كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

موعد مع التاريخ والحوار الحقيقى بين الثقافات

رسالة مهرجان برلين - سمير فريد

مهرجان برلين السينمائي الدولي

الدورة الستون

   
 
 
 
 

بغض النظر عن الاختلاف مع تقدير لجنة التحكيم فى أى مهرجان، أى مدى استحقاق هذا الفيلم أو ذاك بما فاز به، فإن الأهم هل فاز أهم أفلام المسابقة، أم أن هناك أفلاماً كانت جديرة بالفوز ولم تفز، وهل فازت أفلام لا تستحق على حسابها.

بالنسبة لمسابقة برلين الـ٦٠ هذا العام لم يفز فيلم لا يستحق، وكانت الأفلام الستة الفائزة هى أحسن أفلام المسابقة، ولكن كانت هناك ثلاثة أفلام أخرى تستحق التقدير ولم تفز، وهى الفيلم الصينى «إمرأة ومسدس ومطعم الفودلز» إخراج زانج بيمو، والفيلم النمساوى «اللص» إخراج بينجامين هيسينبرج، والفيلم الدانمركى «عائلة» إخراج بيرنيللى فيشر كريستنسن.

كان من الممكن فوز فيلمين من الثلاثة بجائزتين، لكن لجنة التحكيم رأت منح جائزتين لفيلمين، وهو ما يعتبر مبالغة فى التقدير كما ذكرنا فى مسابقة قوية مثل مسابقة برلين ٢٠١٠، ورغم أن الفيلم الفرنسى «الكاتب الشبح» إخراج رومان بولانسكى كان يستحق الدب الذهبى، فإن فوز الفيلم التركى «عسل» إخراج سميح كابلا نوجلو لا يثير الانزعاج بأى حال لأنه من الأفلام الممتازة، كما يعبر من ناحية أخرى عن استراتيجية المهرجان فى عهد مديره ديتر كوسليك.

موعد مع التاريخ

ديتر كوسليك هو المدير الرابع لمهرجان برلين فى ٦٠ سنة، بعد المؤسس الراحل ألفريد باور، والناقد الراحل وولف دونر، والخبير السويسرى مورتيز دى هاولن الذى جعل المهرجان منافساً لمهرجانى كان وفينسيا، وقد حضرت عشر دورات من الدورات الـ٦٠، دورة واحدة فى عهد دونر عام ١٩٧٩ حيث عرض «إسكندرية.. ليه» للراحل شاهين وفاز بالجائزة الوحيدة التى فازت بها السينما المصرية فى المهرجانات الكبرى الثلاثة، ودورة واحدة فى عهد دى هادلن عام ١٩٩٧، وثمانى دورات فى عهد كوسليك من ٢٠٠٠ إلى ٢٠١٠.تولى كوسليك المسؤولية فى عام ٢٠٠٠، ومع وقوع أحداث سبتمبر ٢٠٠١ ونشوب الحرب العالمية الثالثة منذ ذلك الحين، وحتى الآن، كان الرجل وهو مثقف كبير وسياسى كبير وسينمائى كبير على موعد مع التاريخ، ابتداء من دورة ٢٠٠٢ التى جعل شعارها «التنوع الثقافى» أو حوار الثقافات، فى مواجهة الصدام وبدلاً منه، وطبق الشعار عملياً منذ دورة ٢٠٠٣، ويبدو ذلك بوضوح فى الأفلام التى فازت بالدب الذهبى منذ ذلك الحين.

وكل المهرجانات هى للحوار بين الثقافات أو تسعى إليه لتكون جديرة بصفة «الدولية»، ولكن المهرجانات الثلاثة الكبرى العالمية وكلها فى أوروبا تهتم بالأفلام من خارج أوروبا وأمريكا لمجرد إثبات «الدولية» وعلى نحو يبدو شكلياً فى الكثير من الأحيان،غير أن هذه النظرة اختلفت فى برلين فى عهد كوسليك الذى أدرك، بحق، أنه على موعد مع التاريخ، وجعل مهرجان برلين أكبر مهرجان للحوار بين الثقافات منذ عام ٢٠٠٣

سينما القارات الثلاث

فاز بالدب الذهبى عام ٢٠٠٣ الفيلم البريطانى «فى هذا العالم» إخراج مايكل وينتر بوتوم عن الحرب الدائرة فى العالم، وفاز ٢٠٠٤ الفيلم الألمانى «وجهاً لوجه» إخراج التركى الأصل فاتح أكين عن الاختلاف الثقافى بين الأتراك المهاجرين والألمان فى ألمانيا، وفاز ٢٠٠٥ فيلم جنوب أفريقيا «يو كارمن» إخراج مارك دونفورد ماى عن أوبرا كارمن فى أفريقيا، وكان أول فيلم أمريكى يفوز بجائزة ذهبية طوال تاريخ المهرجانات الكبرى الثلاثة، وفاز ٢٠٠٦ الفيلم البوسنى «جرب فيكا» إخراج ياسمين زبانيك عن حرب البلقان بين المسلمين والصرب، وفاز ٢٠٠٧ الفيلم الصينى «زواج تويا» إخراج وانج كيوان آن، وعلى التوالى عامى ٢٠٠٨ و٢٠٠٩ فاز فيلمان من أمريكا اللاتينية، هما البرازيلى «الغرفة الخاصة» إخراج خوزيه باديلا، وفيلم إسبانيا وبيرو «حليب الأسى» إخراج كلوديا ليوسا من بيرو ثم فاز الفيلم التركى «عسل» هذا العام.

وربما يسأل قارئ عن حق، وهل يقرر مدير المهرجان من يفوز بالدب الذهبى، وماذا تفعل لجان التحكيم إذن؟ والإجابة أنه لا يتدخل فى قرارات اللجنة بالطبع، ولكن مدير أى مهرجان يكون الوحيد الذى شاهد كل أفلام المسابقة التى اختارها، والوحيد الذى يختار رئيس وأعضاء لجان التحكيم، وهم بحكم كونهم من الخبراء عادة تكون ميولهم معروفة مسبقاً، ولذلك يستطيع أن يتوقع من سوف يكون مع هذا الفيلم أو ذاك على نحو ما، وإلى جانب المشاورات الجانبية فمن حق مدير المهرجان أن يحضر الجلسة الأخيرة مع اللجنة إذا أراد، ولكن دون أن يتدخل فى قراراتها.

فى مراجعة متأخرة لقائمة الفائزين بالدب الذهبى فى تاريخ مهرجان برلين، تبين أن بولانسكى فاز عام ١٩٦٦ عن الفيلم البريطانى «مأزق»، وأن السينما التركية فازت عام ١٩٦٤ عن فيلم «انعكاسات» إخراج إسماعيل ميتين.. ولذلك لزم الاعتذار عن تصحيح ما سبق نشره من أن بولانسكى لم يفز بالدب الذهبى، وأن السينما التركية فازت به للمرة الأولى هذا العام.

المصري اليوم في

25/02/2010

####

الممثلان الروسيان فازا فى أصعب مسابقة

رسالة مهرجان برلين   سمير فريد   

جاءت مسابقة مهرجان برلين، الذى اختتم أعماله الأحد الماضى على مستوى الاحتفال بالدورة الـ٦٠، ومرور ١٠ سنوات على تولى ديتر كوسليك إدارته، من أحسن مسابقات المهرجان الدولى الكبير فى السنوات الأخيرة.

عرض فى المسابقة ٢٠ فيلماً أغلبها من الأفلام التى ستشغل عالم السينما طوال ٢٠١٠، وفى تقديرى أن المسابقة شهدت ثلاث تحف وخمسة أفلام ممتازة، وخمسة أفلام جيدة، وسبعة أفلام تقليدية سائدة أو تجارب مخفقة، وهذه نسب لا يطمح أى ناقد إلى أفضل منها.

التحف هى: الفيلم الصينى «انفصال.. اتصال» إخراج وانج كيوان آن، الذى توقعنا فوزه فى رسالة الأحد ١٤ فبراير، وفاز بجائزة أحسن سيناريو، والفيلم الفرنسى «الكاتب الشبح» إخراج رومان بولانسكى، الذى توقعنا فوزه بالدب الذهبى فى رسالة الثلاثاء ١٦ فبراير، وفاز بجائزة أحسن إخراج، والفيلم الصينى «امرأة ومسدس ومطعم النودلز»، إخراج زانج ييمو، الذى لم نتوقع له الفوز رغم اعتباره من التحف.

أما الأفلام الممتازة فهى الفيلم الرومانى «إذا أردت أن أصفر.. سوف أصفر»، إخراج فلورين سيربان، الذى توقعنا فوزه فى رسالة الأربعاء الماضى بجائزة الفيلم الطويل الأول، وفاز بها كما فاز بجائزة لجنة التحكيم، والفيلم النمساوى «اللص»، إخراج بينجامين هيسينبرج، الذى لم نتوقع له الفوز رغم امتيازه، والفيلم الدنماركى «عائلة»، إخراج بيرنيللى فيشر كريستنسن، الذى فاز بجائزة الاتحاد الدولى للنقاد (فبريسى)، والفيلم التركى «عسل»، إخراج سميح كابلا نوجلو، الذى فاز بالدب الذهبى، والفيلم الروسى «كيف أنهيت هذا الصيف»، إخراج ألكسى بوبو جريبسكى، الذى فاز بجائزة أحسن ممثل وأحسن تصوير.

أما الأفلام الجيدة فهى: الفيلم اليابانى «النطفة»، إخراج كوجى واكاماتسو، والذى توقعنا فى رسالة السبت الماضى فوزه لأنه ينتمى إلى عالم هيرزوج، رئيس لجنة التحكيم، وفاز بجائزة أحسن ممثلة، والفيلم البوسنى «على الطريق»، إخراج ياسمين زبانيك، والفيلمان الأمريكيان «عواء» إخراج روب إبستين وجيفرى فرد مان، و«القاتل داخلى»، إخراج مايكل وينتر بوتوم، والفيلم الألمانى «صعود وسقوط اليهودى سوس»، إخراج أوسكار روهلر.

أصعب مسابقة للتمثيل

كان التنافس للحصول على جائزة أحسن ممثل أصعب مسابقة فى مهرجان برلين هذا العام، حيث جرت مباراة ممتعة بين عشرة ممثلين عظام: ثلاثة من الصين هم سيون هونجلى فى «امرأة ومسدس ومطعم النودلز»، ولينج فينج وزيو كاى جين فى «انفصال.. اتصال»، والدنماركيان أندريه لوست فى «اللص»، وجيسبير كريستنسن فى «عائلة»، والسويدى ستيلان سكار سجارد فى «رجل مهذب على نحو ما»، والأمريكى كاسى أفليك فى «القاتل داخلى»، والألمانى موريتز بليبتريو فى «صعود وسقوط اليهودى سوس»، والروسيان جريجورى دوبريا جين وسيرجى بوسكيباليس فى «كيف أنهيت هذا الصيف»، واللذان فازا بالجائزة معاً، وكانا الممثلين الوحيدين فى الفيلم طوال ١٢٤ دقيقة مدة عرضه.

نهاية أو بداية العالم

«كيف أنهيت هذا الصيف»، الفيلم الطويل الثالث لمخرجه الذى ولد عام ١٩٧٢ فى موسكو، وعرض أول أفلامه «كوكتيبل» فى أسبوع النقاد فى مهرجان «كان» عام ٢٠٠٤، وتدور أحداث الفيلم فى جزيرة روسية فى أقصى الشمال القطبى تعتبر حرفياً نهاية العالم، حيث لا تشرق الشمس فى الصين، ولكنها تبدو فى الفيلم وكأنها بداية العالم أيضاً، فليس هناك سوى رجلين فى محطة للأرصاد الجوية من البداية إلى النهاية، والزمن الدرامى يوم واحد على نحو يحقق، بشكل نموذجى، الوحدات الأرسطية الثلاث «الزمان والمكان والموضوع».

سيرجى «دوبريا جين» خبير لم يغادر المحطة منذ سنوات ويشتاق إلى زوجته وابنهما، وبافل «بوسكيباليس» شاب حديث التخرج أراد خوض «مغامرة» العمل فى محطة الجزيرة المعزولة، وكلاهما فى انتظار وصول السفينة التى تعيدهما إلى الحياة فى المجتمع، العلاقة بين الرجلين تعبر عن العلاقة بين الأب والابن، وبين العقل والعاطفة، وبين حكمة الخبرة وطموح الشباب، وبين الحب والكراهية، بل وأحياناً توحى بالعلاقة بين أول أخوين قابيل وهابيل.

يذهب سيرجى لصيد السمك وحده، وتأتى رسالة صوتية من المحطة المركزية إلى بافل بأن زوجة سيرجى وابنهما قتلا فى حادث سيارة، ويتردد بافل فى إبلاغه، وعندما يعلم تأتى رسالة أخرى بأن السفينة سوف تتأخر ربما لمدة سنة أخرى، والفيلم الروسى مثل الفيلم التركى من حيث أن كليهما كلاسيكى الشكل، ومن حيث التعبير عن العلاقة بين الأب والابن، والإنسان والطبيعة، وكونهما من سينما الشعر والفلسفة والتأمل، وإن اختلف كل من المخرجين والمؤلفين فى أسلوبه ونظرته للوجود حسب الثقافة التى ينتمى إليها.

المصري اليوم في

24/02/2010

####

فيلم الدب الذهبى ختام «ثلاثية يوسف»

رسالة مهرجان برلين   سمير فريد

كان الإسلام، وعلاقة المسلمين بغير المسلمين، والإرهاب العالمى باسم الإسلام، موضوع العديد من الأفلام فى مهرجان برلين هذا العام على نحو لافت إلى درجة تخصيص موضوع غلاف إحدى نشرات «هوليوود ريبورتر» اليومية عن هذه الأفلام، وقد شهدت المسابقة أربعة أفلام لصنَّاع أفلام مسلمين من تركيا وإيران والبوسنة وأفغانستان من بين ٢٠ فيلماً، التى تسابقت للفوز بجوائز المهرجان، وفاز الفيلم التركى بالدب الذهبى أولى جوائز ٢٠١٠ الذهبية الكبرى.

الأفلام الأربعة هى الفيلمان الألمانيان «شهادة» إخراج الأفغانى برهان قربانى والمقصود شهادة «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله»، و«الصياد» إخراج الإيرانى رفيع بيتس، والفيلم البوسنى «على الطريق» إخراج ياسمين زبانيك، والفيلم التركى «عسل» إخراج سميح كابلا نوجلو، وإذا كان الفيلمان الأولان من الإنتاج الألمانى، فإن الفيلمين الآخرين إنتاج مشترك مع ألمانيا كما أن الفيلم الفرنسى «الكاتب الشبح» إخراج رومان بولانسكى، الذى فاز بجائزة أحسن إخراج إنتاج فرنسى ـ ألمانى مشترك أيضاً، فالسينما الألمانية فازت بأهم جائزتين، ولكن فى إنتاج مشترك لمخرجين غير ألمان.

ختام «ثلاثية يوسف»

«عسل» هو الفيلم الروائى الطويل الخامس لمخرجه كابلا نوجلو، الذى ولد عام ١٩٦٣ ودرس السينما والتليفزيون فى جامعة الفنون وتخرج عام ١٩٨٤، وعمل فى التليفزيون قبل أن يخرج فيلمه الأول «بعيداً عن البيت» عام ٢٠٠٠. والفيلم الفائز بالدب الذهبى «عسل» هو ختام «ثلاثية يوسف» بعد «بيض» ٢٠٠٧، الذى عرض فى برنامج «نظرة خاصة» فى مهرجان كان، و«لبن» الذى عرض فى مسابقة مهرجان فينسيا ٢٠٠٨.

بطل الثلاثية شاعر يدعى يوسف نراه مراهقاً فى الفيلم الأول وشاباً فى الثانى، ثم نعود إلى طفولته وهو فى السادسة من عمره فى الفيلم الثالث. وهناك إشارات فى «عسل» إلى قصة النبى يوسف عليه السلام فى طفولته، خاصة أن أباه يحمل اسم يعقوب وتربطهما علاقة حميمة، وعندما يروى يوسف لأبيه حلمه ينهره الأب ويطلب منه ألا يروى أحلامه، وعندما يختفى يعقوب يفقد يوسف النطق، وأثناء حضوره الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج عند جدته لأمه يسمع يوسف واقعة نجاة النبى محمد عليه الصلاة والسلام من محاولة اغتياله، فيشعر بأن أباه سوف يعود.

الفيلم عمل كلاسيكى رصين تدور أحداثه فى قرية جبلية فى شمال تركيا، حيث يعمل الأب صائداً لنحل العسل فى الغابات بينما يتعلم يوسف مبادئ القراءة والكتابة، وبقدر ما تبدو الطبيعة متقلبة وقاسية بقدر ما تبدو جميلة ويبدو الناس فى تفاعلهم معها أقرب إلى الفطرة الإنسانية السليمة، كما يتميز الفيلم بأداء غير عادى للطفل يورا ألتاس، الذى قام بدور يوسف، وكذلك إردال بيسكيجلو، الذى قام بدور يعقوب.

سميح كابلا نوجلو فى «ثلاثية يوسف» مؤلف سينمائى بكل معنى الكلمة، فهو يكتب أفلامه ويخرجها وينتجها ويشترك فى المونتاج، وفى الأفلام الثلاثة لا يستخدم الموسيقى، ويقتصر شريط الصوت على الأصوات الإنسانية والمؤثرات الصوتية للطبيعة، وهو من السينمائيين المؤلفين القلائل فى السينما التركية، وبفوزه بالدب الذهبى أصبح الاسم الثانى الذى يضع هذه السينما على خريطة السينما العالمية بعد نورى بلجى سيلان، وثالث مخرج عالمى كبير فى تاريخها بعد الراحل يلماز جوناى، الذى فاز بالسعفة الذهبية فى مهرجان كان عام ١٩٨٢ عن فيلمه «الطريق».

جائزتان لفيلم «ابن بابل»

كان الفيلم العراقى «ابن بابل» إخراج محمد الدراجى أحد فيلمين عربيين عرضا فى مهرجان برلين هذا العام إلى جانب الفيلم المغربى «الرجل الذى باع العالم» إخراج سويل وعماد نورى، وقد عرض كلاهما فى برنامج «بانوراما» خارج المسابقة، الذى يعادل «نظرة خاصة» فى مهرجان كان، وضمن جوائز الهيئات فاز «ابن بابل» بجائزة السلام، وجائزة إيمنستى الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان.

وبحكم عضويتى فى لجنة تحكيم الاتحاد الدولى للنقاد، وموافقة الاتحاد على نشر مداولات لجانه وعدم اعتبارها من الأسرار أذكر أن «ابن بابل» كان فى القائمة القصيرة المكونة من ثلاثة أفلام لأحسن فيلم عرض فى «البانوراما» وكان الفيلم قد عرض لأول مرة فى مهرجان أبوظبى فى أكتوبر الماضى، ولم يفز بأى جائزة.

ملحوظة: صورة كاتب هذه السطور المنشورة فى عدد الأحد كانت مع المخرجة الفائزة بجائزة الاتحاد الدولى لأحسن أفلام المسابقة وليس رئيس لجنة التحكيم.

المصري اليوم في

23/02/2010

####

لأول مرة: السينما التركية تفوز بـ«الدب الذهبى»

رسالة مهرجان برلين   سمير فريد   

أُعلنت، مساء السبت، جوائز الدورة الـ٦٠ لمهرجان برلين السينمائى الدولى، حيث رأس لجنة التحكيم فنان السينما الألمانى العالمى الكبير ورنر هيرزوج. فاز الفيلم التركى «عسل» إخراج سميح كابلانوجلو بجائزة الدب الذهبى، أرفع جوائز المهرجان، وهى أول جائزة ذهبية فى برلين، وثانى جائزة ذهبية فى المهرجانات الكبرى الثلاثة (كان وفينسيا وبرلين) بعد سعفة «كان» الذهبية التى فاز بها «الطريق» إخراج الراحل يلماز جوناى عام ١٩٨٢.

فاز الفيلم الرومانى «إذا أردت أن أصفر.. سوف أصفر» إخراج فلورين سيربان بجائزة لجنة التحكيم الكبرى، وجائزة أحسن مخرج فى فيلمه الطويل الأول، التى تحمل اسم ألفريد باور، مؤسس المهرجان. وفاز رومان بولانسكى بجائزة أحسن إخراج عن الفيلم الفرنسى «الكاتب الشبح».

وفاز الفيلم الصينى «انفصال.. اتصال» إخراج كيوان آن بجائزة أحسن سيناريو (كتبه مخرجه مع نا جين)، وبينما فازت شينوبو تيراجيما بجائزة أحسن ممثلة عن دورها فى الفيلم اليابانى «النطفة» إخراج كوجى واكاماتسو، تقاسم جائزة أحسن ممثل جريجورى دوبرياجين وسيرجى بوسكيباليس عن دوريهما فى الفيلم الروسى «كيف أنهيت هذا الصيف» إخراج ألكسى بوبوجريبسكى، الذى فاز أيضاً بجائزة أحسن إسهام فنى لمصوره بافل كوستوماروف.

وهكذا فازت ستة أفلام بجوائز المهرجان الثمانى بفوز الفيلمين الرومانى والروسى بجائزتين لكل منهما. والأفلام الستة من ٣ دول أوروبية فازت بـ٥ جوائز، و٣ دول آسيوية فازت بـ٣ جوائز. وخرجت السينما الأمريكية، أقوى سينما فى العالم، التى اشتركت بـ٣ أفلام، والسينما الألمانية التى يقام المهرجان على أرضها واشتركت بـ٣ أفلام أيضاً، وهو العدد الأكبر من دولة واحدة، من دون أن يفوز أى من الأفلام الستة بأى جوائز.

وخرج ثلاثة مخرجين سبق أن فازوا بـ«الدب الذهبى» من دون أى جوائز أيضاً وهم البريطانى وينتر بوتوم والصينى زانج ييمو والبوسنية ياسمين زبانيك.

مفاجأة «الدب الذهبى»

جاء فوز الفيلم التركى مفاجأة، فهو فيلم جيد ويستحق التقدير، ولكن ليس بـ«الدب الذهبى». وكان قد سبق فوز المخرج الألمانى من أصل تركى فاتح آكين بـ«الدب الذهبى» عن فيلمه الألمانى «وجهاً لوجه» عام ٢٠٠٤، ومعروف أن الجالية التركية من كبرى الجاليات الأجنبية فى ألمانيا، وكبرى الجاليات الإسلامية، وهناك رغبة حقيقية فى ألمانيا لإدماج الجاليات الأجنبية فى المجتمع.

كان المتوقع فوز فيلم بولانسكى بـ«الدب الذهبى» ولكنه فاز بجائزة أحسن إخراج، وسوف يظل من الألغاز كيف يكون أحسن فيلم ليس أحسن إخراج وأحسن إخراج ليس أحسن فيلم. وعندما أتيحت لى الفرصة لإلغاء هذا التناقض عندما كُلفت بوضع لائحة مهرجان أبوظبى عند تأسيسه عام ٢٠٠٧ لم أتردد، وجعلت جائزة أحسن فيلم مناصفة بين المخرج والمنتج مع إلغاء جائزة الإخراج، واتبع مهرجان روما القاعدة نفسها عام ٢٠٠٨.

مبالغات من دون مبرر

ورغم توقع فوز الفيلم الرومانى فقد كانت هناك مبالغة فى تقديره بفوزه بجائزة لجنة التحكيم وجائزة الفيلم الأول، وكانت تكفى. ورغم جودة الفيلم الروسى فقد كانت هناك مبالغة فى فوزه بجائزتين أيضاً (أحسن ممثل وأحسن إسهام فنى)، وجاءت هذه المبالغات من دون مبرر، وعلى حساب فيلمين كان يجب أن يفوزا بجائزتين فى مسابقة حفلت بالعديد من الأفلام التى تستحق التقدير. وجاءت جائزة السيناريو فى مكانها تماماً، وكذلك جائزة أحسن ممثلة.

وكما ذكرنا لم يكن من الممكن تجاهل الفيلم اليابانى بأسلوبه وموضوعه ونظرته من لجنة تحكيم يرأسها هيرزوج.

المصري اليوم في

22/02/2010

####

«عائلة» الدنماركى يفوز بجائزة الاتحاد الدولى للنقاد لأحسن فيلم

رسالة مهرجان برلين   سمير فريد

أعلنت مساء الجمعة، جوائز الاتحاد الدولى للنقاد المعروف باسم الحروف الأولى من اسمه (فيبريسى)، وذلك قبل يوم من إعلان جوائز المهرجان مساء السبت.

المقصود من ذلك تغطية جوائز الهيئات فى صحافة اليوم الأخير من أيام المهرجان، وحتى تكون تغطية جوائز المهرجان وحدها فى اليوم التالى للختام، ولا تختلط جوائز الهيئات مع جوائز المهرجان الرسمية.

ومن بين كل جوائز الهيئات تعتبر جوائز (فيبريسى) هى الأهم بعد الجوائز الرسمية، وقد ازدادت أهميتها فى السنوات الأخيرة، ويرجع الفضل فى ذلك إلى سكرتير الاتحاد الناقد الألمانى كلاوس إيدر، والذى يعاد انتخابه منذ نحو عشرين سنة عن جدارة.

وهو صديق قديم تعرفت عليه فى مهرجان بغداد لأفلام فلسطين عام ١٩٧٣ حين كان عضواً فى جماعة سينمائية راديكالية فى ألمانيا الغربية هى جماعة «بروميثيوس طليقاً».

عضوية لجنة التحكيم

اشتركت هذا العام فى تمثيل جمعية نقاد السينما المصريين فى لجنة تحكيم الاتحاد الدولى، حيث تمثل الجمعية مصر منذ عام ١٩٧٤. وكنت أشترك فى هذه اللجان بصفتى الشخصية قبل تأسيس الجمعية عام ١٩٧٢ حيث لا تسمح لائحة الاتحاد الدولى بتمثيل الأفراد عندما تكون هناك فى بلدانهم اتحادات للنقاد أعضاء فى الاتحاد الدولى.

ولأن الاتحاد الدولى يمنح لأعضاء لجان التحكيم دعوات من المهرجانات، اقترحت على الجمعية المصرية استخدام هذه الدعوات للأعضاء الذين لم يسبق لهم حضور هذه المهرجانات، وتمت الموافقة على اقتراحى، ونفذ طوال العقود الماضية، ولكن فى برلين هذا العام تم تشكيل اللجنة من النقاد المدعوين فعلاً إلى المهرجان ربما بسبب الأزمة الاقتصادية.

تشكلت اللجنة من تسعة أعضاء ثلاثة لاختيار أحسن فيلم فى المسابقة، وهم بترتيب نشر أسمائهم كاتب هذه السطور والبلغارى فلاديمير إجناتوفسكى واللاتفية ديتا ريتيوما، وثلاثة لأحسن فيلم فى «البانوراما» هم البرتغالى ريو تندينا والألمانى رولف - ريودجير هاماشر والكندى بيير باجيو، وثلاثة لأحسن فيلم فى «الملتقى» هم البريطانى رونالد بيرجان رئيس اللجنة والألمانية كارولين م.بوك والأمريكى روبرت كوهلر.

ماذا جرى فى اللجنة؟

ما يدور فى لجان تحكيم (فيبريسى) وكل لجان تحكيم الاتحادات الأعضاء متاح للنشر منذ عام ١٩٦٩. وكان قرار الاتحاد الدولى بذلك استجابة لأحد مطالب «ثوار ١٩٦٨» من السينمائيين والنقاد عندما أوقفوا مهرجان كان، وكان من مطالبهم أن تكون مداولات لجان التحكيم علنية، وليست سرية.

وقد التزمت الجمعية المصرية بهذا القرار منذ تأسيس جوائزها عام ١٩٧٤، وكانت أول جوائز تمنحها جمعية سينمائية فى مصر.

وضعت لجنة المسابقة قائمة قصيرة مساء الخميس من أحسن ثلاثة أفلام من الأفلام، وهى الفيلم الفرنسى «الكاتب الشبح» إخراج رومان بولانسكى والفيلم الصينى «انفصال، اتصال» إخراج كيوان آن والفيلم النمساوى «اللص» إخراج بنجامين هيسينبرج، وقررت الاجتماع فى الحادية عشرة صباح الجمعة لاختيار الفيلم الفائز بعد مشاهدة آخر فيلم لم تشاهده من أفلام المسابقة العشرين، وكان الفيلم الدنماركى «عائلة» إخراج بيرنيللى فيشر كريستنسون الذى عرض لأول مرة فى التاسعة من صباح اليوم نفسه.

وفى ذلك الاجتماع قررت اللجنة منح الجائزة للفيلم الدنماركى. وهو الفيلم الطويل السادس لمخرجته التى تعتبر من أهم صناع حركة «دوجما» فى الدنمارك، وفازت عن أول أفلامها «الصابون» فى مهرجان برلين عام ٢٠٠٦ بجائزة الفيلم الطويل الأول وجائزة لجنة التحكيم

رأت اللجنة أن الأفلام الأربعة جديرة بالفوز من حيث درجة الاكتمال الفنى، ولكن ما يرجح فيلم «عائلة» أنه إنتاج قليل التكاليف ولا يعتمد على تناول القضايا التى اعتاد الناس على اعتبارها القضايا «الكبرى» أو القضايا السياسية الساخنة، وإنما يتناول العلاقات بين البشر، ويتأملها بعمق، ويعبر عن رؤية إنسانية مركبة بحساسية عالية: إنه فيلم عن «الحياة» وهى أكبر القضايا،

كما أنه يتوجه إلى مختلف المستويات الثقافية للجمهور فى كل مكان، ومن دون تنازلات فنية. وفى حفل بسيط فى قاعة من قاعات معارض الفنون التشكيلية، تسلمت المخرجة وفريق الفيلم جائزة الاتحاد الدولى للنقاد لأحسن أفلام المسابقة.

المصري اليوم في

21/02/2010

####

 اليوم تعلن جوائز الدورة الـ٦٠.. ورئيس «تحكيم برلين» المهرجانات لا تعنى أى شىء

رسالة مهرجان برلين   سمير فريد

تعلن اليوم جوائز الدورة الـ٦٠ لمهرجان برلين السينمائى الدولى، ولا أحد يدرى لماذا ينعقد المهرجان رسمياً من ١١ إلى ٢١ وليس إلى ٢٠ وهو يوم الختام، ويوم إعلان الجوائز!

صحيح أن العديد من الأفلام يعرض، غداً، للجمهور، ولكن هذه العروض ليست جزءاً من المهرجان. ومن ناحية أخرى شهدت الدورة الـ٦٠ صدور نشرات يومية لصحف صناعة السينما الثلاث الكبرى فى العالم، وهى «فارايتى» و«هوليود ريبورتر» و«سكرين إنترناشيونال»، ولكن هذه النشرات تتوقف الواحدة بعد الأخرى فى الأيام الأخيرة بحيث لا تنشر شيئاً عن أفلام هذه الأيام سواء داخل أو خارج المسابقة. فما ذنب صناع الأفلام الذين تعرض أفلامهم فى النهاية؟!

وعلى سبيل المثال، تنظم «سكرين إنترناشيونال» استفتاء يومياً لـ٥ نقاد من أمريكا وإيطاليا والبرازيل والدنمارك وألمانيا و٢ من بريطانيا، وقد صدر العدد الأخير يوم الخميس من دون تقييم ٦ من أفلام المسابقة، وهذا ما يحدث فى مهرجان «كان» أيضاً، لأن حجم هذه النشرات حسب كمية الإعلانات، وعندما لا تكون هناك إعلانات تتوقف عن الصدور، ولذلك لا يمكن اعتبار أحسن فيلم نال أعلى الدرجات فى ذلك الاستفتاء هو أحسن فيلم فى المسابقة، ولكن أحسن ١٤ فيلماً من أفلام المسابقة الـ٢٠.

وأحسن الأفلام الـ١٤ الأولى فى استفتاء «سكرين إنترناشيونال» هو الفيلم الروسى «كيف أنهيت هذا الصيف» إخراج ألكسنى بوبوجريبسكى، يليه الفيلم الرومانى «إذا أردت أن أصفر، سوف أصفر» إخراج فلورين سيربان، ثم الفيلم الفرنسى «الكاتب الشبح» إخراج رومان بولانسكى.

دورة ناجحة بامتياز

لقد استطاع ديتر كوسليك، مدير المهرجان، أن يصنع دورة ناجحة بامتياز فى الاحتفال بمرور ٦٠ سنة على أحد مهرجانات السينما الكبرى الثلاثة فى العالم، ومرور ١٠ سنوات على توليه إدارته. ولكن بدا من الصعب التكهن بجوائز لجنة تحكيم يرأسها ورنر هيرزوج، فهو فنان كبير من أعلام السينما فى القرن العشرين، ولكنه يفكر بطريقة خاصة هى نتاج عقل مختلف وموهبة يتمتع صاحبها بخيال جامح غير مألوف، وكل ما هو غير مألوف عند البعض ضرب من الجنون. وقد عبرت «سكرين إنترناشيونال» عن هذا التصور الشائع عن هيرزوج فى نشرتها اليومية حيث ظلت تنشر كل يوم مقتطفاً من أقواله فى حوارات منشورة، ومنها قوله «إن الجوائز مناسبة أكثر لمهرجانات الكلاب وليس مهرجانات الأفلام»، وقوله «إن هناك تقديراً أكثر من اللازم لأهمية مهرجانات السينما، وأنها فى الحقيقة لا تعنى أى شىء وتستوى جميعاً من كان وفينسيا وبرلين إلى واجادوجو فى بوركينا فاسو».

أكثر من فيلم ذهبى

من واقع عالم هيرزوج، يمكن أن يفوز بالدب الذهبى الفيلم اليابانى «النطفة» إخراج كوجى واكاماتسو، وهى الترجمة العربية الصحيحة لكلمة «كاتيبيلار» التى تعنى الإنسان فى مرحلة التكوين الأولى «فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة» (الحج-٥) صدق الله العظيم. فالفيلم عن إنسان فقد ذراعيه وقدميه كما فقد النطق وربما السمع فى الحرب وأصبح أقرب إلى النطفة. وهو عمل فنى شجاع، ولكنه ليس ضد الحرب فقط، وإنما ضد الإنسان أساساً أو من سينما احتقار الإنسان، التى لا تستحق التقدير.

ومن واقع مشاهدتى لأفلام المسابقة هذا العام، وبغض النظر عن جوائز لجنة هيرزوج، هناك أكثر من فيلم ذهبى يستحق أن يذكر ضمن الجوائز اليوم، وهذه الأفلام بالترتيب هى:

- «الكاتب الشبح»

- «امرأة ومسدس ومطعم النودلز» إخراج زانج ييمو

- «انفصال، اتصال» إخراج وانج كيوان آن

- «اللص» إخراج بينجامين هيسينبرج

- «على الطريق» إخراج ياسمين زبانيك

ومن اللافت أن ثلاثة من المخرجين الخمسة سبق أن فازوا بالدب الذهبى (ماعدا بولانسكى والمخرج الألمانى صاحب الفيلم النمساوى هيسينبرج).

أما الفيلم الرومانى «إذا أردت أن أصفر، سوف أصفر»، فيتنافس على جوائز لجنة هيرزوج ولجنة أحسن مخرج فى فيلمه الطويل الأول، التى يرأسها المخرج الألمانى بول فيرهوفن، وتكاد هذه الجائزة تكون محسومة للفيلم الرومانى، وربما يقدر من اللجنتين.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

20/02/2010

 
 

الغائبون عن ألمانيا يظهرون في فرنسا

وداعـاً "برلـين" مرحبـاً "كـان"

محمد رُضا

مع إسدال الستار على مهرجان برلين الدولي الضخم، ترفع عن الاستعدادات الجارية لدورة أخرى وجديدة من مهرجان “كان” السينمائي الدولي الذي سينطلق في الثاني عشر من مايو/ايار المقبل حتى الثالث والعشرين منه .

هناك نوعان من الأفلام التي تلتحق بالمهرجانات الدولية الكبيرة الثلاث: “كان” و”برلين” و”فينيسيا” . النوع الأول هو ذاك الذي ينتظر حدوث المهرجان الذي يراه المخرج وشركة الإنتاج مناسباً للاشتراك، والنوع الثاني هو ذاك الذي تفوته فرصة المهرجان القريب فيتطلّع الى اللاحق .

في هذا المجال نجد أن العديد من الأفلام التي كانت تريد الالتحاق بمهرجان برلين لم تُنجز في الموعد الذي يسمح لها بذلك، لهذا فهي الآن مرشّحة لدخول المهرجان الفرنسي، وتلك التي لن تكون جاهزة لدخول المهرجان الفرنسي ستنتظر شهر سبتمبر/ايلول المقبل لدخول مهرجان فينيسيا، ثم الخيار الثالث بالطبع يقع ما بين المهرجان الإيطالي والفرنسي والألماني، وعلى السياق نفسه .

تبعاً لذلك، فإن العديد من الأفلام ذات الصبغة الفنيّة التي لم تعرض في “برلين” باتت الآن مرشّحة على نحو شبه مؤكد لدخول مسابقة “كان”، او -على الأقل- للعرض الرسمي في دورته المقبلة التي ستحمل الرقم 63 .

في طليعة هذه الأفلام الفيلم الجديد للمخرج رشيد بوشارب “خارج القانون” . بعد استقبال معتدل لفيلمه الأخير “نهر لندن” يعود المخرج ذو الأصل الجزائري الى نوعية الإنتاجات التي أطلقت شهرته قبل ثلاثة أعوام حين حقق “أيام المجد” . الفيلم الجديد يدور حول حرب الاستقلال الجزائري (في حين دار الفيلم الأسبق حول مساهمة المحاربين الجزائريين في تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني) . وكما في “أيام المجد” فإن البطولة جامعة يؤمنها كل من جميل دبّوس، رشدي زم وسامي بوعجيلة .

بوشارب لن يكون العربي الوحيد في هذه الأجواء الاحتفالية إذا ما انضم إلى العروض المنتظرة المخرج عبداللطيف قشيش، الذي نال نجاحاً عالمياً كبيراً حين قدّم قبل عامين فيلم “كُسكُس بالسمك”، وينجز حالياً “فينوس الأسود” . وفي حين أن فيلمه السابق تعامل مع شخصيات جزائرية مهاجرة، يعود قشيش هنا الى التاريخ الفرنسي الكامل مستعرضاً دراما يتولّاها كل من أوليفييه غورميه وأندريه جاكوبس .

أيضاً من بين الإنتاجات الفرنسية المنتظرة  فيلم جديد يشترك المخرج الفرنسي المعروف جان-لوك جودار بإخراجه لجانب عدد من السينمائيين من بينهم  فابريس أرانو وآن ماري ميفيل، وهو مأخوذ عن رواية بعنوان “الستّة من الستة ملايين” . وهذه هي المرّة الأولى التي يتعاطى فيها جودار مع موضوع “الهولوكوست” ومن المنتظر أن يثير الفيلم ردات فعل كون جودار معروف بتأييده للجانب الفلسطيني في صراعه مع الكيان المغتصب .

من روسيا يعود المخرج المعروف نيكيتا ميخالكوف الى حاضرة المهرجان الفرنسي بفيلم يعتبره جزءاً ثانياً من فيلمه السابق “حرقته الشمس” الذي كان نال في 1994 جائزة لجنة التحكيم الخاصّة في المهرجان ذاته ونال في العام التالي أوسكار أفضل فيلم أجنبي .

الفيلم الذي صور بين روسيا وألمانيا وتقع أحداثه خلال الحرب العالمية الثانية يتولاه ميخالكوف في الدور الرئيسي، كما كان حال الفيلم السابق .

والبريطانيان الأكثر نشاطاً مايك لي وستيفن فريرز لديهما فيلمان في طور الإنجاز . فيلم مايك لي، وعنوانه “سنة أخرى” من بطولة جيم برودبنت وإميلدا ستاونتون، أما فيلم فريرز فهو اتامارا دروب فتقود بطولة جيما أرترتون . كل من لي وفريرز يشتغلان بميزانيات صغيرة وسبق لكل منهما أن شارك في دورات المهرجان السابقة .

صوفيا كوبولا وجودي فوستر مخرجتان أمريكيتان موعودتان بطلّة على المهرجان الفرنسي . الأولى عبر فيلمها الجديد “مكان ما” والثانية عبر فيلمها الجديد “السمّور” . في الأول سنجد بينيسيو دل تورو في دور ممثل هوليوودي عليه أن يمنح ابنته ذات العشر سنوات جزءاً من وقته متخلياً عن انانيّته . في الثاني، سنرى ميل جيبسون يدور حاملاً دمية على شكل حيوان السمّور يحادثها طيلة الوقت مع جودي فوستر في دور المرأة التي تحاول البحث عن سبب جنونه .

إليهما سينضم على الأغلب المخرج وودي ألن الذي أنجز تصوير فيلمه الجديد “ستقابلين غريباً طويلاً داكناً” وهو جمع، كعادته، عدداً كبيراً من النجوم من بينهم ناوومي واتس، انطوني هوبكنز، وجوش برولين وأنطونيو بانديراس  

####

جيرار ديبارديو بين "دوما" والدراجة

حسب “دوما” الفيلم الفرنسي الجديد الذي يبدأ عرضه في الأسبوع الماضي مسجّلاً إقبالاً معتدلاً، فإن الكاتب الفرنسي الأشهر ألكسندر دوما لم يكتب كل رواياته، بل أسند عدداً منها الى “كاتب شبح” . الفيلم من إخراج صافي نبّو وبطولة جيرار ديبارديو (في دور الكاتب)، وبنوا بولفيورد وميلاني تييري دومونيك بلانش .

 “دوما” لا يكترث لطرح قضايا أدبية أو للبحث عن الأسباب التي دفعت دوما الى الاستعانة بكاتب يكتب له أعماله (إذا ما حدث ذلك فعلاً)، بل يستغل الموقف لكي يتناول صراع الكاتب مع “شبحه” على قلب لمرأة جميلة (تييري) في حكاية رومانسية معالجة بعناصر العمل القريب من طروحات البرامج والأفلام التلفزيونية .

الفيلم مقتبس من مسرحية قدمها نبو وكاتبه جيل توران قبل عامين على الخشبة الفرنسية ويفتح الفيلم قصّته على الكاتبين دوما وماكيه (بنوا بوليفورد)  وهما يصلان بالقارب الى بلدة تروفيل لاستكمال العمل على رواية جديدة بعنوان “Vicomte De Bragelonne” .

يتناوب الاثنان على العمل . في الليل يأوى دوما الى النوم، بينما يسهر جيل للكتابة . في النهار يقوم دوما بمراجعة ما كتبه زميله وينقّحه . المنوال يكاد أن يستمر هكذا لولا تقدّم فتاة شابّة من جيل معتقدة أنه ألكسندر دوما والطلب منه التدخّل لدى السلطات لإخلاء سبيل والدها المسجون . جيل لا يذكر لها أنه ليس ألكسندر دوما لأنه بهت بجمالها ووقع في أسره هذا، مع أنه متزوّج من كارولين (كاثرين موشيه) . حين عودة دوما وجيل الى باريس، يواصل الثاني عمله في الخفاء محاولاً إقناع عشيقة الأول (تقوم بها دومونيك بلانش)، بالتدخل لدى دوما لكي يتدخّل بدوره لإطلاق سراح والد الفتاة التي وقع في هواها . هذا بالطبع قبل أن تكتشف الفتاة أن جيل ليس دوما وتنهار حلقات الخداع الذي خاطها لا جيل وحده بل الفيلم أيضاً في نصف الساعة الأخير .

المخرج نبو في ثالث أفلامه لا يريد إبراز المرحلة التاريخية على القصّة العاطفية ذاتها، وربما هذا هو السبب الذي دفعه لتصوير الفيلم بكاميرا محمولة  علماً بأن ذلك يعمل ضد الفيلم وليس لصالحه .  هذا هو ثاني فيلم حديث للممثل ديبارديو، إذ يظهر في فيلم آخر عنوانه “ماموث” يختلف كلّياً عن الأول في موضوعه كما في معالجته . الفيلم من إخراج الثنائي بنوا ديليبين وجوستاف كرفرن ويدور حول ذلك الرجل البدين (ديبارديو) الذي عليه جمع أوراق عقود أعماله السابقة لتفادي السقوط في فجوة قانون الضرائب بعدما وجد نفسه عاطلاً عن العمل . ينطلق بدراجته النارية وينتقل من موقع الى آخر ليكتشف أن المسألة أكثر صعوبة مما اعتقد .

فيلم “ماموث”، افتراضياً على الأقل، كوميديا تحاول وضع تصوّر لحياة رجل ينتقل لما بعد منتصف العمر من دون مستقبل، وكما يكتشف بطل الفيلم، من دون ماض يمكن أن يتباهى به . ماموث هو اسم دراجته النارية القديمة التي ينطلق فوقها والرحلة تأخذه لمواجهة بينه وبين الجميع بما في ذلك الغربة الثقافية والاجتماعية المحيطة به .

ما يفترض به أن يكون كوميدياً يتبلور على الشاشة دراما . مادّة جادّة ومعالجة مخرجيه كذلك ما لا يسمح للفيلم بأن يرتاح او يلهو، لكن السيناريو، على رصانته يحوي عدداً من المفارقات والشخصيات المثيرة للاهتمام . هناك شخصية ديبارديو نفسه (ثقيل الوزن وثقيل الأداء أيضاً) كما هناك شخصية زوجته المتذمّرة (يولندا مورو) ثم شخصية أول حب صادفه في حياته (كما تؤديها ايزابيل أدجياني) . بعودته الى حبّه الأول، يدخل هذا الرجل المعدم نفق التغيير الذي كان ينتظره . إنه لا يحب زوجته، ولا يحب حتى شخصيّته ولا يعرف الحب أساساً . اللقاء المتجدد (عبر الذاكرة أولاً) يحوّله الى إنسان يتنشّق الشعر ويتعرّف الى جزء من حياته كان اعتقد أنه لن يعود .

يبلغ ديبارديو من العمر 61 سنة، لكنه لا يزال وجهاً مألوفاً (وربما محبوباً) في السينما الفرنسية . الى جانب هذين الفيلمين ظهر في ثلاثة أفلام في العام الماضي ولديه ستة مشاريع أخرى في مراحل إنتاجية مختلفة.

####

علامات

سميح قبلانوغلو

أنجز المخرج التركي سميح قبلانوغلو انتصاراً شخصياً وتركياً بانتزاعه جائزة “الدب الذهبي” الأحد الماضي من بين أيدي منافسين كُثُر في مسابقة مهرجان برلين السينمائي الأخير، عن فيلمه الخامس “عسل”.

المخرج غير المعروف عالمياً قدّم داخل المسابقة فيلماً إنسانياً مبنياً على تأمل في حياة عائلة تركية تعيش في قرية تعتاش على جمع العسل من أشجار المنطقة الجبلية العالية . الفيلم ينقل ما يحدث من وجهة نظر المراقب (المشاهد نفسه) عبر قراءة موقف ووجهة نظر الطفل الوحيد للعائلة وهو يرقب ما يحدث حوله ويعاني من الوحدة وصعوبة التأقلم مع متطلّبات غياب والده المفاجىء حين غاب عميقاً في تلك الغابات بحثاً عن خلايا النحل ولم يعد .

المخرج وٌلد في 1963 في مدينة أزمير وتخرّج في معهد الفنون الرفيعة في جامعة داكوز أيلول في المدينة ذاتها قبل أن يكتب المسرحيات ثم يعمل في حقل الإعلانات كاتباً .

في منتصف الثمانينات من القرن الماضي بدأ اهتمامه بالسينما وأخذ يكتب القصص السينمائية والمقالات، ثم بدأ العمل مخرجاً في مطلع العقد الحالي، فقدّم فيلمه الأول “بعيداً عن البيت” الذي وصفه البعض بأنه أفضل فيلم أول منذ سنوات . هذه الدراما نالت جوائز مختلفة من مهرجاني أنقرة واسطنبول  في تركيا كما في مهرجان سينغابور الدولي سنة 2002 .

بعده أنجز “سقوط الملاك” سنة 2005 وهذا جال مهرجانات أكثر (من بينها نانت الفرنسي وورسو البولندي وثيسالونيكي اليوناني)، وجمع حفنة من الجوائز الأخرى من بينها جائزة ذهبية من مهرجان نانت للقارات الثلاث .

في 2007 أنجز الفيلم الأول من الثلاثية . عنوانه “بيضة” والثاني عنوانه “حليب” وثالث الثلاثية هو فيلمه الجديد “عسل” وفيها جميعاً يرصد الحياة النائية والبيئة المتوحّدة التي يعيش فيها أناس هم جزء قريب من أوروبا ومختلف عنه تماماً .

المثير في أفلام قبلانغولو أنه يحوّل الكاميرا الى عينين ترقبان كل تفاصيل الحياة كما يستخدم الصوت لنقل الجزء غير المرئي من تلك الحياة . مشاهده الطبيعية آسرة: سقوط المطر، وجريان النهر، والأشجار الباسقة، وانعكاس الشمس عليها أو دكانة الظلال في الغابة، وأصوات العصافير، وصياح الديك، وكل شيء وأي شيء . بالإضافة الى ذلك، فإن الفيلم يعكس ذلك الإيمان الإسلامي العميق الذي يتبلور بتصوير إبداع الخالق سبحانه وتعالى وقراءة الحديث الشريف أو مشاهدة صلاة الأب في غرفة بيته . هذه الانعكاسات التي نراها غائبة عن الأفلام العربية الا إذا صاحبتها دعوات وخطابات مباشرة . في فيلم قبلانوغلو، الإسلام مصاغ على نحو راشد ملتحم بالطبيعة والبيئة  لأنه كذلك بالفعل .

إنه فيلم أعجب رئيس لجنة التحكيم المخرج الألماني رنر هرتزوغ لدرجة أنه فضّله على فيلم المخرج رومان بولانسكي، رغم عراقة ذلك الثاني وتاريخه الطويل . 

م .ر

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com

الشرق في

28/02/2010

 
 

«القاتل في داخلي» المرشح لمسابقة مهرجان برلين

هفوة لمخرج كبير «بخصوص شقيقها» الياباني و«عائلة» الدانماركي..الموت بلغتين مختلفتين

نديم جرجورة

لم تكن الأفلام كلّها، المختارة رسمياً في الدورة الستين (11 ـ 21 شباط 2010) لـ «مهرجان برلين السينمائي (برليناله)»، ذات سوية واحدة. الميل كبير إلى لغة إبداعية آسرة. المواضيع المختارة مهمّة. في السياسة والحياة اليومية والاجتماع والعلاقات. في المشاعر والمواقف أيضاً. في التفاصيل العميقة للذات البشرية وأنماط عيشها وسلوكها. لكن «خروقات» عدّة حصلت. سقوط في العاديّ، أو ارتباك في المعالجة.

أبرز هذه الأفلام «القاتل في داخلي» للبريطاني مايكل وينتربوتوم (المسابقة الرسمية). بدا الفيلم، المقتبس عن رواية الكاتب جيم تومبسون (1906 ـ 1977)، لحظة انحدار في المسار الصدامي لمخرج جعل الشاشة الكبيرة مرآة واقع وأداة انتقادية حادّة له. وينتربوتوم (مواليد بلاكبورن/ لانكشاير، 19 آذار 1961) منتم إلى فئة المخرجين المناضلين. له أفلام سجالية عنيفة. من أفغانستان وتداعيات الهجوم الإرهابي على الولايات المتحدّة الأميركية في الحادي عشر من أيلول («الطريق إلى غوانتانامو» في العام 2006 و«قلب عظيم» في العام 2007)، إلى تحليل آليات العمل الرأسمالي في المجتمعات الغربية (الفيلم الوثائقي «نظرية الصدمة» في العام الفائت). اشتغل لحساب التلفزيون. اختار السينما ملاذاً. لكن «القاتل في داخلي» أحد هفواته. أو ربما إحدى خطواته الناقصة.

عن الموت ومساراته

في المقابل، التقى فيلمان آخران في الحيّز الإنساني الشاسع للموت. ثقافتان مختلفتان عالجتا الموت وفضاءه الممتد من الحالة البيولوجية (مرض السرطان) إلى المناخ المفتوح على أسئلة معلّقة واحتمالات غير مؤكّدة. الفيلم الياباني من توقيع يوجي يامادا (مواليد تاكارازوكا/ كوبي، 13 أيلول 1931)، حمل عنوان «بخصوص شقيقها» (خارج المسابقة، عُرض في حفلة الختام). الفيلم الدانماركي من توقيع بيرنيلّي فيشر كريستنسن (مواليد كوبنهاغن، 24 كانون الأول 1969)، بعنوان «عائلة» (المسابقة الرسمية). المشترك بينهما كامنٌ في الموت جرّاء الإصابة بالسرطان. وفي أن المُصاب بالسرطان رجلٌ. في الأول، الرجل هو الخال. في الثاني، ربّ العائلة. في الأول، الرجل سكّير ومتشرّد. نزواته أقوى من سكينته. عشقه للتهريج الكوميدي مسيء إلى عائلته. مغرم هو بالحياة. لا يأبه بقيم، أو بتقاليد. منزو ومعزول. لكنه، عند اختراقه الحواجز الفاصلة بينه وبين الناس والأقارب، يُصبح رجلاً آخر. في الثاني، الرجل عاملٌ مجتهد. ورث تقليداً عريقاً في عائلته الممتدّة في التاريخ القديم. شهرته في مجال المخابز جعلت العائلة المالكة تعتمده مصدراً لها. حاد الطباع، لأن الفحوصات الطبية أثبتت إصابته، مجدّداً، بالسرطان. ظنّ، في البداية، أن الشفاء كبيرٌ. تزوّج بمن وقفت إلى جانبه. لم يطل عمر الفرح. الإصابة أشعلت في داخله نار الحقد والغضب. بات عنيفاً. لكن الفيلم ليس عن الإصابة وآثارها فقط، بل عن تداعياتها في أفراد العائلة. المحور الرئيس: ابنته الكبرى. لديها ميل إلى العمل في مجال الفنون والغاليريهات. صديقها فنان هو أيضاً. وافقت على عرض عمل في نيويورك. لكن إصابة الوالد عظيمة. موت الخال، في الفيلم الياباني، استدعى حالة تعاطف. موت الأب، في الفيلم الدانماركي، فتح أفقاً للبحث في معنى العلاقة والتضحية. الموت فظيع. تصوير المسار المؤدّي إليه، بمناخه الإنساني وتفاصيله البيولوجية وحالاته النفسية الخاصّة بالمريض وأفراد عائلته، مؤذ وقاس. لكنه تصوير جميل، سينمائياً.

في العام 1976، اختار المخرج بيرت كينيدي رواية تومبسون هذه، الصادرة في العام 1952، مادة درامية لفيلم أدّى ستايسي كيش دوراً رئيساً فيه. لم أشاهد النسخة السينمائية الأولى. لكن نسخة مايكل وينتربوتوم بدث ثقيلة، درامياً وبصرياً وأدائياً ومعالجة. الثقل هنا سلبي. التفسيرات المعطاة من قبل الشخصية الرئيسة لو فورد (كايسي آفلك) مسيئة للبنى الفنية والحكائية والسردية. الإمعان في الاستعانة بصوت راو، هو في الواقع صوت فورد نفسه، ضرب الفضاء الدرامي العام للحبكة. النصّ الأصلي منتم إلى «الرواية السوداء» (Roman Noir). يُفترض بالفيلم أن يستكمل هذا النوع، سينمائياً. بدا واضحاً أن خللاً فظيعاً حال دون تحقيق هذا الأمر. ضاع الفيلم بين تقنيات الفيلم التشويقي البوليسي والسرد الدرامي المشبع بمزيج التحليل النفسي والجريمة والجنس. الفيلمان الياباني والدانماركي مرتكزان على سيناريوهين أصليين. متعمّقان هما في الحالة النفسية الناشئة من وقوع المرض في منزلة التدمير الداخلي للفرد، وفي تفتيت العائلة أو إعادة توحيدها. بل في التفتيت وإعادة التوحيد في آن واحد. قسوة المرض لا تُحتمَل. الألم الجسدي لا يختلف عن الألم النفسي. الوجع الضارب في أفراد العائلة جرّاء المرض ودرب الموت، لا يقلّ قسوة عن الوجع الفردي للمريض. الدرب عنيفة. اللحظات السابقة للفظ الأنفاس الأخيرة مثقلة بكَمّ هائل من المشاعر، المصوَّرة ببراعة مؤثّرة. المضمون الحكائي الخاصّ بـ«القاتل في داخلي» محمّل بمثل هذا الكَمّ من المشاعر. الارتباك النفسي للو فورد أدّى به إلى ممارسة عنيفة للجنس. أفضت الممارسة هذه إلى القتل. إنه شرطي فاسد. القتل عنده ترجمة لمخاض غير مكتمل في ذاته. مخاض البحث عن خلاص من سطوة الماضي. القصّة عادية. عنف ممارَس على ولد صغير السنّ، مستمرّ في تعذيب الضحية حتى بلوغها سنّ الرشد. الخروج من المأزق صعبٌ. أو ربما مستحيل. التنفيس عنه يتّخذ شكلاً عنفياً. الضحية تصبح جلاّداً. اللعبة عتيقة. الجلاّد المولود من حالة الضحية أعنف من الجلاّد الممارِس عنفه عليه.

إضاءة مشعّة

لم تجد الأرملة بُدّاً من استلام زمام الأمور العائلية والمهنية، إثر وفاة زوجها، في «بخصوص شقيقها». الوفاة المذكورة غير ظاهرة في الفيلم. إنها الخلفية. الأرملة مهتمّة بابنتها الوحيدة وبالعجوز/ الجدّة المقيمة معهما. شقيقها سكّير. حياته هامشية. إطلالاته مثيرة للمتاعب. الابنة تستعدّ للزواج. التحضيرات على قدم وساق. في العرس، يأتي الخال. يعد شقيقته بعدم الشرب. لكنها العادة، أو الإدمان. تخرّبت أمور عدّة. لكن الزواج نفسه لم يدم. والخال معذّب في سريرته. إدمانه قاس. عيشه مؤلم. أصيب بالسرطان. حضنته الأرملة بعد أن طردته من منزلها لمشاغباته التي لا ترحم. الالتفاف العائلي مضن. الكاميرا مشعّة بالتفاصيل الجانبية. مشعّة بإضاءتها الحادّة على مسارات الشخصيات ومصائرها. الموت ثقيل. تماماً كما «عائلة». هنا، سارت الأمور العائلية والمهنية بشكل طبيعي وجميل. حدث الانقلاب عندما ظهر المرض السرطاني في جسد الرجل مجدّداً. الأمور كلّها تبدّلت. طُرحت أسئلة: الحلم أم الواجب؟ الفرد وهواجسه الذاتية أم العائلة ومصالحها؟ القدر أم الواقع؟ الابنة الكبرى راغبة في استقلالية قرارها. وافقت على وظيفة في نيويورك. مغرمة هي بالعمل الفني. بالاشتغال في مجال الغاليريهات. الوراثة أساسية، بالنسبة إلى الأب. مهنة عمرها مئات السنين. يجب على الابنة الرضوخ. نزاع داخلي فيها بين رغباتها والواجب. هناك أسئلة متشابهة طُرحت على فراش الموت، في «بخصوص شقيقها». الواجب فرض على الشقيقة رعاية الذاهب إلى حتفه. سلبياته كلّها غابت عن بالها، لحظة معرفتها بمرضه اللعين. أسئلة مبطّنة عن العلاقات والأخوّة والقدر والتفاصيل وأنماط العيش والسلوك.

هذا كلّه غير مطروح في «القاتل في داخلي» لمايكل وينتربوتوم. أسئلته مختلفة، لكن المعالجة عاديّة للغاية. أكاد أقول سيئة. أسئلته مرتبطة بالنفس البشرية ومتاهاتها القاسية ومنحدراتها المخيفة. لكن السياق الدرامي محتاج إلى تأهيل جذري. إلى معالجة إخراجية أخرى، تتلاءم والمضمون العميق للتحليل المعتمد في الحبكة، المرتكزة على ثلاثية العنف والجنس والفساد.

(برلين(

السفير اللبنانية في

04/03/2010

 
 

«الأسبوعية» في مهرجان برلين: «عسل» تركي

قيس قاسم

المقاربة بين بغداد وبرلين تشتد وأنت تقف وسط ساحة بوستدامر بلاز، حيث النقطة الفاصلة، أو هكذا كانت يوما، فاصلة بين برلينين، شرقية وغربية. المقاربة يفرضها التاريخ، ولهذا يزداد اليوم  في العراق الحديث عن التجربة الألمانية. هناك في تلك الساحة تستعيد التجربة معناها: فالمانيا التاريخ والمعرفة تحولت يوما الى رمز للهمجية على يد هتلر، والعراق بكل عمقه الحضاري هو الآخر صار بلدا مخيفا على يد دكتاتور أخرق اسمه صدام. ألمانيا نهضت بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية والعراق ينتظر أن يستلهم العبرة من نهوض بلد سويت مدنه بالأرض وقسمت عاصمته ونبذ اسمه، ثم عاد ونهض بعدما ترك ماضيه الأسود خلفه وراهن على قوة الحاضر فعادت ألمانيا قوية، استعادت سمعتها الحضارية.

ساحة بوستدامر بلاز شاهدة على عودة الوعي الى أمة قررت اختيار المستقبل. في هذه المساحة من الجغرافيا يتلمس المرء صحة الخيار. فالمدينة المنفصلة لم يعد رمز فصلها موجودا وما تبقى من الجدار نسيه الناس وصار شيئا من الماضي، والعمارة القديمة جاورتها هندسة حديثة تنتمي الى ما بعد الحداثة، والفن أخذ قوته من نبل رسالته والسينما أحد تمظهرات الوجود القوي للأفكار الطليعية. وفي الساحة وما جاورها اكتست الحركة طابعا فنيا. «دب» المهرجان في كل مكان و«أفيشات» الأفلام في كل زاوية، وحركة الناس من دون انقطاع حتى ساعة متأخرة من الليل، وأنت بينهم تفكر أبعد من هذا المظهر الثري تفكر في بلدك الذي عاش تجربة مريرة، وعليه الآن أن يتلمس طريقه نحو المستقبل، أن يكرس مالا وجهدا للفن مثلما عليه أن يكرس ماله للبناء والعمران.

مهرجان برلين السينمائي مثال: فبعد سنوات قليلة من نهاية الحرب تطلع السينمائيون الألمان الى اقامة مهرجان للسينما، يستعيد حضور سينمتهم، الذي انقطع خلال حقبة النازية وكرس كآلة دعائية، كما الحال مع العراق، لقد ارادوه أن يكون مع الوقت واحداً من بين أهم مهرجانات العالم. وبعد ستين عاما صار الحلم حقيقة، فالجميع تقريبا يقر بأنه واحد من بين أكبر المهرجانات، ودورته الأخيرة هي ربما الأغنى، وهذا هو منطق الأشياء الصحيحة؛ حين تتصاعد وتتطور وتثبت حضورا، والتاريخ شاهد على نموها الهائل.

السينما لذاتها

ولأن السينما تنتمي الى ذاتها ولا تحاكم التاريخ بوصفها وسيلة سياسية قدر انحيازها الى فنها الخالص، جاء المهرجان بفيلم سكورسيزي الأخير «جزيرة شولتر»، وفيه عودة الى مجازر النازية ضد اليهود. ومع أهمية اسم مخرجه وبطله الممثل ليوناردو ديكابريو لم يحظ الشريط باهتمام النقاد، والسبب يعود الى الافتعال في استعادة التجربة الماضوية وضعف مبررها الفني. فسكورسيزي يدخلنا في دوامة لا نهاية لها، وكل ما كان يسير ظاهريا وكأنه تتابع لقصة المحقق العسكري الأميركي تيدي دانيلس في اواسط الخمسينيات، وفي أوج تصاعد الحرب الباردة، الذي ذهب الى الجزيرة النائية ليحقق في هروب سجينة متهمة بقتل أشخاص عدة، أنزلت في مستشفى للأمراض النفسية. سيظهر لنا فيما بعد وكأن الحكاية برمتها وهمية، وأن المحقق العسكري يعاني من هلوسات نفسية ومن تصورات ليس لها في الواقع مساس، وأن ما كان يراوده من أحلام حول بشاعة الجرائم النازية ضد اليهود كان من نسج الخيال! هذه المعالجة الباهتة والمفترض أنها تلامس واقعاً تاريخياً لم يكتب لها النجاح، في حين خرج فيلم تركي ينتمي الى الأفلام الخصوصية بأكبر جائزة في المهرجان. لقد حصد «عسل» جائزة الدب الذهبي كأفضل فيلم في المسابقة، وعلى بساطة شغله نجح المخرج سميح كابلانوغلو في اقناع لجنة التحكيم بعمق مادته البصرية التي سماها «الثلاثية الأناضولية».

«عسل» هو الثالث بعد فيلمي «بيض» و«حليب». الفيلم يكمل بدوره ثلاثية يوسف، الطفل الذي عاش في الأناضول وسرد سيرة طفولته عبر ثلاثة أفلام كلها تنقل المناخ التركي خلال حقب تاريخية مختلفة لا يركز المخرج على مجرياتها قدر رصده للحالات النفسية والعلاقة بينه وبين والده وعائلته بشكل عام.

في «عسل» ينقل جزءا من علاقة الأب الفلاح ومربي العسل بإبنه الصغير الذي دخل عمره مرحلة فك طلاسم الحروف، وهو يعاني تلعثما في كلامه، ربما كان ناتجاً عن خوف أو من قلة اهتمام، ومع ذلك بقيت رابطة قوية تشده الى والده الذي سقط يوما من شجرة فمات وسط الغابة، فيما يذهب الطفل للبحث عنه ومعرفة المكان الذي مات فيه. شريط «عسل» مؤثر وينتمي الى سينما لا تتعكز على التاريخ السياسي كما فعل سكورسيزي، أو حتى اسم لامع آخر في السينما مثل رومان بولانسكي الذي حصد جائزة أفضل مخرج عن فيلمه «الكاتب الشبح». وفيه استعادة لتجربة سياسي بريطاني. لقد كان من المتوقع أن يفوز بولونسكي بجائزة ما في المهرجان اعتمادا على تجربته الكبيرة وسمعة فيلمه «البيانيست» والذي شكل مراجعة نقدية لتجربة النازية. نقول كان متوقعا بقوة قبل مشاهدة الجمهور لفيلمه الأخير ولكن بعد مشاهدته صار التوقع ضعيفا وذهب البعض الى تفسير فوزه بأنه نوع من التضامن مع محنة المخرج التي يعيشها الآن بسبب التهمة الموجهة اليه بممارسته الجنس مع فتاة قاصر، مما أجبره على الاقامة في سويسرا واتمام فيلمه هناك في ظروف نفسية صعبة.

غلة كبيرة

ومن السينمات المندفعة بقوة السينما الرومانية، وفي هذه الدورة برهنت عن خصوصيها مرة أخرى، ففاز فيلمها «اذا اردت أن أصفر، فسأصفر» لفلورين سربان بجائزة لجنة التحكيم. الفيلم مدعوم من السويد وقصته بسيطة ومثيرة، تعتمد على المفارقة التي يلعبها شاب سجين عمل كل ما في وسعه من أجل تجنيب أخيه الصغير المرور بتجربته المريرة، ولهذا يقرر المضي في خطته والهرب من السجن. أما المفارقة فتكمن في وقوعه في حب الطالبة الجامعية التي جاءت لانجاز تدريب عملي في السجن، وعندما رآها لأول مرة طلب مقابلتها في مقهى خارج السجن. وأثناء عملية هروبه استغل الطالبة كدرع بشري سهل مهمته، ولم يترك الفتاة في سبيلها بل دعاها الى شرب القهوة في المقهى على الطريق قبل أن يسلم نفسه. لقد بر بوعده بطريقة غريبة تشبه الأجواء التي نقلها الفيلم والمحصورة بمكان ضيق يدعى اصلاحية وفي جوهره هو سجن رهيب.

وفي اشارتنا الى دور السويد في دعم هذا الفيلم، فان غلتها كانت كبيرة في هذه الدورة. على مستوى الجوائز فاز فيلم المخرج الايراني الأصل باباك نجفي «سيبه» بجائزة أفضل فيلم أول، لتناوله مادة مثيرة تلقي الضوء على حياة الأمهات الوحيدات (من غير زوج) وعلاقتهن بأبنائهن المحرومين عاطفة ومالاً. انها نظرة متعمقة في حال فقراء السويد، البلد الذي يتصور الناس أنه يخلو من هذه المشاكل، لكن نجفي يعود وبعين مهاجر الى قراءة الواقع السويدي ويعرضه بشكل سينمائي مؤثر، فيما حظي الممثل السويدي المشهور سكارغورد باهتمام كبير للدور الذي لعبه في الفيلم النرويجي «رجل طيب الى حد كبير». فيلم مهم رفع من قيمته أداء الممثل السويدي الذي أعطاه طعما حلوا سيتذكره الناس كثيرا في كل مكان، سيما وأنه عرف عنه لعبه أدوارا في أفلام مختلفة الجنسية، من الأميركية حتى الأوروبية خارج نطاق الدول الاسكندنافية. كما فاز الفيلم السويدي «حدث قرب البنك» بجائزة أفضل فيلم روائي قصير. كما كان فوز الفيلم العراقي «ابن بابل» باحدى جوائز المهرجان من خارج المسابقة، واشتراك المخرج العراقي فنار أحمد بفيلم «ثقيل جدا» ضمن فئة الأفلام الروائية القصيرة مع المشاركة العربية، كلاهما يستحق وقفة سنعود اليها لاحقا.

الأسبوعية العراقية في

14/03/2010

####

برلينالا 2010:

برلينالا 2010: صندوق العجائب الألماني

قيس قاسم

إذا كانت السينما صندوق عجائب كما توصف، فإن الدورة الستين لمهرجان برلين السينمائي الدولي هي العجب بذاته. لقد جمعت عجائب الفن السابع وعرضتها بحذاقة خلال أيام معدودة. وفيما يظن المتابع أنه قد حصل على أهم ما يريد، فإنه سرعان ما يدرك أنه كان موهوما، أو مسحورا فتخيل ان ما رآه كان كافيا، وأنه كان متابعا شاطرا لملم في سلته أهم الأشياء التي جاء بها الساحر، وفي عودته الى كاتالوغ المهرجان، سيدرك الحقيقة وسيعرف أنه من المستحيل الاستحواذ على كل ما في الصندوق الأسود، وأن المرء ربما أنه يحتاج الى عام كامل حتى يستطيع القول: آه.. أخيرا لقد شاهدت أهم ما في الدورة وتابعت أدق برامجها. وهذا بحد ذاته سر من أسرار المهرجانات الكبيرة؛ فكلما حرصت ونظمت وقتك لمتابعة الجديد تظهر أمامك أشياء قديمة كان عليك مراجعتها وعدم تضييعها.

تجربة الدورة الحالية مثال واضح، فبينما يهرع الصحفيون والنقاد الى عروضهم الخاصة منذ الساعة الثامنة والنصف صباحا حتى الرابعة عصرا، تكون هناك أشرطة مهمة تعرض في صالات خاصة، لذا يجد هؤلاء أنفسهم مجبرين على تنسيق وقتهم بدقة كي يتواصلوا مع بقية البرامج، كبرنامج «إعادة» الذي يعرض أفلاما قديمة، أو البرامج المخصصة لممثلين أو مخرجين مرموقين. ويكفي أن نذكر مثالا، أن الدورة الحالية عرضت لأول مرة النسخة المرممة من ملحمة «متروبولس» واستعادت أعمال مخرجين كبار ضمن الخانة الألمانية، وزجت بأفلام مهمة ضمن «البانوراما» و«القصيرة» و«الأفلام الأولى» وغيرها الكثير.

عربية في برلين

في السوق التجاري الذي يقام خارج المهرجان ومسابقاته ويعرض فيه المنتجون بضاعتهم لتسويقها على نطاق واسع، عرض فيلمان عربيان هما «رسائل البحر» لداود عبد السيد و«عصافير النيل» لمجدي أحمد علي. وفي فئة الأفلام الوثائقية عرض فيلم سويسري عن حياة الأطفال في غزة تحت عنوان «عايشين». أما على صعيد الأفلام الروائية الطويلة داخل المهرجان فاقتصرت المشاركة على شريطين: «الرجل الذي باع العالم» للأخوين سهيل وعماد نوري، والثاني «ابن بابل» لمحمد الدراجي. والأخير ينتمي الى السينما «المسيسة»، ولا نعني هنا تلك التي تتناول موضوعا سياسيا وتبني أسس فنها عليه، فليس في هذا أدنى مثلبة على مستوى الصنعة البصرية، بل نعني السينما التي تجير لصالح السياسة. ولعل هذا ما يفسر حصول الفيلم على جائزتين خاصتين تهتمان بإثارة قضايا حقوق الانسان في الدرجة الأولى، الأولى قدمتها منظمة العفو الدولية، مناصفة مع فيلم «نفايات الأرض» للمخرج لوسي ووكر والثانية جائزة السلام الخامسة والعشرين. وأظن ان الدراجي ما زالت تستهويه الفكرة السياسية العراقية لما فيها من ضمانات للنجاح على المستوى الجماهيري، وما توفره من دعم مادي. وتكفي الاشارة الى حجم الانتاج الكبير الذي توفر عليه «ابن بابل» قياسا بفيلمه الأول «أحلام» مع ان كليهما مغرق بهاجس السياسة بل ومبني عليها بالدرجة الأولى. ومع عدالة وأهمية القضية المطروحة في «ابن بابل» وحتى في «أحلام» فإن ما نحتاجه اليوم هو قراءة بصرية نقدية جيدة الصنعة لما جرى في بلادنا، كي لا تتكرر فيه المآسي ثانية. ما نحتاجه سينما تنتمي الى نفسها ومن خلالها يمكن تناول كل القضايا بشجاعة وبقوة. فحتى اللحظة نشاهد أفلاما عن الحقبة النازية، ولكن طبيعة هذه الأفلام فنية في الدرجة الأولى، أي انها سينما تروض السياسة ولا تروضها الأخيرة. فالسقوط في مطب المباشرية خطر، واغراؤه ليس بالقليل، خصوصاً عندما يجري الحديث عن الدعم المالي ومصادره.

لكن الجميع يعلم ان سينمات فقيرة أنتجت أعمالا كبيرة واكتسبت سمعتها من هذه الصفة. طبعا لا نريد أن يفهم كلامنا أنه دعوة الى رفض الدعم والاعتماد على الانتاج المتواضع، المهم التوازن ولا بأس من الحصول على المزيد من المال واستثماره في السينما، والأحسن أن يكون هذا المال في خدمة الأخيرة. وما يشجعنا في هذا الصدد هو تحسن أداء الدراجي وحرفته بالمقارنة مع عمله الأول. ومن هنا فالمراهنة كبيرة على تلمس الطريق الصحيح خصوصاً مع توافر الحس الفني والموهبة، تلك العناصر المهمة في أي معادلة سينمائية، ولهذا ومن المنطلق نفسه وجدنا المغربي «الرجل الذي باع العالم» فيلما منتميا الى السينما في الدرجة الأولى والى الحكاية الشخصانية ومن خلفها تأتي السياسة أو الهاجس السياسي المتمثل في الحرب والخوف من التورط فيها. لقد خاض الأخوان نوري تجربة مثيرة على مستوى الصنعة السينمائية قلما نلمسها في السينما العربية. تمتعا بشجاعة كافية ليحكيا قصة صديقين أحبا الفتاة نفسها وبسببها افترقت طرقهما. لقد غرق أكس (الممثل سعيد باي) في عزلة وأدمن المخدرات ولجأ الى كتابة سيرة حياته في سفر وهمي، فيما سيصدم صديق العمر وناي (الممثل فهد بنشمسي) بالتحول الذي طرأ على علاقتهما واستحالة ترميمها في ظل خطر وخراب كان يزيد من ضغطه عليهما. الشريط يدور كله في مناخ غرائبي لا جغرافية محددة له ولا مكان واضح ينتمي اليه، ولولا اللغة لتحولت حكايته الى حكاية عامة، كوزمبوليتية، بسبب انتمائها الى مناخات الكاتب الروسي دوستويفسكي. فالشريط نقل عن روايته «قلب ضعيف» وقد لعب الممثل سعيد بطريقة رائعة، فرفع من مستوى الفيلم ولولا حضوره الساحر لغرق الفيلم في مناخي هلوسي منفلت. في لحظة شعرنا ان الحكاية أفلتت وكانت في حاجة الى قوة تعيدها الى الأرض، وهذا ما فعله سعيد باي.

اسلام وارهاب

معادلة الإسلام والإرهاب وجدت طريقها الى المهرجان موضوعيا لكثرة الأفلام التي تناولتها خلال المدة الأخيرة. وفي برلين ظهرت مفاجأتان ألمانيتان: الأولى ادراج فيلم «شهادة» ضمن أفلام المسابقة الروائية الطويلة والثانية الفيلم نفسه الذي انتجته بنفسها وكان موضوعه الاسلام والجيل الثاني من المسلمين الذين يعيشون على أراضيها. مخرج «شهادة» برهان قباني أفغاني الأصل، عاش في ألمانيا وانتمى الى جيل مسلم مزدوج الهوية ولهذا جاء فيلمه بالصبغة نفسها. حكى من خلاله عن مجموعة شخصيات تنتمي الى الاسلام بأشكال مختلفة وتفسره وفق حالتها النفسية والاجتماعية. فالشابة مريم، سلكت في بداية حياتها سلوكا منفتحا ولنقل غربيا، وكان موقفها متناقضا مع نظرة والدها إمام الجامع الذي كانت له خلافات مع والدتها. سلوك مريم كان عينة من عينات التناقض الذي يعيشه بعض المغتربين المسلمين. ففيما كانت مريم منسجمة مع نفسها وقبلت أن تكون حاملا من صديق لها، تحولت الى مسلمة متشددة بعدما اسقطت جنينها. هذا الموقف المباغت وضعها في تناقض حتى مع والدها الذي كان يميل الى الاسلام المتسامح. ويذهب قباني الى أبعد حين يربط قصتها بالضابط التركي اسماعيل الذي أحب مهاجرة بوسنية ولكنه تسبب في مقتل طفلها حين أراد القاء القبض عليها باعتبارها مهاجرة غير شرعية. والعلاقات المثلية كان لها حيز داخل هذا الوسط الذي نقله «شهادة» بروح متعاطفة وعبر عنه بنظرة عميقة تحليلية مكنته مهارته وحرفيته من جعله فيلما جيدا تحمس له النقاد كثيرا داخل المهرجان. وضمن المعادلة ذاتها يدخل فولكر شلوندروف الى الارهاب عبر «حكاية عن ريتا» الذي عرض ضمن أفلام الاستعادة الألمانية. في هذا الفيلم يفضح شلوندروف النفاق السياسي والمخابراتي بشكل خاص في جانبي المانيا: الشرقية (الشيوعية) والغربية (الرأسمالية) وكيف تحالفا بعد سقوط برلين للحفاظ على مصالحهما والتضحية باسماء وشخصيات كانت يوما تخدمهما والنظام السياسي الذي يمثلهما. إنها «حكاية» ريتا التي آمنت بالاشتراكية وتطرفت في أفكارها فهربت الى الجهة الأخرى، الشيوعية، وذات يوم استفاقت لتجد نفسها هاربة من النظام الذي ضحت من أجله بكل ما تملك، بل وستزداد الحكاية ألما عندما تسقط ريتا برصاص الشرطة الشرقية التي طالما اعتبرت نفسها خادمة مخلصة لها. وفي صندوق العجب أفلام أميركية كثيرة تنتمي الى الموجة المستقلة التي تنشد الأوربة أو صناعة الفيلم الأوروبي الذي يلامس الحياة العادية بخلاف السينما الهوليوودية ذات السمات الخاصة. هنا لا بد من الاشارة الى «غرينبيرغ» لنوح باومباخ و«الأطفال لهم كل الحق» و«أعطي رجاء» لنيكول هولفسينر. هذا الشريط المؤثر والذي يتطابق مع عنوانه يدعونا الى العطاء والتصالح مع الذات ونبذ الطمع. انه شريط أميركي مؤارب الروح كسب تعاطف الجمهور في برلين وذكر بالموجة الأميركية المستقلة، التي ازداد حضورها بقوة في «برلينالا 2020».

الأسبوعية العراقية في

21/03/2010

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)