كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

يوميات مهرجان برلين السينمائي الدولي ... (2) 

يطرحان رؤية مغلوطة عن القضية الفلسطينية.. "شهيدة" و"بستان الليمون" تضليل سينمائي

برلين -  محمد رضا

مهرجان برلين السينمائي الدولي

الدورة الثامنة والخمسون

   
 
 
 
 

المخرجة “الإسرائيلية” نتالي أسولين تريد أن تبرهن في فيلمها التسجيلي “شهيدة” أنها تعلم لم تقوم أمّهات فلسطينيات بمساعدة استشهاديين على تنفيذ مهامهم. عندها، أن المسألة هي إيمان شديد بالجريمة. تسأل، كيف تسمح أم لديها أولاد بأن تساعد في التحضير لعملية تتم في مدرسة ؟ لكنها لا تتطلّع إلى الجواب الذي قد توفّره تلك المرأة أو سواها في الفيلم بل تمارس ما تريد ممارسته بعد المقابلة من قطع وتوليف ما يمنح الفيلم وجهة نظر تدين وقلّما تصغي. تؤلّف وجهة النظر المعادية والُمدينة مستفيدة من حقيقة أن الرأي العام يُدينها بدوره. لذلك هذا الفيلم لا يسعى للحقيقة بل يستغل جانباً منها يخدم أغراضه. 

حين أخرج هاني أبو أسعد فيلمه “الجنّة.. الآن” حول شابّين مرسلين في مهمّة انتحارية سعى الى توفير البطانة السياسية حول شخصيّتيهما. بذكاء استطاع ادانة العمليات الانتحارية ضد المدنيين، وهو الموقف الذي يدينه معظمنا أيضاً، ومن ناحية أخرى وضّح، للغرب، كيف أن الاحتلال والقهر والتعسّف والاستعمار الصهيوني لا للأرض فقط، بل للهوية الوطنية بأسرها دوافع تجبر فعلاً ما وأن هذا الفعل استماتة.

فيلم أسولين لا يحتوي على هذا التحليل لأنها لا تريد أن تطرح المسألة من زاوية البحث عن هذه الدوافع بل التأكيد أن هناك روحاً شريرة تزج بهؤلاء النساء للإقدام على أفعالهن. بذلك مغيّب تماماً فعل الاحتلال والمسؤولية “الإسرائيلية” في عدم الوصول الى حل لصالح اقامة الدولتين ولمعاملة المدنيين الفلسطينيين كما لو كانوا مواشي كلما كان عليهم المرور عبر حاجز “إسرائيلي”. أكثر من ذلك، الفيلم يطرح الموضوع كما لو أن صاحبته لا تعلم أياً من هذه الظروف مطلقاً وباستبعادها الحديث عن مسببات لذلك، تستبعد احتمال أن تكون هناك مسببات في الأصل مرتاحة الى نوع من التجاهل الذي ينتهي الفيلم به. ففي النهاية لا يجيب الفيلم عن السؤال الكبير المطروح وهو لماذا تقدم بعض النساء الفلسطينيات على مثل هذه الأعمال؟ وبعدم اجابته على هذا السؤال ينتفي من قدرته كفيلم تسجيلي وبين “هلالين” وقائعي.

أحد الزملاء هنا لاحظ أن اجابات النساء المعتقلات دائماً دينية. التبريرات المساقة من طرفهن، الأحاديث الشاملة والمواقف المسجّلة كلها تتمحور حول أن الله يطلب منهن أن يكن شهيدات من دون أن تذكر واحدة منهن شيئاً عن الأرض وفلسطين بدورها. مع أني مع هذه الملاحظة، الا أن السبب قد يعود إلى أن الاجابات التي توفّرها السجينات منتقاة ومختارة من قبل المخرجة- ما يعلمنا إذاً فيما لو أن واحدة منهن، على الأقل، تحدّثت عن الواقع الاحتلالي المزري وعن حلم تحرير فلسطين.

طبعاً إذا غابت هذه القضيّة تماماً من الذكر فعلاً، فإن هذا مأساة عربية تعكس مدى توغّل التطرّف الاسلامي الذي يحارب التطرّف اليهودي (الأنجح في اخفاء نفسه للآن). بذلك هي حرب دينية بين فريقين، ولو أن المخرجة كان لديها قدرة على التفكير خارج المنهج، او لو لم تكن تابعة عوض أن تكون قائدة، لبحثت هذا الجانب بكل طروحاته ولنتج عن ذلك فيلم أفضل وأكثر مدعاة للتصديق.

بستان الليمون

فيلم “إسرائيلي” آخر في قسم البانوراما أيضاً هو “بستان الليمون” لايران ريكليس مع هيام عبّاس وعلي سليمان في البطولة.

إنه أفضل وضعاً من الفيلم السابق كون المخرج يريد أن يتعاطى مع الموضوع الفلسطيني- “الإسرائيلي” على نحو مفتوح. في “عروس سورية”، الذي شوهد في مهرجان لوكارنو السويسري قبل نحو أربعة أعوام، تناول موضوع فتاة سورية في القطاع المحتل من الجولان ستتزوّج من قريبها السوري في القطاع غير المحتل من الجولان لكن الادارة “الإسرائيلية” تقف حائلاً كذلك البيروقراطية السورية على الحدود. الأولى ترفض رفع ختم “إسرائيلي” طبعته على جواز سفر العروس، والثانية ترفض قبول دخولها الأراضي السورية بهذا الختم.

كان فيلماً مهيّجاً للمشاهدين الذين لا يعرفون الوقائع الحقيقية التي يمكن لها أن تحدث في مثل هذه المفارقة. اصطياد لموضوع انساني مركّب كوميدياً وفيه حس انساني ملتف حول نفسه مثل قلب الخسة. لكن الفيلم يتراجع مسافات عن إدانة كاملة لضابط كان يستطيع عدم طبع الختم (بل ان ذلك ليس مطلوباً باعترافه) لكنه لم يفعل، ثم هو رفض إلغاءه.

هنا في “بستان الليمون” الموضوع أكثر تعقيداً وصعوبة وشغل ريكليس أكثر جدّية على الرغم من لمسات الفيلم الكوميدية الموزّعة.

بطلة الفيلم هي سلمى (هيام عبّاس التي ظهرت في فيلم ريكليس السابق) وهي أرملة في منتصف الأربعينات من عمرها لديها بيت وبستان من شجر الليمون هو معيلها الاقتصادي الوحيد. هناك وزير دفاع جديد (دورون تاوري) اشترى منزلاً مقابلاً لها والأمن يرى أن تلك الأشجار قد تشكّل تغطية مثالية ناجحة ل “الارهابيين” إذا ما أرادوا مهاجمته. القرار: قطع هذه الأشجار. تستيقظ سلمى على هذا الوضع الجديد الذي يهدد حياتها الاقتصادية فتعيّن محامياً (علي سليمان) وتنقل الصراع الى المحكمة المعروف سلفاً موقفها في مثل هذه القضايا.

ينتقل المخرج بين الوضع لدى الطرفين: سلمى والمحامي يبدآن بالشعور بحاجة كل منهما العاطفية للآخر. قصّة حب تجد فيها البطلة في موضع غير مريح كونها أرملة ولديها قضيّة لا تريد لها أن تميع بسبب هذا الحب المحتمل. من الناحية الأخرى فإن زوجة الوزير التي أيدت زوجها فيما يتعلّق بمصادرة الأرض وقطع أشجارها تكتشف أن زوجها لديه مغامرة عاطفية مع سكرتيرته وتبدأ بمراجعة موقفها منه وتقرر لاحقاً تركه. المخرج لا يريد أن يحدد من معه حق في هذا الصراع بل يوزّع، ككثيرين غيره، تبريرات مختلفة تساوي الحق والباطل من دون تقديمهما على هذا النحو او ضمن هذين المسميّين. النتيجة فيلم آخر يستغل الوضع لتهييج سياسي/ إنساني من دون أن يكون مرضياً كاملاً لأي طرف. 

المزروعي التقى رئيس مهرجان برلين

اشادة عالمية بمهرجان الشرق الأوسط السينمائي

برلين  “الخليج”: التقى محمد خلف المزروعي مدير عام هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ديتر كوسليك رئيس مهرجان برلين السينمائي الدولي ضمن فعاليات الدورة المنعقدة حالياً لمهرجان برلين.

وتباحث المزروعي مع كوسليك في سبل التعاون بين كل من مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في أبوظبي، ومهرجان برلين السينمائي الدولي، كما عقد المدير العام لهيئة ابوظبي للثقافة والتراث اجتماعات مكثفة مع مجموعة من أهم صناع السينما والمنتجين في العالم، والذين أبدوا اهتماماً ملحوظاً بالانطلاقة المتميزة لمهرجان السينما في أبوظبي، حيث أكد المزروعي ان مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في أبوظبي قد اثبت وجوده وجدارته في المشهد السينمائي العالمي منذ دورته الأولى في اكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي شهدت نجاحاً كبيراً على كل الصعد، إذ استقطبت العديد من أهم صناع السينما والنجوم في العالم، وتميزت بعقد مؤتمر خاص حول تمويل الأفلام.

ويأتي وجود هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في مهرجان برلين السينمائي في سياق تكريس مشروعها السينمائي وحضورها الثقافي في المحافل العربية والدولية، والتواصل مع الآخر وتبادل الخبرات.

وأكد المزروعي بهذه المناسبة ان الفن السابع يعتبر احد أبرز اهتمامات الهيئة على اعتبار أهمية حضوره في أي مشروع ثقافي معاصر، فبالاضافة الى مسابقة أفلام من الامارات التي كرست الحضور السينمائي المحلي، اطلقت الهيئة مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي الذي نظمت الدورة الأولى منه ما بين الرابع عشر والتاسع عشر من اكتوبر/ تشرين الأول 2007 والتي لقيت نجاحاً كبيراً، واستقطبت أهم الأفلام العالمية، بالاضافة الى تنظيم مؤتمر تمويل الأفلام الذي سيصبح مؤتمراً سنوياً يفتح الباب امام التعاون الدولي في مجال صناعة السينما، ويوفر فرصاً للمستثمرين في هذا المجال.

وايماناً من القائمين على هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بأهمية السينما، وضرورة اتاحة فرص تعليمية للمواهب المحلية والعربية فقد أسست اكاديمية للسينما في ابوظبي وذلك بالتعاون مع اكاديمية نيويورك للفيلم (اكاديمية نيويورك - أبوظبي للفيلم)، والتي تفتح أبوابها خلال فبراير/شباط الجاري للمواهب الشابة محلياً وعربياً وتقدم لهم الخبرات اللازمة وفقاً للمعايير العالمية المتعارف عليها، والتي تشمل كل عناصر الفيلم السينمائي، كما ستستقطب الاكاديمية أصحاب الكفاءات والخبرات العالمية ليقدموا عصارة تجاربهم وخبراتهم الاكاديمية والفنية لطلابها.

كذلك فقد اطلقت الهيئة مشروع وحدة تمويل الأفلام الذي يعمل على توفير فرص التمويل السينمائي الدولي للأفلام المتميزة عبر استقطاب أهم شركات الانتاج العالمية، والمستثمرين الدوليين الذين ستتوافر لهم فرص استثمارية كبيرة من شأنها ان تدفع بعجلة تطور الانتاج السينمائي نحو مزيد من التطور والتميز، هذا وبالتوازي اطلقت ايضاً لجنة أبوظبي لصناعة الفيلم والتي ستوفر لصناع الفيلم السينمائي محلياً وعربياً كل عناصر صناعة الفيلم الجيد من اماكن تصوير، ومعدات تقنية، واستشارات فنية وغيرها من تفاصيل يحتاجها انتاج الفيلم السينمائي.

أرشيف المهرجان 1998

الفيلم: “محطة البرازيل”

المخرج: وولتر سالز

البلد: البرازيل/ فرنسا

التقييم: من خمسة

وولتر سالز مخرج برازيلي قدّم في مسابقة مهرجان برلين في ذلك العام ما لا يزال أفضل أعماله: قصّة امرأة تعمل في محطة القطارات في ريو دي جانيرو وعملها هو كتابة الرسائل للأميين. تسمع وتكتب وتساعد - لقاء أجر- لكنها لم تكن تتوقّع أنها ستقوم بمساعدة هذا الطفل الذي يبحث عن أبيه. وهو لا يبحث عن أبيه في المدينة، بل في بعض الأرياف البعيدة. من هنا يتحوّل العمل الى فيلم طريق يأخذنا مع بطليه الى حيث لم يذهب مخرج برازيلي من قبل.

لكن الفيلم ليس قصّة فقط، بل يدور أساساً عن تلك المرأة غير الصبيّة التي لا ابن لديها ولا زوج، إنما مجرد أحلام وواقع غير وردي. امرأة تدرك أن أفضل ما في حياتها قد مر لكنها تجد نفسها أمام تحدٍ جديد لإثبات جدواها في الحياة.

استقبل الفيلم جيّداً من قبل النقاد ولجنة التحكيم في برلين وقت عرضه عام 1998 فحصد الذهبية لمخرجه والفضية لبطلته فرناندا مونتنغرو.

سيكون هناك دم

ليس فقط أن فيلم “سيكون هناك دم” عمل سياسي بالدرجة الأولى، بل أن بطله دانيال داي-لويس، الذي يؤدي في الفيلم دور رجل أعمال في حقول النفط يتملك به الجشع لدرجة إبعاد نفسه عن مسارات الحياة الانسانية واستعداء الجميع وبل ارتكاب الجريمة والتحالف مع اليمين الديني المتطرّف في مطلع القرن العشرين، حمل السياسة معه الى المؤتمر الصحافي الذي عقده يوم أمس الأول.

وبدأ لويس المؤتمر الصحافي بهجوم آخر هذه المرّة على الصحافيين الذين سيسألونه في الأمور الشخصية إذ قال: “أريد أن أحذّر أنني سوف لن أجيب على سؤال يتعلّق بجوانب حياتي الخاصّة. هناك كتابات كثيرة نشرت حولي كلها مغلوطة لكني لست بوارد تصحيحها لكم”.

أكثر من ذلك، تدخّل الممثل أكثر من مرّة ليجيب على اسئلة تم توجيهها لمخرج الفيلم بول توماس أندرسن الى أن قام هذا بالتدخّل أكثر في الحديث وقطع هذه المحاولات.

شاه خان وزّع قبلاته

السينما الهندية لها جمهورها في ألمانيا وهذا الجمهور زحف الى صالة العرض التي شهدت تقديم فيلم “أوم شانتي أوم” الذي يقود بطولته شاه روح خان، او كما يلقبونه في الهند الملك خان.

الممثل تقدّم ببطء مقصود ليتسنّى له توزيع قبلاته بكفّ عالية وبحركة مسرحية تعوّد عليها في الهند قبل وصوله الى برلين سامحاً في الوقت ذاته لذلك الجمهور بأن يصرخ كما لو كان نجماً غنائياً بين جمهور من المراهقين (او ربما كان). الفيلم حسب أحد النقاد العرب القليلين الموجودين هنا: “رديء جداً لكنه ممتع جدّاً أيضاً”.

أين هم؟

- وعلى ذكر النقاد العرب أين هم؟

هناك عدد أقل مما كان عليه الحال في السنوات السابقة إذ لم يتم رصد أكثر من سبعة صحافيين ونقاد عرب بينهم منتجة برنامج “سينمانيا” من محطّة أبوظبي كارلا طوبيا، وهاجوب حبشيان عن جريدة “النهار” اللبنانية. إثنان من المراسلين العرب هما أساساً من سكّان برلين واشتراكهما أمر عادي يكاد لا يُحسب في عداد الحضور العربي المفترض. في المقابل، كانت برلين مركزاً لحضور نحو خمسة عشر صحافياً وناقداً عربياً في بعض السنوات الماضية بينهم فريق كبير من صحافيي مصر مثل نور الدين خليل وسمير فريد وإيريس نظمي.

عودة مرجريت فون تروتا

المخرجة الألمانية مرجريت فون تروتا، التي كانت رئيسة لجنة التحكيم في الدورة الأخيرة من مهرجان برلين تستعد لاخراج فيلمها الجديد وعنوانه “رؤية” في الشهر المقبل. الممثلة التي اختارتها فون تروتا للبطولة هي باربرا سوكوفا، وهي بطلة بعض أفلامها السابقة مثل “الشقيقتان الألمانيّتان” و”روزا لوكسمبرغ”. 

أوراق ناقد ...

الغياب العربي

دائماً ما نسأل أنفسنا، عن السبب الذي لا توجد فيه أفلام عربية في المهرجانات الرئيسية وإذا وُجدت، كما الحال هنا هذا العام حيث عُرض فيلم يسري نصر الله الجديد “جنينة الأسماك”، فهي أولاً: محدودة جدّاً عددياً (فيلم واحد بين المئات المعروضة) وعلى نحو غير متواصل (هناك مرّات يغيب فيها العالم العربي الشاسع تماماً). وطبعاً لا تسأل عن المسابقات الرئيسية: هناك نسبة ضئيلة جدّاً من الأفلام العربية تخترق المسافة بين العروض الجانبية والمسابقة في هذه المهرجانات.

حسناً، إذاً لابد هناك من أسباب أو احتمالات

أولاً ربما لا يحبّوننا

ثانياً ربما ليس لدينا ما نعرضه من أفلام جيّدة

ثالثاً ربما أسباب تتعلق بالتسويق.

رابعاً: من المحتمل أن تكون الأسباب المذكورة أعلاه كلّها صحيحة؟

الجواب على الاحتمال الرابع هو الصحيح باستثناء مسألة أنه ليس لدينا أفلام جيّدة نعرضها.

نحن لسنا محبوبين عموماً. لم نكن كذلك في السنوات التي سبقت 11/9 وبالتأكيد لسنا بعده في وسط هذه الفوضى الدينية والسياسية التي نخوضها حيث يجد الغرب نفسه في موقف الدفاع عن نفسه ضد متطرّفين يريدون تقويض لا العالم العربي فقط بل العالم الغربي أيضاً.

مسألة الأفلام الجيّدة موجودة وكثير منها ظهر في مهرجان دبي السينمائي الدولي. لكن الأفلام الجيّدة التي يتم إطلاقها عربياً لا يوجد من يقدّمها على نحو جيّد. بكلمات أخرى، ليس هناك مكتب واحد يتولّى توفير التسويق الاعلامي المطلوب لهذه الأفلام.

ليس لدى معظم المنتجين العرب ميزانية تكفي لتأجير خدمات وكالة إعلامية تقوم بتوفير ما هو مطلوب لتنشيط الفيلم دعائياً وإعلامياً ودفعه الى الواجهة أمام أعين مبرمجي المهرجانات الدولية.

كثيرة هي الأفلام العربية التي تتنفّس الصعداء لمجرد أنها استطاعت -أخيراً- التحوّل الى حقيقة. هناك مخرجون كثيرون يمسكون بسيناريوهاتهم ويدورون على كل احتمال ممكن: هذا بحاجة الى مئة ألف دولار، والآخر الى مئتين او ثلاثة او أربعمائة ألف دولار- ولا أحد يكترث. فإذا كانت الصناعة ونظامها معطلين في العالم العربي، كيف يمكن إنجاز نقلة نوعية وتجارية له؟

الفيلم هو حالة إعلامية: هناك متاعب بين الغرب وإيران أكبر بكثير من المتاعب بين العرب والعالم الغربي، لكن ذلك لا يمنع من أن السينما الايرانية أصبحت حالة نشطة في البال: الجمهور الغربي يود دائماً معرفة كيف يقوم المخرج الايراني بصنع فيلم يحكي عن العالم الداخلي لمجتمعه. والدلائل دائما ما أثبتت أن فيلماً عربياً بسيط التشكيل فنياً ينجح أكثر مما ينجح فيلم يعتقد المخرج بأنه يخدم نفسه عندما يشتغل على عدّة شرائح معقّداً الحكاية معتقداً أن هذا ما يريده العالم الغربي.

انظر مثلاً ما حدث في العام السابق. إنه “عمارة يعقوبيان” و”سكّر بنات” وكلاهما نجح تسويقياً في الخارج. أسلوب مخرجيهما السردي البسيط من دون أن يكون ضعيفاً او ركيكاً (ومن دون حكم لهما او عليهما من ناحيتي) هو الذي فتح لهما الأسواق. وسيحدث هذا مع “تحت القصف”، لكنه لن يحدث مع “خلص” او مع الفيلم الجديد “جنينة الأسماك”. ليس هناك من دواعٍ كافية لدى المشاهد الغربي ليرى فيلماً عربياً معقّداً او فنيّاً على هذا النحو. بل يكفي أن يكون جيّداً فنياً ويحمل موضوعه الى جمهوره بأسلوب قابل للمتابعة. هذا ليس رأياً فقط، بل هو واقع أيضاً.

م.ر

 email: merci4404@earthlink.net

Blog: shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في 11 فبراير 2008

 
 

جنينة الأسماك في بانوراما مهرجان برلين السينمائي

شارك الفيلم الجديد للمخرج المصري يسري نصر الله "جنينة الأسماك" ضمن تظاهرة بانوراما مهرجان برلين السينمائي الـ58 فيما خلت المسابقة الرسمية من أي فيلم عربي.

ويصور الفيلم الذي عرض الجمعة لأول مرة في المهرجان الخوف العام الذي يعتري الناس في المجتمع المصري وتلك الحيرة التي لا تجعلهم يتخذون موقفا.

ويبدو أن الفيلم حظي بإعجاب الجمهور الذي أقبل بكثافة على مشاهدته بحضور بطليه هند صبري وعمرو واكد وذلك من خلال عدد الذين بقوا في الصالة للنقاش وأيضا من طبيعة الأسئلة.

ويكشف نصر الله في "جنينة الأسماك" عن عالم سري ليلي غامض يحكم إغلاقه على شخصيات تعيش مثل أسماك الزينة وراء زجاج وتضع أقنعة كي لا تكشف عن نفسها أو ترى ما يجري حولها من تحولات عامة.

تدور أحداث الفيلم في القاهرة اليوم من خلال شخصية مذيعة في الراديو تجسدها هند صبري تقدم برنامجا ليليا ناجحا تستمع فيه إلى أسرار الناس الذين يتصلون بها طالبين نصحها ومساعدتها في عدد من المشاكل التي يواجهونها دون الكشف عن هوياتهم.

أما يوسف -الذي يقوم بدوره عمر واكد- فهو طبيب تخدير يعمل في مستشفى ذائع الصيت ولكن حتى يكسب مزيدا من المال يعمل ليلا في عيادة سرية متخصصة في عمليات الإجهاض غير القانونية.

مساحات الأسرار

الشخصيتان الرئيسيتان يوسف وليلى لا يلتقيان إلا في نهاية الفيلم لكن تجمعهما في خط متواز نقاط مشتركة مثل قدرتهما على السيطرة على الآخرين من خلال مهنتيهما فيوسف يروق له الاستماع إلى مرضاه وهم ما زالوا تحت تاثير البنج وليلى من خلال برنامجها.

معظم أحداث الفيلم تدور خلال الليل حيث تنمو مساحات الأسرار وحيث تفضل ليلى ويوسف الاستماع إلى أسرار الآخرين بدلا من أن يبوحا بما يفكران فيه.

فيوسف مثلا يخضع لرغبات والده (جميل راتب) المتسلط المصاب بالسرطان ويخاف الوحدة ولا يريد أبدا الذهاب إلى شقته ويفضل عليها النوم في سيارته.

وهو أيضا كما ليلى يفضل وضع مسافة أمان بينه وبين الآخر وهما يعانيان فقدان التواصل الحقيقي الصادق والتواصل الفعلي مع الناس.

الشخصيتان تبدوان غير قادرتين على اتخاذ أي موقف من الفساد العام أو من السلطة رغم احتجاجهما الصامت أحيانا والمساير أحيانا أخرى.

تدور الأحداث في جزء منها داخل حديقة الأسماك في القاهرة حيث تلتقي شرائح مختلفة من المجتمع القاهري ليلا وحيث يلتقي العشاق في ظلمات المكان لاعتقادهم أنهم في منأى عن أعين المتطفلين.

وفي الفيلم الكثير من مساحات الصمت الذي يقول أشياء كثيرة، وعمل كثير على تفاصيل تثري سيناريو الفيلم الذي تشارك في كتابته ناصر عبد الرحمن ونصر الله بعد اشتراكهما في كتابة سيناريو فيلم "المدينة".

حرية وجرأة

ويقول المخرج يسري نصر الله إنه تعاطى بحرية كاملة مع هذا الفيلم خاصة بعد إنجازه فيلم "باب الشمس" الذي علمه الجرأة المأخوذة أيضا من العاملين حوله في المجال السينمائي.

وذكر أنه حقق في هذا الفيلم كل ما حلم بإنجازه على الصعيد الفني والبصري ولم يؤجل عمل أي لقطة إلى وقت لاحق.

وبذل نصر الله في هذا الفيلم جهدا كبيرا في بناء المشهد وتركيبه وفي ناحية الضوء والشريط الصوتي أيضا مما يعكس نضج المخرج الذي يقدم عمله الروائي الخامس.

كما تتجلى في الشريط دقة الصورة وإعادة خلق معنى يوازي الواقع الراهن ويعيد إنتاجه، وعلى عكس ما يظهر للبعض ليس في الفيلم حالة تشاؤم رغم الحزن العام المهيمن بل فيه بعض السخرية تجسدت من خلال لقطات صامتة.

ويفرد المخرج في شريطه مكانا لاحتجاجات حركة "كفاية" التي تشعر بالأسف على ما آلت إليه الأوضاع في مصر.

وحول ذلك يوضح المخرج أن فيلمه ليس عن الخوف وإنما عن أشخاص خائفين معتبرا أن هذا أمر مختلف تماما. ويشير إلى أنه وكما في جميع أفلامه هناك شخصية تتمرد وتحاول ألا تقع ضحية الوضع العام في وقت يطغى فيه السياسي على الحياة.

المصدر: الفرنسية

الجزيرة نت في 11 فبراير 2008

 
 

21 فيلماً تتسابق على "الدبّ الذهبي" في مهرجان برلين السينمائي الـ 58

آسيا عشرون في المئة من المسابقة ويسري نصرالله العربي الوحيد

برلين ـــ من هوفيك حبشيان

هاكم اكتشافاً برلينياً جديداً: يعمل كريم في تربية النعامات. بيد أنه ذات صباح مشؤوم، يُطرَد من عمله بسبب اختفاء نعامة! لكسب حياته، لا يبقى أمامه الاّ نقل الناس على دراجته النارية. يذهب يومياً الى المدينة ليعود بأغراض قديمة مستعملة. هذه المرّة، قدمه هي التي ستخونه. فبعد كسرها، لم يعد قادراً على الحراك. ومن مصيبة الى أخرى، تصبح حياته عبئاً عليه وعلى المقرّبين منه. بمجرّد تلخيص هذه الحكاية الايرانية على هذا النحو، نكاد نعتقد أن الامر يتعلق بفيلم جديد لأمير كوستوريتكا. لكن "أغنية العصفور" هو في واقع الأمر شريط للمخرج الايراني ماجد ماجدي الذي أتحفنا الى الآن ببضعة أفلام تتمحور بصفة عامة حول الطفولة. على مشارف الخمسين من العمر، يشارك ماجدي في الدورة الثامنة والخمسين لأحد أعرق المهرجانات الاوروبية (7-17 الجاري)، بعدما رشح فيلمه "أولاد السماء" في نهاية التسعينات من القرن الماضي لجائزة أوسكار التي لم ينلها. ماجد ماجدي هو في الاصل ممثل، أنجز أفلاماً قصيرة ووثائقيات، ويعدّ اليوم احد ضمانات السينما الايرانية (مع انه يلعب على الوترين دوماً)، التي خفت بريقها بعض الشيء في المهرجانات الدولية بعدما كانت لها مرحلة ذهبية في منتصف التسعينات من القرن الفائت.

عندما نعلم أن هناك فيلمين بريطانيين في المسابقة الرسمية، نسأل: هل تعود السينما البريطانية الى رشدها يوماً؟ هل لا يزال لديها ما تبوح به الى العالم؟ واذا ارادت ذلك، هل من الممكن أن تفعلها من خلال فيلم مايك لي الجديد "سعادة محظوظة"؟ حيثما يحل، يمنح مايك لي الأشياء صعوبة ما، وهذه الصعوبة في التسلل الى فكر المخرج معكوسة هنا حتى في ملخص الفيلم الذي يقول الآتي: "بوبي ومغامراتها. أهي مجنونة وغير مسؤولة؟ أم أنها عقلانية وطبيعية؟ أياً يكن ومهما يحصل، الجميع يقع في غرامها". بوبي هذه، التي سنتعرّف اليها قريباً، مدرّسة من شمال لندن تبدو حياتها للوهلة الأولى معقدة. هل يرينا مايك لي العكس؟ في هذا الشأن يقول المخرج البريطاني القدير: "ينبغي لأفلامي أن تكون وثائقية. عندما يكون المرء كاميرامان ينقل الأخبار، من الواضح أن هذا العالم موجود فعلاً من حوله، سواء صوّره أم لا. في السينما التي أصنعها أريد أن أخلق عالماً ملموساً يبدو وكأنه ثلاثي البعد". معروف عن هذا المخرج أنه لا يملك أحكاماً أخلاقية جاهزة ازاء شخصياته، ويمنع نفسه من الاتيان باستنتاجات سهلة وسريعة. هو يطرح الأسئلة ويقلق المُشاهد ويجعله يشعر بوخز الضمير، "لكنه لا يعطي أجوبة، لأنه بكل بساطة، لا يعرف شيئاً عنها". أما الفيلم البريطاني الآخر فهو "حدائق الليل" لداميان هاريس، عن جحيم الأطفال في عالم الدعارة، على ما يبدو.

ثلاثة أفلام هي حصة الاميركيين من المسابقة الرسمية في برلين. وهذا ليس عدداً قليلاً مقارنةً ببلدان أخرى لم تتمثل الاّ بشريط أو أثنين. وأيضاً قياساً بالازمة الادارية القائمة حالياً هناك. نرى أيضاً بلداناً لم تدخل المنافسة البتة. مثلاً: بلجيكا، سويسرا، أسوج، كندا، الأرجنتين، وبولونيا التي تشارك خارج المسابقة بشخص المخرج الكبير اندره فايدا وفيلمه "كاتين". حتى في اختياره الافلام الأميركية، يبدو ميل المهرجان واضحاً الى ما يختلف عن السائد نبرةً ولغة. واحد من هذه الأفلام هو باكورة لانس هامر، "بالاست"، الذي تجري حوادثه في ديلتا الميسيسيبي شتاء، وجميع الشخصيات يمثلها سكان لم يقفوا قبالة كاميرا من قبل.

بالتأكيد لا نستطيع أن نقول الكلام نفسه عن الفيلم الاميركي الثاني، "ستكون هناك دماء" (النفط!) لبول توماس أندرسون، المشارك في المهرجان في اطار المسابقة. فأندرسون سلطة، وشريطه الجديد لا يبخل على الامكانات. انه نجم وإن لم يُطلب منه توقيع الأوتوغرافات في الشارع. لكن المفاجأة الأميركية قد تأتي من دخيل وثائقي هو ذاك الذي صنعه ايرول موريس مع "عملية وفق المعايير". موريس هو صاحب "ضباب الحرب" الذي نال عنه أوسكاراً عام 2004. يذهب الفيلم بعيداً في منح معانٍ وتفسيرات للصور التي التقطها جنود أميركيون في سجن أبو غريب العراقي السيىء الذكر. طوال سنتين، قابل موريس شخصياً الجنود الذين التقطوا الصور وكذلك من يظهرون فيها، وأجرى أبحاثاً عن هذه الفضيحة التي أحدثت خضة ووضعت أهداف الحرب على المحك. الطريق الى معرفة الحقيقة وكشف فظاعات الحروب كان أصعب من درب الجلجلة بالنسبة الى موريس. في النهاية، لا يسع الفيلم الاّ أن يكون اطروحة عن أميركا والأميركيين والى فقدان البراءة الذي يشمل البلاد بأسره، وليس أخلاقيات بعض الجنود فحسب.

الرقم 3 هو أيضاً حليف الفرنسيين في الدورة المعقودة حالياً. لكن هل روبير غيديغيان وفيليب كلوديل وأريك زونكا هم فعلاً أفضل ما انتجته السينما الفرنسية في الفترة الاخيرة، أم ان مهرجان برلين، كسائر المهرجانات الاخرى، يحاول أن يوفق بين أجندته وأجندة السينمائيين الذين كثيراً ما يفضلون عرض أفلامهم على ضفاف البحر المتوسط في مدينة اسمها كانّ ومهرجانها الذي يضيق دائماً على برلين؟ يروي "أحبك منذ وقت طويل" لكلوديل اطلاق سجينة تدعى جولييت بعد 15 عاماً في السجن. أما "جوليا" زونكا، الذي نأمل أنه سيجد إلهامه المفقود منذ "الحياة الحالمة للملائكة"، فقصّة "رود موفي" عن مدمنة كحول. ثم هناك غيديغيان الذي يجرّب حظه مع بولار أسود، "لايدي جاين"، من النوع الذي برع فيه الفرنسيون في مرحلة ما. نبتهج أيضاً في هذا المهرجان لعودة ناني موريتي الى التمثيل، في فيلم ايطالي يدعى "فوضى هادئة" عن موضوع مماثل لما حكاه في فيلمه "غرفة الابن" (فقدان كائن عزيز)، معالجاً ايضاً اضطراب الرجل المعاصر في تعاطيه مع الموت. أما الفيلم الايطالي الآخر فهو "قلب من نار" للمخرج الفلورنسي لويجي فالورني الذي يحكي قصّة أويت في ارتيريا في مطلع الثمانينات من القرن الماضي. ومن ميتمها حيث كبرت، شهدت على حروب استقلال بلادها! لكن البهجة الكبرى هي مشاركة المخرج المصري يسري نصرالله بـ"جنينة الاسماك" (أو "الاكواريوم") في قسم بانوراما، وهو العربي الوحيد المشارك فيه. بعد حدّوتته الفلسطينية، يصوّر نصرالله الحياة اليومية في مصر الحديثة.

ثمة عملية "تغيير جلد" تشهدها حالياً كلٌّ من السينما الآتية من بلدان أميركا الشمالية واسرائيل، لكن لن نرى منها الا ما ندر في هذا المهرجان. فهناك "لايك تاهو" للمكسيكي فرناندو ايمبكه الذي سبق أن جاء الى برلين، وأيضاً الاسرائيلي المعروف عالمياً عاموس كوليك الذي يجيء بـ"بلا راحة" عن لقاء مصيري بين كاتب وجندي، حول الوظيفتين اللتين اشتغل فيهما كوليك، مرّة عندما كان جندياً في الجيش الاسرائيلي ومرّة أخرى حين ألّف روايات (عددها خمس) وعمل كاتباً في كبريات الصحف العالمية. من هذه "النهضة" الاميركية اللاتينية، لا ينبغي أن ننسى "تروبا دو اليت" لخوسيه باديلا. ويمثل اسبانيا في المسابقة الرسمية "رثاء" لايزابيل كواكسيت. أما من البلد المضيف، فسنشاهد "ازهرار الكرز- هانامي" وهو عن "قصة حب ورحلة شاعرية في أعماق الإنسان". وشكّل فيلم أوزو "طوكيو مونوغاتاري" (1953) سنداً بالنسبة الى المخرجة دوريس دوري.

عشرون في المئة من الأفلام المعروضة آسيوية. السينما الآتية من هناك لا تزال في صحّة جيدة. فمقابل الكوري الجنوبي هونغ سانغ - سو في "ليل نهار" حول عملية فرار رسام ثمانيني الى باريس هرباً من السجن بسبب تدخينه الماريغوانا، هناك أيضاً الياباني يوجي يامادا، الصينيان وانغ زياوشواي (الحائز "الدب الذهبي" عن "دراجة بيجينغ" عام 2001)، وجوني تو الذي لا يتوقف عن التصوير، في الآونة الاخيرة. هناك أيضاً فيلم أميركي آخر خارج المسابقة، "قطرب في الحديقة"، لدنيس لي، عن قصة عائلة يهددها تراكم الإهانات والخيبات والملامات، انطلاقاً من سيناريو ألّفه بنفسه، مبني على وقائع من سيرته الشخصية.

قد يكون معظم هذه الأفلام اكتشافات غير مخيّبة. وقد يكون العكس. لا شيء أكيداً في هذا الشأن سوى أن مهرجان برلين يشكّل في هذه الدورة بديلاً من مهرجانات صارت أشبه بمواعيد ثابتة مع ديناصورات السينما العالمية الذين يدوسون كل ما يصادف طريقهم بلا رحمة. في مقابل ذلك، هل فعلاً مدعاة للغبطة أن يكون هناك سينمائي عملاق واحد، اندره فايدا (82 عاماً قريباً) ضمن المسابقة الرسمية بفيلمه الجديد "كاتين"، فيما الابواب مشرّعة أمام الوافدين حديثاً ليسرحوا على هواهم؟ هل نقطة الضعف هذه يحولها الـ"برلينالي" الى مصدر قوّة واعتزاز؟ في انتظار الخروج باستنتاجات أعمق حول هذه الدورة، لا يكترث فيلم المعلّم البولوني كثيراً بهذه المشاكسات بين جيله والجيل الذي بعده وجيل ثالث في طريقه الى تسلم الدفّة. فقط يخبر قصة الضباط البولنونيين الذين لاقوا مصرعهم بالقرب من كاتين، على أيدي الاستخبارات السوفياتية سابقاً، راصداً مصير عائلاتهم التي انتظرت لسنوات أحياناً عودة زوج أو أب أو ابن أو أخ. الفرق الوحيد، بين جيل فايدا والاجيال الاخرى، أن هذه الحكاية يعرف أنغامها لأنه سمعها وعاشها حين كان في مرحلة أخرى من حياته...

النهار اللبنانية في 11 فبراير 2008

 
 

هل يربح «الفقراء» في برلين؟

برلين ــ محمّد رضا

•رولينغ ستونز، وباتي سميث، وHeavy Metal في بغداد

لعلّه الأكثر تمايزاً، بمراهناته الجريئة ونتائجه المفاجئة، بين المهرجانات الكبرى التي يدشّنها سنويّاً. هذا العام يحتفي بالسينما التسجيليّة، بدءاً بفيلم مارتن سكورسيزي في الافتتاح. على برنامجه ٤٠٠ فيلم، 26 منها تتنافس على دببة «برلين» الثلاثة. وتحضر إسرائيل بقوّة في الدورة ٥٨، أما السينما العربيّة...

الجمهور الألماني كان يرقص ليلة الافتتاح، ولم يكن السبب الدورة 58 من «مهرجان برلين السينمائي الدولي» (Berlinale)، ولا كون الممثلة سكارلت جوهانسُن أعلنت أنّها أختارت عريساً ألمانياً... بل لأن فريق الـ«رولينغ ستونز» كان يعزف ويغنّي تلك الليلة في المدينة، تماماً كما كان يفعل في منتصف الستّينيات.

الفرقة الشهيرة افتتحت في 5 من الشهر الجاري الدورة الجديدة من المهرجان العتيد عبر عرض شريط وثائقي جديد للمخرج الأميركي مارتن سكورسيزي، بعنوان Shine A Light، يصوّر حفلة أقامتها الفرقة منذ عامين في نيويورك. في هذا الفيلم، لم يقدّم سكورسيزي مجرّد تسجيل لحفلة غنائية على شريط سينمائي، بل كان يوثّق لحالة فنية ومزاج شعبي ولجمهور يستعيد ـــــ ولو لحفلة عابرة ـــــ شبابه البعيد.

سبق أن أخرجَ سكورسيزي عدداً من الأفلام الوثائقية عن الروك والبلوز، وقد كشف في برلين أنّه يعمل على إنجاز فيلم موسيقي آخر يتناول ملك الريغي بوب مارلي. أما اختيار شريط مارتن سكورسيزي لافتتاح الدورة 58 من «مهرجان برلين» (يستمرّ حتى 17 شباط/ فبراير)، فيعكس الاهتمام المتصاعد الذي تبديه المهرجانات الدولية الكبرى بالسينما التسجيلية والوثائقية... وعلى رأس تلك المهرجانات «برلين» الذي قرّر لأول مرة في تاريخه اختيار شريط وثائقي لافتتاح دورته. كذلك، المهرجان يحتفي هذا العام بالموسيقى التي تمثّل أحد محاور البرمجة، معبر مجموعة كبيرة من الأفلام بينها شريط المغنّية مادونا «قذارة وحكمة» الذي يُعرض ضمن قسم «بانوراما». ويحفل البرنامج بأفلام وثائقية عن عالم الروك، مثل شريط «باتي سميث: حلم حياة» للمخرج ستيفن سيبرينغ الذي يتناول حياة موسيقية الروك الأميركية الشهيرة باتي سميث.

في الواقع، منذ اختيار لجنة تحكيم مهرجان «كان» عام 2004 فيلم مايكل مور «فهرنهايت ١١/٩» ليكون الفائز بالسعفة الذهبية، انطلقت ظاهرة تعزيز علاقة المهرجانات بالسينما التسجيلية. هذه «العدوى» انتقلت سريعاً إلى المهرجانات الأخرى، حتّى إنّ «برلين»هذا العام يعرض فيلمين تسجيليين في مسابقته الرسمية (وعشرات في أقسامه المختلفة)، بينها فيلم سكورسيزي. أما الفيلم الثاني فهو «إجراء روتيني» ويأتي ضمن الاهتمام الكبير الذي توليه السينما الأميركية بالحرب العراقية. الفيلم يدور حول فضيحة سجن أبو غريب، والصور التي التُقطت لتعذيب السجناء العراقيين على أيدي جنود أميركيين. صحيح أنّ تلك الفضيحة لم تضع حدّاً للحرب، لكنها مثّلت مناسبة لمراجعتها كما يقول مخرج الشريط إرول موريس. وإذا كانت الموسيقى تجمع الشعوب، فالسياسة تخترقها طولاً وعرضاً. وشغلة إيرول موريس هي ـــــ تحديداً ـــــ نبش العالم تسجيلياً، وطرح الأسئلة الصعبة. فقبل عامين، قدّم فيلمه «ضباب الحرب» عن الظروف التي أدّت إلى حرب فييتنام، والانهيار الذي عانته أميركا نتيجة هزيمتها هناك.

وفي برلين شريط وثائقي آخر عن العراق، يُعرض خارج المسابقة، هو «موسيقى صاخبة في بغداد» (أو «Heavy Metal في بغداد») لإدي موريتي وسوروش ألفي. يتناول الشريط قصّة خمسة شبان عراقيين، يعزفون في إطار فرقة موسيقية متخصّصة بالـ Heavy Metal. ومع اجتياح بغداد، والظواهر الأصوليّة التي أفرزها الاحتلال الأميركي، يتلقّون تهديدات بالقتل بسبب هذه الموسيقى الغربية، فيرحلون إلى تركيا. وإذ فوجئ مدير المهرجان ديتر كوسليك بانسحاب عضوين من لجنة التحكيم، هما الممثلة الفرنسية ساندرين بونير والمخرجة الدنماركية سوزان باير، لأسباب «شخصية»، فإنّ الأمر لن يؤثر ـــــ كما أكّد ـــــ على أعمال لجنة التحكيم التي يرأسها المخرج الفرنسي غوستا غافراس، صاحب فيلم Z الشهير، وتضمّ خمسة أعضاء بينهم الأميركي وولتر مورخ والممثلة الألمانية ديان كروغر. ينكبّ هؤلاء على مشاهدة 26 فيلماً من العالم أجمع ( 18 منها في أوّل عرض عالمي) تتنافس على جوائز الدبّ الذهبي والفضّي والبرونزي.

وإذا كان مهرجان «كان» يستحوذ على اهتمام المخرجين والمنتجين، فإنّ «برلين» الذي بات من المواعيد السينمائية المنتظرة كل عام، قد سجّل رقماً قياسياً في عدد الأفلام التي تقدّمت له: 5000 شريط اختير منها 400 تشارك هذا العام ضمن أقسامه المختلفة، أي المسابقة الرسمية، بانوراما، مسابقة الأفلام القصيرة، مهرجان سينما الطفل، مسابقة الفيلم الألماني، المنتدى. وهذه الأفلام من دول عدّة، تبدأ من إيران ولا تنتهي في الصين واليابان. ويخصّ المخرج الإسباني لوي بونويل بتحيّة خاصة عبر عرض سلسلة من أهمّ أفلامه...

«مهرجان برلين» أراد أن يراهن هذا العام على الأفلام التي تدور حول الموسيقى، وعلى الـ«ستار سيستم» (نظام النجوم)، لولا أنّ السياسة خذلته، بل اقتحمته من حيث لا يتوقّع...! من بين أفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، يراهن الجمهور والنقّاد على فيلم الأميركي بول توماس أندرسون «ستكون هناك دماء» الذي يمثّل فسيفساء ملحميّة عن بدايات الصناعة النفطية في كاليفورنيا. كذلك فيلم البريطاني مايك لاي «الطائش» الذي تدور أحداثه في لندن ضمن قالب كوميدي معاصر. كذلك يشارك المخرج جوني تو بفيلمه «النشّال».

ومن فرنسا، تشارك ثلاثة أفلام هي «أحبّك منذ زمن» لفيليب كلوديل، و«لايدي جاين» لروبير غيديغيان، و«جوليا» لإريك زونكا المستوحى من فيلم «غلوريا» (1980) لجون كازافيتس. أما المخرجة الإسبانية إيزابيل كوكسيت، فتشارك بـ«مرثاة» المقتبس عن رواية «الحيوان المحتضِر» للكاتب الأميركي فيليب روث. والفيلم من بطولة بينيلوبي كروز التي تلعب فيه دور طالبة توقع أستاذها (بن كيغسلي) في غرامها. كذلك يعود المخرج الإيراني اللافت مجدي مجيدي بفيلمه «ترنيمة العصافير».

ومع أنّه من المبكر الحكم الآن على مستوى الأفلام المشاركة، فإنّ الفيلم الصيني «بالحب نثق»، أعادنا بقوّة إلى أرض الواقع بعد فيلم سكورسيزي. إنّه فيلم للمخرج وانغ أكساوشواي، تبحث فيه البطلة عن طريقة تُبقي فيها ابنتها المريضة بسرطان الدم حيّة. والمخرج أكساوشواي من الجيل السادس في السينما الصينية (جيل ترعرع في الثمانينيات)، وهو بذلك يقف في وسط المسافة تقريباً بين المخرجين المشاركين هنا بأفلامهم. على البرنامج أيضاً شيخ المخرجين: البولوني أندريه فايدا الذي يقدّم فيلمه الجديد «كاتين» ضمن المسابقة. ويتناول الفيلم المجزرة التي ارتكبتها الشرطة السرية السوفياتية، بأمر من ستالين بحق 33 ألف ضابط بولوني بينهم والد المخرج في بلدة كاتين عام 1940. وفي المقابل، على البرنامج عدد من الأسماء الجديدة، مثل دنيس لي الذي يقدّم باكورته «النار في الحديقة» ضمن المسابقة. فيلمه من بطولة جوليا روبرتس ورايان رينولدز وأميلي واتسون، يعكس مدى الثقة التي منحها هؤلاء النجوم لمخرج يخطو خطوته الأولى في مجال السينما الروائيّة الطويلة...

والسؤال يبقى: هل تربح السينما الفقيرة في «برلين» الذي يُختتم نهاية الأسبوع المقبل بفيلم الأميركي ميشال غوندري «من فضلك، لفّها من جديد»؟ وهل ينتزع هذا العام أيضاً فيلم ذو ميزانية متواضعة جائزة «الدب الذهبي»؟ بعدما فاز بها العام الماضي فيلم دخيل على نادي المشاهير، هو «زواج تويا» للصيني وانغ كوانان. أيّام قليلة ونمتلك الإجابة!

يسري نصرالله وحده في مواجهة إسرائيل

في تمّوز (يوليو) الماضي، وصل مدير «مهرجان برلين» ديتر كوسليك إلى القدس، بدعوة من مهرجان القدس السينمائي الذي تنظّمه «سينماتك القدس» و«مركز الفيلم الإسرائيلي». كان همّ كوسليك البحث عن أفلام جديدة يستقبلها في دورة برلين الحالية. ممثّل ألمانيا التي ما زالت تبحث عن وسائل للتكفير عن خطاياها الفظيعة بحق اليهود، استجاب كثير من السينمائيين الإسرائيليين لدعوته الكريمة التي تتزامن مع الاحتفالات بما يراه الكيان الصهيوني «ذكرى استقلاله» الستين. وكانت النتيجة حشداً من الأفلام الإسرائيلية في الدورة الحالية من المهرجان، بينها «قلق» لعاموس كوليك في المسابقة، ويتناول رحلة جندي شاب إسرائيلي لملاقاة والده الذي رحل إلى الولايات المتحدة، وفيلمان آخران في تظاهرة «بانوراما». في المقابل، تتمثّل السينما العربيّة في الدورة الحاليّة بفيلم واحد موّلته شركات فرنسية وصندوق دعم أوروب وشركة «مصر العالمية». الفيلم الذي ينتظره الجمهور العربي بشوق، هو جديد المخرج المصري البارز يسري نصر الله «جنينة الأسماك». إنّه رحلة فنية مثيرة للاهتمام في عالم الإنسان المصري اليوم، عبر شخصيات تتعامل مع الحياة بخوف شديد... نتيجة الأوضاع العامّة محلياً ودولياً. أو مثلما تقول إحدى شخصيات الفيلم في اتصال هاتفي بالمذيعة ليلى (هند صبري): «أنا خايف من كل شيء. خايف من الطيور والبشر والحكومة والأميركان وإسرائيل». كل واحد في الفيلم يرتدي قناعاً يفصل بينه وبين الحقيقة: المذيعة خلف المايكروفون، المتصلون بها لا يكشفون أسماءهم، الدكتور (عمرو واكد) الذي يهرب من الناس إلى الأسماك ليراقبها... شخصيات تراقب بعضها بعضاً، لكنّها تنسحب وتنزوي داخل حياتها. إنه فيلم يدعو إلى التأمّل والتفكير، لكن للأسف يطير نصفه من بين يدي المخرج، ما إن يبدأ باستعارة شكل تقريري لقصّته، فيعرقل انسياب الفيلم.

يشار إلى أن الموضوع العربي موجود أيضاً في فيلم الإسرائيلي إيران ركليس صاحب «عروس سورية» (2004). فيلمه الجديد «شجرة الليمون»، يتناول قصّة امرأة فلسطينية (هيام عبّاس) تواجه قرار الحكومة قطع أشجار الليمون في حديقتها، لأنّها تمثّل خطراً أمنياً! يعرض الفيلم شجاعة امرأة عربية في الدفاع عن أرضها وحقوقها... لكنّ المحكمة تنتصر في الأخير للمواطنة الفلسطينية ضد الحكومة! هكذا يبيعنا الفيلم في النهاية صورة إيجابيّة لإسرائيل، بصفتها دولة العدالة والديموقراطية و... القانون!

الأخبار اللبنانية في 11 فبراير 2008

 
 

مهرجان برلين السينمائي يشعل شاشات الدورة 58 بالموسيقي وحزمة أفلام قوية:

سكورسيزي وفريق رولينغ ستون للأفتتاح والعرب تمثلهم جنينة الأسماك مصرية!

زياد الخزاعي

موسم المهرجانات الكبري انطلق مع افتتاح الدورة الثامنة والخمسين لمهرجان برلين السينمائي الدولي الـ برلينالة كما يحلو للالمان ان ينعتوه (من السابع وحتي السابع عشر من الشهر الجاري) وبعده باشهر ثلاثة يكون موعد المنافس الاكبر في كان. من هنا يضع متتبعو المنافسات بين الاحتفائيات الثلاث (معهما فينيسيا الايطالي) نصب اعينهم المآزق التي تواجه ادارة برلين في اختيار الانسب الي مسابقتها الدولية، من حيث ان غالبية المنتجين الكبار يضعون اهتمامهم ومزايداتهم علي المهرجان الفرنسي ذائع الصيت، فهل أفلح الرئيس ديتير كوسليك في رهانه هذه المرة، بعد الهنات القليلة التي شابت دورة العام الماضي وبارت من سمعة مهرجانه.

بدت الموسيقي وقد استهوت فريق كوسليك، فبعد خبطة فيلم المطربة الشعبية الفرنسية اديث بياف واختياره كفيلم افتتاح العام الفائت، وقع الاختيار هذه المرّة علي الشريط الوثائقي الذي انجزه صاحب شوارع وضيعة و سائق التاكسي و الثور الهائج و المرحلون المُعلم الاميركي مارتن سكورسيزي الذي حمل عنوان احد اغنياتهم لمعان الضياء صور فيه ساعات طويلة بمساعدة عشرة من افضل مدراء التصوير في العالم بينهم روبرت ريتشاردسون (الذي صور شريط الملاح لسكورسيزي) وجون تول (صور الساموراي الاخير لادورد زويك) واندرو ليزني (صور سيد الخواتم لبيتر جاكسون) وروبرت السويت (صور ستكون هناك دماء لبول توماس اندرسون) و ستوارت درابيره (صور البيانو لجين كامبيون) والين كوراس (صورت صيف سام ) وهناك ايضا ميتشل امندوسين وايمانويل لوبيزكي وديكلان كوين. وفي هذا الشريط الكثير من حكايات الفريق الغنائي الذي يعد من المؤثرين الي حدٍ بعيد في شيوع موضة موسيقي الروك اند رول . وتتداخل الحكايات بين ماضٍ وحاضر مع ضيوف مرموقين مثل الرئيس السابق بيل كلينتون والمغنية كريستينا اوغيليرا من بين آخرين.

و لم ينس فريق كوسليك دعوة المطربة مادونا التي ستقدم باكورتها الطويلة قذارة وحكمة (في فقرة البانوراما) مع الممثل البريطاني ريتشارد اي غرانت وفريق غوغل بورديلو والذي وُصف بانه خليط من الكوميديا والموسيقي والدراما والغرام، وتدور احداثه حول مهاجر روسي يعيش ويرتزق في بريطانيا اليوم. كما يحتفي الفيلم الوثائقي هفي متيل في بغداد الذي حققه الثنائي ادي موريتي وسوروش الفي بنوع آخر من موسيقي تعود الي زمرة اشد صخباً من اصولها المتمثلة بـ البانك وتمتاز بدعواتها الي التمرد واعدام التقاليد الاخلاقية والاجتماعية. ويتابع الفيلم خمسة شباب عراقيين يؤلفون ـ اثر احتلال البلاد وسقوط النظام السابق ـ فرقة تعزف الـ هفي متيل في اقبية، قبل ان يستهدفهم التهديد بالقتل علي اعتبار ان فنونهم بُدع غربية، ليهربوا الي تركيا حيث يستقرون الآن، ويصورالثنائي بعضاً من العروض الستة التي نجحوا في تحقيقها داخل احياء مختلفة الطبقات والمنابت في بغداد.

تحتفي هذه الدورة بجهبذين سينمائيين: الاول صاحب سلفاتوري جوليانو و قضية ماتي و لوكيانو المحظوظ و الايدي فوق المدينة و المسيح توقف في ايبولي الايطالي فرانشسكو روزي (85 عاماً) وسيعرض له 13 عملاً تشكل ضميراً سينمائياً اوروبياً كرسه الي تعرية فساد السلطات والمؤامرات الدولية والمافيات والنهوض الاشتراكي وانكساراته والبطولات الفردية التي تؤدي بنماذجها البشرية الي الاقصاء والتدمير المقنن. روزي استاذ كبير في الفيلم السياسي وخطاباته التي عنت كثيراً بالشأن الايطالي ما جعل اعماله مانفستوات قاسية النقد، جارحة بواقعيتها الاجتماعية. والثاني هو الاسباني الراحل لوي بونويل حيث اختار فريق كوسليك ثمانية افلام عمل فيها في ريعانه السينمائي، فسيتم عرض الكلب الاندلسي (1929) الذي يعد الفيصل التاريخي للسينما السوريالية ومقابله عملا جان ابشتاين انهيار منزل آل اشر (1928) و موربرات (1926) الذي عمل فيهما بونويل مساعد مخرج وقام بتأدية ادوار ثانوية! ومن المرحلة الاسبانية سيعرض السيد كوينتن الحزين و ابنة خوان و ومن يعشقني؟ و حرس انتباه التي عمل فيها كمنتج منفذ. وفي المكسيك اقتبس فيلماً قديماً واخرجه تحت عنوان ابنة الاحتيال (1951)، ومن الولايات المتحدة حيث اقام لفترة قصيرة ستعرض الحلقة السينمائية اليتيمة التي كتبها بونويل للمخرج روبرت فلوري الوحش بخمسة اصابع (1946) والمستوحاة حول يد المخرج الاسباني ! (اعاد الامر ثانية بسوريالية اوسع ذكاء في الملاك الفاني (1962).

ضيف الدورة هو نجم النجوم الهندي شاه روخ خان الذي سيتوج الاحتفاء الاستثنائي بسينما بوليوود ليعرض له شريطه الغنائي الاخير اوم شانتي اوم اخراج فراح خان والذي يداور العناصر التقليدية للحب والغيرة والغدر والموسيقي والرقص علي خلفية فيلم داخل فيلم حول منتج شاب في السبعينات يحاول اختراق السوق وتحقيق المجد ليتعرقل بعشقه لممثلة فيلمه الحسناء شانتي (النجمة ديبيكا بادكوني) التي ستقع تحت اغواء زميلها الوسيم مانجو كومار! ومن بين المحن ينهض الولاء الثنائي الخالد، فيما الكاميرات تصور الحكايات المتداخلة داخل استوديوهات يتماهي فيها الواقعي مع المتخيل كعادة بوليوود. الي ذلك ستعرض ستة افلام اميركية تحت عنوان حرب الداخل بمناسبة الذكري الاربعين علي تأسيس كونغرس فيتنام في برلين بمبادرة من اتحاد الطلاب الاشتراكيين الالمان عام 1968 ومن بين ابرز العناوين ماش (1970 سعفة كان الذهبية) للمخرج روبرت التمان، كاتش 22 (1971) لمايك نيكولز عن رواية جوزيف هيللر ذائعة الصيت، القبعات الخضر (1968) لراي كيلوغ والذي يعد من اكثر نتاجات هوليوود يمينية فيما يخص شؤون العسكريتاريا ودمويتها. والفيلم احد مفاخر النجم جون واين ودمغة ولائه الي القطبية الفاشية في الادارة الاميركية إبان الحرب علي فيتنام، و العودة الي الوطن (1978) لهال اشبي والذي حصلت جين فوندا علي اوسكار افضل ممثلة عن دورها فيه كزوجة ضابط كبير تتوله بجندي معطوب خلال تطبيبه في مصح عسكري تطوعت للعمل فيه ابعاداً لمللها!

كامبوس المواهب الذي يعقد في الموازاة مع نشاطات كثيرة هو من الفعاليات النادرة عالمياً، وتتقاطر علي ادارته اغلب المهرجانات الدولية (ومنها عربية) لاستعارة الفكرة والخبرة التي جعلت منه احد اكثر التجمعات ديناميكية في اكتشاف المواهب، ويسندها في ذلك الصندوق العالمي لدعم الفيلم الذي اعلن قائمته الفصلية التي ضمت جديد صاحب عطش الفلسطيني توفيق ابو وائل تناظر من بين آخرين. وستحاضر علي العشرات من الضيوف الشباب قامات سينمائية تعرض خبراتها وتستمع الي افكارهم في محاولة جماعية باهرة النشاط لشحذ الهمم في توضيب نصوصهم ومساعدتهم علي تأمين فرص انجازها عبر التوصيات التي سيرفعونها الي ادارة المهرجان، ومن بين الاسماء البريطاني مايك لي (له اسرار واكاذيب ) ومواطنه الطليعي مايك فيغس (له مغادرة لاس فيغاس ) والهنغاري اشتيفان زابو (صاحب مافستو 1981) واليوغسلافي الاشكالي دوسان ماكافيجيف الذي قلب موازين الفيلم الايروتيكي بدراسته السينمائية الفذّة دبليو. ار. ـ اسراراللذة (1971) والموسيقي الارجنتيني الشهير غوستافو سانتا اولالا الذي وضع موسيقي فيلم جبل بروكباك لانغ لي ومصمم المناظر السينمائية الفنان البريطاني اليكس ماكدويل الذي انجز مشهديات مشهود بفنيتها مثل نادي العراك لديفيد فينتشر و قاعة الوصول لستيفن سبيلبيرغ و تشارلي ومصنع الشوكولا لتيم بيرتون. ومن النشاطات الاخري تخصيص فقرة نظرة علي افريقيا التي ستجمع عدداً من السينمائيين الافريقيين الشباب وزملاءهم من المكرسين في ورشات عمل ومحاضرات. وهناك فقرة فريدة عنوانها عواطف مصورة سيتطرق المتنادون فيها بحثاً في الكيفية التي عالجت بها السينما العواطف والمشاعر وحكايات الغرام والوجد والعائلة ومؤسسة الزواج والخلفة وغيرها، وما هي المتغيرات التي اصابت الشريط العاطفي في السنوات الاخيرة.

سوق الفيلم في الـ برلينالة يشدّ من عضده الاقتصادي عاماً اثر آخر بما يشكل مزاحمة جدية لنظيره في كان الفرنسي. هذه الدورة ستشارك فيه 420 شركة انتاج وتوزيع وعروض من خمسين دولة بزيادة 44 شركة جديدة تنضم الي الكاتلوغ الضخم (اضافة الي تواجد 636 شركة شراء للحقوق والتوزيع بزيادة 10% عن العام الماضي) وستستعمر طوابق بناية واحد من ارفع المتاحف شأناً في العاصمة الالمانية، بما يدل علي الاهمية التي يوليها مسؤولوها الي المهرجان واستقطاباته التجارية. وستعرض ضمن صالات السوق 700 فيلم بزيادة 75% عن عروض الدورة الماضية).

وبالتعاون مع معرض فرانكفورت للكتاب سيحضر 36 ناشراً اضافة الي عدد من المؤسسات الثقافية الاوروبية ليطرحوا خلال يوم عمل عناوين مختارة يقترحونها ويبيعون حقوقها للاقتباس السينمائي ومنها الفتاة بتسعة اصابع للايا لابرغاس (هولندا)، خياطي سورغ شلاندون (فرنسا)، سيدة من بيونيس ايريس لجون لانتيغو (المانيا) من بين عشرة عناوين اخري.

سينما العرب كعادتها تتراجع حظوظ مشاركاتها دورة بعد اخري، ويبدو ان همّ مسؤولي شؤونها لا يذهب بعيداً عن نخوّة مبدعيها الذين يمارسون انكفاء غير مبرر الدوافع تجاه تواجد عناوينهم ضمن عروض عالمية شديدة التأثير علي السوق وعطاياه الانتاجية والتوزيعية. وكما تفشل حلقات دراسية حول الانتاج المشترك التي استضافتها مهرجانات عربية، يفشل المنتج والموزع العربيان في اختراق حلقات اوروبية مشابهه واضعاً شروطه التسبيقية غير المنصفة في معظمها ويفرضها علي حاله، قبل وجوب توجيهها الي ادارة تلك المحافل وتحريضها علي عقد اتفاقات تآخ علي غرار ما فعله اهل السينما الايرانيون منذ عامين مع الـ برلينالة ، بيد ان نفير العرب يذهب نحو وجهة اخري وطرف اخر هو جدار من العناد والاستخفاف (يستضيف كامبوس المواهب حلقة دراسية عن مصر وسينماها بحضور المخرجة والناشطة السينمائية صاحبة شركة سمات هالة جلال والمخرجة والمؤلفة الاكاديمية فيولا شفيق)
الوحيد الحاضر هذا العام هو شريط جنينة الاسماك للمخرج المصري يسري نصر الله الذي سيعرض ضمن الـ بانوراما ودعم انتاجه الصندوق الدولي للفيلم ما فرض علي صاحب مرسيدس و المدينة و باب الشمس ان يضمن تواجده قبل ان يُسمح له لاحقاً المشاركة في مهرجانات اخري وعروض اسواق دولية (منها مسارعة مهرجان الفيلم العربي في روتردام الهولندية بدعوته الي المشاركة ضمن مسابقته الرسمية في حزيران المقبل). واعتماداً علي نص ناصر عبد الرحمن الذي كتب هي فوضي ليوسف شاهين و حين ميسرة لخالد يوسف، يتابع نصر الله خلال ثماني واربعين ساعة حياتي ارادتين انسانيتين ليلي (هند صبري) مقدمة برنامج اسرار الليل الممسوسة بفضولها في معرفة خفايا الناس واسرارهم التي تتوافر لها عبر اتصالاتهم الهاتفية الشخصية. تعيش هذه الشابة حياة طلقة ترتاد فيها المراقص وتمارس الرياضات وتمضي اوقاتها في التسوق، بيد انها تعاني من شحة عواطفها ووحدتها. علي طرف نقيض وفي حي آخر من العاصمة المزدحمة يعمل يوسف (عمر واكد) صباحاً في مستشفي معروف كمخدر وليلاً في كلينيك خاص تجري فيه عمليات اجهاض غير قانونية. ولع هذا الشاب هو سماع هذيانات مرضاه وهم يدخلون المنطقة الرمادية بين عالمي الصحو والتخدير، ليعيد عليهم بعد افاقتهم كل اسرارهم وفضائحها! يعيش يوسف في سيارته فهو كائن متنقل لا يرسو علي امرأة او مكان حتي لقائه بليلي لتنقلب موازين حياتهما الي الابد. كتب نصر الله عن فيلمه كتقديم في كاتالوغ المهرجان: انه صورة القاهرة اليوم. المتاهة التي تشبه تلافيف المخ المدمرة نفسها بنفسها ولا تبيح لأناسها فرصة التعبير عن مشاعرهم الباطنية الا حين يهذون او يتحدثون عن حالات ضيقهم. عشاقها يتوارون في الشوارع المظلمة ليختلسوا عناقاتهم! . وهناك مشاركة تتخذ شكل المفاجأة من العراقية الاصل الكوستاركية المواطنة عشتار ياسين غوتيرس ضمن خانة الـ فورم (التي تقابل نظيرتها اسبوعي المخرجين في كان ) وباكورتها الروائية الطريق وهو اول فيلم طويل تنتجه وتخرجه امرأة من دول اميركا الوسطي. ولدت المخرجة ـ وهي من اب عراقي يمتهن الاخراج والتمثيل المسرحي وام راقصة ومصممة رقصات ـ في موسكو حيث درست في معهد الدولة للسينما قبل ان تستقر معهما في سان خوزيه. انجزت اول افلامها التلفزيونية عام 1998 وعرفت اهتماماً نقدياً مع فيلمها القصير فلورنس الانهار العميقة وسمك القرش الكبير عام 2000، الطريق الذي يتنافس علي جائزة الفيلم الاول التي استحدثتها الـ برليناله عام 2006 هو رحلة مضنية لصبية تدعي ساسيلايا (12 عاماً) تصحب شقيقها الصغير ويعبران الغابات والبراكين والانهار والجبال متجهين نحو ماناغوا بحثاً عن والدتهما التي تخلت عنهما وهاجرت بحثاً عن الرزق. يناور الفيلم كما هو متوقع علي ثيمة اللقاءات التي تصادفهما مع شاب يدير مسرحاً للدمي وآخر يبيع كل شيء ومهاجرين سريين ومخبرين وساقطي ضمائر.

العراق وحضوره السياسي مع تداعيات الحرب الاميركية علي اراضيه سيحقق خضة مرتقبة ضمن المسابقة الرسمية مع جديد المخرج الاميركي المميز ايرول موريس اجراءات المهمات الاعتيادية الذي تحامل فيه علي فظاعات الجيش الاميركي في اروقة وزنازين سجن ابو غريب سيء الصيت. والعنوان تصريف عسكري يزكي عمليات ذات طابع سري. ويذهب صاحب ضباب الحرب (اوسكار 2004) و الخط الازرق الناحل (1988) الذي حرض علي اعادة النظر بقانون الاعدام في الولايات المتحدة الي العمق العراقي مستقصياً التدمير النفسي والاخلاقي لضحايا عراقيين امتهن المجندون كراماتهم، واثارت صورهم العارية احتجاجات غير مسبوقة سيعيد صداها شريط موريس ليثير لغطاً متوقعاً.

لجنة تحكيم المسابقة الرسمية ستكون تحت رئاسة المخرج المخضرم الفرنسي الجنسية اليوناني الاصل كوستا غافراس (له زد و حالة حصار من بين افلام اخري هامة) والمؤشرات تنبئ بأن تكريماتها ستكون صعبة نظراً للنوعية عالية الجودة التي امتازت بها خيارات طاقم كوسليك والتي ستضم 26 فيلماً طويلاً منها 18 عرضاً عالمياً، خلافاً لعناوين ضعيفة لم تستأهل التواجد في مسابقة دورة 2007. شريط الاميركي بول توماس اندرسون ستكون هناك دماء سيحوز علي الاهتمام الاكبر مع عرضه الاوروبي الاول والسبب الحملات الاعلامية التي رافقت ترشيحاته السبعة الي اوسكار هذا العام، والجوائز التي تناثرت حول ممثله الاول الايرلندي دانيال داي لويس الذي يملك حظوظاً كبيرة للفوز بجائزة افضل ممثل في الـ برلينالة الحالية. الفرنسي اريك زونكا الذي نال مديحاً نقدياً بفيلمه الحياة الحالمة للملائكة (1998) اقتبس شريط زميله الاميركي الراحل جون كازافيتس غلوريا الذي انجزه العام 1980 ليعيد صياغته تحت اسم جوليا مع البريطانية تيلدا سونتون عن مدمنة تخطف طفلاً وتهرب الي المكسيك. وفي شريط حدائق الليل للبريطاني داميان هاريس تتعرض طفلة الي الاختطاف والتشرد لكنها بعد تسعة اعوام تلتقي بمنقذها. من ارتيريا الي المانيا يسرد المخرج الايطالي لويجي فالوريني الذي اكتسح المشهد السينمائي العالمي بفيلمه الاخاذ حكاية الجمل الباكي حكاية الطفلة سينايت مهاري التي تُرغم علي القتال ضمن المليشيات قبل هروبها. وهناك طفل آخر تدور حوله احداث فيلم المخرج الفرنسي روبرت غوديغوايان الليدي جين حول عصابة لصوص تجتمع ثانية لحل لغز اختطاف ابن احدهم. فيما تقتبس صاحبة احبك باريس (2007) و الحياة السرية للكلمات (2006) المخرجة ايزابيل كويزيه رواية فيليب روث الحيوان الميت وتطلق عليها عنواناً جديداً اكثر شاعرية هو المرثاة مع القدير بن كينغسلي في دور استاذ اكاديمي يدرس في جامعة نيويورك يتحول خارج حرمها الي زير نساء، قبل ان تنقلب حياته مع تعرفه علي غونزيلو الكوبية (بينلوب كروز).

الصيني وانغ تسياو اوشيواي الحائز علي الدب الذهبي عام 2001 عن دراجة بكين يعود للتنافس بجديده في الحب نثق عن سيدة تجهد في اقناع زوجها بحمل جديد لاستخدام نخاع الوليد في انقاذ شقيقته المصابة باللوكيميا. اما مواطنه جوني تاو فيقدم طائر الدوري عن فرقة نشالين تسحرهم امرأة غامضة تطلب منهم سرقة مفتاح!

وكثيمة جغرافية تمتحن العواطف والبعاد وغرباته سيكون لتداخل العواصم حضور بارز كما في شريط الكوري الجنوبي هونغ سانغ ـ سو ليل ونهار حول رسام تشكيلي يتخلي عن زوجته ويرحل الي باريس ملتحقاً بعشيقته الطالبة، فيما تصور زميلته الالمانية دوريس دوري في الكرز يبرعم رحلة رجل من برلين الي طوكيو كي يحقق حلم زوجته الراحلة. وينقل الاسرائيلي عاموس كوليك بطل حكاية فيلمه قلق استاذ الجامعة من نيويورك الي اسرائيل كي يلتقي بابنه الذي تخلي عنه صغيراً، بيد ان الايراني المميز مجيد مجيدي سيُرحل بطل فيلمه ترنيمة الدوريات راعي مزرعة تربية النعام من الريف المنعزل الي صخب العاصمة التي يَقدِم اليها بعد ان طُرد من عمله عُسفاً ليضرب التغيير القاسي اعماقه وقناعاته.

المخضرمان البولندي اندريه فايدا (له قنال 1957 و رماد والماس 1958) يعود ثانية الي الملف النازي في كاتيان (خارج المسابقة) ليصفي جزءاً من حساباته التاريخية ولكن هذه المرّة مع الفظائع السوفييتية ـ حسب وثائق يدعي الحصول عليها ـ ضد المدنيين البولنديين في الايام الاخيرة للحرب العالمية الثانية، اما البريطاني مايك لي فينتصر في السعيد محظوظ الي حكاياته المتهكمة علي مآلات الحال الاجتماعي الضاغط لبطلته معلمة المدرسة التي تحيط بها الكروب من دون ان تفقدها ملاحتها وقوة صبرها.

في حين خصصت فقرة بانوراما (تضم 18 فيلماً في البرمجة الرئيسية و15 ضمن العروض الخاصة و18 فيلماً وثائقياً. ومن المجموع هناك 31 عرضاً عالمياً أول منها 17 عنواناً اعمالاً اولي لمخرجيها) الفيلم الاسرائيلي شجرة الليمون للمخرج ايران ريكليس فيلم افتتاح عروضها وهو من بطولة الفلسطينية هيام عباس التي تؤدي دور سيدة عربية يصدر وزير الدفاع قراراً بتدمير حقل الليمون ومصادرة ارضها مما يدفعها لخوض معركة قانونية عصيّة.

ناقد سينمائي من العراق يقيم في لندن

القدس العربي في 11 فبراير 2008

 
 

يوميات مهرجان برلين السينمائي الدولي ... (3) 

يبدأ بلقطات ليلية لشوارع القاهرة.. “جنينة الأسماك” فيلم يحتاج إلى سينما

برلين -محمد رضا

يبدأ فيلم يسري نصر الله الجديد “جنينة الأسماك” بتمهيد جيّد: لقطات على حوض سمك وقبل ذلك وبعده أشكال فنيّة غير واضحة، ثم لقطة ليليلة لشوارع القاهرة المزدحمة بالمارّة كما بالسيارات في إيحاء لا بالزحام فقط، بل بعالم المدينة، وحياة القاهرة، ومصر اليوم. كذلك يوحي المشهد بأننا أمام انطلاقة رائعة للمخرج الذي أنجز حتى الآن سلسلة من الأفلام اللافتة والتي أحدثت نقاشات على المستويين الثقافي والسياسي من ناحية والفني من ناحية أخرى.

يصاحب هذا التمهيد حيث تنزل الأسماء مثل نقاط المطر صوت بطلة الفيلم ليلى (هند صبري) يشق صمت المشهد كما كان صوت كلينت ايستوود في فيلمه الأول كمخرج “أعزف ميستي”. كلاهما مذيع في الراديو لديه برنامج ليلي متأخر يتلقى فيه الطلبات او الاسئلة. بالنسبة إليها الاسئلة أكثر من الطلبات وهي تشرك المستمع فيما يدور بينها وبين المتصلين. لكنها كما تعترف لاحقاً، بعدما نتعرّف إلى صورتها أيضاً، بأنها تسجل البرنامج ما بين التاسعة والثانية عشر ليلاً ثم تدخل به المونتاج لتختار ما تبثّه في الساعة الثانية صباحاً.

حياتها العاطفية لا يمكن أن توصف بالاستقرار. إنها امرأة غير متزوّجة، تعيش مع أمّها في بيت مرتاح، علاقاتها العاطفية السابقة ليست في صميم الحياة حالياً لكنها وحيدة في الحياة كما هي وحيدة وراء المذياع. مهندس الصوت (باسم السمرا) هو صديق قريب منها بعيد بسبب المسافة التي تضعها بينهما. لديه رغبة في مساعدتها لكنها لا تتبدّى الى فعل ما. ربما لا يعرف كيف.

في الناحية الأخرى، هناك الدكتور الشاب يوسف(عمرو واكد) الذي يعمل في عيادتين كممرض تخدير. في الأولى يشرف على

متابعة علاج والده (جميل راتب) المريض بالسرطان. والعلاقة بين يوسف وأبيه لا تخلو من الغرابة، فالأب لديه ذوق غريب في التعامل مع ابنه: لا زال دائم الانتقاد له، وفي مطلع الفيلم يخبره بأنه لن يأخذ أبرة المورفين لتخفيف ألم العظام الذي يشكو منه الا إذا أخذها الابن أولاً. ونظراً لحبه الشديد لأبيه يستجيب الابن.

العيادة الثانية هي عمله الليلي. إنها عيادة متخصصّة بالحالات النسائية الخاصّة حيث تلجأ إليها النساء الباحثات أو اللواتي يردن الخضوع لعمليات اجهاض. مثل ليلى هو مستمع مثالي للآخرين. يصغي لما تقوله النساء اللواتي يضعهن للنوم تمهيداً لقيام الطبيب بإجراء العمليات ويصغي للبرنامج الذي تقدّمه ليلى بل يتصل أكثر من مرّة للمشاركة.

هذا في الأساس هو الخط الرئيسي الذي صاغه السيناريست ناصر عبد الرحمن (“هي فوضى”، “حين ميسرة”) وصنع منه المخرج نصر الله فيلمه الجديد بعد “سرقات صيفية”، “مرسيدس”، “صبيان وبنات”، بالإضافة الى فيلمه الأخير “باب الشمس”.

هناك شخصيات تدخل وتخرج من الحكاية الرئيسية وما نلاحظه فيها أنها، مثل البطلين، تمارس أعمالها من وراء حجاب. أساساً، ليلى متسلّحة بصوتها الحني وراء المذياع. المتصلون بها، بينهم يوسف، كل متسلح أيضاً بصوته على الهاتف. قليلون جدّاً من يعطونها أسماءهم. الغالبية تفضّل أن تبقى في ستارة من الليل والكتمان. أحد أصدقاء يوسف، وهو ليس من النوع الذي لديه صداقات كثيرة، يهوى الحديث عن العواطف في الهاتف مع النساء اللواتي يتعرّف إليهن فقط بهذه الطريقة وغالباً فقط ضمن هذه الحدود. باقي الستائر العازلة هي من رغبة المخرج المباشرة حيث الشخصيات بأسرها تبقى كما لو كانت ومضات بعيدة غير واضحة الا بالمقدار المطلوب لتقديمها على هذا النحو .

كل شيء يبدو ملائماً لفيلم فني. والفيلم حالة “فنيّة” بلا ريب. صياغته فنيّة الهدف وعالمه فنّي التأليف ومعالجته التصويرية والمونتاجية “فنيّتان” بالاستناد الى الرؤية التي حاول المخرج التوصّل إليها في هذا العمل، كما في أعماله السابقة التي كان معظمها أكثر صخباً وحركة ولو أن ذلك وحده ليس مقياساً للأحسن او الأسوأ.لكن العطل يحدث باكراً في فيلم نصر الله “جنينة الأسماك”. مباشرة بعد المقدّمة يبدأ الفيلم بتقديم نفسه كشرائح لا تلتقي. طبعاً هذا ضمن الرؤية الفنية المقصودة، لكن نجاح هذه الخطّة يتطلّب خامة من الحساسية الشخصية نجدها هنا مؤلّفة وليست نابعة من الداخل. الأحداث اذ تتوالى، هي مزيد من الشرح حول العالم الذي تعيشه القاهرة اليوم. لذلك هناك ذكر، ليس أكثر، للمتطرّفين والليبراليين وللتعايش الإسلامي- المسيحي المنفتح وإيحاء بشخصيات تجد متعتها في استرقاق السمع. نظرة سوداوية على كل شيء أكثر منها نقدية لأي شيء.

والطامّة الأكبر هي في الفيلم من حيث سياقه وترابطه ووحدة هذا الترابط المنشودة. في الفيلم، وبعد تقديم الشخصيات روائياً، محطّات تتوقّف فيها الأحداث وتتعطّل فيها المسيرة الدرامية ليتم تقديم بعض تلك الشخصيات في حديث مباشر للكاميرا. كل شخصية تتحدّث عن نفسها قليلاً وعن الشخصية الأخرى كثيراً. وبعض المشاهد المذكورة أطول من أخرى لكنها جميعاً تخفق في تقديم التبرير للسبب الذي ينتقل به الفيلم من روائي الى تسجيلي ولو أن النسبة محدودة. هذه النسبة المحدودة كافية لأن تلغي ترابط الفيلم، في الوقت الذي يتهادى فيه كل شيء في النهاية الى مستوى ضعيف من التعبير عن الكل المرغوب التعبير عنه. الحالة الماثلة لا تتبلور صوب رسالة (لا واضحة ولا مواربة) وهذا على عكس المقصود في الفيلم.في مطلعه نسمع ما يعدنا بعمل جيّد. أحد المتّصلين بالبرنامج الليلي المسمّى “أسرار الليل” يقول: “أنا خايف من كل شيء. خايف من الطيور والبشر والحكومة والأمريكان “واسرائيل”” لكن هذا هو الأمد الأمثل لتلخيص الوضع والذي كان يمكن أن يكون كافياً خصوصاً ولو عاد إليه المخرج بطريقة ما. لكن يسري نصر الله لاحقاً ما يختار رموزاً هشّة او فجّة لهذا الخوف بينما يأتي تصويره لمظاهرات ضد الفساد تقوم بها حركة “كفاية” مجرد يافطة تخبرنا بأن الفيلم له علاقة نقدية بالوضع القائم، لكنها في الحقيقة علاقة نظرية تحتاج الى سينما.

المفكرة

* تم بيع الفيلم “الإسرائيلي” التي تحدّثنا عنه أمس الى الدول التالية وذلك خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية: اليونان، إسبانيا، كندا، سويسرا وإيطاليا. الفيلم الذي موّلته شركة “إسرائيلية” وأخرى فرنسية لا يزال يسعى لإيجاد صفقة توزيع أمريكية.

* النازيون كانوا صعدوا القمر في العام 1948 (عام الهزيمة ونهاية الحرب العالمية الثانية) وفي العام 2018 سيعودون الى هذا الكوكب.هذا هو محور الفيلم الفنلندي المجري الإعداد لتصويره هذا العام بعنوان “سماء حديدية” وسيكون -كما يمكن الملاحظة- فيلماً كوميدياً وخيالياً في ذات الوقت. الشركة المنتجة (أرجيا بردوكشنز) سبق لها وأن أنتجت فيلماً من هذا النوع نال إقبالاً سكندنافياً قبل عامين.

* المخرج الروسي نيكولاي ميخالكوف وصل الى المهرجان الألماني لحضور صفقة بيع فيلمه الجديد “12” الى شركة صوني كلاسيكس المعروفة.

الفيلم المرشّح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، هو اقتباس روسي للفيلم الأمريكي “اثنا عشر رجلاً غاضباً” الذي كان سيدني لوميت أخرجه في الستّينات حول 12 رجلاً هم محلّفين في محاكمة قضائية. كل المشاعر ضد القاتل لكن فرداً واحداً (هنري فوندا في ذلك الفيلم) يرتاب في أن المتّهم مذنب بالفعل ويسعى لتغيير آراء من حوله ما يستدعي نزاعات.

* وصل كل من الممثلة الإسبانية بنيلوبي كروز والممثل البريطاني بن كينجسلي والممثل الأمريكي بيتر سارسغارد الى المهرجان أمس لحضور العرض العالمي الأول لفيلم “مرثاة” الفيلم الأول لمخرجته إيزابيل كواسيت منذ 12 عاماً.أكّدت الممثلة كروز أنها دخلت حقل الإنتاج وأن فيلمها الأول في هذا الشأن سيتم تصويره في إسبانيا خلال هذه السنة.

تيلدا سوينتون مرشّحة لجائزة أفضل ممثلة

فيلم “جوليا” للمخرج العائد بعد غياب طويل إريك زونكا مستوحى من فيلم “جلوريا” الذي أخرجه جون كازافيتيس ببراعة سنة 1980 وكرره سيدني لوميت برداءة سنة 1999.

في ذلك الفيلم نشهد الممثلة جينا رولاندز (في الفيلم الأول والتي كانت أيضاً زوجة المخرج الراحل) وشارون ستون (في الفيلم الثاني) وهي تستلم مهمّة لم تكن ترغبها: رعاية وحماية ولد دون الثانية عشرة تسعى المافيا لقتله لأن والده، الذي اغتالته تلك المافيا، أعطاه كتاباً يكشف عملياتها ما يشكّل خطراً عليها. الفيلم الأول لم يكن مجرد عمل بوليسي او أكشن سريع، بل إبراز حي للمرأة في مواجهة نفسها والعالم. من ناحية هي امرأة لديها حياة أنهكت روحها المتمرّدة، ومن ناحية أخرى تجابه عالماً يصر على ألا يعرف الرأفة لا بها و-لاحقاً- لا بالصبي السبب المفاجئ لأوجاع جديدة ومخاض من التطوّر غير المحسوب.في الفيلم الجديد “جوليا” المشترك في مسابقة برلين، فإن الاستعارة ماثلة من حيث أن فيلم زونكا يتمحور حول المرأة والصبي مرّة أخرى لكن المعالجة أقل من مجدية. فيلم يقف في منتصف الطريق بين العمل بحساسية فنيّة والعمل بروح السوق التجارية.حين أخرج كازافيتس فيلمه ذاك بنفس الروح أنجز نجاحه بتجنّب أن يكون حالة وسطى وذلك بحسن بلورته الشخصية الرئيسية وحسن توظيفه لمدينة نيويورك كشوارع وكثقافة حياة وكبيئة وحسن وضع المشاهد التي تحمل فيها غلوريا المسدّس لحماية الصبي في إطار من الحاجة وليس في إطار من الرغبة في الوصول بالفيلم الى رواج تجاري. لذلك هو فيلم جيّد إذ نتج عن رؤية مسبقة لما يريد الفيلم أن يكون.مشاكل “جوليا” تبدأ من أن السيناريو يزيد ويكرر حالة التوهان الذي تمر به بطلة الفيلم كما تؤدّيها تيلدا سوينتون. أساساً يريد تقديمها مباشرة فيصوّر جنوحها صوب ضياعها الكامل. هذا عوض أن يقدّم نبذاً من ذلك في سياق الحدث الأساسي نفسه. لاحقاً، تتوالى الحكاية الرئيسية ذاتها بمحطّات تشويقية لا بأس بها لكن بكثير من الحاجة غير الضرورية للتأكيد والتشديد. القصّة تختلف عن الفيلم السابق من حيث أن جوليا تخطف صبيّاً من أب أمريكي وأم مكسيكية بناء على رغبة والدته التي وعدت بمنح جوليا خمسين ألف دولار.جوليا تكتشف أن الأم ليس لديها أي مال لكن ذلك لن يقف حائلاً دون إتمام العملية ليس لمصلحة الأم، بل لمصلحة الجد المليونير وغايتها ابتزازه وحثه على دفع مليوني دولار. هذا قبل أن تكتشف أن الرجل أبلغ البوليس حيث أصبحت بدورها طريد العدالة. بالصبي تهرب الى المكسيك حيث تقع في قبضة عملية تهدد حياة الصبي الذي لا تكن له عاطفة لكن هذا التطوّر الجديد هو بلورة حسّها بالمسؤولية وتحويلها الى إمرأة ذات قيمة.هناك سبب واحد في أن هذا الفيلم يبقيك متابعاً جيّداً رغم هوانه إخراجاً وكتابة. هذا السبب الواحد هو بطلته تيلدا سوينتون. من الكليشيهات أن نقول إنها تحمل الفيلم بأسره، لكن هذه هي الحقيقة هنا. الرابط الوحيد بين ترهاته وتحوّلاته واستطراداته الزمنية والمكانية. تيلدا، التي آخر ما شاهدناه لها هو دورها في فيلم “مايكل كلايتون” كرئيسة في مؤسسة كيماوية تشرف على عملية اغتيال لإسكات صوت متعاون في قضية تسمم، جريئة في تشخيصها ولا تترك أي عوازل او مسافات بينها وبين جوليا- الشخصية.أساساً هي امرأة جديدة في كل دور. وقابلة للتصديق في كل شخصية. ولدت في العام 1960 وبدأت التمثيل السينمائي بعد تجربة مسرحية (شكسبيرية ) في منتصف الثمانينات لكنها بقيت في الظل طويلاً الى أن ساعدها فيلم “أورلاندو” (1992) وفيلم “منطقة الحرب” (1999) على التقدم خطوات خجولة صوب الشهرة.وحين ينتهي المهرجان في الأسبوع المقبل لن يكون مفاجئاً منحها جائزة أفضل ممثلة. ليس فقط أنها تستحق لتاريخها، بل هي- وحتى الآن- أفضل ممثلة متواجدة على شاشات هذا المهرجان بالفعل.

أرشيف المهرجان 1985

الفيلم: أماكن في القلب

المخرج: روبرت بنتون

هذا الفيلم الذي خرج بالجائزة الفضيّة وخرج صاحبه بنتون بجائزة أفضل مخرج (ولاحقاً معاً فازا بالأوسكار) دراما اجتماعية حانية من بطولة سالي فيلد وإد هاريس وداني كلوفر. قصّة أرملة مات زوجها الذي كان شريف البلدة التكساسية وتكالبت عليها الديون، وها هو المصرف يريدها أن تبيع الأرض وربما بسبب حاجتها المادية ، قد تؤول فوق ذلك الى بعثرة العائلة هي الى مكان وولديها الى مكان آخر. لكن مزارعاً أسود (كلوفر) يدخل حياتها ويقنعها أنه أفضل من يستطيع العناية بهذه الأرض التي عادة ما تنتج القطن، خصوصاً وأنها ترفض البيع. هذه الحكاية، بالإضافة الى خيوط أخرى، تولّف نسيجاً درامياً اجتماعياً و-الى حد ما- انتقادياً من مخرج فسّر العنوان حينها قائلاً: “إنها الأماكن الخاصّة جداً التي تعيش القلب والذاكرة بحنان والى الأبد”. 

أوراق ناقد ...

السينما العراقية على الأبواب؟

هناك عقد أبرم قبل يومين بين شركة إنتاج إيطالية اسمها “فار آوت فيلمز” تديرها المنتجة فابريزا فولزيتي، وبين مخرج عراقي اسمه فيروز كامكاري بعنوان “زهور كركوك” ليكون الفيلم الأول إنتاجياً بين العراق وإيطاليا.

وعلى الرغم من أن الموضوع كردي، كذلك المخرج، الا أن الفيلم -كما يتبدّى من المعلومات المتوفّرة عنه خلال المهرجان الحالي- سيحمل اسم العراق ولابد كون الجهة الإنتاجية العراقية المشاركة هي بإدارة هيرو طالباني، زوجة رئيس الجمهورية العراقي جلال طالباني. كما أعلن عن أن الأحداث ستقع في الثمانينات ، أي على أيام الرئيس الراحل صدّام حسين، ويستطيع المرء أن يتكهّن بالباقي: كيف عامل النظام السابق الموضوع الكردي وربما الهجوم الكيماوي الذي أباد ألوف الأشخاص- الخطأ الاستراتيجي الكبير الذي قام به ذلك النظام تجاه نفسه وتجاه شعب كامل.

السينما العراقية اليوم هو اسم يتردد أكثر مما هو نتائج فعلية.

بين كل فترة وأخرى تخرج الصحف والمواقع السينمائية العربية بأخبار عن مخرج ينوي “مفاجأة العالم بفيلم عراقي جديد” (- إنما إيه؟ ما حصلش). وتحتوي هذه الأخبار على أحاديث صحافية مع المخرج الذين يحمل بعضهم الصفة المذكورة قبل أن يصبح مخرجاً كما الحال مع أحدهم قال إن فيلمه الأول، الذي لا يزال في مرحلة الكتابة والتحضيرات، سيكون مفاجأة على كل صعيد.

وما تم إنتاجه الى اليوم من أفلام عراقية بعد احتلال العراق ليس كثيراً ولأسباب معروفة: في غياب قاعدة فنية -ثقافية وطنية وفي ظل الظروف التي يعرفها القاصي والداني حول الوضع في العراق، ولأن السينما في كل من الولايات المتحدة والعراق، كنظامين اقتصاديين متحررين من الدعم الحكومي، فإنه من الصعب جدّاً البحث عن تمويل داخلي وليس من الهيّن البحث عن تمويل خارجي، لأن الكلام الإعلامي “من أنني أكتب الآن سيناريو لفيلم سيكون مفاجأة سينمائية على كل صعيد” لا يبيع او يشتري في الأسواق العالمية. لن يجد الحالم (من أي بلد أتى) نفسه أقرب قيد أنملة من مصادر التمويل باستخدام هذا التأكيد أمام مسامع من قد يستطيع التواصل معهم.

وكان فيلم “أحلام” لمحمد الدراجي من بين الأفلام الأولى التي تم تصويرها في العراق بعد مرحلة صدّام حسين وللأسف الشديد كان فنياً دون المستوى المأمول وسياسياً، حالة تفريق طائفي تجعل الموضوع كما لو أن ظلم وقسوة ذلك النظام السابق كانت على فئة واحدة من الشعب وليس على كل الفئات.

السينما الإيطالية سبق لها وأن تعاملت مع الموضوع العراقي في فيلم واحد (على نحو شامل إذ ربما كانت هناك أفلام أخرى تطرّقت شفهياً او عبر صور إخبارية للموضوع العراقي) هو “الثلج والنمر” للكوميدي المعروف روبرتو بينيني الذي تم عرضه في مسابقة مهرجان برلين قبل عامين لكن عروضه التجارية كانت أوروبية وآسيوية (ولم يعرض في العالم العربي ولم يعرض أمريكياً الا في نطاق مهرجان ترايبيكا في نيويورك) وإذا صح أن ميزانية هذا الفيلم الجيّد والمسؤول الدامج لكوميديا التصرّف مع تراجيديا الموقف بلغت 35 مليون دولار، فإنه بالتأكيد لم يستطع تغطيتها.

لكن هذا ليس بالضرورة آيل للتكرار ولو أن كل ذلك يعتمد على إذا ما كان مخرج الفيلم الجديد سيصيغ فيلماً جيّداً على المستوى الفني او لا.

م.ر

email: merci4404@earthlink.net

Blog: shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في 12 فبراير 2008

 
 

"جنينة الاسماك" ليسري نصرالله عن خوف المصريين وحيرتهم

أ. ف. ب. / هدى ابراهيم من برلين

يصور المخرج المصري يسري نصرالله في فيلمه الجديد "جنينة الاسماك" الذي عرض للمرة الاولى في مهرجان برلين السينمائي ال58 الخوف العام الذي يعتري الناس في المجتمع المصري او تلك الحيرة التي لا تجعلهم يتخذون موقفا. قدم الفيلم مساء الجمعة ضمن تظاهرة البانوراما فيما خلت المسابقة الرسمية من اي فيلم عربي. ويبدو ان الفيلم حاز اعجاب الجمهور الذي اقبل بكثافة على مشاهدته في حضور بطليه هند صبري وعمرو وذلك من خلال عدد الذين بقوا في الصالة للنقاش وايضا من طبيعة الاسئلة. وقال يسري نصرالله لوكالة فرانس برس "تعاطيت بحرية كاملة مع هذا الفيلم خاصة بعد انجازي فيلم (باب الشمس) الذي علمني الجرأة التي تعلمتها ايضا من العاملين حولي في المجال السينمائي".

واضاف "في هذا الفيلم حققت كل ما حلمت بعمله على الصعيد الفني والبصري ولم اؤجل عمل اي لقطة الى وقت لاحق".

 ويصور نصرالله في "جنينة الاسماك" الخوف العام الذي يعتري الناس في المجتمع المصري ويكشف عن عالم سري ليلي غامض يحكم اغلاقه على شخصيات تعيش مثل اسماك الاكواريوم وراء زجاج وتضع اقنعة كي لا تكشف عن نفسها او ترى ما يجري من حولها من تحولات عامة.

 احداث الفيلم تدور في القاهرة اليوم من خلال شخصية مذيعة في الراديو (هند صبري) تقدم برنامجا ليليا ناجحا تستمع فيه الى اسرار الناس الذين يتصلون بها طالبين نصحها ومساعدتها في عدد من المشاكل التي يواجهونها دون ان يقولوا اسماءهم.

اما يوسف (عمر واكد) فهو طبيب تخدير يعمل في مستشفى ذائع الصيت ولكن حتى يكسب مزيدا من المال يعمل ليلا في عيادة سرية متخصصة في عمليات الاجهاض غير القانونية.

الشخصيتان الرئيسيتان يوسف وليلى لا يلتقيان الا في نهاية الفيلم لكن تجمعهما في خط متواز نقاط مشتركة مثل قدرتهما على السيطرة على الآخرين من خلال مهنتيهما فيوسف يروق له الاستماع الى مرضاه وهم ما زالوا تحت تاثير البنج وليلى من خلال برنامجها. معظم احداث الفيلم تدور خلال الليل حيث تنمو مساحات الاسرار وحيث تفضل ليلى ويوسف الاستماع الى اسرار الآخرين بدلا من ان يبوحا بما يفكران به. فيوسف مثلا يخضع لرغبات والده (جميل راتب) المتسلط المصاب بالسرطان ويخاف الوحدة ولا يريد ابدا الذهاب الى شقته ويفضل عليها النوم في سيارته.

وهو ايضا كما ليلى يفضل وضع مسافة امان بينه وبين الآخر وهما يعانيان فقدان التواصل الحقيقي الصادق والتواصل الفعلي مع الناس.

الشخصيتان تبدوان غير قادرتين على اتخاذ اي موقف من الفساد العام او من السلطة رغم احتجاجهما الصامت احيانا والمساير احيانا اخرى.

تدور احداث الفيلم في جزء منها داخل حديقة الاسماك في القاهرة حيث تلتقي شرائح مختلفة من المجتمع القاهري ليلا وحيث يلتقي العشاق في ظلمات المكان لاعتقادهم بانهم في مناى عن اعين المتطفلين.

وفي الفيلم الكثير من مساحات الصمت الذي يقول اشياء كثيرة وعمل كثير على التفاصيل التي تثري سيناريو الفيلم الذي تشارك في كتابته ناصر عبد الرحمن ونصرالله بعد اشتراكهما في كتابة سيناريو فيلم "المدينة". بذل يسري نصرالله في هذا الفيلم جهدا كبيرا في بناء المشهد وتركيبه ولناحية الضوء والشريط الصوتي ايضا فيما يعكس نضج المخرج الذي يوقع هنا عمله الروائي الخامس.

كما ينم الشريط عن دقة متانية بالصورة واعادة خلق معنى يوازي الواقع الراهن ويعيد انتاجه كما انه وعلى عكس ما يظهر للبعض ليس في الفيلم حالة تشاؤم رغم الحزن العام المهيمن بل فيه بعض السخرية التي تجسدت من خلال لقطات صامتة. ويفرد المخرج في شريطه مكانا لاحتجاجات حركة "كفاية" التي تشعر بالاسف على ما وصلت اليه الاوضاع في مصر. وحول ذلك يشرح يسري نصرالله "فيلمي ليس عن الخوف وانما عن اشخاص خائفين وهذا امر مختلف تماما وكما في جميع افلامي هناك شخصية تتمرد وتحاول الا تقع ضحية الوضع العام في وقت يطغى فيه السياسي على حياتنا". ولا يتجاوز الاحتجاج على الراهن اللمحات واللفتات فهي "صياغة فنية للاحتجاج السياسي معمولة بمزاج" كما يقول مخرج "سرقات صيفية" الذي يؤكد انه حقق في "جنينة الاسماك" كل ما حلم به وطمح اليه من لقطات ولعل هذا ما يجعل من عمله الاخير احد اجمل واهم اعماله.

موقع "إيلاف" في 12 فبراير 2008

 
 

فيلم «جنينة الأسماك»..

الكشف عن عالم سرّى ليلي!

برلين ـ العرب أونلاين ـ وكالات: يصور المخرج المصرى يسرى نصر الله فى فيلمه الجديد "جنينة الأسماك" الذى عرض للمرة الاولى فى مهرجان برلين السينمائى الـ 58 الخوف العام الذى يعترى الناس فى المجتمع المصرى او تلك الحيرة التى لا تجعلهم يتخذون موقفا.

وقد قُدم الفيلم ضمن تظاهرة البانوراما فيما خلت المسابقة الرسمية من اى فيلم عربي.

ويبدو ان الفيلم حاز إعجاب الجمهور الذى أقبل بكثافة على مشاهدته فى حضور بطليه هند صبرى وعمرو وذلك من خلال عدد الذين بقوا فى القاعة للنقاش.

وقال يسرى نصرالله فى تصريحات صحفية "تعاطيت بحرية كاملة مع هذا الفيلم خاصة بعد انجازى فيلم "باب الشمس" الذى علمنى الجرأة التى تعلمتها ايضا من العاملين حولى فى المجال السينمائي".

واضاف "فى هذا الفيلم حققت كل ما حلمت بعمله على الصعيد الفنى والبصرى ولم اؤجل عمل أى لقطة الى وقت لاحق".

ويصور نصرالله فى "جنينة الاسماك" الخوف العام الذى يعترى الناس فى المجتمع المصرى ويكشف عن عالم سرى ليلى غامض يحكم إغلاقه على شخصيات تعيش مثل أسماك الاكواريوم وراء زجاج وتضع اقنعة كى لا تكشف عن نفسها او ترى ما يجرى من حولها من تحولات عامة.

أحداث الفيلم تدور فى القاهرة من خلال شخصية مذيعة فى الراديو "هند صبري" تقدم برنامجا ليليا ناجحا تستمع فيه الى أسرار الناس الذين يتصلون بها طالبين نصحها ومساعدتها فى عدد من المشاكل التى يواجهونها دون ان يقولوا أسماءهم.

اما يوسف "عمر واكد" فهو طبيب تخدير يعمل فى مستشفى ذائع الصيت ولكن حتى يكسب مزيدا من المال يعمل ليلا فى عيادة سرية متخصصة فى عمليات الإجهاض غير القانونية.

الشخصيتان الرئيسيتان يوسف وليلى لا يلتقيان الا فى نهاية الفيلم لكن تجمعهما فى خط متواز نقاط مشتركة مثل قدرتهما على السيطرة على الآخرين من خلال مهنتيهما فيوسف يروق له الاستماع الى مرضاه وهم ما زالوا تحت تاثير البنج وليلى يروق لها الاستماع إلى أسرار الناس من خلال برنامجها.

معظم أحداث الفيلم تدور خلال الليل حيث تنمو مساحات الأسرار وحيث تفضل ليلى ويوسف الاستماع الى أسرار الآخرين بدلا من ان يبوحا بما يفكران فيه.

فيوسف مثلا يخضع لرغبات والده "جميل راتب" المتسلط المصاب بالسرطان ويخاف الوحدة ولا يريد ابدا الذهاب الى شقته ويفضل عليها النوم فى سيارته.

وهو ايضا كما ليلى يفضل وضع مسافة امان بينه وبين الآخر وهما يعانيان فقدان التواصل الحقيقى الصادق والتواصل الفعلى مع الناس.

الشخصيتان تبدوان غير قادرتين على اتخاذ أى موقف من الفساد العام او من السلطة رغم احتجاجهما الصامت أحيانا والمساير أحيانا أخرى.

تدور أحداث الفيلم فى جزء منها داخل حديقة الأسماك فى القاهرة حيث تلتقى شرائح مختلفة من المجتمع القاهرى ليلا وحيث يلتقى العشاق فى ظلمات المكان لاعتقادهم أنهم فى منأى عن اعين المتطفلين.

وفى الفيلم الكثير من مساحات الصمت الذى يقول اشياء كثيرة وعمل كثير على التفاصيل التى تثرى سيناريو الفيلم الذى يشارك فى كتابته ناصر عبد الرحمن ونصر الله بعد اشتراكهما فى كتابة سيناريو فيلم "المدينة".

بذل يسرى نصر الله فى هذا الفيلم جهدا كبيرا فى بناء المشهد وتركيبه ولناحية الضوء والشريط الصوتى ايضا فيما يعكس نضج المخرج الذى يوقع هنا عمله الروائى الخامس.

كما ينم الشريط عن دقة التصوير واعادة خلق معنى يوازى الواقع الراهن ويعيد انتاجه كما انه وعلى عكس ما يظهر للبعض ليست فى الفيلم حالة تشاؤم رغم الحزن العام المهيمن بل فيه بعض السخرية التى تجسدت من خلال لقطات صامتة.

ويفرد المخرج فى شريطه مكانا لاحتجاجات حركة "كفاية" التى تشعر بالأسف على ما وصلت اليه الأوضاع فى مصر.

وحول ذلك، يقول يسرى نصر الله "فيلمى ليس عن الخوف وانما عن اشخاص خائفين وهذا امر مختلف تماما وكما فى جميع افلامى هناك شخصية تتمرد وتحاول الا تقع ضحية الوضع العام فى وقت يطغى فيه السياسى على حياتنا".

ولا يتجاوز الاحتجاج على الراهن اللمحات واللفتات فهى "صياغة فنية للاحتجاج السياسى معمولة بمزاج"، كما يقول مخرج "سرقات صيفية" الذى يؤكد انه حقق فى "جنينة الأسماك" كل ما حلم به وطمح اليه من لقطات ولعل هذا ما يجعل من عمله الأخير أحد أجمل وأهم أعماله.

العرب أنلاين في 12 فبراير 2008

  

عُرض خلال مهرجان برلين

فيلم «حين ميسرة».. فى نسخة برازيلية

طه زيادة 

ضمن فعاليات مهرجان برلين "7 - 17 فبراير" يعرض المخرج البرازيلى جوزيه باديليا فيلمه المثير للجدل "قوات الصفوة" الذى يفضح على غرار الفيلم المصرى "حين ميسرة" بطش مؤسسة الشرطة وفسادها فى التعامل مع أحياء الصفيح العشوائية بضواحى ريو دى جانيرو.

ومن جانبه قال جوزيه باديليا "تم القيام بأكثر من 12 مليون نسخة مقلدة لمشاهدة الفيلم قبل عرضه الرسمى انتقاما من الشرطة البرازيلية وممارساتها القمعية".

ويوضح المخرج "نظرة المجتمع للشرطة فى البرازيل وخاصة بعد فضح ممارساتها الفاسدة والقمعية فقد أصبحت غير إيجابية بالمرة.. الشرطة لا تتورع عن قبول الرشوة أو القتل مقابل أجر".

ويؤكد جوزيه باديليا، ربما كان أحد أهم أسباب نجاح الفيلم بالرغم من تدوال موضوعه فى عدة أفلام سابقة، أنه لأول مرة يتم فضح ممارسات الشرطة ضد الأحياء العشوائية من الداخل، فيما عرف بـ "حرب أعشاش الصفيح".

من ناحية أخرى أضاف "الممنوع مرغوب.. فى بلادي، العمل أحدث ضجة على جميع المستويات مما أدى إلى حظره، وهذا ما زاد فى إقبال الجماهير عليه".

ويتناول الفيلم بالتحليل العميق ممارسات "قوات الصفوة" فى الأحياء العشوائية بدءا من قتل أطفال الشوارع مثل الكلاب الضالة لاستغلال الفتيات الأحداث فى الدعارة، بالإضافة إلى ترويج تجارة المخدرات والاغتيالات والجريمة المنظمة والتعذيب خلال فترة الثمانينات والتسعينات.

وتخضع "قوات الصفوة" حاليا لسلسلة من التحقيقات القضائية تحت إشراف قسم الشؤون الداخلية بإدارة شرطة ريو دى جانيرو، حيث ثبت تورط 30 ألف عنصر من أفرادها فى هذه العمليات الإجرامية المشبوهة حتى الآن، على حد قول باديليا.

ويدافع باديليا عن العنف المبالغ فيه فى العمل، مبررا أنه أراد أن يتعرف الجمهور "بلا رتوش" على الفظائع التى ارتكبتها الشرطة "نقلنا العنف والتعذيب كما هو"، مشيرا إلى أن الفساد فى هذه الحالة لايقتصر على المال وحده كهدف، بل هو فساد ضمائر تجردت من أدنى المشاعر الإنسانية.

وصرح باديليا "لجأت إلى التعاون فى كتابة السيناريو مع مخرج فيلم "مدينة الرب" فرناندو ميريليس، الذى يطرح أيضا قسوة الحياة فى الأحياء الفقيرة بضواحى ريو دى جانيرو والتى تحولت إلى قنابل موقوتة وبؤر للعنف والجريمة المنظمة الخارجة عن السيطرة، كما اعتمدت على شهادة رودريجو بيمنتال أحد ضباط الصفوة".

وأبرز باديليا "حاولت أن أقدم العمل، الذى نال شرف الترشح لجائزة الدب الذهبى

والعرض مع 21 فيلما أخرى ضمن فعاليات المسابقة الرسمية، فى إطار غير تقليدي، بعيدا تماما عن الشكل المعتاد للصراع بين رجال الشرطة وتجار المخدرات".

ويحمل الفيلم إدانة للمجتمع وطبقتيه الوسطى والعليا، لسببين الأول سلبيتهم تجاه هذه الطبقات المهمشة، والثانى دورهم الإيجابى فى تأجيج نيران الصراع من خلال طلبهم المتزايد على المخدرات كأحد متطلبات الوجاهة الاجتماعية.

والجدير بالذكر أن باديليا سبق أن عرض من خلال فيلم وثائقى بعنوان "الحافلة 174" لقضية أطفال الشوارع الذين كانت الشرطة تقوم بتصفيتهم عن طريق إطلاق الرصاص عليهم كالكلاب الضالة.

ويؤكد باديليا فى العملين أن المسؤولية تقع فى المقام الأول على الحكومة التى تسببت سياساتها فى تصاعد العنف والفساد والفقر.

العرب أنلاين في 12 فبراير 2008

 
 

يوميات مهرجان برلين السينمائي الدولي ... (4) 

حدائق الليل” يفضح زيف حضارة الغرب

المرأة على الشاشة جميلة وغريبة وأشياء أخرى

محمد رضا

إذا كانت بطلة فيلم “جوليا” يوم أمس وجدت أن الطريقة الوحيدة للبقاء حيّة والاستحواذ على فرصة ثراء نادرة هي بارتكاب جريمة خطف، فإن الطريقة التي صاغ بها المخرج إريك زانكا شخصيّتها تجعلها بعيدة عن أن تكون شريرة. يمنحها الفيلم المبررات الدرامية فإذا بها تستحق التعاطف في معظم الحالات على الأقل، هذا قبل أن تأتي النهاية لتطلب منّا عذرها وقبولها.

لكن هذه الصورة، وعلى الرغم من التمثيل الجيّد لصاحبتها تيلداً سوينتون، تبقى خيالية في فيلم أخفق في إثبات أسبابه خصوصاً بمقارنته بأفلام أخرى تدور حول نساء أخريات.

شاهدنا في المسابقة، وكما مرّ معنا هنا، “في الحب نثق”، الفيلم الصيني الذي قدّم لنا شخصية المرأة كصاحبة رغبة في فعل المستحيل لقاء انقاذ طفلتها من الموت، حتى عبر الإيمان بأن الحمل من زوجها السابق سيوقف عقارب الساعة وسيمنح الفتاة سبباً للبقاء حيّة والانتصار على الموت.

في الفيلم الكوري “جميلة”، للمخرج جون جايهونغ في أوّل أعماله الطويلة، نتعرّف إلى يونيونج (تشا سو يون). فتاة جميلة جداً  إذا ما سارت في الشوارع أدارت الرؤوس وإذا ما التقت بأحد التصقت عيناه بالصمغ بها. على ذلك هي غير متزوّجة، كما لو أن الرجال يخشونها. وهي تبدأ بالشعور بأن هذا الجمال الطبيعي هو في الحقيقة نقمة لأن أحداً لا يأخذها كشخص بل كجمال، ثم يزداد الشعور بأنه ليس حالة إيجابية على الإطلاق عندما تهاجمها صديقتها متّهمة إياها بأنها تسعى لسرقة صديقها منها، وهو أمر ليس صحيحاً. حين تتعرّض لحادثة اعتداء (يدخل بيتها شاب كان يتابعها منذ حين ويعتدي عليها) تعتبر أن جمالها السبب وهذا ما يؤكده لها أيضاً المحقق، الذي يتجاوز الحد، بالتأكيد لها أن عليها أن تلوم نفسها فيما حدث لها.

يونيونج تبدأ بالأكل الشره لتزداد وزناً كشأن الفتيات البدينات. تأكل كل شيء وفي أي وقت لكن لا شيء ينفع وتكاد تفقد حين أدركت أنها لن تصبح بشعة وأقل جاذبية ما تبقى لديها من حب للحياة.

عبر هذا الرسم الشخصي من مخرج لا يزال بحاجة إلى ضبط أدواته الفنية والتقليل من الرغبة في تأكيد ما سبق قوله، يطرح الفيلم موضوع الجمال في كوريا وهوس النساء به. إنه هوس يلف الدنيا كلها حيث الفتيات يقدمن، إذا ما استطعن، على إجراء أي عملية تجميل تستطيع إعادة تشكيلهن من جديد.

هذا يذكّر بفيلم تسجيلي إيراني شوهد قبل حين على محطّة تلفزيونية أمريكية حول نسبة كبيرة من الفتيات الإيرانيات المقبلات على إجراء عملية تجميل أنوفهن. وفي هذا الفيلم ذكر لذلك من خلال شخصية الصديقة التي تتساءل  وعن حق  كيف أن جمال يونيونج لم يجلب بعد لها زوجاً.

لكن “جميلة” يبقى فيلماً مسلّياً حول موضوع مهم. ليس مسليّاً كما لو كان هزيلاً او قليل القيمة، بل على صعيد المعالجة المثيرة للاهتمام التي عرض فيها المخرج عالم بطلته وموضوعه ككل، وعلى صعيد مقارنته ببعض الأفلام الأخرى التي تحمل قضايا نسائية مهمّة  وجادّة، لكنها تصنع منها أعمالاً صعبة من حيث إن متابعتها لن تكون رحلة  استكشاف بل انحدار في ظلاميات العالم الذي نعيش فيه. الفيلم البريطاني  الأمريكي  لداميان هاريس (الذي صوّر في الولايات المتحدة) وعنوانه “حدائق الليل” واحد من هذه الأفلام.

إنه فيلم صارم، داكن، كلما عمد إلى ما يُسمّى بلغة السينما ب”الاختفاء التدريجي إلى الأسود” أضاف ثقلاً آخر على النفس حتى إذا انتهى صفع المشاهد بإحصائية تبيّن كم أن الغرب الذي يتباهى بفضائله الحضارية لا يزال ساحة لجرائم إنسانية مشبعة بالألم والحزن. الفيلم يتحدّث عن خطف الفتيات وتوظيفهن في أعمال غير أخلاقية وهن بعد دون العاشرة، وهو يتابع بعد ذلك أحوالهن، وكل ذلك من خلال نموذج مرتسم بشخص فتاة واحدة، وقد أصبحن شابّات يبعن أنفسهن على الطرقات لأنهن فقدن طريق العودة إلى عالم تركوه وردياً في مكان بعيد.

بطلة الفيلم لسلي ابنة السابعة من العمر. فتاة ذكية لكن في حدود عمرها ومداركها الصغيرة لم تسعفها سوى تصديق الرجل الذي يبدو طيّباً ومحبّاً (توم أرنولد) الذي تودّد إليها تدريجياً لينطلق بها حين رضيت الركوب بسيّارته معتقدة أن أباها أرسله ليأخذها من المدرسة. هذه آخر مرّة شاهدت فيها لسلي (لعبتها بقناعة الطفلة رايان سمبكينز) بيتها وعائلتها ومدرستها وكلبها.

بعد أيام طويلة من تركها وشأنها إنما فوق سرير في غرفة صغيرة، تبدأ عملية تأجيرها للوحوش الآدميين الذي يستحقّون الموت على أفعالهم. ليس هناك من مشاهد إباحية لكن الإيحاءات المستخدمة مخيفة بحد ذاتها. المخرج هاريس يترك ذات التأثير المخيف حينما نرى الخاطف أليكس يداوم العناية بالفتاة الصغيرة مؤكداً لها أنه لن يؤذيها (وهو لا يفعل) وسيعاملها كما لو كانت ابنته  طبعاً هذا لا يمنعه من إرسال صورها عارية بالكومبيوتر إلى الزبائن مع توفير خدمة التوصيل إلى البيوت.

هذه القضيّة النسائية كانت تستحق معالجة أفضل تقنياً. المخرج يسيء إلى فيلمه حين يخصص لقطات يريد بها التأكيد على عذابات بطلته كما لو أن ما نراه من محنة ليس كافياً. لكن الأسوأ من ذلك، أن المخرج قسم الفيلم إلى قسمين: يبدأ اليوم ويعود بفلاش باك طويل إلى الأمس، ثم ينتقل إلى اليوم حيث الفتاة تقف على قارعة الطريق مع متابعات لحياتها اليوم.

المرأة التي نذرت نفسها

دوريس دوري مخرجة ألمانية حققت من منتصف السعبينات عدداً لا بأس به من الأفلام لكنها غابت لبضع سنوات عن السينما الروائية إلى أن عادت هذا العام بفيلم “براعم الكرز”. المرأة هنا هي أحد الوجوه الأخرى لها: زوجة بعد منتصف العمر اسمها ترودي (الألمانية انلوري إلسنر) صرفت حياتها حباً بزوجها. ترتّب له حياته، تزوّده بالطعام حين يذهب إلى مكتبه، تساعده في خلع سترته وحذائه حين يصل إلى البيت ولا تعارضه حتى وإن كانت رغبتها في فعل أمر ما  ومبرره لرفض تلك الرغبة واه. في أحد الأيام يعلمهما الطبيب أنه مصاب بالسرطان وليس أمامه وقت طويل قبل أن يترك هذا العالم. تتشرّب قسوة هذا الاكتشاف وتشجع زوجها على زيارة أولادها وأحفادها، في مدينة أخرى، من دون إعلام أحد بحالته. تمسح المخرجة الوضع بفرشاة سريعة: الأقارب لا يعرفون سبباً للزيارة المفاجئة ولا كم ستطول والبعض يتذمّر خفية، لكن الإشارات مفهومة والزوجان يقرران تمضية باقي العطلة في فندق. هنا تموت ترودي تاركة زوجها وحيداً في العالم إلا من ابن له يقطن في اليابان وإليه يشد الرحال.

المخرجة دوري لديها أسلوب عمل لا يحاول صنع فن بقدر ما يحاول سرد حالات. وأسلوبها البصري مجحف بحق مواضيعها وطروحاتها فهي تبدو أكثر انشغالاً برسم حركة مقحمة للكاميرا من التوقّف والتأمل ومساعدة المشهد على أن يعيش بمكوّناته الفنية. في صميم ذلك، هناك إيقاع وحس تلفزيونيان لا يمكن لهما إلا أن ينتجا عملاً أخف ثقلاً من الحكاية بأسرها. 

سينما كوستا ذات دلالات سياسية

لابد أن كونستانتين كوستا  جافراس، الذي وُلد في اليونان قبل 74 سنة، تساءل، حين لاحظ الوضع المأساوي للفلسطينيين في السبعينات، عن سبب عدم إقدام مخرجين على إخراج أعمال حول هذا الموضوع. لابد، بشهادة الفيلم نفسه، أنه شعر بأن هناك ظلماً يتعرّض له الفلسطينيون على أيدي مستوطنين، ذلك أن فيلمه “هانا  ك”  في نهاية المطاف هو بالتحديد عن هذه النقطة: كيف خسر شعب وطنه وما عاد يستطيع العودة اليه لأن هناك آخرين احتلّوه.

كوستا  جافراس، الذي يترأس لجنة تحكيم برلين هذا العام (والذي سبق أن اشترك في هذا المهرجان بأكثر من فيلم في السابق) معروف بأفلامه السياسية وكان قدّم منها، قبل “هانا ك” ما أحدث ضجّة كبيرة أوّلها “زد” وثانيها “الاعتراف” وبعدها “مفقود” و”حالة حصار”. لكن ما لم يحسبه المخرج أن الفيلم، الذي ساهم في إنتاجه تمويل كويتي، سيكون سبيلاً لهجوم كاسح عليه سيمنعه وإلى أن نجح لاحقاً في إصلاح ذات البين وبين أصحاب النفوذ في هوليوود وأوروبا من العمل بالغزارة والنشاط اللذين كان أهلاً لهما في ذلك الحين.

فالفيلم اعتبر اعتداء على مسلّمات من بينها حق الوجود للكيان المعتدي ولا يهم إذا ما كان هذا “الحق” قد اقتضم تكوينه من سعادة وهناء وأمن شعب آخر. المهم هو أن كوستا  جافراس بعد ذلك الفيلم لم يعد هو تماماً كوستا  جافراس قبله إلا لماماً.

في كل الأحوال سينما هذا المخرج احتوت قدرة على مزاوجة ما هو طرح سياسي بما هو أسلوب سينمائي سهل يقوم (سابقاً على الأخص) على أسلوب تقريري. أفلامه السياسية الأولى تعرّضت لجوانب من رد الفعل، واحد معجب بها لأنها أفلام سياسية، وآخر يهاجمها على أنها أفلام سياسية، وفي الوسط فريق ينفي أنها سياسية على أي حال.

في الحالات جميعاً، ومع أنه لا يمكن نفي السياسة عن أعماله (هي عالقة بأقل من هذه الأفلام اهتماماً بشؤون العالم فكيف لا تكون عالقة بأعماله؟) فإن ما ميّزها في “زد” و”الاعتراف” و”حالة حصار” أمران أولهما أنها مصنوعة بحرفية جيّدة تستحق الإعجاب وثانيهما أنها لا تخاف أن تسعى للنجاح التجاري مثيرة حالات رواج كما لو كانت أفلاماً تشويقية بحتة. النجاح التجاري هو غلاف لما أراد المخرج إيصاله من رسائل والرسائل هي غلاف للنجاح التجاري الذي كان يريد عبره الوصول بمضامينه إلى العالم وفعل.

طبعاً، “هانا ك” مختلف. الأول له الذي حمل سياسة ولم يحمل انفعالاً. لقد بدا المخرج مقتنعاً  ولو بحذر  من الرسالة المطروحة في هذا الإطار تاركاً للكاميراً أن تتأمل ما حاق بالقرى الفلسطينية المهدومة وبطل الفيلم محمد البكري يسير وسط الركام حيث كان آباؤه يعيشون.

نظرة كوستا  غافراس للحياة كانت داكنة ودكانتها جزء من أسلوب الطرح. حين أخذ يريد إثبات أنه ليس بعازم على أن يفتح الباب واسعاً أمام هدم المسلّمات السياسية والإعلامية التي كانت أكثر حضوراً في ذلك الحين مما هي عليه اليوم، أقبل على إخراج “صندوق الموسيقا”، فيلم يريد أن يبكي على ما وقع لليهود في الهولوكوست عن طريق تصوير رحلة امرأة وصندوقها المتوارث إلى الماضي الذي ورثته من دون أن تعلم عنه شيئاً. الفيلم مناسبتها لكي تتعرّف ومناسبة المشاهدين، إذا لم يكن أحدهم شاهد فيلماً من هذا النوع من قبل، وهذا غير محتمل، ليعايشوا الوضع من جديد في رسالة لم تعد خافية على أحد.

بذلك إذ بدأ غافراس حياته السينمائية  السياسية بفيلم “زد” (1969) عن الفاشية اليونانية، ليتبعه ب”الاعتراف” (1970  ولاحظ المسافة الزمنية القريبة بين الفيلمين ما يشير إلى النجاح الكبير الذي حققه الفيلم الأول) فإن الرحلة، سياسيّاً، انتقلت من نقد اليمين الفاشي في اليونان إلى نقد الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا والتمدد في فيلمه الثالث من هذا النوع، وهو “حالة حصار” صوب أمريكا اللاتينية، تحديدا الأوروجواي وصراع السلطة ضد الثوّار، ثم العودة إلى  فرنسا (حيث عاش منذ بدء عمله في السينما) في فيلم نقدي آخر هو “القسم الخاص” عن البوليس والدوائر القضائية .  

أوراق ناقد ...

النقد والنقاد هنا وهناك

من يشتغل في الحقل السينمائي من بعيد، كحال الغالبية من الصحافيين والنقاد والمتابعين يعتقد أن العالم الذي يتعامل معه كبير الحجم بالفعل وتأثيره واسع وما يكتبه هذا الصحافي أو الناقد يترك تأثيراً كبيراً.

ومعظمنا معذور إذا ما فكّر هكذا.

من منّا لا يريد أن يحلم بأنه يستطيع التأثير بقلمه في الوضع الثقافي أو أي وضع كان؟ من منّا لا يتمنّى لو أن مقالته حول فيلم ما أدّت إلى قيام المخرج بإعادة عمله إلى غرفة المونتاج لينقذه؟ وهل ننسى أن بعضنا يكتب وهو يعتقد أن المخرج يقرأ، والممثل يقرأ، وكاتب السيناريو يقرأ؟

بالطبع  بعضهم يفعل، وربع هذا البعض يوافق  لكن الغالبية تعتبر نفسها على صواب خمسين في المائة من المرّات  الخمسون في المائة الأخرى أنت على خطأ!.

لكن الأمر في الحقيقة ليس كذلك، وإلا استنفع بنا السينمائيون من حين لآخر.

الواقع أن  النقد في العالم العربي منتشر في الصحف والمجلات أكثر مما هو منتشر بين الناس. ومنتشر بين الناس أقل مما هو مؤثر فيهم. إذا ما سعى البعض لإجراء إحصاء بين ألف شخص ما فإن الغالب أن النتيجة ستكون قريبة من النحو التالي.

* عشرة في المائة يتابعون النقد ويؤمنون به ويقدّرونه.

* ثمانية عشر في المائة يقرأونه من حين لآخر ولا يسعون لقراءته بحد ذاته بل كملحق بما يتابعونه يومياً  أي من دون تمييز شديد.

* اثنان وعشرون في المائة يقرأونه فقط إذا كان الفيلم مهماً أو إذا كان التحقيق النقدي المنشور لافتاً أو مهمّاً.

* خمسون في المائة لا يتابعونه مطلقاً من هؤلاء ربما كان هناك نحو 80 في المائة لا يشاهدون الأفلام في صالات السينما.

* نسبة الخطأ في هذا التقسيم ربما 2  3 في المائة.

في الغرب، وهنا في مهرجان برلين تحديداً، يشعر الناقد بأنه ينتمي إلى جسد أكبر. طبعاً هناك الآراء المتفاوتة ذاتها، والشخصيات المتباينة والمعارف التي تتباعد في أحجامها بين فئة وأخرى، لكن النقد السينمائي مقروء ومقدّر وبذلك سهل معرفته بملاحظة حجم المهرجانات الدولية القائمة في أوروبا عموماً وحجم المهرجان الألماني على وجه التحديد.

النقد حاضر ومؤثر ليس لأن هناك نقابة فاعلة وجمعيات نقدية سينمائية متعددة فقط، بل لأنه بات جزءاً ملتحماً من الحركة الثقافية كما هو حال المهرجان السينمائي تماماً. في الحقيقة، لا يمكن أن ينجح هذا المهرجان بالصورة التي ينجح بها لولا أن النقد السينمائي عامل مهم أو من دون أن يكون النقد السينمائي عاملاً مهمّاً.

هنا، وهناك في دول الغرب عموماً، يكفي أن تعرّف بنفسك كناقد سينمائي.

في بلادنا  وللأسف الشديد  ربما نظر اليك من سألك عن نفسك مستعجباً.

هناك  أنت جزء من كل، وهنا أنت لاعب وحدك في ساحة صغيرة تعتقدها أنها العالم بأسره.

إلى أن نتّحد كثقافة عربية وإلى أن نتّحد كمثقّفين وسينمائيين وإلى أن نتّحد كنقّاد سنبقى مجرد رسومات كرتونية مقصوصة ومعلّقة فوق الأسرة حيث نرقد. آخر ما نراه قبل النوم وأول ما نراه حين نفيق.

م.ر

email: merci4404@earthlink.net

Blog: shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في 13 فبراير 2008

 
 

مهرجان برلين السينمائي:

مواضيع الحرب والسياسة بأنغام موسيقية

محمد الخليف

إذا ما أردنا تمييز مهرجان برلين عن غيره من المهرجانات، خاصة بينه وبين منافسيه الأقوياء "كان" و"البندقية"، سنميزه بأنه أكثرهم ميلاً للسياسة ومشاكسة الحكومات والأنظمة، وهذه الجدية تبدو جلياً في دورة هذا العام (من 7إلى 17فبراير الجاري) المليئة بمواضيع الحرب والسياسة أكثر مما مضى، فأي شيء آخر يمكن أن يشغل سينمائيي العالم غير إطلاق بيانات سياسية سينمائية هذه الأيام؟!. ف"الثيمة" الأساسية للمهرجان هي الحرب والموسيقى والاقتراب من القضايا العالمية المعاصرة. الموسيقى حاضرة بفيلم الافتتاح الوثائقي (Shine A Light) وهو مشروع مارتن سكورسيزي الذي بدأه منذ عامين عند سماعه لخبر إقامة حفل لفرقة "الرولنغ ستون" في نيويورك، ليقول لنفسه ما الذي يمنع إذا ما دمجت أكثر شيئين أحبهم في الحياة، يقصد بذلك السينما بالموسيقى، ليقدم فيلماً وثائقياً عن فرقة طالما عشقها، ونوع سينمائي يحققه ما إذا انتهى من أحد تحفه الروائية، هذا الفيلم الذي يعرض خارج المسابقة الرسمية يعد أول فيلم وثائقي يفتتح مهرجان برلين، ويمكننا فهم مغزى هذا الاختيار الذي جلب للمهرجان أكبر حضور جماهيري في تاريخه. بجوار فرقة "الرولنغ ستون" وفي قسم العروض الخاصة يأتي عازف الغيتار ومغني الروك الكندي "نيل جوردان" بفيلمه الأخير CSNY Deja Vu الذي وقّعه باسمه السينمائي المستعار "بيرنارد شاكي"، يتحدث الفيلم عن جولة الفنان الغنائية المعادية للحرب في العراق والتي أقامها في شمال أمريكا. واستمراراً لحضور الموسيقيين في المهرجان تأتي المغنية "مادونا" كمخرجة أيضاً لفيلم (Faith And Wisdom) الغنائي في قسم بانوراما.

المسابقة الرسمية

في مهرجانات السينما العالمية ينظر لأفلام المسابقة الرسمية كمعيار قياسي لنجاح وفشل المهرجان، فالجوائز الذهبية والتي هي هنا ممثلة "بالدب" ذهبياً وفضياً، تذهب لأفضل فيلم ومخرج وممثل، الذين هم في النهاية المشاركون في هذا القسم. واستعراضاً لاختيارات دورة هذا العام، التي يطبع عليها روح الشباب والتجديد، فمعظم أسماء هذه الدورة من مخرجي المستقبل بحضور اسم أو اسمين مألوفين لجمهور السينما. أبرز أفلام المسابقة الفيلم الأمريكي المرشح لثماني جوائز أوسكار هذا العام (ستكون هناك دماء-There Will Be Blood) لبول توماس أندرسون الذي سبق له وأن نال الدب الذهبي في برلين عام 1999بتحفته "ماغنوليا". يصف بجوار هذا الفيلم أربعة أفلام أمريكية إضافية داخل المسابقة الرسمية فقط، وأربعة إضافية ذات زخم جماهيري خارج المسابقة. أبرز الأفلام الأمريكية داخل المسابقة الفيلم الوثائقي (Standard Operating Procedure) لإيرول موريس الذي تحدث في السابق عن الحرب في فيتنام في فيلمه الحاصل على أوسكار أفضل فيلم وثائقي "ضباب الحرب". في فيلمه الأخير يتحدث عن أسرار التعذيب في سجن أبو غريب منطلقاً من خلال تلك الصور الشهيرة، هذا الفيلم الذي سيحدث قلقلاً للحكومة الأمريكية يأتي مماشياً لاختيارات المهرجان هذا العام مستدعياً للذاكرة الفيلم المشابه "الطريق لغوانتنامو" الذي انطلق من خلال هذا المهرجان قبل أعوام مضت. بالمقابل نرى السينما البريطانية مشاركة بفيلم يتيم في المسابقة من قبل مخرجها العبقري مايك لي، أحد أبرز أسماء المهرجان، بفيلم ( Happy-Go-Lucky ) بنفس معالم أفلامه السابقة الغارقة بمشاكل المجتمع البريطاني.

من الصين يأتي المخرج "فانق زياوشواي" كأحد الأسماء الشهيرة المشاركة في المهرجان بفيلم ( In Love We Trust). ومن إيران يشارك مجيد مجيدي بفيلم "أغنية العصافير" كأول حضور لمجيدي في مهرجان من الوزن الثقيل، بعدما كان يجول مهرجانات الدرجة الثانية بأفلامه الشهيرة كلون الفردوس وأطفال الجنة، وهذا ما يميز المشاركين في مسابقة هذا العام، أسماء ليس لها وزن كبير لكنها في بداية السير على بساط المهرجانات، فمعظمهم يملك في رصيده مشاركة واحدة أو اثنتين في أحد المهرجانات، ولن يؤكد على مثالنا هذا سوى المخرج الفرنسي إيريك زونكا صاحب الفلم الجميل (The Dreamlife of Angels) المشارك في كان قبل 10أعوام. وبالرغم من وجود هذا التجمع الكبير من مخرجي المستقبل، فلا بد لكل مهرجان، وخاصة برلين، أن يزج بشكل أو بآخر أحد من أبنائه السابقين من مخرجين اعتادوا السير على سجادة المهرجان الحمراء، كنوع من التكريم غير hgمباشر، فضيف الشرف لهذه السنة هو الياباني يوجي يامادا (ثمانين عام) بفيلم (كابي-Kabei - Our Mother).

إلى حد ما يمكننا القول بأن أفلام المسابقة الرسمية لا تأتي متماشية مع "ثيمة" المهرجان الأساسية، إلا أن كل شيء آخر في المهرجان يأتي ليؤكد ما يريد مهرجان برلين قوله، وهي السياسة بشكل عام ومواضيع الحرب بشكل أدق. فهناك برنامج خاص لأفلام الحرب الأمريكية وقت السبعينيات يدعى ب "وار ات هوم - War At Home". وفي العروض المشاركة خارج المسابقة يقفز اسم البولندي العريق "اندريه فايدا" بآخر أفلامه المرشح لأوسكار أفضل فلم أجنبي (Katyn)، وبعيداً عن موضوع الفيلم، الذي يتحدث عن مجزرة غابة كاتاين من قبل الروس للضباط البولنديين في ربيع 1940، يمكننا فهم مغزى اختيار فايدا هنا، وهو الذي لم يتوقف أبداً عن صنع مثل هذه الأفلام.

لكن المثير في الأمر، والذي قد يفهم لأول وهلة بأنه مشتت للانتباه ويتعارض مع اختيارات المهرجان، هو الكمية الهائلة من الأفلام الإسرائيلية المشاركة في المهرجان، والتي أتت قبل بدء احتفاليات الدولة الإسرائيلية بذكرى تأسيسها الستين، ليصبح الأمر في النهاية وكأن المهرجان يشارك الدولة الإسرائيلية احتفالاتها، وهو الأمر القابل للتصديق لطبيعة العلاقات التاريخية بين ألمانيا وإسرائيل، ولزيارة رئيس مهرجان برلين دايتر كوسليك لإسرائيل مؤخراً وإلقاءه كلمة الافتتاح لمهرجان القدس السينمائي، لكن السيد كوسليك نفى الأمر بطريقة دبلوماسية عندما قال "لا يوجد في المهرجان برنامج رسمي للذكرى الستين لإقامة دولة إسرائيل، ولكن من خلال اختيارنا لهذه الأفلام فنحن نحيي بطريقة ما هذه الذكرى". مع العلم أن السينما الإسرائيلية تشهد هذه الأيام ذروة مجدها الفني، من خلال مشاركتها ناهيك عن فوزها ببعض الجوائز في أبرز مهرجانات العام الماضي بأفلام مثل (زيارة الفرقة-The Band s Visit) و(Beaufort) و(Jellyfish)، لكن تصريح السيد كوسليك هو الذي أثار أكثر من علامة استفهام، ومع ذلك إلا أن عملية انتقاء الأفلام الإسرائيلية، إذا ما أخذنا مواضيعها وفق سياق اختيارات بقية الأفلام، نجد أنها وبغض النظر عن انتمائها تتوافق إلى حد كبير مع "الثيمة" الأساسية، فهناك ستة أفلام إسرائيلية في المهرجان، أهمها فلم (Restless) في المسابقة الرسمية الذي يتحدث عن أب يلقي قصائد معارضة للحكومة الإسرائيلية يلتقي بابنه المجند في الجيش الإسرائيلي، وهناك فيلم "شجرة الليمون" من تمثيل الفلسطينية هيام عباس عن امرأة تتصادم مع وزير الدفاع الإسرائيلي عندما يأمر بهدم بستانها لأنه يمثل تهديداً لسلامة الوزير الشخصية، يقول مخرج الفيلم إيران ريكليس "لا يوجد شيء اسمه فيلم سياسي، إلا إذا كنت تعيش في دولة تعاني من مشاكل سياسية، ففيلمي يتحدث عن امرأة فلسطينية ورجل إسرائيلي وبينهم شجرة ليمون"، وفيلم وثائقي بعنوان "شهيدة" عن مقابلات أجرتها المخرجة ناتالي اسولين مع خمس سجينات متهمات بقضايا إرهابية. ليصبح المهرجان في النهاية، وثيقة سينمائية إنسانية ضد كل النزاعات وما يقف في سبيل تعايش الإنسان مع أخيه الإنسان، من خلال أفلام أتت من إيران وإسرائيل وأمريكا ومصر (جنينة الأسماك ليسري نصر الله) ولا يوجد مكان أفضل من مهرجان برلين السينمائي لتلاقي كل هؤلاء..

الرياض السعودية في 14 فبراير 2008

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)