كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

أزمة فيلم تكشف حال الارتباك السياسي... لماذا تراجع مصطفى بكري أمام وحيد حامد؟

القاهرة - علا الشافعي

عن فيلم

عمارة يعقوبيان

   
 
 
 
 

«كل شيء تمام»، «لا خلافات بيننا» والفن عظيم وجميل». على هذه العبارات انتهت قبل يومين حلقة برنامج «مباشر» الذي استضاف فيها الإعلامي محمود سعد، كاتب السيناريو المعروف وحيد حامد، وعضو البرلمان الصحافي مصطفى بكري. ومع هذا كانت البداية مواجهة ساخنة، انطلقت من «الأزمة» التي كان افتعلها بكري حين هاجم فيلم «عمارة يعقوبيان» تلفزيونياً، مستبقاً في ذلك هجوم المتطرفين على الفيلم ذاته. اللافت في هذا، ومن تراجع مصطفى بكري السريع عن مجمل ما كان قاله وأثار استياء المثقفين والفنانين في مصر، أن هذا كله كشف عن حال الارتباك السياسي التي تعيشها «نخب» المجتمع المصري، حيث لم يعد واضحاً من يهاجم من، ومن يتحالف مع من، وما هو المنطق الذي يحكم تحرك فلان؛ أو الهجوم الذي يشنه علان. في نهاية الأمر، بدا كل هذا مجانياً و «تصالح» الخصمان أمام ملكوت الفن الجميل.. الفن الذي لم يعد يرى فيه بكري، شيطاناً رجيماً، بعدما شغل أهل الفن أياماً طويلة!

وكان مصطفى بكري قد شن حملة واسعة على فيلم «عمارة يعقوبيان» متهماً إياه «بالاساءة الى سمعة مصر» و»الترويج للشذوذ الجنسي»... وهو لم يكتف بذلك بل تكاتف مع أكثر من 112 نائباً من مختلف التوجهات السياسية لجمع تواقيع ضد الفيلم. وبناء عليها أحيل الفيلم الى لجنة الثقافة والإعلام في مجلس الشعب المصري، وطلعت أصوات مطالبة بمنع عرض الفيلم، أو على الاقل إعادة توليف المشاهد المختلف عليها: المشاهد التي جمعت خالد الصاوي في دور حاتم رشيد، وباسم السمرة في دور عبد ربه عسكري الأمن المركزي؛ والمشهد الذي جمع هند صبري بصاحب المحل في المخزن، ومشاهد أخرى. والحال ان كثراً اعتبروا «ثورة» بكري ضد الفيلم مجرد «رحلة غزل صريحة للاخوان المسلمين في مجلس الشعب المصري».

في سياق الحلقة بدا الكاتب وحيد حامد متماسكاً ومتسقاً مع وجهة نظره في الدفاع باستماته عن حرية التعبير، ووصل به الانفعال الى ان قال لبكري: «سأخذ الفيلم وأحرقه وأدفنه أمام معهد السينما». كما رفض حامد مبدأ الوصاية على عقل الشعب المصري في عصر الفضاءات المفتوحة والانترنت. واستشهد بأزمات مجتمعية تحاكي ما يحدث في الفيلم منها «زواج» اثنين من المثليين في مدينة الزقازيق في محافظة الشرقية المصرية، وانتحار شاب بعد رفض قبوله في الخارجية المصرية بحجة أنه غير لائق اجتماعياً.

كشفت الحلقة كيف تحول بكري من «الهجوم العنتري» ضد الفيلم، الى المطالبة بحذف مشهد واحد فقط- «مشهد الشذوذ» - واصفاً الفيلم بأنه «فيلم هام»، و»عظيم» بما يتناقض مع موقفه الذي كان أعلن عنه في الفضائيات والصحف حين سبق وصرح بأن «الفيلم ممل ولا يحمل أي مضمون».

وحتى الآن لا احد يعرف لماذا أقام بكري الدنيا وأقعدها على الفيلم، ثم استسلم في وداعة شديدة أمام كاتب الفيلم وكأن شيئا لم يكن. والضحية في النهاية هي حرية التعبير والجمهور الذي يصاب بحال ارتباك من جراء هذه «التناقضات» في المواقف.

يذكر أن الحـــملة التي شنها مصطفى بكري على الفيلم اضطرت منتجه عمـــاد الدين أديب الى أن ينشر في 7 صـــحف يومــية وأسبوعـــية إعــلاناً يمكن ان نطلق عليه صـــفة «تعبئة» يرد فيه على كل ما أثير حول الفيلم من اتهامات.

الحياة اللبنانية في

11.07.2006

 
 

عمارة يعقوبيان.. أخلاقي أم غير أخلاقي.. هل هذا هو السؤال؟

سمير فريد 

لا شك أن "عمارة يعقوبيان" إخراج مروان حامد عن رواية علاء الأسواني من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية ولا شك أن الجدل الذي يثيره يعني أن السينما المصرية لاتزال حية. ولاتزال تستطيع عبور المتوسط إلي أوروبا. بل والمحيط إلي أمريكا حيث فاز مروان حامد بجائزة الفيلم الطويل الأول في مهرجان ترايبكا في نيويورك. وهو من المهرجانات الجديدة التي تحقق نجاحا مضطردا كل عام.

ومن أهم ما يثيره الفيلم سؤال هل نحن أمام فيلم أخلاقي أم غير أخلاقي. وذلك بسبب تناوله علاقة المثلية بين رجلين علي نحو غير مسبوق في السينما المصرية. وليس من الغريب أن يثار هذا السؤال لذلك السبب في مجتمع محافظ مثل مصر. وكل مجتمعات العالم محافظة بدرجة أو أخري علي أية حال. بل وقد أثير نفس السؤال في أمريكا مطلع هذا العام ولنفس السبب حول فيلم "جبل بروكيباك" إخراج أنج لي. وفي تقديري أن الشكوك حول لا أخلاقية الفيلم كانت وراء عدم فوزه بأوسكار أحسن فيلم.

يطرح هذا السؤال ربما أقدم قضية في نقد الفنون وهي العلاقة بين الشكل والمضمون. وكيف يقرأ المتلقي العمل الأدبي أو العمل الفني في علاقته مع الواقع وفي علاقته مع الأخلاق.

الأخلاق في الفنون

يختلف التعبير عن الأخلاق في الحياة عن التعبير عنها في الفنون والآداب. ومن الضروري قراءة العمل الفني أو الأدبي من داخله ومن دون تجاهل بعض الحقائق من خارجه وذروة نجاح الفنان أو الأديب أن يكون الشكل هو المضمون ذاته. وأن يكون الفصل بينهما في النقد علي سبيل التحليل وبهدف إثبات إلي أي مدي كان الشكل هو المضمون ومثال الرسام الذي يرسم القمامة يوضح ذلك تماما فهو يرسم قمامة ولكنه يستهدف أن يشعر المتلقي بالجمال كما في أي لوحة ترسم المناظر الطبيعية الجميلة.

ولذلك عندما تقول بثينة مثلا "وهي إحدي شخصيات عمارة يعقوبيان" إنها تكره مصر فإن هذا تعبير عن حب الكاتب لمصر لأنه يدين الأسباب التي جعلتها تكره بلدها ويريد تغيير الواقع عن طريق صدمة القاريء بهذه العبارة ومن هنا فالسؤال ليس هل هذا العمل الفني أو الأدبي أخلاقي أم غير أخلاقي إنما كيف عبر الفنان أو الأديب عن الأخلاق في عمله.

علاء الأسواني مثل مروان حامد في فيلمه يجمعهما الغضب وإن اختلفت درجة الغضب في الفيلم عن الرواية ويجمعهما أيضا المفاهيم الأخلاقية المحافظة علي نحو شديد الوضوح فالمثلي في الرواية يعاقب بأن يقتله صاحبه ويعاقب في الفيلم بأن يقتله لص ليسرقه وفي الرواية والفيلم يعاقب ضابط الشرطة الذي يتجاوز القانون بالقتل بيدي إرهابي ويعاقب الإرهابي بالقتل بأيدي رجال الشرطة وتعاقب المرأة التي تتزوج لتكون مجرد جارية بالإجهاض بالقوة والطلاق ويعاقب العجوز المتصابي بأن تطرده شقيقته من شقة والدهما وحتي التاجر الجشع يعاقب بأن يخضع لمن هم أكثر جشعا منه.

النوبيون والأقباط

قالت الناقدة المخضرمة إيزيس نظمي في مقالها عن الفيلم في "أخبار النجوم" يوم السبت الماضي "الأخوان خادم الباشا وأخوه الذي خطط للسكن فوق السطح. ويخطط للاستيلاء علي شقة ابن الباشا بواسطة بثينة لا أعرف لماذا حدد كاتب السيناريو هويتهما بأنهما أقباط خاصة الأخ الذي يتسم سلوكه بالبخل وهذه صفة اليهود وليس الأقباط الذين من صفاتهم العطاء".

ونشرت "الأهرام ويكلي" يوم الخميس الماضي ملخصا لبحث رءوف مسعد إلي مؤتمر "الرواية العربية ومقاومة خطاب الهيمنة" الذي نظمه المعهد القومي للحضارات واللغات الشرقية مع اليونسكو في باريس في مايو الماضي قدمته الجريدة بأنه يكشف أن الرواية تقدم صورة مغرضة للأقليات مثل أكثر الأيديولوجيات محافظة وجاء في ملخص البحث أن "معالجة الأسواني للمثلية الجنسية تشبه معالجته للنوبيين والمسيحيين وهما مجموعتان مهمشتان في المجتمع المصري والسؤال هل اختار الأسواني أن يعبر عن حقده عليهم لأنهم لا يستطيعون الرد ولن تجد احتجاجاتهم سوي آذان صماء في مجتمع يقبل تجاهلهم ويضعهم خارجه".

وكان طلعت رضوان قد نشر مقالا عن الرواية في مجلة "أدب ونقد" "عدد فبراير 2005" تساءل فيه لماذا تعمد الكاتب أن يكون أول شخص تسبب في تعلق حاتم بالانحراف الجنسي نوبي الهوية ولماذا جعل الديوث الذليل وأخاه الانتهازي المتآمر من المسيحيين وكانت إجابة الناقد الأدبي أنه لا يوجد أي مبرر درامي لهذا الاختيار أو ذاك.

إذا وضعنا جانبا أن كاتب السيناريو وحيد حامد التزم بما جاء في الرواية بخصوص نوبية الخادم اللوطي ومسيحية الديوث والمتآمر. وأن البخل ليس صفة اليهود فقط. ولا العطاء صفة الأقباط فقط فإن ما يذهب إليه رءوف مسعد وهو من الأقباط مثل إيزيس نظمي. يثير الأسي والحزن والألم علي ما وصل إليه المصريون من تعصب يؤدي بالضرورة إلي ضيق الأفق. وإغلاق أبواب المستقبل هناك مشاكل للأقليات ظهرت مع تعاظم التطرف الديني للأغلبية المسلمة ولكن كيف يصل كاتب ومثقف كبير مثل مسعد إلي القول بأن الأقباط جماعة مهمشة يتجاهلها المجتمع المصري ويضعها خارجه بينما الكثير من سكان مصر لا يعرفون أن جيرانهم من دين مختلف إلا في المناسبات.

الرواية بها أكثر من عشرين شخصية رئيسية وثانوية وكلها فاسدة وليس النوبي أو القبطييا فقط وإذا نظرنا إلي هذا النوبي باعتباره يمثل النوبيين وهذين القبطيين باعتبارهما يمثلان الأقباط يجب أن ننظر إلي بقية الشخصيات باعتبارهم يمثلون المسلمين. وعلي هذا تصبح الأغلبية الفاسدة من المسلمين ويصبح "حقد" الأسواني الذي يزعمه مسعد علي النوبيين والأقباط حقدا أكبر علي المسلمين إنما يريد الكاتب أن يكون من بين النوبيين خادم لوطي ومن بين الأقباط الديوث والمتآمر حتي لا يقتصر الفساد علي المسلمين وحتي ينفي عن الرواية أنها تتناول أغلبية وأقليات وحتي يؤكد أن المجتمع المصري كل واحد ولهذا لا يوجد مبرر درامي بالفعل لوجود لوطي نوبي أو ديوث وجشع من الأقباط كما يقول طلعت رضوان. أو بالأحري فإن المبرر الدرامي تأكيد أن الأغلبية والأقليات جميعا يواجهون الفساد والتطرف.

الجمهورية المصرية في

12.07.2006

 
 

فيلم عمارة يعقوبيان..

 أخطاء صغيرة ولكنها واضحة وضوح الشمس

تحرير : مصطفى طاهر - هيثم دبور 

فى عمارة يعقوبيان الضابط انضرب عشر طلقات بس قدر يرفع المسدس ويضرب تانى .. لأو و إيه  غير مكانه مرتين بعد ما مات .. أمن دولة بقى !

الميزانية الضخمة غير المسبوقة والتى زادت على 22 مليون جنيه ثمناً لصناعة فيلم ( عمارة يعقوبيان ) بالإضافة إلى الحملة الدعائية الأضخم فى تاريخ السينما المصرية و تنقل  منتج الفيلم وأبطاله طوال الشهور الماضية ما بين المهرجانات العالمية..

كل ذلك لعب دوراً كبيراً فى صنع حالة من التحفز والترقب الجماهيرى لـ (يعقوبيان) الذى ظن الكثيرون أنه سيكون بابا نويل الذى سيحمل معه حلاً لكل مشاكل وانكسارات السينما فى مصر هى مجرد مشكلة نقص إمكانات وأموال فقط وأن وجود المال وحده يكفى لصناعة سينما ممتعه ورغم توقع الكثيرين لحدوث العديد من الأخطاء التقنية خاصة فى مشاهد الفيلم الصعبة التى تحتوى على مئات الأفراد من المجاميع مثل مشاهد المظاهرات أو المشاهد داخل العمارة البديلة التى تم التصوير فيها والتى تختلف عن عمارة يعقوبيان الحقيقية التى نعرفها ..

لكن المشاهد لم يلحظ أخطاء واضحه فى تلك المشاهد ولكن المفاجأة كانت وقوع الفيلم فى العديد من الأخطاء الساذجة الأخرى التى  أثارت ضحكات وسخرية الجمهور فى دور العرض مثل حكاية ضابط الشرطة الذى قام بالقبض على الحاج عزام (نور الشريف) والذى حيرنا الفيلم كثيراً فى معرفة رتبته فتارة يكون عميداً وتارة يكون لواء (مخرج الفيلم ميقدرش يرد كلمة كمال الفولى أبداً ) كما أن بعض اللقطات المفتوحة للقاهرة والتى ظهرت فى الفيلم فى اللقطات الخارجية سواء فى وسط البلد أو فى مشاهد المظاهرات لم تراع أن الفيلم من المفترض أن أحداثه تدور فى 1995 كما أبلغنا الراوى ( يحيى الفخرانى ) فلم نتوقع مثلاًَ أن نشاهد الأتوبيسات الخضراء (مرسيدس بنز) موديل 2005 وهى تسير فى شوارع القاهرة

كما كان مفاجئاً أن تملأ لافتات الدعاية لـ (فودافون) كل حوائط القاهرة رغم أنه فى عام 95 لم يكن المحمول قد ظهر فى مصر من الأساس..

 أما أهم مشاهد الفيلم والذى شهد انتقام (طه الشاذلى) من ضابط أمن الدولة الذى أدى دوره (عباس أبو الحسن) باقتدار بالغ ولكن أمتلأ المشهد بعدة أخطاء جعل من عملية اغتيال الضابط مشهداً كوميدياً أثار همسات الجمهور .. فالضابط بعد أن تلقى عشرات الرصاصات ومات وشبع موت فاجأنا جميعاً بأنه ما زال يبربش ويلعب حواجبه (طيب نمشيها حلاوة روح ) لكن الضابط لم يتركنا فى حال سبيلنا فالرجل بعد أن ظهر مقتولاً فى اللقطة الأولى ويديه مضمومتين إلى صدره فوجئنا فى اللقطة الثانية بأنه قام بفرد ذراعيه الأثنين على مصرعيها ( ممكن نمشيها إن الهوا ذقهم ) لكن الضابط يرفض البقاء ثابتاً حتى بعد وفاته فقد ظهر فى اللقطة الأولى بعد اغتياله وسقوطه على الأرض بعيداً عن الرصيف بمسافة ليست قليلة إلا أنه بعد موت طه الشاذلى وسقوطه بجواره فوجئنا بأن ضابط أمن الدولة قد غير مكان رقوده وانتقل إلى جوار الرصيف مباشرة (عادى مش لازم يفسح مكان لطه حبيبه!)

 مشهد الاغتيال فى عمارة يعقوبيان فتح ملف القدرات الخارقة غير العادية والسوبر لضابط أمن الدولة اللذين أثبت الفيلم أنهم يستطيعون الحركة بانسيابيه تامة حتى بعد وفاتهم.. ضابط أمن دولة بقى يا جماعة!!.

الدستور الأردنية في

12.07.2006

 
 

سمير فريد يكتب:

 "عمارة يعقوبيان" الرواية والفيلم والحدث

رواية الغضب على الماضي والحاضر وفيلم بداية سينما الإصلاح الذي تقوده لجنة السياسات من عمارة حكام مصر في الثلاثينيات إلى أثرياء مصر داخل الشقق وفقراء فوق السطح في التسعينيات الرواية تسخط على الواقع ونقاد الأدب يسخطون عليها من أقصى اليسار وأقصى اليمين الفيلم نقطة تحول في تاريخ السينما المصرية يعري كل أنواع الشذوذ الجنسي وغير الجنسي مخرج كبير في أول أفلامه ولكنه لم يخرج من عباءة سينما وحيد حامد وشريف عرفة وعادل إمام إذا كان عادل إمام قد وصل إلى كل هذا النضج في التمثيل لماذا يبدد طاقته في منافسة بوحه عمارة يعقوبيان.

رواية الغضب وسينما الإصلاح

كتب علاء الأسواني رواية "عمارة يعقوبيان" التي صدرت عن دار ميريت عام 2002, ليعبر عن نفسه, وعن رفضه للواقع الذي يعيشه, والذي هو مثل كل واقع نتيجة لتاريخ سبقه, ومن أجل تغيير هذا الواقع. وقد جاءت الرواية شديدة الحدة, تماماً مثل مقالاته السياسية التي ينشرها بين الحين والآخر.

هذه هي الرواية الأولى لطبيب أسنان يهوى الأدب أصدر قبلها مجموعتين من القصص القصيرة, وهو من جيل عصر حسني مبارك حيث كان طفلاً عندما تولى الرئيس مبارك الحكم. والرواية صادرة عن دار نشر صغيرة أنشأها الأديب محمد هاشم لينشر كتبه, والكتب التي لا يمكن أن تصدر عن دور النشر الكبيرة.

وتنتمي هذه الرواية إلى ما يمكن أن نطلق عليه الأدب الصحفي, أي المكتوب بلغة الصحافة التي تتوخى البساطة لتصل إلى أكبر عدد من القراء من المستويات الثقافية المختلفة, والبساطة لا تعني التبسيط بالطبع. وكون علاء الأسواني هاوياً للأدب, وكون روايته من الأدب الصحفي وصفان لا يتعلقان بالقيمة التي تستمد من داخل العمل.

"عمارة يعقوبيان" صرخة جيل وجد القرن العشرين الميلادي ينتهي, ولا تزال أصداء وعود الأجيال التي تحكم بلاده التي سمعها في طفولته تتردد: انتظروا عام 2000, والواقع يزداد سوءاً, والفساد يستشري, والجمود يسيطر على الحياة السياسية. وكانت نهاية القرن مدعاة لتأمل ما حدث فيه منذ بدايته, وفي الوسط منه ثورة يوليو 1952, وفي القلب منها هزيمة يونيو 1967.

حققت الرواية رواجاً كبيراً لم يعرفه عالم الأدب منذ روايات إحسان عبد القدوس (1991-1990) في ذروة تألقه, وترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية, وفاز ناشرها بجائزة أمريكية مخصصة لدور النشر الصغيرة. لقد أصبحت في تاريخ الرواية المصرية مثل مسرحية جون أوزبورن "أنظر إلى الماضي في غضب" عام 1956والتي عبرت عن نهاية الإمبراطورية البريطانية بعد حرب السويس.

أثرياء وفقراء

تتكون الرواية من فصلين كبيرين كل منهما أكثر من مائة وخمسين صفحة حيث يقدم المؤلف في الفصل الأول الشخصيات التي تجمعها "عمارة يعقوبيان" في القاهرة في نهاية النصف الأول من تسعينيات القرن الميلادي الماضي. وربما يرتبط شكل الفصلين برؤية الكاتب للواقع المصري زمن الرواية حيث توارت الطبقة الوسطى, ولم يعد هناك سوى أثرياء في شقق العمارة, وفقراء على سطحها يسكنون الغرف التي كانت مخصصة للكلاب المتوحشة أو غسيل الملابس عند بناءها عام 1934. والسرد من وجهة نظر الراوي-المؤلف, ولذلك لا تلتقي كل الشخصيات مع كل الشخصيات رغم أنهم في عمارة واحدة. والعمارة حقيقية يسرد المؤلف تاريخها منذ بناءها حتى زمن الرواية, ويستخدمها للتعبير عن رؤيته لحركة المجتمع المصري في أكثر من نصف قرن.

تأخذ الرواية شكل "الأوتشرك" الذي ابتدعه الكاتب الروسي مكسيم جوركي (1868-1936) في مسرحية "الحضيض", ولذلك فالأوتشرك كلمة روسية, وتعني أن تكون الوحدة الدرامية هي المكان, وأن تتصاعد الأحداث أفقياً بين عدد كبير من الشخصيات على نحو متواز, وليس تصاعداً رأسياً بين عدد محدود من الشخصيات كما هو معتاد. وقد تأثر نعمان عاشور (1918-1987) بهذا الشكل في مسرحية "الناس اللي تحت", ومن هنا تصور البعض أن علاء الأسواني في روايته تأثر بهذه المسرحية (الأهرام 24 أبريل 2006).

نحن في القاهرة بعد حرب تحرير الكويت من احتلال نظام صدام حسين في العراق, وسقوط النظام العالمي الذي استقر بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945), وبداية نظام عالمي جديد. وبعد أن عاد "الأفغان العرب" أي الذين حاربوا ضد النظام الشيوعي السوفيتي في أفغانستان, ومنهم "الأفغان المصريون", وبدأت أولى العمليات الإرهابية للجماعات الإسلامية في مصر. ونحن داخل "عمارة يعقوبيان" الفاخرة في وسط القاهرة الأوروبية التي أسسها الخديوي إسماعيل في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي, ولذلك كان يسكنها الباشوات وغيرهم من حكام مصر قبل ثورة يوليو, وحل محل العديد منهم ضباط الجيش بعد الثورة.

داخل العمارة

يركز المؤلف على ثلاثة من سكان الشقق وثلاثة من سكان السطح. أما ساكنو الشقق فهم زكي (65 سنة) الأعزب ابن الباشا الوفدي الذي يعيش من ريع ما تبقى من أرض والده, ويستخدم الشقة رسمياً كمكتب, وفعلياً لممارسة الجنس مع النساء من الخادمات إلى العاهرات. والحاج عزام (60 سنة) الذي يستخدم الشقة لممارسة الجنس مع زوجته الثانية سعاد التي ذهب زوجها إلى العراق ولم يعد. وحاتم (40 سنة) سليل الأرستقراطية المصرية, ورئيس تحرير صحيفة تصدر بالفرنسية, والمثلي جنسياً الذي يعيش وحيداً في شقته.

وأما ساكنو السطح فهم طه (18 سنة) ابن البواب الذي حصل على الثانوية العامة, وفشل في تحقيق حلمه بدخول كلية الشرطة لأنه ابن بواب وليس لديه 20 ألف جنية يدفعها كرشوة, وأرسل شكوى إلى رئاسة الجمهورية, وجاءه الرد سلبياً, فالتحق بكلية السياسة والاقتصاد بجامعة القاهرة, وانضم إلى إحدى الجماعات الإسلامية. وبثينة (18 سنة) حبيبته التي عملت في محلات بيع الأزياء في وسط القاهرة بعد وفاة والدها, واستسلمت لتحرشات أصحاب المحلات الجنسية. وعبد ربه (25 سنة) المجند الذي يرتبط بعلاقة جنسية مع حاتم, والذي يؤجر له حاتم غرفة فوق السطح يعيش فيها مع زوجته وابنهما الرضيع, وفي نفس الوقت يؤجر له كشكاً لبيع السجائر والمشروبات ليعيش منه بعد التجنيد.

وبمساعدة أبسخرون (خادم زكي) يتمكن أخوه ملاك ترزي القمصان من تحويل إحدى غرف السطح إلى مصنع صغير للقمصان عن طريق رشوة وكيل العمارة المحامي المخضرم فكري عبد الشهيد, وهو محامي زكي في نفس الوقت. وفي العودة الوحيدة إلى الماضي يتذكر حاتم كيف مارس خادم الأسرة إدريس الجنس معه في صباه, مما تسبب في مثليته, وهو تفسير ساذج ولم تكن له ضرورة.

خارج العمارة

وبالقرب من العمارة في ممر بهلر يقيم زكي مع شقيقته دولت الأرملة التي لا تطيق تصرفاته. وبعيداً عن العمارة يلتقي الحاج عزام مع الوزير كمال الفولي ليساعده في انتخابات مجلس الشعب, ويعده الوزير بالنجاح مقابل رشوة مليون جنية. وبالفعل يصبح عزام نائباً في البرلمان, وهو الذي بدأ حياته منظفاً للأحذية في وسط القاهرة, أو وسط البلد كما اعتاد أن يسميها القاهريون, قبل أن يمتلك العديد من محلاتها, ويصبح من كبار الأثرياء الجدد.

وفي الفصل الثاني من الرواية تقوم دولت بطرد زكي من الشقة, وتجعله يقيم في مكتبه بعمارة يعقوبيان, وتعلن عليه حرباً لا هوادة فيها. ويجد زكي بعض السلوى عند كريستين صاحبة مطعم مكسيم وحبيبته القديمة أيام الشباب, ولكنه يجد كل السلوى مع بثينة عندما يأتي بها أبسخرون لتعمل كسكرتيرة للمكتب, وتصبح عشيقة زكي بعد أن قطعت علاقتها مع طه. أما سعاد فتحمل من الحاج عزام رغم أنه اشترط عليها قبل الزواج ألا تحمل, وعندما ترفض الإجهاض, ولا تقبل وساطة "الشيخ" الذي يستخدمه الحاج عزام لتبرير كل أفعاله لتتفق مع الشريعة الإسلامية حتى تجارة المخدرات, يعمل الحاج عزام على إجهاضها بالقوة, ويطلقها.

يدخل الحاج عزام صفقة كبرى مع إحدى الشركات اليابانية, ويطلب الوزير كمال الفولي ربع الأرباح قائلاً أنه لا يعمل وحده, وإنما مع سلسلة طويلة تنتهي بالرجل الكبير. وهنا يطلب الحاج عزام مقابلة ذلك الرجل الكبير لإقناعه بخفض النسبة, وبالفعل يذهب إلى مقابلته في قصره بالمريوطية بجوار الأهرامات, وهناك لا يراه, وإنما يسمع صوته فقط يهدده إذا لم يرضخ, فلا يملك إلا الرضوخ.

يموت الطفل ابن عبد ربه فيصدم, ويشعر أن هذا عقاب إلهي على ممارسته اللواط, ويبتعد عن حاتم, ولكن هذا يطارده بإلحاح, فيمارس عبد ربه الجنس معه لآخر مرة بوحشية ويقتله. أما طه فيتعرض للاعتقال السياسي بعد أن يقود إحدى مظاهرات الجماعات الإسلامية ضد أمريكا وإسرائيل في الجامعة, وفي المعتقل يتم اغتصابه, فيترك الجامعة, ويلتحق بأحد المعسكرات السرية للجماعات حيث يتزوج رضوى أرملة أحد شهداء الجماعة, ويتدرب على السلاح ليقتل الضابط الذي أمر باغتصابه. وينفذ طه حلمه بالانتقام, ولكنه يلقى مصرعه في المعركة مع رجال الشرطة. وبالتدريج تصبح العلاقة بين زكي وبثينة أقرب إلى الحب الحقيقي, ويبدو ذلك عندما ترفض عرض ملاك لكي تخدع زكي وتدفعه لتوقيع عقد بيع شقته له مقابل خمسة آلاف جنية يدفعها لها. وإزاء تدبير دولت للقبض على زكي متلبساً مع بثينة في الفراش, يقرر زكي الزواج منها.

انهيار شامل

وقد تبدو هذه نهاية سعيدة بالمصالحة بين الأجيال والطبقات, ولكنها على العكس تماماً تعبر عن انهيار كل الأجيال وكل الطبقات. زواج زكي وبثينة مثل زواج الحاج عزام وسعاد وزواج طه ورضوى كلها زيجات غير حقيقية وإن كانت شرعية على الورق. ولا فرق بين العلاقات الزوجية في هذه الأحوال والعلاقة المثلية بين حاتم وعبد ربه, فكلها علاقات جنسية بحتة في عالم يختفي فيه الحب, ويسيطر على شخصياته الجشع والتملك والقسوة والأنانية.

التقابل مفزع بين ابنة الباشا التي تطرد أخيها من شقة والدهما لتستولي عليها, وبين ملاك الذي يسعى للحصول على مكتب زكي بالخداع, وبين حاتم الذي يسعده اغتصاب عبد ربه له حتى يلقى حتفه على يديه, ويودي بعبد ربه إلى المشنقة, وبين طه الذي ينتقم من اغتصابه فيقتل الضابط الذي أمر بذلك, ويلقى حتفه بدوره. ويتجلى بؤس الحياة السياسية حيث نرى خيوط الحكم بين يدي وزير فاسد يعمل لصالح عصابة, ونرى الوفد على لسان زكي لا يرى في عبد الناصر إلا رئيس عصابة, واليسار يدافع عن الفقراء على لسان حاتم المتفرنس, واليمين يصل إلى تكفير الدولة الحديثة التي أسسها محمد علي منذ قرنين على لسان شيخ الجماعات الإسلامية, والسلطة تقوم باغتصاب طلبة الجامعات في المعتقلات.

سخط اليسار واليمين

تبدو الرواية وكأنها حديث عفوي من القلب على لسان الراوي-المؤلف, ومن دون أي حسابات. ولكنها رواية محسوبة بدقة من الناحية الأدبية, وإن لم تدخل في حسابات الكاتب إرضاء أو إغضاب الأيديولوجيات المختلفة على الساحة السياسية والساحة الأدبية. إنها رواية تعبر عن رؤية كاتب ليبرالي, أي لا يحتكر الحقيقة, ولذلك لم ترض أغلب كتاب السياسة ونقاد الأدب من أغلب الأيديولوجيات, وزاد رواجها, ثم ترجمتها إلى لغات أجنبية من سخطهم عليها. لقد جمع السخط على رواية "عمارة يعقوبيان" اليمين واليسار معاً.

نشرت صافيناز كاظم (المصور 30 يونيو 2006) أنها تقززت من الرواية, وأنها من أقبح ما قرأت مكتوباً على ورق, وأن مؤلفها بذل جهداً في شرح الممارسات الشاذة والزانية, ولم يستطع لقصور قدراته الفنية أن يمررها من دون خدش حياء القارئ. ونشر طلعت رضوان (أدب ونقد التي يصدرها حزب التجمع عدد فبراير 2005) أنها رواية تتعاطف مع التيار الأصولي الإسلامي. وفي نفس العدد المشار إليه نشر إبراهيم العشري أنها رواية مزيفة للوعي, معادية لثورة يوليو, اللوطي فيها هو صوت الوعي, وابن الباشا الوفدي هو صوت الانتماء.

وبينما نشر الناقد الفلسطيني فيصل دراج (الحياة 25 أبريل 2006) أن الرواية تشوه الواقع المصري, ولا تندد بالسلطة كما توحي, وأنها رواية وعظية تستهدف إشاعة الطمأنينة والرضى عند القارئ, نشر الروائي والناقد الكويتي طالب الرفاعي (الحياة 18 مايو 2006) أن الرواية يسيطر عليها هاجس الجنس, وتقدم خلطة تقوم على الجنس والدين والسياسة بلغة عادية بعيدة عن أي ابتكار أو فنية, وأن إقبال المترجمين عليها لأنها تعري الفساد والتخلف اللذان يعششان في جوانب أكبر مجتمع عربي, وتؤكد لدى الآخر صدق فكرته بوجود مجموعات إسلامية إرهابية. وربما لم يناصرها من مصر إلا الدكتور جلال أمين وهو أستاذ في الاقتصاد وفي العلوم الاجتماعية, وجمال الغيطاني وهو من الأدباء وليس من النقاد. واختار بعض نقاد الأدب تجاهلها تماماً.

ولست أدري كيف تكون "عمارة يعقوبيان" تشويهاً للواقع المصري, وكيف يمكن اعتبارها لا تندد بالسلطة, وتشيع الطمأنينة والرضى عند القارئ. وما هو الخطأ في أن يسيطر على الرواية هاجس الجنس, أو أن تقدم خلطة من الجنس والدين والسياسة, وما الذي يجعل اللغة العادية بعيدة عن الابتكار والفنية. وهل يؤخذ على عمل أدبي أنه يعري الفساد والتخلف. ثم أليست هناك مجموعات إسلامية إرهابية, أم ترى كل ما حدث من 2004 من نيويورك وواشنطون إلى مدريد ولندن, ومن الدار البيضاء إلى الرياض مروراً بطابا وشرم الشيخ والعاصمة الأردنية عمان من نسج الخيال.

وفي كتابه "شرفات ونوافذ" (2006) ينشر فاروق عبد القادر أن علاء الأسواني في "عمارة يعقوبيان" كاتب كاره للوطن والمواطنين, بل وكاره للبشر. ومن البديهي كما يعلم ناقدنا الكبير أن الكراهية هنا تعبر عن ذروة الحب. قامت الرواية بتعرية الواقع, وقام نقادها بتعرية النقد الأيديولوجي من أقصى اليسار الشيوعي إلى أقصى اليمين الديني, وأصبح علاء الأسواني في مواجهة السلطات السياسية والسلطات النقدية في نفس الوقت إلا من بضع أصوات قليلة, وعبر عن حال الليبرالي الحقيقي في مصر والعالم العربي, والهامش الضعيف الذي يتحرك فيه.

الغضب والإصلاح

وإذا كانت الرواية تعبر عن الغضب, فالفيلم الذي كتبه وحيد حامد وأنتجه عماد أديب وأخرجه مروان حامد يعبر عن سينما الإصلاح السياسي الذي تقوده لجنة السياسات في الحزب الحاكم برئاسة جمال مبارك, والتي تواجه شبكة مركبة وراسخة من أعداء الإصلاح التي قررت وراثة مصر أيا كان رأس الدولة. وربما هي التي تثير قضية وراثة جمال مبارك حتى تعوق الإصلاح, وحتى تخفي قرارها متجاهلة تأكيد الرئيس مبارك على أن مصر ليست مثل سوريا, ومتجاهلة تأكيد جمال مبارك استحالة توريث الحكم في مصر.

لا يمكن تجاهل أنه في نفس الوقت الذي كان يصور فيه فيلم "عمارة يعقوبيان" كان عماد أديب يشترك في الحملة الانتخابية للرئيس مبارك عام 2005 بإجراء حديثه التلفزيوني المطول معه, وأن مروان حامد مخرج الفيلم الرسمي للانتخابات, وأن وحيد حامد أعلن في مقالاته السياسية وأحاديثه للصحافة والتلفزيون أنه يؤيد ترشيح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية طالما هناك انتخابات.

سينما وحيد حامد

وحيد حامد من بين عدد محدود من كتاب السيناريو في مصر والعالم العربي الذين يمكن أن نقول أن لهم سينما. بمعنى أن لهم عالمهم الفني الذي يصنع سينما خالصة أيا كان المخرج وراء الكاميرا, والنجوم أمامها, والمنتج الذي يصنع الفيلم. وقد وصل وحيد حامد إلى هذه المرحلة الأعلى بالنسبة لأي كاتب سيناريو في التسعينيات من القرن الميلادي الماضي بعد مرحلتين في السبعينيات والثمانينيات. ففي السبعينيات بدأ بداية متواضعة وصل فيها إلى حد كتابة "المقدمة المنطقية" على الشاشة في نهاية الفيلم, وهو تعبير أحد المراجع المدرسية في الدراما. وفي الثمانينيات تطور تطوراً ملحوظاً مع حركة الواقعية الجديدة, وخاصة في أفلامه التي أخرجها عاطف الطيب (1947-1995) ومنها "البريء" 1986 أحد تحف السينما المصرية.

في المراحل الثلاث تميز وحيد حامد بشجاعة استثنائية في إطار عمله في السينما السائدة من حيث نقد الواقع, والعمل على تغييره. وكان "اللعب مع الكبار" إخراج شريف عرفة وتمثيل عادل إمام عام 1991 بداية مرحلة سينما وحيد حامد حيث قدم مع المخرج الموهوب ونجم النجوم أهم الأفلام التي ناقشت علاقة المواطن بالسلطة, ونددت بإرهاب الجماعات الإسلامية الذي بدأ في هذه الفترة, وربطت بين الفساد والإرهاب, وأهمها "طيور الظلام" 1995, وأحدثها "دم الغزال" إخراج محمد ياسين 2006.

ولا يمكن هنا أيضاً تجاهل أن شريف عرفة هو مخرج حديث عماد أديب مع الرئيس مبارك, وأن عادل إمام أعلن بدوره أنه يؤيد ترشيح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية طالما هناك انتخابات. فهذه المجموعة من الفنانين تعمل في السينما السائدة, وفي إطار النظام السياسي, وحتى موقفها من الجماعات الإسلامية الإرهابية يرتبط بموقف النظام منها, فكيف تم تطويع رواية علاء الأسواني لتصبح رواية الغضب المعادية للنظام السياسي بداية سينما الإصلاح.

استبعد وحيد حامد رشوة الـ 20 ألف جنية التي كان يمكن أن يدفعها طه لدخول كلية الشرطة رغم أنه ابن البواب, واستبعد الشكوى التي أرسلها إلى رئاسة الجمهورية, والرد السلبي على هذه الشكوى, واستبعد حديث شيخ الجماعات السياسي عن قوات التحالف الدولي لتحرير الكويت, وهجومه على مشايخ السلاطين, واستبعد الشعارات السياسية من مظاهرات طلبة الجماعات حيث أصبحت تطالب بالدولة الدينية فقط, واستبعد لقاء الحاج عزام مع الرجل الكبير رئيس العصابة التي يعمل لحسابها الوزير الفاسد, رغم أن شخصية الرجل الكبير دارجة في كل الأفلام البوليسية المصرية.

ومن أجل نجومية عادل إمام الذي قام بدور زكي الدسوقي استبعد وحيد حامد وصفه لعبد الناصر بأنه رئيس عصابة, وجعله يتبادل الحب بحق مع بثينة, ويبدو ملاكاً مظلوماً رغم كل نزواته الحمقاء, وركز على فحولته الجنسية رغم تقدمه في السن, وهي الصورة التي يعنى بها عادل إمام في أفلامه منذ فترة مثل "التجربة الدانمركية" و"السفارة في العمارة" وغيرهما. ومن أجل نجومية يسرا حاول أن يجعل من أدائها لشخصية كريستين دوراً, ولكن من دون جدوى. ونفس الأمر بالنسبة إلى دور دولت الذي قامت به إسعاد يونس وهي رئيسة الشركة التي توزع الفيلم. وهذا لا ينفي أن الثلاثة كانوا في ذروة التألق, بل إنني خرجت من العرض الأول للفيلم في مهرجان برلين, وكان انطباعي أن الفيلم يعلن عن مولد مخرج كبير, وأن عادل إمام يصل إلى مرحلة عالية من النضج لا أدري لماذا يبددها في أفلامه التي تنافس "بوحه".

وعلى الصعيد الفني يقدم وحيد حامد في "عمارة يعقوبيان" درساً في كيفية تحويل رواية متعددة الخطوط إلى فيلم في نحو ثلاث ساعات. استبعد وحيد حامد تفاصيل لا تغني الفيلم مثل الصراع على مصنع ملاك على سطح العمارة, والصراع بين الحاج عزام ومنافسه الحاج أبو حميدة صاحب محلات "الرضا والنور", وتفاصيل الكشك الذي يؤجره حاتم ليعيش منه عبد ربه, وتفاصيل إقناع شيخ الحاج عزام لسعاد حتى تقبل الإجهاض طوعاً, وتفاصيل زواج طه ورضوى. ومن ناحية أخرى جعل زوج سعاد يقتل في العراق, بدلاً من انقطاع أخباره, وجعل القبض على طه في الشارع بعد المظاهرة, وليس في الغرفة التي يقيم فيها مع والده فوق السطح, وجعل بثينة تمزق العقد الذي حاول ملاك أن يجعلها تخدع زكي ليوقعه, وليس أن تعيده إلى ملاك.

نقطة تحول

ومع الأسف احتفظ وحيد حامد بالعودة الوحيدة إلى الماضي, والتي تفسر مثلية حاتم, وغير تماماً قتله على يد عبد ربه, وجعل حاتم يلتقط صعلوكاً من الشارع يقتله ليسرقه, رغم أن مصرع حاتم على يد عبد ربه في الرواية أكثر منطقية من الناحية الدرامية. ولكن هذا التغيير لم يؤثر بالسلب على الفيلم. والتعبير عن المثلية الجنسية في "عمارة يعقوبيان" يجعله نقطة تحول في تاريخ السينما المصرية السائدة من حيث الحديث عن المسكوت عنه, وأكثر ما يؤكد أن الفيلم ينتمي إلى سينما الإصلاح السياسي الذي يقوم أساساً على إطلاق الحريات وعلى رأسها حرية التعبير, فلم نشاهد من قبل تعرية للفساد, ولم نشاهد إدانة للشذوذ, من الشذوذ السياسي إلى الشذوذ الجنسي المثلي وغير المثلي كما في هذا الفيلم.

يأتي مروان حامد الذي تخرج في المعهد العالي للسينما إلى عالم الأفلام الطويلة وهو دون الثلاثين بفيلم عن رواية علاء الأسواني بعد فيلمين قصيرين عن قصتين من قصص يوسف إدريس (1929-1991). وهناك عنصر مشترك بين إدريس في خمسينيات القرن الميلادي الماضي, والأسواني في مطلع القرن الجديد, وهو التمرد والثورة على الواقع, وعلى الأدب التقليدي في نفس الوقت. ومن الملاحظ أن إدريس هو أكثر الكتاب الذين أعدت عن قصصهم أفلام طلبة معهد السينما, والأفلام المستقلة أيضاً. وهذا منطقي تماماً, فإذا لم يكن الشباب هم الذين يتمردون على واقع المجتمع وواقع الفنون, فمن الذي يتمرد.

الموهبة والطموح

ولكن اعتماد مروان حامد على الأدب من ناحية أخرى يعني أنه أقرب إلى الإصلاح منه إلى الثورة التي تقوم على سينما المؤلف. ولا شك أن تمكنه من إخراج أول أفلامه الطويلة وهو دون الثلاثين, وهو أمر عادي في العالم, بل وكان عادياً في مصر في العصر الذهبي للسينما المصرية (أنظر يوسف شاهين), ولكنه لم يعد عادياً, يرجع إلى عمله منذ أن كان طالباً في سينما وحيد حامد وشريف عرفة وعادل إمام. ومن الابتذال القول بأنه يرجع إلى كونه ابن وحيد حامد, فالموهبة لا تورث, وهذا مخرج موهوب بكل وأي المقاييس, ويبدو ذلك من فيلم تخرجه في معهد السينما. ولكنه أساساً تخرج من مدرسة الثلاثي المذكور, وتأثر بها بوضوح كأفضل مستويات السينما السائدة في مصر. وكان عماد أديب منتجاً فناناً وشجاعاً بحق عندما أسند إليه إخراج "عمارة يعقوبيان", وكان هو على مستوى المسئولية فأخرج فيلماً غير عادي, وأثبت أنه مخرج صغير السن كبير الطموح.

وأهم ما يجعلنا نرى مروان حامد مخرجاً كبيراً في أول أفلامه إدارته لهذا العدد الهائل من الممثلين والممثلات الذي جعل الفيلم استعراضاً عالمياً لفن التمثيل في مصر, وهو فن عريق يقترب تاريخه من مائة عام. فإلى جانب الأدوار الرئيسية لكبار النجوم مثل عادل إمام ويسرا ونور الشريف في دور الحاج عزام وهند صبري في دور بثينة حيث تثبت من جديد براعتها وتميزها عن كل ممثلات جيلها, قدم خالد الصاوي في دور حاتم الذي سار على خيط رفيع واحتفظ بتوازنه في كل مشاهده, وباسم سمره في دور عبد ربه, وقد أصبح ذو خبرة قوية في علاقته مع الكاميرا, وخالد صالح في دور الوزير الفاسد كمال الفولي, والذي أداه ببساطة وعمق ومن دون نمطية, والممثلين الكبيرين أحمد راتب وأحمد بدير في دور أبسخرون الذي أصبح اسمه فانوس ودور أخيه ملاك ترزي القمصان.

ولكل هؤلاء خبرات سابقة ما عدا محمد إمام في دور طه, والذي أثبت بدوره أنه لا يمثل لأنه ابن عادل إمام, وإنما لأنه يملك الموهبة التي قدمها مروان حامد, وخاصة في المشاهد التي لم تعتمد على الحوار, وإنما على التعبير الصامت بالعينين. لم يكن الانكسار قوياً في مشهد رفضه في كلية الشرطة, ربما لأن المشهد بأكمله كان أسرع من اللازم, ولكن انكساره بعد الاغتصاب كان رهيباً, واندفاعه للانتقام وكأنه دمية تتحرك بأزرار من دون إدراك العواقب كان مقنعاً إلى أبعد الحدود. لقد اختار مروان حامد بعناية جميع الممثلين والممثلات في أدوارهم المناسبة, وأدارهم بحنكة حتى من قاموا بأصغر الأدوار مثل سمية الخشاب وتامر عبد المنعم ومحمد الدفراوي ويوسف داود وسعيد طرابيك وعباس أبو الحسن الذي قام بدور الضابط.

وتتكامل المجموعة الفنية وراء الكاميرا مع المجموعة التي تمثل أمامها, المصور سامح سليم ومصمم الديكور فوزي العوامري ومصممة الملابس ناهد نصر الله, والخالدان (المونتير خالد مرعي والموسيقي خالد حماد). ولكن الملاحظ أن سامح سليم بسط أسلوب التصوير (رواية سوداوية تصور في الظلام), ولم يستطع المونتاج, وهذه مسئولية المخرج أيضاً وبالطبع, أن يربط بين سكان الشقق وبعضهم البعض, وهي وحدة الفيلم كمكان, وبينهم وبين سكان السطح من ناحية أخرى. إننا بالكاد نتبين أن شقة الحاج عزام وسعاد في نفس العمارة, وندرك بعد فترة ليست بالقصيرة أن زكي يقيم مع دولت في شقة والدهما, وأن له حجرة نوم أخرى في المكتب. والموسيقى جيدة, وساعد استخدام المخرج الحذر لها على إبراز جودتها.

واقعية متطورة

يبدأ الفيلم بداية قوية بمشاهد تسجيلية عن تاريخ العمارة مع تعليق بصوت الفنان الكبير يحيى الفخراني, وهي مشاهد تكثف رؤية الأسواني لعلاقة الواقع بالتاريخ الذي سبقه, وتبني مروان حامد لها رغم أن كل منهما من جيل مختلف, ولكن الغضب يجمع بين كل أجيال الشباب. وأسلوب مروان حامد واقعي متطور, فهو في إطار السينما السائدة, ولكن بروح جديدة تدرك الفرق بين السينما والتلفزيون. فقد كان من شأن تعدد الشخصيات, والتصاعد الأفقي للأحداث, أن يجعل الفيلم وكأنه مسلسل تلفزيوني يعرض مختصراً, غير أن مخرجنا سينمائي حتى النخاع. ويبدو التأثير السلبي للسينما السائدة في العودة الثانية إلى الماضي التي يضيفها المخرج عندما يقوم طه بقتل الضابط فنرى لقطات من مشهد الاغتصاب ثانية, فهذا شرح للمشروح وتوضيح للواضح, ويعكس عدم ثقة صناع السينما السائدة بذكاء الجمهور.

وأكثر ما يؤثر بالسلب على أسلوب مروان حامد عدم تمكنه من الخروج من سينما الثلاثي وحيد حامد وشريف عرفة وعادل إمام, وخاصة فيما يتعلق باختزال الجماعات الإسلامية في جلابيب بيضاء وذقون سوداء ووجوه مكفهرة ونظرات صارخة, وتحويل رغبة طه في قتل الضابط إلى حكاية انتقام شخصي بحت, بينما القضية صراع سياسي له أبعاده المركبة المحلية والدولية. لم يغير مروان حامد استبعاد وحيد حامد للبعد السياسي للجماعات الإسلامية من الرواية, ولم يقاوم نجومية عادل إمام بما يكفي, وخاصة في النهاية التي بدت أقرب إلى النهاية السعيدة بالفعل, ولم يتخلص من تأثير أسلوب شريف عرفة, والذي كان واضحاً في العديد من المشاهد, وخاصة في استخدام حركة الكاميرا والعدسات والمزج والحركة البطيئة.

مشهد عادل إمام في ميدان طلعت حرب كأنه منقول من "اللعب مع الكبار", ومشهد جنود الأمن المركزي كأنه منقول من "الإرهاب والكباب", والمزج في مشهد تمشيط زكي شعر بثينة, والحركة البطيئة في مشهد مصرع طه والضابط, واللقطات الكبيرة لزجاجات وكئوس الخمر بأسلوب الإعلانات الذي يتأثر به شريف عرفة, ينتقل إلى تلميذه مروان حامد. فضلاً عن بعض الأخطاء المعتادة في ميكساج الصوت كما في مشهد لقاء طه مع الشيخ في مقهى حيث يتساوى مستوى الصوت من داخل المقهى ومن الخارج عبر الزجاج.

ولكن هذه الملاحظات وغيرها لا تغير من حقيقة أننا أمام فيلم/حدث على أكثر من صعيد, وإعلان عن مولد مخرج كبير في أول أفلامه الطويلة, وقادر على أن يكون له أسلوبه الخاص وعالمه الفني المتميز. 

انظر الموقع الرسمي لسينما ايزيس: www.cinemaisis.com

سينما إيزيس في

12.07.2006

 
 

رواية «فيلم» عمارة يعقوبيان:

رســـم صـــورة مخيـبــــة للواقــــــع

بقلم صالح القاسم 

تحت ذرائع حرية التعبير يصبح من حق الحاقدين على أمتنا ان يصورونا بأبشع صورة، واذا عبرنا عن وجهة نظرنا المغيرة لهم نتهم بالتحجر واللاديمقراطيين، واننا نصادر حرية الآخرين، وهذا ما يحصل في رواية (فيلم) يعقوبيان، فهي رواية تبيح لنفسها تصوير الشعب المصري كله من فئة الفاسدين والشاذين دون ذكر لأية شخصية ايجابية، في حين من عبر عن وجهة نظره هذه اتهم بمصادرة رأي الآخرين.

رواية يعقوبيان تصور المصريين كلهم وبلا استثناء على أنه شعب سلبي جدا لا يبدى أية ايجابية تجاه وطنه، وتجاه نفسه، ومن السهل وقوعه فريسة للجنس واللواط والمخدرات والارهاب ضد الدولة، وذلك على النحو التالي التالي:

1- فالأغنياء منهم منحدرون من طبقة الفقراء من مثل ماسحي الأحذية وغيرهم، الذين يختفون فجاة، ويظهرون فجأة بعد مدة في ثوب الأغنياء والأثرياء أصحاب الملايين، مع أنهم في الحقيقة كما يصورهم الكاتب تجار بودرة وحشيش، وأفاقي جنس يمارسون الدعارة بلا اخلاق ولا أدنى ضمير انساني.

2- والفقراء كما يصورهم الكاتب أيضا بلطجية، ونصابين، ومعدومي الضمير والانسانية، ولا يبدون أية مقاومة تجاه مشكلات العصر فبسرعة يستسلمون للجريمة والجنس والدعارة.

3- السياسيون الكبار تجار بودرة وعملاء، يتحكمون بمصير الأغنياء عبر منحهم الوكالات وحمايتهم من الرقابة والضرائب.. الخ.

4- الاسلاميون حاقدون على الحكومة والمجتمع، وهجروا الناس الى الصحراء ليتدربوا على السلاح ومن ثم شن هجمات ارهابية على رموز المجتمع.

5- كبار الضباط من طبقة الأغنياء، الذين يرشون الحكومة لكي يصبح أبناؤهم ضباطا، وطبقة الأغنياء كما ذكرنا من وجهة نظر الكاتب هم من أصول ماسحي الأحذية وخلافهم أي تجار بودرة وحشيش.

6- ولا يوجد هناك أي ذكر لأية شخصية ايجابية تقاوم الشر، فكل الشخصيات في الرواية شخصيات شر، ولكنهم ضحايا الظروف التي تحيط بهم، ويضعهم الكاتب في صورة شخصيات مظلومة نكاد نحن القراء أن نتعاطف معها، بل، ولعل الكاتب يقصد انه لا مانع ولا ضير فيما اذا وقعنا ضحايا مثلهم من حيث الشذوذ والجنس الحرام.

7- وهي أي الرواية حين تضع شخصيات الرواية في صورة ضحايا الظروف، تصور المصريين وكأنهم شعب لا يملك أن يتحدى هذه الظروف، وكأن الشعب المصري يستمرىء أن يكون في مثل هذا الوضع ليعلق سبب شذوذه وفسقه ومجونه على الظروف فقط، في حين أنها ظروف موجودة في كل المجتمعات ويمكن الصمود في وجهها. ولكن الكاتب قصد هذا التصوير، ليقتل أية بارقة أمل أمام الشاب المصري في أن يحاول أن يكون مواطنا ذا كبرياء وكرامة.

8- بل ان كاتب الرواية صور هذه الشخيصيات السلبية بصورة يدعونا فيها الى التعاطف معها ومساندتها، ولا ضير حتى من حذو حذوها، فحاتم الشاذ جنسيا صار شاذا ليس برغبته ولكن بسبب ظروف أهله الذين لم يولوه الرعاية القريبة في طفولته، بسبب انشغال والدية وانهماكهم بالسفر والعمل، ولم تكتف الرواية بذلك بل صورت اللواط والشذوذ الجنسي وكأنه فعلا ممتع جدا من خلال وصف وتصوير مشاهد لحاتم الشاذ وهو يستمريء شذوذه ويشعر باقصى درجات اللذة، وكأن ممارسة اللواط بها لذة حقيقة، ولكن الكاتب يتعمد ايجاد لذة قاصدا دعوة غير الشاذين تجريب ذلك.

9- أما غير الضباط، الجنود الصغار والعسكر والذين يطلق عليهم في مصر (الأمن المركزي)، فيصورهم الكاتب على أنهم من الفقراء من رعاع المجتمع، من السهل اصطيادهم من قبل الأغنياء واغوائهم لاستغلالهم بممارسة الشذوذ معهم، فعبد ربه عسكري فقير يصطاده (يغويه) حاتم الشاذ لكي يستغله في اشباع رغبات شذوذه.

10- والقصة كلها تهدف برمتها الى اظهار من يستسلم لرغباته الجنسية والمادية يصل في النهاية الى مراده ويصبح من أصحاب الملايين (بثينة) التي تمارس الدعارة بحجج أنها ضحية الفقر، في حين من يقاوم رغباته يودع السجن، كما هو حال (طه الشاذلي)، الذي لم ينجح أن يكون ضابطا لأنه ابن بواب، وقبل أن يشتد عوده كمسلم حقيقي يودع السجن ليمارس في حقه ابشع أنواع التعذيب الجنسي، فيخرج يريد الانتقام ليقع ضحية الارهابيين، الذين يكلفونه مهمة قتل ضابط كبير في الدولة.

نحن لسنا ضد حرية التعبير، ولكن الفن الحقيقي يعرض الخير والشر، الا ان الرواية ليس لها علاقة بالفن، ولا تهدف الى ذلك، والطريقة التي نسجت بها أحداث الرواية تتضمن دعوة غير مباشرة لجيل الشباب القادم بالاستسلام للساسة الفاسدين، وتجار البودرة، وظروف الفقر لأنها اقوى من أن تقاوم، ومن يقاومها يكون مصيره السجن والتعذيب، أو القتل.

فثمة خير في صراع مع الشر، لكن مصر، والمصريين في هذه الرواية (الفيلم أيضا) مجموعة من الزنادقة فقط، لماذا لا يوجد ولو بالاشارة الى وجود وجه آخر لمصر، وجه الفكر والحضارة الراسخ في تارخ الحضارة الانسانية رسوخ الكون نفسه، ولكن الراوي وكل من ساند الرواية وفيلمها مدفوعون من جهة ما لتدمير الحضارة العربية والاسلامية.

فهم يدعون كل افراد الشعب المصري الى الراحة وعدم ابداء اية محاولة تجاه حياة كريمة، فلا أمل لهم، فليستسلموا للوضع الذي هم فيه، ولا ضير من ممارسة، الشذوذ ما دام يوصل الى الغنى والشهرة والفلوس، ولا تبذلوا أية جهود، فأنتم لا تستطيعون مواجهة ظروفكم ولا أن تغيروها، فالساسة متواطئون مع الأغنياء: السياسي يحمي تجارة الغني الحرام، والغني يدفع للسياسي مقابل ذلك، وكبار الضباط اما من طبقة الأغنياء، أو من طبقة السياسيين، فاسترح ايها المواطن، ولا تقاوم حتى لا يكون مصيرك مثل عبدربه السجن، أو مثل طه الشاذلي القتل.

والرواية معدة أصلا لتكون فيلما، لأنها مكتوبة بطريقة سينمائية محضة، وقد تأخر انتاجها فيلما لتمهيد استقبالها من عامة الناس.

لا أحد يكره حرية التعبير، ولكن حرية التعبير التي تخدم قضايا امتنا، لا تلك التي تعمل على تدميرها وهدم حضارتها عبر حصر مشكلاتها بقضية الشذوذ الجنسي، فمشكلاتنا كثيرة ومصيرية، وقضية الشذوذ لدى البعض هي قضية البعض فقط، والذين يطويهم التاريخ كما طوى من قبلهم.

ولعل فتح دور السينما الغربية أبوابها لعرض هذا الفيلم في حين لا تسمح لأفلام عربية أخرى فيه تأكيد على صحة شكوكنا حول نوايا الرواية والفيلم (عمارة يعقوبيان) نحو قيمنا العربية.

* كاتب اردني

salqasim@yahoo.com

الرأي الأردنية في

14.07.2006

 
 

عماد الدين أديب: الدعاية صنعت نجاح "عمارة يعقوبيان" 

القاهرة - “الخليج”: “بيت من لحم، إبراهيم الأبيض، ابن لادن، تحت الحزام”، كلها أسماء لأفلام يرددها الكثيرون باعتبارها في طريقها إلى التنفيذ من خلال الإعلامي والمنتج عماد الدين أديب، ولكن لا توجد خطوات فعلية مؤكدة لأي منها.

عماد أديب، صاحب ورئيس مجلس إدارة شركة جودنيوز، يضع النقط فوق الحروف مؤكدا أن هذه الأفلام وغيرها تقع بالفعل ضمن برنامج الإنتاج السينمائي في الشركة، لكن الأولوية الآن -كما يقول- لفيلم “محمد علي باشا”، الذي يقوم بدوره الفنان الكبير يحيى الفخراني، ويدور حول العسكري الألباني “محمد علي” الذي استطاع الوصول إلى حكم مصر، ثم كون دولة كبرى حاول الاستقلال بها عن الإمبراطورية العثمانية، وقام بإصلاحات عديدة، وأطلق عليه المؤرخون “مؤسس مصر الحديثة”.

ويضيف أديب قائلا: إن فيلم “ابن لادن” سوف يحتاج إلى وقت طويل في الإعداد والبحث قبل بدء تنفيذه، ولكنه بالتأكيد من الأفلام التي تقرر الإسراع في إنتاجها، وقد تم بالفعل الاتفاق مع النجم محمود عبدالعزيز ليقوم بدور الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، وهو الطبيب المصري “أيمن الظواهري”، وتجرى مفاوضات أخرى مع نجم عالمي للقيام بدور أسامة بن لادن. وحول الدعاية المبالغ فيها والسخاء الإنتاجي الذي ظهر واضحا في فيلم “عمارة يعقوبيان” وهل سيتكرر مع بقية الأفلام، قال عماد الدين أديب: إذا أردنا تعريف العالم بنا وأردنا أن يشاهدنا الأجانب فعلينا استخدام الأدوات التي تمكننا من ذلك، وهي الحفلات والمهرجانات والمطبوعات، وهدفنا منذ البداية فتح أسواق جديدة في العالم للفيلم المصري، وبالتالي هناك خطوات لفتح هذه الأسواق يجب تنفيذها مهما تكلف الأمر وإلا فلن يتحقق هدفنا. ويضيف: الحقيقة أن هناك أفلاما مصرية أجمل من “عمارة يعقوبيان” لكن المشكلة أنها لم تأخذ حظها من الدعاية؛ إما لضيق ذات اليد عند المنتج أو لبخل الإنتاج، وبالتالي لم تحقق نجاحا يذكر.

الخليج الإماراتية المصرية في

14.07.2006

 
 

«عمارة يعقوبيان» يبدأ عروضه في الصالات ومعاركه ضد معارضيه...

الفيلم الظاهرة بين سندان الفساد ومطرقة التطرف الديني

القاهرة - هاشم النحاس

قبل أن أقرأ رواية «عمارة يعقوبيان» قرأت نقداً أدبياً عنها للناقد فاروق عبد القادر، لم اشعر بالارتياح لما جاء في النقد من إصرار على اتهام المؤلف بما ورد على لسان أحد شخصياته، كما احتوى النقد من الهجوم على الرواية ما يحث على عدم قراءتها. لكني قرأتها ووجدتها ممتعة وجذابة وتطرح رؤى حادة وصريحة عن المجتمع تأتي في وقتها، وتثير من القضايا الاجتماعية والإنسانية ما يدعو الى التأمل والمناقشة.

وعندما وجدت بعد ذلك مقالاً نقدياً للرواية كتبه صبري حافظ أستاذ الأدب العربي في جامعة لندن، أقبلت على قراءته بحماس على أمل أن أجد فيه ما يتفق ومشاعري نحوها، لكني وجدته نقداً أكاديمياً صارماً يطبق على الرواية مسطرة شروط نقدية جامدة سلبت روح الرواية وأفقدتها قيمتها أو تكاد.

لم ينقذني من القلق الذي انتابني بسبب تناقض شعوري مع رأي الناقدين الا عثوري صدفة على فصل يتناول الرواية ضمن كتاب «في مديح الرواية» الذي كتبه الأديب القدير بهاء طاهر صاحب روايتي «خالتي صفية والدير» و «نقطة نور» وغيرهما من إبداعات أدبية ونقدية مضيئة، واعاد إلي مقال بهاء طاهر توازني حين قال انه احب الرواية، وقدم أسبابه الموضوعية لجاذبية الرواية وحبه لها.

ما وراء المتعة

ولا شك أن وحيد حامد قد تمتع بقراءة الرواية وأحبها، ولكن لا أظن أن ذلك وحده ما دفعه الى كتابة السيناريو عنها، وهو الحريص على أن يكتب سيناريوات آلامه ومسلسلاته عن قصص من بنات أفكاره، لابد انه وجد وراء المتعة التي تحققها الرواية أحداثاً وشخصيات جديرة بأن يقدمها، والمتابع لأعمال وحيد حامد يدرك على الفور ان رواية «عمارة يعقوبيان» تدق نواقيس الخطر التي يدقها وحيد في أعماله، وتتضمن من «التيمات» ما سبق له معالجتها، ومنها «تيمة» التطرف الديني التي عالجها في أكثر من عمل من أعماله، وكانت التيمة الرئيسية في مسلسله «العائلة».

بمهارة الكاتب السينمائي المتمرس، حافظ وحيد على جمع خيوط الرواية في سيناريو محكم يضم كل شخصياتها ويركز على أهم أحداثها، واكتفى تقريباً باختصار بعض التفاصيل التي تفرضها الضرورة السينمائية، ومنها تفاصيل كانت كفيلة بعرقلة السرد السينمائي مثل الخطب الدينية في نصفها الأخير (وان عرضها في الفيلم بطريقة كاريكاتورية مبتسرة!).

ولجأ وحيد الى تقديم شخصية الحاج عزام من خلال مشهد الحلم الجنسي الذي يراوده في منامه ليختصر من خلاله في لقطة واحدة سيرته السابقة حيث نراه في الحلم يعمل ماسح أحذية، ويمهد بهذا الحلم في الوقت نفسه لمشاهد الحاج عزام التالية، وهو يسعى الى زواج جديد من شابة جميلة.

المجتمع الذي يقدمه الفيلم فشى فيه الفساد، ما يكشف لنا عن جذور هذا الفساد متابعة السيرة الذاتية الخفية والظاهرة لشخصياته، نأخذ مثلاً من أغنياء العمارة الحاج عزام (نور الشريف) رجل الأعمال الشعبي الصاعد، ومن فقرائها الشاب طه ابن البواب (محمد امام). بينهما يبدو المجتمع كما تبدو قطعة الحديد الملتهبة بين السندان وضربات المطرقة، ويمثلان من ناحية أخرى وجهان لعملة واحدة يجمع بينهما التعامل مع الدين وان كان لكل منهما مفهومة الخاص.

الحاج عزام يتعامل مع الدين بتلقـائـيـة شديدة كغـطاء لأعماله عند اللزوم، ويتخلى عنه بنفس التلقائية والبساطة في حالات أخرى. عندما يقبل على الزواج من المرأة الثانية يحرص على أن يتم وفقاً للأصول الشرعية، ولكن عندما تحمل الزوجة منه على غير رغبته يأمرها بالإجهاض ولا يخضع للاعتراض بأن الإجهاض مخالف للشرع، ويـدبـر الحـاج مؤامـرة ليـليـة لإجهـاض زوجتـه بالقـوة ثم يـطلقها، ولكنه لإرضاء ضميره يمنحها مبلغاً من المال يفوق مؤخر صداقها.

يحصل الحاج عزام على عضوية مجلس الشعب عن دائـرة قـصر النيل مقابل رشوة مليون جنيه يدفعها لرجل غامض من المسؤولين يدعى كمال الفولي (خالد صالح) ويحرصان على قراءة الفاتحة معاً تبركاً بإنجاز الصفقة، وعندما يـرفـض الحـاج عـزام ان يدفـع للفولي مبلغ 25 في المئة من أرباح التوكيلات الجديدة التي حصل عليها، يفاجأ بحملة بوليس على متجره لضبـط المخـدرات التي يعمل في تجارتها، وعندئذ يقبل الخضوع لطلبات الفولي الذي سينقذه ولكن في مقابل رفع نسبة الرشوة للعملية التي اعتبرها مشاركة، الى 50 في المئة من الأرباح، ويصرح كمال الفولي بأن المبلغ ليس له وحده وإنما هناك من هو أكبر منه.

وتكشف لنا شخصية طه عن جانب آخر من جوانب الفساد في المجتمع، اذ يطمح ابن البواب الى الالتحاق بكلية الشرطة بعد حصوله على الثانوية العامة بمجموع مرتفع، ولكن يحول بينه وتحقيق حلمه عمل أبيه الذي كان السبب في سقوطه في امتحان كشف الهيئة.

وعندما يلتحق طه بالجامعة ينضم الى الجماعات الدينية، ويقود مظاهرة، فيتم القبض عليه ويمر بمرحلة تعذيب دامية واعتداء جنسي لتحطيم كرامته، ليخرج بعد ذلك وقد قرر الانتقام.

شخصيات مركّبة

إلى جانب هاتين الشخصيتين كانت هناك شخصيات أخرى لكل منها دلالتها على خريطة الفساد التي تشمل سكان العمارة (مصر) من الأثرياء داخل الشقق أو الفقراء من ساكني السطح، وان كان من هذه الشخصيات ما تتجاوز دلالتها الاجتماعية وتطرح دلالات إنسانية أكثر اتساعاً وعمقاً، وفي مقدمة هذه الشخصيات شخصية زكي ابن البـاشا السابق، عجوز استهلك حياته في مغامرات نسائية، ومازال ضعيفاً أمام رغباته التي تسوقه الآن الى نساء من الدرجة الدنيا لكنه يحمل قلباً كبيراً مليئاً بالحب والتسامح، يرفض نصيحة المحامي بأن يستعين بالبلطجية لاقتحام الشقة التي طردته منها أخته، ويحتفظ بعلاقة صداقة رقيقة مع عشيقته الأجنبية السابقة، ويعامل بثينة الشابة الفقيرة التي تعمل عنده بود واحترام يرد اليها انسانيتها التي كادت ان تفقدها، انه شخصية مركبة ما كان يمكن ان يؤدي دورها غير ممثل في مقام عادل امام.

والفتاة بثينة التي تقوم بدورها الممثلة الشابة البارعة هند صبري، تتوقف عن مبادلة طه الحب والأحلام تحت ضغوط الحياة، لتستسلم لنزوات أصحاب المحال التي تعمل فيها، وتكاد ان تشارك في مؤامرة مع أحد سكان السطح أراد الاستيلاء على شقة زكي في العمارة، لكنها تتراجع بفعل معاملة زكي الطيبة له.

ومن الشخصيات المركبة أيضاً التي تعاني صراعاً في داخلها وتستحق الذكر، شخصية حاتم، رئيس تحرير جريدة فرنسية يعاني من المثلية الجنسية، وأدى الدور باقتدار خالد الصاوي.

مخرج متمكن

في أول أفلامه الروائية الطويلة استطاع مروان حامد ان يكشف عن مهارته كمخرج متمكن، يتقن استخدام أدواته، وان ظل في حدود استخداماتها التقليدية المعروفة، كأن يعتمد على الظلال المتقاطعة أو الإضاءة التي تقسم الوجه الى نصفين يغمر الظل احدهما، تعبيراً عن الصراع الداخلي الذي تعاني منه الشخصية، أو استخدام الموسيقي الاوركسترالية في تضخيم الإحساس بالموقف وتأكيد معناه.

وعلى رغم ان الفيلم بتعدد شخصياته وتنوع مواقفه وامتداده الزمني، مثّل اختباراً صعباً للمخرج، فإن مروان حامد لم يفقد القدرة على الإحاطة بكل عناصره في وحدة متماسكة، وحافظ إجمالاً على إيقاع السرد الذي يحقق جاذبية العمل ويغري المشاهد بالمتابعة، ساعده على ذلك أداء الممثلين بالإضافة الى ما توفر له من إمكانات أخرى بشرية وتكنولوجية عالية، كانت تفصح عنها الصورة.

ولعل أفضل ما يعبر عن كفاءة المخرج الشاب مروان حامد في فيلم «عمارة يعقوبيان» مهارته في رسم الصورة الحسية والذهنية للشخصيات والمواقف العديدة المتنوعة فيما بينها. ومنها صورة إرهاب الدولة في مشهد قمع المظاهرة الساحق، ومشهد التحقيق الدامي، وصورة إرهاب المتطرفين في مشهد اغتيال الضابط وصورة حاتم (خالد الصاوي) وهو يحاول اصطياد المجند الصعيدي (باسم سمرة) ومعاناته في محاولة إغرائه، وصورة المناورات الخبيثة بين الحاج عزام (نور الشريف) وكمال الفولي (خالد صالح) وكل منهما يحاول ان يقضم الجزء الأكبر من كعكة الآخر.

غير ان اتقان الصنعة لا يخفي على المشاهد ما يجده في بعض هذه الصور أو غيرها من الكليشيهات المعهودة، وهو ما يفقدها بريق الابتكار وطزاجته، يستثنى من ذلك - خصوصاً - صورة كل من العجوز زكي (عادل امام) والفتاة بثينة (هند صبري) والعلاقة الحميمة التي نمت بينهما، وفيها يمنح العجوز الاحترام للفتاة وتمنحه الفتاة رحيق الحياة. وتوفر هذه العلاقة للفيلم أجمل مشاهده وأكثرها انسانية، ويأتي الزواج تتويجاً لهذه العلاقة بينهما ليثير أكثر من سؤال: هل هو إشارة الى أن أصحاب القلوب البيض أقدر على مصالحة الحياة؟ أم هو إشارة الى الاستسلام لواقع زواج غير متكافئ؟ كما لا تخلو هذه النهاية من ظلال سياسية.

الحياة اللبنانية في

14.07.2006

 
 

60 مليون و160 فنان في فيلم  عمارة يعقوبيان

عاطف سليمان   

«عمارة يعقوبيان»اضخم انتاج في تاريخ السينما.. بدأت شركة «جود نيوز» للإنتاج والتوزيع السينمائي اول خطواتها الفنية بعمل يعيد تشكيل الواقع السينمائي العربي، وهو فيلم«عمارة يعقوبيان» المأخوذ عن الرواية التي تحمل نفس الإسم للكاتب الطبيب علاء الأسواني. الرواية التي تحمست لها الشركة التي يرأس مجلس إدارتها الإعلامي عماد الدين اديب ورصدت لها ميزانية إنتاجية وهي 60 مليون جنيه مصري تحولت الى حدث «العام» عندما اعلنت الشركة عن اسماء النجوم الذين انضموا لـ«عمارة يعقوبيان» وهم: عادل امام، نور الشريف، يسرا، إسعاد يونس، هند صبري، محمد عادل امام، سمية الخشاب، خالد صالح، خالد الصاوي، احمد راتب، احمد بدير، عبد المنعم، باسم سمرة، احمد صلاح. بالاضافة الى مجموعة كبيرة من الفنانين الذين وصل عددهم الى 160 فنانا. يرصد سيناريو الفيلم حياة المصريين في السنوات الأخيرة بشكل شديد الحساسية والجاذبية والجرأة. أكد مخرج الفيلم الشاب مروان حامد، ان التصوير سيستغرف 11 اسبوعاً، وسيتم في سرية شديدة، لأن ديكور العمار ة، تم بناؤه خصيصاً بشكل جديد. تدور احداث الفيلم حول «زكي الدسوقي» وهو الشخصية الرئيسية في العمل، ويقوم بدوره عادل امام.. وهو عجوز متصابي، كان من اثرياء شارع طلعت حرب ومن اشهر سكان «عمارة يعقوبيان»ومن خلال شخصيته تظهر تغيرات المجتمع المصري عبر عقود متتالية. ومن خلال عدة رجال ونساء ترتبط حياتهم بحياته تتكشف حقيقة الواقع المصري. فرجل الأعمال «محمد عزام»الذي يقوم بدوره النجم نور الشريف هو ماسح الأحذية الذي اعتاد الجلوس في مدخل العمارة، ثم تحول مع مرور الزمن الى عضو مجلس الشعب ويتزوج من أرملة شابة سمية الخشاب. اما يسرا، فهي«كريستين» صديقة «زكي» القديمة ومالكة احد اشهر مطاعم زمان. محمد امام، هو الطالب الشاب الذي يحب جارته فوق سطح «عمارة يعقوبيان» وهي «بثينة» هند صبري، والتي تجد نفسها في النهاية تقع في حب «زكي» اما احمد راتب، فهو فراش مكتبه، وخالد صالح الموظف الحكومي الفاسد، اما خالد الصاوي، فهو الصحفي الشهير ذو الحياة المزدوجة «حاتم رشيد»وقد كان النجم فاروق الفيشاوي قد اعتذر عن هذا الدور مما تسبب في تأجيل بدء تصوير الفيلم، وتقوم الفنانة إسعاد يونس بدور شقيقة «زكي الدسوقي» التي تحاول الإستيلاء على شقته. يتوقع عرض الفيلم في بداية عام 2006.

حوارنا مع عادل امام

في «عمارة يعقوبيان» يقدم 40 مشهداً فقط.. الفيلم مأخوذ عن رواية الأديب، د.علاء الأسواني «عمارة يعقوبيان» التي نُشرت سنة 2001وتم إعادة طباعتها اكثر من مرة نظراً لما أثارته وتثيره من جدل كبير.. بالإضافة لترجمتها للغتين الإنجليزية والإيطالية.. كتب السيناريو والحوار للفيلم الكاتب المتميز وحيد حامد. يقوم بإخراج «عمارة يعقوبيان»المخرج الشاب وحيد حامد في اولى تجاربه السينمائية..

 و«عمارة يعقوبيان» اسم حقيقي لعمارة موجودة بالفعل في شارع طلعت حرب بالقاهرة بناها المليونير «جاكوب يعقوبيان» عميد الجالية الأرمنية عام 1934.. وقد جاءت الرواية بكل شخوصها وأبطالها وبكل ما فيها من رصد لحركة المجتمع المصري في الخمسين عاماً الأخيرة «1952-2002م» بتفصيلات غاية في الأمانة والدقة.

·         وأسأل النجم عادل إمام عن سر تحمسه لهذه الرواية؟

- الحقيقة ان الرواية كنص ادبي.. رواية عظيمة جداً.. لا تملك الا ان تحترمها وتحترم ما تقدمه من قيمة فكرية وفنية بثراء وجاذبية. والأهم ان المؤلف د. علاء الاسواني لم يترك ظاهرة إقتصادية او إجتماعية او سياسية او اخلاقية الا وسجلها وتعامل مع اسبابها.

·         كيف تصف شخصيتك بالفيلم؟

- أقدم شخصية «زكي بك الدسوقي».. الابن الأصغر لعبد العال باشا الدسوقي القطب الوفدي المعروف الذي تولى الوزارة اكثر من مرة وكان من كبار الأثرياء قبل الثورة. إذ كان يملك وأسرته ما يزيد عن الخمسة آلاف فدان.. وقد تعلم زكي الدسوقي في جامعة باريس وكان متوقعاً له ان يلعب دوراً اساسيا بارزاً في مصر من خلال نفوذ ابيه وثروته لكن الثورة قامت فجأة فتغير الحال وتم القبض على عبد العال باشا «الأب» وتقديمه لمحكمة الثورة التي نزعت املاكه ومات متأثرا بما حدث، ولم يترك لأولاده سوى شقة في عمارة يعقوبيان وقليلاً من المال، ورغم ان شخصية زكي الدسوقي هي الشخصية المحورية التي تبدأ عندها الأحداث وتنتهي.. فإن الفيلم بشكل عام عبارة عن مرآة تتشابك وتتداخل على سطحها إنسانياً،وفكرياً صور وبشر وعلاقات تعكس الصلة الوثيقة بين قاع المجتمع وقمته!

·         كنت بطلاً مطلقاً في أفلامك وهنا في «عمارة يعقوبيان».. الأمر مختلف، فما رأيك؟

- في «عمارة يعقوبيان» البطل الرئيسي للفيلم هو المكان.. وكان من الطبيعي ان يتواجد معي في الفيلم نجوم ونجمات كبار أعتز بالعمل معهم.. مثل نور الشريف يسرا وإسعاد وسمية وأحمد بدير واحمد راتب وغيرهم.. لأنه ليس من الطبيعي ان امثل كل هذه الشخصيات التي تسكن العمارة بنفسي.. العمل هو الذي يفرض وجود اكثر من نجم ونجمة فيه، ولا تتخيل مدى سعادتي بالعمل وسط هذه الكوكبة من الفنانين سواء الكبار ام الشباب. كما انني سعيد جداً بالمخرج الشاب مروان ابن وحيد حامد واتمنى له التوفيق، لان العمل مهم ويحتاج منه لمجهود كبير

·         هل تدخلت في إختيار فريق العمل بالفيلم؟

- الإختيار تم من خلال الشركة المنتجة والمؤلف والمخرج وأنا..

·         يبدو ان عمارة «يعقوبيان»سيعيد لنا السينما الجميلة مرة اخرى هذه السينما ذات الإنتاج الضخم والزاخر بالنجوم فما رأيك؟

- اتمنى هذا..وإن كنت اعترض على من يرددون هذه الجملة باستمرار.. فهل معنى هذا أننا نقدم خلال السنوات الماضية سينما جميلة او خالية من النجوم.. لا أعتقد هذا!!

عن مجلة "جميلة"في

00.07.2006

 
 

مشاركة شرفية في مهرجان برلين ورسمية في كان

"عمارة يعقوبيان" البناية في الرواية والرواية في الشريط السينمائي

حمدي رزق

لعل إحدى السمات الحاكمة للحركة الأدبية في مصر ـ وعموم البلدان العربية ـ كون الأعمال الأدبية تصدر في صمت وبكثرة في آن. الأصوات الأدبية من الأجيال كافة تتسارع وتيرة إصداراتها من دون أن تصحبها حفاوة، أو يصادفها حنين خاص، أو يواكبها نقد حقيقي، حتى صار من الأقوال المعروفة أن على الروائيين نشر إعلان مبوب يقول "مطلوب نقاد أدبيون"!

ربما لهذا السبب تبرز رواية "عمارة يعقوبيان" للقاص والروائي ـ طبيب الاسنان ـ المصري "علاء الأسواني"، كنتوء خاص واستثنائي في دنيا الرواية المصرية في السنوات الأخيرة. فالرواية التي صدرت في أواخر العام 2000 لأول مرة، لاقت حفاوة نقدية لافتة، واحتضانا موفورا من القراء في مصر والعالم العربي، وحظيت بنسبة قراءة لم تحظ بها رواية مصرية، منذ أصدر شيخ الرواية العربية "نجيب محفوظ" روايته (قشتمر) في العام 1987 ، والتي أتبعها بطائفة من المجموعات القصصية والأعمال الذاتية و"أحلام النقاهة" وغيرها..

صارت "عمارة يعقوبيان" إذن "حالة خاصة"، تشكل لغزا في عالم "التعدد الغزير" للأصوات الروائية المصرية، بعدما حظيت بقدر كبير من الاحتفاء ألحق بالعمارة وهجاً إضافياً، جعلها حالة أدبية وفنية أكثر لفتاً للأنظار ..

فالرواية المهمة استحالت شريطاً سينمائياً مهماً، وإن كانت الرواية شهدت، ولا تزال، حفاوة نقدية بالغة، فإن الشريط السينمائي شهد حفاوة مماثلة، إن لم تكن أضخم، قبل أن تدور كاميرا مخرجه الشاب "مروان حامد"، لتصور أول مشهد منه. واستمر احتفاء الرأي العام والإعلام بالشريط خلال تصويره، ووصلت الحفاوة أوجها بعد اكتمال التصوير وانتهاء إجراء العمليات الفنية على الشريط ـ كالمونتاج والمكساج ـ حيث اختارت إدارة مهرجان "برلين" (أحد أهم المهرجانات السينمائية الدولية) "عمارة يعقوبيان" لكي يعرض في أحد أقسام المهرجان (خارج المسابقة)، فيما استقر مهرجان "كان" الفرنسي الدولي ـ الأشهر ـ على "عمارة يعقوبيان"، ليعرض به، وربما يواصل هذا العمل صعوده فيعرض في المسابقة الرسمية لـ"كان"، وما من مانع دون هذا، لأن الشريط لن يدخل مسابقة برلين ما يعني أنه يحق له دخول مسابقة "كان"!

اعتبارات كثيرة وتفاصيل أكثر جعلت "عمارة يعقوبيان" ـ الرواية والشريط السينمائي ـ حالة إبداعية فريدة، جددت الثقة لدى عدد كبير من الأصوات الأدبية في مصر، في أن ثمة أملا في أن تأخذ أعمالهم حقها وتحوز مكانتها، بعد أن كانوا فقدوا الثقة بالنقاد والقراء جميعا ! فلم تعد "عمارة يعقوبيان" حالة روائية وحسب ولا حالة سينمائية فقط، وإنما صارت حالة عامة لعمل إبداعي لقي إجماعاً كبيراً، أهله لكي يشكل عبر وسائط فنية متعددة بالنجاح والإجماع ذاتهما! وهي أيضاً حالة مكانية فهي تحكي قصة بناية تحمل هذا الاسم في وسط البلد بقلب القاهرة وكيف غير الزمان فيها وبدل!

شريط يعقوبيان

من بين ألف شريط سينمائي من 128 جنسية مختلفة، اختارت إدارة مهرجان برلين 20 شريطا فقط، لكي يتم عرضها في قسم "البانوراما" بالمهرجان. البانوراما هي نخبة مختارة من 20 دولة لعدد من أفضل الأشرطة السينمائية التي أنتجت حول العالم في العام المنصرم. من بين الأشرطة العشرين اختير فيلم "عمارة يعقوبيان" الذي سيخرج من برلين ليدخل في فعاليات "كان" بعد ذلك بثلاثة أشهر فقط . فعاليات برلين التي تنتهي اليوم (19 شباط ـ فبراير) أشادت في تقريرها بالشريط قائلة في تقريرها "أنه أحد أفضل أشرطة العالم الثالث في 2005".

وأفعل التفضيل هذا من المتلازمات المصاحبة لشريط يعقوبيان. فالشريط يضم أكبر عدد من النجوم الذين لم يجتمعوا قط في عمل سينمائي معاً: عادل إمام ونور الشريف ويسرا وهند صبري وسمية الخشاب وإسعاد يونس وأحمد بدير وخالد صالح وخالد الصاوي، وتطول قائمة الممثلين لتصل إلى 160 ممثلاً مشهوراً، فضلاً عن ثلاثة آلاف من الكومبارس. فيعقوبيان بهذا هو الشريط الأضخم مصريا في عدد ممثليه، وهو أيضاً مكتوب بقلم السيناريست ـ الأهم ـ في جيله "وحيد حامد"، والمخرج الأهم بين الشباب أيضا وهو "مروان حامد" (نجل وحيد حامد) .

ومن المؤكد أن شريط "عمارة يعقوبيان" هو إلى الآن الإنتاج الأضخم. فتكلفة الشريط بلغت 21 مليون جنيه (3 ملايين ونصف المليون من الدولارات)، وهو أكبر رقم تمويلي في السينما المصرية والعربية إلى الآن ..

كما سيحظى هذا الشريط برقم أكبر من الأرقام الأخرى في دور العرض (سيخصص له 80 دار عرض في شهر تموز ـ يوليو المقبل وهو موعد عرضه ..) وهو من إنتاج شركة "جود نيوز" التي يملكها الاعلامى المصري عماد الدين أديب ويديرها شقيقه المخرج عادل أديب، أما التوزيع فسيكون عبر "الشركة العربية للإنتاج والتوزيع" التي تديرها إسعاد يونس إحدى بطلات الشريط!

حكاية "عمارة يعقوبيان" ـ الشريط السينمائي ـ بدأت بشراء الكاتب وحيد حامد حق تحويل الرواية إلى شريط سينمائي (من مؤلفها علاء الأسواني) في نيسان ـ إبريل 2002 ، ووضع حامد نصب عينيه، من البداية، صديقه ـ الذي طالما كتب له السيناريوهات المهمة ـ النجم عادل إمام وأرسل له الرواية في مظروف ليقرأها فتتابعت أحداث "يعقوبيان" حتى صار "حالة سينمائية" وحدثاً منتظراً.

يقول عادل إمام: أعجبتني الرواية جدا لكنني لم أتصور أني سأعمل بها كشريط سينمائي، لكن وحيد ونجله المخرج مروان أقنعاني وعرض علي وحيد السيناريو فازددت اقتناعا، وأعجبت بكل الأدوار، وراقتني فكرة البطولة الجماعية التي لم ألعبها منذ كنت شاباً صغيراً. ففي "عمارة يعقوبيان" سأقدم 23 مشهداً فقط، أي نحو 30 بالمئة أو أقل من جملة الشريط وهو نفس عدد المشاهد التي سيقدمها نور الشريف. يسرا ـ بكل نجوميتها ـ ستقدم 12 مشهدا فقط، فالجميع دخل في حالة مزاجية قوامها التعاطف مع الرواية، التي أحدثت قبل سنوات دوياً هائلاً في الأوساط الثقافية، وهو ما افتقدناه لفترة طويلة، فضلاً عن أن السخاء الشديد في الإنتاج دفعنا إلى المزيد من الجهد لكي يظهر العمل في صورة جماعية متجانسة بالفعل!

الرواية ـ يضيف إمام ـ شيقة وجديدة على السينما، من حيث كون الرواية تربط المكان بالزمان وتربطهما معا بالواقع، وهذا نسيج سينمائي بديع، رأيته بين سطور رواية الأسواني حتى قبل أن يكتبها وحيد حامد كسيناريو سينمائي ألعب فيه دور "زكي الدسوقي" صاحب البناية الذي تتجسد في حياته وأفكاره كل التغيرات الاجتماعية التي يمر بها سكان هذه البناية .

والشريط في الواقع واجه "تخفيفات" ومحذوفات رقابية، وكان ثمة اتفاق بيننا جميعا على ألا نعلن ذلك في حينه، لكي لا يفهمه البعض ترويجا للشريط، بخاصة مع تكرار هذه الشائعات مع أشرطة أخرى. عموما التخفيفات الرقابية تمت بوعي شديد، ولم تمس نسيج الشريط ولا نسيج الرواية الأساسي. والحقيقة أن وحيد حامد كان أجرأ من الأسواني في بعض المشاهد الجنسية وبعض مقاطع الحوار السياسية، وجملة ما حذف ـ تماماً ـ من الشريط ثلاثة مشاهد فقط وتم تخفيف 9 مشاهد بالاتفاق بيننا وبين الرقابة!

وسط البلد

النجم نور الشريف يؤكد أن شريط "عمارة يعقوبيان" لا يمثل حالة سينمائية خاصة فقط لضخامة إنتاجه أو لالتحاقه قبل عرضه بأكبر مهرجاني سينما دوليين، بل لأن الـ 160 ممثلاً الذين سيظهرون به نجحوا في إبداع جماعي ـ بمعنى الكلمة ـ نتيجة تعامل السيناريو مع كل الأدوار بعناية شديدة من حيث بنائها الدرامي وتأثيرها في العمل ككل.

ويضيف الشريف: قرأت الرواية، اشتريتها من وسط البلد حين صدرت، فتصورت نفسي أصنعها شريطاً سينمائياً، ورأيت ذاتي في ثلاثة أدوار: دور زكي الدسوقي صاحب العمارة الذي ذهب لعادل إمام، ودور حاتم رشيد الصحافي المثلي الذي ذهب إلى خالد الصاوي، ودوري الذي قدمته بالفعل وهو محمد عزام، لكني تصورت الرواية مسلسلاً ـ لما في صفحاتها من ثراء درامي يغري بحلقات طويلة درامية ـ وأن يعرض هذا المسلسل فضائيا لما في صلب النص من المحظورات. لكن قدر لي أن أقدم دور محمد عزام في 23 مشهدا على شريط سينمائي لا مسلسل. وعزام هذا رجل انفتاحي وانتهازي حقق الثراء، فاكتشف أنه وحده لا يكفي فزاوج ثراءه ـ الفاسد بالأساس ـ بالسلطة، حين ترشح لمجلس الشعب وصار برلمانياً وحزبياً قديراً، حيث يتركز فيه الفساد المالي والسياسي معا .. وأرى هذا الدور امتداداً لدوري في شريط "أهل القمة" الذي قدمته العام 1981 مع الراحلة الكبيرة سعاد حسني والمخرج علي بدرخان عن قصة قصيرة لنجيب محفوظ. لكن الفارق أن "زعتر" الذي قدمته في "أهل القمة" كان لصاً أثرياً في زمن الانفتاح (بدءاً من 1975) ولم يطمح إلا للثراء، محتفظاً بجهله وسوء سمعته، أما عزام فهو لص كبير ومثقف ووجيه وطموح جداً سياسياً، أي أنه استكمال لبعد ناقص في دوري في شريط "أهل القمة".

مطلع التسعينات

"عمارة يعقوبيان" هو الشريط رقم 14 الذي يجمع يسرا بعادل إمام الذي تمسك بأن تشارك يسرا في هذا الشريط، تقول يسرا: هذا دور لا يشبه أي دور قدمته من قبل سينمائيا أو تليفزيونيا .. "كريستين" الأجنبية التي تعيش في (عمارة يعقوبيان)، هي الشخصية الوحيدة القوية والمتزنة في الرواية وفي الشريط، وتلعب دوراً كبيراً في حياة زكي الدسوقي ـ عادل إمام. وكريستين هذه لا تزال حية تسكن في شقتها بعمارة يعقوبيان. ذهبت إليها في وسط البلد وجالستها لساعات، فعشقتها، عقلها متفتح مثقفة تصالح ذاتها وتحترم ضعف الآخر وتحتويه وتتفهمه.

وأنا في دور مدام كريستين أرتدي الملابس والاكسسوارات التي تحاكي زمن الرواية، وهو (مصر في مطلع التسعينات) من خلال عمارة يعقوبيان وحي وسط البلد، وهذه هي المرة الأولى التي تتناول فيها السينما المصرية تلك الفترة الزمنية القريبة للغاية بالدرس والتحليل، لأن السينما المصرية اعتادت، إذا حاولت تشريح المجتمع المصري في حقبة ماضية، أن تعود إلى الوراء كثيراً. هذه المرة هي تتأمل ماضي مصر القريب من خلال قلب القاهرة النابض في "عمارة يعقوبيان"!

كان من الصعب على خالد الصاوي _ الممثل والمخرج المصري من جيل الوسط والذي قدم شخصية جمال عبد الناصر من قبل على شريط سينما للمخرج أنور قوادري قبل 10 سنوات ـ أن يرفض دور الصحافي المثلي حاتم رشيد، برغم أن ممثلين عديدين كانوا قد اعتذروا عن عدم أداء الدور، خوفا من تغيّر نظرة المجتمع لهم!

لم يخش الصاوي شيئا من المجتمع، وأقدم على شخصية حاتم رشيد الاسم الافتراضي ـ طبعاً ـ لصحافي كبير في الرواية. يقول: حاتم رشيد أدق شخصية قدمتها إلى الآن من حيث تناقضاتها وتفاصيلها الصعبة، هو صحافي لامع ومثقف كبير، ينبغي له في مجتمعنا أن يكون رجلا كامل الذكورة فيما هو يملك ميولا وممارسات مثلية، فكيف له أن يحل هذه الإشكالية ؟

أنا أرفض مبدأ رفض أي دور لمجرد نفور المجتمع منه، فمن حقي كممثل لعب أي دور أراه جيدا ويفيدني ويفيد الجمهور، ومن حق الجمهور أن يوسعني انتقادا إذا أراد، كما أرفض إنكار فئة موجودة في كل المجتمعات لا في مجتمعنا وحسب، لأنها إذا أنكرت فلن تنتهي أو تندثر، ومعالجتها سينمائيا تكفل حوارا مثمرا عن أمور مسكوت عنها في مجتمعاتنا الشرقية، وهذا هو دور السينما: إحداث حراك وحوار حتى ولو بتقديم أدوار صادمة للوعي التقليدي. وشريط "عمارة يعقوبيان" كله سيسهم في جر المجتمع إلى حوار راق حول التغيرات التي اجتاحت مصر في الأعوام العشرين الماضية اقتصاديا واجتماعيا وسياسياً، وربما يكون حلقة أولى في سلسلة أشرطة جادة ـ تحاكي حالته ـ ويكون لها دور حقيقي في الثقافة المصرية وتحريك المجتمع بصورة إيجابية!

بناء سينمائي

أعاد السيناريست الكبير "وحيد حامد" بناء عمارة علاء الأسواني سينمائيا على الورق ثم دفع بها لنجله مروان المخرج لكي يعطيها رؤيتها وصورتها النهائية. وحيد كان اعتزم إنتاج الرواية شريطا سينمائيا لكنه تراجع عن ذلك فذهبت إلى "جود نيوز" واكتفى بأجره ككاتب.

يقول ماذا أصنع؟ لا أملك كل هذه التكاليف الضخمة التي يحتاج إليها شريط "عمارة يعقوبيان"!، الحق أني فتنت بالرواية، وقررت إيصالها لأكبر قطاع من الناس. صحيح أن الرواية حققت مبيعات كبيرة، وطبعت خمس طبعات، لكن مهما يكن من الأمر فإن جمهور السينما أكبر حجما مئة مرة من جمهور الرواية في العالم العربي حتى ولو كان كاتبها نجيب محفوظ. ولذلك ؛ حافظت ما استطعت على جوهر الرواية وروحها، ولكني لم أقدمها كما هي تماماً. فلي رؤية أطلت علي من بين سطور الرواية ولولا ذلك لم أقدمت أصلا على تحويلها إلى سيناريو .

الجنس الذي في الرواية أراه جنساً سياسياً إن جاز التعبير، وقد حافظت عليه في هذا الإطار سينمائياً، ولم يكن ممكنا استبعاد العنصر الجنسي من الشريط لأنه داخل في صلب تكوين الرواية ومعمارها شديد التركيب الذي يصعب العبث فيه! بعد ذلك تركت لمروان كل شيء، فأنا أتعاطى معه كمخرج وأنسى تماما روابط الأبوة في العمل، والعبء كان عليه ثقيلا في هذا الشريط، والحكم النهائي على قدرات مروان في هذا الشريط سيكون للجمهور والنقاد، أما رأيي الخاص بمروان كمخرج فاحتفظ به لذاتي!

وعلى العكس، يرى مروان حامد أن وجود كبار النجوم في هذا الشريط ـ الذي يعد أول شريط سينمائي تجاري له ـ ساعده ولم يشكل له هاجسا . يقول: خبرة النجوم الكبار أمام الكاميرا اختصرت وقتا كبيرا وجاوزت صعوبات كثيرة توقعتها ولم تحدث. هذه الخبرة جعلتنا نلتقي بسهولة، وأنا منذ البداية كنت مصراً، حين ناقشت السيناريو مع النجم 7-7-عادل إمام 7-7- ومع كاتب السيناريو والدي وحيد حامد أن يكون كل الممثلين في الشريط أبطالا لأن هذه هي روح الرواية ذاتها. فأنا عندما قرأتها وجدت البشر فيها أقرب إلى عناصر داخلة في التكوين البنائي لعمارة يعقوبيان ذاتها، لا يتفوق أحدهم على الآخرين، وليس ثمة ملاك منفرد بين الشياطين، جميعهم لحم ودم ملتحمان بالمكان، والمكان ملتحم بتغيرات الزمان، وبالتالي فجميعهم بالضرورة أبطال! وأنا اشتغلت على الرواية سنتين من دون الجلوس مع كاتبها علاء الأسواني. فوحيد حامد جلس إليه طويلا واستخلصت رؤيتي منه كسيناريست ثم عدت بعد ذلك كله لأتناقش و علاء الأسواني .

عمارة الشواذ

بدت رواية "عمارة يعقوبيان" حالة روائية خاصة منذ صدورها! فالبناية التي تحمل هذا الاسم لاتزال قائمة في شارع طلعت حرب بقلب حي وسط البلد. أخيرا التفت إليها المارة وتفحصوا لافتتها مندهشين، كيف لم يلتفتوا إليها كل هذه العقود ؟! ونظر إليها البعض ممتعضين وسألوا بوابها الأسمر ذا الأصل الصعيدي : هل هذه عمارة الشواذ ؟!

أعادت الرواية المكان إلى الصدارة، تفاصيل حميمية ربطت قارئها بأجواء وسط البلد، ذلك "الكوكتيل" ذي العناصر المتنافرة، الذي يجمع المثقفين بأصحاب محال الأحذية والحقائب، وبراءة المراهقين بجرأة شاشات السينما التي تملأ شوارع الحي، الفترينات الزجاجية وأضواء النيون الصاخبة، الملتحمة ببنايات عتيقة من طرز أوروبية تنتمي للقرن التاسع عشر، المقاهي التي لجأ إليها المثقفون حُصُوناً أخيرة يخبئون ذكرياتهم تحت كراسيها القديمة، ومطاعم الوجبات السريعة الأميركية والإيطالية، قلب القاهرة الذي تركزت فيه كل المتغيرات، "وعمارة يعقوبيان" في قلب القلب، شعرة دموية صغيرة منه معبأة بكل صنوف البشر!

أكثر من أربعمئة صفحة دارت بها المطبعة لتخرج رواية كبيرة الحجم اسمها "عمارة يعقوبيان" عن مصر التسعينيات. جاءت الرواية مفاجئة فتقنية السرد فيها جاءت كنفحة محفوظية اختفت طويلا تحت وطأة مدفعية الأصوات الأدبية الأحدث، تلك الأصوات التي تنظر إلى داخلها لا إلى المجتمع من خلال ذاتها .. أصوات ترى في ذاتها كونا بأسره، مغلقا على نفسه ..وربما يكون الجميع بداخله، وفي مثل هذا الجنس الأدبي لا محل على الإطلاق للآخرين، ناهيك عن سرد تفصيلة واحدة من حياة شخص آخر .

أفسحت الرواية مكانا لسردية غائبة، في ثياب جديدة وتقنية تشبه إلى حد ما المدونات الشخصية وتنزلق قليلا نحو "أدب الاعتراف" وينحت صاحبها "(علاء الأسواني)" لغته الخاصة ومشروعه الجمالي شديد الخصوصية غير عابئ بالآخر الذي ينتظره ليطبق نظريات النقد في عصر ما بعد الحداثة على سطوره!

هاجمه كثيرون وسانده كثيرون، وحتى أقسى من هاجموه ـ وهو الناقد الكبير فاروق عبدالقادر ـ لم يهبط بتوزيع الرواية بل ربما كان هجومه الحاد عليها سببا في رفع توزيعها. ولولا هجوم فاروق عبدالقادر أيضا على "نيران صديقة" ـ المجموعة القصصية لعلاء الأسواني التي أصدرها بعد "عمارةيعقوبيان" ـ لما انتبه إليها الكثيرون!

إذن فـ"عمارة يعقوبيان" بحجمها وتقنيتها ولغتها مثّلت حالة روائية مغايرة للسائد، واستمدت المزيد من رونقها مع وجود الشاهد الأساسي على شخوصها، وهو العمارة ذاتها، قائما في مكانه بشارع طلعت حرب إلى اليوم!

الكاتب والروائي علاء الأسواني: يقول كتبت الرواية في ثلاث سنوات، ولم أكن أتصور أنها ستكون الأعلى مبيعا في مصر والعالم العربي أو أنها ستكتب عنها 115 دراسة نقدية في المجلات والصحف والدوريات الثقافية، وكان كل أملي منها أن أخرج فيها مشروعي الكبير، الناس والمكان في عمارة يعقوبيان التي عشت فيها سنوات طويلة من حياتي، ولا تزال عيادتي ـ كطبيب أسنان ـ في طابقها الأخير!

وكون هذا العمل الذي اعتبره ركيزتي الأساسية أدبيا إلى الآن، يتحول إلى عمل سينمائي فإن هذا نجاح أكبر له .. كونه سينتقل إلى أولئك الذين يفضلون أن يقرأوا الروايات في ظلام دور العرض كأشرطة سينمائية. إنهم الملايين من البشر، في مجتمع تنخفض فيه نسبة القراءة الأدبية .. وأنا أفهم جيدا ذلك الفارق الضخم بين السينما ـ كلغة بصرية حوارية بالأساس ـ وبين لغة الرواية التي أسميها ما وراء البصرية. فأنت هنا تبصر بعقلك، وتتصور بخيالك ما وراء السطور، من خلال مفردات وتراكيب اللغة، والتكوين المعماري لفن الرواية ذاته!

لست قلقا على الرواية كشريط سينمائي، فجيلي تعلم من شيخنا نجيب محفوظ أن الروائي مسؤول عن نصه المطبوع، وليس مسؤولاً عن النص السينمائي، وأتمنى أن يظل الجو الأساسي وتبقى الرسالة التي بالرواية كما هي ولا تهمني التفاصيل، ولا أحب أن أرى الشريط السينمائي يحول الرواية في اتجاه لم يخطر على قلمي وأنا أكتب، وحرصت على عدم قراءة السيناريو مفضلا أن أشاهده مع المتفرجين في دور العرض .

ويضيف الأسواني "عمارة يعقوبيان" وتلك شهادة أسجلها على ذاتي، ستظل سطري الأساسي مهما دونت بعدها، ليس فقط من منطق الاعتزاز بها أو الامتنان لها ـ وإن كانت هي التي أطلقتني في الساحة بصورة حقيقية ونشرت اسمي على مساحات عريضة ـ ولكن من حيث كونها تحمل في تفاصيلها كل ما رأيته وسمعته ـ وحتى ما توهمته ـ في "وسط البلد" في العقدين الماضيين، وهذا ـ بلا مبالغة _ لحمي ودمي، في هذا المكان جرى تكويني وهو ما كتبته سطورا روائية حازت النجاح. فأنا، في "عمارة يعقوبيان" سأظل أرى ذاتي والآخرين، والمجتمع الذي كان في الماضي وذلك الذي سيكون في المستقبل، ذلك المجتمع الذي كنت ولا أزال أرى تناقضاته واضحة تحت أضواء أعمدة الكهرباء في وسط البلد!    

المستقبل اللبنانية في

00.07.2006

 
 

كل يعقوب وله عمارته.!

أحمد الدريني- قلم رصاص

(عمارة يعقوبيان) تعرفت على ملامحها للمرة الأولى من خلال رواية الكاتب "علاء الأسواني" وشاهدتها مرة أخرى ولكن برؤية "وحيد حامد" وإخراج"مروان حامد" ومنذ اللحظة الأولى مرت ببالي هذه الخاطرة" كل يعقوب وله عمارة" أو بمعنى أصح "كل يعقوب وله عمارته."

في الفيلم الذي سبقته دعاية واسعة جعلت مشاهدة الفيلم معيار للثقافة والتميز بين الشباب وحدث يستحق أن نتبادله ونتبارى في رصد عدد المرات التي قمنا فيها بإحراز التذكرة التي تحمل اسمه"عمارة يعقوبيان".

خمس دقائق ...يعقوبيان

ومع أول خمس دقائق من العرض تشعر بكم كبير من التوتر الواضح، بدا فيه "مروان وحيد حامد" المخرج مضطربا يحاول في أقصر فترة زمنية استعراض كل سكان العمارة أو أبطال رواية د.علاء الأسواني، الذي يبدو أن روايته المتخمة بالتفاصيل والأحداث والمواقف أرهقت وحيد حامد كاتب السيناريو وأنهكت ابنه مروان الذي قام باخراج الفيلم...

يحاول في خمس دقائق فقط تعريفنا بزكي الدسوقي(عادل امام) السكير زير النساء وبجاره حاتم رشيد(خالد الصاوي) الصحفي الشاذ جنسيا، كذلك ببثينة (هند صبري) ساكنة سطوح العمارة الفقيرة المعدمة ولا مانع أن نتعرف أيضا خلال الخمس دقائق هذه علي طه الشاذلي(محمد عادل إمام)، ولا يوجد مشكلة من ظهور الحاج محمد عزام(نور الشريف) الساكن المستقبلي في العمارة، ومادمت الأمور رحبة هكذا فلنر أيضا فانوس خادم عادل أمام .

تسببت كل هذه التفاصيل الكثيرة منذ البداية وكذالك حركة الكاميرا المتوترة في الإطاحة بتركيز المشاهد- وخاصة من لم يقرأ نص رواية الأسواني- الذي غدا مطالبا أن يتعرف علي الخطوط العريضة لهذه الشخصيات في خمس دقائق لا أكثر.

وقتها شعرت بأول نشاذ في الفيلم الذي لم يحافظ علي ايقاع الرواية المتدفق الذي حاكه الاسواني ببراعة، ورغم أن مروان حاول أن يتحرك في خطوط متوازية كما هي طبيعة القص والحكي في الرواية إلا أنه لم يحافظ علي هذا التوازي وسرعان ماانفرط العقد في الفيلم الذي تقاطعت خطوطه مع بعضها البعض..

وأنت في القاعة...خليك هاديء

فتجد نفسك مع زكي الدسوقي تتابع عادل إمام بشغف بالغ( أو حتى مفتعل) فلازال يلعب في مساحة الإيفيهات الجنسية إلا أنه لم يفقد رونقه مع شخصية الدسوقي التي تبدو وكأنه لايمكن لأحد أن يمثلها افضل من عادل امام نفسه!!

ولا تكاد تفرغ من زكي الدسوقي حتي تتوه في تفاصيل الحاج محمد عزام الذي قام بدوره نور الشريف في حالة من الاستنساخ الكربوني لأدائه في مسلسل "الحاج متولي" حيث الرجل المتزوج الكبارة الباحث عن عروسة جديدة في وسط انشغاله بادارة اعماله وامواله الأخطبوطية!!

وفي الانتقال إلى حاتم رشيد تشعر وكأن مروان يقول لك:"دعك من محمد عزام مؤقتا..انتقل معنا إلي حاتم رشيد " ويقصد به الصحفي الشاذ جنسيا الذي صدم جمهور العرض لأقصي حد من الشخصية التي لم يتعود على ظهورها بهذه الصورة الصريحة وتلك التفاصيل الدقيقة، فالكل متشوق مع حاتم الذي لايكف عن البحث عن فرائسه ولاتنتهي مواقفه الطريفة بوصفه مخنث يتصرف علي نحو أنثوي مثير وفي نفس الوقت متحفز من التأثر بهذه الشخصية الغريبة!!

وفي غمرة انشغالك مع حاتم تتنقل مع بثينة في عملها وما تتعرض له من ابتزازت جنسية من أصحاب المحال التجارية التي تعمل بها وتجدها قريبة جدا من دورها السابق في بنات وسط البلد ولكنها هذه المرة لم تسرق بل تاجرت بجسدها.

ولا تكاد تفرغ من متابعة مأساة بثينة حتي تجد نفسك مطالبا بالانتقال الي طه الشاذلي ابن بواب العمارة حيث الشاب الطامح المقهور الذي يسعي للاتحاق بكلية الشرطة ويفشل لأنه ابن البواب ليرضى بنصيبه في الجامعة، ولكن من فضلك أنسى كل ما سبق سريعا وارجع مرة أخرى مع زكي باشا الدسوقي(لسة فاكره؟؟؟)..هكذا بلاهوادة وبلا رحمة لتشعر بمروان حامد يعبث بك وبتركيزك كما تستبد بأعصابك العاب الملاهي الصاخبة!!

تذكرة خروج

وبعد هذه البانوراما استعد تركيزك وحاول أن تفهم مايحدث أمامك على الشاشة بهدوء..أو أن تقرر ترك العرض ومغادرة القاعة كما فعل الكثيرين..ولأنني عنيد فقد اخترت البقاء ولاحظت عدة نقاط:

أولا:مروان حامد استبعد الكثير من تفاصيل ومواقف الرواية لحساب أخرى..لم نر علي سبيل المثال مشهد البار والشواذ يسخرون من حاتم رشيد(أطرف صفحات الرواية).

وكذلك شخصية عسكري الأمن المركزي الذي قام بدروه (باسم السمرة)والذي انخرط في علاقة شاذة محرمة مع حاتم رشيد، شاهدناه في عدة مشاهد متتالية ولم نتعرف على الكشك الذي أهداه حاتم إياه ولم نتعرف على تفاصيله بعد موت ولده لننساه ونرجع إليه قبل النهاية بدقائق من خلال مفاجأة مفاتيح الكشك التي تصل حاتم عن طريق البواب كذلك لم يتطرق الفيلم لحاتم الذي استطاع اغواء عبد ربه مرة أخري بعد هروبه، واختار نهاية مختلفة لموت حاتم على يد سارق وليس على يد عبد ربه كما كتب الأسواني.

وغيرها الكثير والكثير من التفاصيل التي تعامل مروان معها الصغيرة والعريضة في الرواية ولم يسلم منها سوى طه الشاذلي الذي لم نشعر مع المشاهد المحذوفة من دوره - والتي تضمنتها الرواية- بأي خلل وربما ذلك بسبب انشغالنا بتفاصيل الأبطال الآخرين!!

ثانيا:وحيد حامد لم يقدم في السيناريو والحوار أي تميز علي الاطلاق وبدا وحيد يشبه إلى حد كبير أداء الثعالب العجوزة الخبيرة التي تعرف كيف تصنع أعمالها بحنكة وحرفية عالية الجودة وهو ما يفرق تماما عن الموهبة التي تألقت في أعمال حامد في شبابه مثل "البريء"!!

ثالثا:وهي مرتبطة بحامد أيضا..حيث الإسلاميون(أو المتطرفون) الذين يطعمون افلام حامد منذ سلسلة افلامه التسعينية الشهيرة، المشكلة ليست في الارهابيين ولا الاسلاميين ولكن المشكلة في النكهة الحامدية التي تصورهم دوما كأجلاف يتحدثون الفصحي من داخل جلباب أبيض قصير مع لحية لابأس بطولها، مع شارب محفوف تماما أو لاوجود له علي الإطلاق.

رابعا:مروان كمخرج فاته كم كبير من التفاصيل الصغيرة المرعبة المسيئة للفيلم فمن المفترض أن أحداث الرواية تدور في بداية التسعينات، فكيف نرى فتيات الجامعة بال"بدي"!! أوبـ"بدي"نص كم وتحته "بدي"بكم، موضة هذا العام مع ما تيسر من قمصان شبابي موضة العام الماضي!!

خامسا: وبعيدا عن النقد هناك أشياء لابد أن نحترمها ونشيد بها فبعض مشاهد الفيلم تستحق أن نتوقف أمامها فالمشهد الأروع في الفيلم هو مشهد حاتم رشيد يحاول إغراء وإغواء عبد ربه عسكري الامن المركزي ليقيم معه علاقة شاذة، كيف يتلاعب حاتم المثقف بعبد ربه العسكري البائس حتي يخر عبد ربه فوق حاتم تحت تأثير الخمر!!

ويأتي بعده مشهد الصاوي أيضا عند هجر عبد ربه له وكان أكثر المشاهد تأثيرا إذ لم يفتعل خالد في أداء دور الشاذ بقدر ما أظهره شخصا مراوغا ذكيا عاطفيا عشق عبد ربه فعلا وبكي طفله حينما مات وشارف علي الانهيار نفسيا حين هجره عبد ربه، استغل مروان الفلاش باك فقط مع حاتم رشيد لتبدو الشخصية أكثر عمقا حين يتذكر طفولته وكيف استغله جنسيا الخادم النوبي إدريس.

لنرى خالد الصاوي قد أبدع بجميع المقاييس المتعارف عليها..لك أن تعتبر أن كل المشاهد القوية في الفيلم كانت من نصيب خالد الصاوي الذي أدي ببراعة غير قالبة للتكرار..

أما المشهد الأغرب هو مشهد اغتيال ضابط أمن الدولة الذي تورط في تعذيب طه الشاذلي، الذي يبدأ بـ"طه" ورفاقه من النشأ اليافع من الارهابيين الوحشين، يتربصون بالضابط أمام منزله يركبون سيارة نقل صحف مكتوب عليها بالبنط العريض "العالم اليوم" في إعلان فج فاشل لصحف عماد أديب صاحب شركة جود نيوز منتجة الفيلم!!

دعك من الإعلان..لكن عندما يتراشق الإرهابيون وأفراد أمن الدولة بالرصاص وتبدو الدماء المتفجرة من العروق وكأنها شربات فراولة(من النوع الفاخر) هنا لنا أن نعتقد أننا نشاهد فيلما لعلي الكسار!!

سادسا:إيقاع الفيلم الذي استقر في الجزء الثاني منه ظهر كما لو أن مروان أسعف نفسه بأبطاله منفردين، فخالد صالح (كمال الفولي) بدوره الذي يقوم فيه بشخصية سياسية فاسدة أجاد كما المعتاد واستغل طبيعة دوره جيدا...

اسعاد يونس أخت زكي الدسوقي كانت حيزبونة بما يكفي وأقنعتنا أنها لتوها قادمة من الجحيم..أعطت توازنا كوميديا للأحداث..

محمد عادل إمام ترك الأداء البارد وتقل الدم الذي بدأ به الفيلم لنشعر أننا حيال ممثل حقيقي..وأجاد في مشهد التعذيب علي يد أمن الدولة واستمر في اجادته في رحلته نحو الانتقام، التي أعده فيها رفاقه الارهابيون اعدادت تليق بخريجي بالكليات العسكرية في دول اروربا المتقدمة!

سمية الخشاب لم تكن تحتاج أكثر من تلك المشاهد التي ظهرت لنقتنع أنها تؤدي بصورة جيدة جدا..لكن استفساري الوحيد هو أنها ظهرت في الفيلم تأخذ دشا ساخنا..ألست معي أن سمية هي أكثر ممثلة شاهدتها في حياتك في الافلام تستحم؟!

يسرا..لو حذفنا مشاهدها من الفيلم لن تفرق معنا ملليميتر!

الشخصية الوحيدة التي ظهرت كاملة الابعاد والاعماق تقريبا كانت حاتم رشيد التي أبدع خالد الصاوي في أدائها.

باسم السمرة الذي قام بدور رفيق حاتم في شذوذه تألق هو الآخر بدوره، وكانت أجمل مشاهد الفيلم هي التي جمعت بينهما ببعدها الانساني الكبير حيث طرف يشعر بالذنب والاثم وطرف يبرر بصورة كوميدية جدا. مراوغة بينهما أكثر من رائعة.

سابعا:حينما تكون الموسيقي التصويرية لفيلم بحجم "عمارة يعقوبيان" غير ذات جدوي ولا تأثير وتبدو كما لوكنت سمعتها 768 مرة سابقة في 8768798 فيلم آخر لك أن تغتاظ بشدة!

دعك الصوت الذي لم يكن واضحا طول الفيلم, كذلك تغاضي عن المونتاج المتعثر، لكن أخطاء الفيلم التي اشعرتنا ان كل شخصية فيه في عالم بمفردها لا رابط بينهم أفقدت الفيلم فكرته..أو بمعني أدق جعلته أكثر شحوبا..حيث لم نشعر أنهم سكان عمارة واحدة علي الإطلاق، كل هذه العوامل جعلتنا نرى في الفيلم رؤية يعقوب واحد فقط..وليس يعقوبيان!!

موقع "عشرينات" في

17.07.2006

 
 

عمارة يعقوبيان أو مصر اليائسة

  محمد نبيل

تتواصل فعاليات مهرجان برلين السنيمائي الدولي بمشاركة مكثفة للعديد من الأعمال السنيمائية الكبرى. هذا الملتقى الدولي سجل حضورا لبعض الأفلام العربية المتميزة و على رأسها فيلم عمارة يعقوبيان لمخرجه مروان حامد الذي يدشن دخوله غمار الأفلام الطويلة لأول مرة.

قصة عمارة يعقوبيان تمثل حكايات مختلفة من تاريخ عمره 75 سنة، ويتعلق الأمر بتاريخ المجتمع المصري المختنق بتناقضاته و مفارقاته التي عكستها عدسة المخرج ببراعة واقعية متناسقة. فانطلاقا من شخوص بعينها استطاع وحيد حامد كاتب السيناريو و ابنه مروان المخرج، تعرية حالة اليأس المصري من الداخل وفي شتى تلاوينها. لقطات الفيلم الأولى تنطق بصور من ماضي عمارة يعقوبيان منذ سنة 1934. المخرج اختار هذا الاستحضار التاريخي كعقدة تؤسس منطلقه في هذا العمل السنيمائي، فالفترات الذهبية سرعان ما ستنهار أمام أعين أصحابها الغارقين في نار والصراع و الاستغلال والفقر المدقع. النقد اللاذع الذي تعريه عدسة المخرج يمكن تقسيمه إلى عدة أبعاد:

نقد اجتماعي يتمظر من خلال التخلي عن الإرث التاريخي و الانغماس في ملذات الحياة ويمثله عادل إمام في دور زكي، هذا الأخير سيسقط في صراع و مواجهة مع أخته دولت التي سترغمه على الوقوف أمامها بالمحاكم. هذا الصراع العنيف يوحي بتمزق كبير يعاني منه المجتمع المصري.

نقد أخلاقي ذكي لظاهرة الشذوذ الجنسي من خلال رسم شخصية حاثم الصحافي، ابن محامي معروف والذي بسبب اغتصابه إبان طفولته من طرف خادم كان يعمل عند عائلته، تحول إلى شاذ جنسيا. فالشذوذ كما يتصوره الفيلم ما هو إلا نتيجة لحدث طفولي سيوجه بسببه حاثم سهام نقده إلى أبيه و أمه برفضه ترك صورهما معلقة على جدران البيت.

نقد ديني تجسده شخصية نور الشريف في دور الحاج الذي يتاجر في المخدرات و يتحول بسرعة إلى نائب في مجلس الشعب بل يتزوج سرا مستغلا فقر أبناء المنطقة، بالمقابل تتصف هذه الشخصية بالوقار و الاحترام الظاهري الذي يخفي ما هو أعظم.

نقد موجه لظاهرة الإرهاب الإسلامي من خلال دور طه ـ وهو بالمناسبة ابن عادل إمام ـ الذي يتحول من ابن مسحوق فشل بسبب انتماءه الطبقي في الانخراط في سلك الضباط إلى إسلامي إرهابي. الفشل الاجتماعي و النفسي لطه سيجعله هدفا سهلا لاستقطابه وتحويله إلى عضو قيادي في جماعة إسلامية تمارس العنف المسلح بل سيفرض عليه ذلك التخلي عن حبيبته بثينة.

النقد اللاذع الذي وجهه المخرج للعديد من الظواهر الاجتماعية التي تطوق حياة المصريين، فرض عليه إيجاد حلول للعقد السنيمائية التي بناها مند البداية و المشكلة لأسباب الأزمة التي أصابت أصحاب عمارة يعقوبيان . فكل الشخوص لقيت مصيرها النهائي باستثناء الباشا زكي و زوجته بثينة ، الحبيبة السابقة لطه . فقد تورط الحاج مع أباطرة الاستغلال و التزوير، قتل كل من طه وجلاده بالسجن إثر تبادل بالنار، أما حاثم فقد قتل خنقا على يد أحد زبنائه .بالمقابل أنصف المخرج سنيمائيا زكي و زوجته بثينة كرد ايجابي على رفضهم ممارسة الشر في حق الآخرين.

على العموم، يعد فيلم عمارة يعقوبيان صرخة متمردة في وجه الانهيار الاجتماعي الذي تعيشه مصر و الذي يخنق أبناءها مند عقد من الزمن. فالفيلم رسالة سياسية واضحة لكل من يريد إبقاء أم الدنيا تحت عتبة الفقر والتخلف.

محمد نبيل ـ صحافي مقيم ببرلين ـ ألمانيا

falsafa71@hotmail.com

موقع "دروب" في

15.07.2006

 
 

عمليات انتحارية غير مفهومة.. تفجير عمارة يعقوبيان 

وكأنها فتحت طاقة الجحيم، جحيم الواقع المفزع الذى نراه، ولكن فى ذات الوقت هناك حالة تواطؤ مخجلة للسكوت عليه.

أحدثكم عن رواية يعقوبيان ومن بعدها الفيلم، فليس صحيحاً أن العملين يطرحان فقط وجهة نظر جارحة وصادمة بالمعنى السياسي، أى قضايا من نوع الفساد السياسي، أو التحالف بين الفاسدين فى السلطة والفاسدين الذين يتسترون بالدين، ولكن العملين يطرحان ما هو أخطر -فى تقديرى - وهو المسكوت عنه بالمعنى الاجتماعى والإنساني.. ومن هنا فمشكلة عمارة يعقوبيان الفيلم والرواية أنهما سببا صدمة من نوع ما للجميع، المؤيد للحكومة والنظام والمعارض لهما، لقد جرحت الرواية ومن بعدها الفيلم الأبنية التى تبدو مستقرة، الأبنية التى يتحالف الأقوياء من أجل بقائها راسخة ومحرماً المساس بها، ومن هنا فقد حظى الفيلم والرواية بهجوم من يتحصنون بالأيديولوجيات الضيقة التى تجاوزها الزمن، وأيضاً من يتحصنون بالدفاع عن نظام سياسى -اقصد هنا الحكومة والمعارضة معاً- أدى إلى ما وصلت إليه حال البلد.. ومن هنا كانت هناك مشتركات بين كل الفرقاء الذين هاجموا، أبرزها على الإطلاق هو عدم إنكار أن ما أشار إليه الفيلم والرواية صحيح، بمعنى أنه موجود فعلاً فى الواقع، ولكنهم يردون بكلام إنشائى من نوع: هل هذه هى مصر؟! هل مصر بهذا القبح والسوداوية؟! وكأنه مطلوب من علاء الأسوانى كاتب الرواية البديعة ووحيد حامد كاتب السيناريو الجميل أن يقدما منشورا دعائياً عن مصر على طريقة وزارة السياحة نورت مصر.

والمشكلة الثانية للرواية والفيلم أنه من الصعب تصنيفهما على مقاس أيديولوجية ضيقة سواء سياسية أو حتى فكرية، ولذلك كان طبيعياً أن يتم مهاجمته من بعض المحسوبين على اليسار بتنويعاته وبعض المحسوبين على اليمين بتنويعاته، بما فيه بعض ممثلى التيار الديني.. ولكن ما الذى جمع كل هؤلاء؟!

قبل الإجابة، من المهم توضيح ما أقصده أكثر.

فمثلاً إذا كنت ناصريا فستجد الفيلم يحمّل الضباط الأحرار بشكل ما مسئولية ما وصلت إليه حال العمارة -مصر- ولكنك فى ذات الوقت ستوافق على أشياء أخرى مهمة منها مثلاً إدانة الفقر والفساد السياسي. وإذا كنت ماركسياً فستوافق حتما على إدانة الفروق الطبقية الرهيبة وإدانة النظام السياسى الذى تسبب فى ذلك، ولكنك سترفض التعاطف مع التيار الدينى وترفض أيضا الانحياز إلى القيم الأرستقراطية البرجوازية التى يمثلها زكى الدسوقي.. وإذا كنت من أنصار النظام فستفرح بالإدانة الحاسمة للإرهاب، ولكنك سترفض بغضب الأسباب التى أدت إليه كما جاءت فى الفيلم والرواية.. أما إذا كنت من أنصار الإسلام السياسى أو من المتعاطفين معه، فستفرح بإدانة النظام ولكنك ستنزعج وبشدة من تناول المسكوت عنه اجتماعياً مثل شخصية حاتم رشيد الشاذ، وستصاب بالهلع بسبب فضح التنازلات الأخلاقية التى يتم إجبار الفقراء على تقديمها حتى يعيشوا.. كما ستنزعج أكثر من استخدام الدين كستار لعقد زيجات هى فى حقيقتها علاقات عبودية لا تختلف عن شراء الجواري.. وهكذا.

فالجميع تقريباً إذا تعامل مع الفيلم من زاوية أنه حتما ولابد أن يأتى طبقا لتصورات السياسة -عذراً- الضيقة، فلابد أن يهاجمه بشراسة ويطلب إهدار دم صانعيه، بل ويطالب بمصادرته أو حذف بعضا منه كما حدث فى مجلس الشعب.

نعود للسؤال: ما الذى جمع كل هؤلاء؟!

أولاً أنهم لم يتعاملوا مع الرواية والفيلم باعتبارهما وجهتى نظر فى الواقع وليس الواقع ذاته حتى لو كانا ينطلقان منه، ومن هنا فالرسائل التى يحملها العملان، هى مجرد وجهة نظر تخطئ وتصيب.. ولذلك ستجد فى هذا الهجوم -وليس كله باطلاً بالطبع- من أنزعج بشدة من أن تكون هذه هى مصر كما ظهرت فى الفيلم والرواية.

رغم أنه من البديهى أن الفنان -أى فنان- ليس دوره تقديم الواقع كما هو، وإلا فنحن لسنا بحاجة إليه، لأننا نعيش بالفعل هذا الواقع ونراه، ولدى كل منا وجهة نظر عنه يتمسك بها، وبالتالى فهو -أى الفنان- يعيد تركيب هذا الواقع ممزوجاً بخيال فى شكل فني، قد نختلف عليه، ولكننا فى النهاية لابد أن نحترم حقه فى أن يقول وجهة نظره الفنية.

هذا المنطق العجيب والغريب، هو ذاته الذى تتبناه قوى الإسلام السياسى -الرسمية وغير الرسمية- المتطرفة، والتى تتعامل مع ما يقوله أحد الأبطال باعتباره حقيقة فعلا، وباعتباره هو رأى المؤلف والسيناريست وصُناع الفيلم.. ولذلك هاجت وثارت هذه القوى فى وجه -على سبيل المثال- رواية وليمة لأعشاب البحر ومن بعدها الروايات الثلاث وغيرها، والسبب أنها تعاملت بمنطق أن هذه ليست روايات مبنية فى الأساس على خيال، صحيح أنه قد يكون مستنداً للواقع، ولكن من المؤكد بحسم أنه ليس هو الواقع بالضبط. كما أنها اعتبرت أن ما يقوله البطل الفلانى أو العلانى حقيقة مطلقة يجب محاسبة الكاتب عليها، وليس باعتبارها شخصية درامية لها فى ذاتها منطق فنى علينا مناقشتها من هذه الزاوية، ومن ثم لابد من ذبح المؤلف بالمقصلة.

ومن هنا فقد تعامل المهاجمون بمنطق التجزئة، يأخذ كل منهم ما يشاء من الفيلم ويعيد توظيفه لصالحه، ويهاجم ما يراه أيضاً متعارضاً مع تصوراته، إنها نظرية قاطع الطريق فى الأسطورة الشهيرة، فإذا كانت الضحية التى اختطفها أطول من سريره يبتر قدميها، وإذا كانت اقصر يربطها بالحبال ليمطها لتصبح فى نفس حجم السرير بالضبط.

والكارثة الأخرى أن قطاعاً من المعارضة تعامل مع الفيلم باعتباره شومة على رأس النظام الحاكم فقط لا غير، وبالتالى لابد من دعمه ومساندته.. وعلى الجانب الآخر تعامل مؤيدو النظام الحاكم باعتباره منشوراً سياسياً ضدهم.. وكلا الطرفين يؤمن بالمقولة الفاسدة: من ليس معى فهو ضدي، فهم لا يؤمنون بالخصومة السياسية، بل بالعداء السياسي، ومن ثم لابد من ذبح الخصم حتى النهاية وغرس راية النصر فى لحمه، ولذلك كان هناك بحث فى نوايا صانعى الفيلم ومنتجه بشكل خاص، بدلاً من الفيلم ذاته.. وغيرها وغيرها من وسائل الترويع، باختصار أهدروا دم الفيلم ومن قبله الرواية فى حرب قبائل سياسية.

ولأن الطرفين فى تقديرى لا يدافعان بصدق عن الحرية، أو ربما لا يفهمان معناها، فلم يهتما على الإطلاق بالرسالة الإجمالية للفيلم ومن قبله الرواية، فالحقيقة أن من يدافعون عن الحرية مستبدون، بمعنى أنهم يتصورون أن الحرية هى حريتهم هم وحدهم فقط لا غير وليس حرية الآخر، ويؤمنون بأن الحرية هى أن يفرضوا على الآخرين بالقمع والمصادرة والترويع ما يتصورون أنه الصحيح، لعلنا نتذكر كارثة إجماع الحكومة والمعارضة داخل البرلمان وخارجه على مصادرة رواية وفيلم دافنشي، فأعضاء البرلمان الموقر يتصورون أن دورهم هو مصادرة وحرمان المواطن- الذى انتخبهم - من المعرفة، رغم أن أبسط مبادئ الحرية هى أن تدافع عن حرية غيرك.. ليس هذا فقط، ولكن الانطلاق من أن الحرية ليست حرية الصواب فقط ولكنها-وهذا هو الأهم- حرية الخطأ، ومن هنا يتحول الصراع السياسى فى البلد إلى خناقة بالمطاوى لاختطاف كرسى الحكم بوسائل مشروعة وغير مشروعة، وليس بناء دولة مصرية حديثة ديمقراطية، وبالتالى منح المواطن حق أن يرفض ويقبل ما يشاء، وحقه المطلق فى أن يختار من يسيرون آلة الحكم، وليس آلة استعباده، أى يعملون عند الشعب وليس العكس.

غياب هذا المفهوم للحرية هو ما جعل معظم الذين هاجموا الفيلم والرواية لا يفكرون فى الرسائل النهائية والإجمالية لهما، وهى فى تقديرى الدفاع عن حق المصريين فى العدل والحرية والتسامح .. وهو نفس المنطق الذى يستخدمونه فى العمل السياسي، فهو بالنسبة للجميع - معارضة وحكومة- كما قلت خناقة أو عمليات بلطجة لاختطاف بلد، وبعدها تفعل به ما تشاء، بالضبط مثل قطاع الطرق.. لأنهم لو كانوا غير ذلك لدافعوا أولا عن حق الفيلم والرواية فى الوجود دون مصادرة أو حذف، ولاتفقوا مع الرسالة الإجمالية لهما والتى فى تقديرى تدفع فى اتجاه بناء دولة مؤسسات حديثة ديمقراطية.

العربي المصرية في

16.07.2006

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)