كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

عمارة يعقوبيان يفوز بجائزة مهرجان السينما العربية بباريس

صلاح هاشم

عن فيلم

عمارة يعقوبيان

   
 
 
 
 

صور من الماء والتراب 

باريس من صلاح هاشم: انتهي مهرجان السينما العربية في باريس بحصول فيلم "عمارة يعقوبيان" للمصري مروان حامد كما كان متوقعا علي كل الجوائز، فقد حصل الفيلم علي الجائزة الكبري لمعهد العالم العربي للفيلم الروائي الطويل وقيمتها 7500 يورو، وجائزة مساعدة المعهد للتوزيع وقيمتها 5000 يورو وجائزة معهد العالم العربي لأفضل ممثل وذهبت الي عادل إمام وخالد الصاوي ونور الشريف. وبدا الأمر كما لو انه كان مدبرا ومخططا له من قبل. فمن جهة، كان الفيلم شارك من قبل في مهرجان الفيلم العربي في روتردام، ولم تجد فيه لجنة التحكيم التي ترأسها مخرج هولندي ما يشبع جوعنا الي السينما الفن، ولا يتصور أي احد انه يحمل هما، فمنحت الجائزة ألكبري لفيلم جزائري. غير أن احد النقاد السينمائيين المصريين الكبار(وكانت اللجنة المنظمة للمهرجان، وضعت اسمه في الكتالوج كمستشار خاص للمهرجان من دون علمه ومن دون استشارته واستئذانه، مما جعله يلعن ويشتم حانقا) أعنبران موقف اللجنة كان صفعة علي وجه السينما المصرية في أفضل انتاجاتها التجارية منذ زمن. ورأينا غير ذلك. حيث كنا شاهدنا الفيلم عندما عرض في سوق مهرجان " كان "، وصرفت شركة " جود نيوز " المنتجة علي الدعاية له الآف اليوروات، مما يسيل له لعاب تجار السينما هنا، ودفعت الشركة علي مايبدو لكي تكتب عنه بعض الجرائد الفرنسية المشبوهة،واستطاعت بنفوذها وفلوسها شراء بعض الضمائر والذمم. وكنا خرجنا بعد مشاهدته اضعف واوهن مما دخلنا، ومهزومين ومكسورين. لماذا ؟ لان أحدا لاينكر أولا موهبة مخرجه مروان حامد السينمائية، فقد بهرنا بفيلمه المتوسط الروائي العذب " لي لي " الذي كشف عن موهبة فذة عاشقة لروح مصر، موهبة قفزت بعمل يوسف إدريس إلي آفاق رحيبة، وجعلتنا بعد مشاهدة الفيلم نريد ان نتعرف علي هذا المروان او "الكروان " الوحيد،ونحضنه ونعانقه مهنئين. وكانت صديقة ناقدة سينمائية لبنانية سألتني بعد عرض الفيلم في " كان " ان ما رأيكم، فقلت لها ان الفيلم لم يعجبني علي الإطلاق، لأنه لايحمل هما، علي الرغم من انه مقتبس عن رواية علاء الأسواني الشهيرة بنفس العنوان. إلا ان الفيلم فرغ الرواية تماما من محتواها ومضمونها الفكري، ولم يمسك بروح وتوهج العمل الاصلي، ولم يقدم " رؤية " سينمائية جديدة، بل اكتفي بتصوير الأحداث والمشاهد المكتوبة في سيناريو الأب وحيد حامد، احد كبار كتاب السيناريو في مصر للسينما والتلفزيون، في ما يدخل في باب " التفصيل " مثل الترزية..

أي انه وحيد حامد ترزي، أو "مفصلاتي " إن صح التعبير، وخياط ماهر للسيناريوهات، لكن اغلبها سيناريوهات " فاضيه "، لأنها تصنع هياكل من الكرتون المحشو بالورق المقوي، والملفوف في ورق سوليفان وحرير، وخذ عنك تصوير للصبح..

مكان اسمه الوطن

سينما وحيد حامد هي في اغلبها، الا من بعض الاعمال الباهرة سينمائيا التي حققها مع المخرج المصري المرحوم عاطف الطيب، مثل فيلم " البريء "، سينما خياطة وتفصيل، وربما يدافع احدهم عن هذا النوع من الافلام، علي اساس انه افضل من كوم الزبالة من نفايات الانتاجات السينمائية التافهة المنحطة في مصر، التي تروج للزغزغة والفرفشة والهراء العام، وتعمل علي تكريسه، باحتفالات قطع تورتات البدء في تصوير هذ االفيلم وذاك المسلسل ان يا رب أرحم.. وجميعها يلزم القائها في البحر، والشروع فورا في ترميم وغسيل واجهة السينما المصرية من جديد، وقبل ان تتهاوي تماما وتغرق. ولانحسب كما يعتقد البعض، او كما يحلو لناقد ان يردد، انها غرقت بالفعل، ولا امل في الاصلاح او الثورة. بل نحسب ان تلك مهمة ملقاة علي عاتق جيل جديد من شباب السينما المصرية الذي لم يسقط بعد في هاوية الفيلم التجاري، ويعيش في مناخات القمع والرعب والانكسارات الكبيرة المحبطة، التي لاتشجع علي أي ابداع أي كان في الوطن. شباب جديد يصنع في مصرافلاما تشبهنا، وعلي مقاس همومنا، وتجعلنا نفرح بابداعات السينما الفن، في اعمال عاطف حتاتة " الابواب المغلقة " وهالة لطفي " الشعور بالبرودة " و" صور من الماء والتراب " وتامر السعيد " يوم الاثنين " ومحمود سليمان " يعيشون بيننا " وتامر عزت " مكان أسمه الوطن " وشريف البداري " 6 بنات " وغيرهم. ونعود الي سؤال الناقدة اللبنانية الصديقة في مهرجان " كان " بعد ان شاهدنا الفيلم، وتململنا كثيرا في مقاعدنا، ولم تهتز لنا شعرة. قلت لها ان الفيلم طويل وطويل وممل، وقد بدا لي اشبه مايكون بمسلسل تلفزيوني في 30 حلقة، وقد لخص في فيلم تصويرمن ساعتين ونصف، كما اني وجدت تمثيل عادل امام في الفيلم، ولاتعنيني الاسماء الاعلانية والدعائية التي اطلقت عليه مما يدخل في باب المجاملات مثل " الملك " او غيرها، وجدته لايحضر في الفيلم بتمثيله، ولم اقتنع به كأبن باشا، بل يحضر فقط بنجوميته، ولم يجعلني اتماهي مع الشخصية التي لعبها وافتقدت المصداقية. واظن ان اهم دور برز فيه عادل امام وشمخ من خلاله كممثل قدير حقا هو فيلم " الحريف " لمحمد خان، اما عن ادواره التمثيلية في الافلام التجارية التي صنعها مع شريف عرفة ووحيد حامد، الثلاثي المشهور، اعني اعمال " التفصيل " التي طعمت التجاري السائد في السينما المصرية بموضوعات اجتماعية حريفة، فهي تدخل عندي في ذات خانة " التفصيل " المذكورة، وهي افلام من نوع " الجودة " كما كان يطلق علي الافلام الفرنسية السائدة في فترة الخمسينيات في فرنسا ثم ثار عليهانقاد " الموجة الجديدة " وكتبوا كمخرجين سيناريوهات اعمالهم الاولي ضد سينما الجودة المحنطة وخرجوا بأفلامهم من جحيم الافلام المفبركة في الاستوديوهات الي الحياة المفتوحة علي الهواء الطلق بكل توهجها علي رصيف الشارع في فرنسا. ولذا تظل تلك افلام مثل " عمارة يعقوبيان " افلاما خادعة في رأيي لأنها لاتحمل هما وتتحاشي الصدام بقوة مع السلطة والرقابة، وتعمل لهما ألف حساب، عند اجراء عملية التفصيل. السينما ليست عمليات تفصيل بل محاولة تفصيص لمشاغل وهموم وأحزان. انها هم بل هموم الامساك بجوهر الحياة ذاتها، واكتشاف معاني لوجودنا الانساني، و هي ايضا حضور متألق في اللحظة التي يعرض فيها الفيلم. أحب السينما – قلت لصديقتي الناقدة اللبنانية- السينما التي تخبط رأسها في الحيط وتدق بمعول الهدم في جدران الخوف، وتكسر في التابوهات المحنطة التي عفي عليها الزمن وتحب الخربشة. احب في السينما الاكتشاف والابتكار والاختراع والهم الواضح. هم الاشتغال علي فن السينما ذاته، لتطويره من داخله، وابتداع اساليب تعبير جديدة، ونحن نصور همومنا ونضيف من التسجيلي الي الروائي ولا نحسب حسابا للتصنيف. احب الافلام التي لاتقول لنا عما نعرفه، بل تحكي عما لانعرفه ولاتمنحنا بسخاء كل شييء. مايهمني في افلام السينما هو اختراع " النظرة " والزاوية التي ننفذ من خلالها عبر الفيلم الي العالم والكون، وندلف من دون وجل الي تناقضات مجتمعاتنا العربية وهمومنا العربية ويأسنا من غربتنا تحت الشمس في الوطن الاصلي. احب في السينما محاولة التواصل عبر الفيلم مع كل الكائنات والموجودات. مع النباتات والعصافير والشجر. غير ان احدا كما يبدو في خانة " سينما التفصيل " لايود ان يكون سحابة كما يقول الشاعر التركي العظيم ناظم حكمت، وقد صرنا الي زمن اصبح فيه الجميع يكتفون بالسائد العادي والمبتذل التجاري الاستهلاكي، ضد كل انواع السينما التي تجعلنا نفكر. احد لايدعونا في افلام مثل " عمارة يعقوبيان " الي التفكير في هم، بل ان الفيلم كله بدا لي اشبه مايكون بدعوة الي عدم الاستغراق في أي هم، ولنرضي بما قسم الله لنا ونخرج ممن الفيلم مبسوطين. كنس الهم العام اذن صار وسيلة تدر ارباحا علي السينما المصرية الاستهلاكية. وقلت هذا الكلام عن الفيلم عندما التقيت بالصديق الفنان نور الشريف عندما التقيته في مهرجان روتردام. واصغي الي نور باهتمام، وكان ينصت ويهز رأسه مؤيدا، وأنا أخبطه بكلامي، فقد شارك هو ايضا في بطولة الفيلم، وتورط في عمل هو اقرب مايكون الي مسلسلات التلفزيون المصرية الاستهلاكية، منه الي اعمال السينما الفن، كما في فيلم " لي لي " لذات المخرج. ونشرت بعض الجرائد هذا الكلام، ونوهت بما قلته عن الفيلم،وردا علي ماكتبه الناقد السينمائي الكبير الصديق سمير فريد عن الفيلم في جريدة " القاهرة "، قلت في رسالة الي سمير اننا مختلفون علي طول الخط، وهذا الاختلاف بالطبع صحي ومفيد ولايفسد للود قضية..

اعتبر سمير ان الفيلم يمثل فتحا للسينما المصرية، وانه يحفر لما اطلق عليه ب " سينما الاصلاح " التابعة للجنة السياسات في الحزب الوطني، التي يترأسها جمال مبارك ابن الزعيم حسني مبارك، يحفر ويفتح لها سكة جديدة، ورأيت غير ذلك..

لاادري عن أي سياسات يتحدث ؟. استبعدت ان يكون لتلك اللجنة اية علاقة بالسينما، حيث ان كل الصحف والجرائد الرسمية تخضع لتوجهات النظام، و تمثل ترسانة اعلامية للدعاية للنظام الحاكم والاشادة دوما بسياساته، رغم علمها بأن الحزب سيذهب، اما الشعب المصري الذي يأن تحت ضغوطات وانتهاكات وفساد الانظمة فهو باق، ولا يتصور احد ان اللجنة المذكورة بحاجة الي التخطيط لسينما الاصلاح. أي أصلاح ممكن ياصاحبي، وسط هذا الخراب الذي نعيشه في الوطن، علي كافة المستويات. فلتخطط اللجنة الموقرة ان كانت تريد ان تفعل شيئا، تخطط لسينما الصحة لا الاصلاح، للنهوض بالعناية الطبية المركزية، لصحة المواطن المصري والارتقاء بها. ذلك المواطن الذي لايجد ثمن الدواء الآن " يعيشون بيننا "ويطلب منه قبل دخول احدي المستشفيات الآف الجنيهات، ولولا ان البيوتات في قلعة الكبش وأحياء مصر العامرة بالخلق تسند بعضها..

ولولا التعاطف والتراحم في بر مصر، لكان الجميع يقينا غادروا الوطن من الظلم والبطالة والهم والقهر للبحث عن عمل ولقمة عيش في أي مكان. ألم يعد العمل بنظام " الجمعيات " المنزلية في الاحياء الشعبية والعشوائيات، هو الضمان الوحيد لاستمرار الحياة، ومواجهة الاعباء والمصروفات الضرورية، والغلاء الفاحش لكل شييء واي شييء. ضمرت ومرضت الاجساد ياصاحبي وباتت هياكل عظمية او اجساد منتفخة مترهلة بفعل الذل اليومي والوقوف في طوابير العيش. أين كل هذه الهموم ياصديقي في عمارة يعقوبيان. ؟. أليس ترفا مابعد أن نصنع افلاما بنظام الانتاج الضخم علي شاكلة استوديوهات هوليوود وهم يتضورون جوعا. قلت لسمير اني وجدت التمثيل في " عمارة يعقوبيان " باهتا ومتهافتا وغير مقنعا بالمرة. حضرت صحيح " يسري " في الفيلم لكنها لم تمثل، وربما حاولت لكنها لم تنجح في تميثلها. ثم أني أريد أن يقول لي أحدهم يسري مثلت في أي فيلم. ؟ وبانتظاراجابة اقول حضر عادل امام في الفيلم صحيح لكنه راح يتمشي ويتمخطر بنجوميته ويختال مزهوا، ولا لكي يمثل بل لكي يلقي علينا ببعض الخطب العصماء النكراء عن ثورة 52، وينكل بها في بعض اجزاء الفيلم ويمرر لافكار جد سوداء، عن تلك الثورة العظيمة التي صنعتنا..

وكان فيلم " أنت ياوجيه " لنمير عبد المسيح الذي حصل علي شهادة تقدير خاصة من لجنة تحكيم التسجيلي ويستحقها عن جدارة واكثر، كان في مسابقة البينالي نوه بانجازات ثورة يوليو علي لسان مناضل شيوعي سابق، هو المترجم الباحث وجيه عبد المسيح المغترب في فرنسا منذ زمن، والذي ذاق اهوال التعذيب في سجون الواحات، لكنه لم يتحامل ويشتم في الثورة، بل قيم انجازاتها مثل الاصلاح الزراعي وبناء السد العالي وت\ويب الفوارق بين الطبقات، وبين انه كانت هناك اخطاء حقا كما يحدث وحدث في كل ثورات العالم، لكن هذا لايعني ان نشطب علي الثورة ونلغيها من دماغنا. لمصلحة من وماذا. في حين بدا لي " عمارة يعقوبيان " كما لو كان يريد كما في فيلم " حليم " من انتاج نفس الشركة جود نيوز، ان يفرغ تاريخ ثورة 23 يوليو المصرية من افضل انجازاتها ويهيل عليها التراب. وكل شييء الآن جاهز بالطبع بعد ان اصطفي لهم الجو، لاجراء غسيل مخ يخلص شعبنا من انجازاتها وذكرياتها، والتمهيد لاصلاحات مقبلة علي يد اللجنة الموقرة، ونحن في الانتظار.. 

سينما الإصلاح أم صحة المواطن؟

حكي سمير مطولا عن الرواية في مقاله، وراح يذكر باحداثها وبتفاصيلها المملة، وشرع يقارن بينهاوبين مسرحية البريطاني جون اوزبورن " انظر خلفك في غضب " ولم يجد الناقد الكبير معادلا موضوعيا سينمائيا، يصلح لمقاربتها به، وأخذ يحكي عن صاحب الرواية وسيرته، ولم يكتب عن رأيه في الفيلم الا في الثلث الاخير من المقال، عبر سيل من المديح للانجاز الذي تحقق. أي انجاز هذا الذي يدخل في بند التفصيل والتجارة، والاعلان والفهلوة والشطارة، واين كل ذلك من السينما الفن.. ؟

لقد حشدت الشركة اسماء لامعة للتفصيل والتمثيل والتصويروالموسيقي والديكور وكل عناصر الفيلم لكنها بدت جميعها مثل حشد من الاعمال الفردية المتراكمة، عملا تحت عمل، ونمرة تمثيل فوق نمرة تمثيل، ووفرت للمخرجه كل الامكانيات لصنع فيلم تجاري بارد وبلا روح. وحققت بذلك عملا تجاريا ناجحا بكل مقاييس وحسابات الفيلم التجاري، مقارنة بكل افلام " الزبالة " التجارية الاستهلاكية العبيطة، وذلك لكي تستقطب الجماهير لمشاهدته بأي شكل،وعلمنا انها تخطط الآن لعمل آخر عن " د علي " علي شاكلته بأسلوب التفصيل السينمائي المعتاد لحساب السلطة. ونحن لا ننتظر مثل تلك افلام مصنوعة، بنظام الانتاج الضخم، علي نمط أفلام شركة والت ديزني الكرتونية، ومثل تلك انتاجات يقينا لن تصنع سينما الغد في مصر. بل سيصنعها هؤلاء المخرجين من الشباب بافلامهم الصغيرة من نوع " سينما المؤلف " التي تحاول أن تصنع جاهدة صورة تشبهنا، و تحمل هما مثل همومنا، وهي تسعي الي ان تمسك في ظل تلك الظروف الصعبة الرديئة التي نعيشها في الوطن.. تمسك بتوهج الحياة ذاتها في بر مصر العامرة بالخلق والالفة والغبطة المتصلة والناس الطيبين، وتقربنا باعمالها كما في " مكان اسمه الوطن " و" انت ياوجيه " و" البنات دول " لتهاني راشد، تقربنا اكثر من انسانيتنا..

حصدت عمارة يعقوبيان كل الجوائزبتخطيط مسبق من ادارة المعهد والمهرجان علي مايبدو، ولسبب وضيع، كما ذكر الناقد حسين قطايا في جريدة " البان " منعتنا من ادارة ندوة الفيلم حسب الاتفاق المسبق، لأننا لم " نبخر " علي حد قوله للفيلم، ويقينا هذا ماوقع، ولم ننضم الي شلة المعجبين والمبخرين، وخطفت الادارة الميكروفون منا في القاعة، وسلمته الي احد العاملين في الشركة، الذي حضر خصيصا من مصركمسئول في " جود نيوز" عن الدعاية والترويج لافلامها في المهرجانات السينمائية الدولية. فراح يبخر كما هو مطلوب.. وأجاد، ووضعت لجنة اختيار افلام المسابقة قصدا أفلاما بريئة عبيطة ساذجة الي جوار انتاج العمارة الضخم، لكي يكتسحها الفيلم اكتساحا عند التصفيات النهائية. وهذا ماحدث بالفعل. وضعت ادارة المهرجان أول فيلم عماني " البوم " اخراج خالد الزدجالي وهو نموذج لا يحتذي لافلام التخلف العبيطة، المصنوعة علي مقاس الفيلم التجاري التلفزيوني المصري الترفيهي، وليس به أي سينما علي الاطلاق، وركبت عليه بعض المناظر السياحية للمنظر الطبيعي الرائع بجوار البحر في عمان، وأنهت الفيلم بمطاردة مضحكة وتبادل اتطلاق النيران في عرض البحرتقليدا في افلام جيمس بوند، وكله يمشي عند العرب من انواع السلطات والمقبلات والمشهيات السينمائية الحلمنتيشية، ويسرت علي لجنة التحكيم المهمة. ثم رفدت الفيلم العماني بفيلم آخر بشع هو فيلم " زهرة الخشخاش " التونسي الجديد لسلمي بكار، الذي بدا لنا كما لو كان خرج للتو من مخازن أرشيف ومتحف السينما التونسية في الخمسينيات، وجعلنا نقرف من السينما والملل والموضوعات القديمة المهلهلة عن الحشيش والجنون في المصحات التي عفي عليها الزمن، وواضح بصراحة ان سلمي بكار انتهت كمخرجة وليس لديها ماتقوله..

"يوم آخر" أين؟

واستقدمت ادارة المهرجان الموقرة فيلما بائسا هو عبارة عن سلاطة سينمائية مخلصة ويدعي الفيلم " ظلال الصمت " وكله رغي ووش وكلام في الهواء، ولايوجد به أي صمت علي الاطلاق، وعلي الرغم من ان السينما حسب ما عرفناه وادركناه، لا تصنع الا في فترات الصمت التي تفصل مابين مشهد ومشهد أخر يعقبه، سوف تجد ان الفيلم المزعوم، والسينما من تلك اعمال براء، يبدأ بحرب وعنف وهجمة دموية بوليسية شرسة لتحطيم وتدمير حي فقير يشتبه في ان بعض الارهابيين المتطرفين دخلوه ثم نكتشف في مابعد ان مجموعة من المثقفين دخلت بالفعل صالونا فاخرا وآخر شياكة وراحت تدبر مؤامرة لاعتقال ونفي بعض المثقفين المعارضين للنظام - أي نظام وفي أي بلد تقع احداث الفيلم ؟- واحالتهم الي معهد لتدجينهم وترويضهم في الصحراء، وتبحث زوجة في الصحراء عن مكان المعهد لنجدة زوجها المختطف، وتذكرك الحكاية في الفيلم بقصة " المستعمرة " القصيرة لفرانز كافكا، ويروح المخرج العاجز مثل فيلمه الواقع، وحرام كل هذه مصاريف وكتابة السيناريو عشرات المرات بمشاركة وتوريط اناس كنا نحترمهم من ضمنهم المخرج الجزائري احمد راشدي الذي تعهد بالسيناريو اخيرا ووجد فيه علي مانظن بقرة حلوب تدر ذهبا، حين سلمه المخرج كل الفيلم فأخذه بالفعل الي حيث اللامنتهي وسقط في هوة العدم، وكأنه لم يوجد ابدا وعلي الاطلاق، حيث ان النوايا الحسنة لاتصنع فيلما، كما رحنا ننوه منذ زمن، لكنها علي المدي الطويل، وهنا تمكن خطورتها، تخلق نوعا من البارانويا،أي جنون العظمة، ونخشي ان تكون هذه البارانويا اللعينة قد اخذت بتلابيب مخرجنا السعودي المعجزة، الذي تمخض جبله عن فأرة صلعاء، وبلا شعر، ويصعب حالها علي الكافر..

اراد عبد الله المحيسن ان يكون فيلمه أول فيلم سعودي، من تحت عباءة الانشغال بالهم العربي الشامل، فخرج بلا اي هم سعودي، وبلا أي هم عربي شامل علي الاطلاق، وجاء مجردا وفاقدا لاي انسانية تجعلك تتعاطف من الناس الذين يتحدثون في الفيلم. ذلك لان أي فيلم سعوديا كان ام مصريا يحكي عن هموم سعودية ومصرية، وينهل من تاريخ وذاكرة المكان ويجعلنا نحب أهله ونتوحد معهم. نتوحد مع احزانهم وافراحهم وناسي لهمومهم، ونشاركهم تجاربهم، نستشعر أنفاسهم، وليس في فيلم " ظلال الصمت " أي شييء من كل ذلك. "ظلال الصمت " فيلم عقيم ولا يستحق مثل اغلب افلام المسابقة المشاركة في مسابقة أي مهرجان يحترم نفه وويهتم ولو قليلا بما هو سينما وما هو فن ن ويفرق بين الغث المهمل لأن كل مايصنع في السينما ليس بسينما ولا كل الافلام الرديئة من هذا النوع تستحق ان نطلق عليها افلاما..

ورتبت ادارة المهرجان لكل تلك امور، فوضعت الي جوار الفيلم السعودي المزعوم فيلما كنديا مرعبا وعديم الانسانية، عن شاب كندي مسيحي من اصل لبناني، يعود بجثة الوالد ليدفنه في لبنان، ويظهر هنا كل اللبنانيين بصورة قاتمة بشعة، كأناس عديمي الانسانية والشفقة والرحمة، فتتعجب من أين أتي بهم، ويروح يقصفنا باناس لبنانيين سرياليين عبثيين من اختراع المخرج وجدي معوض، المتأثر علي مايبدو بالسينوغرافيا المسرحية التي تبدو زاعقة وصارخة جدا في الفيلم، فيحول مشاهده الي " طقس " مسرحي تراجيدي يلغي مسافة التفكير في العمل ويحوله الي نوع من الصراخ المزعج الذي يكرس له مخرجنا مشهدا طويلا في نهاية الفيلم يستغرق ربع ساعة، لتحنيط جثة الاب ودفنها في البحر، ولا ندري لماذا اختارت ادارة المهرجان هذا الفيلم الفاشي وتجاهلت فيلما لبنانيا رائعا هو " يوم آخر " لجواناحجي وخليل جورجي، وكيف فاتها ضمه كفيلم عربي متميز، ازعم انه من احسن الافلام اللبنانية والعربية التي خرجت في فترة السنوات الخمس الاخيرة، كيف ؟..

ولم يبرز ويشد الجمهور من بين الافلام الروائية الطويلة المختارة للمسابقة الافيلم " أحلام " للعراقي محمد الدراجي الذي اعجبنا به، وكتبنا عنه من قبل، كعمل أول متميز، ويحمل علي الرغم من تحفظاتنا علي اجزائه هما، وفيلم " زوزو " لجوزيف فارس من لبنان ويعيش في السويد، وكنا ننتظر حضور فيلم" يوم جديد في صنعاء القديمة " الذي اعجبنا به كثيرا، ويستلهم تراثنا الحكائي والمرئي، لكي يحكي عن قصة حب في صنعاء القديمة الجديدة بنت اليوم، ويصنع نسيجا سينمائيا متوهجا بسحر الغموض والسينما الفن. هذه السينما التي تجعل المشاهد ايضا يشارك في صنعها وهو يشاهد الفيلم , اليمني البديع، لكن اذاا بالفيلم الذي كان يمكن ان يقف ندا ل " عمارة يعقوبيان " في المسابقة يتخلف عن الحضور فجأة لاسباب مجهولة- كما تخلف المخرج محمد عسلي عن المشاركة في لجنة التحكيم - وتضع ادارة المهرجان في محله فيلما لم تسمح لنا ظروف العمل وادارة الندوات بمشاهدته..

"عن العشق والهوى".. فيلم مكسيكي

هل رتبت الادارة لفوز عمارة يعقوبيان اذن؟. أكيد. لأنها ضمت الي افلام المسابقة ايضا فيلما رديئا بعنوان " عن العشق والهوي " للمصرية كاملة أبو ذكري، الذي اعتبرناه في شموايته الفنية تجسيدا للهراء العام، والدعاية والترويج لسينما التفصيل بالمشغولات المحلية، حيث تركب الطبقات المرفهة السيارات الفاخرة المكشوفة، وتنطلق بها باقصي سرعة، ولاتعبأ لأي شييء..

وجعلنا الفيلم نضحك لعبطه، اذ يحكي عن هموم طلاق، وحب وزواج وخيانات الطبقات المرفهة التي تسكن الفيلات المسورة تحت الحراسة، ويجعلنا نتأسي لمشاكلها العاطفية، وجديد الفيلم انه يترك ابطاله ولاول مرة في تاريخ السينما المصرية يبكون لمدة طويلة علي الشاشة ويقف عند مشاهد البكاء ولايتحرك فيجعلنا نضحك في عبنا، ولن تجد فيه أي حضور لهموم ومشاكل الناس الغلابة المحرومين من كل شييء في مصر، اذ يطرح مشكلة فتاة من حي فقير و تدرس في الجامعة، واختها مومس تعمل في بار للسكاري وتضغط علي نفسها وتتكفل بمصاريف اختها الشريفة الغلبانة حتي تكمل تعليمها،وتعرض كامة ابو ذكري في فيلمها لنماذج من ابناء الحارة المصرية، الذين تحولوا في ظل الاوضاع الاقتصادية المتردية في مصر اليي مدمنين علي المخدرات، للهروب من ظلم الواقع، او نساء عاهرات تبيع عرضها وشرفها لكي تصرف علي اخواتها، ويختفي من الفيلم مصر التي نعرفها تماما. اذ ان كل شييء يوحي في الفيلم بانه فيلم مكسيكي خالص. وقد هبط اناسه الي مصر من كوكب آخر، ولولا اللطف الالهي،وان الله سلم، لكان المتفرجون الساخطون الذين خرجوا من الفيلم وهم يسبون ويشتمون – كانوا احتشدوا كالعادة لرؤية فيلم مصري جديد في المسابقة- ضربوا مخرجته بالشباشب لجرأتها في صنع واخراج هذا الفيلم التجاري الرومانتيكي الحريف، واستقدام ممثلينه من المكسيك. وكان من الطبيعي بمشاركة فيلم كهذا ضمن افلام المسابقة الهزيلة، ان يفوز عمارة يعقوبيان بكل الجوائز..

غير أن الحدث الاهم والابرز هنا خارج جدران الانظمة العربية، حيث كانت تجري وقائع المهرجان في بدروم المعهد، هو حفل العرض الخاص الذي نظمته " سينما اايزيس " يوم الاربعاء 26 يوليو لفيلم " دردمات " للمخرج العراقي سعد سلمان في قاعة سينما " ايماج دايور " في الحي الخامس في العاصمة الفرنسية. واشتمل علي عرضين للفيلم في الرابعة والسادسة والنصف بعد الظهر، بحضور جمهور وعدد كبير من النقاد والصحفيين،الذين كانوا في باريس لتغطية مهرجان عمارة يعقوبيان، وأعجبوا جميعا ب " دردمات " وأشادوا به، ومن ضمنهم الناقد السينمائي المصري كمال رمزي الذي الذي اعتبره مرثية الي العراق الوطن، وكذلك الكاتب الصحافي اللبناني حسين قطايا من " البيان " والناقدة المصرية عواطف صادق من جريدة الاهرام، والشاعر المصري حسن عقل، والناقد الادبي الكبير صبري حافظ استاذ الادب العربي في جامعة لندن،وكان قدم للعرض الاول للفيلم بكلمة عن مشروع ايزيس السينمائي، وكانت هذه هي المرة الاولي التي تخرج فيها "سينما ايزيس" من علي شاشة الانترنت كمجلة، لكي تتواصل مع الجمهور علي رصيف السينما في باريس، وتكشف من خلال فيلم " دردمات "، عن السينما التي تسعي الي تأصيلها، لخلق صورة تشبهنا. صورة فريدة من نوعها، ضد السائد المبتذل، والسينما التجارية التي عفي عليها الزمن..

موقع "إيلاف" في

15.08.2006

 
 

عماره يعقوبيان

"عن البؤس والأمل اتكلم"

بقلم: ماجد الباشا 

خرجت من منزلى برغم الحر الشديد وعدم الرغبه فى فعل أى شى متجه الى قاعه السينما حتى انسى نفسى وانسى همومى كأى شاب مصرى تحطت احلامه على واقع التسعينيات المرير. اما هذا الواقع المرير فهو ما وجدته فى فيلم "عماره يعقوبيان"...فان شخصياته واحداثه وعمارته هى عالم كامل ...يحكى لنا ما يحدث فى مصر التسعينيات.

ويبدا الفيلم بالتاريخ.. بالماضى لان ما يحدث الان ليس مصادفه ولكنه امتداد ونتيجه لافعال الماضى...وفى البدايه تكون العماره فخمه ورائعه وجميله وليست هى فقط التى تتمتع بذلك ولكن العمارات القريبه منها ايضا.. كان الجمال هو العمله المتداوله فى ذلك الوقت.ولكن يتبدل الزمن وتختفى عمله الجمال ليحل محلها الفائده والمصلحه والبراجماتيه فى التفكير والفعل...فبدلا من السطوح المزين بالزهور والروائح العطره يسكن الخدامين والمتسلقين ويحملون معهم بيئتهم وروائحهم الى هذا المكان ليحولنه بتكدسهم الى جحيم من اللحم البشرى....

اما سكان العماره وهم ابطال الفيلم ولا تعنى البطوله هنا اكثر من كيف يواجه الانسان حقيقته ويتصالح مع ذاته حتى يكون هناك امل...

عندنا زكى الدسوقى هذا الباشا الرايق الذى يعتقد انه مازال يعيش فى ايام العز بتاعت زمان...ناسيا ومتناسيا ما يحدث حقيقه حوله...وتبد أ النصائب تحل عليه من العاهره التى تسرقه لاخته التى تطرده بره البيت.. لخيانه خادمه له.. نهايه بالامر بحبسه فى تلفيق قضيه دعاره له....كل هذا بسبب انه لا يحب المشاكل ولكن لانه ايضا لا يريد مواجهتها

وعندنا ايضا الصحفى الشاذ حاتم رشيد الذى لا يعترف امام الناس بشذوذه وبالرغم من ذلك كل الناس تعرف سواء من يعملون معه فى الجريده الفخمه او من يسكنون فوق السطوح...وعندما يواجه نفسه ويدرك حقيقته يموت على يد بلطجى...ولكنه يموت وعلى وجهه ابتسامه

وعندنا الحاج عزام مثال التناقض الحى والممثل لطبقه النفو ريتش الجديده التى تجمع بين الدنيا والدين فى اناء من المصلحه والتواطوء...فها هو يشرب المخدرات ولكنه لا يشرب الخمر وها هو يتجوز شرعيا ولكن سرا وها هو يمارس الجنس الحلال ولكن عندما تحمل زوجته يسقطها بالاجبار..وفى النهايه يتم التصالح القهرى بين المال والسلطه على حساب كل شىء

وعندنا كمال الفولى الحكومه او السلطه او الرجل الكبير...الوحيد فى الفيلم الذى لا يحمل تناقضات ولا انكسارات لانه الوحيد الغير قابل للهزيمه والوحيد العالم بكل شىء ...وايضا الوحيد الذى لن يجد من يحبه...فهو دائما محاط بحراس الامن حتى ساعه تناول الطعام

والان عندنا الشابين الوحيدين فى الفيلم طه ووبثينه وهما المستقبل لانفسهم وللوطن...

اما هند فهى تحت خط الفقر وفوق خط الجمال وبالتالى تاتى الرغبه من الاخرين لاستغلال هذا الجمال فى مجتمع مقهور جنسيا بحكم الدين والعادات والقوانين ايضا...ولن تجد سوى صاحب محل يتمحك بها ليقضى رغبته فى صوره احط من الحيوانيه...ولن تجد سوى جار يريد استغلالها للنصب على ذكى بيه...وفوق ذلك حبيب رحل عنها فى الزمان والمكان الى دنيا اخرى لاتحبها...

اما طه فهو مثال لمعظم الشباب المصريين الباحثون عن وظيفه والمحاربون من اجل الاستمرار فى الحياه...ولكن طه بقلبه التقى وحبه الفطرى لله يقع فى حبال الجماعات المتطرفه التى تحميه وتأويه وفوق ذلك تزوجه ايضا...اما الحكومه فماذا فعلت هتكت عرضه على المستوبيين المجازى والواقعى..وتكون النهايه انتقامه من تلك الدوله والذى  يتناسب فى نفس الوقت مع ما تريده الجماعات المتطرفه...وفى مشهد موته تجد الجميع فى قاعه العرض متعاطفين معه...

وبالرغم من كميه البؤس والشقاء والشخصيات السلبيه الضعيفه المنهاره...الا ان الفيلم لا يتركنا فى حاله من الياس والاحباط اسرى لفلسفه "مافيش فايده"..ولكنه يتركنا مع الشخصيتين الذين واجها واقعهما المرير ...زكى بيه عندما رفض ان تهان حبيبته بثينه على يد البوليس وضرب اخته بالصرمه من اجل حبيبته,,

وبثينه رغم فقرها ورغم ضعهفهاواحتياجها للفلوس فهى ترفض ان تستغل سكر زكى بيه وتمضيه على عقد بيع الشقه دون ان يدرى...ويتزوجون الاثنين ويرحلون الى الهدوء والراحه مع بذوغ فجر يوم جديد...

اما العناصر السينمائيه فى الفيلم... فيتصدرها عادل امام...بالاداء البسيط وما خلف تعبيرات الوجه من احباطات وطيبه قلب...و خالد الصاوى وخالد صالح...فى دوورين جديدن عليهما وعلى الشاشه السنمائيه ايضا فى ظل مت نشاهده الان..وكانت المفاجأه محمد امام وهند صبرى ...والواحد اتحصر لما طلع من السينما وفكر يا ترى فى ممتله مصريه فى سنها  كانت ممكن تلعب دورها..اما نور الشريف فيبدو ان كثره المسلسلات قد قتلت الابداع والتجديد داخله....

ولا يجب ان ننسى روعه التصوير(سامح سليم) والديكور (فوزى العوامرى) سواء الداخلى فى البارات او الشقق او حتى داخل الزنزانه...والخارجى السطوح وشوارع القاهره وحتى الواحه...وايضا اكثر العوامل جذبا فى الفيلم وتنوعا هى موسيقى خالد حماد المكونه من المقطوعات الفرنسيه الى الشعبيه الى مزيكا هادئه الى صاخبه ومشهد موت طه والمزيكا المصاحبه له هو درس لكل من يريد التعلم...وناهد يسرى فى الازياء هى كاعادتها فوق القمه..

اما طبعا لولا روايه د.علاء الاسوانى والنص السينمائي لوحيد حامد والاخراج الهاديء لمروان حامد ما تححققت اسطوره سينمائيه اخرى تضاهى فى روعتها  "بدايه ونهايه"  و" القاهره 30" للعبقرى صلاح ابو سيف وللكاتب تجيب محفزظ...

وسئلت نفسى بعدما شاهدت الفيلم ...وبعد كم البؤس والشقاء كيف لفيلم كهذا ان يحصد كل تلك الفلوس 20 مليون حتى الاسبوع السادس من عرضه...وقد اعتادنا على نجاح الفيلم الكوميدى الساذج فى الفتره الاخيره هل النجاح سببه.

 هذا الحشد من الممثلين والنجوم فى فيلم واحد..هل هو التكلفه العاليه للفيلم. هل الضجه التى اثارتها الروايه والتى احاطت الفيلم طوال فتره انتاجه...هل هى ضربه حظ...

اعتقد انه عمق تفكير وشجاعه من منتج اسمه عماد الدين اديب ممكن حقا ان يغير وجه السينما المصريه الان

موقع "إيلاف" في

31.08.2006

 
 

عمارة يعقوبيان... مصر المهترئة تحتضر

محمود الغيطاني

هل من الممكن أن يتوقف دور السيناريست- حينما يحاول النقل من أصل روائي أدبي- عند حدود النقل فقط دو الإضافة أو الحذف؟ و هل حينما يتم النقل بهذا الشكل الأمين نستطيع القول أن السيناريست قد قام بدور يحمد عليه و لا بد أن نتوجه له بالتحية؟ و هل السيناريست له دور-ايجابي أو سلبي- حينما يقوم بالنقل من الأصل الروائي أم لا؟

علّ هذه الأسئلة الجوهرية-و غيرها الكثير- كانت هي محور تساؤلاتنا أثناء مشاهدتنا فيلم "عمارة يعقوبيان" للمخرج "مروان حامد"؛ و من ثم لم نستطع الخلاص منها على الإطلاق، و بالتالي كانت تتوالد منها الكثير من الأسئلة الأخرى المؤرقة و التي أفسدت علينا متعة مشاهدتنا للفيلم.

بل إن هذه الأسئلة تستدعي بالضرورة تساؤلا آخر أكثر أهمية و هو، هل كتابة السيناريو تشكل بالأساس عملية إبداعية في المقام الأول أم لا؟ أو بمعنى آخر، هل يضيف السيناريست من خلال ما يكتبه من روحه و خبرته و تقنياته التي تتناسب مع السياق الفيلمي و الصورة المرئية- المختلفة تماما مع السياق الروائي- إلى روح الأصل الروائي أم لا؟

كان لا بد من هذه التساؤلات الكثيرة التي فرضت نفسها علينا فرضا حينما شاهدنا فيلم "عمارة يعقوبيان" نظرا لأنه مأخوذ في الأساس من أصل أدبي قرأناه جميعا و ما زال ماثلا في أذهاننا، و بالتالي كانت حالة المقارنة و استعادة الذاكرة في أوجها بين ما نراه أمام أعيننا و ما قرأناه من قبل.

وبالرغم من معرفتنا المسبقة أن هذه الحالة- المقارنة- ليست عادلة؛ نظرا لأن ما يتم عرضه سينمائيا منفصل بالضرورة عما يتم تقديمه مكتوبا، إلا أن السؤال الوجيه الذي ظل يطرح نفسه علينا و من ثم لم نستطع الخلاص منه حتى بعد نزول تيترات النهاية هو، ما الذي قدمه لنا السيناريست "وحيد حامد" من خلال هذا الفيلم؟ أو بمعنى آخر، ما هو دور "وحيد حامد" كسيناريست محترف له الكثير من الباع و الخبرة و الحرفية في مجال السيناريو- يستطيع استخدام تقنياته الخاصة و روحه و لمسته السحرية- في تحويل رواية "علاء الأسواني" إلى فيلم سينمائي؟

علّ النظرة المتأنية لتاريخ "وحيد حامد" الطويل،- و الذي قدم من خلاله الكثير من الأفلام التي سيذكرها التاريخ السينمائي- ما يشهد له بأنه من أكثر كتّاب السيناريو في مصر حرفية و قدرة على الإمساك و من ثم تطويع الحكاية التي يصوغها من خلال السيناريو، بل من أمانة القول أنه من أهم كتّاب السيناريو الذين يشعرون- من خلال ترمومتر خاص- بدرجة غليان المجتمع و من ثم يبدأ في تنبيهنا إلى ما يدور حولنا من صخب غير مرئي للوهلة الأولى- و لكن إحساسه و عينه اللاقطة تنتبه إليه- و ليس أدل على ذلك من أفلامه الهامة التي نذكر منها على سبيل المثال- لا الحصر- "التخشيبة" للراحل "عاطف الطيب" 1984 ، "البرئ" أيضا "لعاطف الطيب"   1986 ، "الإرهاب و الكباب" للبديع "شريف عرفة" 1992 ، و غيرها من الأفلام الهامة؛ و لذلك فإننا إذا ما نظرنا نظرة أخرى متمهلة لما رأيناه في فيلم "عمارة يعقوبيان" سيصيبنا الكثير من الإحباط و الدهشة نظرا لأن "وحيد حامد" لم يكن له أي دور يذكر على الإطلاق سوى نقل النص الروائي من سرد مكتوب إلى سرد مرئي دون الإضافة أو الحذف، بمعنى أنه لم يضف إلينا الجديد في "عمارة يعقوبيان" بقدر ما التزم بأمانة- ليست مطلوبة- في نقل تفاصيل الرواية، بل و الأفدح أنه التزم بالبناء السردي الذي قام به "علاء الأسواني" و نقله كما هو إلى الشاشة.

رأينا جميعا أن "علاء الأسواني" التزم في روايته بتقنية القطع المتوازي Cross Cutting ؛ حيث كان يروي قصة كل فرد على حدة ثم ينتقل إلى قصة شخص آخر قبل إكمال الأولى، ثم ثالث و هكذا كي يعود مرة أخرى من حيث انتهى إلى قصة سابقة كي يكملها، و هذا ما رأيناه تماما عند "وحيد حامد" حتى أني تخيلته- وحيد حامد- قد وجد أمامه الكثير من الأحداث و الشخصيات و القصص فلم يستطع أن يفعل حيالها إلا أن يكتب قصة كل واحد على حدة حتى إذا ما انتهى منها جعلها جميعا تسير في مسارات متوازية/منفصلة- لا رابط بينها على الإطلاق سوى وجود عمارة لم تضفي أي دور أو ايجابيات على الأحداث سوى تجاور أصحاب هذه القصص في هذا البناء- نقول أنه فعل ذلك طوال الفيلم إلى أن قام في النهاية بمحاولة جعل هذه الخطوط المتوازية تتقاطع كي يستطيع إنهاء الفيلم.

ولذلك سنتساءل تساؤل أخير قبل الدخول إلى أحداث الفيلم و هو، هل السيناريست الذي لا يلتزم بأمانة النقل من النص الروائي يكون خائنا لهذا النص الأدبي؟

من البديهي أن عدم التزام السيناريست بأمانة النقل من النص الروائي لا تجعله خائنا، لاسيما أن السرد الروائي يتخلق من عالم خاص به له قوانينه المختلفة تماما عن السرد السينمائي و قانونه الخاص؛ و لذلك نحن إذا ما تأملنا الكثير من الأعمال السينمائية المأخوذة من نصوص أدبية و التي منها على سبيل المثال أعمال "نجيب محفوظ" سنلاحظ أن الخيانة للنص الأدبي- لصالح السينما- في تفاصيله الدقيقة كانت هي السائدة، حتى أننا إذا ما قرأنا الأصل ثم شاهدنا الفيلم سنجد بونا شاسعا بين ما قرأناه و ما نراه، ووجه الاتفاق الوحيد بينهما هو الخطوط الرئيسية/العريضة في النصين.

على أي حال هناك ملاحظة أخرى نسوقها عرضا لأنها مرت سريعة عند بداية الفيلم، إلا أنها علقت بأذهاننا مشكّلة علامة استفهام كبيرة في حاجة إلى من يجيب عليها، فبعد نزول تيترات الفيلم و بداية استعراض الشكل المعماري لعمارة يعقوبيان مصحوبا بشريط الصوت الذي يحكي لنا تاريخ العمارة منذ بناءها مرورا بالملكية، و ثورة يوليو، و حرب1956 ، وصولا إلى الانفتاح و الوقت الراهن، نلاحظ أثناء تجول كاميرا "سامح سليم" على جدران "عمارة يعقوبيان" و نقل نقوشها و رسومها المختلفة أنه قد علق بأذهاننا كون الكاميرا توقفت هنيهة في لقطة زووم Zoom على نجمة داوود المنقوشة على العمارة ثم سرعان ما انتقلت مع الشريط الصوتي إلى التأكيد على أن العمارة كان يقطنها جميع طوائف المجتمع- بمعنى أنها كانت تمثل المجتمع المصري بكل طوائفه- بما فيهم اليهود، و هنا تساءلنا ما الذي يرمي إليه صنّاع الفيلم من ذلك؟ هل يرغبون القول بأن مصر في تلك الفترة كانت من التسامح العقائدي بشكل لم نعد نراه الآن؟ أم أن ثورة يوليو حينما جاءت قامت بالقضاء على التواجد اليهودي و من ثم هذا التسامح في مصر؟

علّ هذا السؤال سيبقى معلقا و بحاجة إلى إجابة عنه لاسيما و أن هذا الاستعراض انتهى بالقول (مش بس العمارة اللي اتغيرت، البلد كلها اتغيرت).

كان لا بد من هذه المقدمة الطويلة نسبيا قبل الدخول في أحداث الفيلم نظرا لأنها تشكل علامات استفهام هامة تدخلنا إلى العالم الفيلمي "لعمارة يعقوبيان".

يقدم لنا الفيلم الكثير من الشخصيات المهترئة اجتماعيا و نفسيا و التي تمثل لنا مجتمعا كاملا في حالة تفسخ- مع الاهتمام من قريب أو بعيد بأسباب هذه التفسخات- حتى أني طرحت سؤالا على نفسي أثناء مشاهدتي الفيلم (ما الذي يحدث في بر مصر؟) هل بات المجتمع المصري بكل هذا التهرؤ الذي صار إليه؟ هل صرنا جميعا عبارة عن مجموعة من الجزر المنعزلة التي تضمر لبعضها سوء النية و التربص و الكراهية إلى هذا الحد؟ هل دفعتنا الحاجة و القهر و العوز إلى كل هذا الانهيار؟ بل إن السؤال الأكثر إلحاحا هو، هل صارت مصر محتضرة إلى هذا الحد؟

في مشهد شديد التعبيرية و إثارة للدهشة و التأمل نرى "بثينة"( هند صبري) تخبر والدتها أنها قد تركت عملها و في سبيلها للبحث عن عمل آخر، فتلومها أمها على ذلك، إلا أن (هند صبري) تخبرها أن صاحب العمل كان طويل اليد، لترد الأم بتغابي متعمد( هو فيه حد بيسرق نفسه؟) فتقول لها (يا أمه كان بيحسس، مش عارفة يعني إيه تحسيس؟) إلا أن عوز الأم و فقرها الشديد يجعلها تزين في عين ابنتها السقوط؛ فعلى الرغم من أنها تخبرها بأن( الراجل المفتري فتح سوستة بنطلونه) إلا أنها ترد( كل واحد حر في هدومه، المهم هدومك انتي!) و هنا كان لا بد للفتاة من السقوط، سواء كان هذا السقوط على المستوى النفسي بتكوين شخصية مهزومة أو كان على المستوى المادي بتحولها إلى مومس حينما تقبل العمل في أحد محلات بيع الملابس بالرغم من تردد شائعات حول صاحبه بأنه يتحرش جنسيا بمن يعملن عنده، فنراها حينما ترى زميلتها في العمل تدخل من باب المحل خلفه تسألها( انتي كنتي فين و بتعملي إيه؟) ترد عليها ببساطة( أهو بيقعد يتلمس و يتحك لحد ما يترعش و هو عامل كدا زي دكر البط، و أهو كله من فوق الهدوم).

ولذلك نرى مشهدا من أبرع المشاهد التي قدمها لنا المخرج "مروان حامد" داخل الفيلم؛ ساعده في ذلك الأداء البارع و الصادق للفنانة( هند صبري)- التي تثبت لنا فيلما بعد آخر قدرتها التمثيلية المتميزة و مدى قدرتها على التشبع و من ثم فهم سيكولوجية الشخصية التي تقوم بتقديمها- حينما تدخل مع صاحب العمل المخزن لأول مرة فنراها في حالة انتظار مرعبة بينما تشكلت جميع قسمات وجهها المتقلصة بأقصى درجات الرعب و الهلع، ساعدها في ذلك اتساع حدقتيها و كأنها في انتظار كارثة ستودي بها، حتى لكأننا ظنناها في أحد أفلام الرعب الأمريكية و ليست في انتظار علاقة جنسية عابرة، ثم يعلو مستوى المشهد كثيرا حينما يأمرها الرجل لاهثا( خليكي انتي لحد هدومك ما تنشف) فنراها تبكي في مشهد شديد الصدق و التأثير بينما تغسل ثيابها من المني العالق بها، و بذلك تثبت لنا(هند صبري) قدرتها على الاستمرار في توهجها الفني و أداء الكثير من الأدوار التي تقدم لها.

ولعل هذا السقوط و الفاقة الشديدة للمال متضافرا مع ما تراه من هوان دائم نتيجة طبقتها الاجتماعية كان مبررا وجيها لها كي تفقد الوطنية و عدم الانتماء لهذا الوطن الذي تهان فيه آدميتها، و أن هذا الوطن قد بات كريها لا يحتمل، فنراها حينما يسألها "زكي الدسوقي" (عادل إمام) (انتي بتكرهي بلدك؟) ترد عليه بقسوة لاذعة و إقناع شديد( هو أنا شفت منها حاجة حلوة عشان أحبها؟)، بل و يتحول ردها إلى صفعة حينما يقول( اللي مالوش خير في بلده مالوش خير في حاجة تانية) فترد بصدق حقيقي نستشعره جميعا نتيجة ما يدور حولنا من هوان( يا باشا مصر بقت قاسية قوي على أهلها).

ولعل هذا الفقر و العوز الشديد هو ما دفع "طه الشاذلي"( محمد إمام) إلى التحول من طالب متفوق في دراسته يرغب الالتحاق بكلية الشرطة إلى أحد النشطين في إحدى الجماعات الدينية؛ نظرا لأنه حينما تم رفض طلبه في الالتحاق بكلية الشرطة- لأن والده بواب" حارس عقار" و من ثم فهو غير أهل لهذه الكلية الطبقية التي ترفض أبناء البوابين الشرفاء في حين تقبل أبناء تجار المخدرات- يتحول للالتحاق بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية التي يؤهله لها مجموعه و مكتب التنسيق، و هناك يرى الكثير من المستويات الأرستقراطية المرفهة ببذخ وقح و من ثم يبدأ في فرض نوع من العزلة على ذاته خشية أن يسأله أحدهم عن عمل والده، و هنا نلاحظ أن أبناء الفقراء داخل الجامعة يحرصون على تكوين جيتو خاص بهم يعزلهم عن غيرهم، و بالتالي لا يكون أمامهم من سبيل آخر للتحقق الواهم سوى اللجوء إلى التدين الظاهري الذي لا معنى له في حقيقة الأمر سوى أنه نوع خاص من الانسحاب الاجتماعي و من ثم الهروب و التغيب داخل دهاليز الدين المعتمة كبديل للمجتمع الذي يلفظهم نتيجة طبقتهم الاجتماعية المتدنية، و نتيجة لذلك يتم استقطابه من قبل إحدى الجماعات الإرهابية التي لا ترى في الدولة سوى الكفر نظرا لأنها تتكسب من صالات القمار و البارات ثم تعيد ضخ هذه الأموال مرة أخرى في صورة مرتبات للموظفين.

وهنا يتم تحقيق نوع ما من التحقق" لطه الشاذلي"(محمد إمام) من خلال زعامة دينية واهية، إلا أنه يتم اعتقاله في إحدى المظاهرات التي قامت داخل الحرم الجامعي و من ثم يتم تعذيبه و إهانته بل و الاعتداء عليه جنسيا داخل المعتقل مما يؤدي به إلى إضمار الكراهية الشديدة للحكم، بل و رغبة شديدة في الانتقام ممن فعلوا به ذلك، و لعل هذه الأحداث تسوق لنا بذكاء بعض المبررات التي تجعل الكثيرين من الأفراد راغبين في الانتقام من المجتمع المختل النظام- نظرا لانقلاب الهرم الاجتماعي- و السلطة نتيجة لهذا القهر الذي يتعرضون له.

إلا أننا لا بد أن نشيد بالدور الذي أداه الفنان(محمد إمام) و الذي لا يمكن لنا أن نتصور فنانا آخر من الممكن أن يؤديه بنفس البراعة التي أظهرها لنا؛ حيث كان قادرا بعبقرية في إخراج و من ثم إظهار المساحات السيكولوجية و من ثم إقناعنا بمدى القهر والظلم الذي يتعرض له، و نأمل أن يظل على مثل هذا المستوى.

ولكن لأن مسلسل الفقر و الإفقار الذي تتعرض له مصر لا ينتهي، و لكنه يتحول إلى أشكال أخرى من الفساد بتحولات المجتمع و سياسات الحكومة نرى الحاج "عزام"(نور الشريف) يصعد طبقيا بشكل سريع و غير معروف من مجرد ماسح أحذية في شارع سليمان باشا إلى أكثر أهل البلد غنى، بل و يمتلك نصف عدد محلات شارع سليمان باشا نتيجة سياسات الانفتاح و السرقات و الفساد التي مازالت تحدث في بر مصر، و لذلك نراه يؤمن بأن كل شئ قابل للبيع و الشراء، فنراه حينما يرى "سعاد"(سمية الخشاب) يشتهيها جنسيا و من ثم يستغل عوزها الشديد بالزواج منها من أجل المتعة فقط، و حينما تصير حاملا منه يرغمها على الإجهاض نظرا لأنها لا تمثل له سوى وعاء للمتعة فقط، إلا أننا لاحظنا أن الفنان (نور الشريف) كان في أسوأ حالاته الفنية، بل انه مازال حبيسا داخل نطاق الأدوار التليفزيونية التي قدمها في الآونة الأخيرة مثل "الحاج متولي" ، و "العطار و بناته السبعة" و ما إلى ذلك من تلك الأدوار الضعيفة فنيا و التي أنقصت كثيرا من رصيده الفني لدى الجمهور، بل و أنقصت أيضا من رصيده السينمائي، إلا أن كل ما نرجوه من الفنان(نور الشريف) هو مجرد وقفة متمهلة مع ذاته و العمل على مراجعة أوراقه مرة أخرى و من ثم التدقيق في الأعمال التي يقدمها و السيناريوهات التي يتم تقديمها له، فإذا ما راجع هو تجربته في الآونة الأخيرة فلن يكون في حاجة إلى مثل حديثنا هذا.

إلا أن مسلسل الفقر و التهرؤ المستمر كان هو أيضا السبب الأساس في انصياع المجند "عبد ربه"(باسم سمرة) لرغبات رئيس تحرير جريدة "الأهرام ابدو" "حاتم"(خالد الصاوي) الشاذة جنسيا، و من ثم رضوخه لذلك في مقابل توفير "حاتم" له غرفة فوق سطح العمارة و عملا مضمونا، و على الرغم من الضمير النابع عن فطرة سليمة و شئ من التدين لدى "عبد ربه"(باسم سمرة)- الذي يجعله دائم الرفض و التفكير في هذه العلاقة المثلية- إلا أن "حاتم"(خالد الصاوي) يحاول دائما إقناعه بأن علاقتهما شرعية و عادية جدا و من ثم يبرر له ذلك- مستغلا جهله- قائلا( فيها إيه لما اتنين يحبوا بعض؟ تعرف إيه هو الحرام فعلا؟ الزنا هو الحرام بلا جدال لأنه يؤدي لاختلاط الأنساب نتيجة الحمل، إنما الرجالة ما بتحبلش يا عبده) و كأنه بذلك يسوغ باقتناع لعلاقتهما المثلية القائمة بينهما، إلا أننا نرى "عبد ربه"(باسم سمرة) غير مقتنع بذلك و لذا نراه في مشهد آخر برع فيه كثيرا المخرج (مروان حامد) و الفنان (باسم سمرة) يجلس في غرفة مكتب "حاتم"(خالد الصاوي)- ليلا- بينما يبكي بكاء مريرا ندما على ما يقترفه من فعل شاذ مع عشيقه في مشهد شديد التعبيرية و التأثير نجح "باسم سمرة" في أدائه و من ثم إقناعنا به، إلا أن أكثر مشاهد الفيلم تعبيرية و صدقا بحق كان مشهد بكاء "حاتم"(خالد الصاوي) حينما هجره عشيقه (باسم سمرة) و فر إلى بلدته؛ حيث رأينا قسمات وجهه كاملة تتشكل بملامح الفقد و الهجر الصادقة و من ثم البكاء الهستيري الشديد نتيجة فقد العشيق، بل و انعدام التوازن نتيجة لذلك الهجر، و هنا لا بد من الإشادة بالدور الجميل الذي قدمه لنا الفنان (خالد الصاوي)، و الذي كان كقنبلة مفاجئة- لم نكن ننتظرها- تنفجر في وجوهنا مدللة على قدرة (خالد الصاوي) التعبيرية و التمثيلية الذي قدم لنا دورا- على الرغم من عدم ألفتنا أو حتى قبولنا له- شديد الإنسانية و من ثم جعلنا نتورط معه بالتعاطف في مشهد بكائه.

إلا أنه بعيدا عن الفقر الشديد و العوز المادي يقدم لنا الفيلم شخصية شديدة الثراء و التأزم و من ثم الشعور الدائم بالوحدة و الاغتراب، و هي شخصية "زكي الدسوقي"(عادل إمام) أقدم سكان العمارة الذي تلقى تعليمه في فرنسا، و ربما كان السبب الرئيس في شعور الاغتراب الدائم و عدم التحقق عنده نابعا من رؤيته العميقة لما انتاب البلد من تغيرات كبيرة، و لذا نراه دائما في محاولة لتعويض أزمته إما بالهروب إلى التغيب في احتساء الخمور ليل نهار أو بالجري حثيثا خلف الفتيات الصغيرات- حتى و لو كانت نادلة البار- لممارسة الجنس كنوع آخر من التغيب و من ثم التحقق في ذات الوقت، لاسيما و أن شقيقته الوحيدة "دولت"(إسعاد يونس) غير مهتمة به على الإطلاق، بل تسعى للحصول على الشقة التي ورثاها عن والديهما و من ثم طرده منها، و لذا نراها دائما في حالة شجار معه و من ثم اتهامه بالعهر نتيجة (جريه الدائم وراء النسوان)، و بالرغم من محاولة حبيبته السابقة الفرنسية الأصل"كريستين"(يسرا) الإصلاح الدائم بينهما إلا أن ذلك لا يتم نتيجة حقد و طمع شقيقته فيه.

إلا أن الحسنة الحقيقية التي لاحظناها في فيلم "عمارة يعقوبيان" أنه قد أعاد لنا الفنان (عادل إمام) في حالة أوج فني و حيوية- افتقدناها كثيرا منذ فترة ليست بالقصيرة- و قدرة تمثيلية تليق بنجم في حجم (عادل إمام) له تاريخ فني طويل و مشرف، و لقد لاحظنا في الآونة الأخيرة خفوت المقدرة و الحيوية التمثيلية لدى الفنان (عادل إمام) من خلال ما يقدمه لنا من أفلام متهافتة يستهلك فيها نجوميته لمجرد إثبات تواجده الدائم في مواسم العرض السينمائي، و بالتالي كانت تلك سقطة حزننا عليها كثيرا، إلا أنه من خلال "عمارة يعقوبيان" يتحدانا و يعطينا درسا هاما مفاده أنه سيظل نجما قديرا؛ فلقد كان أداؤه شديد التوهج يدل على موهبة عبقرية تستطيع أداء أصعب الأدوار شريطة أن يكون الدور الذي يتم تقديمه له ثريا بالقدر الذي يستطيع تفجير تلك الموهبة الخلاقة و من ثم يستفز (عادل إمام) ذاته، و هو بهذا يبدو و كأنه يقول لنا أنه يستطيع أن يكون في أفضل حالاته التمثيلية تقمصا و أداء إذا ما وجد الدور المناسب، أما حينما يتم تفصيل الدور على مقاسه فقط دون النظر لأية اعتبارات أخرى فنحن لن نرى فنانا عظيما بقدر ما سنرى مؤديا لا يشعر بما يفعله، بل سيفتعل بلا روح و بالتالي لن يقدم لنا سينما حقيقية، و لعل أفلامه السابقة مع المخرج "شريف عرفة" تدل على صدق حديثنا حيث كان في أفضل حالاته.

ومن خلال هذه الحكايات التي تسير في شكل متواز طوال الفيلم قدم لنا السيناريست "وحيد حامد" و المخرج "مروان حامد" فيلمهما "عمارة يعقوبيان" الذي كان بالرغم من ثرائه و تقديمه الصورة الحية و الصادقة للمجتمع المصري، إلا أننا لاحظنا أن إيقاع الفيلم كان (ساقطا) و تلك كانت أهم سوءات الفيلم نظرا لرتابة الإيقاع؛ و من ثم رغبنا في النصف الثاني من الفيلم برغبة جامحة في انتهائه بالرغم من عدم اكتمال أحداثه بعد، و مشكلة الإيقاع تلك هي مشكلة مونتاج في الأساس و بالتالي تعود إلى المونتير "خالد مرعي" و معه المخرج "مروان حامد"- بما أن المخرج هو المسئول الأول و الأخير عن الفيلم السينمائي- فأحداث الفيلم لم تكن متلاحقة أو لاهثة بالشكل الذي يجعلنا نتمسك بمقاعدنا حتى النهاية و بالتالي ساد الفيلم بعض الترهل و الإملال.

كذلك لاحظنا أن الفيلم كان من الأجدى له الانتهاء عند المشهد الجميل والمؤثر جدا لاغتيال "طه الشاذلي"(محمد إمام) لضابط الشرطة الذي سبق و أمر بالاعتداء عليه جنسيا، و لقد برع كثيرا "مروان حامد" في هذا المشهد الذي استخدم فيه تقنية القطع المتوازي Cross Cutting حيث كان يبادل بين مشاهد التعذيب السابقة التي تعرض لها "طه" و بين عيني "طه" في اللحظة الآنية أثناء مراقبته للضابط الماثل أمامه و الذي هو على وشك اغتياله في لقطات زووم Zoom ، ثم الانتقال إلى الولاعة التي في يد الضابط، نقول أن هذا المشهد كان من أجمل المشاهد التي من الممكن إنهاء الفيلم بها حيث قام "طه" باغتيال الضابط و من ثم قام حرسه الخاص باغتيال "طه" ليرتمي الاثنان متجاورين غارقين في دمائهما، إلا أن صنّاع الفيلم أصروا على الاستمرار في أحداثه بالمط و الإطالة التي لا طائل من ورائها، و بالتالي لم يستطيعوا تقديم أية إضافة تذكر لإثراء أحداث السيناريو سوى زواج "زكي الدسوقي"(عادل إمام) من "بثينة"(هند صبري) و هذا لم يخدم السيناريو في شئ.

إلا أننا قد نلتمس لهم العذر في عدم إنهاء الفيلم عند هذا المشهد لأنه يذكرنا مباشرة بفيلم "البرئ" للراحل "عاطف الطيب"1986 و المجزرة الرقابية التي تعرض لها حينما قام "أحمد سبع الليل"(أحمد زكي) بإفراغ طلقات رشاشه في مرؤوسيه من الضباط كي ينتهي الفيلم عند ذلك؛ و بالتالي رفضته الرقابة و لم توافق على عرض الفيلم إلا بعد حذف هذا المشهد نظرا لأنه يحمل في طياته رسالة ثورية على السلطة و ما تمارسه من قمع و إرهاب و فساد على المواطنين، و ربما لو كان فيلم "عمارة يعقوبيان" انتهى بمثل هذه النهاية لكان قد تعرض لذات الأمر لأن المشهد يحمل في طياته ذات الرسالة الثورية الانتقامية من السلطة.

إلا أن ملاحظتنا الأخيرة أن السيناريست "وحيد حامد" بالرغم من حرصه طوال الفيلم على تقديم مجموعة من الخطوط التي تسير بشكل متوازي، و بالرغم من حرصه في نهاية الأمر على جعل هذه الخطوط/الحكايات تتقاطع؛ بل ووضع نهاية لكل منها، إلا أنه حرص أيضا على ترك إحداها- بذكاء فني- مفتوحة و لم يغلقها بشكل عمدي، ألا و هي حكاية "الحاج عزام"(نور الشريف) مع السلطة الممثلة في "كمال الفولي"(خالد صالح) في إسقاط مباشر منه إلى أن الفساد السياسي في مصر و الذي تفشى في الآونة الأخيرة بشكل منقطع النظير سيظل كما هو و لن ينتهي و كأنه القدر المسلط على رقابنا إلى الأبد.

أخيرا نتوجه بتحية خاصة للموسيقى الجميلة التي أبدعها "خالد حماد" و التي كانت بالرغم من صخبها الشديد أكثر تناسبا و إيحاءا مع أحداث الفيلم، حيث كانت توحي لنا دائما بكارثة على وشك الحدوث.

يقول الفنان (عادل إمام) أو "زكي الدسوقي" في نهاية الفيلم موجها حديثه "لبثينة"(هند صبري) (لازم ننسى الإهانات اللي إحنا شفناها و إلا هنطق من الحسرة) و لكن هل من الممكن بالفعل أن يتناسى المصريون كل ما تعرضوا له- وما زالوا- من إهانات؟ أم أنهم بالفعل سينفجرون؟ 

موقع "إيلاف" في

23.08.2006

 
 

عمارة يعقوبيان بين الفيلم والرواية وحياة الواقع...(1)

حوار حول اللواط والسياسة في عمارة يعقوبيان

حكمت الحاج

حوار مع الروائي التونسي واستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية الدكتور نورالدين العلوي

محاورات تبادلية يجريها حكمت الحاج: هذه مجموعة محاورات تعتمد صيغة تفاعل الاراء والافكار وتبادلها أكثر من اعتمادها الصيفة التقليدية من سؤال وجواب، موضوعها الرواية- الفيلم- الحدث الأشهر خلال مجريات العام 2006 الحالي، وأطرافها ثلة من الأدباء والفنانين والنقاد العرب، بغية تحليل وفحص ملامح تلك الظاهرة التي فرضت نفسها على مختلف التعبيرات الثقافية والسياسية والاجتماعية في عالمنا العربي، والتي كان اسمها وما زال، ظاهرة عمارة يعقوبيان. فلماذا اشتهرت عمارة يعقوبيان وهي لما تزال كتابا، وحاز مؤلفها علاء الاسواني على كثير الثناء وعديد الجوائز؟ ولماذا اشتهر الفيلم المأخوذ منها وحقق أعلى الايرادات في تاريخ السينما العربية وتبوأ مخرجه الشاب روان وحيد حامد مكانة عالية في ظرف وجيز؟ هذه علاوة على ما حققه بطبيعة الحال أبطال وممثلو الفيلم من مال وشهرة ونجومية ساطعة زادت من رصيدهم المعنوي ربما اكثر من المادي. في الحلقة الاولى من هذه المحاورات، كان لنا كلام مع الروائي التونسي واستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية الدكتور نور الدين العلوي، تناول أوجها عديدة لعمارة يعقوبيان، الرواية والفيلم والواقع المعاش الذي أفرزهما، وذلك على أمل أن يتمم الصورة لعموم القراء، متحاورون معنا آخرون من اختصاصات اخرى، سيشغلون حلقاتنا القادمة.

تحت عنوان (عادل إمام يعود إلى تونس) كتبت احدى الزميلات في (ايلاف) بتاريخ السبت 30 سبتمبر 2006 انه وبعد النجاح الجماهيري الكبير الذي حضي به فيلم "عمارة يعقوبيان" حين عرض للمرة الأولى في إطار مهرجان قرطاج الدولي 2006، يعود الفيلم مرة أخرى إلى قاعات السينما التونسية حيث سيعرض بدءاً من الأسبوع القادم في عدة قاعات في العاصمة. يذكر أن الليلة التي عرض فيها فيلم " عمارة يعقوبيان " تزامنت مع حفل الفنانة العالمية " ماريا كيري" في الملعب الأولمبي في ضاحية المنزه يوم 24 تموز يوليو الماضي، وقد أنصرف أغلب الجمهور النخبوي كما ذكرت صاحبة التقرير إلى مشاهدة فيلم عمارة يعقوبيان، حيث غصت مدارج مسرح قرطاج الأثري بجمهور غفير أتفق معظمه على أن الفيلم جريء يتناول موضوعا عادة ما نتغاضى عن ذكره في أفلامنا العربية. ولم تقل لنا الزميلة كاتبة الخبر ان ذلك الموضوع المسكوت عنه ليس فقط في افلامنا العربية بل في حياتنا اليومية العربية أيضا، هو الشذوذ الجنسي أو المثلية الجنسية.

في بداية حديثي مع ضيفي الدكتور العلوي، أحببت أن أعود به قليلا الى الوراء وأذكره بذلك الخبر الذي نشرته صحف عربية سيارة وتناقلته منتديات الشبكة العنكبوتية، حول وقائع حفل زواج رجلين فى مصر ففى أحد الفنادق فى القاهرة الكبرى والتى تعج بحياة حافلة على مدار الأيام وبشكل أكثر خصوصاً فى ليالي الخميس، كان فندق هيلتون رمسيس يعيش لحظات فريدة واستثنائية فقد تزين الفندق وتجمل لا ليستقبل احتفالاً بمناسبة عادية أو بزفاف خاص أو ببهجة كتلك التى تحياها قاعاته كل ليلة بل كان الجو المحيط يُوحى بشئ غريب لم تعتده الأعين و لم تلمسه العقول. هكذا يصف محمود بكري نقلا عن جريدة الأسبوع بتاريخ 15 أغسطس 2005 - 10 رجب 1426 هـ وقائع تلك الليلة المميزة. فقد انتشرت الزهور والورود وأُطلق البخور واستعدت فرق الرقص و الغناء لتنشد نغمات جديدة على وقع أهازيج تتمايل رياحينها هذه المرة بشكل لم تشهده مصر منذ حباها الله بدين الإسلام والمسيحية، على حد تعبير الجريدة. وعند الثانية عشرة مساءً بالتمام و الكمال كانت إحدى قاعات فندق هيلتون رمسيس تشهد حفل زفاف هو الأول من نوعه فى البلد. وقف الجميع مشدوهين وهم يشهدون(رجلين) يترجلان من سيارة فخمة مزينة بالورود و الزينة توقفت عند باب الفندق ليهبطا منها و فى لحظات كان الرجلان يتأبطان بعضهما بعضاً و يتقدمان وسط فرقة الموسيقى التى راحت تزفهما فى مشهد غريب أثار كل الموجودين داخل الفندق و فى قاعات استقباله و في ردهاته الرئيسية. توجه (الرجلان) بخطوات وئيدة إلى حيث موقع الإحتفال بهما فى حفل الزفاف الذى تقرر فى تلك الليلة الغريبة. رجال و نساء جاءوا ليجلسوا فى مناضد متفرقة (رجلان معاً) أو سيدتان معاً فقد كان المشهد غريباً و مثيراً وراح من يشهدون ما يجرى يفتحون أعينهم غير مصدقين ما يحدث امامهم. و ما هى إلا لحظات حتى دلف العروسان (الرجلان) إلى داخل القاعة تستبقهما أصوات زاعقة فيما راحا يتبادلان ابتسامات الإعجاب و الحب فى مشهد بدا فيه كلاهما سعيداً متباهياًو كأنه يُزف إلى الدنيا كلها. راح من شهدوا هذا الموقف الغريب يتساءلون عن هذا الذى يحدث وراح آخرون يضربون كفاً بكف و راح من شاء حظهم أن يتواجدوا مصادفة فى المكان يلعنون ما يشهدونه و هم يرددون (نستغفر الله العظيم.. من كل ذنب عظيم) و حين تنامت الأسئلة و تصاعدت عن جنسية هذين اللذين أقدما على هذه الفعلة المرذولة و الغريبة على المجتمع المصري و التى تجرى على أرض قاهرة المعز، جاء الجواب على لسان بعض الحضور (إنهم كوايته) رفض المجتمع الكويتى و الدولة هناك أن يسمحا لهما بهذا الزفاف و لكن مصر رحبت وفتحت لهما الأبواب ليكونا أول زوجين - رجلين (يتزوجان بعضهما البعض على أرض مصر). ويمضي محمود بكري قائلا: كان المشهد درامياً ففى منتصف القاعة جلس العروسان الذكران (الرجلان) على كرسيين متجاورين تحيط بهما الزهور من كل اتجاه بينما راحت أصوات الموسيقى الحالمة تصدح فى أروقة القاعة لتبعث بالراحة فى الآذان. كان الزوج - أو من أُطلق عليه هذا اللفظ ممتلئ الجسد ضخم الملامح وكان شعره يتدلى على ظهره و كأنه شعر فتاة أما الآخر الذى اُطلق عليه الزوجة فكان ذا قوام نحيف رشيق بعض الشئ وإن كان شعره أقل من شعر الزوج، كان الجميع يراقب نظراتهما. وابتساماتهما ومغازلاتهما لبعضهما البعض. كانا يتهامسان ثم تكسو وجهيهما ضحكة عريضة. صوت الموسيقى يعلو والجو يزداد سخونة أغان خليجية وأخرىأجنبية يتردد صداها فى أجواء القاعة يدعو منسق الفرقة الموسيقية العروسين الرجلين للتقدم إلى منتصف الصالة وعلى انغام الموسيقات المختلفة الصاخب منها و الكلاسيكى الهادئ راح كلاهما يستعرض مفاتنه فى وصلات راقصة لم تخل من إيحاءات بعينها حتى أن الرجل العروس كان يرقص و كأنه ينافس أشهر الراقصات أما (العريس) ضخم الجثة فكان يهز جسده بالكاد و يسعى قدر جهده لتوفير طاقته لاستخدامها فى الوقت و اللحظة المناسبتين. فبعد ساعات قليلة سوف يكون على موعد مع ليلة العمر. و حين راح (العروسان الرجلان) يواصلان وصلات الرقص على مختلف الموسيقات اندفع العديد من الشباب إلى قلب القاعة يتمايلون و يرقصون و يرددون أغان شاذة وزاعقة. وهكذا استمرت الرقصات الشبابية لأكثر من نصف ساعة وسط حالة من الفرح و البهجة الغريبة و فى لقطة درامية راح العريس يحكى وقائع قصة العشق و علاء الأسواني الوله التى ربطته بمحبوبه و عروسه الرجل نظر إلى الحضور وأمسك بسماعة الحضور ليروى بإثارة و تشويق وقائع الغرام الذى ربط بين قلبه و قلب الرجل الذى أحبه منذ سنوات طوال قائلاً إنه صعد فى مواجهة كل الضغوط التى تعرض لها لكى يظفر بمحبوبه و عشقه الأول فى الحياه. و راح يحكى بألم عن بلده و أهله فى الكويت الذين ضنوا عليه بالحنان و رفضوا أن يسمحوا له بإقامة حفل زفافه من حبيبه على أرض بلاده مُبدياً تأثره الشديد بهذا الموقف غير المبرر - حسب وصفه - و لكنه يحمد الله أن مصر الكبيرة والحنونة قد فتحت له ذراعيها و قبلت أن يُقام حفل زفافه على حبيبه فوق أرضها و من هنا فقد قرر أن يأتى و يحتفل بزفافه فى مصر أرض الأهرامات و التاريخ و الحضارة. ليستمتع هو و حبيبه بشهر العسل على ضفاف النيل الخالد ليعيش لحظات السحر المصرى فوق ربوع هذا البلد الذى فتح لهما ذراعيه و احتضنهما بعد أن تجاهلهما أهلهما هناك فى الخليج. و بعد وصلة من التصفيق الحار الذى قوبل به كلام العريس (الرجل). راح العريس الرجل يحكى من جانبه قصة الذكريات السعيدة و لحظات الإرتباط الأولى التى جمعته بحبيب القلب و يروى وقائع الكبت والحرمان والقيم البالية فى بلاده التى منعته من الإرتباط بأعز إنسان لديه فى الوجود ويوجه لاتهامات لما وصفها (بالعادات الذميمة) التى تحرم الغنسان (الذكر) من أن يمارس الحب مع حبيبه(الذكر)وما هى الا لحظات حتى كانت القاعة التى ازدحمت بالحضور تعلن عن بدء فاصل جديد من الرقص إذ تسللت إلى منتصف القاعة راقصة شابة كان المجون بادياً على وجهها اتجهت صوب العروسين الرجلين و راحت تتمايل بينهما و تعبر عن محبتها لشجاعتهما و تدعو الفتيات الموجودات فى القاعة لكى يشاركنها فرحة الزفاف فاندفعن فى مساخر زاعقة يحطن بها من كل إتجاه وهن يتقافزن ذات اليمين وذات الشمال ليعربن عن سعادتهن بهذا الحدث الذى سيفتح الطريق أمامهن لكى تتزوج كل منهن من تحب من بنات جنسها.
الرجل السالب والموجب في العلاقة المثلية يدعوان بالبرغل والكوديانا، كما يخبرنا بذلك علاء الاسواني مؤلف رواية عمارة يعقوبيان، فبماذا تدعى المرأة السالبة والمرأة الموجبة في العلاقات السحاقية؟ ليتنا كنا نعرف ذلك، في انتظار أن تتحفنا كاتبة من العيار الثقيل كما الأسواني برواية من النوع الجرئ كما يعقوبيان.

* د. نور الدين، رأيتك من الذين وقفوا مسافة من يعقوبيان الكتاب ويعقوبيان الفيلم، كما موقف صانع النص الخبري المنقول أعلاه، ترى كيف نعلل هذا؟

- لا بد من العطر كي يستقيم الأمر. ومشهد الشاذ الكويتي الذي تزوج مثيله في صائفة ألفين وخمسة في بر مصر بعد ان تعذر عليه ذلك في بلده الذي يظهر انه محافظ جدا يتركني مشتتا بين اعتبار هذا الفعل من الحرية الشخصية وبين التقزز من مخالفة الطبيعةالبشرية التي جعلت الجنس يتم بين مختلفين ان الأمر عندي مثير للتقزز والقرف ويكفي ان نتذكر الرائحة التي تصاحب الجنس ففي الأمر كم من العطر لا بد منه ليستقيم الذوق أو على الأقل لكي لا يحصل القرف.

* قلت لي انك تصف عمارة يعقوبيان بالرواية القديمة الجديدة. كيف ذلك؟

- هذا يعيدني إلى رواية السيد علاء الأسواني التي قرأتها في نفس الفترة الزمنية في انتظار مشاهدة الفيلم الذي عرض بدوره في صائفة ألفين وستة وهي الرواية التي تثير ضجة الآن في البرلمان المصري كذلك وبالأساس الفيلم الذي تولد منها والذي يبدو انه يحظى بدعاية كبيرة تثير الناس مثله مثل الرواية تماما رغم أني أراها رواية تستعيد غيرها وفيها الكثير مما قرأنا عند آخرين من السوق المصرية نفسها ففيها من نجيب محفوظ ومن إحسان عبد القدوس ومن يوسف القعيد الشئ الكثير.

* هل نكتب عنها أم ننعزل عن الضجة المثارة حول عمل يبدو لك عاديا جدا مقارنة بروايات مصرية كثيرة لم تحظ بربع ما حظيت به هذه الرواية؟ هل تريد قول ذلك؟

- إنها نسخة غير مطورة من بعض الروايات السياسية التي كتبها نجيب محفوظ وهي تذكرني بروايات من قبيل القاهرة الجديدة والكرنك وفيها من أجواء محفوظ وتقنياته الشيء الكثير غير أنها تقل عنه ذكاء في التعبير عن الحرية الجنسية وهو أمر مهم بالنسبة لي كقارئ واحذر منه ككاتب.

* أرجوك أن توضح لنا كيف يكون هذه التحذير.. لا نريد أن يكون لكلامنا وقع الغموض والابهام ان سمحت؟

- أقول انه عند نجيب محفوظ نجد الإشارات والتلميحات التي تغني عن كل تصريح دون ان نفقد الخيط الرابط والمغزى المقصود بينما نجد الأسواني يوضح ويفصل ويوشك ان يصف دخول الحشفة في الفقحة على رأي أهل البصرة من أهل الدب والأدب كما وصفهم بعناية الشيخ «التيفاشي» في «نزهة الألباب» والذي حققه مثقف تقدمي جدا اسمه جلول عزونة من تونس(التي أنتجت كتاب الروض العاطر وكتاب الإيضاح في علم النكاح). وهو أمر مرذول جدا في الأدب كما اكتبه وكما اريد ان اكتبه.

* هل أنت طهراني الى هذه الحد، أقصد في الكتابة الأدبية طبعا؟

- لست طهوريا ولكني أفضل سفاد الإبل على سفاد الخنازير ربما نتيجة نشأة بدوية لم ابرأ منها ولا اريد.

* لنعد الى الاسواني وروايته ذائعة الصيت، كيف قرأتها أنت ككاتب روائي تحديدا؟

- لقد قرأت الرواية بتمعن كبير وتأملت أسلوب الكاتب واجده غير مجدد بالمرة كماان المضامين التي يدافع عنها معروفة ومكررة جدا. على سبيل المثال يطغى على الرواية جانب مهم هو معالجة كيفية تحول شخص من شاب عادي(فقير ومكافح وشريف) إلى متطرف ديني يمارس القتل المنهجي ليبين من خلاله كيف تعمل التيارات الدينية المتطرفة مستغلة أسوأ ما في الإنسان من نوازع غريزية مثل حب الانتقام قتلا، جاعلا من كل فقير إرهابيا محتملا كما لو ان الأمر قانون اجتماعي لا فكاك منه. في حين نرى ان نصف الفقراء ان لم نقل كلهم يتحولون إلى مرشدين للشرطة والبوليس السياسي(الذي لا يستغل حاجتهم للقوت المر العسير؟؟؟؟؟) ولم نقرأ أي نص يدين ذلك أو يفضحه أو على الأقل يحلله كما يفعل بتحول الفقراء إلى متطرفين دينيين بنوع من الحياد البريء جدا كما عند الأسواني.

*وربما عند المخرج الشهير يوسف شاهين في (فلم المصير) حيث رأيته مؤكدا على ان التيارات الدينية لا تعمل الا في هذا الظلام في الهامش الاجتماعي..

- هذه صحيح.. انها أطروحة قامت في أوائل الثمانيات ودعهما بعض كتاب فرنسا من المحللين السطحيين والذين رأيناهم في مسيرات مساندة لشارون (جماعة قناة فرنسا الثانية التي تقود وتوجه اغلب مثقفي المغرب العربي عادة من اليسار والليبراليين على حد سواء)

* لكن هذه الأطروحة سقطت في التسعينات، أليس كذلك؟

- نعم إذ تبين ان اغلب عناصر الحركات الدينية المتطرفة والمعتدلة تأتي من الطبقة الوسطى الباحثة عن دور سياسي واجتماعي حرمها منه الاستعمار والأنظمة التابعة بل ان مثال بن لادن الغني الذي سار إلى التطرف يفسد كل التحليلات التي يعتمدها الأسواني وأشباهه. لقد جعل الأسواني الشاب ابن البواب ينجح في دراسته(دور الدولة) ثم يتقدم لكلية الشرطة ثم يفشل لا لنقص في الكفاءة بل لتقييم عنصري متخلف (لان أباه بواب عمارة) (دور المجتمع المتخلف) ثم يواصل الشاب الدراسة (دور الدولة الايجابي دائما) حيث يتم استقطابه وتوجيهه من قبل المتطرفين الدينيين (أي المجتمع الفاسد دوما) لعملية قتل محسوبة بدقة ضد عنصر مخابرات (ليس الا الذي عذبه في السجن واعتدى على شرفه باسم تنفيذ القانون أي باسم الدولة والدول بريئة من أخطاء الأفراد). لكن الملاحظ ان العملية لا تتم ضد مدنيين وهو أمر له أهمية كبير في إدانة الفعل الإجرامي من وجهة نظر أخلاقية. لقد جعل الكاتب من الشاب المضطهد أن ينتقم لنفسه ممن قهره وهو عمل ثوري في جوهره رغم ان قاعدته ومنهجه ليس ثوريا ولا قانونيا بالطبع (مرفوض من الدولة الحامية للقانون)مما يؤدي إلى التعاطف معه(وقد ظهر لي ذلك خلال الفرجة في الفيلم كما سيأتي بيانه) وهو أمر يمكن ان يؤول على ان الكاتب داعية للإرهاب ويقاضى على التحريض ضد المؤسسة فليس أسهل من إثبات دعوته إلى مشروعية قتل الشرطة الظالمة التي تتجاوز القانون ولا يمكن في المقابل متابعته على الدعوة إلى التحريض على الشذوذ الجنسي رغم السلاسة التي يتحدث بها على العملية.غير أني لست في وارد محاكمته فانا أقف معه في الكثير اللهم في وصف متعة الاقفية التي لا اعتقدها ضرورية للكتابة.

* هل تقصد ان التعرض لموضوع اللواط أمر كان يمكن أن يكون غير ذي بال في الرواية؟

- نعم فهذا هو فحوى المسالة الثانية التي لفتت انتباهي وأنا أقرأ عمارة يعقوبيان، أعني قصة الشذوذ الجنسي في الرواية فانا أجد أنها زائدة بكل تفصيلاتها لهذه الأسباب. تتقاطع شخصيات الرواية جميعها في عمارة يعقوبيان كمكان موحد وموزع للأحداث وليس منها الا من يؤثر على البقية حتى الذين لا يعرفون بعضهم البعض تجعل منهم مدارج العمارة جيرانا يحتكون ويتوزعون ويعودون وهذا محرك الرواية لكن الشاذ لا يتقاطع مع أي منهم وكذلك عشاقه الكثر والعابرون عادة اللهم الا صديقه عبده الصعيدي(ضابط الأمن المركزي الفقير جدا الذي يبيع نفسه وقد اعتاد الشاذ ان يبحث عن عشاقه بينهم كما لو أنهم جميعهم أغضاء جنسية مستعدة أو قابلة للإيجار) الذي جاء به ليشارك السكان السكن فوق السطح وهو الذي ينتهي بقتله بعد ان تعرض لعملية ابتزاز ومساومة من قبل الشاذ. وشذوذه لا يؤثر في مصير أي شخص آخر ممن يركبون أحداث الرواية مما يسهل حذفه إذا أردنا ذلك دون ان تتأثر بقية الأبنية في الرواية ويمكن ان نصنع منه رواية أخرى غير ذات علاقة بهذه الا ان تكون حشرا بلا داع سوى الرغبة في القول ان المجتمع المصري مجتمع يعرف الشذوذ ويسكت عنه.

* طيب وما الجديد في ذلك بالنسبة لروائي يصف المشهد الاجتماعي والسياسي بالأساس هل ليدين المجتمع أم ليمجد الشذوذ أم ليتهم السياسي بأنه يرعي الشذوذ الجنسي ويسكت عليه وهي أطروحة تكفيرية بامتياز؟

- ان المجتمعات الشرقية مثل غيرها منتجة للشذوذ الجنسي عبر تاريخها وقد كان دائما عملا مستنقصا ومدانا من الأغلبية وهو لا يزال كذلك بخلفية ذوقية(ثقافية) أو دينية الأمر لا يختلف الا قليلا فقبل الدين كانت الثقافة العربية القديمة(الصحراوية ربما فسدوم كانت واحة مستقرة نسبيا وتعيش من التجارة) تدين الشذوذ الجنسي وتستقبحه والدين الإسلامي ليس مؤسسا في ذلك إنما هو تابع مثلما هو تابع في مسالة تعدد الزوجات. كان يمكن إيجاد علاقة بين الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وازدهار المتعة التي تتحول إلى الإغراب وغير المعتاد بين الناس (الغلمان والصغار السن كما في كتاب الروض العاطر و كتاب الإيضاح في علم النكاح) وهو قانون خلدوني نسبة الى ابن خلدون عن ازدهار الصنائع وتفاقم الحس وانحلال الدولة (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فدمرناها تدميرا) ان هذه مسالة دينية بالأساس وقع فيها ابن خلدون بحكم ثقافته ولكن كيف نفسر بها الآن ازدهار المثلية الجنسية في أوروبا دون انهيار الدولة (الأطروحة التكفيرية تتحدث عن انهيار المجتمع وهي أطروحة تحتاج إلى إعادة بناء مفاهيمها حول الدولة والمجتمع وهي ليست مهمتي الخاصة)ان وصف الشذوذ الجنسي بشيء من التسامح الساخر وعدم إدانته يؤدي إلى التحريض ضده أما إدانته فتشعل النار أكثر وفي كلا الحالتين إني أرى في ذلك مسالة وحيدة ويتيمة ستترتب عن كل الصيغ والمعالجات وهي دخول جمعيات حقوق الإنسان الأوروبية أولا ثم العربية لاحقا(تبعية التلميذ للأستاذ) لتجعل من مسالة الحرية الجنسية مسالة مركزية في نضالها المدني الذي ستقف ضده النخب المستعربة أو القومية والإسلامية بالضرورة(اليسار الماركسي لا يتحدث في هذا الأمر بوضوح) فتنفتح ثلمةأخرى يدخل منها هؤلاء لنقاش الثقافة العربية المتجمدة وإبرازها بمظهر المتخلفة(مرجعيتهاالدينية) وعوضا ان نتقدم في نقاش مسائل سياسية أوسع واشمل نعود لمسالةالأدبار والاقفية ونظل هناك.

* هل يقصد الكاتب إلى ذلك ربما لان تركيب قصته يمكن ان يظل سليما لو ألغينا منها قصة الشذوذ الجنسي تلك؟

- على كل حال ان رجلا مناضلا جدا على الأقل في القنوات الفضائية مثل مصطفي بكري يقع في لعبة تطهير المجتمع بالقانون(ككل ديمقراطي عريق) فيقدم طلب إحاطة برلمانية لمشاهدة الفيلم المستقى من الرواية ليدخل في لعبة مقاومة قانونية لمسالة تتعلق أساسا بالثقافة ولا يمكن حلها بالقانون وهو بالطبع ما سيجعله متهما بدوره من قبل صاحبي الرواية والفيلم بأنه يلعب لعبة السلطة التي تريد أبعاد التركيز على الجانب السياسي في الرواية والذي كان واضحا لا غبار عليه (الوقوع الدائم والمتكرر في لعبة اتهام سياسي وشتيمته لا عملية نقد أدبي لنص أدبي لا شك فيه) الدولة مستفيدة دائما من مسائل الشذوذ الجنسي(وعلى حد علمي مع الاعتراف بنقص ثقافتي القانونية فان القانون الوضعي العربي لا يدين الشذوذ الجنسي قانونيا مادام هناك قبول ورضا من الطرفين وما لم يحصل عنف).

* هل انه فعلا يسهل على الدولة قياد مواطن شاذ لأنه لا يربط بين الشجاعة والفحولة أو الذكورة؟

- لقد كانت هذه حجج معارضي دخول الشاذين في الجيش الأمريكي والتي تراجعت امام قوة حجة الديمقراطيين الذين لا يرون ان كرامة الإنسان مربوطة في شرجه مثلما يقول بذلك بعض مقاومي الشذوذ في ثقافة أخرى منها العربية.

* لكني أرى من جانب آخر ان رواية الاسواني كتاب قابل للقراءة بشدة، ان صح التعبير.

- ان الرواية في مجملها قابلة للقراءة، غير أنها مثل عمل هؤلاء الشواذ تثير مسائل جانبية تفقد جانبها السياسي أهميته فقد عبر الكاتب بشكل جميل(ولكن غير جديد)عن الترقي الاجتماعي لفئات المضاربين والمقاولين السياسيين الذي يوجهه (هو) المخيف والغامض و الذي يسمع ولا يرى بل ان شخصية كمال الفولي النافذ السياسي الذي يبيع الأماكن في البرلمان قبل الانتخابات يذكر بديناصور الحزب الوطني الحاكم كمال الشاذلي الذي صار الآن من الحرس القديم وغادر تقريبا.ولكن رغم هذا الإبداع في وصف السياسي في مصر وفضحه ان شئت يمكن القول ان العمل مكرر وممل فقد عولج الأمر مئات المرات في السينما وهو ليس جديدا بالمرة على القارئ المصري المعتاد على نقد السياسي في الشارع بالنظر إلى ما تظهره السلطة الحاكمة من برود نسبي إزاءالتناول النقدي الساخر في مصر مما لا يتوفر ربعه في عواصم أخرى عربية بالطبع.

* لماذا لا يتجه الأدباء والكتاب (السياسيون منهم) إلى نقد الولاءات للخارج والتصرف من قبل النظام (الأنظمة) في مقدرات البلد كوكيل شركة استعمارية ليس الا؟

- ان تحول جهاز الحكم إلى جهاز توجيه اقتصادي يعمل لصالح الشركات الكبرى (العالمية) هو السبب الذي تتولد منه بقية المسائل السياسية بما في ذلك بيع المناصب في البرلمان وهو موضوع مسكوت عنه لا عن جهل من الكتاب بل لأنه محرم سياسي مخيف مما لا تسكت عنه أية سلطة عربية لأنها في الحقيقة ليست سلطة فعلية بل عصا غليظة تمهد الطريق للشركة.ان الكاتب الذي يطرح مسائل سياسية معروفة ومتداولة و يجتنب المسائل الحقيقية بالنسبة لي يحوم حول الحمى ولا يشير إليه صراحة خاصة إذا ألح في خضم الكوارث المتهاطلة من كل مكان على طرح مسألة الشذوذ الجنسي.هكذا بدون مقدمات وبدون ربطها بالنسيج الاجتماعي الذي قد يكون أنتجها.(التحليل الخلدوني يبدو أكثر تماسكا فهو على الأقل اوجد له تفسيرا من قوانين المجتمع جيث الرفاه ينتج المتعة) ويزيد طبقا لثقافته الدينية ان المتعة تنتج الانحلال (نقيض القوة والشدة رديفة الفحولة والرجولة) الذي ينتج الانهيار الحضاري.

* قلت لي في سياق حديثنا عن الرواية انه ثمة مسألة أخرى استرعت انتباهك وقد تكون تناقض ما كنت تقوله وهو أمر يدل على موقف لا يرتاح إلى الزواج من الأجانب(الغربيين تحديدا).

- جعل الكاتب من الشاذ الجنسي شخصا ينحدر من زواج مختلط من مصري وفرنسية يتبين بعد أنها لم تكن سوى ساعية في مقهى اغرم بها المصري وتزوجها رغم انه كان طالبا في القانون وعاد علما عالميا فيه وقضى حياته في تفسيره حتى انفجر دماغه من كثرة العمل في الوقت الذي كانت فيه زوجته تخونه مع فرنسي آخر من أبناء جلدتها الذين يحتقرون جميعا العرب الذي تزوجوا منهم وكانت تهمل ولدها المصري حتى وقع فيه الخدم وزنوا به. هذا المثقف الارستقراطي المتغرب هو الذي أنجب في مصر الطفل الشاذ الذي سيصير بدوره نخبة يبيع الثقافة التقدمية والاشتراكية للمصريين (رئيس تحرير جريدة ناطقة بالفرنسية المنظور إليها في مصر كثقافة ارستقراطية ممتازة من أيام نابليون).

* هل في هذه التركيبة إيحاء بجذور الفكر التقدمي وإدانة له وموقف منه؟

- نعم بالضبط هو كما تقول.. فكل مثقفي الطبقة الوسطى على هذا الرأي مغتربون (خونة بشكل ما) لا ينجبون في مصر الا الشذوذ والخراب.

* هل هي دعوة للربط بين الخيانة والشذوذ؟

- إذا كان هذا موقفا مقصودا فهو موقف تكفيري عنصري غير مسبوق الا من قبل التيارات الدينية التي يظهر لها الكاتب عداء ولكنه يلعب لعبتها التكفيرية. فالربط غير العلمي بين الميل الجنسي والموقف السياسي يشبه القول ان الشرف هو ما ملكت فقط أما الآخرون فكلهم غلمان أي خونة.. أو انهم خونة لأنهم غلمان أو لا يصيرون غلمانا الا لأنهم خونة.. وهكذا فان السبب والنتيجة مختلطان.

* هل هذه ملامح تكفير الفكر الاشتراكي؟ هل يدشن الادب العربي حقبة النيل من الاشتراكية والشيوعية والعلموية، أخلاقيا، بعد أن فتح الطريق لهم سدنة الدين؟

- نعم يمكن للإنسان ان يقف موقفا مضادا من الفكر الاشتراكي ولكن لا يمكن ان يكون كل اشتراكي مأبونا أو مأفونا. لقد تذكرت التهم السياسية التي كنا نطلقها على بعضنا البعض في الجامعة.. إنها تدور كلها حول الاستنقاص من الشرف وليس يعيب الشرف(الرجال) مثل الاتهام بالمثلية الجنسية. مثلها مثل التهم التي تطلقها الجارات على بعضهن في صراع الأحياء فكل امرأة عاهرة في نظر غريمتها مما يجعل كل نساء الحي عاهرات. إني أجد ان الكاتب من هذه الزاوية قهرمانة عجوزا تجلس على دكة في حي شعبي وتتهم كل نسائه بالعهر.وهو الاتهام التاريخي القديم الذي يتوارثه الكتاب العرب منذ الجاهلية ويكفي ان نقرا أهاجي جرير والفرزدق.

* حتى الاشتراكية الناصرية لم تسلم من الغمز في قناتها في رواية علاء الاسواني هذه، وأضع هنا كلمة الاشتراكية الناصرية بين مزدوجتين؟

- نعم، لكن هناك موقف مغاير. لقد ذكر الناصرية بخير مرتين. مرة عندما سبها على لسان الشخصية الأكثر فسادا في الرواية والتي تبكي على ماضيها الارستقراطي الموروث والذي هدمه عبد الناصر، ومرة عندما قارن بين ما يجري الآن في اختيار المتقدمين لكليات الشرطة من حيف وعنصرية وقارن بينها وبين ما فعله سعد زغلول الذي فتح الكلية الحربية لأبناء الشعب الذين أنجزوا الثورة (المدح هنا لسعد زغلول ولكن أيضا لأولاد الشعب الذين استفادوا من الحق في الترقي) ولكن عندما يجعل الفتاة المصرية المسكينة التي تحاول ان تجد حلولا لازمتها المادية الخانقة تنتهي زوجة لهذا الارستقراطي الذي يتزوجها في ناد يوناني فانه يزيد من مدح الناصرية التي ألغت هذا الاحتمال. هل في هذا إيحاء بعودة مصر إلى حضن الطبقة التي تحررت منها أم إني أبالغ في تأويل فرعيات من النص؟ لو كان هذا ما عناه الكاتب فاني اعتبر موقفه ايجابيا من الناصرية التي عملت على تحرير البلد من الطبقة الارستقراطية الفاسدة ولكن العودة الى ما بين أحضان هذه الطبقة الآن هو إدانة حقيقية للنظام السياسي الفاسد الذي خرب مصر وأعادها إلى الوراء إلى ما قبل بناية عمارة يعقوبيان (التي تصير رمز معماريا لمرحلة تنشد التقدم).

* لقد تسنت لك فرصة مشاهدة الفيلم المقتبس من الرواية والذي حمل الاسم نفسه (عمارة يعقوبيان) بخلفية القراءة المسبقة للرواية في مهرجان قرطاج الدولي الصيفي هذا الفيلم الذي يتصدر فيما يقال شبابيك التذاكر في مصر وما جاورها. هل تستطيع أن تحكي لنا قليلا عن تجربتك هذه في المشاهدة؟

- من الواضح ان الدعايةالقوية التي صاحبت الفيلم قد وصلت إلى تونس وقد أفلحت في ضم جمهور كبير إلى الفيلم فقد غص ركح قرطاج بجمهور شبابي فاق السبعة آلاف في تقدير بسيط.رغم ان الساحة الثقافية ليلة عرضه كانت مشغولة بالحفل الدولي الذي أحيته الفنانة الأمريكية ماريا كاري بملعب المنزه والذي استقطب بدوره جمهورا بلا حدود(أكثر من أربعين ألف متفرج في الحفل الأول)وفي هذا الشأن هناك جملة من الملاحظات يمكن سوقها على هامش الفرجة التي تخللها انقطاع للبث ثلاث مرات متتالية جعلت الجمهور يثور ويتذكر أيام سينما الجدران القديمة في أحياء تونس والأرياف البعيدة وذهب البعض إلى القول ان مدير المهرجان حرص على تذكر طفولته السعيدة بقطع الفيلم مرات لسماع ضجة الأطفال المحتجة.

* هات ملاحظاتك اذن لو سمحت..

-الملاحظة الأولى تخص تفاعل الجمهور: فإلى جانب العدد الكبير من الحضور فان الجمهور تفاعل بالتصفيق والصياح المتعاطف مع الفيلم في جملة من المقاطع تدعو إلى التساؤل عن الذوق السائد أو عن العمل السينمائي المثير والمطلوب. صفق الجمهور ثم سكت بسرعة وتبادل التحذير من التصوير الأمني عندما كان الإمام المتطرف يخطب من على منبر الجامع يدعو إلى الإسلامية. صفق الجمهور ثانية وبحماس كبير عندما قتل الشاذ عشيقه الصحفي الذي جاء به إلى البيت.وهذا الجمهور اظهر نوعا من التعاطف مع عبد ربه الذي يعتلي ولا يعتلى (من خلال مناداة الشبان بعضهم بعضا عبد ربه). صفق الجمهور بحماس اكبر وغير متوقع عندما قتل الشاب المتطرف ضابط الأمن الذي عذبه وهتك عرضه في السجن.

* هل لنقاط التفاعل والتعاطف التي ذكرتها من دلالة معينة فنيا واجتماعيا؟

- لقد تكونت لدي ملاحظات كما لدى اي متفرج غير متعجل، حول العمل السينمائي المطلوب (ماذا يريد الجمهور).رأيت في تعاطف الشباب مع عبد ربه عملا غوغائيا مستثارا بحكم اكتشاف تصوير المثلية الجنسية باعتبار ان الراكب أفضل ذكوريا من المركوب. قلت تكونت ملاحظات ولكني الان أقول لقد تكونت بالاحرىأسئلة من مثل: لماذا التشفي في موت المركوب؟ هل في ذلك دلالة أو موقف أخلاقي من المثلية الجنسية؟(الشذوذ)وهل ان تصوير هذا الأمر وعرضه يسهل قبوله أم يمنع من انتشاره؟ بالطبع هذه الأسئلة تقع على هامش العمل السينمائي وليست داخله لكنها الأسئلة التي تظل مشروعة حول ماذا نقدم وهل كل ما هو موجود يمكن تقديمه وكيف ولمن وهي الأسئلة التي ستتكرر باستمرار عند كل مساس بموضوع ذي علاقة بالأخلاق العامة. واقول ان ليس لها من حل نهائي بدليل قدم هذه الأسئلة في المجتمع الليبرالي الغربي غير الديني والذي لم يصل فيها إلى قول فصل رغم تقنين الحرية الجنسية.

* وملاحظتك الثانية ما هي؟

- الملاحظة الثانية تخص التفاعل الملفت للانتباه الى حد السعادة الغامرة والصراخ المتعاطف والتصفيق الحاد مع قتل ضابط الشرطة من قبل المتطرف الديني الذي ظهر في كامل الفيلم طيبا وغير عدواني بل مسالما يبحث عن المشاركة الايجابية (الحب والزواج والنجاح الدراسي والمهني) وإذا كان تعرض للاستغلال من قبل التيار المتطرف ليحوله إلى أداة إرهابية فجذور أزمته الشخصية زرعتها فيه السلطة الحاكمة وضباطها الذين ظهروا في أسوء صورة ربما جعلت الجمهور يتعاطف مع الإرهابي

*أعتقد ان الفيلم بالغ اكثر من الرواية في تصوير ذلك.. وهذا ربما يقودنا الى الحديث عن أفلمة الرواية ومدى تطابق السيناريو مع النص الأصلي. ألا تعتقد مثلي ان ثمة خيانة للنص في اكثر من موضع؟

- اجزم من خلال معرفتي بالرواية ان نسبة تطابق السيناريو مع الرواية تفوق نسبة الاختلاف فقد اقترب النصان كثيرا في مواضع كانت هي ركائز الفيلم والمواضع التي تم فيها التحوير أو الابتعاد أو التعديل لم تؤثر كثيرا في جوهر الرواية باستثناء موضع واحد تبين لي ان اجتنابه كان مقصودا ربما نتيجة الصنصرة أو الرقابة الذاتية أو الرقابة الغاشمة.ولا احتاج هنا إلى إعادة الحديث عن مواضع التطابق فمن قرأ النص مثلي يمكنه معرفة ذلك. ابتعد السيناريو عن الرواية في موضع قتل الشاذ فقد ورد بالرواية انه استعاد صديقه عبد ربه الذي لم يكن يرغب بل يختفي بين الصعايدة أبناء عمومته (ردة فعل الريفيين الدائمة امام العدوان الخارجي) لكنه خضع للابتزاز ثم تمرد تمردا أخيرا وقتل الشاذ قتلا شنيعا بان هشم رأسه وهو لا شك كان سيكون مشهدا بشعا لو نفذ سينمائيا وربما كان يستثير المزيد من التعاطف مع عبد ربه الذي يدافع عن تدين شعبي يحرم الشذوذ (حيث فسر موت ولده بالعقاب الإلهي).

استقدام حريف آخر يتولى عملية القتل خنقا من الخلف و يسلب القتيل أشياءه لم تغير كثيرا اللهم التخفيف من مشهد القتل أو ربما كان فيها تحذير من المخرج للشواذ ان لا يدخلوا إلى بيوتهم الا من يثقون به.وفي كل الأحوال كان هذا غير ذي ضرر بالنص الأصلي.

* طيب، أنت تسمي الاخلال بالامانة ازاء الرواية عبر السيناريو ابتعادا، كما أسلفت في حديثك أعلاه. هل هنالك ابتعادات أخرى من الفيلم عن الرواية؟

- نعم، فالابتعاد الثاني كان في موضع إشعار حضرة النائب بضآلته امام آلة الفساد التي يشارك فيها متحصنا بالمجلس فقد ورد بالرواية انه سعى إلى معرفة الكبير الذي يوجه اللعبة كلها بناء على شكه في نوايا الواسطة (الفولي)وبعد إجراءات أمن مشددة ومرعبة أوصل إلى حيث يمكن ان يرى الكبير الذي يوجه اللعبة لكنه لم يره بل لم يكشف له بل كلمه من وراء حجاب بصوت آمر يطلب فقط الطاعة والاستسلام وبذل نسبة الخمسين في المائة من الإرباح.اجتب السيناريو هذاالموضع وغيره بان(الدولة)أرسلت شرطة مكافحة المخدرات التي لم تحتج إلى أكثر من الدخول ليستسلم حضرة النائب ويعترف ويستسلم للواسطة نفسها التي تحدد شروط اللعبة(فتجعل من الهروين طلاء سيارات إذا قبضت فرضيت). هذا الهروب من الحديث عن (هو) المخيف أنقذ المخرج من المسائلة عن هو من يكون وجنبه الوقوع في ورطة سياسية كانت قابلة فقط للتأويل في اتجاه واحد هو ان للفساد رأسا واحدة تتمتع بكل السلطة وتكلم الناس من وراء حجاب وان الوزراء عندها واسطة للفساد والابتزاز وبيع الدولة ومراكز القرار فيها. وبالنسبة للمصرين على الأقل كان لهذه الرأس اسم يعرفونه وقد ألمحت إليه الرواية دون ان تسميه ولكن الفيلم هرب منه هروبا افقد المشهد كل أصالته وجعله مكررا مستعادا من أفلام أخرى كثيرة أظهرت باستمرار ان أجهزة الدولة (الأمن خاصة) وسيلة بيد متنفذين يتحاربون بها على مواقع النفوذ ويتوزعون به الغنائم.

* هل ثمة مشاهد أقحمها الفيلم ولم تكن أصلا موجودة في النص الاصلي للرواية؟

- نعم فقد ادخل السيناريو من عنده ولم يرد ذلك في الرواية مشهد موت الإرهابي إلى جانب رجل الأمن اللذين اقتتلا بدون رحمة ثم سال دماهما القانيان في مكان واحد في إيحاء بدا لي حاملا لموقف سياسي فالقتيلين من أبناء مصر وقد اقتتلا بعد ان اختلفا لكن موتهما جمعهما إلى الأبد كأنما كان محكوما عليهما الا يلتقيا الا ميتين ولكن السؤال الذي يطرحه المشهد الأخير هو لمصلحة من مات الشخصان فموتهما تم في لحظة استشراء الفساد وتمكنه من النجاة من كل القوانين فالنائب الفاسد فاز بصفقاته كلها والوزير المضارب اخضع النائب الفاسد والشابة المصرية الثائرة الفقيرة الباحثة عن حل شريف عادت طامعة مستسلمة لحضن الارستقراطي القديم الفاسد بدوره (زير النساء الذي لا يصرخ في وجه البلاد الا بعد ان يفقد وعيه وهو ينقد البلد لأنه امتلأ بالحشو والدهماء التي غيرت صورة القاهرة التي كانت أجمل من باريس). عندما ينظر إلى مشهد الموت واختلاط الدماء لا بد ان يطرح السؤال لمصلحة من مات الشابان ولمصلحة من خاض كلاهما حربه؟ الأكيد ان كليهما لا يرى إلى دوره الحقيقي ولا يرى مصالح بلده ولا يرى أعداءها الحقيقيين. مما يغير تغييرا جذريا رأي كاتب الرواية من الإرهاب ويجعل للمخرج رأيا مختلفا عنه لا يظهر لي انه على نفس الدرجة من العداء للتطرف الديني.خصوصا إذا نظرنا إلى تلك الصورة اللطيفة التي رسمت للمتطرف قبل ان ينتقم لشرفه من الضابط وهو في كل الحالات انتقام يبدو في النصين مشروعا لان المعتدي أولا كان الضابط الذي تجاوز حدود مهنته القانونية.اللهم ان يكون الروائي يشرع لحق قتل المتطرفين خارج القانون وهو إحساس تركته لدينا أيضا قراءة الرواية. سيكون هناك كلام كثير عن تطابق السيناريو مع النص الروائي ولكني اعتقد ان هذا العمل كان وفيا جدا للنص الروائي.وسيكون عملا مدرسيا(بيداغوجيا) يمكن تقديمه لمن يبحث عن أمثلة التطابق والاجتهاد في النصين.

* هل لديك تصور ان التطابق بين النص المكتوب والنص المرئي كان ساري المفعول حتى في حكاية المثلية الجنسية؟

- نعم، وهذا هو صلب ملاحظتي الثالثة المتعلقة بمسألة الشذوذ في النصين. لقد تجرأ الكاتب كما تجرأ المخرج من بعده على تابو أو محرم من الوزن الثقيل هو تابو الحديث عن المثلية الجنسية ثم تصويره لا بقصد السخرية منه ومن مريديه بل تقديمه كمعطى اجتماعي موجود ومتعامل معه بطرق مختلفة(من الرفض والدعوة إلى التوبة إلى القبول والاستغلال للشاذ). وكما ظهر لي ذلك في النص ظهر لي أيضا في الفيلم كل هذا الحديث و الصور يمكن الاستغناء عنها دون ان يفقد العملان قيمتهما ودون ان تهتز أركانهما. في العملين ظهر لي هذا الجانب مركبا مضافا بلا تأثير حقيقي على بقية عناصر النص مثلما لم يتفاعل الشاذ مع بقية أفراد قبيلة يعقوبيان (الحوار بينه وبين الباشا المتصابي في انتظار المصعد أو الاصنصير تمت إضافته إلى السيناريو ولم يرد في الرواية) لم يتفاعل معه بقية السكان الا بدعوته من بعيد إلى التوبة والكف عن المحرمات لكن دون تدخل حقيقي في حياته الخاصة (زوجة عبد ربه لم تكن ترفض ان تعيش من ماله وهي تعرف ان زوجها يعاشره). ورغم الاختلاط الشديد بين سكان العمارة خاصة جماعة السطوح وتأثير بعضهم في بعض الا ان حياة الشاذ لم تؤثر في أي منهم ولم تتأثر حياة أي منهم بحياة الشاذ الذي ظل غريبا عنهم وهو ما يجعل هذا الأمر مضافا ملصقا إلى كل بناء الرواية والفيلم، وليس لهذا من تفسير في رأيي الا ان يكون هذا من التوابل أو البهار التجاري الضروري لتمرير الرواية والفيلم ليس الا. فهو كسر عابث بتابو خطير ويستحق معالجة حقيقية لا غاية له الا الترويج بشيء غريب وحديث وليس اشد غرابة من تصوير الشذوذ الجنسي وجعل لغته لغة مسموعة في السينما. وهو ما يفقد هذه المعالجة كل جدتها وتميزها لأنها لم تطرح الموضوع طرحا مستقلا وجديا بل جعلته عنصرا لاصقا في موضوع أكثر أهمية زاد من تهميشه وهو موضع الفساد السياسي.

* هناك من يقرن السياسة بالشذود الجنسي او بالانفتاح الجنسي عموما في عالمنا العربي، بينما هنالك من يقول ايضا ان القمع الجنسي قرين القمع السياسي. الى أيهما رأيك أقرب، والمناسبة هي يعقوبيان الرواية والفيلم؟

- كلا انا لا اتفق مع الأطروحة التي ترى ان (الفساد السياسي يسمح بالشذوذ الجنسي ويشجعه كي ينسى الناس الساسة والسياسة ويتفرغون لمتعهم الحسية) ربما كان هذا صحيحا ضمن سياسة تسهيل الحصول على الجنس خارج الزواج بصفة عامة لا فقط الشذوذ.ان هذه المعالجة همشت معالجة ظاهرة جديدة تغزو المجتمعات العربية وتحتاج إلى معالجة علمية وفنية واسعة ومستقلة.

* هل لديك ملاحظة أخيرة؟

- ملحوظتي الرابعة اسميها الوقوع في المشهد المنمط. اذ لم يخرج العمل السينمائي عن المواقف المنمطة في معالجة ظاهرة التطرف الديني فهم شباب موتورون فقراء معادون للمجتمع يتحلقون حول شيوخ مشبوهين لا يقعون في اسر السلطة ويتمتعون بالنساء في معسكرات التدريب التي لا تكتشفها السلطة (من أكثر الأخبار التي روجت في وسائل الإعلام الفرنسية بالخصوص والتابعة لها في بلدان المغرب العربي سبي المقاتلين المتطرفين لنساء والتمتع بهن في الجبال لكن لما نزل هؤلاء المقاتلون من الجبال لم نجد بينهم نساء كن سبايا أو صرن زوجات بعد سبيهن).. خذ ايضا كمشهد نمطي (منظر اللحية الكثة والخضوع المطلق للشيخ والاستلام للتنظيم هي نفس المشاهد التي قدمها يوسف شاهين في فيلمه ((المصير))للتنظيمات المتطرفة) سيكون على أعداء هذه التنظيمات من المثقفين ان يعيدوا بناء صور أعدائهم هؤلاء على ضوء الصورة التي يقدمها رجل مثل حسن نصر الله في صيف ستة وألفين فهم على الأقل لا يختلفون مع المتطرفين ان هذا الرجل يقدم نموذجا مختلفا يربك الجميع.

* د. نور الدين العلوي، للاسف، لم يسعفنا الوقت كثيرا لنتحدث عن طاقم العمل السينمائي. ففي تصوري ان الفنانة التونسية هند صبري كانت متالقة في الفيلم الى جانب سمية الخشاب والنجمة يسرا، التي نشرت ايلاف خبر اعتزالها وإرتدائها الحجاب كما نقل ذلك الزميل مراد النتشة من دبي السبت 30 سبتمبر 2006 حيث قامت الفنانة المصرية بتسريب أخبار عن رغبتها في إعتزال الفن وإرتداء الحجاب، وأنها تقرأ العديد من الكتب الدينية وتشاهد القنوات الفضائية الدينية بتركيز شديد هذه الايام.

- لا أدري ولكن في هامش الفيلم أيضا رأينا يسرا المتألقة بجمال لا يشيخ و رأينا عادل امام شيخا يهرم وترتخي أوداجه ويخرج من خريطة السينما المصرية بدور ثانوي لم يكن ليقبله في أول حياته (قد يكون جزء كبير من الجمهور جاء ليراه ولكن رأى الشيخ عادل امام الهرم الذي يثير الشفقة). هذا بعض ما رأيت مما قد يرى، وقد أرى غيره في غير هذا الوقت فنحن في آخر الأمر وفي أوله أيضا نتحدث في الفن والأدب وهو حمال أوجه دون ان يكون نصوصا من السماء.

 

* عن رواية عمارة يعقوبيان للاديب علاء الاسواني يدور الفيلم الحامل للاسم نفسه داخل عمارة سكنية بوسط البلد و يتطرق الي التطورات الاقتصادية والسياسية خلال نصف القرن الماضي و يهاجم الفساد الذي أفرزته تجربة الحكم الجمهوري واسقاط الطبقة الوسطى والرأسمالية الوطنية في هذه الفترة كما يسلط الفيلم الضوء حول الارهاب. ويبدأ الفيلم الذي يبلغ طوله 160 دقيقة بتعليق صوتي على خلفية لصور بالابيض والاسود للقاهرة القديمة أو ما يعرف الان بمنطقة وسط البلد مشيرا الى تاريخ انشاء البناية التي اتخذها الفيلم عنوانا له حيث أسسها الخواجة يعقوبيان عام 1937 وكانت عمارة كوزموبوليتانية تضم سكانا من ديانات وأعراق مختلفة. لكن الفيلم الذي كتب نصه السينمائي وحيد حامد وهو في الوقت نفسه والد مخرج الفيلم الشاب مروان حامد يشدد على أن الحياة انذاك كانت جميلة ويحمل الضباط الذين قاموا بثورة 23 يوليو 1952 على النظام الملكي مسؤولية ما يعتبره فوضى وقبحا. ويعد الفيلم بانوراما لمصر في بداية القرن الحادي والعشرين من خلال تتبع مصائر شخصيات تقيم بالبناية في مقدمتهم زكي باشا الدسوقي ابن الباشا والثري سابقا والمهموم بمطاردة النساء. أما طه الشاذلي ابن البواب فهو يحب بثينة الفتاة الفقيرة التي تقيم في البناية ويطمح الى الالتحاق بكلية الشرطة ويحول دون ذلك الوضع الاجتماعي لوالده فيكون ضحية جماعات متشددة في جامعة القاهرة ولا ترضى الفتاة عن تشدده. وتقدم هي بعض التنازلات التي تجعلها راضية عن تحرش صاحب محل للملابس تعمل به مقابل بضعة جنيهات. وعقب احدى المظاهرات يطارد الشاذلي ويقبض عليه ويرفض الوشاية بزملائه ثم يخرج مصمما على الانتقام ويطلق النار على الضابط الذي اذاه وفي تبادل لاطلاق النار بين الشرطة ومتشددين اسلاميين يسقط الشاذلي والضابط وتختلط دماؤهما فلا يعرف أيهما الجاني وأيهما الضحية.أما حاتم رشيد رئيس تحرير صحيفة /القاهرة/ التي تصدر بالفرنسية فهو ناجح في عمله ولكنه لا اخلاقي. وأدى الممثل المصري خالد الصاوي دور رشيد ببراعة أثارت اعجاب المشاهدين وشفقتهم أيضا باعتبار شخصية رشيد ضحية والدين لم يمنحاه الحب الكافي.ويضم الفيلم نموذجا لرأس المال مجهول المصدر ممثلا في الحاج محمد عزام ماسح الاحذية الذي أصبح يمتلك مشاريع استثمارية ويطمح الى دخول البرلمان ويرضخ لابتزاز الوزير المسؤول عن تلك المهام كمال الفولي الذي يقدم نفسه باعتباره مندوبا عن الكبار حين يطلب مليون جنيه كما يطلب نصف أرباح مشروع اخر. الفيم من بطولة:عادل أمام و نور الشريف و يسرا و اسعاد يونس و سميه الخشاب و هند صبرى ومن اخراج:مروان حامد. انتاج:أفلام وحيد حامد و جهاز السينما للإنتاج والتوزيع وجود نيوز جروب.

hikmetelhadj@yahoo.fr

موقع "إيلاف" في

06.10.2006

 
 

يعرض في ختام مهرجان بيروت للسينما بعد أيام وفي مهرجان روما ويُرشح لجوائز الأوسكار...

«عمارة يعقوبيان»... نظرة جديدة الى عمل يدين الراهن من دون حنين الى القديم

يوخنا دانيال 

يصعب الفصل بين رواية «عمارة يعقوبيان» والفيلم المأخوذ عنها، فهما متقاربان في التفاصيل والمواقف والنظرة والخطاب. وعلى رغم ان الرواية تحظى بشعبية كبيرة بين القراء، إذ أعيد طبعها مرات وترجمت الى لغات، الا أن المرء لا يمكنه إلا أن ينحاز الى الفيلم باعتباره قطعة فنية، متقنة الصنع من جميع النواحي والمستويات... لكن من دون تجاهل آراء وملاحظات النقّاد «المعارضين» للفيلم، والتي ينصبّ معظمها ضد الأصل الروائي والخطاب السياسي/الاجتماعي الذي يحمله هذا الأصل في الدرجة الأولى، ما أدى الى الخلط بين الفيلم والرواية في كثير من العروض والكتابات النقدية، وبالتالي لم يأخذ الفيلم حقه من التقييم.

نتعرّف في اللقطات الأولى من الفيلم على طه الشاذلي (محمد إمام) ابن البواب... وهو يغسل سلّم العمارة مع والده، ويمسح البلاط أمام ساكني العمارة الذين يعاملونه باستعلاء. لكن الشاذلي الذي يفشل في مساعيه للدخول الى كلية الشرطة بسبب وضعه الطبقي، نراه يتحول بسرعة الى ناشط طلابي اسلامي، يقود التظاهرات في الجامعة بشجاعة تثير الاعجاب، ويهرب من قوات الشرطة والأمن، ليقع لاحقاً في قبضتهم. ثم يتعرض الى تعذيب بشع، ونراه جالساً في زنزانته الضيقة، عارياً، باكياً، مصالباً ساقيه أمام وسطه، بعد أن هتكوا عرضه عدة مرات... في لقطة تعبيرية، انسانية، رائعة. محمد إمام يتحول أمام أعيننا «سينمائياً»... من انسان مسحوق... الى ناشط سياسي... الى شهيد «حي»... ببراعة وتفوّق.

في هذه اللقطات، يثبت كاتب النصّ السينمائي وحيد حامد انه لا يخون الرواية التي تشي – الى حدٍ ما – بالتعاطف مع الاسلاميين كمعارضين سياسيين. وفي هذه اللقطات أيضاً، يثبت المخرج مروان حامد انه لا يخون النصّ السينمائي. والحقيقة، ان من الصعب خيانة نصّ معروف ومتداول ومترجم الى هذا الحد مثل رواية «عمارة يعقوبيان». لذا، فإن من الأفضل ان ينتجها سينمائياً – ويستغلها اعلامياً – أهل النظام من المنتج عماد الدين اديب، الى الكاتب السينمائي وحيد حامد، والنجم الكبير عادل إمام... لتحويلها الى نقطة في مصلحة النظام، كنوع من النقد الذاتي واستيعاب الآراء المعارضة. لا بل يعتبر أحد النقاد في مصر ان تنفيذ الفيلم جزء من خطوات الاصلاح السياسي. لكن هذا لا يقلل من القيمة الفنية والنقدية للفيلم، ولا من صدقية صنّاعه والعاملين فيه.

حكاية الشاذلي تسرد في شكل سينمائي ممتاز، ونشاهد المجموعات الاسلامية وهي تدعو الجماهير وتتعرّض للقمع والضرب بطريقة شرسة... في عهد الرئيس الحالي. وليس في عهد الرئيس الراحل «الديكتاتوري» عبدالناصر، وليس في عهد الرئيس الراحل «المؤمن» أنور السادات... وهذه خطوة مهمة، حتى لو كانت شكلية او استثنائية. إذ انتقلت السينما المصرية الى مرحلة جديدة، يجب البناء عليها واستغلالها. وربما انتهينا من نقد الأموات والراحلين والعهود «البائدة»، كما لو اننا أمام حركة «كفاية» سينمائياً!

كما يبرهن «الحامدان» سينمائياً على إخلاصهما «الجنسي» للأصل الروائي هذه المرة... بالسرد السينمائي الصريح والشفاف لحكاية الصحافي الشاذ جنسياً حاتم رشيد (خالد الصاوي) ورفيقه المجنّد البسيط عبد ربّه (باسم السمرا). يبدع الصاوي في أداء دور الصياد الليلي الباحث عن الفرائس في لقطة رائعة. أما باسم سمرا، الذي لم يستطع عدد من المخرجين ان يحصلوا منه أبداً على أي اداء مقنع... فإنه يلعب هنا دوره بسلاسة وعفوية غير مسبوقة... ونطقه الجميل للكلمات الصعيدية ينسينا ان هذا هو «السمرا» الذي نعرفه من خلال أفلامه السابقة.

لقد أخذت مشاهد تطور العلاقة بينهما وتفاصيلها ونهايتها التراجيدية بالنسبة الى الطرفين حيزاً كافيا ومهماً من التوترات والصراعات الدرامية في الفيلم. إذ لم يجبن «الحامدان» من الخوض في المسألة الجنسية في شكل طبيعي، ونجحا في عرضها بحيادية وصدق فني على الشاشة وبجمالية واهتمام كما لو انها موضوع الفيلم الوحيد والرئيس. هذه سابقة أخرى يجب استغلالها والبناء عليها في تناول مثل هذه المسائل. فأاتذكر في هذا المجال فيلمي «أسرار البنات» و «دنيا» بموضوعيهما الجريئين جداً.

وفي الحقيقة؛ يستحق الثلاثي محمد إمام وخالد الصاوي وباسم السمرا جوائز على أدائهم هذه الأدوار الصعبة و»القلقة»، خصوصاً ان دور «الشاذ» شبه جديد على السينما العربية، من ناحية المساحة والفهم غير المسبوقين على الشاشة... وربما كان الصاوي متوتراً أحياناً، وخارج الشخصية، وهو يحاول استحضار أدواته الفنية، عندما كان يمارس فن الإغواء الصعب مع «العسكري المستقيم» عبد ربه، لكنه على العموم كان ناجحاً في أدائه معظم الوقت... الى الحدّ الذي اثار استنكار المشاهدين!

الحكايات الأخرى

الخط القصصي الآخر الذي التزم به الفيلم الى أبعد الحدود، هو حكاية التاجر الحاج عزّام (نور الشريف) وسعاد (سمية الخشّاب) والوزير الفاسد كمال الفولي (خالد صالح)... المكرّسة كلياً لفضح الفساد الاداري الحكومي والرشوة و «البلطجة» التي يمارسها النظام الحاكم على من هم تحت سلطته من أغنياء وفقراء، وكذلك لفضح ممارسات الأثرياء الجدد تجاه الفقراء والمرأة بدعم من الدولة وبعض ادعياء الدين. هذه الحكاية هي الوجه الآخر للنظام السياسي (الفساد السياسي والمالي)... الذي رأينا وجهه الأول في حكاية الشاذلي، ونقصد (القمع والاضطهاد) اللذين تتعرض لهما المعارضة المصرية، اسلامية كانت او غير اسلامية.

هذا لا يعني ان الخطوط القصصية الأخرى غير مهمة او مهملة؛ ونقصد حكايات زكي باشا الدسوقي (عادل إمام) وأخته دولت (إسعاد يونس) وعشيقته السابقة كريستين (يسرا) وحبيبته الشابة بثينة (هند صبري) وخادمه فانوس (أحمد راتب) وشقيق الأخير ملاك (أحمد بدير) والمحامي فكري عبد الشهيد (يوسف داود)... والصراعات والمصالح المتداخلة، والتعليقات ذات الطابع الأخلاقي والسياسي... والنقد او الهجاء الذي يوجهه ابن الباشا الى المجتمع المصري وانحدار القيم الثقافية والاخلاقية والجمالية بمرور الوقت وبتأثير ثورة تموز/يوليو 1952 وغير ذلك. جميعها اخذت الحيّز الدرامي والزمني الكافي، وجسّدها أفضل الفنانين المجرّبين، بجماليات وتصوير سينمائي ممتاز، وتداخلات وانتقالات سلسة بين الحكايات والشخصيات.

وأحد النقاد المصريين يعزو معظم الملاحظات السلبية على تصوير الشخصيات في الفيلم الى الأصل الروائي نفسه...

ان إحدى مشاكل مطابقة الرواية و/او الفيلم بالواقع المصري تظهر في كتابات بعض النقاد والكتّاب غير المصريين، الذين يعتقدون ان كل هذه «السيئات» و«المعصيات» تحدث في مصر فقط، وكأن بقية البلدان العربية فراديس وواحات للديموقراطية وحقوق الانسان والمرأة والعدالة الاجتماعية! ولهؤلاء يقول حاتم رشيد: «لسنا وحدنا في هذه الفحشاء، انهم يرتكبونها في آسيا وأوروبا وأميركا والخليج أيضاً» عندما يشتكي عبد ربه من آثامهما المميتة. في كل دولة عربية هناك «عمارة يعقوبيان»: فترة «ذهبية» قريبة من عهود السيطرة الكولونيالية والتأسيس، ينأى عنها المجتمع المعني كلما تقدم في الزمان واقترب من الحاضر.

لقد أتى الفيلم أميناً للرواية الى أبعد الحدود؛ فهو مثلها رجعي، نوستالجي، أرستقراطي لكن من دون الوقوع في فخ تمجيد الطبقات القديمة التي شاخت وتفسّخت... ومن دون تجاهل للقوى الجديدة الصاعدة في المجتمع. انه مرثية لمصر القديمة «النظيفة»... وإدانة لمصر الحالية «القاسية» على أبنائها جميعاً. والأهم؛ انه ينتقد بشدة – وعلى حد سواء – التطرّف الاسلامي العنيف والممارسات القمعية للحكومة المصرية، ويتنبأ لهما بالزوال والعبثية في مشهد قتل طه الشاذلي والضابط المسؤول عن تعذيبه... وسيلان الدم العبثي على أرضية الشارع.

تصوير سامح سليم وموسيقى خالد حمّاد خدما السرد السينمائي والتوتر الدرامي، وتداخلا أحياناً في شكل مميز ورسما لوحات تشكيلية متحركة للقاهرة ولم يفرضا نفسيهما بإصرار على المشاهدين. كما تداخلت الخيوط القصصية المتعددة على يدي المخرج مروان حامد وتنامت بسلاسة ورشاقة، بحيث تتبعها وفهمها المشاهدون بيسر، وتفاعلوا مع أبطالها بسهولة.

أعتقد ان أكاديمية السينما الأميركية ستهلّل للفيلم كثيراً اذ رشح الاوسكار افضل فيلم اجنبي، ليس لجمالياته والاتقان في صنعه فحسب... بل لأنه يوجه الانتقادات اللاذعة للمجتمعات العربية/الاسلامية، ويعرّي ويفضح كل ما تحاول حجبه عادة. انه يزيل الهالة التي ترغب مثل هذه المجتمعات في ارتدائها دائماً... بفسحه المجال للمختلفين في مجتمعاتنا للظهور وطرح أنفسهم بطريقة عقلانية ومقبولة وانسانية الى حد ما... وربما يكافئ الأميركيون الجهود السينمائية و «السياسية» لصنّاع الفيلم وحلفائهم في الحكومة المصرية!

الحياة اللندنية في

06.10.2006

 
 

"عمارة يعقوبيان" مزيج من شعبية الرواية والموازنة الضخمة وكورال النجوم

التحولات والمصائر المأسوية في قالب حكائي أكثر منه بصري يقارب الاصل بخشوع

ريما المسمار  

في منتصف ميدان طلعت حرب وتحت تمثال الباشا المنتمي الى زمن قديم، يترنح "زكي الدسوقي" من نوبة سكر شديدة توفر له في تلك اللحظة صفاءً ذهنياً يمكنه من تلخيص مأساته في حوارية ذاتية طويلة عن مدينة كانت أجمل من باريس.. وموضتها سباقة وذوق ابنائها مرهف وأبنيتها نظيفة.. مدينة لا تشبه "المسخ الذي نعيش فيه اليوم". واكبت الكاميرا حركة الرجل، يمشي مسنوداً من الصبية "بثينة" ثم توقفت معه ودارت حوله في دوامته لترتفع رويداً مع انطلاق المونولوج وتستقر مع نهايته فوق رأسه، يناجيها كما لو كان يناجي السماء او من فيها. يمكن اعتبار ذلك المشهد مفصلياً في فيلم "عمارة يعقوبيان". ليس فقط لأنه يقوم على تفجير شخصية "زكي دسوقي" ويبلور خطابها المضاد للثورة ونتائجها ولكن أيضاً لأنه يختزل أحد الخطوط الدرامية الأهم فيه ويجمع أبرز شخصيتين او أكثرهما قرباً من ان تكونا حيتين من لحم ودم. تنتمي هاتان الشخصيتان، زكي وبثينة، وحكايتهما الى عالم روائي متعدد الشخصيات، متفرع الحكايات وكثير التحولات. ولكنهما عصب الفيلم ومدخله الى ما يود قوله عن القاهرة وناسها في خلال نصف قرن. ربما لأن فارق السن بين الاثنين يقرب من نصف قرن (أربعون سنة) فنلتقط في دينامية العلاقة بينهما تلك الفروقات والتحولات. ولكن المذهل هو انهما برغم الفوارق الكبرى بينهما­السن والمستوى الاجتماعي والجيل­ يتشاركان مصيراً مشابهاً. كلاهما مهزوم زمنه. "زكي دسوقي" بيأسه ووحدته وحنينه الجارف الى زمن ولّى (قاهرة الاربعينات) لم يحقق فيه أحلامه بأن يكون وزيراً في حكومة الوفد قبل ثورة 1952. و"بثينة" بتكسر أحلامها على أسفلت المدينة الذي لا يعترف الا بخبطة القدم الفولاذية. من هذا المنظور ربما وفقط يمكن ان نفهم المشهد الأخير "النهاية السعيدة" بزواج "بثينة" و"زكي". انها في واقع الحال النهاية المحتومة لتواطؤ الاثنين على صفقة حياة، ترد لكل منهما شيئاً مما خسره­الشباب (لزكي) والمال (لبثينة)­ وتبلسم جراح الزمن. حل متطرف بعيد من الواقع ربما ولكنه يلائم مصائرهما المتطرفة: حنين "زكي" المتطرف ومصير "بثينة" المتطرف أيضاً ببيع جسدها بالقطعة لذوي المتع الرخيصة. كأنها سقطت من أعلى السطح، سطح "عمارة يعقوبيان"، حيث تتشارك "عشة" ضيقة مع امها واخوتها، ليتلقاها "زكي" في مكتبه الهندسي العاطل عن العمل في إحدى طبقات العمارة نفسها.

بخلاف "بثينة" و"زكي"، تتحرك الشخصيات الأخرى في دائرة مقفلة من العلاقات السببية، لا تتيح لها اكتساب ملامح انسانية او فنية، فتبقى في إطار "النموذج" او "الموديل" لأوصاف وتسميات شائعة: الأخت الطماعة والشريرة، الوزير الفاسد، الارهابي، المثلي، النائب الصاعد بتجارة المخدرات... كلها نماذج واقعية ورموز من صنع المجتمع والاعلام. هم نجوم بمعنى ما، نجوم مرحلة سياسية واجتماعية مازالت قائمة. لعل هذا تحديداً، او هذا أكثر من غيره، ما ألحق الشهرة برواية علاء الأسواني التي يستلهمها وحيد حامد سيناريو للفيلم الروائي الطويل الأول من اخراج ابنه مروان حامد. فالإحساس العام بأنها رواية عن أحداث واقعية وشخصيات يمكن العثور على مرادفها في المجتمع كافٍ ليوازيها بالعمل الفني الكبير على قاعدة ان الأخير منوط بالكشف والفضح. ولكن الواقع ان كلا المفهومين مغلوطان. فلا العمل الفني وظيفته تلك ولا الرواية تقوم بالفضح. فإذا كان يسهل على أي قارئ ان يجد تقاطعاً بين شخصية في الرواية وأخرى في الواقع فهذا يعني انه على معرفة مسبقة بأن تلك الشخصية الواقعية انما تحمل ملامح ما تقربها من الشخصية المكتوبة على الورق. وتلك المعرفة تحديداً تنفي عن العمل صفة الكشف او الفضح مادام ما يقوله معروف. إذاً هي رواية مستوحاة من نمائم السياسة والصحافة. اذا كان لا بد من وصف للرواية بعيداً من تحميلها وزر الكشف والفضح والتقصي البعيد من الجهد المصبوب فيها، فهي "مشوقة" وربما "ممتعة" بمعيار قبضها على حواس القارىء وإبعاد "شبح" الملل عنها وسوقها في رحلة حسية عن أشياء يعرفها ولكنها في الرواية تصبح عالماً متكاملاً. تماماً كما هو حال المشاهد مع افلام الجنس التي يعرف أشياءها ولكنها في لحظة المشاهدة والمتعة تتضخم لتصبح عالماً كاملاً. بهذا المعنى، تنشغل الرواية أكثر ما تنشغل بإثارة حواس القارئ بأسلوب تشويقي يظلل على ما عداه من ادوات الكتابة وتقنياتها وبتفاصيل حكائية، تسوغ لقارئها في لحظات انه أعلى من ذلك العالم وأقدر سيطرة عليه لأنه ممسك بمفاتيحه وخباياه. هكذا تخدر الرواية إحساس قارئها العادي بأن توفر له بهجة آنية تنتشله من يأسه وفقره وقهره وتتمثل في فكرة هزمه السلطة او الانتقام منها من خلال وقوفه على فضائحها واسرارها والتسلي بشخصيات تختبئ خلف حصانة اما سياسية او اجتماعية.

شكلت شهرة الرواية وجاذبيتها دعماً للفيلم منذ لحظة الاعلان عن ولادته، ورافقتهما طاقات انتاجية كبرى وموازنة غير مسبوقة والاخيرة في حد ذاتها بروباغندا كافية لوضع المشروع في حيز التفوق والاستثناء. وأضيف الى تلك العناصر حشد من النجوم الكبار، اجتمعوا للمرة الاولى منذ وقت طويل (عادل امام ونور الشريف ويسرا) مع كوكبة من نجوم الجيل الجديد من هند صبري وسمية الخشاب الى خالد صاوي وخالد صالح مروراً بمحمد عادل امام في اطلالته الاولى. واكتسب الشريط سمعة في المهرجانات الدولية، فكان عرضه الاول في مهرجان برلين ثم في مهرجان "كان" (في عروض السوق المفتوحة امام اي فيلم بقدرة منتجيه بالطبع) وفي الصالات الفرنسية وأخيراً في اختتام مهرجان بيروت السينمائي الدولي قبيل إطلاقه (أمس) في الصالات المحلية.

صنعت كل تلك العوامل هالة حول الفيلم دفعت بالجمهور والنقاد والمهتمين الى حال قصوى من الترقب وانتظار عمل فني غير مسبوق بمواصفات كبرى.

الفيلم والرواية

النتيجة ليست مخيبة تماماً ولكنها ايضاً غير صادمة. تماماً كما هي الرواية. المشكلة في الحالتين هي في حجم التوقعات والمسارعة الى إطلاق التوصيفات الرنانة على كل من العملين. فهنا فيلم يستند الى قناعة راسخة في أنه ينهل من عمل أدبي كبير ومتكامل فيتعاطى معه بقدسية وخشوع. ولا يزيد الامر الصعوبة الا ذلك الوصف الشائع للرواية بأنها "سينمائية" وكأنها "خدمة" قام بها الكاتب وعلى من "سيؤفلم" العمل ان يتنازل عن مهمته السينمائية مادامت السينما في قلب العمل الادبي. ولا ننسى ان إحدى المشكلات الكبرى في الافلام المقتبسة من أعمال أدبية ذات سمة تصويرية (كأعمال نجيب محفوظ مثلاً) التزامها برؤية سينمائية مفترضة في الكتاب أسرتها وأثقلت عليها وسلبتها تفرد الرؤية السينمائية. بالعودة الى قناعة الفيلم بتفوق مصدره، نسأل: ماذا سيكون موقف شاجب الرواية من الفيلم؟ فهذا الربط بين الفيلم والرواية يشترط قبولهما معاً او رفضهما معاً في حين انه يمكن الفصل بينهما والمفاضلة أحياناً بين خيارات الراوي وخيارات السينمائي المغايرة في مواقع قليلة جداً.

لعل اول ما يحيل مشاهد الفيلم على الاستنتاج بتقيده الحرفي بالرواية هو ذلك البناء المرصوف للأحداث والشخصيات والمشاهد في غياب اي جهد اختزالي او ايجازي هو من صميم الفن السينمائي. انه بناء يستدعي الشكل السينمائي البدائي بالتزامه حركة الزمن الامامية وفصل الأحداث. واذا كانت فكرة "البناية" تخدم على صعيد البناء الحكائي في الرواية فإنها في الفيلم تفتقد الحضور البصري فتتحول مبرراً ­أكثر منها عنصراً جامعاً­ لوجود هذا الكم الكبير من الشخصيات والأحداث. ولا يقدم الفيلم بديلاً منها، متكلاً بهذا المعنى على المصدر المكتوب لرسم العلاقة بين الشخصيات وهو ما يتلخص في شريط صوتي (بصوت يحيى الفخراني) في بداية الفيلم يروي بإيجاز تاريخ العمارة ويعلنها، بالكلام فقط، شخصية اساسية من شخصيات العمل. ولكن الشغل البصري ينأى بنفسه عن جهد منح المكان شخصية وحضوراً. وكما يقطّع أحداث الفيلم كذلك يجزئ المكان ديكورات داخلية لا دليل على انتمائها الى مبنى واحد، فيضيع الأخير كهيكل بصري.

الشخصيات

في مقاربة الشخصيات، الفيلم كما الرواية يقف عند حدود النموذج الا في ما خص "بثينة" و"زكي". لذلك تبقى حكايتهما الأكثر جاذبية بين بطل من الزمن القديم وشابة منكسرة من هذا الزمن. ولعل تفوق شخصية "بثينة" على باقي الشخصيات نابع ايضاً من اكتشافها مصيرها وصناعة مصير آخر بدلاً من الغرق فيه. فهي إذ تكتشف ان علاقتها بحبيبها "طه" لن تكمل بعبارة تبسيطية وانما حقيقية "انت بتربي دقنك وانا بلبس قصير.."، انما تستشف مصيره بينما هو يغرق فيه متحولاً الى اسلاموية متطرفة بعيد فشله في ارتقاء السلم الاجتماعي بعدما رفضته كلية الشرطة بسبب مهنة والده "البواب". "بثينة" في المقابل تفلت من "كماشة" المصائر المصنوعة سلفاً وان لحين. فهي إذ ترتضي بدايةً التحول شبه مومس، تعود وتترك العمل كبائعة في محل للملابس لتشتغل سكرتيرة عند "زكي دسوقي" بهدف معين. ثم لا تلبث ان تتخلص من شبح فكرة الاحتيال عليه لتعود الى انسانيتها من جديد فتعيش التجربة على سجيتها. تلك المساحة الحرة نسبياً التي تتحرك فيها "بثينة" تُتاح ايضاً لـ"زكي" لأنه وصل الى مصيره منذ زمن وما تحولاته داخل الفيلم الا تحولات داخلية تراوح بين الخفة واليأس. اما باقي الشخصيات فمحكومة بمصير أخلاقي: المثلي الجنس يموت وعشيقه يخسر ابنه و"طه" يخسر حلمه فيتحول ارهابياً...

بمعنى ما، تنطوي الرواية والفيلم على فكرة التحولات والمصائر المأسوية: تحول الباشا الى سكير متسكع والشابة الى شبه مومس وماسح الاحذية الى نائب والوزير الى سمسار مقاعد نيابية والطالب الجامعي الى إرهابي... يلعب الفيلم قليلاً في مساحة الادوار مستفيداً من بعض الشخصيات الذي يمثل رمز زمن فاسد كالارهابي والصحفي المثلي والوزير. يمنح الأخير "كمال الفولي" مساحة تفوق مساحة الشخصية في الرواية لأنها ركن اساسي من اركان شعبيتها لتطابقها مع شخصية وزير معروف. ويبدل من مصير الصحافي المثلي "حاتم" (خالد الصاوي) بأن يجعله يُقتل على يد سارق وليس على يد عشيقه كما في الرواية (مع انه كان يمكن الا يُقتل أصلاً) سابغاً على مشاهده تفاصيل تقدمه في صورة أكثر ايجابية من التي تقدمه فيها الرواية كأنه من افرازات "المسخ" الذي صارته المدينة. ويضيف أداء الصاوي الهادىء وغير المفتعل أو التبريري لأبعاد الشخصية مقترناً مع توق الكاميرا الى اكتشاف عالمه الحنين للمرة الاولى بشكل علني وبدون مواربة.

يحملنا الكلام على أداء الصاوي الى فرز الاداء التمثيلي. فمن الممثلين من شحذ طاقاته للعب الشخصية ومنهم من نفض الغبار عن شخصية سابقة لعبها في ما مضى وبدت ملائمة في هذا الموقع مثل نور الشريف الذي يذكر اداؤه لشخصية النائب الصاعد بتجارة المخدرات بشخصية الحاج متولي. في المقابل، استعاد عادل إمام الممثل فيه لدور "زكي الدسوقي" تاركاً جانباً استعراضيته ونجوميته التي طغت على ما عداها منذ زمن بعيد، تاركاً للشخصية ان تتلمس طريقها في ملامحه وتجاعيد وجهه ونظراته التي تراوح بين الحزن العميق ووميض المغامرة. اما هند صبري فحِرَفية، لا تسقط في الدور ولكنها لا تضيف اليه. تبقى خارج الشخصية لفتاة تحاول الصعود من قعر المجتمع بسبب من "تأنق" لا يفارق لهجتها او حركتها ولا يستغلهما الفيلم في بناء الشخصية كما فعل محمد خان مثلاً في "بنات وسط البلد" حيث جير ذلك النقص في شخصية "بنت البلد" لصالح الشخصية. بشكلها وملامحها، تقبض يسرا على "كريستين" الأجنبية المقيمة في مصر منذ سنين طويلة ورفيقة درب "زكي". ولكن ضريبة ذلك الدور كانت إرغام المشاهد على سماعها تؤدي أغنيات فرنسية كاملة!

تخطى الفيلم قدرات مخرجه الشاب مروان حامد. بين سطوة الرواية وهالة السيناريو، بدا الشاب أقل حرية في أخد الفيلم الى حيث يريد الا في تفاصيل صغيرة منها ادارة الممثلين­بتفاوت­ ومحاولة الخروج بهوية بصرية مغايرة، تناوش صورة الافلام الجاهزة والسائدة. ولكن ذلك لم يصل الى غايته المرجوة اذ بدا في كثير من الأحيان مبالغاً فيه لاسيما لجهة الالوان المفلترة وحركة الكاميرا التي لا تنفصل عن غنائية تنطوي عليها الاحداث وميلودرامية تستكين اليها الشخصيات ومصائرها. يبرز شغل المخرج داخل كل لقطة على حدا كأن هاجسه تحويل الفيلم لوحات بصرية متجاورة فيبقى دون التحول وعاءً يصهر شخصياته وأحداثه ورؤاه في بوتقة واحدة تستلهم رؤيتها ومقاربتها من مخرجه.

(*) "عمارة يعقوبيان" يعرض في صالات بلانيت

المستقبل اللبنانية في

20.10.2006

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)