تنوّع اللغات, والمراجع الثقافية لشبه القارة الهندية ساهم بتطور, وازدهار
سينما متنوعة, ويمكن الحديث عن السينمات الهندية من خلال مُسميّاتٍ وُفق
الولايات المحلية التي تُنتجها :
حيث تُشير (Bollywood)
إلى الأفلام الناطقة باللغة الهندية, والأوردية, وقاعدتها في بومباي, وهي
الأكثر شهرةً, وتوزيعاً في جميع أنحاء العالم.
بينما تُشير(Kollywood)
إلى الأفلام الناطقة باللغة التامولية, تلك المٌنتجة في استوديوهات (Kodambakkam)
أحد أحياء مدينة (Chennai)
في جنوب الهند, والتي كانت تُسمى يوماً(Madras).
أما (Tollywood),
فهي الأفلام الناطقة بلغة الـ(télougou)
المُنتجة في (Hyderâbâd).
ومن ثمّ, هناك الأفلام الناطقة بلغة الـ(ماراتي) المُنتجة في بومباي,
وبوني.
والأفلام الناطقة باللغة البنغالية المُنتجة في كالكوتا.
والأفلام الناطقة بلغة الـ(كاننادا) المُنتجة في (Karnataka).
والأفلام الناطقة بلغة الـ(مالايالام) المُنتجة في (كيرالا)(1)
****
(Minsaara
Kanavu)
هو عنوان الفيلم الهنديّ الناطق باللغة التامولية, من إخراج(Rajiv
Menon),
وإنتاج عام 1997.
وقد جاءت النسخة المُدبلجة باللغة الهندية تحت عنوان (SAPNAY),
بينما كانت النسخة المُدبلجة بلغة التِلوغوو تحت عنوان (Merupu
Kalalu).
يمتلكُ الفيلم مذاقاً مختلفاً عن أفلام بوليوود, يحتفظ ببعض توابلها
الدرامية, والسينمائية, وفي الوقت ذاته, يغامر بإضافة بعض التغييرات,
والاختلافات, ومعها يشعر المتفرج بتشابه الأحداث مع مجريات حياته اليومية.
البداية تقليديةٌ (كما حال الكثير من الأفلام الهندية), أغنيةٌ تمهيديةٌ
محشوةٌ في السيناريو, المتفرج المُغرم بالسينما الهندية لن يجد فيها ضرراً
طالما أنها جميلةٌ, وممتعةٌ, وتُظهر الحلوة برييا(Kajol)
تنضح مرحاً, ونشاطاً, وحيويةً, وهو الأمر الذي يتناقض تماماً مع رغبتها
اللاحقة بأن تصبح راهبةً بعد إكمال دراستها في المدرسة الداخلية التي تعيش
فيها.
تستمر نمطيّة السيناريو مع الرجوع المُظفرّ للبطل توماس(Arvind
Swami)
من الولايات المتحدة بعد خمس سنواتٍ من الدراسة في جامعة أكسفورد, يستقبله
أهالي الحارة بابتهاجٍ, وفرح (مشهدٌ يذكرنا بالسينما المصرية), ولكنه هذه
المرّة بطلٌ عاديّ شكلاً, سلوكاً, تصرفاتٍ, وأحاسيس,.. شابٌ هنديّ جنوبيّ,
غامق السمرة, ممتلئٌ, وقصير القامة, .. لن يغني في الفيلم, أو يرقص (ماعدا
مرةً واحدة), ولن يضرب الأشرار في كلّ مناسبة.
تُستخدم فكرة عودة البطل من السفر كوسيلةٍ دراميةً شائعة في الأفلام
الهندية, وتشير عادةً إلى اختلاف حالته الاجتماعية, والتعليمية, والثقافية
عن الآخرين, والأهمّ, بالنسبة للحبكة, المُفاجأة السعيدة بلقاء صديقة
الطفولة التي أصبحت فتاة باهرة الحلاوة, ناضجة الأنوثة, وجاهزة للحبّ, وهو
ما حدث بالضبط مع المسكين (توماس) عندما التقى بالرقيقة (برييا) بعد طول
غيابٍ عنها (المُفترض خمس سنواتٍ فقط).
حدث اللقاء الأول بينهما عندما ذهب إلى المدرسة الداخلية ليحصل على بركات
عمته الراهبة الكُبرى(Arundathi
Nag)
ـ وهذا يعني بأنه يتيم الأمّ كما حال برييا ـ, كانت جولة (توماس) السرية في
عنابر الفتيات للبحث عن فتاة أحلامه طافحةً بالهزل, رافقتها مؤثرات صوتية
نمطية, ومزعجة.
مشكلة (توماس), وعقدة الفيلم أيضاً, بأنه خجولٌ, مترددٌ, يجهل فنون
المُغازلة, وآليات الإقناع, والدخول إلى قلب من يحبها, وهي تريد أن تصبح
راهبة, تسير على خطى الأم تيريزا, وتمنح نفسها لخدمة الربّ, والفقراء,
والمساكين, وتتخلى عن عواطفها الدنيوية.
حالما تغادر (برييا) مدرستها, تُرافقها موسيقى الأنشودة الدينية التي
أنشدتها في المدرسة, وأدهشت الجميع بصوتها الملائكيّ.
لاحقاً, يتعمّد (توماس) اللقاء معها أمام الكنيسة, هو يريد البوح بحبه لها,
وهي تحدثه عن رغبتها الروحانية :
ـ قل لي فقط, ما هو الخطأ بأن أصبح راهبة ؟
لا يقف سيناريو الفيلم عثرةً أمام رغبتها, وبالمُقابل, لا يُشجع على
تحقيقها, ولكن, يضعها أمام خياراتٍ حياتية مختلفة, ويمنحها الوقت للتفكير,
وتقرير مصيرها .
ولا يوجد أيّ عائقٍ اجتماعيّ, عائليّ, أو دينيّ,.. يمنع علاقةً محتملة بين
(توماس), و(برييا), لقد كان قراراً شخصياً, روحانياً بالأحرى, كي يصبح
الجانب الديني المُعلن قضيةً جوهريةً, وعقدةً مركزيةً للأحداث.
ومن هذا المنطلق, يمكن ـ تجاوزاً ـ اعتبار (Minsaara
Kanavu)
فيلماً مسيحياً خالصاً في بلدٍ تتعايش فيه ديانات مختلفة, حيث لا يوجد في
التقاليد الإسلامية مدرسة داخلية دينية للفتيات, ولا يمكن أن تصبح المرأة
راهبة/ زاهدة, ولا يمنع الإسلام أحداً من الزواج.
وكما كان الحال مع (توماس) والمُؤثرات الصوتية الغريبة التي كان يجترّها
شريط الصوت برفقة مواقفه الكوميدية, تعود بعنادٍ مع ظهور ديفا(Prabhu
Deva)
الشخصية الثالثة الفاعلة في الأحداث, مما يجعل الثلث الأول من الفيلم
يتأرجح بين الجديّة, والهزل .
نتعرف عليه من خلال أغنية, هو شابٌ مزينٌ في صالون حلاقة, وعاملٌ في أحد
المطاعم الشعبية, وفنانٌ يهوى الغناء, ويطمح بتكوين فرقة موسيقية, وأكثر من
ذلك, يمتلك موهبة الإقناع, وكي يؤكدها السيناريو بفجاجة, يحشر في الأحداث
مشهداً ينقذ فيه عروساً قررت الانتحار عندما سمعت خلال حفل زفافها عن علاقة
زوجها مع إحدى صديقاتها, ..
وإثر ذلك الموقف الإنساني, يطلب منه (توماس) بأن يكون رسول المحبة .
يحدث اللقاء الأول بين (برييا), و(ديفا) في المطعم حيث يعمل, وتبدأ
علاقتهما المُلتبسة بأغنيةٍ تُوحي كلماتها بإعجابٍ خفيّ من طرفه, ونفورٍ
كاذبٍ من طرفها, حتى أنها تصفه بقردٍ استأجره أصدقاءه من حديقة الحيوانات.
وعلى عكس ما هو مٌنتظر, ومُتوقع, يتحول الموقف تدريجياً لصالح (ديفا),
وتشعر (برييا) بالحبّ نحوه,...
في هذا الفيلم, تبتعد الكاميرا عن القصور, والبيوت الفخمة, والطبيعة
الخلابة المأخوذة من هذا البلد, أو ذاك, وتجري الأحداث في مدرسةٍ داخلية,
كنيسة, صالون حلاقة, وشوارع شعبية.
ولكنّ السينما الهندية (بكلّ لغاتها) حلفت بأن لا تتخلى بسهولةٍ عن أغانيها
(هي حبة الكرز المُشتهاة فوق قطعة الحلوى), وكانت هذه المرة في الحقول,
المزارع, المطعم, الشوارع, محطة القطار, مدينة الملاهي, ورصيف نهرٍ يقضي
بعض أطفال الشوارع لياليهم بجانب تمثالٍ لأنديرا غاندي.
يتصنّع الأب المرض كي تأخذ (برييا) مكانه في العمل لبعض الأيام, هي التي
قضت عشر سنواتٍ في مدرسةٍ داخلية مسيحية, وترغب بأن تصبح راهبة, يتوجب
عليها الاهتمام بملابس داخلية رجالية ينتجها مصنع والدها .
وفي مكانٍ آخر, يتعمّد (ديفا), وأصدقائه افتعال مواقف مُصطنعة كي يتدخل
(توماس), ويصبح بطلاً في نظر (برييا), مشهدٌ هزليّ يستعير موسيقاه من أفلام
جيمس بوند.
(برييا) تنسى نفسها أحياناً, تغني, وترقص مرتديةً فستاناً أسوداً قصيراً,
تنتقل الكاميرا من مدينة الملاهي حيث انطلقت الأغنية إلى ديكور حارةٍ في
مدينة مغاربية ( تستخدم الأغنية الهندية جغرافيا خاصة بها).
حالما توافق (برييا) على الانضمام إلى الفرقة بشكلٍ مؤقت, حتى تبدأ بتذوق
الحياة, وتنسى يوم الأحد, وصلواتها المُعتادة في الكنيسة.
بجانب نهرٍ ينام على رصيفه أطفالٌ مشردون, يلتقي (ديفا) مع (برييا) في
ديكورٍ ليليّ ساحر, يُضيئه قمرٌ مكتمل, يغنيا أغنيةً رقيقةً ناعمة لن
ينساها المتفرج بسهولة, ويرقصا رقصةً سوف تُضاف إلى رصيد المشاهد
الاستعراضية المُبهرة في السينما الهندية.
تنفيذاً لنصيحة أصدقائه, يصطحب (توماس) فتاة أحلامه (برييا) إلى مكانٍ
رومانسيّ, غابةٌ, وشلالات, ويغني (توماس) ـ للمرة الأولى, والأخيرة ـ,
ويؤدي بعض الحركات المُستحية, هي تستمتع بمياه الشلال, وهو يحلم بلقاءاتٍ
حارة معها, تتخطى القبلة التي جاء من أجلها, وتظهر اللقطات رغباته الدفينة
التي تؤكدها كلمات الأغنية, ولكن تظل خيالاته في حدود المسموح بها في
السينما الهندية التي تتحايل بمهارةٍ على مقصّ الرقيب, وتقدم لقطاتٍ
شهوانية أكثر إثارةً من أيّ فعلٍ حقيقي بين عاشقيّن.
يعتقد (توماس) بأنها تحبه, وبدورها, تعتبره صديقاً, ولهذا ترفض محاولته في
تقبيلها, فيعترف لها بأنه ينفذ فكرة (ديفا),..
هي التي كانت تعتقد بأن(ديفا) يحبها.
بالتفكير قليلاً, نكتشف بأن السيناريو يُعيدنا إلى التيمة التقليدية :
(توماس) مهندسٌ من عائلة ميسورة, يحب (برييا) الثرية, وعلى الرغم من
إعجابها به, إلاّ أنها تفضل الحلاق الفقير, والطموح (تتعمّد السينما
الهندية تحطيم الهوّة بين الطبقات الغنية, والفقيرة) .
وبالتفكير أكثر في طبيعة الشخصيات, سوف نتذكر بأن (برييا), ومنذ اللقطات
الأولى للفيلم, تمتلك صوتاً جميلاً, وتهوى الغناء, كما حال (ديفا) الذي
يحلم بتكوين فرقته الخاصة, بينما (توماس) لا يغني, ولا يرقص (إلاّ في مرة
واحدة) .
يتمّ توظيف الغناء في السينما الهندية لتجسيد الأحاسيس, والمشاعر, أو
يُستخدم نيابةً عن الحوارات الداخلية(الشخصيات تفكر, أو تتحدث مع نفسها).
في بداية الفيلم, كانت (برييا) معجبةٌ بـ(توماس), ولكنه فشل في التعبير عن
حبه لها, فأوكل هذه المهمة لـ(ديفا) الذي دخل قلبها بغنائه, وكان حبها من
نصيبه, هو الذي يملك ما لا يملكه الثريّ (توماس).
الفيلم مسالمٌ بأحداثه, وشخصياته, ويُجسد جوهر الديانة المسيحية التي تُغلف
الحكاية .
(توماس) عاشقٌ خجولٌ, مهذبٌ, ولطيف, ولهذا لم يتحول إلى شريرٍ عندما فشل في
استمالة قلب (برييا), واكتشف مشاعرها الحقيقية, وانجذابها نحو (ديفا), لقد
تأثر حتماً, ولكنه تناسى آلامه, ووقف إلى جانب (ديفا), واستمر في إقناع
(برييا) للتخلي عن رغبتها بأن تصبح راهبة.
و(ديفا) بدوره, طيبٌ, وشهم, شعر بالذنب عندما اتضحت مشاعره نحو (برييا),
وعرف بأنها تحبه أيضاً.
كما يخلو الفيلم من مشاهد القتال, والمُطاردات, وإطلاق الرصاص, وعلى الرغم
من بعض المُبالغات, إلا أن الأحداث قريبة من المتفرج, تدور في أماكن
مألوفة, والشخصيات الثلاثة عادية, تعيش لحظات قوتها, وضعفها, ولا تمتلك
قدراتٍ خارقة .
ولم ينزلق السيناريو في حلولٍ متطرفة, منذ البداية حذرت الأم الكبرى
(برييا) من تنفيذ رغبتها بدون الاقتناع الكامل, ورفض (أمالراج) فكرة ابنته,
ولهذا سارع لتزويجها قبل فوات الأوان .
من اللحظات التي لن ينساها المتفرج بسهولة, عندما حاول(ديفا) اللحاق بها
بدراجته النارية قبل أن تصعد القطار الذي سوف يوصلها إلى مدرستها الداخلية,
لم يكن بطلاً, لقد وقع, وتألم, وركض بأقصى سرعته خلف العربة التي تجلس فيها
(برييا), وتعلق بشباكه, وتحمّل آلامه, حتى سقط في مياه البحيرة المُحاذية
لسكة القطار.
في المستشفى, يتحدث (توماس) مع (ديفا) الراقد في سريره :
ـ كان عليكَ أن تموت, ألم تجد فتاةً أخرى في هذا الكون كي تحبها ؟ هل تعرف
ما معنى الحب, كيف لكَ أن تقارنَ نفسكَ بها, أنتَ لستَ متعلماً, كيف لكَ أن
تفهمها...؟ على أيّ حال, هذا هو قدري.
ومع عودة (برييا) إلى المدرسة الداخلية لتنفيذ قرارها, تتهادى الموسيقى
التي رافقتها في لقطات مغادرتها لها بعد انتهاء دراستها فيها.
المشاهد الختامية من الفيلم, سباقٌ مع الزمن في مونتاج متوازي:
(برييا) تتلقى تعاليم الراهبات, وتعصر بألمٍ صليباً يتدلى من رقبتها,
وتصلي, بدون أن تفارقها صور لقائها مع (ديفا) بجانب النهر, وعناقهما
المُفاجئ,..
(توماس) يقود سيارته كي يصل إلى المدرسة قبل فوات الأوان.
وأمام الكنيسة, وتحت الأمطار, هاهو أخيراً يمتلك الشجاعة, والقوة, والعزيمة
في إقناع (برييا) بالتخلي عن فكرتها, والتأكيد على حب(ديفا) لها.
تنتصر العواطف الجياشة في مواجهة الرغبات الروحانية, والفوارق الاجتماعية,
ويتزوج (ديفا) الفقير الطموح من (برييا) الثرية, وربما يخرج (توماس) من تلك
التجربة القاسية أكثر شجاعةً, وثقةً بالنفس, وقدرةً على التعبير عن
أحاسيسه, ومشاعره أمام بنت الحلال التي سوف يلتقي بها ربما في فيلمٍ
تاموليّ آخر.
(1) ـ معلومات أرشيفية مترجمة عن موقع
fr.wikipedia.org
سينماتك في 1
أغسطس 2008
|