بحر من
الأفلام
هوليود – محمد رضا
هناك محطّات سينمائية عالمية كثيرة- لكن هناك محطّتان يعتبران
القمّة بالنسبة للحياة السينمائية، عموماً الأوسكار وشهر أيار- مايو حيث
يقع في أوروبا مهرجان (كان) للسينما وحيث يبدأ -على الجانب الأميركي موسم
الصيف- ترى ما الذي يحمله هذا الشهر في هذا العام.
هناك 66 فيلماً جديداً سيتم إطلاقه في هذا الشهر الميلادي
الخامس في أوروبا والولايات المتحدة وكندا. وعدد مواز تقريباً -أو أكثر
قليلاً- من الأفلام الآسيوية في الهند وباكستان والصين واليابان وطوكيو
وتايوان وتايلاند.
وفي بعض الحالات فإن نصف الأفلام الستة والستّين سيتم عرضها في
الدول غير الأوروبية إنما لجانب نحو 50 فيلم من الإنتاجات المحلية في
الأسواق اللاتينية والآسيوية والأوروبية ما سيرفع عدد الأفلام الجديدة إلى
نحو 75 فيلماً.
هذا كله في ناحية وانطلاقة مهرجان (كان) في دورته الجديدة في
الرابع عشر من هذا الشهر وحتى الخامس والعشرين منه في ناحية أخرى.
فالمهرجان الفرنسي سيحفل بحوالي 300 فيلم معروض في أيامه الإحدى عشر تلك من
بينها نحو 110 أفلام في عروضه الرسمية والباقي ما سيرتسم على الشاشات
التجارية في سوق المهرجان وعروضه الخاصّة.
هذا ما سيرفع الرقم إلى أكثر من 450 فيلماً تنطلق في شهر واحد.
هذا كثير، لكن حين ندرك أن معظم هذه الأفلام ستتلقّف اهتماماً جماهيرياً أو
نقدياً، ندرك لم السينما لا زالت الفن الرائج الأول في العالم بأسره،
والترفيه الأكبر والأهم من نوعه في زمننا اليوم.
أفلام في
مهرجان (كان)
هذا يحدث في كل شهر أيار- مايو لأن مهرجان (كان) الفرنسي هو
عيد السينما المنتظر، من ناحية، ولأن الموسم الصيفي المزدحم بالأفلام
الضخمة بات ينطلق من مطلع هذا الشهر ويتواصل حتى مطلع شهر أيلول- سبتمبر.
والحال هذه ليس في مقدور هواة السينما إلا أن يمنحوا أنفسهم إجازة من متاعب
الحياة وتلقّف الأفلام في هذا العيد أو ذاك. في كلا الحالتين شهر أيار-
مايو هو العرض الأول بالنسبة لموسم الصيف الحافل.
حسب مصدر مسؤول استقبل المهرجان في الأشهر الخمسة الأخيرة 1792
فيلماً أي 11 بالمائة أكثر مما استقبله المهرجان في دورته السابقة من
أفلام.
من بينها تسعة عشر فيلماً تم انتخابه للمسابقة الرسمية وتسعة
عشر فيلماً في تظاهرة (نظرة ما) بينما توزّعت أفلام أخرى في عروض خاصّة
خارج المسابقة: ثلاثة منها في قسم (عروض منتصف الليل) و(أربعة في عروض
خاصّة) وأربعة أخرى تعرض على هامش المسابقة وهو الهامش الذي عادة ما يضم
فيلماً تجارياً أميركياً كبيراً. كان (أوشن 13) في العام الماضي وهو
(إنديانا جونز ومملكة جمجمة الكريستال) لستيفن سبيلبرغ هذا العام.
هذا العام نجد ستيفن سودربيرغ في المسابقة، تحت العلم
الإسباني، بفيلم مكون من جزأين هو (تشي)، وكل جزء من ساعتين وله عنوان خاص
به. الجزء الأول عنوانه (الأرجنتين) و(الجزء الثاني بعنوان (غوريللا))، وإذ
يتهادى إلى البال ذكرى قيام السينما الأميركية بتقديم نسختها عن الثائر
اللاتيني الأشهر في فيلم بعنوان مماثل أخرجه رتشارد فلايشر سنة 1969 من
بطولة عمر الشريف وحمل وجهة نظر الخارجية الأميركية الكاريكاتورية عنه،
سيسعى فيلم سودربيرغ إلى معالجة من المفترض أن تكون إما حيادية أو على يسار
الحياد علماً بأن المخرج المعروف قسّم أفلامه بين قليل جاد وكثير ترفيهي من
بينها سلسلة (أوشن) وبضعة أفلام لجانب جورج كلوني، لكنه لم يعمد إلى فيلم
سياسي من قبل.
هذا الفيلم سيكون واحداً من فيلمين أميركيين في المسابقة.
الآخر فيلم كلينت إيستوود الجديد (الاستبدال) وهو من بطولة أنجلينا جولي
وجون مالكوفيتش وهو دراما حول أم انتظرت طويلاً عودة ابنتها المخطوفة
واعتقدت أن الله استجاب لدعائها حين عادت ابنتها فعلاً. ولحين صدّقت أن
الفتاة التي طرقت بابها هي ابنتها التي اختفت وهي صغيرة جدّاً، لكنها
اكتشفت أن هذه الفتاة ليست ابنتها.
اللكنة هذه السنة تختلف قليلاً حيث إن الإنتاج السائد ليس
أميركياً. فبالمقارنة مع الأعوام السابقة كان لهوليوود نصيب أكبر في
المسابقة مما هو الحال عليه هذا العام. ليس هناك من سبب محدد سوى أن ما
عُرض على لجنة الاختيار من أفلام لم يكن بالمستوى المطلوب، إلى جانب أن
الأفلام القادمة من أنحاء العالم كانت وفيرة وتستحق الاختيار.
الوجود الآسيوي البعيد متمثّل أيضاً بالفيلم الفيليبيني (سربس)
لبرلنتي مندوزا والفيلم السنغافوري (سحري) لإريك خو وكلاهما متسابقان. خارج
المسابقة هناك الفيلم الكوري الجنوبي (الطيّب، السيئ والغريب) لجيم جي- وون
ومثيله (المطارِد) لنا هونغ-جين.
أوروبياً، وإلى جانب أن فيلم (تشي) مسجل على أنه إسباني
الإنتاج، هناك اشتراكات ألمانية وفرنسية وإيطالية وبريطانية ومجرية مختلفة
ومن مجموعة من المخرجين الذين لم يسمع بأسماء معظمهم إلا القليل.
وفي صالات
السينما
على صعيد العروض التجارية، ينطلق الشهر بفيلم أكشن ضخم عنوانه
(الرجل الحديدي) ويقوم ببطولته روبرت داوني جونيور متقمّصاً شخصية سوبر
هيرو آخر تم انتزاعه من صحفات مجلات الكوميكس الأميركية.
معظم الدلائل تؤكد أن هذا الفيلم الذي تكلّف قرابة 160 مليون
دولار في طريقه إلى نجاح كبير كونه إضافة إلى أفلام وشخصيات أخرى مثل (سبايدرمان)
و(باتمان) و(العملاق) وسواها. في الواقع تتنبّأ هوليوود بأن يحقق الفيلم
أكثر من 300 مليون دولار إيراداً من السوق الأميركية في نحو شهر أو لنقل أن
لديه شهراً لاختراق هذا السقف قبل أن يزاحمه فيلم آخر من ذات الصنف ويسحب
البساط من تحت قدميه.
في ذات الأسبوع الذي ينطلق فيه فيلم (الرجل الحديدي)، الذي
يتحدّث عن مليونير يبتدع بذلة حديدية فيها الكثير من الأسلحة الخفية لقتال
الأشرار، ينطلق أيضاً فيلم عاطفي صغير اسمه (رجل الشرف) وسيكون بمثابة
التلوين الخفيف موجّهاً إلى المشاهدين، خصوصاً الإناث، الذين يرفضون أفلام
العنف والقوّة ويبحثون عن فيلم حول علاقات دافئة. هذا الفيلم من بطولة
باتريك دمبسي وميشيل موناهان.
لكن المسألة لا تخلو من منافسة محتملة. ففي اليوم التالي لهبوط
فيلم (الرجل الحديدي) ينطلق فيلم بعنوان (Speed
Racer)
وهو أكشن على قارعة طرق السباقات عبر أميركا مع إميل هيرش ومن إخراج
الأخوين ووشلوفسكي اللذين أنجزا من قبل ثلاثية (ماتريكس). وبعد أفلام صغيرة
متفرّقة، كون لا أفلام كبيرة كثيرة تستطيع الوقوف في مواجهة (رجل الحديد)
و(سبيد رايسر)، نجد فيلماً تشويقياً بعنوان (النهر الأخضر) من مخرج جديد
اسمه سام طيبي مع كرستينا هيوز وبروس بيترسون. رغم نوعيته إلا أنه أشبه
بالطفرة منه إلى المنافسة. شوكة صغيرة لن يشعر بها أي من الفيلمين
العملاقين المذكورين.
في التاسع من الشهر تزور الكوميديا الشاشات مرّة ثانية عبر
فيلم من قيادة كاميرون دياز وأشتون كتشر وكوين لطيفة. في (جوهرة) قصّة حب
بين رجل وامرأة يبدوان غير متجانسين، لكن الفيلم سيجعلهما متجانسين مباشرة
قبل النهاية.
وربما أثار عنوان الفيلم التالي وهو
Redbelt
الانتباه، لكن الفيلم في جوهره دراسة في فن الكونغ فو والقتال الشرقي مع
قصّة أريد بها أن تكون مختلفة واختلافها ذاك ما يلعب - ضد الفيلم- تجارياً.
جفري إدريس وجوزف الفييري وتيم ألن بعض أبطال هذا الفيلم الحائر، مثله في
هذه الوضعية التي لن تشكّل نجاحاً كبيراً فيلم (عين حمراء): أكشن شبابي مع
فل بابكوك وتارا غودريو وشوان هود. كلها أسماء جديدة والغاية إبقاء الكلفة
محدودة.
ولن يمر فيلم فانتازي كبير آخر إلا بعد مرور أسبوعين على بدء
عرض (آيرون مان) ففي الخامس عشر من الشهر يباشر فيلم (مفكرة نارنيا: أمير
كاسبيان)، وهو الجزء الثالث من السلسة، عروضه تسانده مجموعة من الوجوه
المعروفة بينها ليام نيسون وتيلدا سوينتون وإيدي إيزارد.
الخاص بالنسبة لهذا الفيلم إنتمائه إلى سلسلة ناجحة في دول
كثيرة. وكونه الجزء الثالث يعني أن جزءاً كبيراً من جمهوره محفوظ ومؤمّن
عليه سلفاً إذ في الحسبان أنه لن يتأخّر عن مواكبة الجديد الذي يرد في
قصّته مع شخصيات برهنت على ترحيب الناس بها.
لكن الفيلم الكبير الثالث والأخير لهذا الشهر لن يكون سوى
الحلقة الرابعة من مغامرات (إنديانا جونز) الذي سيباشر عروضه التجارية بعد
ساعات من عروضه الفرنسية في إطار مهرجان (كان) خارج المسابقة. إنها مغامرة
أخرى تحت إدارة ستيفن سبيلبرغ ومع هاريسون فورد في البطولة لجانب الوجه
الجديد شيا لابوف والأسترالية كيت بلانشيت.
يحدث الآن
ومضات من (كان) المقبل
حين ظهرت لائحة الأفلام المشتركة في مسابقة مهرجان (كان)
السينمائي الدولي الرسمية، تساءل عديدون عن السبب الذي لم يرد فيه عنوان
فيلم تناقلت الأنباء مسبقاً أنه من بين أهم الإنتاجات هذا العام. الفيلم
برازيلي بعنوان (عمي) للمخرج فرناندو مايرليس وفي رأي كثيرين أن المخرج
البرازيلي المعروف أنجز عملاً يستحق الجوائز، فما البال بدخوله المنافسة في
أهم مهرجان سينمائي عالمي.
فجأة يأتينا من المهرجان نفسه أنه لم يغفل هذا الفيلم ولو أنه
تأنّى في الإعلان عنه. بل أن المهرجان سيفتتح به المسابقة الرسمية في
الرابع عشر من الشهر ما قد يريح أعصاب المعجبين بالمخرج أو ببطله المكسيكي
غايل غارسيا برنال أو بطلته الأميركية جوليان مور. إلى جانب هذين الاسمين
نجد في البطولة مارك روفالو وداني غلوفر.
وهناك فيلمان آخران تم تأجيل الإعلان عنهما رسمياً لكننا نعلم
الآن أنهما سوف يعرضان فيه عرضاً رسمياً. الفيلم الأول هو (ليدخل البحر)
وهو للمخرج لوران كانتل مع الممثل الجديد فرنسوا بيغودو في البطولة.
الفيلم الثاني هو (عاشقان) للمخرج جيمس غراي مع خواكين فينكس
وجوينيث بالترو وإيزابيلا روسيليني في البطولة.
هذا الفيلم هو الثالث بين المخرج غراي والممثل فينكس من بعد
(الياردات) و(نملك الليل) وكلاهما اشترك في المهرجان رسمياً ولو أنهما لم
يحصلا على أي جائزة. فهل يتبدّل الوضع هذا العام؟
والمهرجان هذا العام سيحتفل على طريقته بمرور 40 سنة على
الثورة الثقافية التي أدّت سنة 1968 إلى تعطيل دورته في ذلك العام عندما
اقتحم المخرج جان- لوك غودار المهرجان وأعلن إيقافه. الأفلام التي كانت
ستعرض في تلك الدورة لم تُشاهد إلا نادراً فيما بعد لكن دورة هذا العام،
وفي سياق الاحتفال بتلك الذكرى سيقوم بعرضها في قسم خاص.
وبالمناسبة فإن العديد من الدورات اللاحقة جابهت مواقف صعبة
فنحن نعيش في حالات أمنية غير مستقرّة حول العالم بأسره والرغبة في منح
المهرجان الطمأنينة التي ينشدها روّاده تأتي في مقدّمة الاهتمامات التي
توليها كل الأطراف الأمنية هناك.
في معظم الأحيان لا يمكن مراقبة أي تدابير فعلية، باستثناء
قوات من الدرك الموزّعة حول قصر المهرجانات، وتفتيش الحقائب بالنسبة
للداخلين، لكن يُقال أن كل طالب بطاقة صحافية أو إدارية لدخول المهرجان تم
فحصه ومحصه على أيدي اختصاصيين قبل وصوله.
الجزيرة
السعودية في 02
مايو 2008
|