعل القارىء يتابعه بشغفٍ حتى النهاية، التي تمت بلقاء حفيدة المسيح بجدّتها وشقيقها بعد أن حالت الظروف دون أن يلتقيا. والحقيقة أن نهاية الرواية هي أقرب ما تكون إلى نهايات الأفلام الهندية، أو تلك النهايات التي تختتم بها عادةً الأفلام العربية، أيام يوسف وهبي، وحسن الإمام، وما شابه ذلك.

• أما ذوو الهوس الديني من أشباه المثقفين فقد استندوا إلى حوارٍ دار في الرواية بين صوفي وتيبينغ، والذي ورد في الفصل (58) حيث شاهدت صوفي بعض الأعمال الفنية في قصر المؤرخ البريطاني (تيبينغ) وفيها صور ورسومات قد أثارت دهشتها، ومنها صورةٌ لمن كان يجلس على يمين المسيح، والذي فُسّر برموزٍ معينة على أنه امرأة في لوحة دافينتشي (العشاء الأخير) وتبين لهم أنها صبية صغيرة في السن ويبدو عليها الورع، وهي ذات وجهٍ يتسم بالرزانة والحشمة، وشعرٍ أحمر كثيف، ويدين مطوقتين بطمأنينة.. وهنا سألت صوفي:

• من هذه المرأة؟!..

أجابها تيبينغ:

ـ هي مريم المجدلية!!

• المومس؟!!..

أجابها:

ـ لم تكن المجدلية كذلك أبداً، والفكرة الخاطئة هي الإرث الذي خلفته الحملة القذرة التي أطلقتها الكنيسة الأولى.. فقد كانت الكنيسة بحاجة لتشويه سمعة مريم المجدلية، وذلك للتغطية على سرّها الخطير في دورها!!

• دورها؟!.

ـ كما ذكرتُ، الكنيسة كانت بحاجة لإقناع العالم بأن النبي الفاني يسوع المسيح كان كائناً إلهياً، ولهذا فإن أي إنجيل من الأناجيل كان يتضمن في طيّاته وصفاً لمظاهر إنسانية فانية من حياة المسيح، كان يجب حذفه من الإنجيل الذي جُمع في عهد قسطنطين.. لكن من سوء حظ المحررين الأوائل، كان هناك موضوع بشري مزعج يتكرر في كل الأناجيل.. وهو موضوع مريم المجدلية.. وبكلمات أصح، موضوع زواجها من يسوع المسيح!!

• عفواً .. ماذا قلت؟!

ـ إن ذلك مذكورٌ في السجلات التاريخية، لم يكن ذلك كلامي أنا.. وكان دافينتشي على علمٍ تام بهذه الحقيقة.. ولوحة العشاء الأخير هي صرخة للعالم للفت نظرهم إلى أن يسوع والمجدلية كانا زوجين..

• من غير المعقول أن يدّعي أي أحد بذلك الزواج!!

ـ إن زواج يسوع ومريم المجدلية هو جزء من حقائق وسجلات تاريخية، علاوةً على أن يسوع كرجل متزوج هو أمر منطقي، أكثر من فكرتنا الإنجيلية التقليدية التي تقول بأنه كان عازباً.

• لماذا؟!

ـ لأن يسوع كان يهودياً، وقد كان العرف الاجتماعي في ذلك العصر، يحرّم تماماً على الرجل اليهودي أن يكون أعزباً.. كما أن الامتناع عن الزواج كان ذنباً يعاقب عليه بحسب التقاليد اليهودية، وكان واجب الأب اليهودي أن يجد زوجةً مناسبة لابنه.. فلو كان المسيح أعزباً، لكان ذلك قد ذُكر في أحد الأناجيل، وتم تفسير حالة عدم زواجه غير المألوفة على الإطلاق.

ثمّ قدّم تيبينغ لصوفي صوراً للفائف البردى عُثر عليها في واحة حمادي في البحر الميت، وهي تحتوي على سجلات المسيحية الأولى، وقرأت صوفي التالي: "رفيقة المخلّص، هي مريم المجدلية، أحبها المسيح أكثر من كل الحواريين واعتاد أن يقبّلها في معظم الأحيان من فمها.. وقد تضايق باقي الحواريين من ذلك، وعبّروا عن استيائهم.. وقالوا له: لماذا تحبها أكثر منا؟!" قالت صوفي:

• هل كان حواريو المسيح يغيرون من امرأة؟!

ـ نعم، وبطرس تحديداً، كان يُعتَبَر خصمها، لأن يسوع فضّلها عليهم!!.. ليس هذا فحسب، فيسوع كان يقوم بإعطاء مريم المجدلية تعليمات حول كيفية متابعة كنيسته بعد أن يموت، وكان بطرس يُعبّر عن استيائه لأنه يقوم بدورٍ ثانوي!!

• تريد القول أن المسيحية كانت تقوم على يد امرأة!!

ـ كانت تلك هي الخطة، فيسوع كان نصيراً للمرأة، وكان يريد لمستقبل كنيسته أن يكون بين يدي مريم المجدلية، وكان بطرس يعارض هذا الأمر..

• ولكن ماذا عن سمعة مريم المجدلية؟!

ـ كانت من سلالة ملكية، من عائلة بنيامين.. لكن الكنيسة جعلت منها تبدو كمومس، وذلك ليمحو الدليل الذي يثبت أن عائلتها كانت ذات سلطة ونفوذ، وكما تعلمين يا طفلتي العزيزة أن يسوع كان من عائلة داوود ـ وهو سليل الملك سليمان ـ ملك اليهود.. وبزواجه من عائلة بنيامين ذات النفوذ، يكون قد وحّد بين سلالتين ملكيتين.

• ولكن كيف يمكن لسرٍ بهذه الأهمية أن يبقى مخفياً طوال هذه السنوات؟!..

ـ يا إلهي.. إنه أبعد ما يكون عن الكتمان!!.. فسلالة المسيح الملكية هي أساس أهم أسطورة في التاريخ ـ أسطورة الكأس المقدسة ـ لقد رُويت قصة المجدلية مراراً وتكراراً عبر القرون بكل أنواع وأشكال الرموز والاستعارات واللغات.. إن قصتها في كل مكان، إذا أردتِ أن تفتحي عينيك لتريها..

***

ثم تسترسل الرواية على هذا النمط التشويقي في تناول موضوع خطير جداً يمس صميم معتقدات الملايين من الناس حتى نهايتها، حيث تكتشف صوفي أنها حفيدة السيد المسيح.

طبعاً الفيلم المأخوذ عن الرواية قد نزل الآن إلى الأسواق ومن المؤكد أنه سيحقق أرباحاً خيالية، كما حققتها الرواية، التي طُبع منها ملايين النسخ، وتُرجمت إلى معظم اللغات.. وبالطبع فإن قارىء هذه المقالة سيعتبرني غير موفق في التناول الذي طرحته، بسبب نجاح انتشار الرواية من ناحية، وما سيثيره الفيلم ـالذي شاهدته في لندنـ من ضجيج من ناحية أخرى.

ولكن ذلك لا يعنيني، بقدر ما يعنيني القول:

أن من يريد الإطلاع على مسيرة السيد المسيح والمسيحية، عليه أن يطلع على كتاب قصة الحضارة لـ وِل ديورانت والذي تضمّن بحوثاً مكثّفة عن المسيح والمسيحية، وذكر بالتواريخ والأدلة مؤيديها ومناوئيها، والمؤمنين بها ومُنكريها، وسلّط الضوء على كافة الظروف المحيطة بها، وأعتقد أن فيلسوفاً بحجم وِل ديورانت لا يقارن بـ الروائي دان براون، الذي من شأنه أن يروّج لروايته الخيالية بعيداً عن الروح الموضوعية والحقائق العلمية.

• ثم إن لوحة ليوناردو دافينتشي (العشاء الأخير) التي رسمها دافينتشي الأوروبي وعكس فيها محيطه في رسم ملامح الشخصيات التي تضمنتها اللوحة، فأظهر السيد المسيح أشقراً، أزرق العينين، وكذلك الحواريون الذين يحيطون به، فهم جميعاً ذوو أشكالٍ أوروبية، بينما الحقائق التاريخية تؤكد أن السيد المسيح وُلد في منطقة الشرق الأوسط ـفلسطينـ وهي تتميز بسحنات أبنائها التي تميل إلى اللون الأسمر، أكثر من ذلك اللون الأشقر الذي رأيناه في لوحة دافينتشي!!..

• وأخيراً أقول لقراء الرواية من أشباه المثقفين: إذا كانت مساحة الحرية في العالم المسيحي تسمح لـ دان براون وغيره من الكتّاب والباحثين بالحديث عن السيد المسيح، بالصورة التي قرأتموها، أو كيف أظهرته الأفلام السينمائية التي صوَّرت حياته خلال القرن الماضي، وهذا ما يُفرح البعض منكم.. فإني أسألكم بالله.. كيف ستكون مشاعركم تجاه أي كاتبٍ من العالم الإسلامي يحاول أن يكتب رواية عن رموز الإسلام مما أورثه إياه التاريخ الإسلامي من قضايا وخلافات لا زال المسلمون يتقاتلون بسببها؟!!.. والدليل على ما أقول.. هذا الموقف المتصلب حيال الكتب التي تُمنع من المعارض، ويُحكم على كُتّابها بالتجديف والهرطقة والزندقة؟!!..

وأنا واثق لو أن كتاب (السيرة المحمدية) الذي ألّفه الشاعر معروف الرصافي، وكتب في وصيته ألا ينشر إلا بعد وفاته بنصف قرن.. هذا الكتاب لو سُمح ببيعه وتوزيعه، لقامت الحروب وأُهدرت الدماء، وصدرت الفتاوي لتضيف إلى مآسينا الممتدة منذ أربعة عشر قرناً، مأساةً جديدة..

• لكن دان براون، بالرغم من كل ما كتبه عن السيد المسيح في روايته، لازال يعيش في حريةٍ تامة، ويحضر الندوات، والمحاكم، ويدافع عن وجهة نظره فيما كتبه.. بينما لا يزال سلمان رشدي، يعيش متخفياً.. لأن الذين أهدروا دم فرج فودة، يحملون نفس العقلية التي أصدرت فتواها بإهدار دمه.. وهم أنفسهم صاروا يهدرون دماء بعضهم البعض.. بالتفخيخ.. والأحزمة الناسفة.. حتى أشاعوا الدمار والإرهاب في العالم كله باسم الإسلام!!..

• ما أريد الوصول إليه هو: أن من حق دان براون وسواه أن يكتبوا ما يشاؤوا من الموضوعات بحريةٍ تامة مستخدمين كافة الأساليب الدرامية ليطرحوا وجهات نظرهم في رؤيتهم التاريخية للمسيحية والسيد المسيح.. ولكن ليس هناك من مبررٍ يجعل من قراء رواية شفرة دافينتش لـ دان براون، أن يتعصبوا لمضمونها وكأنها حقائق مسلّم بها، ليس حباً منهم لـ دان براون ولكن لكراهيتهم الموروثة لمعتنقي الديانة المسيحية، اعتقاداً منهم أن روايةً كهذه تنسف المرتكزات التي تقوم عليها تلك الديانة..  

####

القس عبد المسيح بسيط

وسط جدل عارم وطوفان من الانتقادات ودعوات بوقف عرضه تستعد الأوساط السينمائية لاستقبال فيلم "شفرة دافنشي" والذي سيعرض في افتتاح الدورة التاسعة والخميس لمهرجان كان السينمائي الدولي بفرنسا في 17 مايو 2006 قبل يومين من بدء عرضه تجاريا في جميع أنحاء العالم، بينما يخوض المسيحيون وكثير من المؤسسات الدينية وعلى رأسها الفاتيكان حربا شرسة ضد صناع الفيلم والمطالبة بإحجام الجمهور عن مشاهدته في حال فشل الدعاوي القضائية المطالبة بوقف عرضه في حين حرصت "سوني" الشركة المنتجة على أن تروج لفكرة انه مستوحى من أحداث خيالية وانه فيلم إثارة وليس فيلما دينيا في محاولة لتليين الموقف المسيحي وتشجيع الكاثوليكيين على التوجه إلى دور العرض لمشاهدته.

تطالب الفاتيكان التي -يقدمها الفيلم والرواية على أنها مؤسسة دينية متسلطة زيفت تاريخ المسيحيين وأهدرت دور المرأة- بمنع عرض الفيلم في حين يؤكد أساقفة وقساوسة كبرى الكنائس والكاتدرائيات البريطانية أن الفيلم مبني على كثير من الأخطاء الجوهرية ومحاولات للتشكيك في أسس العقيدة المسيحية أبرزها زواج المسيح بالعذراء وإنجابه فتاة منها. وفي كوريا الجنوبية أثار الفيلم جدلا واسعا حيث قدم المجلس المسيحي هناك طلبا إلى الحكومة لإصدار قرار يمنع عرض الفيلم واتخاذ إجراءات قضائية من الشركة الموزعة لما يحويه من تشويه للحقائق بينما أرسلت جماعة "اوبو سى دى" الايطالية الدينية في روما "6" خطابات إلى شركة "سوني" تطلب منها مراجعة هذا الفيلم أكثر من مرة قبل فوات الأوان والبدء في عرضه احتراما للمسيح والكنيسة.

وعادت الراهبة "ماري مايكل" لتظهر في الصورة مجددا. وتهدد بقيادة مظاهرات تجوب العالم وتحتشد أمام دور العرض لتمنع الجمهور من الدخول وكانت ماري 61 عاما قد قادت مظاهرة ضد صناع الفيلم قبل أشهر دعت خلالها عليهم بعدم استكمال التصوير قائلة: "حين أقابل الله سيعلم إنني حاول ما في استطاعتي أن أعارض ما يفعلون" كما جمعت منظمة المجتمع الأمريكي للحفاظ على التقاليد والعائلة وحماية الأديان TFP ما يزيد على 60 ألف توقيع احتجاجا على الفيلم ويطالبون شركة سوني بمنع عرضه وتأمل TFP أن تصل إلى مائة ألف توقيع عبر الخطابات البريدية و E.MALL قبل موعد عرض الفيلم. وعندما سُئل دان بروان عن ديانته في موقعه الشخصي على الانترنت وقيل له: " هل أنت مسيحي؟ ". أجاب مراوغاً: " ربما ليس بالمعنى التقليدي للكلمة، أنا اعتبر نفسي دارساً لأديان كثيرة، وكلما تعلمت كثير كان لدي أسئلة أكثر، وبالنسبة لي فالبحث الروحي سيكون عملاً متقدماً طويل العمر".

كما وصف دان براون الأديان جميعاً بالكذب والتلفيق (الفبركة)، فقال: " كل إيمان في العالم مبني على تلفيق (فبركة- fabrication). " هؤلاء الذين يفهمون حقاً إيمانهم يفهمون القصص بشكل مجازي.إن الرمزية الدينية أصبحت جزءاًً من الحقيقة الملفقة والعيش في هذه الحقيقة يساعد الملايين من الناس على حل مشكلاتها وبطريقة أفضل" (ص342).

ومن خلال روايته التي مزج فيها الحقيقة بالأكاذيب، والخيال بالواقع، نجده يمزج بين المسيحية والوثنية والعقيدة بالأسطورة، ويحول التاريخ إلى أسرار ورموز وألغاز، وفي ذروة حماسه لأفكاره راح يكيل الاتهامات للكنيسة الكاثوليكية في عقائد لا تخص الكاثوليكية وحدها، بل تخص جميع الطوائف المسيحية من أرثوذكس وبروتستانت وإنجليكان. وبهذا الصدد نذكر أهم الأساطير والأكاذيب التي جاءت في رواية دان بروان ونناقش قضية هل تزوج المسيح:

1 – أسطورة الكأس المقدسة والدم الملكي والنسل المزعوم: تقول هذه الأسطورة، أسطورة الكأس المقدسة (Holy Grail)، أنها الكأس الذي استخدمها يوسف الرامي ليجمع فيها دم المسيح التي تساقط من جسده على الصليب. هذه الكأس كانت لها قوة إعجازية كبيرة. وفي القرن التاسع عشر انتشرت هذه الأسطورة بصورة كبيرة وكتب عنها الكثيرون من الكتاب، وفي القرن العشرين تم تصويرها في كثير من الأفلام الروائية. وأخيرا صدرت في كتاب روائي باسم: " الدم المقدس، الكأس المقدسة " سنة 1982م. وفي هذا الكتاب قدم مؤلفوه الثلاثة الأسطورة بأسلوب تقديم الحدث التاريخي في صورة رموز وألغاز وأسرار، وحولوا دم المسيح إلى نسل للمسيح والكأس إلى رحم مريم المجدلية، الذي حمل نسل المسيح، دم المسيح.

2 – مملكتي ليست من هذا العالم: قال الكاتب أن المسيح من نسل داود الملكي وأنه وريث عرش داود بمعني دنيوي حرفي، كما زعم أن المجدلية من سبط بنيامين ومن سلالة ملكية: " كانت من عائلة بنيامين؟

3– من هو رأس الكنيسة؟ يزعم الكاتب أن المسيح كان يعد المجدلية لتكون هي قائدة الكنيسة ورأسها، فيقول: " وفي تلك الفترة حسب ما يذكر الإنجيل, يشعر يسوع بأنه سوف يتم القبض عليه وصلبه قريباً, لذا فهو يقوم بإعطاء مريم المجدلية تعليمات حول كيفية متابعة كنيسته بعد أن يموت. ونتيجة لذلك يعبر بطرس عن استيائه حول قيامه لامرأة تحتل البطولة, يمكنني القول إن بطرس كان متعصباً للرجال".

4 – جماعة أخوية سيون: " رمز جماعة أخوية سيون " أدعى الكاتب أن جماعة " أخوية سيون "، والتي أعطى لها أهمية خاصة في روايته، أنها منظمة قديمة ترجع لسنة 1099م! كله من تزييف وفبركة.

5– الشكينة: زعم الكاتب أن قدماء المصريين عبدوا الإلهة " شكينة " كمساوية ليهوه!!

6 – الفاتيكان: أشار الكاتب مرات عديدة للفاتيكان كمركز القوة الدينية في الكنيسة الكاثوليكية، بل ويرى البعض، خاصة من غير المسيحيين، في كلمة الفاتيكان إشارة إلى كل ما هو مسيحي، بل ويراها البعض كخزانة للأسرار ويرجع بتاريخها للعصور الأولى للمسيحية..

7 – اسم الله القدوس يهوه: زعم دان براون أن اسم الله القدوس يهوه مأخوذ من اسم Jehovah المخنث والذي يتضمن الذكورة والأنوثة معاً!! والمكون من اتحاد المذكر Jah والاسم السابق للعبرية Eve فصار Havah !! وهذا في حد ذاته يدل على جهلة الفاضح، ومدى الفبركة والتلفيق في ادعاءاته!!

8 – الموناليزا وآمون وإيزيس: أدعى براون أن الإله آمون اليوناني والإلهة المصرية إيزيس كانا يمثلان زوج إلهي في الأسطورة المصرية!!.

هل يمكن أن يكون المسيح قد تزوج؟ زعم الكاتب ذلك وبني زعمه وادعاءه على نقطتين هما: الأولى هي ادعاؤه: " أن يسوع كان يهودياً وقد كان العرف الاجتماعي في ذلك العصر يحرم تماماً علي الرجل اليهودي أن يكون أعزباً, كما أن الامتناع عن الزواج كان ذنباً يعاقب عليه بحسب التقاليد اليهودية, وكان واجب الأب اليهودي أن يجد زوجة مناسبة لابنه, فلو كان المسيح أعزباً, لكان ذلك قد ذكر في احد الأناجيل وتم تفسير حالة عدم زواجه غير المألوفة علي الإطلاق "!!

والثانية هي فهمة الخاطيء لعبارة "رفيقة" والتي وردت في الكتاب الأبوكريفي المسمى بالإنجيل بحسب فيليب، وقوله أن المسيح كان يقبل المجدلية، وخاصة كلمة "في فمها" والتي لم توجد أصلا في المخطوطة القبطية للكتاب. وللإجابة على ذلك نوضح: أولاً: لم يذكر العهد الجديد في أي موضع مطلقاً أن المسيح كان متزوجاً، هذا بافتراض ناسوته، كإنسان، ولم يكن من ضمن رسالته ذلك، ولم يكن من ترتيبه ذلك. ولم يمهد لخلافة تكون من نسله أبداً. فقد جاء الرب يسوع المسيح لنشر ملكوت السموات في العالم أجمع، وقد أعد لذلك تلاميذه ليكونوا شهودا له ولعمله الفدائي ولرسالته ككل.

ولو كان في نيته الزواج وإنجاب نسل ملكي، كما هو مزعوم، لكان قد أعلن عن ذلك، بل وكان قد جهز نسله الملكي المقدس لهذه المهمة. كما ظهر مع المسيح أمه العذراء القديسة مريم وأخوته أكثر من مرة. ولم يذكر أن له زوجة مطلقاً. وعند الصليب سلم المسيح أمه لرعاية تلميذه الحبيب يوحنا وإذا كان له زوجة فلماذا يتركها دون أن يسلمها ليوحنا مع أمه لتكون تحت رعايته ورعاية أمه؟ كما أن زعمه بأن كل رجل يهودي، حسب العرف الاجتماعي في ذلك العصر، لابد أن يتزوج فهذا ادعاء كاذب وباطل؛ فقد كان هناك عدد كبير من الأنبياء غير متزوجين مثل ارمياء النبي ويوحنا المعمدان، بل وكانت هناك جماعات من اليهود ترفض الزواج مثل جماعة الآسينيين في قمران، زمن المسيح. ثانياً: فهمه الخاطيء لما جاء في الإنجيل الأبوكريفي بحسب فيليب، حيث يقول: "ورفيقة المخلص هي مريم المجدلية, أحبها المسيح أكثر من كل التلاميذ واعتاد أن يقبلها في معظم الأحيان من فمها. وقد تضايق باقي التلاميذ من ذلك وعبروا عن استيائهم. وقالوا آه ," لماذا تحبها أكثر منا؟ ". قال تيبينج بالفرنسية ثم ابتسم مشيراً إلى السطر الأول: إذا سألت أي عالم باللغة الآرامية فسيقول لك أن كلمة رفيقة في تلك الأيام كانت تعني حرفياً الزوجة "!! وهذا الزعم كاذب ومجرد ادعاء بلا دليل، لأن النسخة التي عثر عليها من هذا الكتاب في مكتبة نجع حمادي مكتوبة بالقبطية وليس الآرامية، ويرى العلماء أن الكتاب والذي كتب أصلاً في القرن الرابع كتب باليونانية، ولو أفترضنا أن الكلمة اليونانية كانت تعني زوجة لترجمت "زوجة" وليس رفيقة. فمن أين أتى الكاتب بالمعنى من الآرامية والكتاب لم يكتب بها؟! أما عبارة "واعتاد أن يقبلها في معظم الأحيان من فمها"، فهي عبارة غير دقيقة، لأن المخطوطة التي وردت بها قديمة وبها أجزاء تالفة ولم ترد فيها كلمة "فمها" على الإطلاق، فقد وردت هكذا و"عتاد أن يقبلها في معظم الأحيان من ..."، ولم ترد كلمة معينة هنا،بل فراغ، وقد وضع بعض المترجمين كلمة من فمها لسد هذا الفراغ، ولكن هذا غير علمي، فيمكن أن توضع كلمات مثل " يدها أو وجهها " مثلاً، أو يترك الفراغ كما هو. كما لا يعني التقبيل هنا الجنس، فبحسب مفهوم إنجيل فيليب نفسه فالمسيح روح محض، ولا يمكن أن تعني قبلته سوى علامة حب روحي لا أكثر ولا أقل. كما أن بقية النص يقول: "وقد تضايق باقي التلاميذ من ذلك وعبروا عن استيائهم. وقالوا "آه لماذا تحبها أكثر منا؟" السؤال هنا هو، لو كانت المجدلية هي زوجته فهل كان التلاميذ يسألون مثل هذا السؤال؟ هل يسأل لماذا يحب زوجته أكثر من تلاميذه؟ والرب يسوع المسيح نفسه يقول، وينقل عنه القديس بولس قوله: "من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا" (مت19 :5، أف5 :31). لقد تضايقوا، بحسب مفهوم الكاتب، بسبب تفضيل وليس بسبب زواج.

عن موقع عربي خاص عن الفيلم والرواية: http://www.davincicode-arabic.com/CAN.php في

03.07.2006

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)