كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

عمارة يعقوبيان باي باي

محمد عبد الرحمن – قلم رصاص

عن فيلم

عمارة يعقوبيان

   
 
 
 
 

وكانت أكثر مفاجآت المهرجان غرابة هي خروج الفيلم المصري "عمارة يعقوبيان" بلا جوائز على الرغم من الصدى الذي حظى به الفيلم قبل عرضه في روتردام وخاصة بعد عرضه في مهرجان كان وكذلك مهرجان تريبيكا...

والأغرب من ذلك هو رأي الناقد السينمائي المصري المعروف سمير فريد بأنه لابد آن واحد فأن الأمر بالتأكيد يدل على حدوث خلل ما وظلم واضح لفيلم مصري، خصوصا أن الناقد الكبير معروف عنه مواقفه المحايدة تجاه الأفلام التي تحمل علم مصر.

كلام سمير فريد جاء على خلفية عدم حصول الفيلم الظاهرة "عمارة يعقوبيان" على أي جائزة في الدورة السادسة لمهرجان الفيلم العربي بروتردام الذي انتهت فعالياته منذ أيام، فعلى الرغم من الزحام الشديد من النقاد والجمهور لمشاهدة الفيلم، والنجاح الذي حققه في برلين وكان، ثم جائزة مروان حامد مخرج العمل من مهرجان تريبيكا، إلا أن كل ذلك لم يقنع لجنة تحكيم المهرجان المكونة من 4 فنانين فقط باستحقاق الفيلم لجائزة.

وواصل سمير فريد اعتراضاته مؤكداً أن ما حدث يؤكد النظر للفيلم على أنه كبير للدرجة التي لا يستحق معها جوائز..

فانحاز المهرجان للفيلم الجزائري "دوار النساء" الذي فاز بالصقر الذهبي، والفيلم اليمني "يوم جديد في صنعاء القديمة" الذي فاز بالجائزة الفضية، وكان قد فاز أيضاً بجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير والذي خرج منه فيلم "ليلة سقوط بغداد "بدون جوائز ولم يعترض أحد من النقاد.

الأمر الذي يؤكد أن اعتراض سمير فريد على مهرجان روتردام يحمل شيئاً من المنطق لا التحيز خصوصاً أنه واكب الدورة وشاهد الأفلام العشرة المتنافسة وهي "عمارة يعقوبيان" و"ظلال الصمت"، و"دوار النساء"، و"خشخاش"، "بوسطة"، "انتظار"، "أحلام"، "دنيا"، "تحت السقف"، "يوم جديد في صنعاء" .

وما يؤكد كلام سمير فريد أيضاً التغطية التي كتبها بعض الصحفيون العرب المقيمين في أوروبا، حيث ركزوا على أن ما حدث هو انتصار للسينما العربية الناشئة على المصرية العتيدة التي وصفوها بالتقليدية، وهم هنا خلطوا بين عشرات الأفلام المصرية التي نعترف بأنها تقليدية بالفعل.

وبين تجارب محددة اقتربت فيها السينما المصرية من النموذج المثالي للفن السابع وهو ما يتجسد بوضوح في "عمارة يعقوبيان" الذي لم تهتم شركته المنتجة كثيراً بالخسارة كون الفيلم حقق ما يريد في ألمانيا وفرنسا وأمريكا كما أن النقاد المصريين أجمعوا على قيمته السينمائية ناهيك عن كونه مأخوذ عن الرواية المصرية الأكثر مبيعا، كما أنه جمع عدداً من النجوم لن يتجمع في فيلم آخر .  

عن مقال طويل تحت عنوان (عمارة يعقوبيان تهتز في روتردام) عن أحداث ونتائج مهرجان الفيلم العربي في روتردام 2006

موقع "عشرينات" في

08.06.2006

 
 

مؤلف عمارة يعقوبيان:

أتمنى أن يعجب الفيلم"جمال مبارك"ويترك السياسة 

الجيران - القاهرة - وكالات - يبدي الكاتب المصري علاء الاسواني مؤلف رواية (عمارة يعقوبيان) دهشته من عدم دعوته إلى عرض خاص في دار الاوبرا بالقاهرة للفيلم المأخوذ عن روايته، مرجحا أن يكون التجاهل "الرسمي" بسبب توقعه أن يحضر العرض جمال مبارك نجل الرئيس المصري وبعض كبار المسؤولين موضع انتقاده الدائم.

وقال الاسواني يوم الاثنين 19-6-2006، قبل موعد عرض الفيلم "أنا مندهش جدا ولا أتصور أن يكون غيابي عن حضور العرض الأول للفيلم بمصر بقرار من أسرة الفيلم. هذا خارج عن إرادتهم".

لكن الكاتب المصري الذي أبدى إعجابه بالفيلم فنيا وفكريا تساءل "إذا كان الأخ جمال (مبارك) يريد مشاهدة الفيلم ألا يريد مشاهدة مؤلف الرواية"، مشيرا إلى أن التقاليد في مثل هذه الحالة جرت على أن يصافح المسؤول أسرة الفيلم عقب انتهاء العرض. ورجح أن يكون جهاز "مباحث أمن الدولة راجع الأسماء واستبعدني لأن كتاباتي مصدر إزعاج"

ويأمل الاسواني أن يكون الفيلم "الذي يقول صراحة إن البلد (مصر) في بلوى قد عجب جمال مبارك 42 عاما). أتمنى أن أن يفهم (جمال) المقصود وينسحب (من الحياة السياسية) ويترك الناس تختار بحرية."

ويعد الاسواني في مقالاته بصحف معارضة من أبرز المنتقدين لنظام الرئيس المصري حسني مبارك (78 عاما) الذي يحكم البلاد منذ عام 1981 بعد مصرع سلفه أنور السادات على يد إسلاميين في احتفال عسكري.

"الرئيس الموازي لمصر"

ووفقا لرويترز، فيتوقع محللون أن يتنحى مبارك خلال عام أو عامين على الاكثر ويشير آخرون إلى صعوبة أن يكمل فترة رئاسته الخامسة التي فاز بها في الانتخابات العام الماضي ومدتها ست سنوات.

ويصف مراقبون مبارك الابن الذي صعد بسرعة إلى مركز القيادة في الحزب الوطني الحاكم بأنه "الرئيس الموازي" ويشككون في تصريحاته التي يؤكد فيها عدم رغبته في تولي رئاسة الجمهورية.

وشهدت دار الاوبرا المصرية منذ صباح الاثنين استعدادات غير مسبوقة قبل عرض الفيلم حيث وزعت ملصقاته بالساحة المؤدية إلى المسرح الكبير، كما وضعت أربع صور لابطال الفيلم بارتفاع نحو عشرة أمتار أمام مدخل المسرح وهو ما لم يحدث لأي فيلم من قبل.

مشاهد من الفيلم

يبدأ الفيلم (160 دقيقة) بتعليق صوتي على خلفية لصور بالأبيض والأسود لمنطقة وسط البلد بالقاهرة، مشيرا إلى تاريخ إنشاء "الخواجة" يعقوبيان للبناية عام 1937 وكانت ذات طابع "كوزموبوليتاني" تضم سكانا من ديانات وأعراق مختلفة.

ويحمل التعليق الصوتي كثيرا من الحنين إلى ذلك الزمان كما يدين الضباط الذين قاموا بثورة 23 يوليو/تموز عام 1952 على النظام الملكي ويحملهم ما يعتبره فوضى وقبحا حيث كانت الشقة التي تخلو بموت صاحبها الأجنبي "يخطفها ضابط من ضباط الجيش".

ونقل الضباط ثقافتهم إلى بناية تحول سطحها إلى حي عشوائي. وقال الأسواني إنه لم يسيء إلى ثورة يوليو في نصه الأدبي أما الرؤية السينمائية فتخص صناع الفيلم الذي شاهده في نيويورك في ابريل/نيسان الماضي ويراه معبرا عن روح الرواية.

ويستعرض الفيلم الذي كتب نصه السينمائي وحيد حامد مصائر شخصيات تقيم بالبناية في مقدمتهم زكي باشا الدسوقي المهموم بمطاردة النساء والذي ينعي حاضر مصر ويردد بمناسبة وبدون أن مصر الآن في أسوأ حالاتها بسبب تزايد من يعتبرهم لصوصا وفاسدين. ويقول إن "البلد باظت.. احنا في زمن المسخ".

لكن زكي لا يفعل شيئا إيجابيا لنفسه أو لمصر رغم مشاجرات أخته معه حيث تتهمه بتلويث سمعة العائلة وهو يوجه إليها اتهامات أخلاقية مماثلة فتقيم عليه دعوى حجر مشككة في قواه العقلية.

أما طه الشاذلي فهو يحب بثينة الفتاة الفقيرة التي تقيم على سطح البناية ويطمح إلى الالتحاق بكلية الشرطة وتتحطم آماله بسبب الوضع الاجتماعي لوالده بواب البناية. ويصبح عضوا في جماعات إسلامية متشددة وتتوتر علاقته ببثينة التي لا تمانع في تقديم "تنازلات" حين يتحرش بها صاحب محل للملابس تعمل به مقابل بضعة جنيهات.

ويعتقل الشاذلي بعد إحدى المظاهرات ويتم اغتصابه فيخرج مصمما على الانتقام ويطلق النار على الضابط الذي آذاه. وفي تبادل لإطلاق النار بين الشرطة ومتشددين إسلاميين يلقى الشاذلي والضابط مصرعهما.

وفي البناية أيضا يقيم حاتم رشيد رئيس تحرير صحيفة تصدر بالفرنسية وهو يجمع بين النجاح المهني والمثلية الجنسية ويسعى لاصطياد مجند في الشرطة ويبرر له الأمر بأنه مجرد متعة غير مؤذية وأن "الحرام هو الزنا" بين رجل وامرأة حيث تختلط الأنساب.

ويضم الفيلم نموذجا لرأس المال الذي يوصف بالطفيلي ممثلا في الحاج محمد عزام الذي كان ماسح أحذية ثم أصبح يمتلك مشاريع استثمارية ويطمح إلى دخول البرلمان ويرضخ لابتزاز الوزير المسؤول عن تلك المهام كمال الفولي الذي يقدم نفسه باعتباره مندوبا عن "الكبار".

ويرى عزام أن الفولي "رجل يوقف البلد (مصر) ويقدر يقعدها" في زمن تصفه الفتاة بثينة بأنه جعل مصر "قاسية قوي على أهلها".

والفيلم الذي يضم حشدا من أبرز الممثلين ويعد من أضخم إنتاج السينما المصرية مأخوذ عن الرواية التي صدرت قبل بضع سنوات بالعنوان نفسه للأسواني. وحظيت الرواية بشهرة واسعة لتناولها قضايا الفساد السياسي والاقتصادي والدعارة والمثلية الجنسية التي يعتبرها الفيلم والرواية "شذوذا".

موقع "الجيران" في

20.06.2006

 
 

عمارة يعقوبيان..زووم إن.!

كريم الشناوي - قلم رصاص

"... يـبصوا علينا ليه؟.... يبصوا على البلد اللى باظت...البلد بقت مزابل من فوق ومن تحت المسخ... إحنا فى زمن المسخ..."

هكذا رأى زكى الدسوقى ( عادل إمام) أحوال البلد وبين أطراف هذه الجملة تدور فكرة و أحداث فيلم "عمارة يعقوبيان"، فهي العمارة التي سكنها الوزراء والبشوات و الخواجات في البداية وقبل الثورة، ثم كبار الضباط بعد الثورة..

أما الآن فقد " اختلفت التركيبة السكانية " على حد قول الفيلم، فسكان العمارة تركيبتهم اختلفت تماما ورغم أنهم لا يلتقون، إلا إنهم ينقلوننا من خلال حياتهم لنرى المزابل والمسوخ و لنرى كيف أصبح سكان يعقوبيان.

"عمارة يعقوبيان"هو الفيلم الذي تصل مدته لأكثر من ثلاث ساعات إلا الربع وفاقت تكلفته العشرين مليون جنيه ليصبح بذلك أضخم إنتاج سينمائى فى تاريخ السينما المصرية ليس هذا فقط بل أنه ضم أهم وأشهر نجوم السينما المصرية وعلى رأسهم عادل إمام ونور الشريف ويسرا، و كتب له النص السينمائى السينارست "وحيد حامد"، عن رواية لـ"د.علاء الأسواني" والتي تحمل نفس الاسم ليخرجه "مروان حامد" في أول فيلم روائي طويل له.

العبارة في العمارة

تبدأ أحداث الفيلم بعرض لشخصيات سكان العمارة، ويستمر ذلك لأكثر من أربعين دقيقة بدأنا فيها نتعرف على الشخصيات الأساسية للفيلم وما أكثرهم!!..

وهناك يعيش كل من سكان العمارة حياته الخاصة، فهم يمثلون خطوطا فى العمل الدرامى لا تلتقى ولكنهم المركز الذي تنطلق منه خيوط العمل الدرامى - من خلال كل شخصية - فى إتجاهات مختلفة ...

فالفيلم لا يحتوى حدثا محددا أو خطا دراميا واحدا يمكننا التركيز عليه و الحديث عنه، و لكنه يتضمن وصف لحياة شخصيات العمارة، فأساس الفيلم هو تلك الشخصيات و التى ربما يراها علاء الأسوانى و وحيد حامد نماذج متكررة لشخصيات داخل المجتمع.

زوم إن..!

(عادل إمام) أو زكى الدسوقي مهندس درس الهندسة فى فرنسا، وفي الفيلم هو الشخصية الأرستقراطية التي لا يعنيها سوى شهواتها، كان والده أحد الوزراء قبل الثورة، وتبدأ علاقته بالعمارة عندما تطرده أخته من شقتهما المشتركة بسبب خلافاتهما ليسكن فى مكتبه بعمارة يعقوبيان.

كما انه يمثل الشخص السلبي الذي يرصد ويشاهد ويعقد المقارنات بين الماضى و ين ما يحدث الآن، ولكن كل ذلك بسلبية، ورغم ذلك فهو شخصية عميقة، مليئة بالجوانب الإنسانية.

ومع أن عادل إمام قدم دور مشابه قليلا فى فيلمه السابق السفارة فى العمارة، إلا أنه قدم فى هذا الفيلم دور أقوى وأعمق ويعد من أفضل الأدوار التى قدمها، وهو بخبرته وأدائه استطاع أن يزيد الدور أهمية وثقل وقد شكلت حواراته مع بثينة السيد ( هند صبرى ) مواجهة بين أغنياء وفقراء المجتمع.

فبثينة الفتاه الفقيرة المسئولة عن تربية أخواتها والتي تعانى قسوة الحياة والتى تصل إلى حد التحرش من جانب أصحاب المحال التى تعمل بها، حتى تعمل مديرة لمكتب زكى الدسوقي ثم يتحول العمل إلى صداقة تكشف عن مدى الإنكسار الذى تعانيه هذه الشخصية لتعكس حالة من الإحباط تزداد يوما بعد يوم عند المصريين .

واستطاعت "هند" من خلال جملها المليئة بالأسى أن تضع يديها على الجرح وتعبر عن واقع ملايين مثلها فتقول في حواراتها معه فنجدها تردد "البلد بقت قاسية قوى على ولادها يا باشا"،" هو أنا شفت منها حاجة حلوة عشان أحبها"، "عشان حضرتك عايش باشا".

كما تظهر علاقته بـ"كرستين" أو (يسرا )فهي صاحبة واحد من المطاعم وقد جمعت بينهما علاقة حب قديمة تحولت إلى صداقة، وهي دائما بجواره في مواجهه مشكلاته، وإن كان هذا الدور ليس بقوة باقى الشخصيات الأساسية أو حتى على مستوى المساحة التى يفردونها ليسرا على أفيش الفيلم.

ونرى( طه الشاذلي ) أو محمد إمام ابن حارس العمارة الذي يفشل في الإلتحاق بكلية الشرطة لمجرد كونه ابن بواب، رغم مجموعه الكبير، مما يؤدي إلى شعوره بالاغتراب داخل كليته بالجامعة فيبدأ بالتردد على المسجد ثم ينضم لإحدى الجماعات و يطلق لحيته ويتردد على أمير هذه الجماعة بإنتظام، ثم يقبض عليه فى إحدى المظاهرات فى الجامعة، فيعذب ويهتك عرضه في أمن الدولة ليخرج من هناك مسخا لا يريد سوى الإنتقام.

أما الحاج عزام (نور الشريف) فهو تاجر المخدرات الذى كون ثروة وأصبح غنيا بعدما كان ماسحا للأحذية، ويرغب في الحصول على عضوية مجلس الشعب، فتظهر لنا شخصية كمال الفولى ( خالد صالح ) وهو وزير يساعده فى الحصول على العضوية مقابل مليون جنيه وهو يمثل فساد الطبقة الحاكمة، ثم يدخل نور الشريف المجلس وتتطور الشخصية ويزداد نفوذها و تتشابك علاقتها مع كمال الفولي ليمثل قوة المال والسلطة.

الصحفي الشاذ الذي قام بدوره (خالد الصاوي) هو رئيس تحرير جريدة (le caire) والشخصية تعرض لقضية الشذوذ الجنسي تلك القضية الشائكة بشكل جريء وجديد على السينما المصرية، و قد شكل مع عبد ربه- باسم سمرة"بطل فيلم المدينة"- المجند ركنا مهما فى أحداث الفيلم .

كما أن باقى الشخصيات أثرت الفيلم وجاء أداءها شديد الإقناع خصوصا فانوس( أحمد راتب) و ملاك أرمانيوس(أحمد بدير)، و كذلك كل من اسعاد يونس(أخت زكى وعباس أبو الحسن(ضابط أمن الدولة).

كلام في السينما

رغم أن الرواية هي الأكثر مبيعا فى مصر لعام 2004 إلا أن النص السينمائي الذي كتبه وحيد حامد زادها قوة، على الرغم من محافظته على الإطار العام للرواية غلى عكس ما توقع الكثيرون.

كما جاء الحوار طبيعيا وغير مفتعل وشديد التأثير في الكثير من المشاهد خاصة المشهد الذي جمع عادل إمام وهند صبري في حوارهم عن أحوال البلد، وبعده مشهد التحقيق مع محمد الإمام فى أمن الدولة وكذلك المشاهد التى جمعت نور الشريف مع خالد صالح والمشهد الذي جمع خالد الصاوى مع باسم سمرة .

أما من ناحية الصورة والبناء الفني فقد جاء على مستوى النص القوى، فـ"مروان حامد"

وعلى الرغم من أن الفيلم يعد التجربة الأولى له – بدا متمكنا من أدواته واستطاع أن يوظف عناصر الصورة المختلفة ويطوعها لتوصل رؤيته للمشاهد مستخدما زوايا التصوير المختلفة وحركات الكاميرا والإضاءة...

و قد حقق سامح سليم مدير التصوير ذلك بكفاءة وحرفية، خصوصا فيما يتعلق بالإضاءة و التى ساهمت فى خلق شخصية مميزة لكادرات الفيلم باستخدام طبقات الإضاءة المنخفضة والتباين العالي في الكثير من المشاهد.

وكذلك تميز التصوير خاصة في بعض المشاهد الصعبة مثل المظاهرات ومطاردة طه الشاذلى (محمد إمام) والتي نفذت بتميز شديد، كما زاد من جمال المشاهد المونتاج لـ"خالد مرعى"والذي تحكم في إيقاع الفيلم صعودا وهبوطا .

كذلك جاءت موسيقى "خالد حماد" معبرة عن كافة حالات الفيلم، وأحسن مروان حامد توظيفها للوصول إلى أقصى تأثير ممكن خلال بعض المشاهد.

ولكن يؤخذ على الفيلم وجود بعض المشاهد التى أثارت الإستياء وكان من الممكن الإستغناء عنها دون تأثير فى سير الأحداث أو بناء الفيلم مثل المشهد الذى جمع عبد ربه(باسم سمره) وزوجته.

ربما لم يأتى الفيلم على مستوى توقعات بعضنا، خصوصا ممن وضعوا تطلعات وردية حوله، فقد جاء صادم للواقع في القضايا وطريقة المعالجة، إلا أنه و فى النهاية فيلم مميز – فنيا على الأقل – ويمثل إضافة للسينما المصرية، وهو ليس مجرد سردا لحكاية تجمع أبطال الفيلم، ولكنه يمثل توثيقا لواقع مصرى مرير وانعكاسا لهذا الواقع المؤلم ...

وبالطبع لا يوجد فيلم يجمع عليه الجميع، لكن الآراء ستنقسم حوله، لذا تدعوك لتسجل رأيك في الفيلم و تنقل لنا انطباعك عنه.

بطاقة الفيلم

تاريخ العرض:21 /6/2006 ـ بطولة: عادل إمام، نور الشريف، يسرا، إسعاد يونس، هند صبري، أحمد بدير، أحمد راتب، سمية الخشاب، خالد صالح، خالد الصاوي، محمد إمام، باسم سمرة ـ اخراج: مروان حامد ـ انتاج: جود نيوز ـ قصة: د.علاء الاسواني ـ مدير التصوير : سامح سليم ـ مونتاج: خالد مرعي ـ موسيقي: خالد حماد ـ توزيع: جود نيوز - الشركة العربية.

موقع "عشرينات" في

21.06.2006

 
 

أول مرة...يعقوبيان

محمود حامد- قلم رصاص 

صحفيين بالجملة وعدد من العاملين بشركة جود نيوز وأعداد أكثر من أشخاص عاديين ليس لهم علاقة بالصحافة أو النقد من قريب أو بعيد ولكنهم حضروا العرض الخاص لفيلم "عمارة يعقوبيان" الذي أقيم بفندق جراند حياة بالقاهرة.

عرض... من النوع الخاص

البعض ذهب للفيلم وهو معجب به منذ البداية وقبل مشاهدته اعتمادا على جولة الفيلم في المهرجانات العالمية من "برلين" إلى "كان" وأخيرا "روتردام" ، خصوصا مع الضجة التي أثيرت حوله وأراء النقاد الايجابية التي تجبرك على أن تخرج برؤيتهم فمن الممكن أن تشك في قدراتك وتمييزك ولكن كيف تشك في أراء النقاد؟؟!

والبعض الآخر ذهب برؤية مختلفة تماما ليدخل في مغامرة من مغامرات شرلوك هولمز الفن راغبا في التربص بالفيلم في رحلة البحث عن الأخطاء التي لم يراها أحد غيره وذلك بسبب عبقريته الفذة والممتازة.

بينما رأيت آخرون جاءوا للبحث عن تلك المشاهد الساخنة في الفيلم خاصة مع وجود "هند صبري" و"سمية الخشاب" صواريخ السينما العربية، وهؤلاء جاءوا أيضا لأنهم فرأوا أن الفيلم سيعرض في دور العرض تحت لافتة الدعاية الشهيرة" للكبار فقط" التي تجذب الناس أوتوماتيكيا.

وطبعا لا نستبعد السبب الهام والوجيه في ذات الوقت وهو أن الفيلم يعرض مجاناً يعني (ببلاش) ليس هذا فقط بل في فندق "الجراند حياة.

ثلاث صقفات ونص

وأثناء عرض الفيلم صفق الجمهور ثلاث مرات أولها في المشهد الذي يسترجع فيه الصحفي الشاذ الذي يقوم بدوره "خالد الصاوي" ذكريات بدايته مع عالم الرذيلة وسبب انجرافه لذلك، حيث صفق الجمهور لخالد كثيراً عندما بكى.

كما دوى تصفيق كبير للمشهد الذي يجمع ما بين عادل إمام وهند صبري ويشتكي فيه الزعيم من ضوضاء وسط البلد التي كانت زمان أفضل من باريس.

وصفق الجمهور أيضا ولكن هذه المرة بحرارة شديدة لخالد صالح الذي يقوم بدور "كمال" رجل الحكومة الأول ذو النفوذ والسيطرة وهو يطلب من رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب نصيبه من صفقاته ويخبره بأنه ليس بمفرده، بل هناك رجال كبار على أعلى مستويات في الدولة وهو يعتبر "أطيب واحد فيهم" وهنا صفق الجمهور كثيرا جداً ولا تسأل لمن يرمز دور "كمال " في الحقيقة لأنك مع قليل من التركيز أكيد ستعرف..!

وكانت هناك نصف التصفيقة للمشهد الذي يموت فيه "خالد الصاوي" علي يد أحد السارقين بعدما استدرجه الأول لكي يمارس الرذيلة معه، حيث أن بعض الجماهير اعتقدت أن ذلك الفتى قتل الصحفي لأنه يخاف الله ولا يريد أن يفعل الرذيلة ثم سرعان ما اكتشفوا أنه حرامي .

بره الشبابيك

ورغم كثرة عدد النجوم المشاركين في الفيلم والذين يستحقون لقب نجوم الشباك عن جدارة إلا إن الفيلم أفرز آراء مختلفة قد تجعلنا نعيد التفكير في فكرة نجوم الشباك.

فبعد انتهاء العرض اخترقت أذني كلمات الجمهور العادي عن دور "يسرا" في الفيلم وأهميته، فهي غير مؤثرة في الأحداث بالمرة، وجاء رد صديقه عليه بتهكم:"أنها قدمت بصمة طبعا لأنها غنت باللغة الفرنسية..!"

وعلى عكس رأي الجمهور في دور يسرا جاءت الإشادة بدور الشاب لصعيدي الذي يعمل في قطاع الأمن المركزي والذي كان يمارس الفحشاء مع الصحفي، وخاصة عندما توفي ابنه، فيقول:"إن هذا الفنان يستحق الكثير من الإشادة لأنه متميز جداً وأفضل بكثير من نجوم شباك حاليا"

ولم يكن الصعيدي فقط هو الذي يستحق الإشادة ولكن جاء دور الصحفي الشاذ ليخطف الأضواء من نجوم الشباك أيضا، فهو دور خلافي إلى جانب التجسيد المميز الذي قدمه خالد الصاوي، لأنه عرف جيدا كيف يعبر عن تفاصيل تلك الشخصية وخلفياتها ولم يقدمها بالشكل التقليدي الذي تعودنا عليه كثيراً في الأفلام والتي يظهر فيها الشاذ وكأنه واد فرفور وخلاص.

"الإخراج جامد قوي ورغم إن المخرج شاب إلا إن التميز كان واضح بشكل كبير في الفيلم فقد استطاع أن يرتفع بأداء الممثلين على عكس المتوقع وكأنه يخرج منذ 20 عاماً"بهذه الكلمات أنهى صحفي شاب حواره مع صديقه حول رأيه في الفيلم.

ممنوعات...يعقوبيان

ورغم كل ما سبق إلا إن هناك من أراد أن يخرج عن العادة ويقوم بدور النقاد ليعبر عن رأيه فبغضب شديد عبرت "نهى السيد" عن رأيها في الفيلم قائلة: "المشاهد الخارجة كثيرة، وزيادة عن اللزوم، ومقرفه، ونزلت بمستوى الفيلم، وأنا لن اسمح لبناتي بمشاهدته دي قله أدب" وأضافت :"يعني مشهد هند صبري مع صاحب المحل وهو بيـ....... في المخزن منتهى القرف وكمان مشهد زواج الأخ ابن البواب الذي تحول إلى إرهابي غير مفيد بالمرة وليس له مكان في الفيلم.

ولم تكن المشاهد الخارجة هي وحدها مثار النقد بل جاءت بالإضافة إليها القوالب الجاهزة التي يتم حشرها في السيناريو مثل الإرهاب الذي يقول عنه محمد عامر :"أنا لا أفهم إصرار السينما المصرية إظهار كل شخص متدين على أنه إرهابي وكل واحد يعرف ربنا يقوم سايب ذقنه ويلبس قصير ويصبح إرهابي."

ويربط بين هذه الرؤية وبين ما شاهده في عمارة يعقوبيان قائلا:"أنا لا افهم بصراحة سر سرعة اقتناع الشاب طه ابن البواب بكلام الشيخ الذي نصحه بالابتعاد عن خطيبته هند صبري ،حيث أن كلام الشيخ لم يستغرق أكثر من دقيقتان قاله له خلالها "هذه البنت ليست ملائمة لك" ويا سبحان الله الولد بسرعة غريبة اقتنع أنه يترك الفتاة التي يحبها منذ الصغر، فكيف نصدق هذا التصرف الساذج" .

"الموضوع محتاج تركيز" قالتها "هدى" وتبدو عليها علامات الإرهاق والتعب بعد الإنتهاء من مشاهدة الفيلم وفي الحقيقة لديها حق فالفيلم طويل إلى حد كبير بالقياس لأفلام السينما العادية(160دقيقة) كما أنه مليء بالشخصيات هذا إلى جانب أن كل شخصية لها أبعاد متداخلة ومختلفة ولذلك من غير المستبعد أن يكون "عمارة يعقوبيان"من نوعية الأفلام التي تحتاج تكرار المشاهدة مرة واثنين وثلاثة وعدم الاكتفاء بالعرض الخاص.!

هذه العمارة التي شغلت مصر والعالم بقضاياها المتشابكة، فهي العمارة التي تقدم الشذوذ، والواسطة، والتطرف، والفقر، والصراع الطبقي، والفساد السياسي، لتأتي العمارة معبرة عن هذا المجتمع بكل مشكلاته وأطيافه.

وعموما لمن فاته العرض الخاص سيعرض الفيلم في دور العرض السينمائية ابتداء من اليوم ونحن في انتظار آراءكم في الفيلم ورؤيتكم لهذه العمارة.

موقع "عشرينات" في

21.06.2006

 
 

عمارة يعقوبيان

عبدالوهاب بدرخان 

كانت المنافسة شديدة في ذلك المساء، بين مصر الواقع ومصر الرواية، فالأولى تمثلت بمسؤولين كبار ووزراء وشخصيات شتى، والثانية كانت «عمارة يعقوبيان» رواية علاء الأسواني التي أصبحت الآن شريطاً يريد أن يحقق نقلة نوعية في سينما مصرية تعاني منذ سنوات هبوطاً شاملاً. أما المنافسة فهي على التماهي الحتمي بين الاثنين، مع تمايز واضح للفيلم بأنه أفضل بكثير من الواقع، وان كان يصوره بل يستند إليه.

أهمية الرواية - الفيلم أنها تجمع على الشاشة ما يفرقه الواقع، لتشكل مشهداً غنياً بالوجوه التي تنتمي جميعاً الى مكان وزمان لكنها لا تعيشهما بالطريقة نفسها. فمن خلال سكان هذه «العمارة» يمكن رؤية الناس «اللي فوق» و «اللي تحت» في مغامراتهم وتقلباتهم، ويمكن اختراق كواليس السياسة والقضاء والأمن، والتعرف الى الباشوات والدعاة والمتطرفين، بل يمكن دخول آليات الفساد وأوكار التعذيب، وأخيراً مخادع مثليي الجنس.

المعادلة التي جاءت برواية لافتة وتقنية حديثة وميزانية وافية ومجموعة من النجوم لا بد أن تعطي انتاجاً محترماً. سيقول النقاد والاختصاصيون مآخذهم على العمل، لكن المحاولة التي بذلت حققت الغاية المتوخاة. لو لم يكن هناك فريق متكامل يقوم كل فرد فيه بعمله لما أمكن الخروج بهذا العمل الناجح. شيء من هذا القبيل تحتاج اليه مصر الواقع التي يبدو أنها لا تفلح دائماً في توفير كل العناصر الضرورية للمعادلة الفاعلة.

عدا النوستالجيا التي تعبق بها شخصية «الباشا» عادل إمام، هناك خصوصاً النقد الحاسم لعملية تراجع وانهيار مستمرين بسلاسة وإصرار، كأن هذا «الباشا» لا يزال يمثل قيماً لم يعد لها ملجأ سوى الذاكرة، فهو على رغم عشقه لباريس التي عرفها وأقام فيها كان يحب العودة دائماً الى القاهرة «لأن البلد دي كانت أحسن من باريس»، يقول «كانت» أي أنها لم تعد كذلك. لماذا؟ الجواب في كل صفحة من الرواية، وكل مشهد من الفيلم. كان هذا «الباشا» مهندساً لكنه لم يعد يمارس مهنته «لأن البلد مش عايزة مهندسين، دي عايزة صيّع ولصوص»...

عدا العصامية التي رفعت ماسح الأحذية الى مرتبة التاجر الكبير ثم النائب المنتخب، هناك ايضاً التشريح الدقيق لـ «سيستم» الفساد. وعدا مناخ التسامح الذي أتاح للشاذ جنسياً بأن يعيش حياته كما يشاء، هناك أيضاً رياح التطرف الديني التي حملت معها تطرفاً مضاداً من مؤسسة الأمن، وهناك خصوصاً الفقر وقساوة الحياة والذل والإهانة التي تبعثر آمال البسطاء وترسخهم في معاناتهم التي بلا نهاية ولا أفق.

كما الرواية كما الفيلم، ثمة جرأة أقدم عليها الجميع، جرأة تستحق أن تخرج من الشاشة الى الواقع. لا شك ان الرواية تريد أن تبوح في النهاية برغبة عارمة في التغيير لكنها لا تستطيعه، أما الواقع فلا شك أنه يستطيع، على رغم كل شيء. بديهي أن الاحداث المتلاحقة منذ ربيع 2005 شهدت تأرجحاً دراماتيكياً بين الآمال والخيبات، لكنها انتهت الآن الى مناخ احباط ثقيل يفوق ذلك الذي يسود احداث «عمارة يعقوبيان». وأسوأ الاحباطات ذلك الذي لا يشي ببارقة أمل.

هناك تساؤل انزلق من لسان أحد: لماذا يُضرب القضاة والصحافيون وقد كانوا أهم المناصرين للدولة في حملاتها ضد التطرف والارهاب؟ وبذلك يبدو الواقع كما ينبغي أن يكون، أي أقسى من أي رواية أو شريط. انها الأزمة، وليست أزمة السينما وحدها، التي لا تهتدي الى بداية انفراج أو اصلاح أو حتى مجرد علاج مسكّن. وإذ تبلغ الأزمة حد عدم التفاهم مع القضاة فإنها تغرز سكيناً في العظم، فلا هؤلاء القضاة انقلابيون وانما هم الحماة الحقيقيون للنظام، ولا هؤلاء طامحون للحلول مكان الساسة وانما هم الأمل الأخير لمكافحة الفساد.

الفيلم محاولة جريئة، ففي تصوير الواقع دعوة الى تغييره. ولا شك أن عماد الدين أديب كسب رهانات كثيرة على أكثر من جبهة، فهو عراب الورشة التي انتجت «عمارة يعقوبيان» بكل ما فيها من وجع رأس ومن نجاحات.

جريدة القاهرة في

23.06.2006

 
 

يعقوبيان

د. رفيق الصبان 

رغم الكثير من الإيجابيات التي يضمها فيلم «عمارة يعقوبيان».. فإن قصب السبق يذهب دون جدال إلي ثلاثة فنانين كبار ساهموا في إعطاء هذا الفيلم قيمته الحقيقية وتأثيره النفاذ.

أول هؤلاء الفنانين هو دون شك المخرج الشاب مروان حامد.. الذي يعود الفضل الأكبر إليه في خلق جو التناسق والانسجام الذي سيطر علي أحداث افيلم.. وإعطائه هذه اللمسة السينمائية المؤثرة.. وقدرته علي خلق أجواء متباينة تصل أحيانا إلي حد التناقض الصارخ وأخيرا سيطرته الحلوة علي أداء الممثلين جميعا.. وإكسائهم أسلوبا واحدا منسجما.. رغم اختلاف المدارس التمثيلية التي ينتمون إليها.

مروان حامد الذي يخوض تجربة فيلمه الطويل الأول.. باختياره مخرجا مسئولا عن فيلم قفزت ميزانيته إلي أرقام لم نعهدها بالإنتاج السينمائي المصري.. وتوفرت له دعاية هائلة.. جعلت منه أو حاولت أن تجعل منه أسطورة قبل أن يتم عرضه جماهيريا في موطنه.. إذ خاض الفيلم في رحلات مكوكية إلي أكثر من مهرجان دولي كبير.. وصنعت حوله أجواء بعضها حقيقي وبعضها مصطنع لإدخال مفهوم (الفيلم الذي لا يعادله أي فيلم آخر).. في أذهان المتفرجين.. وأخيرا دخل علي الجمهور المصري.. الذي صنع له أساسا.. في احتفالية تشابه في زخمها وضجيجها احتفالية افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي.. إن لم تفوقه بذخا وبهرجة!!

كل هذا.. أحاط بفيلم الشاب مروان حامد الذي يقدم نفسه للمرة الأولي.. مخرجا لفيلم طويل بعد أن أثار الانتباه ولفت النظر إليه في فيلمين قصيرين.. يتمتعان بقوة ضرب لافتة للنظر.. أثبت فيهما قدرته السينمائية.. وحساسية نظرته.. وقدرته علي خلق الجو والإمساك بجوهر الموضوع الذي يطرحه دون لف ودوران.

في «يعقوبيان».. واجه مروان حامد إلي جانب هذه الدعاية المجنونة التي قد تتسبب أحيانا في الضرر أكثر منها في الفائدة.. (وهذا ما ثبت في أفلام عالمية كثيرة صاحبتها دعاية غير مسبوقة.. وسببت للجمهور الذي ينتظرها.. ردة فعل معاكسة) تحديا من نوع خاص.. وهو تحويل نص أدبي حقق نجاحا جماهيريا كبيرا.. (وربما كان العمل القصصي الوحيد بعد روايات نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس.. الذي خرج بالأدب من نطاق المحدود إلي نطاق جماهيري واسع) إلي فيلم سينمائي.. رغم الفروق الكبيرة التي تفصل بين الفن السينمائي والكتابة الأدبية.

لذلك كان من المنطقي أن يعهد بكتابة سيناريو هذه القصة الشهيرة المليئة بالأحداث والغنية بالشخصيات إلي كاتب سيناريو مرموق هو وحيد حامد.. الذي اختار طريق الأمان والسلامة علي غير عادته.. مكتفيا بنقل أحداث القصة الأدبية كما هي.. دون تغيير حقيقي ودون أية محاولة منه لإعطاء معادل صوري للنص الأدبي المكتوب.. ودون أن يترك لخياله الواسع.. المدي الذي يستحقه ليعبر بطريقته وأسلوبه السينمائي عن الأفكار الكثيرة التي طرحها علاء الأسواني في قصته الشهيرة.

جاءت أحداث الفيلم مطابقة تماما لأحداث القصة.. دون أي تغيير يذكر.. ولولا مهارة مروان حامد وحسه السينمائي.. لخرج الفيلم تصويرا حرفيا لما جاء في القصة من مواقف وحوار وتفصيلات.

لذلك كان مروان حامد.. هو الفائز الأول في هذا الفيلم لنجاحه الكبير في إعطائه اللمسة السينمائية المطلوبة والتي افتقدها سيناريو الكاتب الكبير وحيد حامد.

في «يعقوبيان» مشاهد سينمائية تثير الدهشة لخروجها من معطف مخرج لا يملك تجربة سينمائية كبيرة سابقة.. كمشهد مظاهرات الجامعة بتقطيعها اللاهث وإيقاعها المدهش وقدرتها علي خلق جو التوتر.. وما أعقبها من مطاردة في الشارع.. ثم مشاهد التحقيق في دوائر الأمن العام.. ومشهد الاغتصاب الذي جاء بإيجازه وتأثيره درسا حقيقيا لكيف يمكن لمخرج أن يصل إلي أبعد حدود التأثير.. من خلال بساطة العرض وصدقه.

في هذه المشاهد.. أثبت مروان حامد.. أنه ليس مخرجا لفيلم أول.. بل مخرجا كبيرا يحمل علي كتفيه عبء تجارب سينمائية صقلته وكونته وجعلته كما هو الآن.

إلي جانب مشاهد خالد الصاوي الشديدة الدقة والتي يفصل بينها وبين الابتذال خيط رفيع.. عرف مروان حامد بمهارة غير اعتيادية كيف يصنعه ويجعلنا نقبل ونناقش ما اعتدنا أن نرفضه تماما في سينمانا الراهنة.

ثم مشاهد صعود وسقوط واستسلام «نور الشريف» الذي اعتمد فيها المخرج علي دقة أداء الممثل الكبير وقدرته وشخصيته الكافية وحدها لإعطاء البعد السينمائي المطلوب.. خاصة في مشاهد المواجهة.. مع الوزير المسئول (وقد قام بها ببراعة ملحوظة أيضا خالد صالح) أي أن مروان حامد.. عرف كيف يعطي للسينما حقها.. وللحوار حقه.. وأن يقدم لنا كؤوسا مسكرة من فنه المتعدد الصفات.

قصب السبق الثاني.. في هذا الفيلم الجيد.. يعود دون جدال إلي النجم عادل إمام الذي قدم في هذا الفيلم واحدا من أكثر أدواره عمقا وتأثيرا.. سواء في قدرته علي رسم الشخصية بجميع أبعادها النفسية والجسدية والاجتماعية.. وسواء بنجاحه المذهل في خلق التوازن الذي يبحث عنه كل ممثلي الدنيا.. ولا تحققه إلا فئة ضئيلة منهم.. وبين تعبيرات الوجه.. وحركات الجسد.. ونبرة الصوت التي تختلف بين موقف وآخر.. وبين شخصية وأخري.. وما علينا إلا أن نذكر كيف تلاعب عادل إمام بنبرات صوته وإيقاعها في مشهده مع الغانية التي خدعته في أول مشاهد الفيلم.. أو نبرات صوته الغاضبة مع أخته.. أو نبرات صوته الحنون مع الفتاة البسيطة التي اكتشف الحب من خلال علاقته معها.. أو نبرات الشجن والحزن في حديثه مع صديقته المغنية يسرا. في كل مشهد من هذه المشاهد كان عادل إمام يقدم سيمفونية صوتية نادرة إلي جانب تعبيرات وجهه الشهيرة والتي لا يمكن لأحد أن يقلده أو يساويه فيها
وأخيرا هذا الحضور الدرامي والإنساني الذي أسبغه علي شخصيته وعلي أحاسيسه.. عادل إمام في هذا الفيلم قدم عصارة تجاربه السينمائية التي أدهشنا بها طوال خمسين عاما أو يزيد.. قدمها لنا في كأس مترعة نشوانة.. تبعث الخدر والسحر في عروقنا الظامئة.

رغم الحشد الكبير من النجوم الذين تم اختيارهم بعناية.. يقف عادل إمام في صدارتهم جميعا.. عملاقا من عمالقة التمثيل.. وجد أخيرا الدور الذي يكشف كل الكنوز المذهلة الكامنة في أعماقه.. ويقدم درسا عاليا من دروس التمثيل.. الذي وصل إلي أعلي مستوياته من خلال الجهد والمثابرة والتجربة.

قصب السبق الثالث.. يعود أيضا دون جدال إلي خالد الصاوي في دور الصحفي المثلي (وهو دور قد رفضه الكثير من النجوم قبل أن يوافق عليه «الصاوي» ويلعبه بهذه البراعة التي تثير الدهشة والإعجاب).

لقد فهم «الصاوي» أبعاد الدور الذي يمثله.. فهمه وعبر عنه.. بلفتة وجه.. بنظرة حارة.. بحركة يد.. بنبرة صوت متقلبة.. بشجن داخلي عميق عرف كيف يعبر عنه ببساطة وسلاسة وعفوية.. تليق بممثل أصبح يملك كل إمكاناته.. ويعرف كيف يوظفها.. وهذا ما يجعلنا نأسف لقبوله سابقا أدوارا لا تليق به وبموهبته الطاغية التي أظهرها في «يعقوبيان» والذي يجب أن تكون بالنسبة له.. في الأيام القادمة.. ستارا حديديا يمنعه من قبول الأدوار النمطية التافهة التي لا تليق به.

دور الصحفي المثلي في «يعقوبيان» سيكون نقطة فاصلة في مسيرة خالد الصاوي ستغير تماما من اتجاهه السينمائي.. ومن المكانة التي يمثلها في قائمة نجوم مصر الكبار.

ثلاثة شهب نارية.. مروان حامد وعادل إمام وخالد الصاوي.. هي التي أضاءت سماء «يعقوبيان».. وجعلت من هذا العمارة العتيقة التي أراد لها مؤلفها أن تمثل مصر في كل اتجاهاتها ومشاكلها وعقدها النفسية والجنسية والاجتماعية.

وهذا ما نجحت فيه بقية العناصر الأخري.. من الممثلين وطاقم الفنيين خصوصا هند صبري.. في دور لا يختلف كثيرا عما قدمته سابقا.. ولكنها هذه المرة قدمته في طعم جديد.. وأسلوب مختلف.. وإسعاد يونس التي عادت لنا بعد غياب لتؤكد لنا أنها مازالت الممثلة التي تعرف كيف تضع بصمتها وحضورها الأخاذ.. مهما كانت طبيعة الدور الذي تمثله.. وسمية الخشاب برقتها وخضوعها وحنانها.. والتي أعطت لمسة عاطفية صادقة لدورها.. وأخيرا يسرا بجمالها وأناقتها.. ورقة حضورها.. والتي كانت بمثابة نسمة حلوة في يوم حار قائظ ومحمد الإمام هذا الوجه الجديد الواعد.. في دور صعب ومعقد عرف كيف يطفو فيه علي السطح دون أن يغرق.. وأحمد بدير بوجهه الغامض.. والخفايا الخبيثة التي تكمن في أعماق الشخصية التي يمثلها والتي عبر عنها بسلاسة دون تصنع.. وباسم سمرة في دور الصعيدي الآثم الذي سيفتح له علي ما أظن الباب أمام أدوار سينمائية أخري يستحقها بجدارة.. وغيرهم.. وغيرهم.

لا أريد أن أنسي أحدا.. من طاقم الممثلين الذين لعبوا أدوارهم بتناسق.. يشبه تناسق فرقة موسيقية موهوبة.. يديرها قائد كبير هو مروان حامد.. عرف كيف يعطي لكل آلة نفخها وإيقاعها وتفردها.. وجعلنا نحس بدورها وأهميته في خلق «اللحن العام» للفيلم الذي أثار النشوة في عروقنا وقلوبنا.

ولكن.. (وآه من كلمة لكن هذه) كم كنت أتمني لو أعطي وحيد حامد خياله الجامح للسيناريو الذي كتبه عن قصة علاء الأسواني.. وعرف كيف يعطيها المعادل السينمائي الحقيقي وهو القادر تماما علي ذلك.. دون أن يخضع لسيطرتها.. بل ان يكون هو كما عودنا دائما المسيطر الحقيقي عليها والمفسر الخاص لأحداثها.. حسب رؤيته واتجاهاته وذوقه السينمائي المتميز. وكم كنت أتمني أيضا.. لو استطاع أيضا في هذا المجال أن يختصر قليلا من الأحداث.. وأن يكثفها وأن يجعل المدي الزمني للفيلم أقصر مما هو عليه.. لكي لا نشعر ببداية التململ الذي ابتدأنا نحس به في الثلث الأخير من الفيلم.. أو حذف الجزء المتمثل في ماضي الصحفي.. وتعرضه للاغتصاب من خادمه النوبي.. وإهمال أسرته له.. مما أخل بالإيقاع العام للفيلم.. كما أعطي الشخصية خصوصية لم يكن بحاجة لها.

ولكن ذلك كله لم يمنع إعجابنا بفيلم مصري حقيقي.. قدم لنا مخرجا كبيرا.. ومجموعة متميزة من الممثلين.. ومواضيع جريئة.. اقتحمت فيها سينمانا الكثير من الأبواب المغلقة.. وهذا بحد ذاته نصر كبير يحسب للفيلم وصانعيه.

جريدة القاهرة في

27.06.2006

 
 

في "عمارة يعقوبيان"

مخرج واعد وشخصيات منتهكة ولعب في الحكاوي

عرض وتحليل: عماد النويري

زكي الدسوقي (عادل امام) ابن الحسب والنسب وسليل أسرة باشاوية كبيرة انتهت به الحال الى شقة متواضعه في يعقوبيان تشاركه فيها أخته دولت سليطة الطباع واللسان. درس زكي باشا في الخارج والآن يعيش بين جدران يعقوبيان ليستمتع بحياة رخيصة في بارات وسط البلد ويعاشر فتيات أكثر رخصا..، تحاول دولت (اسعاد يونس) طرد زكي من الشقة التي يعيشا فيها سويا وتنجح في ذلك.. ينتقل إلى العيش في مكتبه مع خادمه فانوس (أحمد راتب). وفي طريق مغامراته العاطفية الرخيصة يقع في غرام بثينة هند صبرى. يعيش زكي من خلال علاقاته النسائية المتعددة والعابرة وله علاقة وثيقة بخادمه ابسخرون (في الرواية الاصلية( الذي تحول في الفيلم الى فانوس اما الاخ ملاك فقد لعب دورا رئيسيا فيما بعد حينما حاول تدبير مؤامرة تنفذها بثينة يستطيع بمقتضاها ان ينزع ملكية الشقة التي يتخذها زكي لنفسه مكتبا. وهناك علاقة زكي بالمحامي يوسف داود الذي يناصره وهو في الحبس بعد ان ضبط زكي وبثينة في الفراش واتهمتهما الشرطة بالزنى بناء على بلاغ من دولت اخت زكى. بثينة تبدأ بها احداث الفيلم وتنتهي. في البدايه تخبر امها عن صاحب العمل الذي يغازلها وفي النهاية تتزوج زكي الذي يكبرها بأربعين عاما على الاقل بعد ان تغني لهما كريستين (يسرا) عشيقة زكي السابقة اغنية قديمة اسمها 'الحياة وردة'.

خضوع وابتزاز

ونتعرف على الحاج عزام (نور الشريف): 'جاوز الستين وبدأ منذ ثلاثين عاما مجرد نفر سريح نزح من محافظة سوهاج الى القاهرة بحثا عن الرزق، والمسنون في شارع سليمان باشا يذكرونه وهو جالس على الأرض في ممر الاميركيين بالجلباب والصديري والعمامة وأمامه صندوق خشبي صغير حيث بدأ بتلميع الأحذية وعمل فترة فراشا في مكتبة بابيك ثم اختفى بعد ذلك اكثر من عشرين عاما وظهر فجأة وقد حقق ثروة'، سنعرف ان ماسح الأحذية هذا تحول الى مليونير من تجارة المخدرات.. يمتلك نصف محلات وسط البلد لكنه يطمح ويطمع في المزيد'. يدخل عزام مجلس الشعب عن طريق السياسي المشهور كمال الفولي (خالد صالح) ولأنه يحتلم اثناء نومه يتزوج سرا من سعاد (سمية الخشاب) وهي أرملة اسكندرانية فقيرة وجميلة في ثلاثينات العمر ولديها طفل ليشبع غريزته الجنسية المتفجرة على الرغم من كبر سنه. ولأنه لا يستطيع مواجهه ام العيال فانه يكلف بعض اتباعه باجهاض سعاد بعد ان ترفض الانصياع لأوامره بعدم الخلفة. يحاول عزام الوقوف في وجه الفولي بعد ان يرفض الخضوع لابتزازه حيث يطالبه الاخير بنسبة من ارباحه، لكنه سرعان ما يدرك انه يتعامل مع مافيا سلطوية كبيرة تستطيع الاطاحه به في اي لحظة ويجد في النهاية انه لا مناص من الخضوع. واذا كان زكي يمثل جيلا انتهت سلطته فهو ابن وزير سابق فان عزام يمثل جيلا سياسيا لايزال في السلطة يشرع القوانين للشعب ولنفسه والفيلم يعطي لهاتين الشخصيتين جذورا اجتماعية فلكل منهما مكانته واهله وكل منهما يبدا من جديد.

إرهاب وانتقام

ابن بواب العمارة طه الشاذلي ـ محمد عادل إمام ـ هو شاب مقهور بسبب عمل والده الفقير لا يستطيع تحقيق حلمه في أن يكون ضابط شرطة.. يتحول إلى 'إرهابي' ويقتل بعد ان ينتقم لنفسه من الذين انتهكوا عرضه بعد القبض عليه في احدى المظاهرات التى كانت تنظمها احدى الجماعات الاسلامية التي انتمى اليها. قبل موته تتركه خطيبته بثينة بسبب الفقر فهي فتاة جميلة تعيش فوق السطوح مع والدتها، تعمل في إحدى محلات الملابس لتصبح مطمع صاحب المحل، وتتطور حياتها بشكل سريع لتجد نفسها زوجه لزكي باشا.

شذوذ ورذيلة

ونتعرف على الصحافي الشاذ حاتم (خالد الصاوي) الذي يعمل كرئيس لتحرير إحدى الصحف الفرنسية في القاهرة، وهو ضحية لأم فرنسية كانت تخون والده الذي كان غير مهتم بتربيته فقام الخادم إدريس بمداعبته جنسيا ومعاشرته، ويكبر الفتى ليصبح شاذا جنسيا يمارس الرذيلة مع الرجال، حيث نجده في ظلام الليل يبحث عن رفيق، وفعلا يجد مجندا بالشرطة اسمه عبد ربه (باسم سمرة) الذي يضحي بمبادئه وأخلاقه من أجل إعالته واعانته على الحياة الصعبة سرعان. ما يفقد عبد ربه ابنه الصغير وسرعان ما يترك المدينة عائدا الى بلدته بعد ان فقد اعز ما لديه الشرف والابن الوحيد. وفي النهاية يموت حاتم مقتولا على يد صديق جديد.

واذا كان زكي يمثل جيلا انتهت سلطته فهو ابن وزير سابق فان عزام يمثل جيلا سياسيا لايزال في السلطة يشرع القوانين للشعب ولنفسه. والفيلم يعطي لهاتين الشخصيتين جذورا اجتماعية فلكل منهما مكانته وكل منهما يبدأ من جديد.

رحلة الظلم

في الفيلم 'السيناريو' وقبلها في 'الرواية' انت بصدد شخصيات مجهضة ومقهورة ومكسورة ليس في حياتها اي بريق امل، وليس في سلوكها ما يدفع للتفاؤل وما يغري لمواصلة الحياة. انت بصدد شخصيات يائسة ومحبطة و'منهوك عرضها' بفعل سلطة غاشمة سواء كانت السلطة السياسية او السلطة العسكرية او حتى السلطة الاجتماعية. فطة الشاذلي يقهر عندما يرفض التحاقه بكلية الشرطة لخدمة الوطن ويجري إجهاض حلمه وهو مازال في عنفوان بكارته وينتهك عرضه من قبل رجال أمن الدولة عندما تسد كل المنافذ أمامه، ويجد نفسه في أحضان احدى الجماعات الإسلامية التي وجد بين أحضانها الطمأنينة والملاذ. وبثينه ينتهك عرضها نفسيا عندما يعتدي عليها صاحب المحل، وفي النهاية تضطر إلى الارتباط برجل من سن جدها يجسد أطلال الماضي طلبا للحياة الآمنة. والجندي عبد ربه على رغم انه ينتهك عرض الصحافي حاتم رشيد فانه في واقع الأمر قد انتهك عرضه هو عندما وجد نفسه على قارعة المدينة فقيرا معدما لا يجد ما يسد رمق أسرته وهو أحد حراس الوطن. وعلى رغم ذلك فقد دفع ثمنا غاليا لمحاولته الانتقام من المدينة عندما فقد ابنه الوحيد. وسعاد زوجة عزام انتهك عرضها عندما اعتدي عليها لاجهاضها والتخلص من حملها وكل ما فعلته انها طالبت بحياة طبيعية مع عزام. وحاتم رشيد انتهك عرضه عندما اعتدي عليه وهو صغير بسبب الإهمال الأسري، وتحول الى لواطي يستجلب الشباب الى شقته محاولا التنظير لمسألة حقه في ممارسة اللواط وفي نهاية الفيلم ستجد ان كل الشخصيات التي تمتعت بقهر الآخرين بقيت كما هي لتواصل رحلة الظلم والفساد. فكمال الفولي رجل السلطة القوي يختفي في عمق كادر يتلاشى منه النور تدريجيا وهو يفرض اتاوته على عزام. وعزام على رغم كل ما فعل وعلى رغم ادانته واثبات تهمة تهريب المخدرات عليه وعلى رغم اعتدائه السافر على سعاد الا انه يخرج من أزمته مثل خروج الشعرة من العجين. وزكي الدسوقي الباشا الفاسد السكري زير النساء العجوز المتصابي الذي يجسد الماضي بكل ظلاله الاستعمارية والفوقية في نهاية الرواية والفيلم يحتل قلب بثينة الأبيض النقي. ربما يقصد الكاتب ان الفساد في الواقع اكبر من مجرد نهاية سعيدة تعيد بثينة الى طه وانما الماضي المتمثل في زكي مازال يشد الحاضر اليه بكل قوة متجاوزا كل نداءات الاصلاح. بثينة هي الحاضر وهي تفاحة عمارة يعقوبيان وهى صنيعة زمن المسخ الذي ساهم في صناعته في واقع الأمر زكي باشا وامثاله. في الفيلم 'السيناريو' انت لا تستطيع ان تتعاطف مع احد فالكل مدان والكل في حالة تقدم الى الخلف والكل غارق في ذاته ليجتر عذاباته او يغرق في ملذاته عن طريق الهروب بكأس الخمر او سيجارة الحشيش او التوهان مع أغنية قديمة تعود الى الخمسينات اسمها 'الحياة وردة'. لكنها اي حياة وايه وردة؟!. في روايته كان من الممكن ان يكتفي علاء الاسواني بشخصية واحدة وقصة واحدة لكن كما يبدو فان الاحداث في عمارة يعقوبيان تشابكت وتضافرت ونسجت بعضها مع بعض حكايات لا أول لها ولا آخر لأنها تمس سكان عمارة بأكملها تمس في دلالات الرمز حكاية وطن على مفترق طرق كثيرة.

مخرج واعد

في الفيلم 'الفن' نجح مروان حامد الى حد كبير في انطلاقته الاولى في عالم الفيلم الروائي ان يثبت اقدامه كمخرج متمكن من ادواته السينمائية. في إدارته للممثل ومع ممثلين كبار استطاع مروان ان يوظف كل أدوات الممثل الداخلية والخارجية في تقديم منظومة تمثيلية جميلة وراقية فعادل امام في تجسيده لشخصية زكي الدسوقي لم يكن هو عادل امام الذي نعرفه فقد تخلى عن الكثير من لزماته الشهيرة ليغوص اكثر في أعماق الشخصية وليقدم لنا دورا سيحسب له في تاريخه الفني العريق وفي عمارة يعقوبيان نستطيع ان نقول اننا خرجنا من كاريزما النجم الى موهبة الممثل الذى يرغب في تقديم شيء مختلف عما قدمه من قبل. ويمكن التوقف كثيرا عند أداء هند صبري التي جسدت دورها بتلقائية وبساطة وفهم أضافت الى نجاحاتها السابقة نجاحا جديدا. ولنا ان نذكر دورها المميز في فيلمي 'أحلى الأوقات' و'بنات وسط البلد'. واستطاع نور الشريف ان يجسد دور عزام بمعلمة كبيرة كما نجح خالد صالح في تقديم انجح أدواره حتى الآن عندما قدم درسا في الأداء السهل الممتنع وهو يجسد دور كمال الفولي وكذلك خالد الصاوي الذي بذل جهدا كبيرا في تقديم شخصية حاتم رشيد ويمكن الإشارة أيضا الى الممثل الصاعد محمد عادل أمام الذي أجاد تجسيد شخصية طه الشاذلي بموهبة وتمكن وكذلك يمكن التوقف عند الأداء المتمكن لكل من احمد راتب ويوسف داود واحمد بدير ويسرا وسمية الخشاب واسعاد يونس الذين لعبوا ببراعة ضمن منظومة تمثيلية أراد جميع المشاركين فيها ان يقدموا افضل ما لديهم. وغير الأداء التمثيلي هناك التصوير الاحترافي الذى حرص على تقديم زوايا جديدة ولقطات عامة ومتوسطة وقريبة موظفة تماما لخدمة الحدث، وهناك أيضا الديكور الذى جرى توظيفة ليلعب دورا مهما في التعبير التشكيلي للصورة ونجحت الموسيقى التصويرية في متابعة الأحداث والتمهيد لها والتعليق عليها ولا ننسى الإيقاع الناعم والمدروس للانتقال من لقطة الى لقطة ومن مشهد الى آخر، هذا على رغم التطويل الذى شعرنا به احيانا في تنفيذ بعض المشاهد خاصة مشاهد الأمن المركزي أثناء المظاهرة ومشاهد الوصلات الغنائية لكرستين، تلك المشاهد كان يمكن اختصارها من دون التأثير في تدفق الصورة وتتابع الأحداث. ويعني كل ذلك ان المخرج مروان حامد وعلى رغم كثرة الشخصيات ونجومية الممثلين وكثافة الأحداث استطاع ان يثبت نفسه كمخرج واعد يمكن ان نمنحه ثقه كبيرة بتحقيق نتاجات سينمائية كبيرة ومختلفة. وتبقى اشارات لابد منها:

لغة صورية

الإشارة الأولى ان الفيلم اعتمد الى حد كبير على رواية ناجحة نفدت فور صدورها ثم اعيدت طباعتها ثلاث مرات ومازالت من الأعمال الأكثر مبيعا حتى الآن وتجرى حاليا ترجمتها الى العديد من اللغات وهنا نؤكد ضرورة عودة السينما العربية لكي تسترد عافيتها وازدهارها الى الرواية الأدبية، والعالم العربي يعج بالكثير من الروايات الناجحة التي قدمها كتاب لايقلون في موهبتهم وإبداعهم عن علاء الأسواني، ولنا ان نتذكر ان موروث السينما المصرية من الأفلام الناجحة يعتمد على روايات لكتاب الرواية الكبار مثل نجيب محفوظ واحسان عبدالقدوس وعبدالحليم عبدالله وثروت اباظة وعبدالرحمن الشرقاوي، ولنا ان نتذكر هنا 'الارض' و'شيء من الخوف' و'البوسطجي' و'الوسادة الخالية' و'بداية ونهاية' وغيرها. ومن المهم الوضع في الاعتبار ان العالم تغير ولغة السينما ايضا تغيرت ويعني ذلك انه من المهم ونحن نبحت للسينما عن روايات صالحة ان تكون هذه الروايات بعيدة عن أساليب السرد التقليدية وان تتحلى بحكايا تكون صالحة للتعبير الصوري وليس التعبير الحكائي. في فيلم 'عمارة يعقوبيان' انتصرت الحكايات. وكان من الممكن حذف نصف الشخصيات من دون ان تختل العمارة. لقد ظهر الفيلم في بعض الاحيان كأنه مسلسل من ثلاثين حلقة اختصر الى ست او اربع حلقات. ولولا فهم المخرج مروان حامد انه يتعامل في الاساس مع لغة صورية لكان الفيلم احدى الكوارث الكبيرة في تاريخ السينما العربية.

رسالة نبيلة

الاشارة الثانية هي ان الفيلم نجح الى حد كبير في كسر التابوهات المقدسة في تاريخ السينما العربية واستطاع ان يعرض الكثير من المشاهد الساخنة ويناقش الكثير من القضايا المسكوت عنها ولأول مرة يشير الى بعض مواطن الخلل في التركيبة الاجتماعية والسياسية، وعرض بجرأة مشكلة شواذ على يد حاتم رشيد لكن نتمنى الا يكون كسر هذه التابوهات كان بغرض الاستفادة من هامش الحرية الذي اتسع قليلا في مصر في الآونة الأخيرة. ونتمنى ألا يكون كسر هذه التابوهات قد اضر بالفيلم من خلال التركيز على ما يعرضه من هذه المشاهد بدلا من إلقاء الضوء على المشاكل الحقيقة للواقع السياسي والاجتماعي والوصول من خلال عرض هذه المشاكل الى بعض الحلول التي من الممكن ان تساهم في اضاءة شمعة في نهاية النفق المظلم. نعم ليست وظيفة الفن ان يضع توصيات واقتراحات لحل المشاكل، ولكن من المهم ان الوعي بأن الفن في اشكاله المتعددة لابد ان يحمل رسالة نبيلة تقف ضد الظلم والفساد وتضع بارقة امل في نهاية الطريق. فيلم 'عمارة يعقوبيان' كان مفرطا في التشاؤم الى حد كبير وكان متشحا بالسواد الى حد الشعور بالاحباط والضجر.

جهود وتحية

الاشارة الثالثة التي لابد منها ندفع بها ناحية الشركة المنتجة وقدرتها على المغامرة ونجاحها في فتح اسواق للفيلم العربي خارج الحدود. تحية لجهود الشركة المنتجة ونتمنى ان يشجع 'عمارة يعقوبيان' بقية المستثمرين للخوض في محال الإنتاج الضخم لتغيير وجه صناعة السينما العربية البائس وضرورة تغيير ملامح هذا الوجة حتى لا يظل مليئا بالتشوهات.

القبس الكويتية في

27.06.2006

 
 

«عمارة يعقوبيان» يحصد الاعجاب فـي مهرجان روتردام للفيلم العربي 

روتردام - هولندا - رويترز - على غير العادة في مهرجان روتردام للفيلم العربي استطاع الفيلم المصري /عمارة يعقوبيان/ أن يسبب ارباكا بسبب الزحام في القاعة المخصصة لعرضه فاضطرت ادارة المهرجان الى الاعلان عن تنظيم عرض اخر للفيلم الذي يضم نخبة من نجوم السينما المصرية ويعالج قضايا ساخنة.

كان الزحام قبل بداية العرض بدافع الفضول لرؤية عمل قرأ العرب المقيمون في هولندا عنه كما سمع به بعض الاجانب حيث شارك الفيلم خارج مسابقتي الدورة الاخيرة لمهرجاني برلين وكان.

وبين المهرجانين الدوليين شارك الفيلم في مهرجان تريبكا الذي أسسه الممثل الاميركي البارز روبرت دي نيرو في نيويورك وحصل مخرجه مروان حامد على جائزة أفضل عمل أول كما حصل بطله عادل امام على جائزة تقديرية عن دوره.

وبعد مشاهدة الفيلم الذي انتهى عرضه في الثانية من فجر الجمعة الماضي اختلفت الاراء حوله .. موضوعا ولغة سينمائية.

يبدأ الفيلم الذي يبلغ 160 دقيقة بتعليق صوتي على خلفية لصور بالابيض والاسود للقاهرة القديمة أو ما يعرف الان بمنطقة وسط البلد مشيرا الى تاريخ انشاء البناية التي اتخذها الفيلم عنوانا له حيث أسسها الخواجة يعقوبيان عام 1937 وكانت عمارة كوزموبوليتانية تضم سكانا من ديانات وأعراق مختلفة. لكن الفيلم الذي كتب نصه السينمائي وحيد حامد يشدد على أن الحياة انذاك كانت جميلة ويحمل الضباط الذين قاموا بثورة 23 يوليو تموز 1952 على النظام الملكي مسؤولية ما يعتبره فوضى وقبحا حيث كانت الشقة التي تخلو بموت صاحبها الاجنبي يخطفها ضابط من ضباط الجيش ونقل الضباط ثقافتهم الى البناية التي تحول سطحها الى حي للشعوائيات وتربية الطيور.

ويعد الفيلم بانوراما لمصر في بداية القرن الحادي والعشرين من خلال تتبع مصائر شخصيات تقيم بالبناية في مقدمتهم زكي باشا الدسوقي ابن الباشا والثري سابقا والمهموم بمطاردة النساء.

لكن زكي لا يفعل شيئا ايجابيا لنفسه أو لمصر رغم مشاجرات أخته معه حيث تتهمه بتلويث سمعة العائلة وهو يوجه اليها اتهامات أخلاقية مماثلة فتقيم عليه دعوى حجر مشككة في قواه العقلية ثم تلفق له تهمة وتقتاده الى مركز الشرطة.

أما طه الشاذلي ابن البواب فهو يحب بثينة الفتاة الفقيرة التي تقيم في البناية ويطمح الى الالتحاق بكلية الشرطة ويحول دون ذلك الوضع الاجتماعي لوالده فيكون ضحية جماعات متشددة في جامعة القاهرة ولا ترضى الفتاة عن تشدده. وتقدم هي بعض التنازلات التي تجعلها راضية عن تحرش صاحب محل للملابس تعمل به مقابل بضعة جنيهات.

وعقب احدى المظاهرات يطارد الشاذلي ويقبض عليه ويرفض الوشاية بزملائه ثم يخرج مصمما على الانتقام ويطلق النار على الضابط الذي اذاه وفي تبادل لاطلاق النار بين الشرطة ومتشددين اسلاميين يسقط الشاذلي والضابط وتختلط دماؤهما فلا يعرف أيهما الجاني وأيهما الضحية.

أما حاتم رشيد رئيس تحرير صحيفة /القاهرة/ التي تصدر بالفرنسية فهو ناجح في عمله ولكنه لا اخلاقي. وأدى الممثل المصري خالد الصاوي دور رشيد ببراعة أثارت اعجاب المشاهدين وشفقتهم أيضا باعتبار شخصية رشيد ضحية والدين لم يمنحاه الحب الكافي.

ويضم الفيلم نموذجا لرأس المال مجهول المصدر ممثلا في الحاج محمد عزام ماسح الاحذية الذي أصبح يمتلك مشاريع استثمارية ويطمح الى دخول البرلمان ويرضخ لابتزاز الوزير المسؤول عن تلك المهام كمال الفولي الذي يقدم نفسه باعتباره مندوبا عن الكبار حين يطلب مليون جنيه كما يطلب نصف أرباح مشروع اخر.

الفولي في رأي عزام رجل يوقف البلد /مصر/ ويقدر يقعدها في زمن تصفه الفتاة بثينة بأنه جعل مصر قاسية قوي على أهلها.

والفيلم مأخوذ عن رواية صدرت قبل بضع سنوات بالعنوان نفسه لطبيب الاسنان المصري علاء الاسواني. واكتسبت الرواية التي تتناول قضايا الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي شهرة لم تحظ بها رواية عربية في السنوات الاخيرة. وتحمس لها بعض النقاد وان رأى اخرون أنها متواضعة المستوى فنيا. وأشاد كثير من العرب المقيمين في هولندا بالفيلم واعتبروه مراة لمصر حاليا.

في حين يرى ناقد طلب عدم ذكر اسمه أن الفيلم بصرف النظر عن لغته السينمائية التي تبشر بمخرج واعد نوع اخر من السينما التجارية التي تلعب على خليط من السياسة والجنس والتلميح بحساب الى الفساد. وأشار اخر الى عدم ملاءمة عادل امام لاداء شخصية الباشا التي تحتاج في رأيه الى مقومات جسمانية مختلفة لرجل يحمل وجهه بقايا عز ووسامة مثل /الممثل المصري/ عمر الشريف مثلا. ويخوض الفيلم منافسة مع أفلام منها /انتظار/ للفلسطيني رشيد مشهرواي و/أحلام/ للعراقي محمد الدراجي و/تحت السقف/ للسوري نضال الدبس و/خشخاش/ للتونسية سلمى بكار و/دنيا/ للبنانية جوسلين صعب و/دوار النساء/ للجزائري محمد شويخ و/يوم جديد في صنعاء القديمة/ لليمني بدر بن حرسي و/أبواب السماء/ للمغربيين عماد وسهيل نوري. ويشارك في المهرجان الذي يختتم الاحد القادم نحو 30 فيلما روائيا وعدد كبير من الافلام الوثائقية التي تمثل 12 دولة عربية اضافة الى أفلام تمثل دولا أوروبية داخل المسابقة وخارجها.

ويمنح المهرجان ثماني جوائز مالية أكبرها /الصقر الذهبي/ وقيمتها 1500 يورو لافضل فيلم روائي طويل كما يمنح راديو وتلفزيون العرب جائزة قدرها ألف يورو لافضل عمل روائي أو لمخرجه.

وتنظم المهرجان مؤسسة مهرجان الفيلم العربي في هولندا وتضم عددا من الناشطين من ذوي الاصول العربية.

الرأي الأردنية في

27.06.2006

 
 

"عمارة يعقوبيان".. مصر "تتعرى" سينمائيا

محمد ممدوح**

يتبادر إلى ذهن المشاهد سؤال واحد عندما يشاهد "عمارة يعقوبيان" وهو: هل أضرت الحملة الإعلانية الضخمة التي سبقت عرضه به أم أفادته؟ وفي ظننا وعبر متابعة لتاريخ السينما يظهر أن الحملات الإعلانية الضخمة تضر غالبا بأفلامها؛ مثال ذلك القريب فيلم "شفرة دافنشي".

فالحملة الإعلانية الضخمة، كالتي حصلت لـ"عمارة يعقوبيان" أعلت من سقف توقعات المشاهد عبر تراكم الآمال والتصورات الإيجابية عن العمل الفني لتكون النتيجة مخيبة للآمال، رغم أن العديد من الظروف الفنية والاقتصادية والتقنية تكاملت ليخرج كبيرا مختلفا، وبشّر به النقاد باعتباره لحظة فارقة في تاريخ السينما المصرية الواقعة تحت براثن جبابرة الكوميديا منذ سنوات.

نقائص ومصائر

لا يمكن لكاتب أن يسرد حكاية الفيلم كاملة لكون شخصياته تسير دون أن يكون بينها روابط أو علاقات تساعد على بناء نسيج درامي باستثناء كونها تعيش في العمارة ذاتها، وهي التي تحمل اسم الرواية والفيلم على السواء.

فـ"عمارة يعقوبيان" هي المكان والرابط الأول في الفيلم، يأتي بعد ذلك أن كل الشخصيات تتحرك نحو مصير مأسوي في توازٍ لمصير المكان الذي يعتريه التشوه و"المسخ" والتدمير الروحي والمادي.

فالشخصيات ظهرت وكأنها تعاني من نقيصة ما، نقيصة أساسية، نقيصة بحجم الفجيعة، هذه النقيصة التي عادة ما تكون نتيجة لرغبة جنسية، أو احتياج أو عوز ناتجين عن الفقر المدقع، أو البحث عن منصب سياسي واجتماعي مهما كانت الوسائل، وهي نقائص تتمكن من شخصياتها وتدفعها نحو مصائر مأساوية؛ فتتحول رحلات الشخصيات نحو حرب مستمرة مع هذه النقائص والعيوب الذاتية التي تدفع بها نحو تلف الذات وإتلاف المجتمع بالمحصلة النهائية.

نقيصة الجنس

فهناك "زكي" (عادل إمام)، العجوز المتصابي، سليل عائلة أرستقراطية كبيرة، نقيصته الأساسية شهوته الجنسية، ربما لمحاولة تعويض إحساس الفقد والوحدة الذي يعانيه، فهو لم يكوّن عائلة، ويعيش بمفرده في عصر يرفضه رفضا تاما، وواقع مشوه يغترب عنه اغترابا كليا.

هذه النقيصة تكون سببا في إتلاف زكي؛ حيث تستخدمها أخته "دولت" (إسعاد يونس) والتي تحنق عليه وتحسده لكون كل لحظة من حياته وكل رغبة منه تعبر عن تمسك وتشبث بالحياة هي جَلد لجسدها وحياتها الفارغة ويأسها ووحدتها؛ وبذلك تأسره دولت (أخته) داخل سجنها، فتستغله، وتطرده من شقته، وتحاول أن تحجر عليه قانونيا، كما تسهل للآخرين استغلاله وإلحاق الهزيمة به وإهانته.

الشخصية المحورية الثانية تتمثل في "الحاج عزام" (نور الشريف)، تاجر السيارات الثري الذي يتجاهل الفيلم تاريخه وتطوره من ماسح أحذية حتى يلحق بطبقة الأثرياء الجدد، باستثناء إشارة بسيطة غير مفهومة لمن لم يقرأ الرواية؛ حيث ظهر في لقطة سريعة كماسح أحذية في أحد أحلامه الجنسية، هذه الأحلام التي تعبر عن نقيصته الأساسية وهى الشهوة الجنسية التي تدفعه إلى التزوج بسعاد (سمية الخشاب) أرملة ولديها طفل، فهو زواج يتم بشروط مجحفة تتناقض مع مظهره السمح وتحدثه الدائم عن التقوى والورع والخير.

تلك الزيجة التي ما تلبث أن تنتهي عندما يأمر "الحاج عزام" بإجهاض سعاد والتخلص من جنينها، في نقد واضح لشريحة التدين الشعبي الذي يهتم بالمظهر، ولا يتعدى هذا التدين محض الشكل دون أن يتسرب إلى السلوكيات.

فنقيصة "الحاج عزام" في رغبته الجنسية، فزوجته الأولى لم تعد تشبع رغبته وهذا دفعه لإلحاق الأذى بسعاد؛ التي دفعتها بدورها نقيصة الفقر إلى إتلاف نفسها من خلال موافقتها على شروط الحاج المجحفة والتي من أقصاها التخلي عن ابنها، فكانت الصفقة: الجسد والمتعة مقابل المال.

نافذة الفساد الضيقة

على جانب آخر وعبر نقيصة أخرى تسيطر على "الحاج" يطل علينا الفيلم بشكل ضيق جدا، بعكس الرواية، إلى دنيا الفساد السياسي، فلدى "الحاج" رغبة وطموح كبيران في الوصول سياسيا، وذلك تعويضا عن ماضيه وأصله المتواضع، فيقوم بترشيح نفسه لعضوية مجلس الشعب.

ومن هذا الجانب فقط ندلف إلى عالم السياسة الفاسد وكواليسه، وذلك بعرضه لصفقة مشبوهة يقوم بها "الحاج" مع "كمال الفولي" (خالد صالح) يصبح بمقتضاها عضوا بمجلس الشعب مقابل دفع مبلغ مليون جنيه.

تتطور الأحداث عبر عرض للكيفية التي يساعد "الفولي" -الذي يعرف نفسه على أنه "مجرد ممثل لمجموعة من أصحاب المصالح العليا"- بها "الحاج" في الحصول على صفقات مربحة مقابل الحصول على نسبة من هذه الأرباح، وعندما يرفض الحاج دفعها نجد "الفولي" وقد رتب له قضية وفضيحة إعلامية؛ ليظهر أن "الفولي" يعرف أن "الحاج عزام" تاجر مخدرات، لكنه كان يتغاضى عن ذلك لوجود مصالح مشتركة بينهما في إشارة سياسية مهمة تؤكد وجود ممثلي السلطة الفاسدين ممن يتحالفون مع تجار المخدرات والسلاح للحصول على مكاسب مادية دون الاهتمام بمصالح الوطن.

نهاية "مأساوية"!

يستمر الفيلم في رحلة الكشف عن نقائص الشخصيات وبوضوح أكبر في شخصية حاتم (خالد الصاوي)، رئيس تحرير جريدة القاهرة الفرنسية، الشاذ جنسيا الذي تدفعه رغبته غير السوية في إقامة علاقة مع جندي الأمن المركزي "عبد ربه" (باسم سمرة)؛ والذي يرتبط به ارتباطا كبيرا حتى إنه يؤجر له غرفة في سطح عمارته ليكون بجواره باستمرار.

ولكن ما يلبث أن يفقد "عبد ربه" ابنه الرضيع فيدرك أن ذلك عقابا إلهيا، فيترك "الشاذ حاتم" ويرجع إلى الصعيد (جنوب مصر)، ولذا "يتألم" "حاتم" فيلجأ إلى أحد الغرباء الذي يقتله طمعا في ساعة يده الغالية.

رحلة "حاتم الشاذ" هي رحلة مأساوية؛ فظهر ضحية لإهمال والديه في التربية؛ حيث كان يعتدي عليه خادم الأسرة الشاذ في صغره، ليتأصل الشذوذ عنده، فيتلف "عبد ربه" الجندي البسيط الفقير.

ولم يفت كاتب السيناريو أن يظهر مدى تلاعب "حاتم" بالمنطق والأفكار مسخرا ثقافته ليقنع "عبد ربه" بعدم حرمة الشذوذ، أو بكونه شيئا عاديا، في إشارة مهمة يمكن تفسيرها بتلاعب بعض المثقفين بوعي البسطاء.

وبرغم أنه يحسب للفيلم الشجاعة والجراءة في عرضه لنمط أو فئة الشواذ جنسيا وهى فئة مسكوت عنها، ومن بعده روعة أداء "خالد الصاوي" لهذه الشخصية المركبة وتعبيره عنها دونما مبالغة أو ابتذال، إلا أنه لم يلمس من جمهور السينما أي تجاوب أو تعاطف معها رغم أن الفيلم يحاول أن يكرس تعاطفا عبر منطقة الحوار الذي كان يدور بين "حاتم" و"عبد ربه".

ابن البواب إرهابي

محور الشخصيات الرابع والأكثر واقعية، والأشد حدة تمثل في شخصية عكست قضية الفقر والعوز، انعكست في حياة "طه" (محمد إمام) ابن البواب الذي أنهى دراسته في الثانوية العامة آملاً في الالتحاق بكلية الشرطة، فتجاوز جميع اختباراتها لكنه فشل في "اختبار الهيئة" بسبب مهنة والده الذي يعمل بوابا.

وبذلك يبدأ الفقر وشعور الظلم في السيطرة على رحلة حياته؛ حيث يقوده فشله في الالتحاق بكلية الشرطة، حلمه الأول والأخير، فيتعرف على "الجماعات الراديكالية" في الجامعة، فهي المكان الوحيد الذي يستشعر فيه القبول والأهمية؛ حيث لا يُسأل فيه عن أصله.

فينخرط "طه" في العمل السياسي في الجامعة رغبة منه في أن يحقق ذاته، مكتشفا أهميته، وربما في جزء خفي من نفسه يريد أن يخرج على "السلطة الظالمة" التي رفضت تحقيق حلمه، لتطارده الشرطة في مشهد طويل نسبيا؛ حيث يقبض عليه ويعذب ويعتدى عليه جنسيا.

يخرج من سجنه مقررا الانتقام من الضابط الذي أمر بالاعتداء عليه، فينخرط وبقوة في العمل "الراديكالي" الحقيقي، فنراه في نهاية قصته قد قتل الضابط، وسقط قتيلاً بجواره مختلطة دماؤه بدماء الضابط، وكأن دماء كلا الطرفين واحدة ومحرمة على الجميع، أو أن الاثنين ضحيتان وجلادان بشكل ما، وفي إشارة أعمق إلى أن كثيرا من العمليات المسلحة حدثت كردة فعل للممارسات العنيفة لأجهزة الأمن.

والواقع أن الفقر والظلم جعلا من "طه" ميتا قبل حادث موته بكثير؛ بداية من فقد القدرة على تحقيق حلم حياته، وعندما اعتدي عليه جنسيا في السجن؛ فالفقر ذاته جعله يفقد "بثينة" (هند صبري)، حب عمره الوحيد، التي جعلها الفقر أيضا تهجر حبه وتتنازل عن شرفها بممارسات صاحب العمل مقابل أجر مادي ضئيل كي تعول إخوتها الصغار.

أين هي "العمارة"؟

"عمارة يعقوبيان" اسم يدل على مبنى قديم بوسط القاهرة، قصد المؤلف أن يربط به مصائر الشخصيات كحل تقني لانفصال حكاياتهم ومصائرهم، لكن الأهم في وجودها هو تلك المزاوجة بين التطورات والتغيرات التي حدثت في "مورفولوجية" المكان عبر مراحل تاريخ مصر المعاصر وبين التغيرات التي طرأت في جسد الوطن والشخصية المصرية عموما.

الرواية لم تكتفِ بهذه المزاوجة مع العمارة بل تجاوزتها لتستعرض التغيرات التي طرأت على وسط البلد "المورفولوجية" و"المعمارية" في إشارة لمدى التغيرات التي طرأت على المجتمع المصري.

فانهيار وسط البلد (ممثلا بعمارة يعقوبيان) إشارة لانهيار نمط حياة ما، وسيطرة نمط آخر من العشوائية والقبح، ليس على مستوى المعمار وحده بل أيضا على مستوى الأشخاص، إلا أن الفيلم وعلى الرغم مما يتميز به كوسيط مرئي من قدرة على التأمل البصري للمكان وتسجيله للتطورات والتغيرات التي طرأت على المكان تجاهله تماما، فظلت الكاميرا أسيرة الوجوه لا تتأمل سواها مغلقة غير مفتوحة على ما وراء هذه الوجوه من جغرافية أو حدود للفضاء المكاني.

ومن هنا اختفى المكان كرابط أساسي يجمع الشخصيات المنفصلة دراميا، لكن المونتاج جاء ناعما سلسلاً ضاعف من صنع تداخل وتوازٍ للقصص مع بعضها البعض محافظاً على الكثير من الترقب عند المشاهد لاكتمال كل قصة على حدة، ومؤكدا على تشابه وتوازي مأساة الشخصيات جميعا في الحياة ومعاناتها مع نقائص ذواتها.

كما أن موسيقى "خالد حماد" نجحت في خلق توليفة موسيقية لكل شخصية على حدة، تتكرر مع كل مشهد يعرض لجزء من حكايتها، وهذا سهَّل على المتلقي متابعة الفيلم.

عن الرواية والفيلم

من الظلم أن نأخذ من رواية "عمارة يعقوبيان" معيارا لمحاكمة الفيلم أو تقييمه؛ فالمقارنة واجبة وأكيدة لكنها بشكل أو بآخر ظالمة وغير مراعية لفروق الوسيطين؛ فالوسيط السينمائي وسيط مسطح بطبعه مقارنة بالأدب.

فصانع الفيلم يحتاج لجهود كبيرة جدا لإضفاء العمق وشرح الدخائل لشخصياته وردود أفعالها تجاه علاقتها ببعضها البعض، وعلاقتها بالأحداث والمتغيرات وعلاقتها بنفسها، في حين أنه من اليسير على الكاتب أن يضمن عمله الأدبي من خلال مونولوج شارح، أو عبارة كاشفة على لسان الراوي، أو استبطان داخلي تقوم به إحدى الشخصيات.

ومن ثم جاء الفيلم مختلفا عن الرواية في كثير من الأشياء، أهمها خفض حدة النقد السياسي، وهذا جعله يفقد الكثير من قيمته في هذه المرحلة التي تمر بها مصر؛ فقد تحول من نقد واضح وصريح في الرواية إلى غمز ولمز سياسي بسيط وجانبي في الفيلم.

"عمارة يعقوبيان" فيلم ليس على مستوى التوقعات كلها، ومع ذلك يفتح العديد من النوافذ ويطرح مشاركة كبار النجوم في أفلام تتفاعل وتتعاطى صراحة مع بعض مشاكل الواقع المصري.

ورغم أمل كاتب السيناريو "وحيد حامد" بتقديم وثيقة بصرية تتأمل في الإنسان وعلاقته بالمكان، ومحاولة تقديم قصيدة شجية عن الاغتراب وعن علاقة الذات بمجتمع وعصر مشوه، لكن طول العمل الفني (160 دقيقة) وعدم العمق في معالجة بعض الشخصيات أفقده جزءا من العمق وتحديدا على مستوى الهم السياسي.

فيلم "عمارة يعقوبيان" نقطة، ونقطة فقط نحو تحول سينما مصرية جادة تتشابك مع قضايا المواطن أو الإنسان المصري، فهل يستمر ذلك لتنال قطاعات وشرائح أخرى وبشكل أكثر موضوعية ودقة؟ هذا ما ستحمله الأيام.

**ناقد فني مصري..

إسلام أنلاين في

27.06.2006

 
 

«عمارة يعقوبيان» في «ما وراء الخبر»:

نقاش سطحي ومذيعة متمرسة في السياسة لا السينما

دمشق - ابراهيم حاج عبدي 

اعتادت قناة «الجزيرة» أن تناقش في برنامجها اليومي «ما وراء الخبر»، الذي يتبادل في تقديم حلقاته معظم مذيعي «الجزيرة»، أكثر المواضيع إثارة للجدل والسجال، فهي تنقب في الأخبار التي مرت خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، لتقوم باختيار ما تراه ساخناً وإشكالياً وصادماً... وهذه الصفات تنطبق غالباً على الخبر السياسي، أما أن يختار البرنامج في حلقته الأخيرة فيلم «عمارة يعقوبيان» بقصد تسليط الضوء عليه، وعلى ردود الفعل التي أثارها الفيلم، فهذا مؤشر الى أن الفيلم تخطى الجانب الفني، الإبداعي والجمالي، ليصل إلى طرح قضايا يتعذر تداولها، في شكل طبيعي، وهادئ في الشارع العربي عموماً، وكل ما هو مسكوت عنه يغري الفضائيات، عادة، بالخوض فيه.

على رغم ذلك، فإن الحلقة التي قدمتها المذيعة جمانة نمور لم تنجح في الإجابة عن تساؤلات دارت في أذهان مشاهدين لم يروا الفيلم بعد. فلئن نجحت المذيعة، بالتنسيق، طبعاً، مع إدارة القناة، في اختيار ضيوفها، وهم وحيد حامد كاتب سيناريو الفيلم، والناقد السينمائي طارق الشناوي، فضلاً عن اتصال هاتفي مع مؤلف قصة الفيلم وهو علاء الأسواني، إلا أنها لم تستطع أن تحصل منهم على ما يزيل بعض الالتباس... فهي، الناجحة في البرامج السياسية، بدت بعيدة من الحقل الجديد الذي وجدت نفسها فيه بغتة، حقل السينما، وراحت تتوه في تضاريسه الوعرة، فلم تتمكن من العثور على ما يشبع فضول القارئ، بل طرحت سؤالاً لا يمت إلى الموضوع بصلة حين استفسرت من الأسواني عن سبب عدم توجيه الدعوة له في العرض الافتتاحي للفيلم في دار الأوبرا في القاهرة (استغرق الجواب وقتاً غير قليل قياساً إلى مدة البرنامج التي تقل عن النصف ساعة).

الفيلم الذي يعتبر باكورة أعمال المخرج مروان حامد الروائية الطويلة، والذي تشارك فيه نخبة من نجوم الفن في مصر، على رأسهم عادل إمام، يتناول - بحسب الضيوف - «الثالوث العربي المحظور»، المتمثل في «الشذوذ الجنسي» و «التطرف الديني» و»الفساد السياسي»، ومن خلال هذه العناوين الجريئة يمكن أن نتوقع للفيلم، ضجة... ويمكن أن نتوقع، كذلك، تلك الحماسة من جانب الفضائيات في مواكبة هذا العمل الفني الذي عرض في مهرجان «كان» الأخير، ولاقى «استحسانا»، وفاز في مهرجان نيويوركي بجائزة أفضل إخراج، ويضاف إلى هذه العوامل عامل آخر يتمثل في أن الفيلم هو الأعلى كلفة في تاريخ السينما المصرية، إذ بلغت موازنته نحو أربعة ملايين دولار.

ما نجح البرنامج فيه هو انه اسـتـطـلـع آراء بعض الجمهور حول الفيلـم الـذي بدأ عرضه في الصالات المصرية، أخـيراً، فتباينت الآراء في شأنه، وعلى رغم إبداء السيناريست وحيد حامد مرونة وتفهماً تجاه الرأي السلبي للناقدة حنان شومان التي وصفت الفيلم بأنه «حالة مسطحة» عن القاهرة في الثلاثينات، مع إشادة منها بأداء الممثلين، لكن حامد وجد في هذا الرأي تناقضاً، إذ تساءل: كيف يستقيم النقد بين نقيضين: «الحالة المسطحة»، و «الأداء التمثيلي الناجح»! طارق الشناوي، من جانبه، أشاد بالفيلم مع بعض التحفظ، وركز على عنصر الجرأة فيه، أكثر من أي عنصر آخر.

لا شك في أن إشكاليات بحجم الإشكاليات التي يطرحها فيلم «عمارة يعقوبيان»، تحتاج إلى مساحة أطول، والى جرأة أكثر في الطرح، تلفزيونياً، ولأن السينما، تبعاً لخصوصيتها، تملك هامشاً أوسع من الحرية في كسر «التابوات» قياساً إلى التلفزيون، ذلك أن الفيلم السينمائي يعرض في نطاق ضيق، أي صالة سينمائية، ويحضره عدد محدود من الجمهور الذي يوصف بـ «النخبوي»، فإن التلفزيون، بحكم جماهيريته الواسعة، وتخطيه الحدود والقيود، لا يمكنه، والحال هذه، أن يستورد، بأمانة تامة، ما يطرحه الفيلم السينمائي من قضايا وإشكالات معقدة، ليناقشها ويحللها على شاشة يراها عدد هائل من المشاهدين ومن مختلف الشرائح. فـالفضائيات تضطر إلى مراعاة القيم والتقاليد والأخلاقيات، وهي إذ تفعل ذلك، قسراً، فإنها تترك الصورة ناقصة. ولعل هذه الإشكالية هي التي أربكت البرنامج، وجعلته قاصراً عن الإحاطة بما ورد في الفيلم من قـضـايا بلـغـت من الجرأة حداً يتعذر معــه أن ننتظر من الفضائيات تحليلاً أعمق مما قدمته «الجزيرة». فالفضائيات كثيراً ما تتصدى لمسائل معقدة، بيد أنها تفشل في الوصول إلى أجوبة ناجعة.

الحياة اللبنانية في

28.06.2006

 
 

في عمارة يعقوبيان:

الفساد والإرهاب .. ظواهر عابرة أم ملامح مجتمع؟

أشرف بيدس 

مع أول مشاهد فيلم عمارة يعقوبيان يشعر المتفرج بأنه أمام أجواء غير تقليدية، لم يعتدها من قبل، فالشخوص أيضا غير تقليديين وغير مستهلكين رغم شيوعهم. بينما الكاميرا تتجول في البار حيث الدخان يتكاثف والنادلات رائحات جائيات يحملن بعضا من كئوس وزجاجات، ليفرغ الجالسون ما بها في حلوقهم ، يتكشف المكان رويدا رويدا بالعبور السريع علي الوجوه الباحثة عن النسيان، تبدأ الأحداث تأخذ مجراها في السرد، وتتوقف الصورة قليلا أمام زكي وهو يعقد اتفاقا مع إحدي النادلات لقضاء ليلة حمراء، تستكين العيون مشدودة ترقب ما يحدث، فبعد طول ضجيج وصخب آن للمشاهد أن ينصت ليري تلك الشخوص التي سقطت في بحر المتعة علي غير إرادتها أو بإرادتها، مستسلمة لظروفها ومقتضيات العصر الذي تعيشه.

ويتردد السؤال قبل الحكي، هل هزمتهم أنفسهم، وسقطوا في القاع وتبخرت أحلامهم، واكتشفوا مع طلوع أول خيط من خيوط الصباح مأساتهم، أو تم إسقاطهم رغما عنهم، وبأن الأمر لا يعدو سوي مجرد قضاء بعض من الوقت في صحبة من يعيشون فراغ الليل وخواء النهار؟

زكي الدسوقي ..اللحاق بآخر فرصة

تسلل العمر من بين يدي زكي (عادل إمام) سليل الباشوات الذي تلقي تعليمه في فرنسا، ووجد نفسه في نهايات العمر وحيدا مع أخته دولت (إسعاد يونس) التي تكره نفسها وتحقد عليه تمتعه بملذات الحياة، يلقي زكي بنفسه في أحضان العاهرات بحثا عن دفء مدفوع الأجر، بعدما فقد القدرة علي التواصل مع من حوله، وراح يتحسر علي الزمن الفائت والمجد الزائل، لكنه في ذات الوقت لم يغير أي شيء مما يحدث، واستسلم لرغباته التي جلبت عليه كثيرا من المشاكل، ربما كان ينتظر فرصة، حتي وهو في هذه السن المتأخرة للخروج مما هو فيه، كانت كريستين (يسرا) صديقته ملجأه الوحيد لتفريغ إحباطاته وانكساراته وهزائمه المتوالية، فكثيرا ما حاولت أن تصلح بينه وبين أخته، ومرات كثيرة بينه وبين نفسه، ثم يكتشف في النهاية أنه كان عليه أن يتزوج، ينتهز آخر فرصة له، ويرتبط بفتاة تصغره بأكثر من أربعين عاما من تلك الطبقة التي كان يتندر عليها، ربما وجد فيها دفء الأيام القادمة، ووجدت فيه فرصة للخلاص من مغبة الحاجة، فتلاقت رغباتهما.

طه الشاذلي وبثينة السيد ..أحلام ضائعة

من الفقر إلي الإرهاب طريق سهل وممهد، قد تختلف الدوافع لكنها في النهاية محصلة طبيعية نتيجة التهميش والاحتقار والحاجة، لم يشفع لطه (محمد إمام) تفوقه الدراسي في الحصول علي فرصة لحياة شريفة، وقبل أن يكتشف المأساة يراها في عيون أحد الجيران الذي قال له في تعال : بتمسح السلم، وعايز تدخل كلية الشرطة، متنساش تحط الدواسة قدام الباب. وعندما وقف أمام لجنة الامتحان، سأله رئيس اللجنة : والدك بيشتغل إيه يا طه؟ فرد عليه بخجل وانكسار (وكأنه يعلم القصد من وراء السؤال): موظف، فقال رئيس اللجنة بعد إلقاء نظرة في أوراقه: حارس عقار! فأجابه طه بخيبة أمل : حارس العقار موظف يا فندم. ولم يكن في حاجة لكي يعرف أن طلبه غير مقبول، فلن يسمح لأبناء البوابين دخول كليات الشرطة. تبددت الأحلام؛ فهو لم ينجح في إقناع بثينة (هند صبري) بحبه، فكيف عليه أن يقنع المسئولين بأحقيته في كليات الصفوة، وهي مهمة أصعب بكثير، حتي إن بثينة لم تنتظر كثيرا هذا الإقناع، فما يمارس عليها في الشارع كان كفيلا بإثنائها عن هذه العلاقة التي لم تقها شر الآخرين، ورضخت سريعا بعد أن لاطمتها الدنيا في رزقها، ورغم أنها حاولت في البداية التماسك، وغضبت وثارت حينما حاول صاحب العمل التحرش بها، لكنها فوجئت بتوبيخ أمها لها، حتي بعد أن اضطرت أن تخبرها بأن صاحب العمل : قام بفتح سوستة بنطلونه، كانت صدمتها عندما يسرت لها الأم الانحراف بعبارة موجزة هو حر في هدومه، المهم هدومك أنت؟ ومثلما تنازل طه عن أحلامه وترك نفسه أداة في يد الآخرين، تحولت بثينة إلي مومس مع إيقاف التنفيذ وقبلت بعشرة جنيهات نظير لقاء عابر في المخزن مع صاحب العمل!

الحاج عزام ..رحلة المتعة والسلطة

من ماسح أحذية في شارع سليمان باشا إلي رجل أعمال يملك نصف شارع سليمان باشا وعدداً من الشركات، رحلة طويلة من الكفاح والتنازل، جعلته قادرا علي تثمين الأشياء بما تستحقه، لكن الأموال وحدها لا تحقق السعادة، ولم تشبع سنوات الجوع التي عاشها، ولأن الحاج عزام (نور الشريف) تاجر يفهم ما يجري حوله، فإن أي مشروع يقدم عليه يقوم بدراسته جيدا وتحديد مكاسبه، وتفادي أي خسائر قد تحدث، وعندما ينوي الزواج للمتعة، فإن سعاد جابر (سمية خشاب) الأرملة التي مات زوجها في العراق هي أنسب الزوجات، فلن تكلفه سوي بضعة آلاف من الجنيهات، كما أنها ستقبل بشروطه في عدم الإنجاب والبعد عن طفلها وعدم الاختلاط وقائمة طويلة من العدميات نظير شقة فاخرة وخزانة أطعمة ممتلئة، حتي عندما تنقض الاتفاق يكون مصيرها هو إجهاض جنينها وطردها من الشقة بعد دفع مؤخر الصداق. والمال في كل الأحوال تلزمه السلطة، فيقبل عزام أن يدفع ل كمال الفولي (خالد صالح) مليون جنيه نظير مساندته في انتخابات مجلس الشعب، ثم ينقلبان علي بعض، لكن عزام يدرك خطأه سريعا ويرضخ لضغوط الفولي ويدفع الإتاوة التي تفرضها الظروف والمعطيات الجديدة.

الفحولة والعجز ..حاتم رشيد وعبد ربه

ربما يكون من الصعب وجود أي علاقة تجمع بين رئيس تحرير جريدة فرنسية - حاتم رشيد- (خالد الصاوي) ومجند بالأمن المركزي - عبد ربه - (باسم سمرة) أتي من أقاصي الصعيد، إلا من خلال لقاء عابر للوجوه هنا أو هناك، وقد لا يستوقف الأثنان أي خاطر في تلك اللحظة التي تلتقي فيها الوجوه، فهما طرفا نقيض، لا شيء مشترك بينهما، ورغم أن حاتم رئيس تحرير ناجح له هيبة لا تخطئها العين، تأكدت في اجتماع مع مرؤسيه وهو يعطي الأوامر والإرشادات، إلا أن الأمر لم يمض علي هذا النهج، فبعد تعارف سريع مع عبد ربه ودعوته علي العشاء في أحد المطاعم، تكشف الغرض من هذا العلاقة غير المنطقية عندما مد حاتم يديه ليلمس منطقة حساسة من جسم عبد ربه مما جعله ينتفض عليه ويلقي بالطاولة في وجهه، وبعد محاولات عديدة رضخ عبد ربه بإرادته لممارسة الجنس معه نظير غرفة بالسطوح وبعض المأكولات والملابس.

شخصيات مهزومة

عندما يتحول الجمال إلي مسخ، كما يقول أحد أبطال الفيلم، تندثر كل الأشياء التي من شأنها أن ترقي بالحياة والنفس البشرية، ويتحول السعي نحو القيم إلي عبث، عند ذلك الحد يكثر الفساد والرشوة والدعارة والإرهاب والجريمة. ويصبح المجتمع بلا رابط أو ضابط.

من القاع إلي القمة، ومن القمة إلي القاع، تدور الأحداث تحت جلد المجتمع لتكشف عن سوءاته وعوراته، وتفضح ممارساته في عوالمه السفلية من فساد أخلاقي استشري وبلغ ذروته، وتكشف بعين راصدة ومحايدة عن كل التغييرات التي طرأت علي المجتمع في البيوت والشوارع والجامعات والمساجد وحتي في البارات والمواخير، وإلي أي مدي وفي أي الطرق نسير.

تمثل عمارة يعقوبيان - البناية- صورة مصغرة من المجتمع، تجمع شرائح مختلفة من البشر، ذات أمزجة وطباع وثقافات وخلفيات اجتماعية متباينة، بدءاً من البواب (سعيد الصالح) مرورا بزكي الدسوقي وحاتم رشيد والحاج عزام حتي سكان السطوح بثينة السيد وملاك زرمانيوس، لا يربط بينهما أي رابط إنساني، كائنات منعزلة، بل أكثر من ذلك فهم يضمرون السوء لبعضهم البعض، علاقات متوترة، وكأنه كان مقصودا ألا يجمعهم كادر واحد تدليلا علي الفرقة التي يعيشونها، ورغم أنهم شخصيات مهزومة سقطت في بحر ملذاتها، أو اضطرتها الظروف للسقوط، فإنهم يدركون أبعاد الخطر الذي يحيق حولهم ويحاولون في دأب مفاداتها والخروج بأقل الخسائر. وليس غريبا أن تكون آراؤهم في بعضهم البعض سلبية للغاية، زكي الدسوقي يقول عن الحاج عزام إنه آفاق كان يمسح الأحذية وتحول إلي تاجر ، وكان حاتم رشيد يقوم إن زكي رجل سكري وأنتيكة لا يشغل باله سوي اصطياد العاهرات من الشوارع، والسكان جميعا كانوا يتندرون علي أفعال حاتم رشيد، والغريب أن الثلاثة (زكي -عزام- حاتم) عندما بحثوا عن المتعة لم يجدوا سوي الطبقة الدنيا، فزكي ارتبط ببثينة، وعزام تزوج من سعاد، وحاتم استغل حاجة عبد ربه، وحتي طه استغلته الجماعات الارهابية. وكأن الفقراء هم الأداة التي يتم استخدامها لتفجير المجتمع بعيدا عن الصفوة الذين يتخذون أماكن آمنة للمشاهدة وجني بعض المكاسب. فهل وصلت العلاقات بين البشر إلي هذا الحد؟

نجوم وأدوار

من الصعب تكرار عمل مثل عمارة يعقوبيان في السنوات القليلة القادمة، فتلك الأعمال تمثل حالة خاصة تتوافر لها ظروف وإمكانات قلما تتواجد مرة أخري، فالرواية لعلاء الأسواني، غير تقليدية، مليئة بالشخوص والأحداث وترصد التغيرات التي طرأت علي المجتمع، وأهم ما فيها هذا التنوع الفريد في صفات وسمات شخوصها، واختلافاتهم المزاجية والاجتماعية، وهذا أوجد حكاية مكتملة لا تسرب الملل أو السأم، فكل شخصية تصلح لعمل منفرد قائم بذاته، أما وحيد حامد، فهو كالعهد به جرئ، وصاحب مفردات خاصة مسجلة باسمه وغير قابلة للتداول لأنها تحمل توقيعه، استطاع أن ينطق كل هذه الشخصيات بلغة معاصرة، وأن يكسبها مشروعية تتوافق لحد كبير مع ملامحها، وأختار بدقة جملا؛ أحيانا كانت قصيرة ومعبرة، وأحيانا كانت طويلة وذات دلالات ترمي إلي الغرض الذي يسعي إليه، ولم تختلف الموسيقي التصويرية التي أضافت للمشهد السينمائي جمالا ومعايشة ولم تنفصل عنها، بل كانت في كثير من الأحيان تؤكد معناه وتغلفه بنغمات شديدة المصداقية والعذوبة، وإن عابها قليلا ارتفاعها في بعض المشاهد، أما المونتاج فقد كان بارعا، وخصوصا في مشهد المظاهرة والتي تعتبر من أهم مشاهد السينما علي الإطلاق، فرغم سرعته، إلا أن تقطيعاته كانت بالغة الدقة والتكنيك وكثفت من تصاعده، ليشعر المتفرج بأنه مشارك فيما يحدث، فكانت الكاميرا مرنة لأقصي حد، تخترق الشوارع والبيوت والوجوه في سهولة ويسر تفتش ما بين كلمات الحوارات عن كادراتها، وتمعن في الفراغات المحيطة لتؤكد معني هنا وآخر هناك، وكانت مشاهد السطوح من أروع المشاهد، وكذلك رصدها لشوارع وسط البلد في الليل وفي الصباح، واستطاعت أن تسجل كادرات متميزة نزعم أنها لم تتكرر كثيرا من قبل. أما الإخراج لمروان حامد هو المايسترو الذي قام بتضفير كل هذه العناصر ليخرج العمل علي هذا الشكل الرائع، ثقافة سينمائية وإحساس بالمكان وتفاصيله، بداية قوية لمخرج شاب ينتظره مستقبل كبير.

عادل إمام

عادل إمام هو عادل إمام، تكسبه السنوات نضجا وقدرة علي تغيير جلده كلما دعت الظروف ذلك، يجسد دورا مختلفا علي كل المستويات، به مساحات تمثيلية كبيرة جدا، نجح في تصديرها للمشاهد، واستطاع أن ينجح في لملمة الشخصية وتحجيمها أحيانا بأداء كان يستدر به عطف الجماهير، خصوصا المشهد الذي جمعه مع يسرا وهو يطلب المغفرة، أداء مذهل، ودور من أفضل أدواره السينمائية والذي يظل علي قائمة أعماله الفنية.

هند صبري

كل دور تقوم به هند صبري يمثل تحديا جديدا لها تتمكن من اجتيازه بسهولة وتترك لدي المتفرج أثرا طيبا، فهي ممثلة محترفة، فمنذ أول أدوارها وحتي دورها في عمارة يعقوبيان تسير هند بخطي ثابتة، وفهم ووعي لكل الشخصيات التي تجسدها، فهي تفاجئ المتلقي دائما بردود فعل وتلقائية شديدة، وتحضر كثيرا لشخصياتها، لذا تبدو طبيعية جدا، لدرجة أن المشاهد لا يستطيع أن يتخيل فنانة أخري تقوم بأدوارها.

نور الشريف

عندما يتصدي نور الشريف لأي شخصية، يقف كثيرا عند خلفيتها الاجتماعية والثقافية، وهذا يسهل عليه كثيرا من تناولها والنفاذ إليها، وفي الأغلب يكون تناوله مختلفا عن الآخرين، وإذا كان هناك دور يستطيع أن يصعد بالممثل، فأن هناك أدواراً يستطيع الممثل أن يصعد بها، وهذا ما فعله نور الشريف، فهو مازال لديه الكثير، يذوب مع الشخصية ويهتم كثيرا بكل تفاصيلها الأدائية.

خالد الصاوي

هناك أدوار معينة، يقوم الفنان بتجسيدها مرة واحدة في حياته، وقد لا تعرض عليه بسبب ندرتها، كما أنها تحتاج لممثل جرئ لا يخشاها، ولا يحسب عواقب ردود فعل الجماهير تجاهها، وربما تكون شخصية الشاذ هي من أصعب الشخصيات التي يقف أمامها الممثل حائراً ما بين القبول والرفض، لكن خالد الصاوي لم يخش كل هذه الأشياء وأقدم علي تجسيد شخصية حاتم رشيد معبرا عنها بصورة نالت استحسان الجماهير رغم إطلاق الضحكات كثيرا علي الجدية التي تناول بها الشخصية، وعدم الاستهانة بها، وجاء مشهد محاكمته لوالديه من أروع مشاهد الفيلم، وأزعم أنه استقطب تعاطف الكثيرين.

محمد إمام

عندما يتحول شاب كل طموحه أن يلتحق بكلية الشرطة إلي سجين في قضية سياسية يمارس عليه كل أنواع التعذيب البشعة والتي تصل إلي هتك عرضه، فنحن بحاجة إلي ممثل متمكن لتصدير كل هذه الانفعالات، حتي لا يفقد الدور مصداقيته، أنه بلا شك دور صعب جدا علي ممثل يخطو أولي خطواته التمثيلية، وقد استطاع محمد أن ينفذ إلي الشخصية ويتمكن منها، يشعر بآلامها وإحباطاتها وتهميشها من المجتمع، ينفجر داخل نفسه ويموت غيظا، وينجح في إبراز كل هذه الجوانب، وجعل الكثيرين يرقبون عينيه المعصوبة أثناء التحقيق الذي أجري معه، وقدرته الفائقة علي إرسال إشارات القهر والمعاناة التي يعيشها عبر شفتيه، سيظل دور طه الشاذلي عالقا في أذهان الجماهير ، وهذا سيمثل التحدي الكبير له في أدواره القادمة.

يسرا - إسعاد يونس

الأولي ناعمة، دافئة، عذبة، كتلة من الرومانسية والحنان والرقة، إبتسامتها تسبق كلماتها، وطيبتها تملأ ملامحها، أشبه بالفراشة الحالمة بديعة الألوان تعطي دون مقابل ولا تنتظر كلمات الشكر، والثانية جافة، ذات ملامح صارمة، سليطة اللسان، خاصمت الدنيا، ولم يبق في قلبها سوي الغل والحقد حتي علي أقرب الناس إليها، تسطو علي حقوق الآخرين بغير حق؛ دوران مختلفان ومتناقضان، يمثلان الأبيض ناصع البياض، والأسود شديد القتامة، أجادت كل من يسرا وإسعاد يونس في تصدير هذه المشاعر إلي المشاهد وكانت بينهما مباراة تمثيلية بمعطيات مختلفة، وصلا فيها إلي أعلي مراتب الأداء.

باسم سمرة

ملامح مصرية صميمة، أنفاسه تسبق كلماته، يمثل بكل ملامح وجهه، ويجتهد في تنويع جمله حتي يصل إلي أعلي إحساس ومعايشة، دوره في عمارة يعقوبيان إضافة جديدة لمشواره الفني.

نجوم في أدوار صغيرة

كانت بالفعل هناك أدوار صغيرة، لا تناسب مكانة النجوم الذين قاموا بتأديتها، لكن النتيجة النهائية أكدت بأن الدور الصغير يحتاج إلي ممثل كبير ليظهره ويدخله دائرة الاهتمام، وبالتالي يمثل ذلك إضافة للعمل ككل، ولا نملك في هذا الصدد سوي توجيه الشكر لهؤلاء النجوم الكبار الذين لولا وجودهم وإسهاماتهم المتميزة لنقص العمل الكثير، وهم : محمد الدفراوي، وجيهان قمري، وطلعت زكريا، وسعيد الصالح، وأحمد بدير، وأحمد راتب، وسعيد طرابيك، وفؤاد زايد، وسلوي عثمان، وتامر عبد المنعم، ويوسف داود.

في النهاية يمثل فيلم عمارة يعقوبيان بداية قوية لإصلاح السينما نأمل أن تستمر بتقديم أعمال علي نفس المستوي.

الأهالي المصرية في

28.06.2006

 
 

عمارة يعقوبيان بين النص الأدبي والفيلم السينمائي

الفيلم لم يخذل الرواية‏..‏ واستفاد من نجاحها

تحقيق‏-‏ زينب هاشم

مأزق كبير يواجه أي فيلم سينمائي مأخوذ عن رواية أدبية خاصة إذا كانت الرواية قد سبق أن حققت نجاحا كبيرا وشهرة عالية في الأوساط الأدبية العالمية‏,‏ وربما هذا الأمر يواجه حاليا فيلم عمارة يعقوبيان المأخوذ عن رواية الكاتب علاء الأسواني التي حققت نجاحا وشهرة مدوية في العالم بأكمله‏,‏ ومازالت تحقق حتي الآن نجاحات أخري‏,‏ وذلك مع ترجمتها وطباعتها إلي أكثر من لغة‏,‏ ونشرها أيضا علي مستوي العالم‏,‏ وهو ما يجعلنا نطرح السؤال‏:‏ هل من الممكن لفيلم عمارة يعقوبيان أن يحقق نفس النجاح الذي حققته الرواية؟ وهل سيضيف إلي نجاحاتها علي المستوي الأدبي نجاحا آخر علي المستوي السينمائي؟

بداية يقول الأديب علاء الأسواني مؤلف رواية عمارة يعقوبيان شاهدت فيلم عمارة يعقوبيان وأعجبني جدا‏,‏ وأري فيه فيلما ممتازا‏,‏ وسيكون علامة سينمائية في تاريخ السينما المصرية‏,‏ أما العلاقة بين الفيلم والرواية ففي رأيي عندما يقدم فيلم سينمائي مأخوذ عن رواية أدبية بشكل عام تصعب مقارنة كل منهما بالآخر‏,‏ لسبب بسيط وهو أن السينما وسيط فني مختلف عن الأدب‏,‏ لأن الأدب له عالمه وقوانينه‏,‏ والسينما لها قواعد أخري تحكمها وبالنسبة لأي فيلم مأخوذ عنه الرواية لابد وأن تكون به تغييرات لأنه لا يصح أن يكون الفيلم نسخة من الرواية‏,‏ لكن الأهم في الموضوع أن يحافظ الفيلم علي روح الرواية والعالم الروائي حتي لا تحدث خيانة للنص الأدبي‏,‏ وما حدث مع فيلم عمارة يعقوبيان هو أنه يتمتع بمستوي فني عال جدا‏,‏ وحافظ صانعوه علي كل الشروط التي سبق أن تحدثت عنها‏,‏ أما عما يقال حول التطابق الحرفي بين الفيلم والرواية‏,‏ ففي رأيي أن هذا ليس بعيب‏,‏ بل ميزة‏,‏ لأنه عندما يكون كاتب السيناريو واثقا من نفسه‏,‏ لن يقوم بالتغيير من أجل التغيير فقط‏,‏ لأن ذلك من الممكن أن يفسد الفيلم‏,‏ لذلك لو كانت هناك أجزاء مأخوذة بالنص من الرواية‏,‏ فهذا يحسب لكاتب السيناريو وحيد حامد‏.‏

لكن بشكل عام لا يمكن أن يحاكي الفيلم الرواية‏,‏ أما فكرة الدعاية التي ظن البعض أنها مبالغ فيها بالنسبة للفيلم‏,‏ ففي رأيي أن حجم الإنتاج كبير‏,‏ ووجود نجوم من أهم الممثلين في السينما المصرية يتطلب دعاية ضخمة تناسب أسماءهم‏,‏ أما عن مقارنة نجاح كل منهما بالآخر‏.‏

فنجاحي أنا الشخصي كعلاء الأسواني الروائي أستمده من قرائي‏,‏ لأ ن الرواية حققت أعلي مبيعات في العالم العربي‏,‏ ومنذ أربع سنوات ومازالت تحقق نجاحا مدهشا‏,‏ فقد تم تصنيفها رقم ثمانية علي قائمة أعلي مبيعات في فرنسا‏,‏ وهي علي قائمة أعلي مبيعات في إيطاليا‏,‏ وتقوم بتوزيعها دار نشر هاربر كوليز‏,‏ وهي من أقوي دور النشر الموجودة في العالم‏,‏ وأخيرا قدمت منها ترجمات للغات الأسبانية والألمانية والنرويجية‏,‏ وكل هذا النجاح يحسب لي أنا‏,‏ أما نجاح الفيلم فيحسب لي بنسبة ما‏,‏ والنسبة الأكبر تحسب لصانعيه‏,‏ وفي الحقيقة أنا سعيد بنجاحهم وبنجاحي الأصلي‏.‏

أما السيناريست والأديب محفوظ عبدالرحمن‏,‏ فيري أنه لابد من وجود اختلافات بين العمل الأدبي والسينمائي‏.‏

فعند اختيار عمل روائي ليتم تحويله إلي عمل سينمائي لابد وأن تتحول لغته من أدبية إلي صور مرئية‏,‏ وفي هذه الحالة لابد أن تكون هناك اختلافات بين الرواية والسيناريو‏,‏ ولابد أن يتم احترام هذه التغييرات ولا يحق لأحد أن يعترض عليها‏,‏ لأنها تترجم إلي لغة أخري‏,‏ ولابد أن يكون هناك حرص علي أفكار الكاتب حتي تتوافر شكل الأمانة المطلوب‏,‏ في حالة أن تكون الرواية جيدة‏,‏ والفيلم ناجح‏,‏ فهذا أمر منفصل عن الآخر‏,‏ لأنها قضية تتوقف علي أشياء كثيرة‏,‏ لأن هناك روايات جميلة‏,‏ وعندما تم تحويلها إلي عمل سينمائي لا تحقق نجاحات تذكر‏,‏ وعلي سبيل المثال إن روايات آرنست همنجواي كان معظمها ناجحا جدا‏,‏ وتم تحويلها‏,‏ وقام ببطولتها أكبر النجوم‏,‏ وقدمها أشهر المخرجين‏,‏ مع ذلك كان نجاحها في السينما أقل‏,‏ وهي مشكلة ستظل موجودة لأن كل عمل منهما سيكون منفصلا عن الآخر‏.‏

أما رواية علاء الأسواني فهي جميلة‏,‏ والفيلم جميل أيضا‏,‏ وهو من أكثر الأفلام المأخوذة عن أعمال أدبية التزاما بالنص مع بعض التغييرات المحدودة جدا‏.‏

يتفق مع نفس الرأي كاتب السيناريو والناقد ماهر زهدي‏,‏ الذي بدأ الحديث قائلا‏:‏ عمارة يعقوبيان ليس العمل الأول ولن يكون الأخير الذي يتم تحويله من رواية أدبية إلي عمل سينمائي‏,‏ فتاريخ الروايات مع السينما قديم كقدم السينما‏,‏ وكان أول فيلم سينمائي علي الإطلاق مأخوذ عن رواية زينب لمحمد حسنين هيكل‏,‏ وذلك عام‏1927,‏ لكن الفارق بين ما سبق تقديمه من روايات ويعقوبيان‏,‏ ذكاء المنتج الذي استغل هذا النجاح الكبير الذي حققته الرواية في الأوساط الثقافية والفنية‏,‏ وترجمتها إلي أكثر من لغة‏,‏ وكذلك فوزها بأكثر من جائزة‏,‏ وراهن علي عامل الوقت‏,‏ وقدم الفيلم في الوقت الذي لم ينته فيه الاحتفاء الإعلامي والثقافي بالرواية واللعب بهذا الكارت‏,‏ وهو شئ مشروع جدا في هذه الحالة سيكون هناك مردود آخر للرواية علي المستوي الشعبي‏,‏ لأن الرواية كعمل أدبي مردوده في الوسط الثقافي أو علي مستوي الصفوة عندما يتحول إلي عمل سينمائي أو تليفزيوني يكون له مردود من نوع مختلف علي المستوي الشعبي بقاعدته العريضة‏,‏ حيث يسهم الفيلم في وصول الرواية إلي قاعدة عريضة لا علاقة لها بالأدب المكتوب‏,‏ وهذه فرصة جيدة لإعادة تعريف الأجيال الشابة التي تمثل جمهور السينما الآن بالأدب المكتوب ودوره وأهميته في خلق نوع مختلف من السينما غير التي تعود عليها‏.‏

أما بالنسبة لمأزق الفيلم فقد يكون مقصورا فقط علي دائرة المثقفين والمهتمين بالأدب الذين يضعون الأدب في المرتبة الأولي‏,‏ وبالتالي المقارنة ستكون لصالح الرواية‏,‏ لأنها الأقوي والأشمل‏,‏ والأعمق في تناول الشخصيات والأحداث‏,‏ وسردها‏,‏ وهذه مقارنة ظالمة‏,‏ لأن السينما وسيط مختلف ولا يعني علي الإطلاق اعتماد فيلم سينمائي علي نص أدبي أن يكون نسخة مكررة منه‏,‏ فالرؤية السينمائية تختلف‏,‏ وكذلك يتم الوضع في الاعتبار زمن الفيلم السينمائي علي الشاشة مقارنة بسرد الأحداث للعمل الأدبي‏,‏ وربما هذا ما كان يجعل الكاتب والأديب العالمي نجيب محفوظ وهو من أكثر الأدباء الذين تحولت أعمالهم إلي أفلام سينمائية ودراما تليفزيونية يؤكد مع كل عمل يقدم عن نص أدبي له أنه مسئول فقط عما يكتبه في كتبه‏.‏

أما الفيلم فله صناعه‏,‏ وفي رأيي الشخصي طول عمر الأدب ينقذ السينما عندما تخرج عن طريقها ويصبح هناك فرصة لها للعودة إلي مسارها السليم من جديد‏.‏

أما الناقد السينمائي عصام زكريا فيري أنه لا توجد قاعدة ثابتة تحكم فكرة انتقال عمل روائي إلي عمل سينمائي‏,‏ وفي النهاية جمهور السينما مختلف عن جمهور الأدب‏,‏ وهناك ملايين ستشاهد الفيلم‏,‏ ولن تقرأ الرواية‏,‏ وفي رأيي أي عمل فني ليست من مهامه أن يضيف للرواية‏,‏ لأن كلا منهما عمل فني قائم بذاته‏,‏ ومن الممكن أن يصنع أفضل أو حتي أسوأ‏.‏ فهو عمل منفصل‏,‏ وهناك أفلام مأخوذة من روايات مستواها أفضل بكثير من الرواية المأخوذة منها والعكس‏,‏ وهذا الاختلاف يتضح بين رواية مالك الحزين مثلا المأخوذ منها فيلم الكيت كات‏,‏ ورواية عمارة يعقوبيان لأن عمارة يعقوبيان رواية مكتوبة وكأنها فيلم سينمائي‏,‏ ويقال إن علاء الأسواني مؤلف الرواية كان يفكر فيها وكأنها فيلم‏,‏ وكتبها بالفعل كفيلم‏,‏ وهي ليست في حاجة إلي عمل كثير حتي تتحول إلي سيناريو‏,‏ وهي بذلك مختلفة عن رواية مالك الحزين‏,‏ والدليل علي ذلك أن هناك روايات من الصعب تحويلها إلي فيلم سينمائي‏,‏ وعندما يقدم علي ذلك كاتب السيناريو قد يلجأ إلي حذف شخصيات وإضافة أخري علي حسب رؤيته‏,‏ وعندما يقدم فيلم مأخوذ عن رواية أدبية هناك عوامل كثيرة تتحكم فيه علي حسب الفنانين المشاركين في الفيلم باختلاف مستواهم ورؤيتهم المتفاوتة والعمل نفسه‏,‏ وذلك أمر مختلف من عمل إلي آخر‏,‏ فمثلا رواية أجاسا كريستي وهي من أنجح الروايات البوليسية عندما تحولت إلي فيلم لم يحقق الفيلم نفس الدرجة من النجاح‏,‏ لكن فيلم عمارة يعقوبيان بعد مشاهدته ستكتشف أن كل جزء يأتي من منطقة مختلفة‏,‏ وكأن العمل بلا مخرج وصانعوا الفيلم أحضروا‏5‏ أو‏6‏ مناطق مختلفة ووضعوها في قلب بعض‏,‏ وهناك عناصر أخري أفسدت الفيلم مثل الموسيقي والمونتاج أيضا‏.‏

تختلف مع وجهة النظر هذه الناقدة وكاتبة السيناريو ماجدة خيرالله التي تري أن الفيلم يخذل الرواية ولم يخذل أيضا الجمهور القارئ للرواية خصوصا أن خيال المؤلف وحيد حامد كاتب سيناريو وحوار الفيلم به أمانة في تجسيد الشخصيات المختلفة وتقديمها‏,‏ وفيه أعمال مأخوذة عن روايات أدبية تصبح أقل من مستواها الفني‏,‏ وذلك مثل فيلم شفرة دافنشي‏,‏ مثلا فكل من قرأ الرواية انزعج من الفيلم‏,‏ لكن وحيد استفاد من الكم الكبير والخطوط العامة للشخصيات والقضايا المطروحة في الرواية‏,‏ ولم يكن مجرد ناقل‏,‏ وفي التاريخ بأكمله هناك روايات بديعة لنجيب محفوظ تم تحويلها إلي أفلام‏,‏ وعندما شوهدت كانت جميلة جدا والعكس‏,‏ لكنه مثلما أدهشت رواية عمارة يعقوبيان الجمهور‏,‏ أدهش الفيلم جمهوره أيضا مع الوضع في الاعتبار أن السينما لها خصوصيتها والأدب له خصوصيته أيضا‏*‏

الأهرام العربي في

01.07.2006

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)