كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مصطفي محرم يكتب بعد انتهاء العاصفة

أسباب فنية وراء خروج الجمهور من القاعة خلال عرض «عمارة يعقوبيان»

الفيلم حقق نجاحا كاسحا في اليوم الأول ثم بدأ الجمهور بشعر بخدعة الدعاية  

عن فيلم

عمارة يعقوبيان

   
 
 
 
 

وحيد حامد أكد لي أن الفيلم سيغير خريطة السينما المصرية.. وفوجئت بالجمهور خريطة السينما المصرية .. وفوجئت بالجمهور يغادر القاعة بعد ساعة من عرض الفيلم

استميح القارئ عذراً في كتابة مقدمة قد تبدو طويلة قبل كتابة نقد لفيلم «عمارة يعقوبيان» وأنا أري أن هذه المقدمة ضرورية لتكون الصورة واضحة وأقرب إلي أن تكون كاملة في القضية المثارة هذه الأيام حول هذا الفيلم الضخم الإنتاج.

لم يحظ أي فيلم بدعاية مثل هذه الدعاية التي صاحبت فيلم «عمارة يعقوبيان» وذلك منذ عرض أول فيلم مصري وهو فيلم «ليلي» أو فيما يقال فيلم «فاجعة فوق الهرم» حتي الآن، فقد انفقت الشركة المنتجة «جود نيوز» الملايين من الأموال لعرض الفيلم في مهرجان برلين وفي أحد المهرجانات في الولايات المتحدة وفي أثناء فترة وقائع مهرجان كان ويقال إنهم استأجروا إحدي دور العرض في مهرجان كان وذلك لعرض الفيلم هناك ولست أعلم لمن بالتحديد العرض وأنهم قاموا باستئجار أو شراء سجادة حمراء فرشوها أمام باب دار العرض ليسير عليها أبطال الفيلم وذلك تشبها بالطقس المعتاد في مهرجان كان بالنسبة للأفلام المشاركة في المنافسة واستقطبت الشركة بعض النقاد السينمائيين الذي كانوا يحضورن المهرجان وقامت بحجز الحجرات لهم في الفنادق الكبيرة والإنفاق عليهم طوال أيام المهرجان وتمرد علي هذا الإغراء الناقد طارق الشناوي فقط وعندما عادوا إلي مصر كتبوا عن الفيلم بما يليق بما حصلوا عليه من حفاوة هناك.

وكانت الدعاية في مصر تدور معظمها حول ضخامة الفيلم واشتراك أكبر عدد من نجوم السينما المصرية من الأجيال المختلفة وعلي رأسهم النجم الأكبر عادل إمام
وقامت الشركة بتقديم بعض العروض الخاصة التي دعت فيها النخبة البارزة في المجتمع المصري من وزراء ورجال أعمال وأعضاء مجلس الشعب ورجال إعلام لم توجه إليهم دعوات لعروض سينمائية من قبل مما جعلهم يكتبون لأول مرة في مجال السينما وذلك تعبيرا عن امتنانهم لهذه الدعوة الميمونة.

وكنت استمع من بعض المقربين لي من الذين شاهدوا الفيلم في تلك العروض الخاصة إلي آراء مختلفة ولكني أبديت اهتماماً لتلك الآراء التي يقولها بعض العاملين في المجال السينمائي ولكني انتظرت حتي أشاهد الفيلم بنفسي.

وفي حديث تليفوني جاء بطريق الخطأ من ناحيتي بيني وبين الصديق السيناريست وحيد حامد أخذنا نتحدث فيه عن حال السينما ومما وصلت إليه من انحدار فأخبرني بأن هذا العام سوف تتغير الصورة إلي الأفضل وتعود السينما إلي سابق ازدهارها وجاءت بالطبع سيرة فيلم «عمارة يعقوبيان» ووعدته بأن أكتب عنه وتكرر مثل هذا الحديث مع النجم الأكبر عادل إمام في حديث تليفوني أيضاً.

في اليوم الأول لعرض الفيلم علمت من أكثر من مصدر أن الفيلم يحقق نجاحاً كاسحاً فيما يقرب من سبعين داراً للعرض السينمائي فاستبشرت خيراً وأدركت أن نهاية الأفلام التافهة علي وشك أن تحدث ، وفي اليوم التاني كنت أتحدث تليفونياً مع صديقي المنتج السينمائي والتليفزيوني محمد فوزي فإذا به يخبرني بشيء أفزعني وذلك بأن الناس يغادرون قاعات العرض بعد ساعة من بدأ عرض الفيلم أو بعد منتصفه وأن البعض كان يرسل لعناته علي الفيلم وتنموراته بأن أصحاب الفيلم قد نصبوا عليهم ولم أصدق بالطبع ما سمعت وأرجعته للاشاعات والحسد والغيرة من البعض بل أرجعت الأمر لمنتجي الأفلام التافهة التي تحصد الملايين من جيوب الجمهور الساذج الغليظ الذوق.

وفي اليوم الثالث من عرض الفيلم ذهبت لمشاهدة الفيلم وصحبت معي زوجتي، وجدت زحاماً أمام دار العرض فأدركت أن ما سمعته هو حقاً مجرد إشاعات، ولكن بعد أن جلسنا في قاعة العرض ومر حوالي ساعة من أحداث الفيلم إذ بزوجتي تلفت نظري إلي انصراف بعض المشاهدين ومغادرتهم لقاعة العرض، وبالفعل لاحظت ذلك.

وزاد يقيني أكثر في الاستراحة حيث غادر عدد كبير من الناس قاعة العرض فظننت أنهم يريدون تناول شيء من المرطبات كما يحدث عادة ولكن بعد انتهاء فترة الاستراحة لم يعد معظمهم إلي أماكنهم وغادروا دار العرض، وأصبحت القاعة أقرب لأن تكون خاوية حتي أننا بدأنا نشعر بوطأة برودة التكييف.

وعندما عدت إلي البيت أخذت أفكر فيما حدث وأحاول أن أعرف السبب الذي جعل الناس تغادر قاعة العرض إلي أن أرجعتها إلي أسباب فنية في الفيلم قررت أن أذكرها إذا ما نويت الكتابة ولكن حال بين ذلك وبيني دواعي السفر إلي تركيا مصاحباً لفريق عمل مسلسل تليفزيوني قمت بكتابته.

قضيت في تركيا أكثر من أسبوعين لم يصلني في هذه الفترة أية أخبار عن الفيلم وذلك لأنني حتي كنت قد نسيت تليفوني الموبيل وقررت بيني وبين نفسي بألا اتصل بأحد حتي لا أشغل تفكيري بأي شيء في هذه الفترة واستمتع بما أشاهده في هذا البلد الذي أزوره لأول مرة.

وعند عودتي في الطائرة أحضرت لي المضيفة مجموعة من الصحف والمجلات خاصة أنني كنت بمفردي في مقاعد الدرجة الأولي في طائرة شركة مصر للطيران فأدركت أن الشركة تعاني من عدم الرواج، وبالطبع زاد الاهتمام بي في كرم الضيافة، وقضيت الوقت في قراءة الصحف والمجلات فإذا بي أجد أمام عيني كتابات كثيرة وأقوالاً عديدة عن الفيلم «عمارة يعقوبيان» وأدركت أن هناك أزمة طاحنة يتعرض لها الفيلم تصل إلي المطالبة بمصادرته وفوجئت بأن هناك وزراء وأعضاء من مجلس الشعب وأصحاب أقلام يهاجمون الفيلم هجوماً أكثر شراسة بكثير من هجومهم علي فيلم «شفرة دافنشي» وعلي الرواية نفسها رغم أنهم لم يشاهدوا الفيلم أو يقرأ أحدهم الرواية، وعرفت أن وزير الثقافة يقف وتعصف به الحيرة وينتظر ما تسفر عنه المعركة وهل سوف يضطره هذا الاستنكار والغضب إلي اتخاذ نفس القرار الذي اتخذه من قبل في مصادرة بعض الروايات الأدبية وفيلم «شفرة دافنشي» حتي أنني خشيت أن تصبح وزارته وزارة التفتيش بدلاً من وزارة الثقافة.

ولاحظت شيئا غريباً وهو أن معظم من يطالبون بمصادرة الفيلم أو مهاجمته أو يبدون استنكارهم وتقززهم أناس ليس لهم علاقة بالفن وأصوله وربما لم يقرأوا كتاباً في حياتهم سوي الكتب المدرسية التي كانت مقررة عليهم وأن كلمة «الفن» تعني لهم التحرر من القيم والانحلال وأنهم يعتقدون أن مناصبهم تبيح لهم مالا يبيحه لهم المثقفون والمتخصصون ولذلك فإن لهم الحق كل الحق بأن يحكموا علي الأشياء كما يشاء لهم جهلهم وهذه من المصائب التي تعاني منها، فما أن يتقلد شخص منصباً كبيراً حتي يصبح له حق الفتوي في كل شيء ويصبح رأيه فيما ليس به شأن هو رأي له قيمته مع أن بعض هؤلاء الأشخاص لا يفهمون أصلاً فيما جاؤا من أجله شيء ويغادرون مناصبهم وقد زادوا بلدهم وكسة علي وكسة

ولاحظت أيضاً أن الجزء الأكبر من اعتراض المتعرضين يدور حول جزء معين من الفيلم وهو ذلك الجزء الذي يدور حول شخصية الرجل الشاذ جنسياً ويرأس تحرير إحدي الصحف التي تصدر باللغة الفرنسية، وفي رأيي كسينمائي متخصص فإن هذا الجزء من الفيلم هو النقطة المضيئة فنياً تمثيلاً وإخراجاً من بين أحداث الفيلم رغم أنه سبق وأن قدمه وحيد حامد في فيلم «ذيل السمكة» بشكل مشابه يصل إلي حد التكرار، ولكن التمثيل والإخراج لهذا الجزء في فيلم «عمارة يعقوبيان» أفضل من الفيلم السابق بل أفضل ما تناوله أي فيلم في تاريخ السينما المصرية، وأنا أخشي بعد كلامي هذا أن يتهمني هؤلاء المتشنجون بأنني أدافع عن الشذوذ الجنسي أو أنني واحد من أهله ولكن هذا لا يثنيني عن رأيي في هذه الجزئية الفنية من الفيلم. وأنا لم أقرأ رواية «عمارة يعقوبيان» التي كتبها علاء الأسواني الذي كنت أعجب كثيراً بما كان يكتبه والده الأديب الكبير خفيف الدم عباس الأسواني، وسمعت الكثير من المديح وقرأت الكثير من التحليل والنقد لها بما يؤكد تميزها، وأدركت أنها «رواية شخصيات» وتدور أحداثها في مكان واحد وهذا النوع من الروايات يطلق عليه في النقد الأدبي «الرواية الدرامية the dramatic» أي أن الحدث يدور في إطار أشبة بالمسرح.

وكانت رائدة هذا النوع من الروايات هي الكاتبة الإنجليزية الشهيرة «جين أوستن» وبرع فيها أيضاً الروائي العظيم توماس هاردي ونجيب محفوظ في «زقاق المدق» و« خان الخليلي» والثلاثية، ولكن رواية «عمارة يعقوبيان» علي ما تبدو قريبة الشبة بإحدي روايات الكاتب الفرنسي إميل زولا رائد المدرسة الطبيعية في الأدب والتي تدور أحداثها كلها في أحد البيوت ولكني للأسف لا أتذكر عنوانها الآن، وتشبه كذلك رواية الكاتب المصري الأصل الفرنسي الجنسية ألبير قوصيري «منزل الموت المؤكد» واستطيع أن أقول أن رواية «عمارة يعقوبيان» لا تتشابه مع هاتين الرواتين فقط في الشكل ولكن أيضاً في المضمون فالروايات الثلاث تتناول قضية الفساد الاجتماعي والسياسي وللحديث بقية.

جريدة القاهرة في

18.07.2006

 
 

عمارة يعقوبيان يستقطب اقبالا كبيرا فى مهرجان قرطاج الدولي

استقطب الفيلم المصرى " عمارة يعقوبيان" للمخرج مروان حامد اقبالا كبيرا مساء السبت فى إطار الدورة الواحدة والأربعين لمهرجان قرطاج الدولى وتوقف النقاد طويلا عند ابعاده ومضمونه.

وعرض الفيلم فى المسرح الأثرى الرومانى فى قرطاج أمام نحو 12 ألف مشاهد لم يغادروا المكان طوال ثلاث ساعات رغم انقطاع الصورة والصوت مرارا.

وأشاد رؤوف بن عمر مدير مهرجان قرطاج بالاقبال على الفيلم وقال إن تظاهرة قرطاج تبحث دائما عن العروض الراقية والمهمة بعيدا من الابتذال.

وأضاف أنه ليس منطقيا أن يصبح الفيلم والرواية التى اقتبس منها حدثا ثقافيا فى فرنسا مثلا ويبقى مجهولا فى تونس.

واشاد الصحافى التونسى صابر سميح بن عامر بعمل المخرج الشاب مروان حامد معتبرا انه جريء بتناوله مواضيع اجتماعية وسياسية بحرفية كبيرة".

وأضاف رغم أن الفيلم باكورة أعمال حامد فقد تضمن لقطات تذكرنا بأفلام هوليوود".

وأكد بن عامر أن عمارة يعقوبيان أتاح للمشاهدين الوقوف على امكانات الممثلين المصريين فى تقمص شخصيات عدة"، متوقفا خصوصا عند الممثل خالد الصاوى الذى أدى دور شاب شاذ جنسيا. ودعا السينمائيين التونسيين إلى مشاهدة الفيلم والوقوف على فوائد هذه التجربة الثرية".

بدوره، أشاد المشاهد سفيان بن ريش بالفيلم الذى نجح فى معالجة قضايا كثيرة تشغلنا ووضع الإصبع على الداء الذى ينخر مجتمعنا العربى مثل التطرف والفساد والطبقية والتعذيب فى السجون. واعتبر أ ن هذه المواضيع قلما تطرقت إليها السينما العربية بهذه الشفافية والشجاعة. ورأى ان ما زاد فى جمالية الفيلم ان ممثلين كبارا ادوا فيه ادوارا ثانوية".

وفى حين صفق المشاهدون طويلا للفيلم، فضل الصحافى التونسى منصف بن عمر مغادرة مكان العرض لأن المخرج اساء إلى الرواية التى اقتبس منها الفيلم حين تناول مواضيع عدة فى آن واحد وبسط أفكاره مرة واحدة .

وأضاف "كأننا به لا ينوى أخراج افلام أخرى بعد ذلك".

ويرسم المخرج مروان حامد فى عمارة يعقوبيان صورة حياة حى وعمارة فى وسط القاهرة بلغة جريئة تعالج قضايا المثلية والتحرر والفساد والطبقية والتعذيب من دون أحكام مسبقة.

وحظى الفيلم بنجاح لدى عرضه فى عدد من المهرجانات العالمية ويشارك فيه حشد من نجوم السينما المصرية من أجيال مختلفة أمثال عادل إمام ونور الشريف ويسرا وهند صبرى وأحمد بدير وأحمد راتب واسعاد يونس وسمية الخشاب.

والفيلم مأخوذ من رواية تحمل الاسم نفسه للروائى المصرى علاء الأسوانى صدرت عام 2000 وحققت مبيعات قياسية وترجمت إلى لغات أجنبية عدة.

ومن العروض السينمائية المقررة فى إطار المهرجان الذى يستمر حتى 16 اب/اغسطس فيلم " حليم" للمخرج المصرى شريف عرفة الذى يروى سيرة عبد الحليم حافظ مع النجم الراحل أحمد زكي، وفيلم "التلفزة جاية" للتونسى منصف ذويب و"كارطاغو" للمنتج أحمد بهاء الدين عطية وهو أول شريط تونسى كرتوني.

وتعرض أيضا أفلام تونسية قصيرة شاركت فى مهرجان كان الفرنسى ولقيت استحسان الجمهور والنقاد.

وفى برنامج المهرجان كذلك أمسيات موسيقية وشعرية وعروض راقصة ومسرحية من تونس ومصر ولبنان وسوريا والكويت والعراق والامارات والمغرب وفرنسا وكوبا وكوريا والولايات المتحدة.

نجاح المولهي-الفرنسية-

العرب أنلاين في

23.07.2006

 
 

عطر وحبر

هدف فيلم عمارة يعقوبيان

أمل الحسين 

صحيح أن رواية عمارة يعقوبيان تطرقت لكثير من أنواع الفساد الموجود في مصر في عام 95م، وصحيح أنه كان هناك انتظار حار من الجمهور لمشاهدة الفيلم عندما أعلن عن رغبة تصويره وزادت اللهفة عندما أعلن عن الأسماء المشاركة في الفيلم مما يشير إلى أنه سيكون فيلماً نخبوياً، فيلم سيحتل الصدارة لعدة مواسم، فمنذ متى لم يجتمع كل هذا العدد من النجوم في فيلم واحد وسيزيد جماله واللهفة عندما يصنف بأنه فيلم يرصد تاريخاً اجتماعياً مثل حال فيلم عمارة يعقوبيان.

حماس مشاهدة الفيلم بعد نجاح الرواية وحجم الإعلانات والدعاية التي حظي بها لاسيما مع احتوائه على أكبر الأسماء في عالم الفن المصري كل حسب مجاله، هذا الحماس جعل التدفق الجماهيري كبيراً جداً على قاعات دور السينما منذ الإعلان عن عرض الفيلم، رغم ما نشر في وسائل الإعلام من نقد وانتقاد إلا أن حماس مشاهدة الفيلم يتغلب على كل ما تقرأه حتى لو كانت كتابات لكتاب تثق بهم حيث يسيطر عليك فضول المعرفة ولديك إحساس خفي غير مفسر بأنك ستشاهد فيلماً أقل ما يوصف به أنه الرائع وهذا نتيجة معرفتك بالأسماء التي تقف خلف الفيلم وان كنت قرأت الرواية المليئة بالحركة والدراما ستتلهف أكثر لترى روعة تنفيذ وترجمة ما قرأت على الواقع حيث اعتمدت عند قراءة الرواية على مخيلتك لرسم الشخصيات والمواقف، ومنذ الدقائق الأولى لمشاهدتك للفيلم تبدأ أفكارك تتحول وحماسك يخفت إلا أنك تصر على إكماله لعلك تجد فيه ما يرضي لهفتك ولكن الفيلم يصر على أن ينحدر في كل مشهد نحو الأسفل فقد كان التركيز على الأمور والأوضاع الجنسية هو محور الفيلم الأساسي ولم يكن تركيزاً موضوعياً ويتطلبه حال الفيلم فهناك كثير من المشاهد والحوارات كان يمكن جداً الاكتفاء بالإيحاء والمشاهد سيفهم المقصود إلا أن صناع الفيلم أصروا على أن يكون كل شيء واضحاً مثل وضوح الشمس سواء بالكلام أو الأفعال مما يجعلك تشعر بالتقزز، وهذا ليس اعتراضاً على مناقشةأمور جنسية حيث إني على قناعة أن من مهام الدراما هي توجيه الصدمة للمجتمع ولكن الصدمة ذات الهدف التي تسعى لتعديل وتحسين الأوضاع أو ضرب جرس الإنذار للتنبيه عن وقوع الخطر إن لم يتدارك.

في فيلم يعقوبيان لم يكن هناك أي شيء من أهداف صدمة الدراما، معظم مشاهد الفيلم تنقلك من مشهد جنسي إلى آخر سواء كان بالحوار الفج المباشر أو بالفعل الفج أيضاً حتى انك قد تسمع في قاعة السينما أصواتاً تحوقل عند مشاهدة هذه اللقطات ويبدو أن هؤلاء كانوا بصحبة أسرهم حيث تشعر بالخجل وأنت تصحب أسرتك لمشاهدة هذا الفيلم وهنا تعرف سبب الإعلان عن أنه لا يسمح لمن هم دون الثامنة عشرة من مشاهدة الفيلم وبطبيعة الحال ليس هناك أي تنفيذ لهذا الموضوع ومن الطبيعي أن لا يكون هناك تنفيذ أصلاً لمثل هذا الذي لا أعرف ماذا أسميه شرطاً أو طلباً أو ماذا؟! فهل يعقل من الأسرة قبل أن تتوجه إلى دار السينما أن تعلن لأبنائها أنه من كان في الثامنة عشرة وما دون فلن يصاحبنا!! ومعنى هذا أن على الشاب أن يذهب برفقة أصحابه!! ومن دخل داراً للسينما سيجد أن هناك عدداً من عمر الثامنة عشرة وما دون تغص بهم القاعة وهذا أمر طبيعي فالفن لا يوجه لعمر دون الآخر وان وصل لهذا الأمر فمعنى ذلك أن هناك وجهة نظر في العمل على صناع الفيلم أن يراجعوا أنفسهم فيها!! فجرح مشاعر المشاهد وذائقته لا تختص بعمر دون الآخر بالعكس قد يكون وقعها على الكبير أشد من الصغير!!

أنا أتفق أن الدراما ناقل لواقع وقد يكون ما جاء في الفيلم واقع فعلاً ولكن تركيزه في عمل واحد هو ما جعله فجاً ومقززاً!! فليس من المقبول أن يكون فيلم واحد وبنجوم كبار فيه كل هذا الكم من السقوط حتى إنك تصبح تبحث عن الهدف في هذا الفيلم وكأنك تبحث عن إبرة في كومة قش، وحتى نكون منصفين لابد أن نشير لما تطرق إليه الفيلم من آثار الاعتداء الجنسي على الأطفال وإهمال والديهم لهم فانحراف السلوك الذي يعيشه حاتم رشيد هو نتيجة تعرضه للاعتداء من الخادم في صغره!! والظلم الذي تعرض له طه ابن البواب وحرمانه من دخول العسكرية بسبب الفوارق الطبقية!! عدا ذلك على الأقل بالنسبة لي كمشاهدة لم أر في الفيلم ما يستحق أن يرى وبعد الانتهاء منه شعرت وكأني تعرضت لخديعة كبرى وحماس ولهفة لم يكونا في مكانهما ولدي إحساس أن كثيراً من الجمهور حالهم مثل حالي!!

الرياض السعودية في

23.07.2006

 
 

ليانة بدر: بوابات العبور من معالم الحياة المستحيلة للإنسان الفلسطيني

«عمارة يعقوبيان» يفوز بجائزة مهرجان السينما العربية قبل انتهاء المسابقة

باريس ـ حسين قطايا: 

تغيب حرارة المنافسة عن الدورة الثامنة لمهرجان السينما العربية في باريس، الذي يقيمه معهد العالم العربي كل عامين. فأكثر النقاد ومتابعي نشاطات المهرجان، يتناقلون بالهمس والعلن اسم الفيلم الفائز بجائزة أفضل فيلم روائي طويل، وهو فيلم «عمارة يعقوبيان» أي أن النتيجة محسومة سلفاً لصالح عمل ضخم انتاجياً في امر الجائزة الكبرى.

و«عمارة يعقوبيان» فشل منذ شهرين في مهرجان روتردام للفيلم العربي بالحصول على جائزة أفضل روائي، لان لجنة التحكيم كانت مستقلة بالكامل، على عكس ما يشاع أو يقال عن لجنة تحكيم الأفلام الروائية هنا في باريس.

هذه حال مؤسسات الثقافة العربية إن كانت رسمية أو سواها. فعلى الدوام تروج هذه «المراجع» لتثبيت أنماط التزوير والخداع. خاصة وان «عصابات» فنية ثقافية تتمتع بقدرة مستندة إلى علاقات واسعة مع سلطة أو سلطات، في لعبة تبادل الأدوار وتأمين المصالح بين طرفين، المفترض أن يكونا نقيضين، أو على الأقل أن تكون جهة الثقافة والفن تمثل الضمير العام الذي يصحح اعوجاجات السياسة. لا أن يتآمر هذا وذاك على مواطن مغلوب على أمره في العيش والاقتصاد والسياسة، والآن في الثقافة أيضاً.

«يعقوبيان» ومشاكله الكثيرة

راكمت السينما المصرية خلال مسيرتها الطويلة زمنياً، أعمالا من كل الأنواع والمستويات، ففيها الكثير الهابط، والقليل الممتاز، والأقل المتوسط. لكن التجربة المصرية بحد ذاتها تجربة كبيرة، والأوسع في العالم العربي في إطار الفن السابع، الذي هو فن بصري في جوهره، وعلى صلة حثيثة بمجمل فنون أخرى بتأثيره أو تأثيره بها.

والمجتمع المصري يتمتع بصفة روائية هي الأقوى بين أشقائه العرب. كون مصر حققت وحدتها الاقتصادية الاجتماعية لأسباب طبيعية وتاريخية.

ولا أحد يستطيع نكران التأثيرات الكبيرة في هذا الإطار لنهر النيل الذي وهب لمصر هذا التحقق، الذي رسم ملامح الشخصية الاجتماعية في مصر وشكل ذاكرتها العامة، وفتح الفضاء أمام الفن الروائي على مصراعيه، فبرز نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وغيرهما.

في وقت برزت في بلدان المشرق العربي «سوريا، لبنان، فلسطين، العراق» مجموعات كبيرة من الشعراء، بما يحمله الشعر من مستويات للاختزال، خاصة في ظل عدم تبلور دورات اقتصادية اجتماعية متكاملة في بلدان المشرق، بسبب «سايكس ـ بيكو» وغياب أي عنصر اقتصادي، يتطور ويطور أنماط الاجتماع معه.

«عمارة يعقوبيان» مأخوذ عن رواية للكاتب علاء الدين الأسواني بالاسم ذاته. وأعده للسينما السيناريست المخضرم وحيد حامد، وأخرجه ولده مروان، ولعب دور البطولة فيه حشد من النجوم المصريين أبرزهم: عادل إمام، يسرا، نور الشريف إسعاد يونس، هند صبري، سمية الخشاب، أحمد بدير والإنتاج لشركة «جود نيوز للأفلام» لصاحبها الإعلامي عماد الدين أديب. أي أن الفيلم حاز على ثلاثة عناصر مهمة لنجاح أي عمل سينمائي.

العنصر الأول: الرواية مشهورة وجميلة، والثاني: حشد كبير من أسماء النجوم الأوائل في مصر، والثالث: الممول الكبير والجديد في عالم الإنتاج، الساعي إلى تحقيق معادلة صعبة لم ينفذ منها إلا أفلام قليلة على مستوى العالم، وهي النجاح التجاري، والفني أو إرخاء المشاهد العادي والمشاهد المتابع أو المثقف. فنجح المنتج في تحقيق النجاح التجاري، وأخفق في إصابة الهدف الثاني، فمشاكل هذا الفيلم تبدأ في الأساس من تفكير أصحابه بأسلوب الوصفات الجاهزة المطبقة على إنتاج العمل، المرهق والرازح تحت أسماء «النجوم» الكبار.

فغاب عن البال أن «الرواية» هي بطلة الفيلم، و«النجوم» لا يستطيعون تغيير هذه الحقيقة. فالممثل عادل إمام الذي أدى دور شخصية «زكي» الثري المنسجم مع حياة اللهو والعبث، بخيانة واضحة.

كرر في استخدام أدواته التعبيرية، التي هي عينها على مدى ربع قرن لا يحيد عنها، فتضيع شخصية الرواية، أي زكي في خضم تضخم «أنا» الممثل، الذي لم يعرف حتى الآن وبعد تجربته الطويلة، بأن ألف باء التمثيل بداية، في ان لا يمثل الممثل، ولا ان يسجن ذاته في إطار الكاريكاتير.

ليس هذا السبب الوحيد الذي ترك فيلم «عمارة يعقوبيان» بلا مكانة في ذاكرة السينما العربية أو غيرها، إذ أن تواجد مروان حامد وابنه في فيلم واحد شطر الفيلم إلى نصفين. بين جيلين ورؤيتين، إحداهما كلاسيكية والثانية «حديثة»، وهذا ليس مذمة لأحدهما، بل انه من الطبيعي أن تتعدد الاتجاهات بين الأجيال، لكن لا يمكن للكادر السينمائي أن يجمع رؤيته في متناقضين.

التسجيلي القصير

السينما التسجيلية نوع سينمائي له جمهوره الخاص، الذي ينتظره ويتابعه في التظاهرات الفنية من خلال شاشات التلفزيونات التي تعرض عادة هذه الأعمال، لتعذر إيجاد حالات سينمائية مستعدة لأن تغامر وتعرض لعمل لا يتمتع بصفة تجارية أو ربحية بالكامل، لأن السينما التسجيلية واقعية وإنسانية بالكامل، أي انها تشكل جدياً ما يسمى بسينما القضية، بمعناها الثقافي العام، الذي يتداخل فيه عناصر كثيرة، تبدأ بهموم العيش والاقتصاد، وينتهي بكشف وجه الظروف السياسية المتحلي بمرارة أكثر الأحيان.

تعرض في هذه التظاهرة السينمائية العربية في باريس مجموعة من الأفلام التسجيلية القصيرة من 12 فيلماً، اختيرت من بين عشرات الأفلام، التي تقدمت للاشتراك. وقد أحسنت لجنة الاختيار بعملها على تقديم أفلام من مستوى جيد وما فوق. ويأتي في طليعتها فيلم «أنت يا وجيه» للمخرج المصري نمير عبدالمسيح، الذي يدلق على ساحة الشاشة الفضية ملحمة في 29 دقيقة، حول ذاكرة والده، الذي دخل السجن في العام 1959 في مصر، لأسباب نشاطاته «اليسارية»، وخرج منه بعد خمس سنوات.

الحكاية بحد ذاتها تحمل معاني كثيرة، وتفسيرات وتحليلات أكثر، أضيف إليها علاقة الأب والابن وبالعكس، لا يتصارعان ولا يتفقان. يقفان بجانب بعضهما باتجاهين، جسدتهما زوايا اللقطات لكاميرا مخرج يعني بتفاصيل كل عناصر الكادر، الذي يحمل بشكل متوال لحظة راهنة وأخرى من الماضي، معاً يؤلفان الرؤية. النصف الأول من «أنت يا وجيه» صور بالأبيض والأسود وفي الدواخل، بين الظل والضوء تتحرك عين المخرج، إلى حين الانتقال إلى التصوير الخارجي الملون الذي هو إعلان عن المخرج من المعتقل إلى الحياة «الزاهية».

عمل بإنتاج بسيط ومستواه أكثر من جيد.

«في هذا البيت» للمخرج اللبناني أكرم زعتري، يحكي قصة المقاوم علي الذي ترك رسالة لأهل البيت الذي حوله مع أصحابه إلى مكان لانطلاق العمليات العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، يشرح لهم ما بذله مع رفاقه لحماية الوطن من الغاصبين. الفيلم مشغول برصانة مهنية، والسيناريو جيد ومؤثر.

من لبنان أيضاً قدمت سارة حيدر عملها الثاني «خالتي هالة»، عن قصة امرأة مريضة، تصاب بفقدان السمع والقدرة على النطق، تعبر بما تستطيع عن حياتها الصعبة وعن الأمل المصاحب لها على الدوام رغم أن الظروف المحيطة مأساوية. المستوى الفني لعمل المخرجة حيدر ضئيل، مع أن السيناريو شفاف وإنساني.

من الأفلام الجيدة أيضاً داخل مسابقة «التسجيل القصير»، فيلم الإعلامية والأديبة الفلسطينية ليانة بدر «مفتوح: مغلق»، بإشارة إلى علاقة الفلسطيني مع « الطريق» التي يزرعها الاحتلال بعشرات الحواجز. وتقول بدر عن هذا الأمر:

في جميع بلدان المعمورة، يأخذ الطريق الإنسان إلى حيثما يريد أن يصل، إلا في فلسطين، حيث الإنسان يعلق في متاهة الطريق المزروع بالبوابات وبالجدران والحواجز الإسرائيلية، التي تغلق مزاجياً وعنوة طرقاً معينة، وتفتح أخرى، لتعيد إغلاقها من جديد».

يقدم الفيلم قصصاً عديدة تقع على بوابات العبور التي تقول عنها ليانة بدر: «هذه البوابات صارت معلماً جديداً في الحياة المستحيلة للإنسان الفلسطيني».

البيان الإماراتية في

26.07.2006

 
 

مؤلف عمارة يعقوبيان‏:‏

الفيلم كان مخلصا للرواية‏..‏ والمكان هو البطل

حوار‏:‏ أمـيرة أنــور 

حققت رواية عمارة يعقوبيان للكاتب د‏.‏ علاء الأسواني نسبة مبيعات عالية‏,‏ وتم ترجمتها لعدة لغات‏,‏ ونالت شهرة أكبر بعد شراء الكاتب وحيد حامد لها وتحويلها لفيلم سينمائي‏,‏ أثار حوله الجدل بعد عرضه‏..‏ فماذا يقول كاتبها عن الفيلم الذي قدم عنها؟‏.‏

‏*‏ ما ملاحظاتك علي الفيلم‏,‏ ومدي ارتباطه بالرواية؟

ــ بعد مشاهدتي للفيلم شعرت بسعادة كبيرة‏,‏ فقد تم تقديمه بشكل جيد‏,‏ وهو لم يقيم بأي اضافة أو حذف يسبب ضررا لمضمون الرواية‏.‏

‏*‏ هل كانت لك شروط عند بيع حقوق الرواية للسيناريست وحيد حامد؟

ــ لم تكن هناك أي شروط لأنني أؤمن بمسئولية كل فرد عن العمل الذي يقدمه‏,‏ فأنا مسئول فقط عن روايتي‏,‏ أما مسألة تحويلها إلي فيلم‏,‏ فهذه مسئولية من يقدمها ولا دخل لي فيه‏..‏ خاصة أن الذي اشتراها الكاتب الكبيروحيد حامد والذي يتمتع بقدرات كبيرة ككاتب سيناريو‏,‏ مما جعلني أشعر بالاطمئنان‏.‏

‏*‏ تناولت الرواية مجموعة كبيرة من الشخصيات في مكان واحد‏,‏ ولكن لم تربط بينهم بعلاقات إنسانية‏..‏ لماذا؟‏.‏

ــ ما قصدته في عمارة يعقوبيان أن يكون المكان هو البطل الأساسي للرواية‏,‏ وهذا نوع من الأدب متعارف عليه من القرن التاسع عشر‏,‏ وهناك روايات كلاسيكية كبيرة بطلها المكان مثل جسر علي نهر دارينا للكاتب اليوغوسلافي ايفو اندريتش‏,‏ وروايات الكاتب الكبير نجيب محفوظ‏,‏ ومن ضمن خواص بطولة المكان أنه لا يشترط أن تكون هناك علاقات جانبية بين الخطوط الدرامية‏..‏ وفنيا لست ملزما بتقديم هذه العلاقات‏.‏

‏*‏ انتقد البعض النظرة القاتمة التي تري بها حال المجتمع؟

ــ مسألة تقديم النموذج الإيجابي والسلبي أمر لانشاهده إلا في الدراما التليفزيونية المصرية‏,‏ وهو أمر لايشترط تقديمه في الأدب الذي من وظيفته البحث عن المناطق التي لايشاهدها ويراها الجمهور‏..‏ فهو أعمق من مجرد تقديم نموذج ايجابي‏..‏ ومثال علي ذلك رواية ذكريات من بيت الموتي للكاتب الروسي ديستوفسكي والتي تدور حول مجموعة من المجرمين‏,‏ ولكنه اعتمد علي ابراز المشاعر الانسانية الخاصة‏.‏

‏*‏ شخصيات الرواية أوحت بنماذج وأشخاص من الواقع‏,‏ فهل كنت تقصد ذلك؟

ــ بالطبع لا‏,‏ ولكن النماذج السيئة الموجودة بالمجتمع معروفة للجميع‏,‏ لذلك كان من السهل اكتشافها أو ربطها بشخصيات الرواية‏..‏ وهذا الأمر لم يحدث فقط مع عمارة يعقوبيان ولكن حدث أيضا لفتحي غانم في رواية زينب والعرش ومع احسان عبدالقدوس بعد رواية أنف وثلاث عيون‏.‏

‏*‏ هل رغبت في تحويل الرواية إلي فيلم منذ كتابتك لها؟

ــ أعتقد أن من يفكر بهذه الطريقة يسئ للأدب‏,‏ وبالنسبة لي فإني أكتب لقراء الأدب فهؤلاء من اهتم بهم واستمد نجاحي منهم‏.‏

‏*‏ بعض الشخصيات ظهرت بالفيلم بشكل مسطح مثل شخصية طه الشاذلي فما تعليقك؟

ــ أحب أن أوضح أنه ليس من الانصاف مقارنة الرواية بالفيلم‏,‏ لعدة أسباب أولها الاختلاف الكبير بينهما‏,‏ فالروائي يكتب وهو حر طليق وليس هناك ما يقيده‏,‏ كما أن الأدب لايحقق عائدا ماديا‏..‏ أما السينما فهي صناعة تتضمن عناصر كثيرة وتخضع لظروف السوق‏,‏ بالاضافة إلي وجود توقيت زمني محدد للعمل السينمائي‏..‏ كما أنه لكاتب السيناريو حرية اختيار الخطوط الدرامية التي يقدمها بالفيلم‏,‏ خاصة أن الرواية تتضمن‏24‏ شخصية لايستطيع أي كاتب سيناريو أن يقدمها بنفس عمق الرواية‏,‏ وهذا الكلام ليس دفاعا عن الفيلم وإنما هي وجهة نظري‏..‏ ولكن الفيلم كان مخلصا للرواية‏.‏

الأهرام اليومي في

26.07.2006

 
 

أبطال عمارة يعقوبيان ضيوف شرف

القاهرة ـ محمد أبوكريشة:  

عندما كان نجيب محفوظ يسأل عن رأيه في تحويل أعماله الى السينما كان يجيب: اسألوني عما كتبت ولا تسألوني عما شاهدتموه في السينما، وعلاقتي بالعمل الادبي تنتهي بمجرد وصوله الى القراء·

أراد نجيب محفوظ أن يقول إن الرؤية السينمائية تختلف عن الرؤية الادبية، فالعمل السينمائي نص جديد حتى لو استخدم نفس الاسماء ونفس الاحداث· ومن قرأ رواية علاء الاسواني ''عمارة يعقوبيان'' ينتابه شك في إمكانية تحويلها الى فيلم سينمائي ناجح جماهيريا او نقديا بمقاييس هذه الايام، فالرواية ليس بها بطل مطلق وفيها تشابك رهيب بين الاحداث وتجمع بين التابوهات الثلاثة المحظورة رقابيا وهي السياسة والدين والجنس·

والحاجز الاهم الذي كان على صناع فيلم ''عمارة يعقوبيان'' اجتيازه هو ان رواية الاسواني فيها شكل معماري هندسي متقن يشبه العمارة التي كانت بطلا حقيقيا للاحداث· وكان على صناع الفيلم اجتياز حاجز الرقابة وعرضه بلا محذوفات وهو ما تحقق لهم·

مدة عرض الفيلم 180 دقيقة وهو عن رواية علاء الاسواني وسيناريو وحيد حامد وإخراج نجله مروان حامد في أول تجربة روائية طويلة له، والفيلم من انتاج شركة ''جودنيوز سينما'' التي رصدت له أكبر ميزانية في تاريخ السينما المصرية (26 مليون جنيه)· والبطولة لحشد كبير من نجوم الصف الاول: عادل امام ونور الشريف ويسرا وهند صبري وخالد الصاوي وخالد صالح ومحمد عادل امام وسمية الخشاب وإسعاد يونس وأحمد بدير وأحمد راتب·

عمارة اجتماعية

''عمارة يعقوبيان'' ليس حكاية لها بداية وعقدة ونهاية، بل هو استعراض درامي يعبر عن مجتمع· والفيلم يقول ما يعرفه الناس ولكنه يوصل الخيوط ببعضها لتلتقي في نقطة واحدة، وهو ما لا يستطيع العامة فعله بلا مساعدة من محلل او روائي او مخرج· وتضافرت كل عناصر الفيلم في توصيل الاحداث والشخصيات ببعضها لتتقاطع في نقطة التكثيف المطلوبة، فتعاون السيناريو والاخراج والاضاءة والديكور والتصوير والمونتاج في رسم هذه اللوحة الفنية التي اثارت الكــــثير من الجدل مع الاعتراف ببعض مناطق الضعف مثل التطويل والبطء أحيانا·

وقد التزم السيناريست وحيد حامد بنفس البناء المعماري لرواية الاسواني، لكنه لم يتوار خلف عمل الاسواني بل برزت رؤيته الشخصية من خلال الحوار على لسان الابطال او بالتركيز على أحداث بعينها وهو ما فعله ايضا المخرج مروان حامد الذي استطاع في تجربته الروائية الاولى إدارة الممثلين الكبار باقتدار رغم تعدد الشخصيات وتشابك الاحداث· ولا تقلل بعض الهنات الاخراجية من جهده المضني مثل تركيزه المكرر على إبراز مشهد العمارة من الخارج وارتباكه في السرد الذي ورد على لسان (حاتم رشيد) رئيس التحرير الشاذ جنسيا عن تاريخ شذوذه وبدايته باعتداء الخادم عليه·

وقد تفوق مروان في مناطق كثيرة من الفيلم وابرزها مشهد الصدام بين رجال الامن والمتظاهرين الذي استخدمت فيه الكاميرا المحمولة ومن خلالها نقل رعب المواجهة الى المشاهدين·

جدل وشخصيات

أما الجدل الذي يثيره الفيلم فهو نفس الجدل الذي أثارته الرواية، وهناك ملاحقات قضائية للكاتب والسيناريست والمخرج والشركة المنتجة· ومع ذلك يمكن القول ان فيلم ''عمارة يعقوبيان'' ولد ليبقى لأنه يؤسس لحقبة سينمائية جديدة، وهو فيلم قابل للحوار الجاد وثري بالافكار بصرف النظر عن الاختلاف او الاتفاق معها· كما ان الفيلم يثري الحركة النقدية التي تدهورت مع تدهور الاعمال الفنية·

وهدف الفيلم ورد في جملة معبرة على لسان زكي الدسوقي (عادل امام) عندما قال ''الناس لازم تبص على البلد دي اللي بقت مزابل من فوق ومسخ من تحت''، وزكي الدسوقي رجل من بقايا باشوات ما قبل ثورة يوليو ولديه مكتب بعمارة يعقوبيان يستخدمه كشقة لنزواته الغرامية التي تنتهي غالبا بسرقة أمواله من بنات الليل· ويقيم زكي مع أخته الارملة (إسعاد يونس) التي تسعى لسلب كل أمواله وهو حي·

أما الحاج عزام (نور الشريف) فهو نموذج للاغنياء الجدد· فقد بدأ ماسح احذية وأصبح يمتلك نصف شارع سليمان باشا، وأراد استكمال الوجاهة بالحصانة البرلمانية فترشح للبرلمان· واستعان بكمال الفولي (خالد صالح) السياسي الكبير الذي بيده مقاليد الامور· ودفع الحاج عزام مليون جنيه للفولي مقابل ترشيحه على قائمة حزب الحكومة· ثم حصل عزام على توكيل سيارات بمبلغ 200 مليون جنيه وضغط عليه كمال الفولي ليأخذ ربع المبلغ، ولما رفض عزام فتحوا له الملفات وكشفوا نشاطه كتاجر مخدرات·

أما بثينة (هند صبري) فهي من سكان سطوح العمارة وحاصلة على دبلوم تجارة وتعمل بأحد المحال، وتتحمل اباحية صاحب المحل مقابل عشرة جنيهات كل مرة ، وتعمل بفلسفة أمها التي تقول ''ده سلو البلد دي ومافيهاش حاجة ما دمت لم تخلعي هدومك''· وكان هناك حب بين بثينة وطه الشاذلي (محمد عادل امام) ابن بواب العمارة ولكن اختلاف الطرق وضيق اليد حال دون اكتمال القصة، فعملت بثينة خادمة لدى زكي الدسوقي ووجدت فيه الستر ووجد فيها آخر أمل له في الاحساس بانه مازال حيا، وكان زواجهما هو النهاية السعيدة الوحيدة في الفيلم·

في المقابل فان طه الشاذلي ابن البواب الذي حال عمل أبيه دون قبوله في كلية الشرطة رغم مجموعه الكبير في الثانوية، فجعله إحساسه بالجرح والالم يسعى الى الانتقام فانضم الى التيار الاسلامي وتحول الى إرهابي مطارد، ويتعرض للاغتصاب في مباحث أمن الدولة·

جرأة الصاوي

وتبرز شخصية حاتم رشيد (خالد الصاوي) رئيس التحرير الشاذ جنسيا الذي ينتهي به المطاف الى القتل· وظل الصاوي طوال الفيلم يفلسف الشذوذ على أساس انه ليس ذنبا كبيرا في حجم الزنا· ودور حاتم هو الموازي لدور طه الشاذلي وكيف أن الدولة تسمح لشاذ جنسيا باحتلال موقع مهم وتضيق بمظاهرة للطلبة الاسلاميين·

أما يسرا فكانت ضيفة شرف الفيلم في دور ''كريستين'' الاجنبية التي تغني في مطعم تمتلكه· وواقع الامر ان كل النجوم كانوا ضيوف شرف لان الاحداث هي البطل، بالاضافة الى العمارة المكان الذي يضم الجميع، لكن النجوم الكبار أدوا ادوارهم باقتدار·

اما دور خالد الصاوي الشاذ جنسيا فكان الحسنة الوحيدة في الفيلم، علما ان البعض رأى انه السيئة الوحيدة· فقد اثار ضجة وصلت الى قبة البرلمان حيث طالب بعض النواب بحذف مشاهده لكن الخلاصة ان الذين خافوا من الدور ورفضوه ندموا اشد الندم بعد ان شاهدوا خالد الصاو

الإتحاد الإماراتية في

30.07.2006

 
 

سعيد بالضجة التى أثارها فيلمه الأخير

وحيد حامد: عمارة يعقوبيان نوبة صحيان فى سينما الأفلام اللذيذة

سعيد شعيب 

·     سألته: الفيلم يتضمن تلسينا على كمال الشاذلى هاجمه بعض المحسوبين على النظام.. ولماذا ينفق عماد أديب كل هذه الأموال على السينما؟

فأجاب: من قال إن كمال الفولى هو كمال الشاذلى وجرعة الصراحة العالية سبب هجوم البعض على الفيلم

مجموعة جمال مبارك احتضنت الفيلم قبل عرضه ثم هاجمته لأسباب مجهولة

كنت أظن أن السيناريست الكبير وحيد حامد لابد أن يكون محبطاً، فهذه المرة لم يأت الهجوم على فيلمه عمارة يعقوبيان من التيار الدينى فقط، ولكن من معارضين، والأهم من بعض المحسوبين على النظام، ولكنى وجدته فى هذا الحوار، الذى ينشر باتفاق خاص مع مجلة دبى الثقافية، حزيناً إلى حد ما، فبلد بحجم مصر لا تتحمل الديمقراطية فيها مجرد فيلم، ولكنه فى ذات الوقت كان فرحاً وفخوراً بما قدمه، فقد أثار كما يقول حواراً جاداً ليس حول القضايا التى أثارها فيلمه فقط، ولكن حول أشياء خطيرة تهم البلد كلها.

·         معظم أفلامك أثارت معارك كثيرة.. لماذا تبدو هذه المرة محبطاً؟

- فعلاً هذه مفاجأة بالنسبة لي.

·         وأنا أيضاً؟

-- لقد تأملت هذه المسألة، مرت العشرة أيام الأولى من عرض الفيلم باحتفاء جماهيرى ونقدى كبير جدا، وفى اليوم الحادى عشر بدأت حملة صحفية شرسة جدا، وإن كانت قد خدمت الفيلم رغم أنها ضده، فقد دفعت الجمهور لأن يرى بنفسه، فخرج منتصراً للفيلم، ولكن الذى حيرنى أكثر، أن الرواية موجودة منذ أكثر من خمس سنوات ولم يتكلم أحد، بل وأشادوا بها، ثم هاجموا الفيلم، وهذا يكشف عن عدم مصداقية كثير من المثقفين.

·         ولكن هناك من هاجم الرواية؟

- لم يهاجموها بسبب المضمون ولكن من الزاوية الفنية، إذن كان هناك ترحيب بمضمونها، والفيلم بشهادة كبار النقاد ومؤلفها نفسه د.علاء الأسوانى حافظ على محتواها، وأنا فخور بذلك، وهم لم يهاجموا الفيلم فنياً، ولكن خرجت أكليشيهات من نوع: سمعة مصر، أخلاق المجتمع. وهما تهمتان المقصود بهما التأثير على الجمهور بحجة أن الفيلم غير أخلاقى وفيه مناظر مسيئة.

·         ولكن هذا ليس جديداً.. أقصد هذا النوع من الاتهامات، وهو ليس ضدك فقط، ولكن ضد الفن عموماً؟

- نعم هذا سيناريو مكرر.

·         رد فعلك أنت هو الذى اختلف.. أقصد إحباطك؟

- لست محبطاً، بل أنا سعيد جداً، فكما قلت لك هذا سيناريو مكرر، فقد كانت عريضة الاتهام فى فيلم النوم فى العسل مثلاً، هى الإساءة إلى الشعب المصرى بشقيه المسلمين والمسيحيين، وهو يذاع الآن فى التليفزيون المصرى كما هو، والقاضى وقتها سأل المحامي: كيف شاهدت الفيلم؟ رد: اشتريت تذكرة. هنا قال له: لقد شاهدته بإرادتك، أى إذا لم يعجبك لا تدخله. ومن هنا كانت دهشتى مما حدث مع يعقوبيان، الرواية كما قلت لك موجودة منذ سنوات وكان الجميع يتفاخرون بأنهم قرأوها، ويشيدون بجمالها، وعندما عرض الفيلم هل أحبوه عشرة أيام وفى اليوم الحادى عشر غضبوا عليه؟! هذه أول علامة استفهام كبيرة، ليس هجوما فقط ولكن قضايا فى المحاكم وما أُثير فى مجلس الشعب.

·         ولكن هناك ايجابيات فى هذا الجدل الساخن؟

- نعم أنا سعيد بحالة الحراك التى حدثت بين فريقين، الأول يناصر الفيلم بشدة والفن والحرية، والثانى لا يجد ما يقوله سوى سمعة مصر والأخلاق، وأنا أتحدى أى احد أن يكون فى الفيلم أى شيء، فليس فيه مشهد جنسى واحد.

·         ولكن من حق أى أحد ألا يعجبه الفيلم؟

- نعم وهذا حق مشروع وأنا أحترم ذلك جداً، فقد كتبت هذا الفيلم بحرية كاملة وتم تنفيذه بحرية كاملة، ومن غير الممكن فى المقابل أن أصادر على من لا يعجبه الفيلم، ولكن هناك من كتبوا تطوعاً لمجاملة آخرين.

·         أى لم يطلب منهم أحد؟

- نعم، وإلا بماذا تفسر ما يحدث؟! هجوم عنيف فى البرلمان، ثم لجنة الإعلام فى مجلس الشعب تأخذ موقفاً مناصرا لحرية التعبير وتركت الفيلم كما هو، فكيف حدث هذا؟! وهو يذكرنى بمن كانوا يهاجمون الصحافة بشراسة ويشتمون وغيروا كلامهم بعد موقف الرئيس.

·         فى أفلامك السابقة كان الهجوم من تيار الإسلام السياسي...

- مقاطعا هذه المرة حدث ذلك أيضاً.

·         لا لقد هاجم من هم..

- مقاطعا لقد هاجم أعضاء التيار الديني، ومنهم الرجل عضو فى لجنة الإعلام، فقد قاد حملة شرسة، وفى نقابة المحامين كان الإخوان المسلمين ضد عرض الفيلم.

·         ولكن هذه المرة هاجم بعضاً ممن هم محسوبون على النظام؟

- هذا لابد أن يحدث.

·         لماذا؟

- لقد تصوروا خطأًً، الله أعلم، أن الفيلم يدين النظام، وهذا تصور خاطئ.

·         ولكنه بالفعل يدين النظام؟

- غير صحيح، لو أنك ذهبت إلى الدكتور وقال لك على أمراضك، تحزن ولكن لا تقتله.

·         إذن الفيلم تشخيص لأمراض النظام والبلد؟

- نعم، والفيلم صادم لأسباب كثيرة جداً، أولا لأن السينما المصرية منذ حقبة زمنية ليست قصيرة تقدم أفلاماً لذيذة غير مؤثرة واعتادت الناس عليها، ثم فجأة تقدم جرعة فيها كل هذا الألم، إنها نوبة صحيان لابد أن تسبب صدمة.

·         أليس غريباً أن تقدم كل هذه الإدانة للنظام وللأوضاع فى البلد رغم أنك محسوب سياسياً عليه، حتى لو انتقدته؟

- أنا هقولك، بصدق أنا رجل واضح مع نفسي، لا أعتبر نفسى مع النظام أو معارضا له، أنا منتم لحزب غير موجود، ليس هناك من يمثله، طول عمرى وأنا منتم للناس، وأنا لا أرضى بكل ما هو معيب أو سلبي، ومع كل ايجابية تحدث فى هذا البلد، سواء جاءت من المعارضة أو من الحكومة، وفى النهاية كل شيء طيب يصب لصالح المصريين أكون سعيداً به، وكل شيء سيئ يتحمل نتيجته الشعب المصرى أكون غاضباً منه، موقفى أشبه بموقف القاضي، العادل، أنا أرى أوجه قصور ومهمتى الإفصاح عنها بصدق وقوة ومنطق.

·     ولكن هناك علامات استفهام، منها أن مروان حامد مخرج الفيلم وهو بالمناسبة موهوب جداً هو الذى اخرج فيلماً تسجيلياً عن الرئيس وأسرته من اجل الدعاية فى الانتخابات الرئاسية؟

- انتظر، أولا هذا السؤال يجب أن يتم توجيهه لمروان وليس أنا، لقد تخرج عام 1999 من معهد السينما، وقد اصررت على أن يبدأ الطريق من أوله، وكان أول عمل له هو كلاكيت، وتتلمذ على يد مخرجين كبار جداً. وهو الذى يأخذ قراراته بنفسه، الفيلم القصير الذى أخرجه فى الحملة الرئاسية هو الذى قرره، ومن المؤكد أنه شيء مغر لشاب صغير.

·         طبعا هو مسئول عن قراراته، ولكنى أسألك لأنه مخرج فيلمك، وثانيا لأنه يضع علامات استفهام؟

- هذا لصالح مروان، لأن له موقفه السياسي، ولا تصدق أنه يوجد فنان ليس له موقف سياسي.

·         طبعاً؟

- إذن عليك أن تسأل مروان لأننى لن أفكر وأختار له أو أرد نيابة عنه.

·         أستاذ وحيد كيف جاء اختيار شركة عماد أديب للإنتاج؟

- اشتريت القصة من د.علاء الأسوانى حتى أكتبها وأنتجها، ولكننى وجدت أنها ستحتاج إلى أموال كثيرة لا طاقة لى بها، لأننى أعيش بمنطق، ما أكسبه أنفقه، المنتجون والموزعون لم يرحبوا به لأنه لا يواكب الموجة السائدة وقتها منذ أربع سنوات، وأنا أريد شركة تستطيع الإنفاق على فيلم ضخم، أول من أخذ منى السيناريو كان المنتج حسين القلا، وقال لى أنا لن أنتجه ولكن هناك شركة جديدة اسمها جود نيوز ستنفق عليه بشكل جيد، وأن صاحبها عماد أديب سيقدم سينما جادة وقوية.

·         عماد أديب أحد المؤيدين للنظام وللرئيس وشارك بفعالية فى حملته الانتخابية، وينتج فيلما فيه إدانة لهذا النظام؟

- سنختلف فى نقطة، السينما بالنسبة لى لو تحولت إلى إدانة هذا وتأييد ذاك، لا تصبح سينما من أصله، أنت تعمل فيلما بقناعات سياسية دون النظر إلى أى شيء. وأنا شخصيا لا أرى أن الفيلم ضد النظام، فعليك أن تنظر للطبيب الذى يشخص لك مرضك ويعالجك أنه صديقك وليس عدوك.

·         إذن الهدف هو إصلاح النظام..

- مقاطعاً ما هو عمل الفن والأدب والصحافة ؟! إنه الإفصاح عن العيوب، لكن للأسف هناك بعض الناس من قصار النظر، يتصورون خطأً أن الحكومة هى الوطن، وهذا خطأ كبير، ولا يمكن قبوله، فلا توجد حكومة فى الدنيا هى الوطن، الوطن هو الأرض والناس، وأنا أشتغل للأرض والناس لأن هذا يعيش.

·         ماذا تقصد بأن السينما مينفعش تدين هذا وتؤيد ذاك؟

- أنت تقدم فكرة بمضمونها وجمالياتها، فلست صحيفة يومية أعارض هذا وأؤيد ذاك.. لأن الفيلم سيعيش ويشاهده الناس إلى ما شاء الله. فهو ليس منشورا سياسيا، ولو كان كذلك لكتبت مقالة وانتهى الأمر، ولكن هذا فن.

·         ولكن الفيلم فيه تلسين سياسى على بعض الشخصيات الموجودة فى الواقع؟

- ليس فيه تلسين سياسي، وأنا لا أدعى ذلك، فإذا عدت للتاريخ منذ أول برلمان تم تشكيله، وشاهدت الأعضاء وكيف يتم اختيارهم.. ستجده يشبه الوضع الحالى وإن اختلف الشكل، فى الانتخابات قبل يوليو 1952 كان حزب الوفد صاحب الأغلبية الساحقة، ومع ذلك يفشل فى الانتخابات، التلاعب موجود طوال الوقت فى مصر وخارجها، ومن هنا فالفيلم ينتقد نمطا موجودا، أى شخصيات موجودة حاليا وموجودين من قبل وبعد ذلك.

·         لكن يقال إن احد الذين حركوا الهجوم ضد الفيلم الوزير السابق كمال الشاذلي؟

- لا أستطيع أن أقول ذلك، ولا أعتقد أن كمال الشاذلي، وهو محام، يمكن أن يورط نفسه فى أمر مشين كهذا.. ودعنى أقل لك ببساطة شديدة، من قال إن هذا هو كمال الشاذلي؟! هل لمجرد أن فيه اسم كمال؟! مصر فيها آلاف وآلاف بهذا الاسم. بعض الناس تصرفوا مثل سيدة تأتى إليك وتقول لك خذ هذا ابنك، وأنت لا تعرفها، أى كما يقول المصريون يرمون بلاهم على الناس.

·         يبلون الناس؟

- ماذا ستفعل تجاه هذا، أنا أبقى خايب جداً ومؤلف فاشل، لو عملت فيلما عن شخص، أنا آخذ نموذجا أو حالة من الفساد، الشخصية التى يقدمها نور الشريف هناك مليون على الأقل مثلها، شخصية كمال الفولى تجدها فى المجلس المحلي، وفى انتخابات النقابات، اتحادات الطلاب، وطبعا فى مجلس الشعب. لقد سألنى بعض الناس عن فيلمى القادم: هل ستكتب فيلماً عن ممدوح إسماعيل؟ وأجبت أنا فيلم عن عبارة كان عليها 1500 راكب هم الذين يعنونني، ولو كان يعنينى ممدوح لكتبت عنه مقالة وانتهى الأمر.

·         ولكن هاجم الفيلم أيضا بعض المحسوبين على المعارضة، أليس هذا غريباً؟

- الحقيقة بتزعل الكل، والفيلم هو الذى انتصر، أنا أمام حالة جديدة جداً، حالة حوار حقيقي، بغض النظر عن بعض الأقلام الهشة، فأنا أحترم أصحاب الرأى المختلفين مع الفيلم عن قناعة وعن رؤية، فهذا من حقهم، وهؤلاء هم النسبة الأكبر، ألا يكفيك أن هناك حالة من النقاش الجدي، ونحن طوال الوقت نتناقش فى الهلس، ممكن أن أكون مخطأً، ولكن الآن هناك نقاشا جديا لصالح البلد.

·     فيما يتعلق بالانتاج، من الصعب أن يغطى الفيلم هذه التكلفة ومن هنا يثور السؤال حول: لماذا تم إنفاق كل هذه الأموال من جانب عماد أديب؟

- سأقول لك معلومات اقتصادية جميلة، الفيلم حقق ربحاً قبل أن يبدأ عرضه، أولا عندنا نجم هو عادل إمام، أفلامه تباع للخارج بما يعادل مليونين أو مليونين ونصف المليون دولار، وهذه حقيقة يمكنك أن تتأكد منها من خلال الموزعين. أضف إلى ذلك أن الفيلم تم بيعه لأوروبا بحوالى مليون ونصف مليون يورو، كما تم بيعه حصرياً لمحطات تليفزيونية بحوالى مليون دولار. الفيلم تكلف أربعة ملايين دولار، يوجد خمسة أو أكثر.

·         والحملة الإعلامية الضخمة غير المسبوقة؟

- الحملة الإعلامية الكبيرة جداً كان لها راع رسمى وصل عددهم إلى خمس جهات تمولها، إذن الفيلم كسب كثيراً، ناهيك عن إيراد الداخل، ففى الأسبوع الرابع الذى ينتهى اليوم حقق 14 مليونا، أى الأعلى فى الإيرادات، وستقل بعد ذلك لأنه سيتم سحب دور عرض لحساب الأفلام الجديدة. الميزة التى عملها عماد أديب ويهاجمونه بسببها، هى أنه فتح أسواقا جديدة لأول مرة، وسيتم عرضه فى 50 دار عرض فى فرنسا. إذن هذا يحسب لعماد ولا يحسب عليه، ثم إذا عملت جريدة جديدة أو شركة جديدة لابد أن تكون هناك حملة دعاية لها، فالغرض ليس إعلانا عن فيلم فقط عن يعقوبيان.

·         الفيلم يثير العلاقة بين الفن والمجتمع..

- مقاطعا المجتمع يعيش حالة ردة، بذمتك أفلام مثل القاهرة 30 وشباب امرأة وحمام الملاطيلي، لو قيمناها بنظرتنا الحالية لن يتم عرضها، ويصبح يعقوبيان ملاكا بجوارها، وهذه الأفلام تذاع الآن على كل القنوات الفضائية. المشكلة أنهم فرغوا الدين من محتواه، انشغلوا بالفروع التى تقدم ولا تؤخر، الدين يقول اعمل، دافع عن نفسك، ولكن هؤلاء انتشروا مثل الذباب فى المحطات الفضائية، ادخل دورة المياه بقدمك اليمني، الدين الذى يشحنك بالقوة والقدرة فرغوه بالهلس الذى يقدمونه، لقد افسدوا عقول الناس، فهذه الفضائيات لم تظهر لوجه الله ولكن لتغييب العقول.

·         هل تعتقد أن حرية الإبداع يجب أن تكون مطلقة؟

- لم أقل أبداً إنها يجب أن تكون مطلقة، لأننى لابد أن أحترم الشخصية المصرية، وأنا أعرف ما يسيء إليها وما يغضبها وما لا يغضبها، ليس فى يعقوبيان مشهد واحد يخدش الحياء، مشهد المخزن الذى تحدثوا عنه، هل يختلف عن مشهد سناء جميل وصلاح منصور فى فيلم بداية ونهاية؟!

العربي المصرية في

30.07.2006

 
 

حوار مع وحيد حامد، كاتب سيناريو فيلم "عمارة يعقوبيان":

فيلم يعري المجتمع المصري ويقتحم المناطق المحرمة

أجرت الحوار: نيللي يوسف

إعلان فيلم "عمارة يعقوبيان" لم يحظ عمل سينمائي مصري منذ سنوات طويلة باهتمام كبير وجدل واسع مثلما حدث مع فيلم "عمارة يعقوبيان" المأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للمؤلف علاء الأسواني. يتحدث وحيد حامد في الحوار التالي عن الدعاوي القضائية التي رفعت ضد الفيلم والجدل حول المشاهد الجنسية وحرية التعبير في مصر.

كيف تفسر الهجوم الشديد على الفيلم والذي وصل لحد قيام 112 نائب في البرلمان المصري بتقديم طلب لحذف مشاهد جنسية منه بزعم الإساءة لسمعة مصر، والقضية التي رفعها سكان العمارة الأصليين متهمين الفيلم بالإساءة لهم؟

وحيد حامد: أود أن أشير إلى أنه بقدر ما كان هناك هجوما شديدا ولكن يوجد تأييد شديد أيضا، وأنا لا أريد أن أقارن بين الفريقين وأحترم كليهما.

فأنا أترك الحكم لعقل المتلقي وقد اتضح لي أن التيار المؤيد هو التيار الغالب بدليل أن الجمهور مازال يقبل على الفيلم حتى الآن محققا أعلى الإيرادات، مما يعني أن الجمهور لم يستمع للفريق المناهض واستعمل عقله وهذا شيء يشعرني بالفخر و يدل على حدوث تقدم فكري لدى الجمهور المصري.

وأنا لا أنكر بالطبع أن الفيلم عبارة عن صدمة قوية لأن إظهار الحقيقة كاملة دائما ما يسبب الصدمة والألم، فالسينما الحقيقية هي التي تعري المجتمع وتقتحم المناطق المحرمة ولذلك فهي سينما محفوفة بالمخاطر. وخاصة لأن السينما المصرية ظلت على مدار الأعوام الخمسة الماضية لا تقدم شيئا جديا بل تهدف للإمتاع والتسلية فقط دون التفكير، مما أثار أزمة لدى المتلقي الذي وجد نفسه فجأة أمام فيلم جاد وهادف بعد انقطاع لفترة طويلة عن هذه النوعية من الأفلام.

وقد فوجئت بأن النواب في مجلس الشعب المصري الذين من المفترض أن يكونوا عاقلين يطالبون بحذف مشاهد المثلية الجنسية والتحرش من الفيلم بدعوى أنها غير أخلاقية وتشوه سمعة مصر ولكن الحكم الذي أصدرته لجنة مجلس الشعب بعد مشاهدة الفيلم بعدم حذف أي مشاهد منه يعد ضربة قوية لكل الذين تساورهم أنفسهم بالنيل من حرية الإبداع وحرية الشعب المصري.

وأرجو أن تكف كل الألسنة التي هاجمت الفيلم بضراوة عن عدم وعى وبغير حق، فأنا لست ضد نقد الفيلم وأن نختلف معه لكن أن يتم المطالبة بمصادرته أو حذف مشاهد منه فأنا ضد ذلك.

فالفيلم يصور حالة خراب يعيشها واقعنا الذي ينخر فيه الفساد على جميع المستويات وحالة المثلية الجنسية جزء من هذا الواقع. فالفن مهمته حث الناس على التفكير ولكن هناك من يريد للناس أن لا تفكر وتظل تشاهد فقط الأفلام التافهة المضحكة التي تساهم في تغييب الوعي.

وحيد حامد كما أن الأمر غريب ومضحك بالنسبة لي أن يعترض النواب أو أي فئة أخرى من المعترضين على مشاهد المثلية الجنسية باعتبارها غير أخلاقية ومخالفة للدين الإسلامي، فلماذا تمسكوا بذلك واعترضوا عليه ولم يعترضوا على مشاهد الفساد السياسي والحكومي في الفيلم، أليس هذا الفساد غير أخلاقي ومنافي لتعاليم الدين أيضا! فلماذا لم يغضبوا من الفساد وغضبوا من المثلية الجنسية!

فأنا أرى أن الأمر سياسي بحت ومشاهد الجنس والمثلية ما هي سوى ذريعة و حجة لإيقاف الفيلم. وقد خسر الجميع قضاياهم ضد الفيلم حتى سكان العمارة الأصليين الذين رفضوا التصريح لنا بتصوير الفيلم في العمارة، وهذا شيئ مطمئن على انتصار حرية التعبير في مصر.

ولكن بعض المشاهدين أكدوا أنهم خرجوا من الفيلم قبل نهايته والبعض الآخر أغمض عينيه في المشاهد الجنسية للفتاة الفقيرة التي تسمح بالتحرش بها من رئيسها في العمل لتستطيع توفير الطعام لعائلتها ومشاهد المثليين، بالإضافة للألفاظ الجارحة والخارجة عن المألوف. فما تعليقك على ذلك؟

حامد: هذا كلام غريب لأن الفيلم ليس به أي نوع من الابتذال، ولكن هذه حرب نفسية قام بها أعداء الفيلم الذين لم ولن يستطيعوا النيل منه، ففي المجتمع المصري إذا أردت النيل من شخص أو شيء فما عليك سوء اللجوء إلى أي حجة أخلاقية للتشكيك في سلوكه. ففيلمي لم يخدش حياء الجمهور بل خدش الرياء والزيف، مما أحدث زلزالا قويا وخاصة أنه يدين الجميع سواء من الحكومة أو المعارضة.

كما أن هناك سيدات محجبات ومنقبات يدخلن الفيلم ثم يخرجن يهاجمونه وبالطبع هذه ازدواجية نعيشها ومعروفة في المجتمع المصري، فالفيلم تعرضه الرقابة تحت لافتة تقول "للكبار فقط"، فإذا لم يرغب أحد في دخول الفيلم، فلماذا يدخله من البداية فنحن لم نجبر أحدا على ذلك.

فالفيلم كسر جميع المحرمات من جنس ودين وسياسة في آن واحد من خلال تطرقه للفساد السياسي والديني والأخلاقي الذي تعيشه مصر حاليا عبر سكان العمارة التي تضم سياسيا فاسدا، أرستقراطيا زير نساء، فتاة فقيرة تعيش فوق سطوح العمارة ويتم التحرش بها في العمل، الطالب المتفوق الذي يتحول لإرهابي بعد عدم قبوله بكلية الشرطة لمستواه الاجتماعي حيث أن والده يعمل بواب العمارة، الصحفي الذي يعاني من المثلية الجنسية وماسح الأحذية الذي يتحول لعضو بمجلس الشعب ويتخذ الدين ستارا لتحقيق أهدافه. فالفيلم سيكون بمثابة وثيقة للوقت الذي نعيش فيه وخاصة أنه يقول علنا ما يفكر فيه الكثيرون سرا.

هل ترى بالفعل أن هناك حرية تعبير في مصر برغم عدم وجود ديمقراطية؟ وهل موافقة الرقابة الفنية على فيلمك تعد بداية لعصر حرية التعبير السينمائي أم أنها الاستثناء الذي يؤكد القاعدة؟

حامد: بالطبع هناك حرية تعبير وأقول ذلك من خلال تجربتي، فلم أصادف أي مشكلات مع الرقابة ولا ينبع ذلك من كوني مؤلف كبير، ولكن الرقابة لا ترفض أي فيلم جيد، وأنا أحتكم للجمهور الذي يتوافد بالملايين على مشاهدة الفيلم مما يؤكد أن فيلمي لا يوجد به شيئا أخجل منه.

انقسم النقاد إلى فريقين، فريق يقول أن الفيلم ضعيف لأنك التصقت بالرواية دون إضافة أي أبعاد جديدة والآخر يقول أنك أدخلت تغييرات على الرواية لم تكن في صالح الفيلم. ما رأيك في ذلك؟

حامد: لقد صنعت الفيلم حسب رؤيتي الخاصة، فمنذ قرأت الرواية عام 2003 وقررت تحويلها إلى فيلم سينمائي كتبت أسماء الأبطال وصنعت سيناريو خاص بي، فالرواية شيء والفيلم شيء آخر ومسؤوليتي الفيلم فقط الذي رأيته هكذا في عقلي وصنعته كما ظهر سواء أضفت أو لم أضف.

صدرت الرواية منذ أربع سنوات وحققت مبيعات كبيرة ولكنها لم تحدث مثل هذا الجدل الشديد الذي أحدثه الفيلم. هل هذا دليل على أننا شعب لا نقرأ؟

لقطة من فيلم "عمارة يعقوبيان". حامد: بالطبع نحن شعب لا نقرأ، كما أن الأدب وسيط والسينما وسيط آخر مختلف، فهي صورة متحركة لها تأثيرها الأعمق ومن هنا تأتي خطورتها، فالسينما فن الجماهير العريضة وخاصة في عالمنا العربي الذي مازال يعاني من وجود نسبة كبيرة من الأميين الذين لا يستطيعون القراءة. ويعد الجدل والهجوم على الفيلم شيئا طبيعيا وخاصة أننا نعيش مرحلة مرتبكة في كل شيء. فنحن مختلفون على الحرب الدائرة حاليا في لبنان. فكيف لنا ألا نختلف على فيلم سينمائي!

تمثل أكثر النقد الموجه للفيلم حول تركيزك على شخصية الصحفي الذي يعاني من المثلية الجنسية وإبرازه بهدف التعاطف معه وتبرير ما يقوم به لإرضاء المنظمات المثلية الغربية. ما رأيك؟

حامد: المثلية الجنسية مثلها مثل السرقة وتجارة المخدرات موجودة في المجتمع المصري وباقي المجتمعات العربية والغربية، ولكننا كمجتمعات عربية اعتدنا على إخفاء مثل هذه الأمور كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال، ولهذا فقد صدمت هذه الشخصية من شاهد الفيلم.

وبالنسبة لتعاطف الجمهور فأنا أرى أن الفيلم يدين الشخصية من خلال النهاية البشعة التي راح ضحيتها على يد أحد الرجال الذي استدرجه لممارسة الجنس معه. كما أن أغلب المعارضين يزعمون أنهم متدينون، وهؤلاء أقول لهم ألستم تقرؤون القرآن الكريم الذي يوجد به قصة قوم لوط، فلماذا يرفضونها الآن!.وهذه هي قمة الازدواجية، فهذه قضية نوقشت في الكتاب الكريم فلماذا لا نناقشها في السينما!

هل تعتقد أن التضييق الأمني والاعتقالات السياسية هي السبب في صناعة الإرهابي كما أشرت في شخصية الطالب "طه الشاذلي" في الفيلم؟

حامد: لا بالطبع، طه الشاذلي ما هو سوى حالة من حالات الإرهاب الذي يتعدد أسبابه وجذوره، فقد تعرض للقهر الاجتماعي بسبب فقره وتعرض للاغتصاب من قبل ضابط الشرطة الذي اعتقله في مظاهرات الجامعة، فكان لابد من الثأر الذي يتخذ طابعا فرديا أكثر من كونه صراعا بين أفكار مختلفة. فالعنصرية والتهميش التي تعرض لهما طه جعلت منه إرهابي.

هاجمك الأخوان المسلمون لظهور الفتاة الفقيرة المقهورة في الفيلم وهي ترفض ارتداء الحجاب وقام أحدهم بتقطيع لافتة الفيلم عند عرضه في نقابة المحامين المصريين. فكيف تري سيطرة الأخوان على الشارع المصري ومظاهر ذلك من ارتفاع نسبة الفتيات المحجبات؟

حامد:كما يوجد ارتفاع في عدد الفتيات المحجبات، هناك أيضا ارتفاع في عدد من يخلعن الحجاب، فهذه قضية غريبة حيث قرأت اليوم في إحدى الصحف جريمة قتل سيدة محجبة لزوجها. فما فائدة الحجاب مع ارتكاب المعاصي! فالأمر تحول إلى زي ليس له علاقة بالتدين، فالأخلاق لا ترتبط بالأديان على الإطلاق فكل الأديان تحث على الفضيلة حتى العقيدة البوذية والدين الإسلامي ليس ضد الفن والحضارة والتقدم.

كتب السيناريست والمؤلف وحيد حامد أكثر من 50 فيلما تناولت العديد من القضايا مثل "الإرهاب و الكباب "، "طيور الظلام "، "الراقصة و السياسي "، "النوم في العسل "و البريء" وغيرهم.

حقوق الطبع قنطرة

موقع "قنطرة" في

31.07.2006

 
 

»عمارة يعقوبيان«.. السينما المصرية تدخل عالم الكبار من أوسع أبوابه

الوسط - منصورة عبدالأمير

تماماً كما يكشف السوس في أسنان مرضاه، يحاول الروائي وطبيب الاسنان علاء الدين الأسواني عبر روايته الشهيرة «عمارة يعقوبيان»، تسليط الضوء على بعض من ذلك السوس الذي ينخر في جسد المجتمع المصري وتكاد تفتك به وتحيله من أمة سبقت كثيرات غيرها في فترة زمنية، لشبه دولة يفتك بها الفقر والفساد، والتناقضات الاجتماعية والسياسية والدينية.

اسواني، يقدم للأدب العربي واحدة من أروع الروايات، وهي رواية تمكنت بفضل الرمزية العالية والمباشرة والمتقنة فيها من أن تلامس كثيراً من قضايا المجتمع المصري وهمومه، وأن تضغط على عدد من الأوتار الحساسة بجرأة لم تسبقها إليها أي رواية أو عمل أدبي مصري آخر. وكنتيجة لذلك حققت هذه الرواية المميزة واحدة من أعلى نسب المبيعات في سوق الأدب العربي وأثارت جدلاً عارماً لم ينته حتى كتابة هذا المقال.

بالطبع كان لزاماً ان تجتذب «عمارة يعقوبيان» أشهر صناع السينما في مصر، ليقوموا بتحويلها الى فيلم سينمائي، اثار مجرد الاعلان عنه جدل النقاد والمهتمين بعالم صناعة السينما، وطلق الكثير من الأخبار والشائعات. هكذا ومنذ البداية بدا فيلم «عمارة يعقوبيان»، كروايته تماماً، مختلفاً ومميزاً، مثيراً لتوقعات كثيرة تركزت حول كونه واحداً من أقوى أفلام السينما المصرية وأعظمها.

تزايدت حدة التنبؤات حين برزت الى السطح أسماء مثل وحيد حامد في كتابة السيناريو، ووحيد كاتب مخضرم غني عن التعريف، قدم للدراما والسينما العربية عدداً لا بأس به من أشهر وأقوى السيناريوهات والنصوص السينمائية.

ثم جاء اسم الاعلامي الشهير عماد الدين أديب في الانتاج، مصحوبا بقافلة من كبار نجوم الشاشة الفضية في مصر، يكفي وجود احدهم في فيلم لجعله يعتلي عرش ايرادات شباك السينما، فكيف بهم مجتمعين؟. معظمهم نجوم شباك أوائل يأتي على رأسهم الزعيم عادل أمام، والحاج متولي نور الشريف، وزميلة إمام شبه الدائمة ورفيقة نجوميته يسرا. ثم يأتي نجوم الصف الثاني الذين لا يقلون تألقاً وشهرة عن سابقيهم، والذين يمكن سهوله تلمس علامات نضجهم الفني في مختلف أعمالهم أمثال التونسية هند صبري، وسمية الخشاب، وأحمد بدير، وأحمد راتب، وخالد صالح، وخالد الصاوي.

هم ثلة من أقوى صناع السينما المصرية والعربية وكبارها تجمعوا معا ليصنعوا هذا الفيلم الذي اعتبروه، كما لا يمكن لأحد أن ينكر ذلك، بوابة دخول السينما المصرية للعب الكبار إلى عالم صناعة السينما.

وهي تجربة فنية راقية جعلوا منها مشروعاً لصنع سينما «حقيقية» وبداية للنهوض والعودة للزمن الجميل الذي نافست فيه السينما المصرية نظيراتها في الخارج على مدى 3 عقود بدءاً من الخمسينات وانتهاء بالسبعينات.

جاءوا حاملين رايات التغيير ليعلنوها ثورة في عالم صناعة السينما المصرية، فكان «عمارة يعقوبيان» ثورة غامر فيه اولئك الكبار «سينمائياً» بأسمائهم وراهنت عبره شركة غودنيوز، وهي الشركة الحديثة التأسيس بموازنة بلغت 4 ملايين دولار وهو ما لم تفعله السينما المصرية طوال تاريخها.

غودنيوز قدمت انتاجين لوحيد حامد، تمثل الأول في نص محكم ورصين على درجة عالية من السلاسة في السرد والدقة في التفاصيل. أما الثاني فقد جاء في صورة ابنه مروان وهو المفاجأة الكبرى من شركة الانتاج والسيناريست نفسه. مروان حامد، شاب لا تتجاوز خبرته السينمائية فيلماً قصيراً واحداً لم يسمع به أحد تقريباً صنعه تحت اسم «ليلى». وعلى رغم كونها كذلك إلا أن تجربة مروان، حامل لواء هذه الثورة السينمائية، كانت تجربة مميزة تنبأ كثير من النقاد لصانعها بمستقبل مميز ومختلف.

راهنت الشركة إذن بمالها، وغامر الباقون بأسمائهم وتاريخهم الفني، لا لشيء إلا لأن جميع أولئك أرادوا الولوج من خلال نص وحيد هذا للعب في عالم الكبار. ولأن اللعب مع الكبار له أصوله وقواعده دائماً، ولأنهم يعلمون جميعا انه لا يمكن دخول اللعبة وسوق المنافسة في عالم كبار السينما من دون فهم أصول اللعبة السينمائية واتقانها، فنيا وتجارياً، فلقد حرصوا على الاهتمام بكل التفاصيل الصغيرة في عملهم. وليس ذلك فحسب لكنهم أرادوا أن يقدموا صورة سينمائية مختلفة للسينما المصرية البعيدة كل البعد عن عالم المنافسة هذا، والتي بقيت طوال عقود جاهلة بأبسط أصول اللعبة، وكيف لها ذلك وهي تشكو نقصاً حاداً في كل الامكانات الفنية والتقنية والتجارية وكل شيء يمكنه أن يصنع سينما.

هكذا اهتموا أولاً باختيار طاقم عمل مميز وقادر على انجاح التجربة، فجاء اختيارهم موفقا متمكنا من تقديم هذه الرواية الرائعة في فيلم سينمائي. وهو فيلم أرادوا من خلاله تلمّس مواقع الخطأ في مصر اليوم، بدقة وتفصيل مذهلين.

كذلك يتحدث الفيلم عن سلطة المال والجنس والسياسة في مجتمعاتنا واضعاً يده على مواطن الجروح محاولاً في الوقت ذاته كسر ثالوث الجنس الدين السياسة المحرم.

يستعرض الفيلم كل ذلك عبر قصص عدد من الشخصيات التي تقطن العمارة، المكان الذي جاء اختياره في رواية الاسواني بشكل رمزي ليعبر عن واقع مصر وليرمز إلى ما آلت إليه الأحوال في هذا البلد. فهذه العمارة التي بناها تاجر يهودي يدعى يعقوبيان في ثلاثينات القرن الماضي كانت مسكناً لكبارات رجال الدولة وأثريائها، ومركزاً لبعض حفلات الملك وجلساته الخاصة، لكنها بعد الثورة أصبحت مركزاً لبعض أولئك الضباط الذين أدخلتهم الثورة عالم الأثرياء أو محدثي النعمة الذين ساعدهم الفساد الذي بدأ ينخر في جسد المجتمع المصري للوصول لعمارة يعقوبيان. في داخل العمارة تغوص كاميرا مروان لتكشف كل التناقضات، ثم لتنزل إلى شوارع وبارات ومحلات وشقق وسط البلد وهي التي تدور بداخلها حوادث الفيلم، لتقدم نماذج مختلفة من المجتمع، ولتحكي قصصاً كثيرة وتجعلنا نلتقي بأشخاص متعددين جميعهم على علاقة بعمارة يعقوبيان، بينهم البرجوازيون الطفيلين، والارهابيون، والتغريبيون، ورجال الدين الفاسدين المتاجرين بالدين.

الشخصية الرئيسية في الفيلم هي لزكي الدسوقي «عادل إمام»، الذي يتقاسم احدى شقق العمارة مع شقيقته دولت «اسعاد يونس». ولأنه لا يمكن تصور فيلم لإمام دون كثير من المشاهد المليئة بالايحاءات الجنسية الصريحة منها أو العفيفة، فإن زكي ابن الباشا السابق، هو في واقع الأمر زير نساء يقضي وقته في ملاحقة النساء واصطحابهن من البارات الرخيصة التي يقصدها الى مكتبه الواقع في وسط البلد، ليعاشرهن ثم «لتطير» كل واحدة منهن على ما يمكنها الوصول إليه من ممتلكاته، بالسرقة طبعاً. ويبدو زكي منذ البداية في خلاف دائم مع شقيقته التي تختلق المشكلات حتى تتمكن من طرده من الشقه متذرعة بسوء أخلاقه وفساد سيرته. بالطبع يرمز إمام لطبقة البرجوازيين القدامى ولعهد مصر الزاهر الذي انتهى، فعادل أو زكي يعيش على الأمجاد القديمة ويتحسر في أكثر من مشهد على ماضي مصر، ويلعن رجالات الثورة الذين قضوا على عهد البشوات وأحالوا مصر خراباً بعد أن كانت «الموضة» كما يقول «تغزو شوارعها قبل أن تصل باريس» في اشارة إلى المستوى المعيشي والثقافي والعالي للمصرين أنداك.

في شقة أخرى يقطن الحاج «عزام» نور الشريف الذي تحول من ماسح احذية الى مليونير يملك نصف محلات وسط البلد بفضل فساده وتجارته المشبوهة. بل ويتمكن من ان يصل بعلاقاته وأمواله لمجلس النواب ممثلاً لواحدة من أهم الدوائر الانتخابية هي دائرة «وسط البلد» أو «الكعكة» كما يطلق عليها المسئول الحكومي الكبير المتعاون معه والذي سهل دخوله الانتخابات مقابل مبلغ مالي كبير (كمال الفولي الذي يقوم بدوره خالد صالح).

يتزوج الحاج عزام، المولع بالجنس، سراً من الأرملة التي فقدت زوجها في العراق سعاد «سمية الخشاب» ويشترط عليها عدم الإنجاب. لكن سعاد لا تصغي لأوامره فيسلط عليها ابنه فوزي «تامر عبد المنعم» للانتقام منها بأسوأ ما يمكن.

عزام هو بكل تأكيد خير من يمثل طبقة البرجوازيين الطفيليين، وهي طبقة فاسدة أوصلتها ثورة الضباط الأحرار وبعض «الحسبات» السياسية الخاطئة الى ما أصبحت عليه وبشكل لا يتناسب مع ما يدعيه الحاج من تقوى وورع.

من شقة عزام ننتقل الى شقة ثالثة يسكنها الصحافي ورئيس تحرير واحدة من أكبر الصحف الاقتصادية الناطقة باللغة الفرنسية في مصر حاتم رشيد «خالد الصاوي». رشيد المعروف بشذوذه الجنسي يمثل إذن حلقة التغريبيين وهو يقضي وقته في اصطياد الشباب ليقضي معهم أوقاتاً لطيفة، كما يقول، وليقنعهم بممارسة الشذوذ الجنسي معه. ورشيد الذي يقضي على يد أحد هؤلاء، يدافع عما يفعله في أحد المشاهد، في محاولة منه لاقناع أحد أولئك الشباب بصحة ما يفعلون، فهو كما يقول لا يرتكب محرماً، والحرام الوحيد هو الزنا الذي تختلط فيه الأنساب، أما ما يفعلون فيجب ألا يضايق أحداً.

النموذج الرابع في الفيلم هو لطه الشاذلي، (محمد عادل إمام) ومفاجأة أخرى حقيقية يقدمها الفيلم. طه يحلم بدخول كلية الشرطة، لكن خلفيته الاجتماعية وكونه ابن بواب تحرمه من ذلك، وهو ذات السبب الذي يفرق بينه وبين خطيبته بثينة (هند صبري). ذلك الظلم الاجتماعي يقوده الى التطرف السياسي حين يلتحق أولاً بجماعة دينية الأمر الذي يدخله في متاهات جديدة تنتهي به الى السحب أولاً ثم القيام بعمل ارهابي اخيراً يقتل فيه ضابطاً السجن وتكون فيه نهايته هو أيضاً.

ينتهي طه نهاية مأسوية حين يسقط قتيلاً بعد معركة دامية أحسن المخرج تنفيذها، وجاءت مختلفة عن كل ما سبق أن شاهدناه في أي فيلم مصري آخر، وخصوصاً لأن مروان استعان بطاقم اجنبي ليضبط كل تفاصيل هذا المشهد.

يموت طه في مشهد تختلط فيه دماؤه مع دماء الضابط، وهو مشهد يأتي ليطلق صرخة مدوية وليطرح السؤال الكبير، من الجاني ومن المجني عليه في هذه المعادلات الاجتماعية والسياسية والدينية الفاسدة؟

«عمارة يعقوبيان» فيلم مميز جاء بإخراج متقن كل خطواته مدروسة أجاد فيه المخرج ادارة فنانين كبار، واحسن استخدام ادواته وتمكن من ان ينقل الكثير من أجواء الرواية، معتمدا على صياغة متقنة سلسة بدت في سيناريو والده، مدعوما بمونتير تمكن من أن ينقلنا عبر مختلف المشاهد بطريقة متقنة وسلسة، وموسيقى حيه معبرة عن المشهد الذي تصوره.

هو فيلم تمكنت الشركة المنتجة التي ضخت أموالها من خلاله أن تكسر الصورة النمطية للفيلم المصري ذي الصور الباهتة المليئة بالخطوط والصوت الرديء، ليكون الناتج صوراً على درجة عالية من الوضوح، وصوتاً هو غاية في النقاء. هذا إلى جانب أمور كثيرة قد لا يسع المجال لذكرها هي ما جعلت فيلم «عمارة يعقوبيان» يجتذب المشاهدين في جميع أنحاء العالم العربي وينال استحسان المشاهدين والنقاد في مختلف المهرجانات التي عرض فيها، بل ويكسب جائزة مهرجان تريبيكانا لأفضل الأفلام، وأولاً وأخيراً يدخل السينما المصرية إلى عالم الكبار.

الوسط البحرينية في

02.08.2006

 
 

«عمارة يعقوبيان» أعادت السينما المصرية إلى عهدها الذهبي

تاريخ المكان وعمارة تشهد التحولات

نبيل عبدالكريم

هل تعود السينما المصرية إلى عهدها الذهبي في أربعينات وخمسينات القرن الماضي؟ آنذاك كانت السينما المصرية مميزة وتحتل مواقع متقدمة في الترتيب العالمي.

بعد تلك الفترة أخذت بالتراجع إلى أن تدهورت عموماً في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. وباستثناء تلك الأعمال الخاصة التي تميزت بها أفلام يوسف شاهين والدائرة المحيطة به كان من الممكن القول إن السينما المصرية دخلت في حال من الاحتضار.

فيلم «عمارة يعقوبيان» الذي يعرض الآن في سينما السيف أعاد الأمل مجدداً إلى إمكان تجديد السينما المصرية. فالفيلم ممتاز في الأداء والتمثيل والتماسك الدرامي والإخراج. ولهذا يمكن وصفه بأنه بداية انطلاقة لسينما عريقة أخذت تفقد جمهورها المميز وتحديداً تلك النخب العربية التي تبحث عن فن راق يرفع من شأن ثقافة تعتبر مهمة في عالم يعتمد على البصريات في تأثيره على وعي الناس.

«عمارة يعقوبيان» فيلم حقيقي وعلى أكثر من اتجاه سواء على مستوى الإنتاج والإخراج والتصوير والتمثيل. والأهم من كل ذلك تلك الأفكار التي جاءت في سياق درامي متماسك.

ينطلق الفيلم من تاريخ مبنى (عمارة) ليستعرض من خلال ذاك التاريخ تلك التحولات التي شهدتها مصر في محطات متعاقبة. فالعمارة التي يملكها يعقوبيان تمت هندستها لتكون نموذجية ويعيش فيها الباشوات. فالمقر فخم، والموقع مميز، والسكان من شريحة «عليا» يعيشون حياة البذخ في بلد كان آنذاك يعتبر في مقدمة الدول العربية. الا أن الزمن تغير، ودخلت مصر عصر الانقلابات العسكرية، ثم التأمينات الاشتراكية، ثم نزوح شريحة من المثقفين خارج البلاد، ثم هروب الباشوات إلى مناطق سكنية بعيدة أو انتقلوا إلى أوروبا أو دول عربية مجاورة.

التحولات الزمنية أثرت على تاريخ المكان (العمارة) إذ تغيرت تركيبة المبنى السكانية ولم تعد يعقوبيان تلك العمارة الفخمة التي تعيش فيها شريحة من الناس المميزين في موقعهم الاجتماعي ونمط حياتهم اليومي.

هذه هي قصة العمارة؟ فالمبنى (المكان) ثابت ولكنه تغير بسبب تحولات الزمان. والزمان السابق كان للباشوات ثم انتقل إلى شرائح مختلفة متفاوتة الانتماءات الاجتماعية.

مخرج الفيلم يدخل إلى طبقات العمارة. وكل طابق له تاريخه وزمانه وتحولاته وتبدلاته. وفوق الطبقات تقع منازل فقراء وخدم يعيشون فوق السطوح أو الطوابق الأرضية ومدخل العمارة. ومن هذا الاجتماع السكني تبدأ قصة العمارة. فهناك الباشا (الوحيد والأخير في المبنى) الذي شهد الانهيار من البدايات وكيف حصل التفكك والتراجع. هذا الباشا لم يتزوج ويؤسس أسرة وانما أنفق ما ورثه عن والده في اللهو والسفر والسهر والخمور. ولكنه وعلى رغم حياة الترف والتبذير بقي يتمسك بصفات الباشا (الشهامة والاخلاق والصدق).

وهناك الصحافي الشاذ وينتمي إلى عائلة ثرية أجنبية تربى في جو غير سوي جعله محل شماتة من جيرانه. وهناك ماسح احذية تمكن من الصعود الاجتماعي بسبب إتجاره بالمخدرات، وتظاهر بالتدين لإخفاء الثراء الذي يعيش فيه.

وفي العمارة هناك السطح الذي تعيش فيه أسر فقيرة تخدم السكان أو تعمل في وظائف بسيطة. سطح المبنى يشكل جزءاً مهماً من الرواية، بسبب تداخل حياة السكان واختلاطهم. وفوق السطح تنشأ قصة حب بين فتاة بسيطة وطيبة ومتواضعة وشاب يدرس في الجامعة ويطمح إلى دخول السلك العسكري. ولأن والد الشاب يعمل حارس مبنى وينتمي إلى عائلة فقيرة وجد الطالب الجامعي الطموح ان طريق المستقبل محكوم بالفشل أمامه.

ومن تاريخ المبنى والعائلات تبدأ حكايات الفيلم تتداعى وتتداخل وفق أسلوب منسجم ومتماسك. الباشا يختلف مع شقيقته التي تريد الاستيلاء على شقة شقيقها التي ورثها فتقيم عليه دعوى بتهمة الزنى. والشاذ الذي يصطاد من الشارع أولئك البسطاء النازحين من الصعيد يتعرض إلى حادث قتل في شقته على يد احدهم. وماسح الاحذية (تاجر مخدرات) يتقدم إلى البرلمان ويفوز بمقعد نيابي من طريق الرشوة والتزوير وبدعم مباشر من السلطة. وحين يكبر رأس التاجر مستفيداً من موقعه التشريعي والحصانة النيابية يصطدم مع رجل السلطة بسبب خلاف على نسبة الحصص وينتهي الأمر بانتصار السلطة وخضوعه لشروطها حتى يكفل حماية القانون لأعماله المخالفة للقانون وغير المشروعة. والشاب الجامعي الطموح الذي يفشل في الحصول على وظيفة تناسب علومه وتتخلى عنه خطيبته التي تتجه نحو الانحراف بينما هو يتجه نحو التدين. وتدخل قصة الشاب في سياق مختلف حين ينضم إلى جماعة دينية ويعتقل ويعذب ويعتدى عليه.

ورداً على الإهانة يتجه الشاب إلى التطرف وينضوي في لواء تنظيم مسلح وينتهي به الأمر إلى الانتقام من الضابط الذي اعتدى عليه فيقتله ويُقتل. بينما خطيبته الشابة تعود من جديد إلى طريق سوي بعد أن تلتقي الباشا الاعزب وينتهي أمرها بالزواج منه.

«عمارة يعقوبيان» حكايات مختلفة في قصة واحدة تتحدث عن مكان وتاريخه. فالمكان ثابت ولكن الزمن يتغير ولكل فترة رجالها واخلاقها وعلاقاتها وظروفها. الفكرة جميلة وعميقة وأهميتها انها اتخذت من العمارة محطة لتحرك البشر وصعودهم وهبوطهم وما يطرأ على الناس من متغيرات أحياناً تأتي مصادفة وأحياناً تحصل بالقوة. وفي كل الحالات... التاريخ يتغير ويبقى المكان (العمارة) يشهد على تلك التحولات.

الوسط البحرينية في

02.08.2006

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)