كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته الثامنة والخمسين

جوزف فارس يودّع الطفولة ويسري نصرالله يصوّر مصر قنبلةً موقوتة.. أيرول موريس يكشف النصف الآخر لصُوَر "أبو غريب" وفرح خان تثير البهجة

برلين - من هوفيك حبشيان  

مهرجان برلين السينمائي الدولي

الدورة الثامنة والخمسون

   
 
 
 
 

لم تكن متابعة جزء ولو بسيط جداً من مهرجان برلين السينمائي في دورته الثامنة والخمسين عملية سهلة لكثرة الافلام التي كانت تثير اهتمامنا، على الورق أولاً، ثم على الشاشة الكبيرة، ثانياً. التباعد بين أمكنة العرض والذي بلغ أحياناً كيلومترات عدّة، صعّب المهمة. لكن القليل الذي رأيناه في المهرجان خلال الايام الثلاثة الاولى منه، كان كافياً لاثارة سخط المهرجانات الاخرى، شكلاً ومضموناً وأفكاراً وبلاغة لغوية. ففي عشرات الصالات التي كانت تجري فيها العروض امتزجت الاطعمة والنكهات، وشكلت الالوان التي استخدمها السينمائيون جدارية عظيمة لعالمنا الحالي في الحلو والمر. كما في كل مهرجان آخر، الاعمال التي اختارتها الادارة، كشفت النقاب عن ادمغة تشي بعبقرية، في مقابل اسماء أخرى تعاملت مع المقترح البصري ببساطة وتقليدية وسوء فهم. جرياً للعادة، لم تكن الاكتشافات الاولى والافكار المخبأة تحت الرماد، في المكان الذي نجدها فيه، معظم الاحيان: المسابقة الرسمية. أكثر من متابع ومهتم كان يردد الكلام الآتي: الاعمال المعروضة في المسابقة ليست جديرة بها. لذا، بعدما خذلتنا بضعة أفلام في هذا القسم الذي يستحوذ اهتمام الجزء الاكبر من النقاد، بحثنا في الهامش، بعيداً عن الاضواء، ووجدنا هناك ما يروي غليلنا.

في قسم "بانوراما"، شكل عرض الفيلم الجديد ليسري نصرالله مفاجأة سارة لكل من كان ينتظر صاحب "مرسيدس" على المنعطف. جوهرة صغيرة جاءنا بها المخرج المصري القدير، مولّداً حول فيلمه آراء متضاربة بين مؤيد لأسلوبه الغامض ومعارض له. وكنا لنقول ان هذه الظاهرة صحية لو أن الفيلم نجح في عدم ترك أحد لامبالياً ازاءه. لكن يبدو أن "جنينة الاسماك" سيكون له مشوار صعب الى قلوب المشاهدين، لحديته أولاً وأجوائه الحالكة ثانياً. يتعقب الفيلم شخصيات عصرية من مدينة هي القاهرة، أشبه بقنبلة موقوتة. بعد مشهدية "باب الشمس" العريضة والحشود التي ملأت الشاشة من يمينها الى يسارها، أراد نصرالله شيئاً أكثر حميمياً، علماً ان الجانب المنغلق على الذات والذي له علاقة بالتفاصيل البسيكولوجية هو الاصعب انجازاً، بحسب المخرج، الذي يطرح موضوع الخوف من الذات والآخر على حد سواء، بعد حوادث 11 أيلول التي ساهمت في تحويل الناس وحوشاً بشرية تخاف بعضها البعض. يتكلم الفيلم عن ظاهرة الخوف وبارانويا الترهيب، وهي تيمة شديدة الواقعية رغم انها لا تزال غير مطروحة في الوسط السينمائي. تجري الحوادث في الليل، ويشيّد المخرج فيلمه على انقاض هذا الظلام، لكنه يرتكب خطيئة حين يمنح ادارة التصوير الى سمير بهزان الذي يأتي بإضاءة باهتة وسيئة جداً، ولا سيما في طبقات العتمة التي يهيمن عليها غشاء أبيض بشع (يحمّل المخرج هذا الخطأ الى ظروف العرض السيئة للصالة!؟).

عدا ذلك، هو فيلم سياسي بامتياز، لكن ما يثير البهجة أن الكلام السياسي فيه قليل، مع بعض التلميحات وحضور ضاغط لحركة "كفاية"، التي لا يؤيدها نصرالله ولا يعارضها انما يتعامل معها كحالة مفروضة اجتماعياً وسياسياً، بحيث لا يمكن التغاضي عنها إذا أراد اي مخرج أن ينجز فيلماً عن مصر في حالها الراهنة. الى ذلك، لم يتموضع الشريط في زمان ومكان محددين، رغم ان الحوادث تشير الى اننا في صيف 2005، والانتخابات وأزمة أنفلونزا الطيور التي يلح عليها نصرالله، مباشرة ومواربة، حدّ تحويلها دلالة. أكثر من مرة نرى الطيور التي يفترض انها مريضة (استعارة خلف استعارة). طبعاً لا تشير الطيور الى الشعب المصري، مثلما أفصحت عنها اسقاطات بعض الصحافيين، لكن نصرالله يعلم جيداً ان الطيور لا تثور حتى في أحلك الظروف والمآسي. في هذا الجانب ينبغي ربما ايجاد الاجوبة عما يطرحه الفيلم من أسئلة هامشية تهمّ كل فرد في العالم العربي، والعالم كله ربما. للمزيد من الاضاءة على هذا الفيلم الاسود الذي شاركت مصادر مالية ألمانية (بالاضافة الى "آرتي") في انتاجه، ما يبرر مشاركته في برلين وليس في كانّ مثلاً، ستكون لنا عودة في مقابلة خاصة مع يسري نصرالله.

أحياناً، أفلام لا نعلم بوجودها ونجهل كل التفاصيل المتعلقة بها، لها قدرة عظيمة على اثارة دهشتنا! وهذا ما حصل معنا بعد مشاهدتنا فيلم "ليو" الجديد للمخرج الأسوجي - اللبناني جوزف فارس والمشارك في المهرجان هذه السنة. لم نكن نعلم أي شيء عنه حين دخلنا الصالة. وكم بدا الطفل الرقيق في "زوزو" الذي يدهشه كل شيء ولا شيء تقريباً، بعيداً من هنا، بعدما دخلنا في عالم "ليو" البارد بعنفه وسخطه وأحاسيسه الفريدة، والذي يشير كل شيء فيه الى أنه خلاصة نضج سينمائي أكيد. يضعنا "ليو" أمام سينمائي لا نبالغ اذا قلنا انه يمشي على دروب الكبار. سينمائي يصوّر كما يتنفس، بلا تعصب لشيء، وبإعادة نظر مستمرة في كل ما ينجزه، وبلا أكتراث للامكانات، ما يصنع أحياناً لقيات سينمائية مدهشة. هذه المتعة في انجاز فيلم ومشاركته مع الآخرين، كانت جلية في "زوزو"، وها هي تتكرّس مجدداً في أحد أجمل أفلام هذه التظاهرة، وربما أحد أجمل الافلام اطلاقاً. بعض الرعونة التي التصقت بجلد فارس منذ "يللا يللا"، أطلّت مجدداً، ولا شك انها هنا ميزة من مزايا هذا الفيلم الجبار.

يبدأ "ليو" بلقطة "كلوز" معبّرة على وجه الشخصية - العنوان. انه عيد ميلاده الثلاثون. وهو عمر فارس أيضاً الذي يلعب في الشريط دور صديق ليو (الكل يلعب دوره هنا، في جوّ من الصداقة والارتجال ومتعة الخلق. وبحسب فارس، أكبر مشكلة في التصوير هي عدم قدرة العاملين على تمالك أنفسهم وضحكاتهم المتواصلة). لكننا نستطيع أن نقول إنه كان في امكانه أن يكون أيضاً ليو، لكن شيئاً يمنعه من ذلك، وهذا سندعكم تكتشفونه لاحقاً اذا تسنّت لكم مشاهدة الفيلم. في ليلة احتفاله بالثلاثين، يتعرّض ليو اثناء عودته الى منزله لاعتداء جسدي يودي بصديقته ويتركه في حال من الضياع النفسي، تزداد توتراً لتتحول الى أزمة وحيرة وألم، ولن يشفى من احساسه بالذنب الى أن يقرر الانتقام! هذه الرغبة في توجيه الخنجر الى قلب المعتدي، ستكون له نتائج كارثية على جوزف، وهو الأشد براءة في ثلاثية الاصدقاء الذين يتشكل منهم الفيلم: هو أقلهم أيماناً بالعنف، رغم انه عاش طفولة معذبة خلال الحرب الاهلية اللبنانية (في الفيلم بعض الكلام باللبناني بين جوزف ووالده). هذا الجانب هو أكثر ما يؤثر في كل متلقٍّ يعرف خلفية فارس الاجتماعية، وكيف شاءت الظروف أن ينتقل من برج حمود الى أسوج فبرلين حيث حبس أنفاسنا لمدة ثمانين دقيقة بالتمام والكمال من خلال هذه القصة الملأى بالعنف واللؤم والبطش. نسلّي أنفسنا بالتفكير في عدد الافلام التي كان أنجزها فارس لو بقي في لبنان. وفي الامكان صوغ السؤال على هذا النحو: هل كان في مقدوره أن ينجز أربعة أفلام وهو بالكاد يبلغ الثلاثين؟

تبقى كاميرا فارس متربصة بشخصياتها، قريبة منها، وراصدة انفعالاتها، وصولاً الى أقحامنا في دوامة العنف التي ستدور على الشخصيات بغية اسقاطها الواحدة تلوة الاخرى في جحيم الحقد. هكذا يبلغ الفيلم سواداً لا مثيل له، ولا سيما في لقطاته الختامية الاخيرة حيث تتصاعد حدة العنف الى الأوج على نحو يتخطى القدرة على التخلي عنها. من مشهد تدميري الى آخر، ينتقل بنا الفيلم عبر فواصل سوداء تجعل أعصابنا تشتد. يبرع فارس في اشاعة أجواء كبيرة، قلة من السينمائيين العرب يعرفون كيف يحصلون عليها. وتحتل الابوة مركزاً مهماً في عمل فارس. تعرّفنا الى والديه منذ فيلمه الاول، وسيكون والده نجم فيلمه المقبل أيضاً. لكن الابوة هنا ليست قدوة، أو مثالاً أعلى، انما دلالة على ماضٍ يعود على شكل أشباح ويدفعه الى ارتكاب حماقات متتالية. اذ، قبل مساعدة صديقه في عملية الانتقام الانتحارية، سيستشير والده، ومن طبيعة جوابه سيختار معسكره، وسيكون له موقف من الموضوع. لكن، من الواضح أن لا عودة الى الخلف (الى الطفولة) بعد هذا الفيلم بالنسبة الى فارس!

لحظة أخرى من النشوة لن يطير مفعولها بسهولة، كانت لحظة لقائنا الفريد بفيلم "أوم شانتي أوم" لفرح خان (معروض في "خاص برلينالي"). يقوم الميوزيكال البارع هذا على مجموعة كليشيهات بوليوودية لا يتقبلها منطق، من ضربات مسرح خرافية الى انقلابات عشوائية كاريكاتورية صاعقة، لكن جمال الفيلم الاخاذ واللوحات الراقصة والأغاني الهندية الطريفة، بالاضافة الى جوّ الحركة الدائمة والدينامية الجميلة، جعلتنا ننسى اننا أمام فيلم لا يتضمن أيّ أفكار جديرة، ولا يناقش أيّ شيء سوى الانترتنمنت السهل. بيد أن فرح خان تثبت قدرة هائلة على التسلية، وتجعلنا نشعر بالذنب. فهي تملك سر تحويل فن محلي عانى الانغلاق والاستبعاد الى عمل يغوي بصيرة الجميع ويدخل في أكثر القلوب تحصّناً ضد الاكزوتيكيات من كل نوع. ألوان مدهشة تتشكل منها جمالية الفيلم القائم على استعراض بصري مذهل، رصدت من أجله موازنة ضخمة. أما بالنسبة الى القصة فحدِّث ولا حرج. لا علاج للسيناريو حتى لو تدخل في اصلاحه مئة طبيب نفسي وألف جرّاح. المشكلة كامنة في الظهور والنجومية. البطل هنا أسوأ مما هو في هوليوود. يبقى حاضراً في مكان ما حتى لو مات. يكون في إحدى زاويا الكادر حتى اذا لم نكن في حاجة اليه. رغم هذا، ثمة نشوة عميقة تدوم حتى بعد نهاية الفيلم، تأتينا لا نعرف من أين، وتذهب لا نعرف الى أين ايضاً.

في مقالنا الاول عن مهرجان برلين الثامن والخمسين، لمّحنا الى مقارنة ممكنة بين "منقح" لبراين دو بالما و"عملية وفق المعايير" (مسابقة) لايرول موريس. وكانت دهشتنا كبيرة عندما رأينا دو بالما يدخل الى العرض المخصص للصحافة، متعباً ولاهثاً، يعرج، واضعاً على رأسه قبعة كحلية اللون! يُظهر الشريط، الذي يعتبره البعض نجم المسابقة الرسمية، وحشية الحروب الاميركية وجنود التحرير والديموقراطية المزعومة التي تطبَّق تحت رعاية الضمير في السجون والمعتقلات. من هذه السجون يختار المخرج الوثائقي ايرول موريس سجن أبو غريب ليرصد ما حصل هناك، عبر مجموعة شهادات صادمة (من حيث دخولها في تفاصيل التعذيب والقهر التي لا يستطيع أحد تقبلها من انسان آخر)، وكيف تحولت مهمة الجنود المتمثلة في حراسة المعتقلين الى حفلات تعذيب سادية واعتداءات جنسية، دفعت بالرئيس الاميركي انذاك الى الاعتذار من العالم بأسره. لكن ما الذي حصل بعد ذلك؟ لا شيء تقريباً. وهذا ما يريه الفيلم.

اللافت هنا هو إعطاء الأولوية للخطاب العسكري على الشأن الانساني، وكأن لا وجود للمشاعر البشرية عند هؤلاء الرجال الذين يرتدون اللباس الزيتي. لا يساوم الفيلم، بل يُظهر كل شيء تقريباً: القضيب المنتصب لمعتقل عراقي في فم معتقل آخر، والى ما هنالك من مشاهد لم نرها في الصور المنشورة انذاك في وسائل الاعلام. كان لـ"عملية وفق المعايير" تأثير بالغ في نفوس المشاهدين في تلك الليلة. لكن الفيلم ليس وجدانياً فحسب إنما يسعى الى التعامل بالعقل والمنطق مع حادثة لا يتقبلها لا العقل ولا المنطق، طارحاً مسألة التلاعب بالحقيقة من خلال اخفاء بعض تفاصيل الصور الملتقطة عبر استخدام تقنية بدائية، هي اعادة التأطير. طبعاً، لا نعلم لماذا التقطت هذه الصور اصلاً، رغم ان ايرول موريس يذهب بعيداً في منح معانٍ وتفسيرات لهذه الصور. طوال سنتين قابل المخرج شخصياً الجنود الذين التقطوا الصور، وكذلك الذين يظهرون فيها، وأجرى أبحاثاً عن هذه الفضيحة التي أحدثت خضة ووضعت أهداف الحرب على المحك. يملأ موريس فيلمه بالكثير من المؤثرات البصرية والصوتية للضعظ على المشاهد، وكأن الكلام وحده أقل فظاعة مما يجب أن يكون. للفيلم ميزة أخرى: طلب السماح والتوبة عبر البوح الشفهي الطويل. محاولة أخرى لانتقاد الذات. بعد فيلم نصرالله، هذا فيلم آخر عن الخوف. الخوف من الحقيقة الذي يجعلنا نلتزم الصمت، كما تقول أحدى "بطلاته".

في برلين هذه السنة، قليلة هي الاسماء الكبيرة الموجودة ضمن البرنامج الرسمي، باستثناء اندره فايدا وبول توماس أندرسون ومايك لي (وهذا سيتيح الفرصة حتماً لآخرين كي يُخرجوا ما في جعبتهم). مارتن سكورسيزي عوّض هذا النقص بفيلمه "شاين ايه لايت" الذي يتعقب فيه خطى فرقة الـ"رولينغ ستونز". الدقائق العشرون الاولى من الفيلم تضعنا في مزاج أفلام المعلّم النيويوركي الروائية: تذهب الكاميرا في كل الاتجاهات ملتقطةً ما يمكن التقاطه في عاصفة من الحركات البهلوانية. بمونتاج جد معقّد، ووتيرة شيطانية، يبحث سكورسيزي عن وجه الفرقة الضائع، وسط كمٍّ من صور الارشيف بالاسود والابيض. لكن، في مرحلة ثانية، يختفي سكورسيزي خلف نمط تصويري ينقل أكثر من كونه يحيي. وهذه شيمة الكبار الذين يعرفون أحياناً كيف يصبحون شفافين خلف انجازات كبيرة تُظهر تواضعاً في السلوك والابتكار. فيلم آخر كان له وقع كبير على من شاهده هو "النعامة" (مسابقة) لجوني طو، في الوقت الذي تربع "ستكون هناك دماء" لبول توماس أندرسون (قريباً على شاشاتنا المحلية) على عرش بورصة الافلام وحاز أكبر عدد من نجوم النقاد، تلاه "لايك تاخو" لفرناندو أمبكيه، و"في الحب نؤمن" لوانغ زياوشواي، الذي خطأ ما أرغمنا على مشاهدته مترجماً للالمانية، علماً أن الفيلم ناطق بالصينية! أما الاسوأ، بحسب قائمتهم، فكان "حدائق الليل" لداميان هاريس، في انتظار أفلام أخرى تتربص بها عيون النقاد وأقلامهم القاسية.    

أما الافلام التي توقف خيارنا عندها، مصادفة أم عمداً، في الايام الاولى من مغامرة مهرجانية لا نرى طرفها حتى الآن، فلم يكن لها الكثير لتقوله، لا بصرياً ولا شكلياً، باستثناء "ثلج أسود" (مسابقة) لبتري كوتفيكا الذي ينم عن تجربة خاصة، بعيدة عن الدروب المطروقة. يكفي أن الشريط يأتينا من بلد (فنلندا) لا نعرف عنه الكثير الاّ من خلال ما تقوله أفلام أكي كوريسماكي. وفي حين كان "جوليا" لأريك زونكا يحوز اعجاب النقاد ويستنفد بطاقات الدخول اليه، كانت احدى صالات "سينماكس" تعرض عملاً ابله من أوله الى آخره لمخرج اسباني يدعى ايزيدورو اورتيز، في عنوان "شيفر"، هو نسخة عن أفلام الرعب التي تتوجه بصفة عامة الى المراهقين. ولم يكن فيلم الكندي "كل شيء على ما يرام" لايف - كريستيان فورنييه (عن الانتحار) أفضل حالاً، ويكفي استبدال البلاهة بالادعاء والتكلف، لمعرفة ما نتكلّم عنه! وفي خانة "فوروم" شاهدنا جسماً غريباً اطلقت عليه مخرجته اليابانية تان بين بين اسم "فيلم وثائقي" وعرّفت عنه بأنه "المدينة غير المرئية"، مدرجةً فيه كل المواد التي تُرمى عادة في القمامة عند انجاز فيلم. لكن، لا بأس بهذا الخيار، لأن المهرجان عاد وأصلح الامور عندما عرض فيلماً ظل ممنوعاً لسنوات طويلة في العالم هو "أسرار الرعشة" للصربي دوتشان ماكافيجيف. ولا كلام آخر يقال عن هذا الفيلم سوى انه الرعشة!

النهار اللبنانية في 14 فبراير 2008

 
 

يوميات مهرجان برلين السينمائي الدولي ... (5) 

نال ميدالية خاصة تقديراً لمشواره الفني.. فرانشسكو روزي مخرج يظهر في ثنايا السيناريو

محمد رضا

يحتفي مهرجان برلين في دورته هذا العام بالمخرج الايطالي الكبير فرانشسكو روزي  ويمنحه ذهبية خاصّة تقديراً لسنواته في السينما. أخيراً، تذكّره مهرجان عالمي عريق وعرض له مجموعة جيّدة من الأفلام حاملة بصماته الأبدية.هو لا  يزال حيّاً يُرزق في الخامسة والثمانين من العمر. عملاق من بين سينمائيي ايطاليا ولو من نوع مختلف.  فهو لا يلتقي مع سينمات العمالقة الآخرين في السينما الايطالية. لا سينما أنطونيوني ولا سينما فيلليني ولا سينما برتولوتشي ولا غير هؤلاء.

سينماه آمنت بنظام من المعالجة الواقعية  ذات الطروحات الاجتماعية والسياسية على يسار الخط  الوسط. سينما روزي انتقادية سواء دارت في المدن او في الريف وهي أيضاً انتقادية حين تتعرّض لأحداث مستمدّة من وقائع او لأخرى مؤلّفة  و-كما سيمر معنا- هي سينما الموقف السياسي المشغول فنّاً والممعن أسلوباً دون أن يعلو الفن على الموقف ما جعل مدرسته محدودة التأثير بالمقارنة مع اولئك الذين استوحوا او لا يزالون من سينمات مخرجين ايطاليين وأوروبيين آخرين متعددين

هَمُّ روزي في أفلامه كان دوماً بحث مسار البلد (ايطاليا) ومعاينة المحرّكات السياسية والصراعات القائمة بين الفاشية واليسار. وجمهور الستّينات ومطلع السبعينات كان يستطيع متابعة التطوّر الاجتماعي والسياسي لكل ايطاليا بمجرّد مشاهدة أفلامه: صعود الفاشية الايطالية في العشرينات والثلاثينات، تبعات الحرب العالمية الثانية على مجتمع بعد تلك الحرب،، نشوء الفوضى في الحياة الاجتماعية بعد الحرب ودخول المافيا الايطالية مجالات الصراع السياسي في الستّينات وبعدها

وٌلد روزي في مدينة نابولي سنة 1922 العام الرسمي لنشوء الفاشية الايطالية كقوّة سياسية يُحسب لها. الحياة الاجتماعية لفرانشسكو روزي لم تكن مدقعة ووالده كان المسؤول عن جر قدم فرانشسكو الى السينما اذ كان الأب متيّماً بها وانتقل هذا الوله الى الابن في سن مبكرة جداً. رغم ذلك، حين كبر فرانشسكو وبات لزاما عليه تأمين مستقبله استجاب لنصيحة أبيه بدراسة القانون وليس السينما ليضمن مستقبله. وهذا ما فعله روزي الابن. الحرب العالمية الثانية اشتعلت ووجد نفسه سنة 1943 مضطراً للانخراط في الاحتياط لكنه في العام التالي عاد الى نابولي وأخذ يعمل في المحيط القانوني طوال فترة الحرب. لكن ما انتهت حتى انبرى فرانشسكو للعمل في المسرح والراديو والرسم الكرتوني هذا قبل أن يجد نفسه مساعداً للمخرج الأسطوري لوكينو فيسكونتي حين بدأ ذاك يصوّر فيلمه “الأرض ترتجف” لاحظ هنا المفارقة التالية: روزي الذي على نحو او آخر تهرّب من خدمة العلم والاشتراك في الحرب وجد الفرصة في فيلم يدور حول معاناة صيّادي السمك في عالم من المحظوظين وغير المحظوظين يخرجه واحد من القواميس السينمائية الواقفة على قدمين. كيف لن يتمكن روزي من استلهام الخليط السياسي والفني لذلك المخرج وهو الذي أنبرى ليعمل في كل شيء يطلب منه من مساعدة اخراج الى مساعدة انتاج؟ هو نفسه كان يشيد بهذا الفيلم ويؤكد انه المسؤول الأول عن فهمه السينما

وأهم ما يبدو أن روزي تعلّمه من هذا الفيلم الواحد هو كيف تعامل المخرج مع الممثلين غير المحترفين في بيئة خالصة لا صنعة فيها ولا زيف. نحن نتحدّث عن اقتراب التكنيك السينمائي لضروريات الحياة وليس لضروريات السينما. لاستجابة الفيلم لمتطلّبات المكان والبيئة وليس فرض السينما عليه لاستخراج عالم مموه عنه. روزي تعلّم كيف يدير ممثلين لم يقفوا وراء الكاميرا من قبل ولا من بعد وتعلّم كيف يبقي السيناريو في صيغة غير نهائية قادراً على استيعاب متغيّرات تفرضها البيئة او يطالب بها الواقع. فيسكونتي لم يكن الوحيد في هذا المجال آنذاك بل روبرتو روسيلليني عمل على ذلك طويلاً، بل لطش لحسابه مفهوم السينما الواقعية ونجد روزي مستوحياً منه أيضاً

حين باشر فرانشسكو روزي العمل مخرجاً (بعد سبع سنوات من مساعدة فيسكونتي وأنطونيوني) بدأ من حيث استلهم مشاكل البيئة والمجتمعات السياسية التي عاينها سواه حينها. في فيلمه الأول التحدي (بعد مشاركات اخراجية امتدت من منتصف الخمسينات) تناول موضوع سيطرة مافيا نابولي على تجارة الفاكهة وفي فيلمه الثاني  المحتال تعرّض لمافيا العلاقات التجارية الصقلية والمافيا برأسها الاقطاعي والسياسي وهيمنتها الاقتصادية على الناس (وليس من زاوية الأمن والبوليس فقط) كانت في أفلام لاحقة له كما لو أن المخرج وضعها في بؤرة كاميرا اهتمامه لتعريتها معتبراً اياها ذيولا للفاشية (وهي سياسياً من اليمين المحافظ وكانت متعاونة مع الفاشية أيام كانت تلك تمسك بزمام السُلطة). وهضماً لحياة الكادحين

مثّل فرنشسكو روزي اليوم مكانة عالمية بين المخرجين الكبار في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، لكن في الوقت الذي تهافتت فيه الجماهير المثقفة على أفلام  فيلليني أو برجمان، وفي الوقت الذي تكتب فيه صفحات طويلة عن كليهما في المراجع، لم  يجد روزي الجمهور ذاته ولا الاهتمام ذاته من النقاد. لكن روزي، مثل أنطونيوني، وليد سينما تبحث عن المعنى وتتقرب من جمهور يريد مواضيع أساسية عميقة. على عكس زميله فيلليني الذي لا يعتبره رتشارد راود  “مخرجاً أساسيا” (وما هو الأساسي؟) الشكل عند روزي ليس البدعة التي يعتمد عليها، والاستعراض الساحر ليس الغاية. على عكسه، أيضاً، يضع ذاته في درجات سفلى تظهر في شكل انطباعات وفي ثنايا السيناريو أكثر من ظهورها في متبلورات مرئية. روزي ينتقي لفيلمه الشكل المناسب للموضوع الذي يقدمه، دون أن يغترب عن الأسلوب الكبير الذي ينفذ به كل أعماله. لذلك من يرى “جثث مشهورة”، وهو فيلم سياسي حاد، لا بد وأن يجد العلاقة بين الموضوع   وتلك الزوايا التي تحدث عنها “رواد”، ولو أني لست من أنصارها بالضرورة.  كذلك من شاهد “المسيح يتوقف عند أيبولي” يجد علاقة بين أسلوب الفيلم الذي مال الى الصياغة الأدبية والانشائية السردية، وبين موضوع الفيلم الذي تحدث عن سياسي يفرض عليه  بسبب أفكاره التقدمية  ترك بلدته الشمالية والعيش في قرية جنوبية فقيرة (الأحداث في 1935) وهو أسلوب يجد له المشاهد مرادفاً له هنا في “الاخوة الثلاثة” مع اختلاف أساسي هو أن الشكل في هذا الفيلم الأخير قد اعتمد نسجاً رقيقاً للغاية بين المشاهد كلها لكثرة مشاهد الحلم والخيال فيها.

“أغاني الطيور” مزيج من الدراما والكوميديا

المخرج: مجيد مجيدي

الممثلون: رضا ناجي، مريم أكبري، كمران ديغام

الانتاج: إيراني

القسم: المسابقة

لا يزال فيلم  “أطفال الجنة” هو الذي يُذكر للمخرج مجيد مجيدي منذ انتاجه قبل نحو ست سنوات والى اليوم- ولذلك سبب مهم: لم يحقق مجيدي فيلماً من ذلك الحين يتجاوز ذلك الفيلم، و”أغاني الطيور” لا يختلف في ذلك. انه فيلم جيّد لكنه ليس بجودة فيلم مجيد السابق على الرغم من أنه كاد أن يكون.

نتعرّف إلى بطل الفيلم كريم (ناجي) من البداية: رجل قروي يعمل في مزرعة للنعام إحدى أغلى الطيور احتواء في العالم. انه يرعاها مع زملاء له لكن يبدو الوحيد الذي تعنيه أكثر من سواه. متزوّج وفي كل يوم يعود الى البيت تجابهه تفاصيل الحياة العائلية. هذه المرّة ابنته الكبرى فقدت سمّاعة أذنها وهي صمّاء من دونها. سقطت في بئر فيه ماء راكدة. الى تلك الماء ينزل كريم طالباً من أولاد القرية مساعدته في ايجاد السمّاعة تحت الماء غير العميقة. وأحدهم يجدها لكنها لن تعمل لأنها أصبحت عاطلة. البديل؟ شراء سمّاعة جديدة وثمنها يقترب من 400 دولار. مبلغ ليس من السهل الحصول عليه.

في اليوم التالي تتسلل نعامة من نعامات المزرعة الى خارج الحظيرة وتنطلق هاربة. يركض وراءها رهط من العمّال ويلحق بها كريم على دراجته النارية، لكنها تختفي وصاحب العمل يطرده. على أن كريم يجد عملاً سريعاً ولو من باب الصدفة. لقد نزل الى طهران للسؤال عن السمّاعة فاعتقده أحدهم “موتوسيكل -تاكسي” (بزنس قائم بحاله في المدينة حيث عشرات الموتوسيكلات تنقل ركّاباً بأسعار أرخص من سيارات الأجرة العادية). يقبض كريم من هذا الزبون ثم من غيره وتمر الأيام والعمل الجديد يروق له ويجزيه مالياً. في نهاية كل يوم يذهب الى مكب تتجمّع فيه أغراض منزلية من بناية آيلة للهدم ويحمل ما يأخذه الى حديقة منزله يدّخره هناك: أبواب، صهاريج، أطر نوافذ.. أي شيء من هذا القبيل. في أحد الأيام، وبعد مفارقات تعكس رغبة المخرج في نقل صور انسانية عنه وعائلته والقرية والمدينة على حد سواء، يقع في حديقة البيت ويكسر قدمه.

هنا تماماً يقع الفيلم ويكسر ايقاعه. ما بدا مزيجاً متجانساً من الدراما والكوميديا الاجتماعيين يصبح استطراداً، ولأن بطل الفيلم هذا كان لولبه ومحوره والمتسبب في ايقاعه المنشغل والسريع، فإن قعوده في البيت يوصل الفيلم الى حالة فتور تسبق نهايته بنحو ثلث ساعة.

مجيدي لا يزال جيّداً في التقاط صور معبّرة انسانياً. السيناريو الذي كتبه بنفسه مع مهران كاشاني يعتمد حواراً شبه متواصل، لكن لا شيء في هذا الحوار يكشف عن الشخصيات التي تتحدّث أكثر مما تفعل الصورة بلغة تعبيرية جيّدة.

على شاشة برلين

“كتاب الصيف” تأمل في الحياة

المخرج: سيفي تومان

الممثلون: تانر برشل، تايفون غوناي، هارون أُزواج، عثمان انان

الانتاج: تركي

القسم: “فورام”

الصورة هي أيضاً عماد هذا الفيلم التركي المختلف في الاهتمامات كما في الأسلوب. انه فيلم صغير الحجم مثل بطله الصبي علي (تايفون غوناي). والده يعمل في نقل المزارعين بحافلته الصغيرة في صباح كل يوم، ووالدته زوجة مخلصة وصبورة. شقيقه الأكبر منه يعود من الجامعة راغباً في عدم الذهاب الى الخدمة العسكرية وعمّه قصّاب عاد الى المدينة التي تقع فيها الأحداث مدينة ساحلية على البحر المتوسط بعد أن أخفق في زواجه وعيشه لسنوات في أنقرة.

والوقت هو مطلع الصيف وها هو علي يغادر المدرسة مطلع العطلة التي ستمتد لثلاثة أشهر هي الفترة التي ستستغرقها الأحداث هنا.

اذ يعارض الأب العنيد قرار ابنه الأكبر يتدخّل كذلك في عطلة ابنه فيفرض عليه بيع علبة كرتون من العلكة على ناصية الشارع مبرراً الأمر انه بدأ العمل في ذلك السن المبكر. في أحد الأيام، وبعد متابعات مشهدية للحياة العائلية والاجتماعية لشخصيات الفيلم، يتم نقل الأب الى المستشفى ويدخل “الكوما” بعد أزمة قلبية. الزوجة تعتقد أنه كان على علاقة مع امرأة ما يحمل أخيه على السفر الى قرية في الجوار ليسأل عن تحركات الزوج بعدما علم أنه أمضى الليلة هناك.

هذا ليس فيلماً لأجل سرد أحداث كثيرة ومتشعّبة ولا يحتوي على قصّة ذات خطوط عريضة. لكنه تأمل دافيء في الحياة والنمو والعلاقات بين الشخصيات غير الكثيرة التي يستعين المخرج بها لملء فراغات القصّة. 

أوراق ناقد ...

صناعة السينما عندنا

لو أن السينما العالمية تُدار بالطريقة ذاتها التي تُدار بها السينما العربية لما كانت هناك سينما أساساً.

دخلت سوق الفيلم التجاري الذي يُقام -ككل عام- بالتوازي مع المهرجان نفسه وخرجت بانطباع مفاده أن السينما لأهلها، ولا يهم إذاً من بدأ السينما قبل الآخر، بل المهم ماذا تفعل بالسينما اليوم- هذا اليوم الذي تعيش فيه.

في الأساس، وفي سعي من المهرجان الألماني لإتمام الحقول المختلفة للحياة السينمائية فناً واعلاماً وصناعة، تم تزويد السوق بميزانية خاصّة به يتم توفير نسبة كبيرة منها من الاشتراكات التي تقوم بها الشركات الانتاجية والتوزيعية، فكل شركة تدفع سعراً لإقامة مقر لها وهناك مقار مختلفة من مجرّد موقف او “ستاند” الى غرفة كبيرة مزوّدة بكافة الأجهزة والأثث التي تجعل الزائر يرتاح حين وجوده راغباً في مشاهدة فيلم على الشاشة او الاجتماع بأحد لإتمام صفقة ما.

أيضاً وفّر حافلات على مدار النهار ما بين مقر المهرجان ومقر السوق (لا يبتعدان كثيراً) وبينهما وبين كل فندق رئيسي ينزل فيه البائعون والمتسوّقون وأصحاب العلاقة المختلفون.

لكن اذ تدخل هذا المقر المؤلّف من طابقين شاسعي المساحة وتشاهد مئات الناس وهي تستثمر كل دقيقة لاتمام عملية انتاج او توزيع أو بيع أو شراء، تدرك أن السبب في أن أهل الغرب يحققون أرباحاً كبيرة من هذا الفن بينما نحقق نحن العرب ما تسنّى لنا من ايرادات، يعود الى أنهم يعون أهمية هذه الصناعة ويعون طرق حمايتها وتنشيطها وتوسيع انتشارها. لديهم أسواق مشتركة ولدى كل بلد أوروبي دعم حكومي للسينما واذا ما تراجع الاقبال 2 في المائة عما كانت عليه الحال في عام سبق، تنبّه الجميع وأخذ يبحث في الأسباب.

واذا ما كانت هناك حقوق ضائعة حارب صاحب الحق الضائع من أجل حقّه كما حدث مع نقابة الكتّاب الأمريكيين التي انتهى إضرابها باتفاق مع المنتجين الأمريكيين يخوّل الأعضاء حقّهم من الايرادات الكليّة الناتجة عن بيع الفيلم للوسيط الجديد والمتجدد وهو الانترنت.

ماذا بعد؟

حولك في السوق كل تلك المكاتب وطبعت مجلات وكتب وتجهّزت بأفلام ووظّفت أصحاب خبرات وأرسلت مندوبين واشتغلت على كل نافذة بيع ممكنة.

انه ليس أكبر سوق سينمائي وحصيلته ليست أعلى الحصائل، لكنه سوق كبير وموزّعون من لبنان والكويت شوهدوا هنا يشترون أفلاماً ويبرمون عقوداً.

* حين حاول مهرجانا القاهرة وقرطاج اقامة سوق سينمائي تعثّرت المحاولة وكان لابد لها أن تتعثّر. الأسباب متعددة ولن أدخل في تفنيدها اليوم، لكن النتيجة واحدة: نحن ما زلنا نتعامل مع الأفلام السينمائية كعمليات محدودة وكما لو أن التاريخ سيتوقّف غداً. الخطط محدودة والشطارة تلعب الدور الأول اذ تريد انتزاع الحقوق بدءاً من حق المخرج وصولاً الى حق الكاتب والسوق دائما ما بدا بحاجة الى ما ينشطّه ويجعله حتمياً0 لكن الأساس في فشل المحاولات أن أحداً لا يريد أن يرسي تقاليد حضارية في التعامل ولا أحد يريد ارساء تقاليد جديدة في النظر الى السوق السينمائي كمناسبة لتوظيف هذه المساحة الكبيرة من المجتمعات التي يمكن لها أن تفيد وتثري العمل السينمائي المحلي0 كذلك كمناسبة لتشجيع الانتاجات العربية المشتركة بحيث يتم تبادل الخبرات وتبادل الأفكار والخروج الى العالم (ولو لمرّة) بفيلم عربي جيد واحد.

م.ر

email: merci4404@earthlink.net

Blog: shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في 14 فبراير 2008

 
 

«السعيد محظوظ» للي و«عصفور الدوري» لتاو في برلين

النكتة لعبة المدن المتغيرة

زياد الخزاعي/ برلين

صاحب «أسرار وأكاذيب» (1996) و«عري» (1993) البريطاني القدير مايك لي تخلى في جديده «السعيد محظوظ» الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان برلين الحالي عن سوداويته المعهودة واصراره على التحامل الدرامي الذي يميل ابطاله الى كيانات خاسرة ومكلومة، ليشيع الكثير من الخفة والتندر والظرافة حول يوميات بطلته الشابة بوبي (اداء ساحر من سالي هوكنز) المدرسة في حاضنة اطفال شمال لندن. تبدو بوبي كأنها كيان يدفع بالاخرين الى اساءة الظن بتصرفاتها وردود افعالها، مثلما يدفعهم الى السخرة والاستهانة بحكمتها وشجاعتها وفطنتها، بيد انها تثبت للجميع كينونتها المتألقة ذات الطبيعة العملانية في حل معضلات الآخرين الذين يقعون في براثنها بسبب تهورهم او بلادتهم. انها شخصيات عدة تحت جلد أمرأة لا تخاف من الاقدام على اي شيء ما دام يضعها في حبور عفوي، لذا فهي دائمة التشجيع على تجاوز الازمة حتى لو كانت صغيرة، ففي عرفها ان كل الامور طارئة وتحتاج الى معالجة مفاتيحها بروية. ودليل على ذلك ان اكتشافها لسرقة دراجتها الهوائية لن يدفعها الى الندب قدر ما تطلق نتيجة له نكتة مرة تمس غباء التعارف الذي لم يجد سوى تحقيق جريمة تافهة.

سلسلة النكات والتعليقات الفاجة بالسخرية، هي «مخالب درامية» لبوبي كي تخترق محظورات وحواجز يضعها الآخرون خوفا او توجسا. وحينما تدخل الى المكتبة وتجد مديرها محصنا بصمت عدائي لا يفلت عن لسانها سوى شتيمة تحامل: «نهارك طيب، كن سعيداً» من دون ان تحصل على رد فعل من الشاب الملتحي. ويكون هذا المشهد هو المفتاح الاساسي في فهم دوافع وطلتها الشبابية. يعمد المخرج لي الى الانتقال سريعا الى المرقص وايقاعه الضاج ليعرفنا على مجموعتها من الشابات اللواتي يعانين من عزلات مفترضة، هي اما نتيجة لطلة ناقصة (كما لدى شقيقتها روزي التي تضع حاشيتين كي تكبر من حجم ثدييها) او حظ تعس يمنع الشابات من الاقتراب وتجريب حظوظهن في الحب واللقاء الجنسي السريع. وحينما يتم افتراقهن لاحقا، يكون امام المخرج لي خيار واحد هو الإمساك بقدر بطلته واصطحابنا معها في مغامراتها الاجتماعية التي هي في تقدير صاحب «آمال عالية» (1988) و«الحياة لذيذة» (1990) اسكتشات تمثيلية تجتمع فيها صالات اجتماعية وشخصيات تعكس التغييرات السريعة في بنية المجتمع البريطاني اليوم، والمخرج لي في هذا المضمار يقارب اشتغالات زميله كين لوتش لكن من دون الغل السياسي الذي يصر عليه الاخير، فلي يسعى الى استعراض حالات لا التعليق عليها وإسباغ التوصيفة الايديولوجية التي ـ بحسب قناعته ـ لا يتيح لمشاهدها سوى الرضوخ لمبرراتها. بوبي هي حاضنة هموم الاخرين الذين ينتظرون ـ بشكل او بآخر ـ فردا ما ليقودهم الى بر امانهم الشخصي. فمدرس تعليم قيادة السيارات سكوت (ادي مارسان) سيداور في علته الذاتية وازدواجية ارتباطاته العاطفية قبل ان ينفجر عصبيا كأن لوثة اصابته، من حيث ان تعليقات بوبي ذات المسحة التهكمية لا تتيح له الفرصة في اظهار وجعه الداخلي، وما اصراره على تجيير توصيفات تعلم القيادة سوى اشارة ذات مغزى سياسي عن كوزموباليتية لندن وفساد مسيّري شؤونها. وعلى سكوت ان ينتظر حتى المشهد الختامي كي يحقق اختراقه الحقيقي في تثبيت اقدام بوبي الطائرة بنكاتها في كل الارجاء، وتعرف ان ازمة سكوت ليست فردية (ترفض اعطاءه مفاتيح سيارة التدريب بعد تهوره في قيادتها) بل جمعية، كون بشر المدينة الحداثية وغربائها لا يتقاطعون بالمودة او النية الحسنة. وعندما يلقي سكوت خطابه المسيس عن تداخل الوافدين و«الحكم الاميركي المبطن» لبريطانيته الخاسرة، نعي (كما بوبي) ان نموذج سكوت كما يفترضه المخرج لي هو في زوال حتمي. فالدولة البوليسية التي تترنح اليوم اكثر من اي وقت مضى ستكون الكفيلة بكم صوته او مَن على شاكلته.

بوبي تعيش مع زميلتها في المدرسة، لكن خروجها من الدائرة الضيقة لن يتم الا على مديرة المدرسة التي تتلبس رمز السلطة المحلية التقليدية، لكن من دون الاحتفاظ بقفازات ادارتها التي لا تترك أثراً لبصمات ادانتها. فهي زوجة وأم لا ترتكن الى أعرافها ومحصناتها، بل تغامر بعيداً عن النق العائلي لتمارس رقصة الفلامنكو الاسبانية، ليؤكد المخرج لي ان الوافدين ستصبح مهماتهم في التسيير الاجتماعي اكثر تأثيراً وأوسع رقعة (الممرض الذي يعالج بوبي من آلام ظهرها زنجي، وصديقتها زوي مختلطة الاصول). وهذه الشخصية الاقتحامية ستمهد الطريق الى البطلة الشابة كي تلتقي بالحبيب الموعود الذي يصل عن طريق الصدفة (مشكلة طفل يعاني من تجاوزات عشيق والدته) وهو ما يحقق لبوبي لقاء جنسيا، سنسمع تعليقاتها الساخرة حوله كآخر كلمة في الشريط «السعيد محظوظ». فهي ارادة انسانية موعودة بالحبور والملاحة التي نضيعها بهموم الارتزاق او السرقة او التحايل على الفشل الشخصي. المخرج لي لا يضفي مسحات اخلاقية كما فعلها في «فيرادريك» (2004) حين وضع السيدة العجوز في خانة الجريمة مع انها مارست اجهاض الفتيات السيئات الحظ بنية حسنة للدفاع عن وحدة عائلتها، او عندما فاجأ السيدة البيضاء في «أسرار وأكاذيب» بمحن نزوتها القديمة، لتقف امام عقبة في مواجهة ابنتها الغائبة والتي عادت مطالبة بحق امومتها. والمعضلة انها شابة زنجية جاءت نتيجة علاقة سريعة مع احد جنودالمارينز خلال الحرب!. فهو في هذا الفيلم لماح في خطابه الانتقادي الذي اعتمد الى حد كبير على عصرية بطلته وآنية الحلقات الاجتماعية حولها، على رغم ان لي لم يظهر اقليات كثيرة وأصر على تحييد شوارع لندن لتبدو كأنها خالية من بشر بسحن متعددة وملونة!!

النكتة هي مفتاح المخرج التايواني جوني تاو في «عصفور الدوري» وجاءت كبديل على الدموية التي اسبغها على اشرطته السابقة مثل «انتخابات» (بنسختيه 2005 و2006) و«المبعد» (2007)، وهو ـ عمالي ـ يذهب الى شوارع وأزقة هونغ كونغ، كأن به يودع عوالم هي من ملامح مدينة كوزموبوليتانية، انتحرت اقتصاديا بعيد انضمامها وعودتها الى الدولة الأم. وقد لا يبدو هذا جليا في حكاية الشريط الا ان اعتماد تاو على هواية بطله كي (سيمون يام) في التصوير الفوتوغرافي هي بمثابة أرشفة لحقيقتين: البناء الذي يحدد محيط مدينة حداثية، والكائنات التي شرعت في تغيير مصائرها ومهنها. وبما ان نهضة هونغ كونغ جاءت باعتبارها مركزا حاليا نافذا في اسواق العالم فالشكوك حول استمرارها على هذا المنوال في ازدياد رغم توكيدات بيجين ان هونغ كونغ منطقة محظوظة تفرض المحافظة على رونقها الاقتصادي والمالي. لم يختر المخرج تاو قطاع طرق ورجال عصابات ومافيات وفاسدي سلطة، بل سلط كاميرته الذكية (تصوير معتبر من تشينغ سوكوينغ) على أربعة نشالين يرتزقون من مهاراتهم في الكسب غير المشروع، وبما ان هذه المهنة في طور الاضمحلال والاختفاء، فقدر هذه الشخصيات سيُرتَهَن بشابة حسناء تظهر لهم فجأة، كل على حدة، وتلقنهم درسا في فنون النشل. فهم بعد كل مغامرة صغيرة، يكونون ضحاياها.

محنة كي تبدأ من عصــفور دوري يقتــحم غرفته الوضيعة، فهو مؤشــر على اخــتراقات قادمــة، وحينما يحاول في المشهد الاخــير الامســاك به وهو على غصن شجرة سيكــافأ العصــفور ببرازه تحت تندر زملائه. فالحرية التي يملكها بين الأوراق الخضراء أشمل من الحرية الموقتة التي يحصل عليها كي بالوريقات المالية الخضراء الخاصة بضحاياه. كي شخصية وحدانية لكن غير معزولة عن محيطها، وعندما تقع عدسة كاميرته على الوجه الحسن لتشون لي يتيقن ان مصيره ارتبط بهذه المرأة الغامضة التي تهرول هربا من عسس عشيقها وسياراتهم السوداء. ومثلما تكون مهنته غير مؤذية منهجيا، فإن خسارته لظنه بامكانية وقوعه بحب هذه الطريدة لا تسبب جرحا بأي حال، فمن بين حسناته انه ولد في الشارع وسيبقى دائرا فيه حتى يلتقي بقدره عند ارصفة وخفايا أزقته. فهو أيضا دوريا بشريا يبحث عن كوة ما لحرية بدأت تضيق.

السفير اللبنانية في 14 فبراير 2008

 
 

قراءة في أفلام الأسبوع الأول من مهرجان برلين السينمائي

برلين - محمد رضا

باستثناء فيلمين أو ثلاثة، فإن أفلام الأسبوع الأول من دورة مهرجان برلين السينمائي الجديدة مناسبة جيّدة لتمارين الحنك من فرط التثاؤب

هناك شيء ما خطأ حين تكون هناك لجنة اختيار لمهرجان ما وكل ما تستطيع الاتفاق عليه لاختياره هو أفلام لا تحمل في الغالب قيماً نوعية فنيّة جيّدة، هذا الشيء الخطأ أما لأنه لا توجد أفلام من هذا النوع مطلقاً وإما لأنه توجد شروط متخلّفة لا تستوعب المطلوب فعلاً تقديمه، أو لأن لجنة الاختيار مؤلّفة من أشخاص ضعاف لا معرفة كاملة ونشطة وعميقة لهم بالسينما. المرجح أكثر من غيره هو أن الجواب يكمن في السببين الثاني والثالث.

لكن مهما يكن فإن النتيجة واحدة: معظم الأفلام المطروحة في هذا الاستعراض والتي عرضت في المسابقة تعاني من مشكلة كبيرة أو أخرى. المشكلة تختلف من فيلم إلى آخر فبعضها ناتج عن سقوط الفيلم في منتصف الطريق بين اتجاهين بحيث لا يحقق المنشود منه في أي إتجاه، وبعضها الآخر سقط بسبب النص والبعض الثالث بسبب التنفيذ. التالي هو جردة حساب للأفلام التي عرضت إلى الآن حسب توالي عروضها.

Shine A Light - الولايات المتحدة الأميركية

فيلم الافتتاح لم يكن سوى هذا الشريط الموسيقي- الغنائي التسجيلي الذي أنجزه مارتن سكورسيزي عن فرقة (ذا رولينغ ستونز) البريطانية وهي المرّة الأولى التي يشترك فيها فيلم تسجيلي ما في مسابقة مهرجان برلين ناهيك عن أنه أيضاً -وبطبيعة الحال- المرة الأولى التي يفتتح فيها الدورة، في العام ما قبل الماضي قام الفريق بحفلة في مدينة نيويورك غصّت بالحضور من المعجبين وبينهم المخرج سكورسيزي الذي صوّر حفلتهم من زوايا متعددة وبفضل مونتاج جيّد نقل إلى الشاشة في هذا الفيلم الحماس والأجواء التي غلّفت ظهورهم. أكثر من ذلك، صنع عملاً تسجيلياً زمنياً من حيث إنه شهادة لفرقة انطلقت في الستّينيات ولا تزال مستمرّة بزخم غريب.

التقييم: (ثلاثة من خمسة).

In Love We Trust - الصين

فيلم (باللغة الماندرانية) من إخراج وانغ كشاو شياو الذي دائماً ما يتم تقديمه كأحد سينمائيي الجيل السادس، كما لو أن هذا وحده ضمانة. الحقيقة أن (في الحب نثق) ميلودراما من وزن تلفزيوني حول تلك الأم التي يتأكد لها أن ابنتها الصغيرة ستموت بالسرطان المبكر فتسعى لإقامة علاقة مع زوجها السابق (المتزوّج حالياً) برغبة إنجاب طفل آخر لعلّه يؤخر أجل إبنتها. ما ينتج عن ذاك تأخير أجل الفيلم نفسه خصوصاً وأن زوجها الحالي لا يمانع رغم أن زوجته لم تتكلّف حتى أخذ رأيه. أما زوجة زوجها السابق فتثير الغضب الذي ما إن يهدأ حتى تعلن موافقتها أيضاً? كل ذلك لأجل القول أنه من أجل حب الأم لطفلتها فإن كل شيء يصبح ممكناً.

التقييم : (اثنان من خمسة).

There Will Be Blood  الولايات المتحدة الأميركية

أفضل ما شوهد من أعمال روائية حتى اليوم هو هذا الفيلم الذي أخرجه بجدارة بول ثوماس أندرسون وقام ببطولته -بأداء جيّد- دانيال داي لويس. إنه عن منقّب فضّة في العام 1889 اكتشف حقلاً للذهب الأسود وانقلبت حاله بأسرع وأفضل مما كان يتصوّر. يتناهى إليه وجود حقل أكبر في ولاية كاليفورنيا فيشتريه ويتحوّل إلى رجل بالغ الثراء. لكن عدائيّته للمجتمع وللناس ورغبته في الاستحواذ أمور تجعله يعيش وحيداً. حتى عودة الشاب الذي رعاه طفلاً (بعد موت والده في حادثة منجم) لا تشكّل مناسبة لمراجعة النفس. للفيلم تجسيد للسياسة الحالية حيث يكشف المخرج العلاقة القائمة بين النظام الاقتصادي وبين الكنيسة المتشدّدة على أساس أن هذه العلاقة -وحسب الفيلم- هي ما تشكّل الرابط الوثيق بين الاثنين في الحياة السياسية بأسرها.

التقييم: (أربعة من خمسة).

Black Ice - فنلندا/ ألمانيا

ميلودراما أخرى إنما في إطار مختلف: الزوجة هنا (أوتي ماينبا) تنفصل عن زوجها وتغيّر هويّتها وتبدأ بملاحقة عشيقته لكي تنتقم منها. المخرج بتري كوتويكا يحشد أجواءً تشويقية لكنه سريعاً ما ينحو إلى ما يُسمّى بلغة التلفزيون بال(سوب أوبرا) حيث الأحداث آيلة إلى طروحات عاطفية الشأن أكثر منها منطقية? هنا يوجد بعض العذر في هذا الاتجاه كون المخرج حاول التأكيد على الجانب العاطفي والشخصي أساساً راغباً في سبر غور الإشكالات الناتجة عن الغيرة والثورة والحب، لكن المزاوجة بين التشويق والشأن العاطفي يعني مشاكل اختيار بين شكلين مختلفين للفيلم والمخرج اختار الشكل الأكثر هواناً (العاطفي) حتى وإن لم يقصد ذلك. هناك كاميرا ثابتة ومتوازنة الحركة تحسب للفيلم وهو أسلوب لم يتّبعه المخرج من قبل?

التقييم: (ثلاثة من خمسة).

Lake Tahoe  المكسيك/ الولايات المتحدة/ اليابان

المخرج فرناندو إمبيكي يستوحي من المخرج الأميركي جيم يارموش أسلوب تقديم الحكاية بالبطء المتعمّد والشخصيات التي تثير البحث لكن القصّة التي يجعلها وسيلة لمثل هذا الانعكاس والتأثير، تبقى نحيفة كنحف بدن بطله الشاب جوان (دييغو كاتانو) وهو يترك بيت عائلته هرباً من الشجار الدائم ليتعرّف على حياة جديدة في بلدة أخرى أكثر هدوءاً وأقل زحاماً من المكان الذي جاء منه الفيلم معمول ككوميديا مواقف، لكن ضعف التمثيل بالإضافة إلى ضعف الإمكانيات يجعل هذه المواقف مثل لفحات هواء تمر سريعة ولا تترك برداً.

التقييم: (اثنان من خمسة).

Julia - الولايات المتحدة

يقول المخرج العائد بعد طول غياب إريك زونكا إنه استوحى قصّة هذا الفيلم من (غلوريا) الذي أخرجه جون كازافيتيس في السبعينات. هذا صحيح، لكن إذا استوحى الفيلم الجيّد السابق من دون أي قدر من الذكاء تمكّنه من تقويض مخاطر انزلاق الفيلم إلى التشويق وحده? في (غلوريا) قصّة امرأة في منتصف العمر يعهد إليها بحماية صبي وهي لم تتزوّج لأنها لا تطيق الأطفال، لكنها ذات قلب وهي تحاول حماية الطفل من العصابة في الفيلم الجديد هي امرأة بلا قلب إلا في النهايات ما يجعلها عرضة لمشاهدين يبحثون عن القيمة في الصياغة الدرامية ولا يجدونها هي هنا من تخطف الصبي وتحاول جهدها ابتزاز جدّه وهي هنا امرأة سكيرة لا تعرف شيئاً اسمه ضوابط تمكّنها من حفظ حياتها قبل أن تخسرها على هذا النحو أو ذاك. النتيجة فيلم يستمر أطول بكثير مما ينبغي ولا يضيف لحكاية الخاطف والمخطوف المطروقة أي جديد سوى بعض المشاهد الصحراوية حيث تلجأ بطلة الفيلم وهي تيلدا سويننتون - الممثلة التي تربط هذا الفيلم المتفكك بعضه ببعض.

التقييم: (اثنان من خمسة).

Gardens of the Night  بريطانيا/ الولايات المتحدة

يضع المخرج داميان هاريس يده على موضوع يعنيه اجتماعياً وأمضى عليه ست سنوات باحثاً ومنقّباً قبل أن يشمّر عن ساعديه وينطلق في العمل? إنه عن الأولاد والفتيات الصغار اللواتي يتم خطفهم والمتاجرة بهم وهم في ذلك السن البريء الصغير? متابعة الفيلم صعبة على الرغم من أن المخرج لا يظهر العنف الفعلي ولا تهمّه المشاهد الجنسية حين يبدأ الخاطف ببيع الفتاة الصغيرة لمن يدفع? التوتّر بدوره عال لكن المعالجة بكاملها لا تنجز الموعود من الفيلم. لا جدال على النيّة الطيّبة التي تعتري صانعه لكنه ليس بالفيلم الفني الناجح خصوصاً وأنه ينتقل من الزمن الحالي إلى الماضي ويعود إلى الحالي في حركة لولبية تقسم الفيلم ولا تفيد في معالجته جيّداً.

التقييم: (اثنان من خمسة).

The Song of Sparrows - إيران

بطل هذا الفيلم رجل قروي يعمل في مزرعة للنعام وفي أحد الأيام يطرد من عمله لأن نعامة هربت. ليعيل عائلته وتأمين الثمن المرتفع لآلة سمع لابنته الصمّاء. يأخذ درّاجته النارية إلى المدينة كل يوم ويعمل عليها كتاكسي: (عادة منتشرة في طهران على ما يبدو وشوهدت سابقاً في أكثر من فيلم إيراني)، كل مساء حين يعود هناك مشاكل الحياة العائلية الصغيرة التي تثير الاهتمام والطرافة، والمعالجة المعهودة من مخرج يحب التفاصيل الاجتماعية ويقدّم أبطاله بإعجاب ملحوظ، للأسف قبل نصف ساعة من نهاية الفيلم تخف قبضة المخرج على نواصي العمل وما بناه من اهتمام بفضل فاصل في السيناريو يؤدي إلى تداعيات وتطويلات لم تكن محسوبة. فالرجل يقع ويكسر رجله والفيلم كذلك.

التقييم :(ثلاثة من خمسة).

Elegy - إسبانيا

المخرجة إيزابيل كواسيت تستوحي هذا الفيلم من رواية للأميركي فيليب روث تدور حول بروفسور يؤدّيه (بن كينغسلي) وطالبة (بينلوبي كروز) وكيف أن الحذر الذي يمارسه الأستاذ بصورة عامّة مع كل طالباته خشية أن تتمادى إحداهن معه لا ينفع أمام هذه الطالبة (أليست بينيلوبي أكبر سنّاً من دورها؟) التي تتمتّع بالجمال والإصرار على ربح قلب الأستاذ، قضى هذا الناقد وقتاً متعباً وهو يشاهد عملاً لا يهمّه ومع شخصيات تفتعل قدراً من الأداءات غير المقنعة، إذا صح ما شاهدته في هذا الفيلم فمعنى ذلك أن كل أستاذ مدرسة يشتهي طالباته ويعاني كبتاً شديداً وحرماناً أشد!

التقييم: (اثنان من خمسة).

The Elite Squad - برازيل

إلى الآن، كان لدى الأفلام التي عرضت رغبة في تجنّب الكاميرا المهزوزة التي تعتبر نفسها تعبيراً فنيّاً لمجرد تذكيرنا بوجودها. الآن، ومع هذا الفيلم الصاخب والعنيف، تلعب دور البطولة وتنتهج دور الكاميرا التقريرية التي نراها في التحقيقات الصحافية التلفزيونية. للأسف، وعلى عكس التلفزيون، ليس هناك زر تضغط عليه خلال العرض لتغيير القناة، بل تجد نفسك محبوساً أمام الشخصيات المتنافرة في هذا الفيلم الذي يريد الحديث عن العنف المتفشّي في شوارع ريو دي جنيرو بعنف مماثل يقوم به هذه المرّة البوليس والعصابات على حد سواء. إنه صادق النيّة قليل الحيلة حين يأتي الأمر إلى استخراج عمل أكثر دلالة.

التقييم: (اثنان من خمسة).

Happy Go Lucky - بريطانيا

إنقاذاً للأسبوع الأول تم تقديم هذا الفيلم الكوميدي - الاجتماعي الجيّد من المخرج الواقعي مايك لي حول امرأة شابّة (سالي هوكينز) تعيش مع صديقاتها وتتمتّع بروح شفّافة وبوجه بلا أقنعة. إنها دائمة الضحك والمرح وتجد في كل موقف مهما كان عصيباً مدعاة للتندّر. بعد سرقة درّاجتها تقرر أن تتعلّم قيادة السيارات والمعلّم إنسان متعصّب لا يطيق فقدان ثانية على الاجتماعيات. ليس أن حبّا سيربط بينهما على الرغم من التناقض الكبير، بل على العكس ستقع أحداث تجعلها تقرر أنها لا تريد أن تراه بعد ذلك اليوم. لا أحداث درامية كبيرة ولا نيّة لدى المخرج لأي شيء باستثناء عمل حياتي واقعي حول امرأة واثقة من أن الحياة هي أجمل من أن نمضيه في امتعاض وكدرتمثيل جيّد من سالي وإخراج نافذ لكن المفقود هو حدث أكبر حجماً بقليل من تلك التداعيات السهلة المتواصلة.

التقييم: (ثلاثة من خمسة).

شاشة عالمية

HOW TO ROB A BANK

المخرج: أندروز جنكنز

الممثلون: نك ستول، إريكا كرستنسن، تيري كروز

المصدر: مكتوب خصيصاً للسينما

النوع: تشويق

ملخص:

حكاية سرقة مصرف تتعرّض لمطبّات وخيانات وتشابكات تطيح بالعملية من بدايتها. على الرغم من ذلك تتعدد الشخصيات وتتكاثف المفارقات حول من الذين سيسرق ماذا في نهاية المطاف.

رأي الجزيرة:

على الرغم من أن الموضوع مثير على الورق، إلا أن تحويله إلى فيلم سينمائي على يدي مخرج ليست لديه الخبرات الكافية، كما الحال هنا، يؤدي بالمشروع كله إلى فوضى شديدة.

رأي آخر:

إذا كان المخرج جنكنز محظوظاً فستغفر له هوليوود هذه الزلّة وتعطيه فرصة عمل أخرى (ستفن فاربر - ذ هوليوود ريبورتر)

IN BRUGES

إخراج: مارتن مكدوناف

الممثلون: كولن فارل، برندن غليسون، راف فاينز، كلمنتين بوسي

المصدر: سيناريو مكتوب خصيصاً للسينما

النوع: أكشن / كوميدي

ملخص:

راي (فارل) وكن (غليسون) رجلا عمليات قتل واغتيال مأجوران. الآن هما بانتظار العملية المقبلة ويمضيان الوقت في السياحة كونهما لا يملكان وضعاً اجتماعياً يرتاحان إليه. لكن المدينة التي اختاراها لتمضية الوقت فيها ما يكفي من المتاعب وما يلبثا أن يغرقا في عنفها.

رأي الجزيرة:

مكتوب لإثارة النجاح ومنهجه في ذلك خطان متوازيان من الحسنات والسيئات. من ناحية هو فيلم بموضوع ومفارقات مثيرة للطرافة، ومن ناحية أخرى يوزّع نكاتاً مسيئة للمختلفين عن السائد: قزم، امرأة سوداء ولو كان هناك عرباً لسخر الفيلم منهم أيضاً.

رأي آخر:

مثير للغرابة والمفاجآت ذات اللون الداكن حتى نهايته مع حبكة لا يمكن مشاهدتها، فقط التمتع بها (روجر إيبرت - شيكاغو صن تايمز).

THE BANDصS VISIT

إخراج: إران كوليرين

تمثيل: رونيت ألكابتز، عماد جبارين، ساسون غابال.

المصدر: مكتوب خصيصاً للسينما

النوع: دراما خفيفة (إسرائيل / فرنسا).

ملخّص:

ثمانية أفراد من موسيقى البوليس الإسكندراني يصلون الى بلدة صغيرة في إسرائيل عن طريق الخطأ، حيث يتم استقبالهم جيّداً من قبل صاحبة مطعم صغير وعائلة مساعدها.

رأي الجزيرة:

دراما تطبيعية تستغل الموضوع لصالح رسالة مفادها أن الإسرائيليين يعرفون الكثير عن الثقافة والفن المصريين وأنهم يحبّون ما يعرفونه. الشخصيات المفترض أن تكون مصرية تبدو مصدومة طوال الوقت. الإسرائيلية هي الأكثر رغبة في التواصل ومعرفة الآخر.

رأي آخر:

فيلم دافئ ونظرة ممتعة على الجسر الثقافي والعلاقات المتماثلة يبرهن على أنه في بعض الأحيان يكفي إشعال نور ليكون هذا كل ما تحتاجه لمعالجة موضوع شائك (جاي وايزبيرغ - فاراياتي).  

اللقطة الأولى

مهرجانا جدّة خطوة منشودة

خطوة صحيحة وفي وقتها تلك التي أنتجت إطلاق مهرجان الأفلام الآسيوية الأول في مدينة جدّة. وهي ثاني خطوة سينمائية صحيحة وفي وقتها المناسب، بعد المهرجان الذي أقيم لعامين متواليين حتى الآن في مدينة جدّة والتي أعتذر إذ فاتني تهنئة من قام بها ومن لا يزال يسعى لإقامتها من شباب يدركون أهمية الفن في السينما ويحاولون نشره وتقديمه.

الخطوتان ثقافياً واجتماعياً وإعلامياً مهمّتان جداً وعلى أكثر من صعيد. المسألة ما عادت كما يكرر البعض كثرة المهرجانات السينمائية العربية مؤخراً، بل هي في العائد المنتظر من هذه المهرجانات. هل يصب المهرجان في هدف صحيح؟ هل يسهم في نشر الثقافة السينمائية؟ هل يقدّم ما يجب تقديمه من أعمال هادفة تحيي حب الإنسان إلى المعرفة والعلم والتعرّف على الشعوب الأخرى وكيف يعيشون وكيف يتعاملون، بصواب أو بخطأ، مع مشاكلهم؟ هل يقدّم وجبته الفكرية - الفنية لأناس متعطّشين لهذا الفن الراقي الذي مسخه كل الجشعين من الموزّعين السينمائيين الذين لا غاية لهم سوى توفير الأفلام التي تستطيع أن تدر بدل الدولار عشرة بصرف النظر عن فنّها وثقافتها والأهداف المناطة بها.

في وقت يزداد فيه عدد الذين يعتبرون أن الفيلم في نهاية الأمر، وكما قال واحد أجنبي كان ينتظر مثلي فتح باب الدخول لصالة العروض الرئيسية في مهرجان برلين بخفّة: (الفيلم في نهاية الأمر هو سلعة تجارية. يكلف هذا القدر وعليه أن يسترد تكلفته ويحقق عائدات أعلى). قلت له قبل أن يصل إلى آخر كلمة: (.... بشرط أن يكون الفيلم له هدف وقيمة ويسعى لإضافة معرفة إنسانية وحتى لو كان فيلما ترفيهياً فالفن فيه واجب).

لكن ليس عدد المعتقدين أن السينما هي تجارة هم في ازدياد فقط، بل أيضاً عدد المدركين أنها ليست كذلك وأن رسالاتها حصانة حضارية ضد الجهل المتفشّي والهجوم الثقافي الغربي على حد سواء. وهذا ما تساعد على نشره وإنجازه المهرجانات العربية كافّة، في كل مرّة يفضل فيها فرد واحد على دخول فيلم مهرجاناتي على أن يدخل فيلماً من التوزيع السائد يكون أضاف إلى حياته على الأرض جديداً من المعرفة غالباً ما كان يبحث عنه ولا سبيل لمشاهدته إلا عبر هذا المهرجان.

سيقول البعض لشبّان المملكة الذين انطلقوا في العام قبل الماضي هذا كثير عليكم، ولا أمل فيما تقومون به، والعالم العربي مليء بالمهرجانات فما الذي سيضيفه هذا المهرجان على سواه. وردّكم هو: الفعل هو نجاح بحد ذاته، ونحن لسنا في مقام بيع تذاكر لصالح موزّعين بل عرض أفلام لصالح جمهور يبحث عن الثقافة المصوّرة.

المهرجان السعودي الجديد متخصص بالأفلام الآسيوية وقد استقبل نحو أربعين فيلماً من ثلاثة عشر دولة آسيوية بينها المملكة العربية السعودية التي صار لديها مخزوناً من الجهد السينمائي إذ تشترك بسبعة أعمال شاهدت منها فيلماً واحداً فقط للأسف هو إطار لعبدالله آل عياف: فيلم جيّد في فكرته كما في تنفيذ تلك الفكرة. الكاميرا عند هذا المخرج ذات نفس هادئ. غير قلق. تلاحق رجلاً شاهد شيئاً لم يرضه فحاول منعه وأخفق هذا الشيء رمز لأشياء كثيرة في حياتنا اليوم بما فيها مفهوم الفيلم السينمائي حيال تحدّياته.  

يحدث الان

وراء التحري اليهودي

وسط النجاح الكبير الذي حققه فيلم (لا بلد للمسنين) ولا يزال، يقوم الشقيقان جوول وإيثان كوون بالتحضير لفيلم بوليسي جديد ولكن يختلف عن الفيلم الذي أنجزاه. هذه المرَّة يتناول الفيلم شخصية (تحري يهودي) منبثقة من رواية لمؤلف اسمه مايكل شابون، نشرت تحت عنوان The Yiddish Policemenصs Union، هذا يأتي في أعقاب أخبار كانت أكَّدت أن فيلمهما المقبل سيكون (وسترن) يجري الإعداد له حالياً.

وعلى ذكر الوسترن، فإن العديد من النقاد والمتابعين يحتارون في تسمية النوع الذي ينتمي إليه فيلمهما الجديد هذا (لا بلد للمسنين)، فهو حيناً يوصف بالبوليسي، وحيناً بالتشويقي، وحيناً بالوسترن.

والحقيقة إنه مؤلف من هذه كلها، فالوسترن ليس صرحاً زمانياً قديماً فقط، بل هو أيضاً المكان الجغرافي إذا ما تعامل مع الطبيعة والأجواء كما فعل هذا الفيلم.

ممثل إلى الإخراج

آخر الممثلين المنتقلين من عادة الوقوف أمام الكاميرا إلى مهمَّة الوقوف وراءها هو الممثل المعروف فيليب سايمور هوفمان الذي اختار لهذه النقلة الجديدة مسرحية صغيرة كانت قدِّمت قبل عامين بعنوان (الزهرة الصغيرة لإيست أورانج) أو The Little Flower of East Orange الممثلة إلين بيرستين التي لعبت البطولة على المسرح ستنتقل بالبطولة إلى الشاشة، وهي أبدت إعجابها بالممثل هوفمان، وباختياره هذا العمل ليكون الأول، إذ قالت:(عادة ما يبحث الممثل المتحوِّل إلى الإخراج عن مشروع كبير لكن هوفمان فنَّان ويفعل ما على الفنَّان فعله: نقل ما يعجبه ويقدِّره بالدرجة الأولى).

دنيس كوايد بطلاً لشخصية كوميكس

الممثل دنيس كوايد (52 سنة) أكَّد أنه وقَّع على عقد يخوِّله الإشتراك في مسلسل سينمائي جديد آخر مأخوذ عن رسومات وقصص شعبية بطلها الكوميدي العسكري جي آي جو.

الممثل اعترف أنه يمارس رفع الحديد وبناه جسده وعضلاته لكي يلتئم مع الدور، للممثل فيلم على وشك الخروج إلى العروض عنوانه (زاوية ممتازة) أو Vintage Point ويلعب فيه دور حارس أمني لرئيس الجمهورية يسعى للكشف عن الذين أطلقوا النار على الرئيس وبعض المتَّهمين، وسط هذه الظروف بالطبع، سيكونون عرباً.

ستار وورز سابع

ليس من بين كل المخرجين الأميركيين سوى سينمائي واحد ارتاح تماماً على بساط النجاح الذي حققه فيلم واحد لدرجة أنه ما عاد يكترث لصنع أي فيلم آخر.

هذا الواحد هو جورج لوكاس الذي أنتج المسلسل المعروف ب(ستار وورز) في نهاية السبعينيات بدءاً بالفيلم الأول الذي لم يكن يتوقَّع له أي نجاح حسب أقواله. بعد سنوات طويلة من توظيف ذلك النجاح في كل وسيط تجاري ممكن، أطلق لوكاس ثلاثية أخرى في أواخر التسعينيات حققت المزيد من النجاح وتم توظيفها في وسائط تجارية أخرى عديدة مثل الدي في دي وألعاب الفيديو.

بعد ذلك جاء دور حلقات تلفزيونية يجري الإعداد لها...

والآن يتردد أن المنتج المعروف في سبيل تنفيذ فيلم (أنيماشن) للشاشة الكبيرة.

الجزيرة السعودية في 15 فبراير 2008

 
 

يوميات مهرجان برلين السينمائي الدولي ... (6) 

رحيل إتشيكاوا يوم عرض فيلم رفيق دربه.. السينما اليابانية تعيش وتموت في يوم واحد

محمد رضا

فيلمان أحييا الأمل بإمكانية إنقاذ الدورة الحالية من هوانها هما الفيلم البريطاني “سعيدة ومحظوظة” لمايكل لي و”كاباي- أمّنا” للمخرج الياباني يوجي يامادا وهما فيلمان متباعدان في كل شيء وخصوصاً من حيث اللغة وقواعدها المستخدمة في كل من الفيلمين. والحديث اليوم سيكون عن فيلم يوجي يامادا الذي يعتبر عودة رائعة يحتاجها المرء منا كلما واجه فيضاً من الأفلام المعتمدة على أساليب تصويرية وبصرية للتعبير بعضها بلا قواعد فعلية. إنه النبع للسينما الكلاسيكية وأحد تلك الأسس التي تجدها في سينما المخضرمين الجيدين في كل مكان.

إنه فيلم عن عائلة من أربعة أشخاص في العام 1940 أيام كانت الإمبراطورية اليابانية على شفير دخول الحرب ضد جاراتها الدول الآسيوية (احتلّت فيتنام وجزءاً من الصين وبعض كوريا بعد عامين) تأييداً للمحور الأوروبي المؤلف -أيامها- من تركيا وإيطاليا والمانيا. هذا المثقّف يستيقظ وعائلته ليلاً على طرق عنيف على الباب. إذ يفتحه يدخل البوليس الخاص (المخابرات) ويبحث في كتبه ويصادر بعضها وأوراقاً خاصّة به ثم يربط يديه كما لو كان مجرماً ويقوده الى السيارة ومنها الى الزنزانة. هناك سيقضي بطل هذا الفيلم سنوات في الوقت الذي نمضي نحن فيه (معظم الوقت) مع زوجته وابنتيه وهما يتحملان تبعات الحياة من دون رب عائلة. أمر لا يودي بالفيلم الى أي ميلودراما او حالات بكائية بل يبقى فوق هذا كلّه مستوحى من الحكاية المناسبة الملائمة للبحث في وضع المثقّف في مواجهة السُلطة، كما لو كان هذا المخرج يتحدّث عن أيامنا اليوم.

صلاح أبو سيف في البال

يوجي يامادا ولد قبل 76 سنة وفي السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية درس القانون، لكنه مال الى السينما وأنجز من العام 1961 الى اليوم - وبلا انقطاع تقريباً - أكثر من مائة وسبعة أفلام، عدد كبير منها كان تابعاً لنوع الساموراي (وبرلين عرض عدداً منها في دورات سابقة).

ان تنتمي حرفية يامادا الى الصنو الكلاسيكي من الإخراج فإن هذا طبيعي. الكاميرا، خصوصاً في البداية، تشبه تلك التي عمل عليها كل المخرجين الكلاسيكيين الكبار في هذه السينما البديعة آنذاك: كانوا، تأثراً بالمسرح وتأثراً بالتكوين الاجتماعي وتقاليده، يضعون الكاميرا في مستوى الشخصيات الجالسة أرضاً حيث تبدو الكاميرا في حالة انسجام طبيعي مع هذا التكوين البيئي الخاص. وهذا ما يحدث هنا. لكن علاوة على ذلك، وإذ تتمعّن بهذه التفاصيل غير الواضحة كتفاصيل، لكنها الموجودة في أبسط وأصدق الحركات الصغيرة، قد تتذكّر سينما المخرج الكبير صلاح أبو سيف: كان أيضاً متأنيّاً يبحث عن الواقع في اللقطة لا من حيث مكانها حيال المشهد بل أيضاً من حيث تعاملها مع ذلك الواقع بصدق ومصداقية.

الفرحة بعرض هذا الفيلم الياباني النيّر لم يبددها سوى خبر وفاة المخرج الياياني الكبير كون إتشيكاوا الذي أنجز منذ منتصف الثلاثينات نحو 95 فيلماً تعد من روائع السينما العالمية.

مثل أكيرا كوروساوا ويوجي يامادا وبل أكثر منهما في الواقع، كان إتشيكاوا معاديا للحرب، مطلق حرب وخصوصاً حرب بلاده خلال الأربعينات. ومهنته عرفت ازدهاراً في أواخر الخمسينات وطوال الستّينات فخرجت من محيطها الياباني الى العالم ومنها “انتقام ممثل” (1963) و”الناي البورمي” (1957) وفيلمه الذي قلّما عرض خارج بلاده حتى أعيد اكتشافه قبل أعوام قليلة فشهد عروضاً لندنية وأخرى في تورنتو ونيويورك “المنبوذ” (1968).

كان إتشيكاوا من أوائل السينمائيين اليابانيين نيلاً للجوائز في المهرجانات العالمية وذلك منذ بدأ ارتيادها بأفلامها في أواخر الخمسينات وهو خرج من لوكارنو وكان وبرلين بعدد منها.

أنفقت من مالها الخاص على “متهورة وحكيمة”

مادونا تجرب حظها في الإخراج

حين كانت مادونا لا تزال موهبة غنائية منطلقة، برهنت على أنها تستطيع أولاً أن تغنّي لأن موهبتها في ذلك الشأن طبيعية وثانياً أن تمثّل في السينما لأن العديد من المغنيين، عبر تاريخ السينما، يقفزون من العربة الأولى الى العربة الثانية، منهم من يسقط خلال المحاولة ومنهم من يعتلي العربة الثانية بذات النجاح. مادونا سقطت لكن ليس نتيجة قفزتها، بل نتيجة اختياراتها من الأفلام.

كانت قلقة وجميلة في الوقت ذاته حين لعبت الدور النسائي الرئيسي في فيلم وورن بيتي “دك ترايسي” في العام 1990 ثم أكثر وثوقاً وأكثر جاذبية في “إي يتا” بعد ست سنوات الذي لعبت بطولته التمثيلية كما الغنائية.

لكن الحفاظ على المكتسبات لا يقل صعوبة عن شق الطريق لذلك رأيناها تخفق في استغلال نجاحها إلى مرتبة أعلى فانتهت الى أفلام مثل “خطف” و”مجروفة” الذي كان آخر أدوارها على الشاشة. كانت تزوّجت في أواخر التسعينات بالمخرج البريطاني جاي رتشي الذي أنجز لها “مجروفة” وكان سبباً في جرفها بالفعل من الوسط الى الجانب السينمائي.

لكن مادونا بقيت على قيد الحياة غنائياً وكاسم خصوصاً أنها ركبت موجة اعتناق “الكابالا” وهو مذهب منتم الى اليهودية لابد أنه وردها من زوجها المعتنق للديانة ذاتها. لكن ذلك أمرها الخاص، حتى تلك الخلفية الغنائية الفاضحة التي جسّدتها في استعراضاتها السابقة هو - نستطيع أن نقول - من تبعات الشهرة أو محاولة تثبيتها.

لكن الأمر يختلف اليوم حين تعود مادونا للظهور الى العلن عن طريق الإخراج.

فيلمها الأول في هذا الإطار هو هنا، في برلين وعنوانه “متهورة وحكيمة” الذي من المبكر الحكم عليه إذ سيعرض بعد كتابة هذا التعليق، لكن ليس من المبكر التساؤل من وحي تاريخها ومن وحي الخطوة التي اتخذتها عن السبب في هذا التحوّل الى الإخراج وما إذا كانت هذه هي مغامرة عابرة أو تحوّلاً حقيقياً يؤمل له أن يكون مستديماً.

تقول ان التجربة كانت أشبه ب “مدرسة سينمائية” وتفسّر سبب إقدامها على هذه الخطوة بالقول: “أردت أن أنجز فيلماً تحت الرادار لأنها خطوتي الأولى وكنت أريد أن أتعلّم كيفية صنع الفيلم. لقد أنفقت عليه من حسابي الخاص ورجوت واستدنت وتسللت الى الخطوات كلها”.

هذا اعتراف بأنها لم تكن تعرف شيئاً عن الإخراج الا أنها قررت أن تتعلّم بفيلم لابد كلّف نحو مليون دولار على اعتبار إنه فيلم صغير ومحدود الحجم يدور حول الأوكراني الذي يعرف كل شيء حول أي شيء - او هكذا يدّعي - والذي وصل لندن لتكون محطّته الأولى صوب الشهرة، لكن إلى أن تواتيه تلك اللحظات، فإنه يقبل العمل ممثلاً في مسرحية يرتدي فيها زيّ امرأة. اللهم إذا كان توم كروز هو بطل هذا الفيلم او جوني دب، فإن مثل هذا الموضوع لن يكلّف أكثر من مليون و400 ألف دولار.

حقيقة أن الفيلم وارد في قسم “بانوراما” تطرح سؤالاً: هل قدّمته الى المسابقة ورفض أم أنه من البداية تم توجيهه واختياره الى القسم غير المتسابق؟ مهما كان الجواب فإن المستقبل لا يزال مثل صفحة مفتوحة لمادونا مقسّمة الى ثلاث خانات. قديمتان وجديدة: الغناء والتمثيل والإخراج.

أخبار المهرجان

 المممثلة الكورية بارك يون صرّحت بأنها تعتبر فيلم “نهار وليل” بمثابة حلم تحقق لها: “كنت دائماً ما أتمنّى ان أنتقل من الأدوار الصغيرة الى دور البطولة وكنت أدرك أنني في أحد الأيام سوف أحقق هذه الأمنية، لكني لم أكن أعتقد او أحلم بأني سأشترك في مسابقة مهرجان برلين. الآن أصبحت أريد جائزة أفضل تمثيل”.

 وصل المخرج الأمريكي ستيفن سودربيرج للترويج لفيلمه المقبل الذي سيدور حول حياة المناضل اللاتيني تشي غيفارا وصرّح بأنه في سبيل الإعداد لتصويره في أماكنه الواقعية “قدر الإمكان” لكنه لم يعلن عن الممثلين المقترحين للأدوار الرئيسية.

 المخرج سام رايمي وصل الى المهرجان لكنه أمّ السوق فقط للاجتماع مع بعض شركات التوزيع الكبيرة لترويج فيلمه المقبل “اسحبني الى الجحيم”. رايمي هو مخرج سلسلة “سبايدر مان” والواضح أنه يبحث عن مرحلة ما بعد هذه السلسلة.

 تتبدّى الصورة في مهرجان “كان” السينمائي منذ الآن. فالمهرجان الفرنسي يبدو آيلاً لجذب عدد من الأفلام التي تمنّاها مهرجان برلين لكن يبدو أن أصحابها إما لم يكونوا جاهزين بعد او أنهم فضّلوا الذهاب بها الى المهرجان الفرنسي. من هذه الأفلام فيلم للمخرج الكوري وونغ كار واي بعنوان “رماد الزمن” الذي هو إعادة صنع لفيلمه السابق الذي حققه قبل أكثر من عشر سنوات.

كذلك هناك حديث عن أن الفيلم الجديد لباري ليفنسون وعنوانه “ما الذي وقع للتو؟” وهو من بطولة بروس ويليس، ستانلي توشي، كرستن ستيوارت وروبرت دي نيرو ما يعني أن كل هؤلاء سيحضرون الى المهرجان.

 جوزف فاينس، كاترين دينوف، هيلاري سوانك، بن جنجسلي كانوا من بين المدعوّين الى حفلة التبرّع من أجل مشروع “السينما لأجل السلام” والذي خصص هذا العام للدعوة الى إيقاف العنف على المرأة. واعتبر فيلم ببرسيبوليسا الكرتوني الفرنسي أفضل فيلم للمناسبة وتم منحه جائزة الجمعية.

 أعلنت جوائز الفيلم القصير، والأولى ذهبت الى المخرج الروماني بودان مستاتا عن فيلمه “يوم جميل للسباحة” عن ثلاثة هاربين من السجن يحضرون عرساً وهم ما زالوا في القيود.

الجائزة الثانية أودعت بين يدي المخرج الهندي سدهارا سنها عن فيلمه وعنوانه “أودي بن” وهو حول صبي في مطلع سنوات المراهقة يعيش وضعاً عاطفياً واجتماعياً صعباً ما بين أم مريضة وجاره يتمنّاها رغم سنّه الصغير. وقد بلغ عدد الأفلام المشتركة في مسابقة الفيلم القصير 25 فيلما. 

أوراق ناقد ...

النصف الأول من المهرجان في الميزان

النكتة المتداولة هنا هي أن من شاهد كل الأفلام المشتركة في المسابقة كاملة يستحق أن يحرم من الدورات المقبلة. طبعاً معظم الحضور يلتصق في الكراسي ولا يتحرّك ربما رغبة في عدم العودة الى المهرجان - من يعرف؟

الحديث الجاد عن نتائج النصف الأول من المهرجان يستحق مثل هذه النكتة لكنه يستحق أكثر وقفة تبدأ بالتعجب حول إذا ما كان المبرمجون للمسابقة يرون الأفلام فعلاً او أنهم يثقون بها من دون مشاهدة. هل هم فعلاً على قدر من المعرفة العميقة بما هو صالح وطالح أم أنهم مجموعة من المعتدّين بآرائهم وعلى طريقة من يريد إثبات نفسه، فإنهم يتمسّكون بما اختاروه؟

ربما بدا بعض هذا التكهّن غير منطقي وعلى المرء أن يكون أكثر ثقة بالآخرين الى أن تثبت إدانتهم، لكن ما بين أيدينا من نتاجات النصف الأول يدعو فعلاً الى مثل هذه التساؤلات. طبعاً لو أن الأفلام الثلاثة عشر التي عرضت في الأيام الخمسة الأولى (بما فيها يوم الافتتاح) كانت غالباً جيّدة لما اكترث أحد للتساؤل، لكن مباشرة من بعد فيلم مارتن سكورسيزي “إلق ضوءا”، الذي في نهاية مطافه أشبه بمخلوق مختلف بين باقي المخلوقات كونه فيلماً تسجيلياً حول كونسرت الجهد المبذول فيه مونتاجي وتصويري بالدرجة الأولى، سقط المسابقة الى سلسلة من الأفلام التي في أفضل أحوالها متوسّطة او - في أحيان - مجرد ركيكة.

الفيلم الأول ذاك هو “في الحب نثق” الذي إذا ما شوهد على شاشة التلفزيون لاعتقدت أنه عمل صوّر وأنتج لحساب الشاشة الصغيرة وبمواصفاتها. هل كان فيلم وانج شياوشواي هذا هو أفضل ما طرحته السينما الصينية؟ هل تقوم الاختيارات على ضرورة أن تتمثّل دولة ما بفيلم ما حتى ولو كان هذا الفيلم عادي المواصفات؟

نعم “في الحب نثق” له بعض الحسنات لكنها غير كافية وهذا ما يُطلق على الفيلم الأمريكي “مرثاة” وعلى الفيلم المكسيكي/ الأمريكي “جوليا” والفيلم البريطاني “حدائق الليل” أما الفيلم البرازيلي “الفرقة النخبة” فهو ممارسة في التعذيب بينما الفيلم الكوري “ليل نهار” لا معنى له مهما حاول المرء البحث عن رسالة يطرحها المخرج في استطراد روائي لا هويّة له.

هذا ما دفع الناقد والصحافي السينمائي جفري مكناب أن يكتب في مجلة بسكرين إنترناشنالا قائلاً إن أفلام المسابقة من الهوان بحيث يمكن للمرء أن يجد أفلاماً أفضل منها في السوق التجارية. بينما كتب الناقد ديريك إيلي في “الفاراياتي” قائلاً: “على الورق بدا كل شيء جيّداً. على الشاشة سقطت معظم أفلام الأسبوع الأول مخيبة للآمال”.

مدير المهرجان ديتر كوزليك في سنته السابعة حريص على أن يظهر على أغلفة المجلات وفي داخل الصحف والمجلات، ومصوّرو المهرجان يرمون الموقع الرسمي للمهرجان بصور جديدة له كل يوم. كذلك كان الحال بالنسبة لمدير المهرجان السابق موريتز دي هادلن، لكن تمتّع دي هادلن بنصيبه من الترويج والإعلام الصحافي لم يكن يشغله عن النجاح في جلب مجموعة أفضل من الأفلام. طبعاً هناك سنوات من الجدب، لكن ليس كل سنة كما هي الحال في الأعوام الثلاثة الماضية من هذا المهرجان، ما يعني أمراً واحداً: الوقت حان لإعادة النظر في كيفية رفع مستوى أحد أهم مهرجانات العالم قبل أن نكتفي منه ونتحوّل الى غيره بالفعل.

م.ر

email: merci4404@earthlink.net

Blog: shadowsandphantoms.blogspot.com_

الخليج الإماراتية في 15 فبراير 2008

 
 

بحب السينما

في مهرجان برلين السينمائي الدولي 58: أفلام المسابقة تسيطر عليها الكآبة !

بقلم : إيريس نظمي

أفلام المسابقة الرسمية في مهرجان برلين هذا العام تسيطر عليها الكآبة والحزن.. وقد يكون ذلك انعكاسا لمجتمعات الشعوب خاصة الفقراء منها التي تعيش يوما بيوم انه طابع معظم الافلام في هذه الدورة.

قلب مفروسة

حينما نشاهد فيلما تسجيليا من صنع ابناؤنا تتناول أفقر الاحياء التي يعاني فيها الغلابة والمهمشين.. نري انها مصنوعة بحب بالرغم من الجوانب السلبية والفقر المدقع.. فنحن نشعر باحساس المواطن المصري كنوع من واقع الحياة، لكن اذا تدخل الاجنبي ليصور هؤلاء المهمشين والفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر فهم يركزون علي تصوير حضارة وثقافة شعب. ولا ننسي بعض الافلام التي صورت في حواري الاحياء الشعبية والتقاليد المتخلفة في فيلم تسجيلي أحدث ضجة حين عرض منذ سنوات في مهرجان الاسماعيلية هو فيلم بعنوان 'الزواج علي الطريقة المصرية' والذي صور كل شيء قذر وبشع في هذا المكان.. وقد أحدث هذا الفيلم ضجة حين كتب النقاد يستنكرون هذا الفيلم. أيضا الفيلم التسجيلي لعملية ختان احدي الفتيات والوحشية التي تحدث لفتاة مراهقة في أحد الاحياء الشعبية.. وقد نشرت هذه الصور في الصحف بالخارج وتعليق الصحافة الخارجية عليها..وكنت قد قرأت هذا الموضوع في الطائرة التي اقلتني من الولايات المتحدة الي مصر.. وكم كانت صدمتنا حين اذاعت محطة ال B.B.C هذا وكانت فضيحة.. وأنا لا انتقد الاجنبي الذي جاء ليصور مثل هذه الموضوعات سواء بحسن أو بسوء نية ولكني احاسب هذا المرافق المصري الذي يرشد الاجنبي ويقدم له المساعدات لتصوير مثل هذه الافلام من أجل بعض الدولارات.

في قسم ال Forvm بالمهرجان عرض فيلم تسجيلي بعنوان 'قلب مفروسة' ­ بإلفاء ­ وتصورت ان مفروسة هذه شخصية امرأة.. لكني فوجئت أن مفروسة هذه هي أحد الحواري في أحد الاماكن الشعبية بالاسكندرية تعيش تحت خط الفقر، والفيلم من اخراج ايمانويل ديمورس وهي مولودة في لندن وتعيش في باريس التي درست فيها في معهد السينما. المكان عبارة عن أكواخ من الصفيح وبيوت وقعت وعامت بفعل المجاري وأكوام القمامة التي يعيش فيها هؤلاء البائسين.. كل شيء في هذا المكان يبدو قاتما، تتناول المخرجة الموضوع من خلال يوميات 'المفروسة'.. فتقوم باجراء حوارات وأحاديث مع هؤلاء القوم 'أم بسيوني' التي انهدم الفرن الذي تقيم فيه لتعيد بناؤه بنفسها طوبة طوبة.. والشيخ خطاب البقال وهو في نفس الوقت شيخ جامع.. وزوجته التي تطلب الطلاق.. و'أم هبة' وهي امرأة مسيحية، و'الشيخ حسان' الذي أصيب بجرح غائر في وجهه يحتاج الي عملية خياطة.. وقد تركت المخرجة الكاميرا تصول وتجول في هذه الحواري تصور معاناة الناس الذين يتساءلون عن هذا الفيلم الذي تصوره ويبدون تعليقاتهم ­ لكن احدي النساء كادت تفسد تصوير الفيلم لانها تخشي ان الفيلم يسيء لسمعة مصر حينما يعرض في الخارج.. لكن البقال بحسن نية اقنعها بغير ذلك فهناك تأخي وحب بين الشعوب.. هؤلاء القوم يناضلون من أجل الحياة.. لكن المخرجة تريد ­ كما تقول ­ ان تعرف العالم بسكان 'مفروسة'.. وحين سألت المخرجة بعضهم عن أمنيته قال لها شرب الشاي هو الوسيلة الوحيدة للترفيه.. ليدعو الاصدقاء ويمضي معهم وقتا طيبا.. وبالرغم من كل هذا العناء في 'المفروسة' فلا تخلو أحاديث الناس أحيانا من الضحك والمحاكاة بالامثال الشعبية. الفيلم صور علي شرائط فيديو ديجيتال.

ولم تخرج المخرجة الي الاماكن الجميلة في الاسكندرية لترينا الجانب الآخر ليتصور العالم ان هذه هي مصر.. لقد علق أحد النقاد في مجلة البولينال التي تصدر يوميا.. ان هذا الفيلم غير مشرف عن مصر.. ومصنوع بخبث شديد.

ويعتبر 'قلب مفروسة' هو الجزء الثاني من خمس أفلام تسجيلية مخطط لانتاجها.

اجمع النقاد أيضا علي ان أفلام المسابقة الرسمية تسيطر عليها روح الكآبة.. لا تخلو من الكوارث.. والإدمان.. والامراض الميئوس منها.. ومعا علي الآباء بوحشية لأبنائهم نتيجة الفقر.. أيضا عقوق الابناء الذين يرفضون آبائهم في سن الشيخوخة والمرض.

أخبار النجوم في 16 فبراير 2008

 
 

الثلاثاء العظيم في مهرجان برلين تحفتان من مايك لي وإيرول موريس

بقلم  سمير فريد   

بعد عرض ١١ فيلماً من بين الـ٢١ فيلماً المشتركة في مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان برلين الـ٥٨، وصل المهرجان الثلاثاء الماضي إلي منتصفه وذروته في نفس الوقت، حيث شهد عرض تحفتين من تحف السينما عام ٢٠٠٨، الفيلم البريطاني الوحيد في المسابقة «خلو البال» إخراج مايك لي، والفيلم الأمريكي التسجيلي «إجراءات عملية عادية» إخراج إيرول موريس عن فضيحة التعذيب في سجن أبو غريب التابع للقوات الأمريكية عام ٢٠٠٣.

ينظم مهرجان برلين في الثالثة بعد ظهر الأربعاء بعد كتابة هذه الرسالة ندوة لمدة ٩٠ دقيقة في «القاعة الزرقاء» بفندق ريتز كارلتون عنوانها «الدبلوماسية في عصر الإرهاب : تأثير اختراق القانون علي العلاقات الدولية» حيث يجلس علي المنصة المدعي العام البريطاني السابق لورد جولد سميث، وليونيل باربير رئيس تحرير «فاينانشيال تايمز»، وفي القاعة وجهت الدعوة إلي إيرول موريس، ومن المتوقع أن يشترك في المناقشة، ويجيب عن بعض الأسئلة.

جاء فيلم «إجراءات عملية عادية» نقلة نوعية في الجنس الفني الذي نعرفه باسم الأفلام التسجيلية، فهو يستخدم الصور الفوتوغرافية وأفلام الموبايل التي كشفت فضيحة أبو غريب مع شهادات للجنود الذين اشتركوا فيها من الرجال والنساء، ولكن علي نحو فني خلاق ومبتكر، ويتجاوز مجرد إدانة التعذيب إلي دعوة المتفرج إلي التأمل العميق في أحوال الإنسان وأحوال العصر الذي نعيشه. وليت التليفزيون المصري أو أي قناة تليفزيونية أو عربية تسارع إلي شراء حقوقه لعرضه في التليفزيون، ولا أريد أن أحلم وأقول شركة توزيع سينمائية لعرضه في دور العرض.

مايك لي يكتب بالكاميرا.. دراما سينمائية خالصة

أما مايك لي في «خلو البال» فيقدم بدوره تحفة جديدة من تحفه مثل «العاري» و«أسرار وأكاذيب» يكتب فيها بلغة السينما الخالصة دراما معاصرة عن معلمة في مدرسة أطفال شمال لندن في الثلاثين من عمرها تعيش مع زميلة لها منذ عشر سنوات وتستقبل الحياة ببساطة وجمال وفرحة بالوجود في ذاته أو خالية البال كما في الترجمة الحرفية للعنوان، ورغم مصاعب الحياة مهما كان خلو البال فإن مايك لي ينتصر لها في النهاية، ويفرح معها بالوجود.

ويظلم فنان السينما العالمي الكبير نفسه عندما يقول: إن فيلمه مثل فيلم تسجيلي، فهو يصور الحياة الحقيقية في الشوارع والمقاهي والناس العاديين، ويختار ويدير طاقم التمثيل بحيث يلغي «التمثيل» تماماً، ولكن وراء هذه الواقعية التي تبدو بسيطة، بل وربما يتصور البعض أنها تقليدية ويتكامل فيها الإخراج مع التصوير والموسيقي والمونتاج، معمارياً حاذقاً يحسب حساب كل ثانية، ودراما تورجي من طراز رفيع يضع شخصياته في مواقف شكسبيرية في العمق.

والفيلم مثل فيلم إيرول موريس وفيلم «سيكون هناك دم» إخراج بول توماس أندرسون هي الأفلام الثلاثة التي يستحق أي منها الفوز بالدب الذهبي حتي الآن، ولايزال هناك عشرة أفلام لم تعرض في المسابقة.

سالي هويكنز وآيدي مارسان.. والسهل الممتنع في التمثيل

أحسن ممثل حتي الآن دانييل داي لويس في «سيكون هناك دم» وقد فاز يوم الأحد بجائزة الأكاديمية البريطانية المعروفة باسم «بافتا»، وهو المرشح الأول للفوز بالأوسكار يوم ٢٤ عن نفس الدور، وتيلدا سوينتون حتي الآن هي أحسن ممثلة عن دورها في الفيلم الفرنسي «جوليا» إخراج إريك زونكا، وقد فازت بجائزة «بافتا» بدورها كأحسن ممثلة في دور مساعد عن فيلم «مايكل كلايتون» إخراج توني جيلروي، ومرشحة بقوة لأوسكار الدور المساعد عن نفس الدور، ولكن لجنة التحكيم في مهرجان برلين تستطيع أن تتجاوز المتوقع والذي لا يضيف جديداً إلي عظمة دانييل داي لويس وتيلدا سوينتون، إذا منحت الجائزتين إلي سالي هويكنز وآيدي مارسان عن دوريهما في فيلم مايك لي.

سالي هويكنز في دور بوبي المدرسة «خالية البال» تقدم نموذجاً للأداء الذي يبدو في ظاهره شديد السهولة، ولكنه في حقيقته يتطلب مهارة فائقة في «الصناعة». إنها تسحرنا طوال ما يقرب من ساعتين، وآيدي مارسان في دور سكوت الذي يدربها علي قيادة السيارات ويقع في حبها رغم التناقض الكامل بين شخصية كل منهما، يستحق الفوز لمشهد واحد فقط يدخل تاريخ التمثيل، وهو المشهد الذي يكشف فيه عن حبه لها، ويكتشف في نفس الوقت أنها لا تبادله هذا الحب.

 في هذا المشهد يلقي مونولوجاً طويلاً غير مسبوق في التعبير عن حبه، وهو يصرخ ويسب ويلعن، فالحب الحقيقي ليس دائماً الكلمات الرومانتيكية والعبارات الناعمة، وقد قتل عطيل حبيبته من شدة الحب.

المصري اليوم في 16 فبراير 2008

 
 

يوميات مهرجان برلين السينمائي الدولي ... (7) 

السر في كبر سن المخرجين المشاركين.. الموت عنوان سينما المهرجان

محمد رضا

تستند برمجة الدورة الحالية من مهرجان برلين السينمائي الدولي الى مجموعة من الأفلام التي تتحدّث عن الموت من زوايا شتّى. السبب طبيعي: عدد من المخرجين المشتركين هنا لديهم تجارب في الحياة تخوّلهم الإقبال على هذا الموضوع إن لم نقل فهمه والتعامل معه من خلال تجارب في الحياة أو من خلال تفكير وتأمل واع..

السن الوسط للمخرجين المشتركين في قسم المسابقة على سبيل المثال هو 35-45 سنة، وليس كما الحال في مهرجانات أخرى، مثل “روتردام” أو “ساندانس” أو “لوكارنو” حيث المجموعة الأكبر من الأفلام هي لصانعي سينما شبّان دون الثلاثين من العمر لا يزال الحديث عن الموت بعيداً عن الطرح وما زالت الحياة في العديد جدّاً من الأفلام المنجزة من قِبلهم تستحق الاحتفال.

لنأخذ مثلاً الفيلم الياباني “كاباي- أمّنا” ليوجي يامادا. معظم العرض نحن مهدّدون بموت بطله، ذلك المفكّر والمثقّف الذي يتم إلقاء القبض عليه أيام الإمبراطورية اليابانية خلال الأربعينات، فتسوء حالته الصحية ولو أن رفضه للتراجع عن أفكاره التي وضعته في هذا السجن يبقى صلباً. هذا التهديد يجعلنا على علم بما يشكّله وجود رجل البيت في البيت. هناك تلك اللقطة التي تلتفت فيها إحدى ابنتي الأسرة الصغيرة الى الشاب النجيب الذي عهد على نفسه مساعدة العائلة في غياب ربّها لتقول له: “إنه من الضروري أن يكون هناك رجل في البيت” قاصدة أن تخبره بأنه أصبح رجل البيت وربما على نحو غير مباشر إخباره بأنها تفكّر فيه عاطفياً أيضاً إذا ما كان سيبحث عن زوجة.

ثم هناك، وفي الفيلم نفسه، الخط الدخيل على الأحداث: للأم قريب عجوز قادم من القرى. إنه ليس الشخصية المتمدّنة اجتماعياً. لديه عادات لا يحيد عنها تزعج الآخرين مثل الظهور بالثياب التحتية أو الشخير حين ينام أو إطلاق غازات المعدة حين يصحو (لا نسمعها لأن الفيلم ليس كوميدياً ولأنه بذوق وحساسية عالية- لكنها ترد في عبارة في الفيلم). هذا الشخص هو آخر رعيله لا ينتمي الى فريق ومؤمن بالثروة الشخصية والوطن عنده ليس الدخول في الحرب وتبديد الثروات.

حين تستوقفه مجموعة نسائية لتسأله التبرّع بخاتمه ويرفض تعتبره خائنا للوطن. حين يأكل البطيخ يرمي البذر من فمه مباشرة الى أرض الحديقة وحين تستهجن العائلة ذلك يقول لمن حوله قريباً ستجدون حديقتكم مليئة بثمار البطيخ فيبدأون تقليده. حين وداعه عند محطّة القطار (ذاتها التي يستقلّها آخرون للذهاب الى الحرب) تطلب منه الفتاة التي اشتكت لأمها من عاداته أن يُسامحها، ثم يأتي التعليق الصوتي مباشرة ليقول إن أمنية هذا الرجل في الموت في أحد جبال قريته تحققت بالفعل.

قائمة الموت

في الفيلم المكسيكي/ الأمريكي “بحيرة تاهو” (تقع في ولاية كاليفورنيا) نتعرّف الى تلك العائلة التي خسرت أباها. لكن المخرج فرناندو إمبوك يتعامل والموضوع من زاوية إبقاء الحديث عما بعد الرحيل الى أن يقرر -بعد نحو ساعة من الفيلم- الكشف عن حدوث واقعة الموت (طبيعية) في خلفية بطل الفيلم المنسحب من الحياة العائلية بأسرها وكيف أنها أثّرت على قراره بالرحيل ولا تزال تعيش في خلفية انفعالية كمبرر دفين حتى هو لا يتبيّنه أو يتبيّن تأثيره فيه.

الموت يأتي فجأة رغم أنه متوقّع منذ مطلع الفيلم في الشريط الألماني “براعم الكرز” من المخرجة الألمانية دوريس دوري. القصّة هنا تبدأ باطلاعنا أن هناك موتاً مرتقباً. لقد وجد الأطبّاء أن الزوج، الذي تجاوز الخمسين، مصاب بالسرطان. هو لا يعرف لكن الزوجة الوحيدة التي لديها علم بذلك. وتنجح في حثّه على تمضية أيام مفتوحة يترك فيها عمله ويسافر معها لزيارات وعطل. يتم طرح فكرة القيام برحلة الى اليابان، لكن الزوج يقول لزوجته: “إنه من المكلف أن يذهبا الى هناك، الأفضل أن يأتي هناك الى هنا”. بعد فترة ليست طويلة من الفيلم الذي يبحث من دون أن يواكب هذا البحث جهد بصري يعمّق الفكرة، نفاجأ بموت الزوجة وليس الزوج الذي عليه الآن أن يتأقلم مع وضع جديد لم يكن تحسّب له أو توقّعه- كل هذا وهو لا يدري أنه التالي على قائمة ملك الموت.

الموت إذ يأتي في هذا الفيلم يبدو مثل جناح يسعى لتغليف الشخصيات الكبيرة سنّاً لكن الفيلم يتيح أيضاً بعث الإيحاء بأن هناك حالات ربما كان الموت فيها رحمة إذ يتعرّف الرجل الباحث الآن عن الحكمة ومعاني الحياة الى امرأة شابة ليس لديها مأوى تعيش قريباً من تلك الحافّة التي تفصل بين الحياة والموت على نحو أو آخر.

تحديّات الحياة

وفي حين أن فيلم “سيكون هناك دم” لن ينتهي بموت بطله (دانيال- داي لويس) الا أن الموت هو ما يبدأ به. بعد خمس دقائق من بدء الفيلم في رحى العام 1898 يسقط دانيال في الحفرة التي كان ينقّب فيها عن الفضّة وتعتّم الشاشة عليه حين سقوطه كما لو كان سيموت. بعد قليل من ذلك، تقع حالة موت فعلية عندما يسقط في بئر النفط أحد العمّال الذي كنا شاهدناه يحضن طفله الصغير. الطفل الذي سيتبنّاه دانيال موفّراً على نفسه عبء الزواج من امرأة نظراً لأنه يعمد الى منهج غير اجتماعي فهو، كما يعترف بنفسه في الفيلم، لا يحب أحداً سواه. بقاؤه على قيد الحياة هو إدانة لخطاياه أكثر من مكافأة له. لقد أصبح رجل نفط ثرياً، في كاليفورنيا وأنجز في حياته الشابّة ثراء ونفوذاً ونجا من موت محقق وقتل نفساً بلا رحمة، لكنه انتهى بعد كل هذا الى البقاء وحيداً في دار فارغة حيث لا أصحاب ولا أقارب ولا حتى ذلك الصبي الذي تبنّاه يكترث للبقاء الى جانبه. إنه تصوير لموت من نوع آخر. موت ناتج عن تآكل الجسد بالقيم غير الإنسانية التي صحبته طوال حياته.

مباشرة قبله تم عرض الفيلم الصيني “في الحب نثق” حيث عدو الإنسانية الوحيد في هذا الفيلم ليس الإنسان الطاغي أو المستبد أو الشرير، بل الموت نفسه. الفيلم خال من التحديّات سوى محاولة امرأة متزوّجة تحدي الموت الذي يحوم حول ابنتها الصغيرة التي -أيضاً- تبيّن أنها مصابة بالسرطان. تعتقد أنه إذا ما أنجبت طفلاً آخر وضمّته الى ابنتها سيكون لذلك مفعول إيجابي يمد بحياة ابنتها وقد يشفيها. في العمق، سيمد بحياتها هي كونها تريد التعويض منذ الآن بطفل/ طفلة جديد عوض تلك التي سترحل خلال سنوات قليلة. لا يبدو أن زوجها الحالي قادر على الإنجاب، لذلك تلجأ الى زوجها السابق (المتزوّج حاليا) وتطلب منه التبرّع بنطفة لكي يتم التلقيح. كل هذا، وسواه من مفارقات الفيلم، لأجل تحدي الموت الذي هو اللاعب الأكبر في القرارات والمصائر هنا.

الدور الإيجابي

الفيلم الإيطالي الذي عرض هنا قبل يومين وعنوانه “فوضى هادئة” يتناول كيف أن الزوج وابنته الشابّة عليهما الآن التأقلم مع الحياة بعدما ماتت الزوجة والأم لنكتشف معه أنه إذا ما كانت الحياة هي صنف من الممارسات اليومية فإن الموت هو صنف مختلف بنفسه. عادات هذا الرجل تبدأ بالاختلاف جوهرياً بعد الوفاة فيبدأ بتغييرها من دون قرار مدروس، بل إندفاع في حالة وضعته أمام خسارة سبب حياة أفضل. في مطلع الأمر يبدأ بإيصال ابنته الى المدرسة ومنها، وبين العمليّتين لا يجد الرغبة في فعل أي شيء آخر سوى الجلوس في سيّارته بانتظار خروجها. أمره يشيع بين زملائه في العمل (الذي بات بطلنا مهدداً بأن يخسره) الرغبة في تقدير هذا الانصراف على أساس أنه بذل ثري بالمشاعر الإنسانية التي يفتقدها المجتمع اليوم. كثيرون من هؤلاء يبدأون ببثه أوجاعهم النفسية والعاطفية والروحانية. هنا يلعب الموت في فيلم أنطونللو غريمالدي، من هذه الزاوية بالتحديد، دوراً يكاد يكون إيجابياً ، بل هو إيجابي بالفعل إذ يدرك بطل الفيلم (ناني موريتي) أن لديه رسالة في الحياة عليه إيصالها ودور إيجابي لا بد من أن يلعبه.

خارج المسابقة الكثير من الأفلام التي تتحدّث عن الموت والتي تتطلّب التفاتة خاصّة بها. لكن الواضح أن أحداً من المشتركين ما عاد ينظر الى الموت بخفّة أو يحاول صنع فيلم طريف عنه أو حتى لا يمكن أخذه على محمل الجد. إنه موجود في الأفلام التي قدّمناها كحال واقع يلفّه قدر كبير من الحزن الذي يرفض أن يتركنا بسلام. 

فيلم مادونا بلا معنى

برلين  يو  بي  آي:

قوبل الفيلم الأول الذي تخرجه فنانة البوب الأمريكية مادونا والذي عرض على هامش افتتاح المهرجان بانتقادات لاذعة.

وعلى الرغم من أن مادونا واحدة من أنجح المغنيات في التاريخ، إلا أنها لم تتمتع بالشهرة نفسها في التمثيل، ويبدو أن جهودها خلف الكاميرا لم تصب النجاح نفسه أيضاً.

وقوبل فيلم “تهور وحكمة” الذي أخرجته مادونا بانتقادات لاذعة من النقاد الألمان الذين شاهدوا الفيلم قبل عرضه رسمياً في افتتاح مهرجان برلين السينمائي الأربعاء المقبل.

وذكرت صحيفة دير شبيغل على موقعها الإلكتروني أن محرر الصفحة الفنية فيها والناقد تساءلوا إذا كان الفيلم “مجرد فيلم سيئ أو أنه شنيع إلى هذه الدرجة؟”.

ونشر المحلل الفني للصحيفة تحليلاً قال فيه “الفيلم الذي أخرجته مادونا وتبلغ مدته 81 دقيقة أقرب إلى جهود المبتدئين من التحفة الفنية... أخرجت مادونا من حيث المبدأ فيلماً حول مادونا. قد يبدو ذلك أنانياً أو ربما أن قدرها حتماً ليس أن تكون نجمة إخراج”.

وقال الناقد في صحيفة “داي تاغيسزيتونغ” الشيء نفسه تقريباً حيث كتب “مادونا رائعة. موسيقاها واستعراضاتها وقصتها ورياضة اليوغا واعتناقها الكابالا وزوجها (المخرج البريطاني) غاي ريتشي.. كل ذلك رائع. لكن لا يمكنها إخراج الأفلام. ولا التمثيل، ونعرف الآن أنه لا يمكنها الإخراج أيضاً. لا شيء له معنى في الفيلم”. 

“قلق” يغازل الجائزة الذهبية

يوم أمس ثلاثة أفلام أخرى تعرضها شاشة المسابقة الرسمية هي الفيلم الإيطالي “قلب من نار” للويجي فالورمي، والفرنسي “أحببتك منذ فترة طويلة” لفيليب كلودل و”قلق” لأموس كوليك. هذا الأخير فيلم “إسرائيلي” تم تصوير معظم مشاهده في نيويورك وبعضها في فلسطين المحتلة.

الفيلمان الفرنسي والإيطالي يمكن صرفهما من البحث في مسألة من سيفوز بالجوائز الذهبية والفضية والبرونزية الرئيسية. الأول ليس فيه ممثلون محترفون ولا فيه كتابة سينمائية جيّدة وإخراجه ركيك بفعل عدم خبرة كافية والفرنسي دراما تعتقد أنها تسبر غور الجديد، لكنها تسبح في البحر ذاته الذي سبحت فيه أفلام حول شخصيات تحاول البحث عن مرحلة جديدة في حياتها وعن التعاضد بين النساء. تمثيل أفضل لكن الضعف في المعالجة واضح وإن كان هذا الفيلم أفضل من فيلم فرنسي شاهدناه قبله في إطار المسابقة أيضاً وعنوانه “لايدي جين” للمخرج روبير غودجيان.

لكن الذي يستوقف فعلاً هو ذلك الفيلم “الإسرائيلي” الذي هو جدير بالتقديم، لا غُبار على ذلك، لكونه محاكاً بفعل عناصر تنشيطية وترويجية لابد أن تؤدي به الى أن يكون فيلماً مهرجانياً. وإذا ما كان بالفعل فيلماً على قدر ومستوى فني مرموق فهو الذي يمكن الجدل فيه.

موشيه يهودي من المغرب أصلاً نتعرّف اليه وهو يتعرّض للضرب على أيدي ثلاثة رجال بسبب دين لم يُدفع أو عملية تجارية لم تتم. المخرج مشغول بتصميم لقطاته القريبة السريعة لكي تجسّد فعل العنف الذي يتعرّض إليه. إنه رجل في منتصف العمر جاء الى نيويورك من بضع سنوات بعدما أمضى حياته في حرب العام 1967 وعاش هناك لاحقاً في سعي ليحقق نجاحاً كروائي وشاعر ومثقّف لكن أحداً لم يأخذه على محمل الجد ولا كتاباته فقرر المجيء الى الولايات المتحدة.

الى هذا الحد يخفق الفيلم في التعامل مع مبرّر أقوى، لكنه لا يخفق حين يوزع في هذا الشأن حقيقة أن موشيه كان مختلفاً عن أترابه من حيث إنه لا يوافق على القتل الذي مارسه الجيش “الإسرائيلي” بحق العزّل من الفلسطينيين ولا على منهج تفكير وطن تألّف من ناجين من الهولوكوست بنوا بلد الميعاد لكنهم أخفقوا في تحقيق السلام وإرساء البلد على نحو مزدهر. إنه يشعر بمرارة وفي كل ليلة يلجأ الى ملهى صديقه ليقدم “توك شو” للجمهور ومعظمهم من اليهود الذين يعيشون في المدينة. فنيّاً الفيلم بعيد جدّاً عن أن يكون عملاً جيّداً، لكنه نوع من الأعمال الذي قد يجد صدى بين لجان التحكيم على أساس أنه فيلم مغزول بأسلوب واقعي مع كاميرا محمولة وحس من سينما جون كازافيتز وأجوائه في مدينته الشهيرة نيويورك. وعلى أساس أن الشخصية جيّدة معادية للحكومة “الإسرائيلية” لكنها ليست معادية ل”إسرائيل”. وعلى أساس أن له علاقة بما يجري في هذا القلب من العالم ما يعني أنه فيلم آني ومطلوب.

سيكون مفاجأة كبيرة إذا لم ينتج عن كل هذه الخواطر قرار بمنحه الجائزة الأولى أو الثانية في النتائج التي ستصدر يوم غد. 

أوراق ناقد ...

تمارين نقدية

استضاف مهرجان برلين هذا العام ثمانية أشخاص ما زالوا في مستهل الشباب آتين من عدّة بلدان نامية أو فقيرة أو بحاجة الى معونة ثقافية. على أن هؤلاء الشبّان أمامهم مهمّة محددة. لقد تم اختيار كل منهم بناءً على حبهم للسينما ورغبتهم في التحوّل الى النقد السينمائي وعليهم بالمقابل مشاهدة أفلام المسابقة وكتابة قطعة نقدية كل يوم وتقديمها الى أربعة نقاد دوليين لاستلام كتاباتهم وقراءتها وتقييمها على أمل أن كل واحد من هؤلاء، إذا ما امتلك ما يلزم، يستطيع التحوّل الى ناقد سينمائي محترف يوماً ما.

بالأمس غير البعيد كان المتحوّل الى النقد السينمائي يتعلّم من قراءاته ومن متابعاته الخاصّة. كان يسقط بطبيعة الحال إذا ما لم يكن مسلّحاً بالحب صوب ما يقوم به وبالسعي لتزويد نفسه بالثقافة المعمّقة وبالرغبة في أن يستطيع إفادة القارئ لأن القارئ في نهاية الأمر هو من تتوجّه إليه كلماتنا وليس الى سواه.

اليوم لا يزال هذا الأسلوب متّبعاً لكن مهرجان برلين يريد إضافة هذا البعد إليه عبر تأسيس الناقد منهجياً. أعتقد أن ذلك أمر مفيد لكنه ليس بالضرورة الطريقة الوحيدة الممكن اتّباعها لإنشاء نقد سينمائي . الطرق الأفضل هو نمو الثقافة بأجمعها في بلد ما وهي بعد ذلك كفيلة بإفراز عناصر تحب التعبير عن طموحاتها وشغفها بالحياة وعن رسالاتها ورؤاها فتمتهن النقد سواء كان مسرحياً، أدبياً، فنياً عاماً، أو موسيقياً أو تلفزيونياً.

ليس هناك من عربي بين هذا الجمع المستضاف هنا (علمت أن هناك طالباً من البيرو وآخر من تركيا وثالثاً من بولندا ورابعاً من نيجيريا) ولا أعرف سبب غيابه أو تغييبه، لكن أعرف من لا يريد للحركة السينمائية الصحيحة في بعض دول العالم العربي أن تنشأ وتزدهر.

بعض السلطات التي توظّف الثقافة للصالح الخاص ولا تكترث كثيراً لمنحها دوراً أكبر أو ليس لديها أساس تلك الخطّة الثقافية الشاملة. 

ثم بعض النقاد العاملين في الحقل النقدي الذين لا يسعون للعب الدور من زاوية التواصل مع الجمهور العريض. النظام الإعلامي والصناعي للصحافة ومتطلّبات الفرد المشروعة حيناً والمضافة الى بند الترفيه والاستزادة حيناً آخر يؤثر في قطع دابر العلاقة بين الناقد وما يصبو إليه. تسيطر عليه الحاجة للتواصل مع رئيس تحريره ويبدأ بالكتابة وعينه على أن يظهر على مستوى الفئة المصاحبة له وأن يقرأه الزملاء وبذلك لا يعد لديه علاقة بالمشروع الذي على النقد السينمائي أن يحرص عليه وهو الكتابة للناس وتوفير المادة السينمائية الجادة بكل تنوّعاتها لهم لكي يصبحوا القاعدة التي يتوجّه إليها شاعر بأن لديه رسالة يؤدّيها وليس مجرد انجاز مقالة نقدية والاكتفاء بنشرها والسلام.

م.ر

email: merci4404@earthlink.net

Blog: shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإمارتية في 16 فبراير 2008

 
 

فوز فيلم برازيلي بمهرجان برلين السينمائي

برلين (رويترز) - فاز الفيلم البرازيلي "فريق الصفوة" يوم السبت بجائزة الدب الذهبي بمهرجان برلين السينمائي عن أحسن فيلم مما سيثير على الارجح جدلا بشأن قرار لجنة التحكيم.

ويصور الفيلم الذي حقق بالفعل اقبالا كبيرا على مشاهدته في البرازيل الفساد والعنف والقتل داخل فرقة من افراد الشرطة في ريو تكافح تجار المخدرات المسلحين في الاحياء العشوائية في المدينة.

وأثار الفيلم الذي تفوق على افلام كانت مرشحة من هوليوود وبريطانيا للفوز بجائزة الدب الذهبي عن احسن فيلم انقسامات بين النقاد.

وأشاد البعض به باعتباره تصويرا جريئا للتنازلات الاخلاقية التي تقبل بها الشرطة من اجل البقاء واداء عملهم لكن اخرين قالوا ان الفيلم يمجد وسائلهم المريبة. ووصفه أحد النقاد بأنه "فيلم لتجنيد قطاع الطرق الفاشيين".

وفي مراسم حفل توزيع الجوائز بوسط برلين قال المنتج ماركوس برادو لمخرج الفيلم جوزيه باديلا "لقد صنعت فيلما شجاعا عن الفساد في ( قوات) الشرطة في البرازيل."

وتضع مراسم الحفل نهاية فترة امتدت 11 يوما من عروض الافلام في واحد من اوائل وأهم مهرجانات الافلام في اوروبا هذا العام.

وشملت قائمة الافلام الرئيسية المرشحة للفوز 21 فيلما لكن شارك في المهرجان نحو 400 فيلم في كل فئات المهرجان.

وفاز بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم فيلم (الاجراء المتبع في العمليات) وهو فيلم وثائقي للمخرج الامريكي ايرول موريس الذي استعرض الانتهاكات التي تعرض لها سجناء عراقيون على أيدي جنود امريكيين في سجن أبو غريب.

وفاز رضا ناجي بجائزة الدب الفضي لاحسن ممثل عن دوره في الفيلم الايراني "أغنية العصافير" وهو فيلم يتناول المخاطر التي يتعرض لها رجل ريفي نتيجة للمغريات المادية التي تلقى في طريقه في المدينة الكبيرة.

وفازت سالي هوكينز بجائزة أفضل ممثلة عن دور بوبي في الفيلم الكوميدي البريطاني "سعيد ومحظوظ" للمخرج مايك لي مثلما توقع النقاد. وفي هذا الفيلم صورت هوكينز شخصية مدرسة متفائلة.

وقالت هوكينز للحضور "انني على وشك البكاء كما تسمعون. في النهاية أود ان اشكر انسانا متميزا جدا هو (المخرج) مايك لي. انها ( الجائزة) من اجله."

وفاز الامريكي بول توماس أندرسون بجائزة أحسن مخرج (الدب الفضي) عن فيلم (ستراق دماء). وكان هذا الفيلم هو المرشح للفوز بجائزة الدب الذهبي قبل اعلان الجائزة.

وفاز الفيلم الذي يقوم فيه الممثل دانييل داي لويس بدور منقب عن النفط يتسم بالطمع في امريكا في اوائل القرن العشرين بعدة جوائز ورشح للفوز بثمانية جوائز اوسكار.

ومثلما هو الحال دائما احتلت العديد من الافلام من خارج المسابقة عناوين الصحف ومن بينها العرض الاول لفيلم عن فريق رولنج ستونز للمخرج مارتن سكورسيس.

 

الأعمال والنجوم الفائزون في مهرجان برلين السينمائي 2008

برلين (رويترز) - اختتم مهرجان برلين السينمائي أعماله يوم السبت بحفل الجوائز. وفيما يلي أهم الفائزين بالجوائز:

جائزة أحسن فيلم: (جائزة الدب الذهبي(

الفيلم البرازيلي (فرقة الصفوة) "The Elite Squad" .

الجائزة الكبرى للجنة التحكيم: (الدب الفضي)

الفيلم الوثائقي الامريكي (الاجراء المتبع في العمليات) "Standard Operating Procedure"

جائزة أحسن مخرج: (الدب الفضي)

بول توماس أندرسون عن فيلم (ستراق دماء) "There Will Be Blood"

جائزة أحسن ممثلة: (الدب الفضي)

سالي هوكينز اندرسون عن الفيلم البريطاني (سعيد ومحظوط) "Happy-Go-Lucky"

جائزة أحسن ممثل: (الدب الفضي)

رضا ناجي عن الفيلم الايراني (أغنية العصافير) "The Song of Sparrows"

جائزة أحسن سيناريو: (الدب الفضي)

سيناريو الفيلم الصيني (نثق في الحب) "In Love We Trust"

جائزة ألفريد باور

الفيلم المكسيكي (بحيرة تاهو) "Lake Tahoe" .

© Reuters 2008 All rights reserved.

رويتر في 16 فبراير 2008

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)