كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

الفيلم الفائز بفضية مهرجان الخليج

المحنة.. عندما يبحث العراقي عن نفسه!

رامي عبد الرازق - mbc.net

مهرجان الخليج السينمائي

الثالث

   
 
 
 
 

من أين تنبع هوية الإنسان.. من الجنسية التي يحملها في جواز السفر أم من تاريخه الحياتي الممتد في بلد ما، حتى ولو لم يكن هو بلده الأصلي أم من ذاته التي تتشكل حسب ما يعيش، ويتحرك، ويتخذ من قرارات ومواقف؟

هذا ما يطرحه فيلم "المحنة" للمخرج العراقي الشاب حيدر رشيد، الذي يتناول حياة شاب يعيش في لندن، ولا يغيب عن باله صورة أبيه الكاتب الذي قتل في العراق، فيما ينجز هو أولى محاولاته للكتاب مسلطا الضوء على غربة الإنسان وسط البشر.

أزمة الهوية هنا -إذن- هي المحرك الرئيس وراء انفعالات الشخصية الرئيسة في هذا الفيلم، الذي حاز الجائزة الثانية في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بالدورة الثالثة لمهرجان الخليج، واختتمت فاعلياتها منتصف الشهر الماضي.

أجيال المنفى

ينتمي المخرج حيدر رشيد إلى ما يُسمى بالجيل الثاني من المهاجرين العراقيين الذين ولدوا في المنفى بعد الهروب الكبير الذي شهده العراق منذ السبعينيات، من قبل مئات المثقفين والفنانين العراقيين الفارين بأفكارهم من نظام صدام حسين.

وحيدر هو ابن أحد هؤلاء المثقفين الذي ولد وترعرع في المنفى بأوروبا، ومن هنا يبدو واضحا ظهور أزمة الهوية لدى بطل فيلمه "المحنة"، الذي يمثل أول أفلامه الروائية الطويلة.

إن المحنة التي ينطلق منها عنوان الفيلم هي محنة الهوية الذاتية التي يبحث عنها بطل فيلم حيدر.. فبطله هو ابن أحد الكتّاب العراقيين الذين اختاروا المنفى في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، ثم قرر العودة إلى العراق بعد سقوط نظام صدام.. لكن الأب العائد يتم اغتياله في إحدى الحوادث الإرهابية الكثيرة التي يشهدها العراق منذ الاحتلال الأمريكي من قبل تيارات كثيرة مناهضة لأي محاولة لبث الروح مرة أخرى في العراق.

ولوهلة يبدو لنا أن أزمة هذا الشاب هي اغتيال والده.. ولكن المسألة بعد قليل من المشاهد تبدأ في التجلي بشكل أوضح.. فالوالد غاب بالجسد لكنه حاضر مع ابنه طوال الوقت من خلال مجموعة من شرائط الكاسيت التي قام بتسجيلها في بداية هروبه إلى أوروبا، وبالتحديد إلى لندن؛ حيث يدور الابن بسيارته مستمعا إلى صوت والده المتدفق في شبه يوميات شعرية عن مشاعره تجاه الوطن والمنفى.

كن نفسك

لا يتحدث بطلنا كثيرا، وإنما يتفاعل مع كل ما حوله في صمت مليء بالأفكار والمشاعر الباطنية.

فيلم المحنة في مجمله -إذن-.. هو فيلم باطني جدا.. أحداثه قليلة لكن حجم العواطف والوجدانيات التي تحتشد في نفسية بطله كبيرة ومفرطة.

إننا نراه يقلب في التلفزيون فإذ به يشاهد برنامجا عن أحد الكتاب الشباب الذي يتحدث بغرور عن والد البطل، وكيف أنه -أي الكاتب الشاب- استطاع إنجاز كتاب كامل عن هذا الكاتب المغتال غدرا من خلال الأشرطة المسجلة التي ترك منها الكاتب العراقي العشرات باستثناء مجموعة من أشرطة البدايات، والتي لم يعثر عليها أحد.

هنا نعرف أن تلك الأشرطة هي ميراث ابن الكاتب الذي يمتص كلماته كل يوم بينما يتجول بحثا عن شيء ما مفقود في شوارع لندن-المنفى.

وفي اليوم التالي يتجه بطلنا إلى أحد كبار الناشرين في إنجلترا ليعرض عليه مسودة من كتابه الذي كتبه عن علاقته بأبيه، فنكتشف أنه يعيش تحت اسم مستعار هو "حسن".

كما نلاحظ أننا لا نعرف اسم البطل الحقيقي، وهو جزء من محنة الهوية التي يعانيها، فالأسماء تحدد بعضا من هوية أصحابها.

معادل الهوية

مع تقدم الأحداث نكتشف أن ابن الكاتب يرفض أن يبني هويته على أساس كونه ابن فلان، وإنما يريد أن يكون نفسه دون أن يستغل حادثة اغتيال والده في محاولة نشر كتابه، بدليل أنه يظل يتجول بعقد النشر دون أن يوقعه لأنه يؤمن بأن محنته الحقيقية ليست في اغتيال والده، ولكن في العثور على حقيقة ذاته.

ثم تبدأ ملامح المعادل الرمزي لأزمة هويته في الظهور تدريجيا من خلال أعز صديقاته التي نكتشف تدريجيا أن بينهما علاقة متأصلة وشديدة التداخل بشكل كبير.

وبينما تبدو هي مهمومة بالبحث له عن حل لأزمته سواء النفسية الخاصة بالهوية أم العاطفية الخاصة بالوحدة، والفراغ الشعوري.. نكتشف في مشهد طويل جدا أنه يحبها، وأنها جزء من محنته، لكنه حب من طرف واحد، فهي لا تبادله نفس الشعور بل وترفضه بشكل قاس جدا وعنيف.

هذا الرفض يكثف من حالة الرفض العامة التي يشعر بها بطلنا من كل شيء حوله.. إن محنته لا تنتهي بل تبدأ وتتجدد ما دامت أقدامه لا تطأ برا مستقرا، إن "المحنة" فيلم عن العراق الآني على الرغم من أنه مصور بالكامل في لندن، وبممثلين إنجليز لكنه عراقي الهم والأزمة.

ملامح فنية

حيدر رشيد على استخدام المشاهد الطويلة ذات الإيقاع الزمني البطيء والتأملي من ناحية، والحواري من ناحية أخرى، ويكاد يكون زمن كل مشهد على الشاشة هو نفس زمنه الواقعي لو أنه حدث في الحقيقة.

وللوهلة الأولى يبدو لنا الفيلم مليئا بالثرثرة المجانية في مشاهد الحوار، مثل المشهد الطويل بين ابن الكاتب والشاب الإيطالي القادم للعمل في لندن في مهن متدنية، بينما يحدثه بطلنا عن أنه يعمل ككاتب، وعندما يسأله الشاب الإيطالي عن الكتب التي أصدرها يقول له إنه لم ينشر أي كتب بعد، فيتعجب الشاب ويقول له كيف إذن يعتبر نفسه كاتبا وهو لم ينشر أي شيء!

وينتهي المشهد الطويل بهذا السؤال الذي يُضاف إلى الأسئلة الوجودية الكثيرة التي يطرحها علينا، وعلى بطلنا صانع الفيلم!

وعلى الرغم من أن الفيلم منجز بكاميرا ديجيتال إلا أن حيدر استطاع أن يقدم حالة بصرية ولونية متطابقة مع أزمة البطل.. من خلال استخدامه لتقنيات الكاميرا الرقمية، خصوصا فيما يتعلق بتجوله في الشوارع.

وتتماهى التفاصيل في عينيه عندما يستغرق في كلمات الأب المنبعثة من المسجل الصغير، كما يبدو هذا الإحساس بخشونة الواقع من خلال خشونة الصورة الرقمية التي هي على العكس من الصورة الأكثر عمقا ونعومة القادمة من الشريط الـ35 مم.

الـ mbc.net في

03/05/2010

 
 

"ضربة البداية".. العراق في ملعب كرة قدم

فيلم كردي عن التسامح و"اللعب النزيه"

سعيد أبو معلا/ رام الله – فلسطين

ماذا تفعل الحرب بمشروع ملعب لكرة القدم؟ سؤال لا يقصد منه اختصار حكاية الفيلم العراقي (الكردي) المعنون بـ"ضربة البداية" (90 دقيقة) إنما فتح العبارة كي تأحذ مداها، ذلك المدى المرتبط بالجماهير التي تعشق تلك الساحرة المستديرة وتسقط عليها الكثير من أحلامها وأمانيها في اكتناز الفرح والبهجة في لحظات هزيمة عز فيها الانتصار وانعدمت فيها البهجة.

فهذا الفيلم .. ومن قبله هذا المخرج الكردي "شوكت أمين كوركي" اقتنص من فضاء أكبر لعبة جماهيرية على مستوى العالم وسيلته للتعبير عن معاناة العراقيين في حربهم واحتلالهم وصراعاتهم الداخلية والأهم أنه ضمنه حلمه بتسويد قيم التسامح والتجاوز و"الصراع النظيف" وإن بدا بثوب كروي هذه المرة لكن حمولاته كانت بائنة ومبشرة أيضا.

اقتنص المخرج فضاء اللعبة (الملعب غير المكتمل والمعطل بفعل قدوم الحروب) فكان مسرحا لأحداث فيلمه، لتكون أحداث الفيلم ضمن حدود الملعب المحدودة باستثناء بعض المشاهد القليلة هنا وهناك، وهو ما كان ميزة وتحديا معا، وفعلا أبدع المخرج في مسرحة هذا الملعب دون أن ينتقص ذلك من فيلمه السينمائي الذي بدا فيه متأثرا بعوالم المخرج البوسني الشهير "أمير كوستاريتشا". فاقتنص الفيلم، عن استحقاق وجدارة، الجائزة الأولى لمهرجان الخليج السينمائي في دورته الثالثة عن فئة الأفلام الروائية الطويلة.

مفارقات كوركي...

من أوزار الحرب أنها تخلق المفارقات، يحدث ذلك دوما، المفرح منها والمؤلم فيها، ما يتعلق فيها بالحياة والأماني وما يرتبط منها بالموت المفجع، وهذا الفيلم يتعامل مع كل ذلك دون ادعاء أو صراخ أو تقليدية... فبفعل أوزار الحرب رمز الخراب دُفع بمئات العائلات العراقية من خلفيات عرقية مختلفة إلى اللجوء لملعب لكرة القدم قيد الإنشاء واستوطنته وبنت مساكنها من الصفيح  ليكون بمثابة مكان التجاء ونقطة احتماء.

الملعب الذي أصبح يعاني من الدمار وتشوهاته، ذلك الدمار المعنوي الذي يعكس دمارا رمزيا يعكس دمارا أكبر لا نراه خارجه وإنما نرى أثره ونتائجة من خلال الـ 300 أسرة التي التجأت إلى الملعب الذي تحول إلى مخيم.

البطل الكردي "أسو" هو الابن الأكبر لاحدى العائلات الكردية التي اضطرت للسكن في الملعب، وهو شاب مثقف ومثالي ومتحمس، يحلم بتنظيم مباراة لكرة قدم بين الصبية الأكراد والعرب الذين يعيشون بالمخيم والمناطق المجاورة التي تعاني من ويلات الحرب أملا في الترفيه عنهم وعن أخيه الصغير الذي بترت الحرب ساقه بفعل لغم أرضي أثناء لعبه الكرة التي تعتبر حلم حياته الذي حرم منه، وكذلك في سبيل إدخال البهجة على قلب جارته الجميلة "هيلين" التي تضطرها الظروف لمغادرة الملعب قبل المباراة بأيام.

أؤلئك المشردون في هذا الملعب المدمر الذي يرمز للعراق في لحظته الراهنة لا يتركون ببؤسهم وفقرهم بل تطالهم قرارات الإزالة الحكومية التي تفرض عليهم مغادرة الملعب فورا وهو الأمر الذي يقاومونه.

هم اللجوء والتشرد الذي يتشارك فيه الجميع لا يثني "أسو" ورفاقه عن متابعة مشروعهم الذي بدأ مع تأمينهم لسكن الملعب مشاهدة المباراة التي جمعت السعودية والعراق عام 2008 في نهائي بطولة كأس أسيا، حيث بدت بهجة الانتصار بالفوز الذي شاهده الجميع مشجعة لـ"أسو" لمنحهم مزيدا من البهجة ومشاعر التعويض بالانتصار، فيقرر تنظيم دوري مصغر يجمع الأطفال في المناطق المجاورة ليتباروا مع بعضهم البعض وذلك بحسب خلفياتهم العرقية.

وفعلا يحشد "أسو" ورفاقه كل ما يستطيعون لتنظيم تلك المبارايات لتبدأ المشاكل معها فمن عدم اقتناع سكان الملعب بالمباراة إلى صعوبة البحث عن الفرق وتحصيل موافقتها إلى الصعوبات التي تبدأ مع أول المباريات والتي تتجسد في عدم اقتناع الفريق العربي بأن يكون الحكم كرديا، والعكس صحيح الأمر الذي لا يحل إلا بوجود مصور اجنبي يقوم بدور الحكم.

ومع بدء أول المباريات يكتشف "أسو" ورفاقه أنهم في زحمة الترتيبات نسو إحضار الكأس الذي سيحصل عليه الفائز وهو ما يقوم به "باسو" الذي يجمع ما تبقى معه ويتوجه لأحد الأسواق القديمة كي يشتري الكأس ليكون ضحية الإرهاب اليومي الذي يحوله أشلاء متناثرة مع غيره من مرتادي السوق الشعبي.

تستمر المباراة بين الفريق الكردي والعربي بالعنف الكروي وبمزيد من المشاكل في الكرة والتحكيم إلى أن تقتحم قوات الشرطة الملعب بالسيارات العسكرية محاولة تهجير الناس وطردهم من مساكنهم لتهب ريح قوية محملة بالغبار الذي يأتي ليغطي جثمان "باسو" المسجى الذي يوضع في الملعب وسط بكاء الناس وعويلهم في مشهد مأساوي نراه متكررا ويوميا في نشرات الأخبار لكنه هذه المرة بعد أن يضعنا في أحلام وأماني هذا الشاب الكردي ومن قبله رفاقه والذين يؤمنون بالرياضة التي ربما يمكن أن تصلح مدخلا لإصلاح ما افسدته الحروب والاحتلالات والصراعات الداخلية.

ضياع وعدم وضوح..

طوال دقائق الفيلم الـ 90 جاء الشريط حاملا للوني الأبيض والأسود باستثناء بعض اللقطات التي حضرت فيها الألوان مثل ملابس الفرق الرياضية لكن دون أن تأخذ ألوانها الحقيقية وهو ما جاء خيارا مناسبا لمضمون الفيلم ومجرى أحداثه ومعمقا لرسالته، فمن المشاهد الأولى وضعنا المخرج في جو من عدم اليقين أو عدم الوضوح وهو ما انعكس على مصائر هؤلاء البشر تماما مثل: مصير العراق الذي تتهدده المافيات والميليشيات وقوى الاحتلال ومصير السكان وصولا إلى مصير حبيبه "أسو" "هيلين" التي غادرت الملعب وعادت إليه يوم المباراة وفي لحظة وصول جثمان "أسو" وكذلك مصير أخ "أسو" الصغير الذي ظل يحاول طوال أحداث الفيلم الانتحار نظرا لإعاقته ولعدم تمكنه من تحقيق حلمه. فتلك الحالة العالية من عدم الوضوح كان يمكن إدراكها من ألوان الفيلم التي كانت بمسحة رمادية مع اللونين الأبيض والأسود وهو ما يشي بعدم اليقين والوضوح.

ضربة البداية هو معالجة سينمائية رصينة فيها من روح المخرج البوسني "كوستاريتشا" (وهو ما لا ينفيه كوركي نفسه وربما يفخر به أيضا) من حيث الأجواء الرمادية المسيطرة وأماكن التصوير والعمق في استخدام المفردات الفنية والتركيب الدرامي غير المعقد...الخ من مكونات العمل السينمائي التي بدا للمشاهد بأن المخرج على قدر عال من التمكن منها حيث أدارها وحركها جيدا فخرج من خلالها بفيلم على قدر عال من التميز والروعة وأفضل ما برز في ذلك إدارته لمكان التصوير وهو مكان واحد وفي مساحة محدودة،  إضافة إلى طاقم الممثلين الكبير والذي في جزء منه من غير المتخصصين الذين منحو المخرج، بحب، ما أراد منهم ويزيد بطريقة عفوية بعيدة كل البعد عن التصنع و"التمثيل" في الأداء، وهو ما جعل الفيلم يحمل سمتا وثائقيا، فبدا وكأنه فيلما يسرد بصريا حياة هؤلاء السكان ويستعرض طموحاتهم وأمانيهم البسيطة في ظل واقعهم المعقد.

وهو ما جعل من "ضربة البداية" المنجز الفني الأهم في مشوار المخرج الكردي "كوركي" ومن خلاله يؤكد على مشروعه السينمائي وتميزه في فضاء السينما العراقية التي بدت تتقدم بثبات وقوة في السنوات الأخيرة وأن كان معالجاتها مقتصرة على الواقع السياسي الحالي تارة والحديث عن جرائم النظام العراقي السابق تارة أخرى دون أن تتناول مثلا جزئية الاحتلال كموضوع مركزي فيها.

رموز وتضمينات..

نقطة أخرى يجدر التطرق لها تتمثل في أن العوالم التي رسمها الفيلم هي جزء أصيل من رسالة المخرج "كوركي" وتضميناته الخفية والصريحة معا، ففكرة الملعب الذي يتحول إلى مكان للحياة هي فكرة ملهمة ومدهشة لتخليق دراما الفيلم وأحداثه، وهو ملعب يقوم أساسا على فكرة الصراع بين فريقين يتباريان من أجل الفوز حيث انطلق منها المخرج صوب ما جرى للعراق في رسائل مضمنه تقول أن ما جرى للعراق هو جزء من لعب القوى الكبرى في العالم وصرعاتها المميته للسيطرة على دول معينة في العالم العربي، فالملعب حمل في طياته فكرة "اللعب القاتل" فما يجري بالعراق هو جزء من لعبة مميته هي في جوهرها جزء من لعبة المصالح والصراعات السياسية التي تعصف وتقتل البشر وتقصف أحلامهم.

كما يحسب للمخرج توظيفة لكل من كادراته المتمكنه لتعكس المضامين والرسائل التي يريد ايصالها سواء تلك التي ارتبطت بواقع الناس في لحظتهم وحالة شوقهم للنصر والفرح ومن بين ذلك تلك الرسالة العريضة التي ترتبط بقيم السلام والتسامح وتجاوز الألم وحالة التقاتل.

كما وظف المخرج مجموعة من الرموز واستخدمها في بنى الفيلم لتوصيل رسائل أكثر عمقا ودقة وهو ما يحسب للمخرج مثل الحصان العربي الأصيل الهائم في الملعب طوال الفيلم حيث كان يظهر في لحظات بعضها أثناء المباراة مثيرا الفوضى والهرج والمرج في الملعب. كذلك البقرة ومجموعة من الأغنام التي كانت مربوطة على عوارض شبكة المرمي، وشخصية المجنون الذي ظل ضاحكا وساخرا من تصرفات "أسو" طالا على السكان من مدرجات الملعب وحيدا وكأنه ينفي عن نفسه صفة الجنون وينسبها للمواطنين.

والمؤكد أن المخرج في فيلمه الجديد يستمر في الطريق الذي انتهجه من خلال عمله السابق "عبور التراب" 2007 الذي قدم فيه مصالحة كردية عراقية جديدة بناء على ما هو موجود على أرض واقع تقسيم العراق، حيث بدت في فيلمه الأول مصالحة كان الأكراد أبطالها ومن يقودها ويدعو إليها وهو ماتكرر في "ضربة البداية".. فالكردي الذي توفي في "عبور التراب" كان من أجل العراق الجديد الذي رمز له في شخصية الطفل صدام، والكردي "أسو" الذي مات في "ضربة البداية" مات من أجل قيم التسامح والوحدة والسلام بين طوائف العراق المختلفة.

يذكر أن المخرج "شوكت كوركي" من مواليد عام 1973 في مدينة زاخو بكردستان بالعراق، وقد اضطرت عائلته للهرب إلى إيران عام 1975 بعد اضطهاد تعرضت له، وظلت هناك حتى عام 1999. سبقه أعمال سينمائية قصيرة منها "البالونات تطير" عام 1997، و"المصيدة" الذي حصل من خلاله على جائزة أفضل فيلم إيراني في هذا العام.

الجزيرة الوثائقية في

06/05/2010

 
 

محنة العراق بلغة سينمائية ثرية وقاسية

دمشق - ابراهيم حاج عبدي

يحيلنا الفيلم الروائي الثاني «ضربة البداية» للمخرج الكردي العراقي شوكت أمين كوركي (المولود في مدينة زاخو 1973) الى تيارات ومدارس سينمائية عدة. فمن حرارة الواقعية الإيطالية الجديدة ورموزها دي سيكا وتورناتوري وانطونيوني...، الى رهافة السينما الإيرانية وبساطتها التي صاغها مجيدي وكياروستامي وقبادي، الى الكوميديا الحافلة بالألم التي نجدها في بعض أفلام أمير كوستوريتسا... يغزل كوركي ملامح فيلمه المشغول بحرفية فنان يعرف كيف يشيّد عالمه السحري الخاص. فهو إذ يشتق عناصره ومفرداته من كبار سبقوه، إلا أنه لا يقلد ولا يحاكي، بل يبحث عن بصمته الدالة، ولعله نجح، إذا اعتبرنا الجوائز أحد مقاييس النجاح. فقد نال الفيلم جوائز عدة كان آخرها الجائزة الكبرى في مهرجان الخليج، وقبلها الجائزة الفضية لمهرجان مسقط السينمائي، وجائزة النقاد الدوليين في دبي، إضافة الى جائزتين في مهرجان بوسان في كوريا الجنوبية بينهما جائزة أفضل فيلم.

منذ البداية، وبلا اية مقدمات، يضع شوكت أمين كوركي المُشاهدَ في مواجهة مع أحداث فيلمه «ضربة البداية» عبر مشاهد لملعب كرة قدم ولافتة كتب عليها «كركوك». هنا، في هذا الملعب، وفي أحد فصول الصيف القائظ، بعد سقوط النظام العراقي، تتحرك كاميرا كوركي لتوثق حياة نحو 300 عائلة من اللاجئين العراقيين، كرداً وعرباً، ممن شردتهم ظروف الحرب الأميركية في العراق، فوجدوا في هذا الملعب ملاذاً آمناً، مثلما فعلت أسر عراقية كثيرة لاذت بمؤسسات الدولة الخاوية والمدمرة بعدما ضاق بها العراق على اتساعه.

فوضى وسوداوية

الحياة في بيوت الصفيح المتناثرة على أطراف الملعب تسير في جو سوداوي قاتم، وسط الفوضى والغبار والفقر المدقع وهدير الطائرات، وأصوات الانفجارات. شخصيات منهكة تروي بملامحها الحزينة تاريخاً طويلاً من القهر والمعاناة والحروب، وجدت في هذا الركن القصي مساحة للأمل، والهدوء، غير أن هذه الأمنية غدت مستحيلة في بلد مزقته، لعقود خلت، المعارك والبطولات الوهمية، والحروب الطائفية والمذهبية، والصراعات العرقية، فشبح الماضي يطاردها أنّى ذهبت، وهذا ما يشير اليه كوركي بإشارات وقرائن: طفل بُترت ساقه بلغم حينما أراد أن يستعيد كرته التي استقرت في حقل ألغام، ورجل فقد منزله وحقله، ولا يزال يحتفظ بأوراق قد تعيد اليه ممتلكاته الضائعة، وأطفال حرموا التعليم فراحت الفتاة هيلين (روزان حماجان) تعينهم على محو الأمية، وصراع يومي للحصول على الماء الشحيح وعلى مستلزمات العيش البائس في بلد تقول الأرقام انه يملك ثاني احتياطي نفط في العالم...

كرد وعرب

في هذا «الغيتو» المغلق، وفي غياب أية وسيلة للترفيه، يسعى بطل الفيلم آسو (شوان عطوف)، وبمساعدة صديقه ساكو (كوفار أنور)، إلى تنظيم بطولة في كرة القدم بين الصبية الأكراد والعرب، وعند حلول موعد ضربة البداية يدب الخلاف ين الفريقين، فالفريق العربي يعترض على أن يكون حكم المباراة كردياً، والفريق الكردي يعترض، بدوره، على أن يكون الحكم عربياً. يلجأ الفريقان إلى مصور أجنبي كان قد جاء لتصوير المباراة، ليكون حكماً... وهذا يحيلنا، ببساطة، إلى واقع العملية السياسية في العراق حيث يستعين الفرقاء العراقيون بالخارج كي يصلوا إلى توافق غالباً ما يكون مهزوزاً نتيجة عوامل عدة، لعل أخطرها العمليات الإرهابية. لا يغفل صاحب «عبور الغبار»، فيلمه الروائي الأول، عن هذا الجانب، فحين يذهب آسو لشراء الكأس التي ستمنح للفريق الفائز يتعرض سوق كركوك لتفجير انتحاري يودي بحياة الكثيرين بينهم آسو؛ بطل الفيلم، الذي اختزل في روحه المعاني السامية والجميلة لعراق المستقبل، لكنه ذهب ضحية الإرهاب الأسود. وفي حين انطوى هذا المشهد الذي انتهى به الفيلم على رثاء للواقع العراقي، نجده يطرح، في الآن ذاته، أسئلة جارحة حول الدوافع التي تدفع بالبعض إلى اغتيال الأمل الذي يلوح في الأفق، والذي كان يمثله آسو.

هي فوضى خانقة نجح كوركي في هندستها من خلال كوادر بصرية بالغة الثراء تضج بألوان الحياة، وتكاد تختزل واقع العراق السوداوي الذي نراه، يومياً، على شاشات الفضائيات. ملعب صغير في مدينة قلقة، شهد قصة حب صامتة بين هيلين وآسو، وشهد وحدة العراقيين كرداً وعرباً لدى متابعتهم المباراة النهائية في كأس آسيا بين منتخبهم الوطني والمنتخب السعودي وانتهى بفوز الأول، فنسي اللاجئون محنتهم للحظات وراحوا يصفقون بعفوية لفريقهم الفائز. زالت «الهويات القاتلة» إزاء مرح «الساحرة المستديرة»، بتعبير الرياضيين، وكأن النزاعات الدموية التي تدور على «أرض السواد» تحركها أذرع خفية، أقوى من إرادة العراقيين.

أسئلة سينما الإنسان

أسئلة كثيرة يطرحها هذا الفيلم، غير ان هذه الأسئلة لا تقدم في شكل دعائي فج، وهي بعيدة، كذلك، من الأسلوب الوعظي التلقيني. هي أسئلة السينما الجليلة، سينما الإنسان التي تتخفف من الأدلجة والشعارات الزائفة لتقترب من المكاشفة والبوح عبر سرد بصري مرهف. والواقع أن كوركي يولي عناية خاصة لهذا الجانب، ويستغل أمكانات السينما على نحو بديع، إذ احتفظت لغته البصرية بحرارة المكان وبكل ما يزخر به من أصوات الطيور والحيوانات ومشاهد البؤس والبشاعة والقتامة التي دفعته إلى استبعاد الألوان والاقتصار على اللونين الأبيض والاسود كمقترح بصري يرمز الى التقشف والقسوة، ويتجانس مع طبيعة ذلك العالم المزدحم؛ الضيق، والمتواري خلف مدرجات ملعب اسمنتي كئيب ذي بوابات عالية لا تقود إلا إلى الموت، كما حصل مع بطل الفيلم.

عناوين كثيرة يمكن ان نستخرجها من القصص الإنسانية في هذا الفيلم الذي كتب له السيناريو المخرج ذاته، وأُنتج بتمويل من اليابان وحكومة إقليم كردستان، فهو يتحدث عن فساد الأزمنة وغياب العدل، عن العشق الذي ينمو بخجل ولا يقوى على الظهور الى العلن، عن الخراب الذي أسس له الطغاة، عن الاضطهاد الذي يجعل الروح، أبداً، أسير الخوف والهلع، وعن الاغتراب الذي يغذيه إرث ثقيل وطويل من ثقافة الإلغاء والإقصاء... وهو بالتالي عن عراق يسعى الى التصالح مع ذاته ومعانقة الحياة الجديدة؛ المؤجلة. كل هذه العناوين استطاع كوركي ان يختزلها في شريط سينمائي (80 دقيقة) مؤلم بمناخاته ومضامينه، مدهش وجذاب ببنائه السينمائي، وأسلوب إنجازه، فجاء الفيلم وكأنه أغنية حزينة لكن بصوت شجي؛ رقيق.

الحياة اللندنية في

14/05/2010

 
 

فيلم (أبن بابل) العراقي.. قراءة في وحشة الموت

صميم حسب الله

إنها تشبه أمي .. تلك المرأة العنيدة في بحثها عن ولدها الذي ساقته الحرب الى نيرانها التي لا تهدأ.

ذلك هو الشريك الاول في القراءة التي رافقت المشاهدة للفلم العراقي (أبن بابل) الذي عرض مؤخراً على صالة سينما (سميراميس) في بغداد .. اخراج : محمد الدراجي.

ثمة العديد من المنطلقات التي تحرك مخرج هذا الفلم على أسسها منها ماهو فني جمالي ومنها ماهو عاطفي إنساني ،فقد كان توظيف الدخان الذي يعد من ابجديات العلامة السيميائية دلالة على الحريق الذي يؤشر الى خراب أبدي ، وعلى الرغم من التحولات التي صاحبت هذا الدخان تبعا للمشاهد السردية (الروائية) وتحولات المكان والزمان الذي امتد من شمال العراق الى جنوبه والذي إتخذه مخرج الفلم كمساحة مكانية يتحرك من خلالها الى فضاءات اخرى يترك للمتلقي حرية إكتشافها ، الا ان علامة الدخان انقسمت على نفسها من خلال تحولها من دخان الى نيران إلتهمت البنى التحتية لمؤسسات الدولة إبان حرب 2003 ، الى علامة أخرى هي دخان ينتج عن أرواح أزهقت تحت تراب المقابر الجماعية.

وبالمقابل وعلى ضفة الألم الأخرى كانت الأم تقف شاخصة بصرها وبصيرتها باحثة عن ابنها بين الاحياء والاموات والمجهولين والهياكل والجماجم والسراب، في رحلة بحث لانهاية لها ، يصحبها طفل لايعرف عن والده الفقيد سوى ذكريات ترويها الجدة بين الحين والآخر متمثلة بأسم أبيه ، ومزماره الخشبي الذي حلم ذات يوم ان يعزف عليه ، ليبق هو الاخر شاخصاً بين يدي الطفل على أمنية لم تتحقق.

إن استخدام المخرج للمساحات المكانية الواسعة التي شكلت رحلة البحث والتي كانت على الرغم من إتساعها تضيق على صدر الأم وهي تحبس دموعها عن صبي يبدأ حياته برحلة عبثية كما في أسطورة سيزيف .

وقد بدا ذلك واضحا من خلال الاداء العفوي الذي قامت به الممثلة (شازادة حسين) والطفل (ياسر طالب) اذ ان نجاح هذه الشخصيات يكمن بالدرجة الاولى من خلال اعتماد المخرج على العفوية والتلقائية في أداء الأم والحفيد ، بعيدا عن التكلف الذي كان من الممكن ان يرافق الممثلة المحترفة التي قد تحاول التصنع في الاداء ، الا ان (شازادة) لم تتعامل مع هذه الام بوصفها شخصية سينمائية وإنما بوصفها شخصية من الحياة ، والتي يمكن مشاهدتها تهيم على وجهها في كثير من الاماكن في بلاد أكلت الدكتاتورية من أبنائها حتى أصيبت بالتخمة، ومن جهته فقد كان لظهور شخصية موسى التي قام بها الممثل (بشير الماجد) أهمية بالغة في إضفاء خط جديد لمسار الفلم الذي كاد ان يتحول الى تقليدي ، فقد جاءت هذه الشخصية لتعبر عن الخط المناقض تماماً للشخصيتين السابقتين كونهما تمثلان ضحية القتل والدمار الذي تنتجه السلطة القمعية ، بينما يمثل (موسى) شخصية الجلاد الذي يعترف بعد إنكسار سيفه بكل ماقام به من جرائم تجاه ابناء جلدته ، اما من ناحية الاداء فقد كان على المخرج والممثل معاً إضافة عمق ادائي لهذه الشخصية التي كانت تحتاج الى شيء من الانكسار والحذر في التعامل مع الاخرين ، فقد بدا هذا الاخير وكأنه بطل منتصر وليس جلاداً سابقاً يحاول ان يكفر عن ذنوبه بمساعدة الاخرين من ضحاياه وضحايا أمثاله .

الاان ذلك الاداء الذي قام به (بشير ماجد ) بالرغم مما قد يؤخذ عليه الاأنه استطاع إيصال الفكرة العامة التي اراد الفلم ايصالها والتي تكمن في القدرة على العفو عن الاخر مادام قد إعترف بذنبه ، وهذا قد يكون كافياً لربط احداث الفلم .

أن الفكرة التي ناقشها الفلم ، تعد واحدة من اكثر الافكار تأثيرا في النفس البشرية، جاءت لتعبرعن ذلك الواقع المؤلم والبشع الذي عاشه الشعب إبان السلطة القمعية في الماضي القريب، الذي القى بظلاله على الحاضر وهو يزحف بخطى حثيثة نحو المستقبل ، وما يحصل هو تغيير في المسميات وتأكيد على المضامين ذاتها ، وبدلاً من ان تكون هنالك مقابر جماعية ، فلتكن جثثاً مجهولة الهوية ، ماهو الفرق مادام الضحية في النهاية هو انسان ولد في ارض بابل وشرب من النهر ذاته.؟

ان فلم (ارض بابل) قراءة لحاضر ومستقبل أكثر مما هو قراءة لماضٍ ، ويجب ان نؤشر لهذا الفلم تلك الحقيقية التي كشفت عن ماضٍ دامٍ ليس بحثاً عن الثأر كما أشار المخرج وإنما لكي نمنح العدالة حقها في تطبيق قوانينها بيننا.

ان المتن الروائي لهذا الفلم إقترب كثيرا من تقنيات الفلم الوثائقي وأسلوب استخدام الوثيقة في طرح الافكار ، هو تجربة تحسب للمخرج ولفريق عمله ، ذلك أن القدرة الفنية العالية التي استطاعت المزج بين السرد السينمائي والوثيقة ومرجعياتها الواقعية والتاريخية ، جعل من هذا الفلم اشبه بمزيج يجمع بين الألم الجاف الذي يكمن غالباُ في الوثيقة ، والانسانية التي كانت تبرز بين الحين والاخر وبخاصة في مشاهد الام والحفيد، وفي تحديد اكثر دقة في مشاهد اللقاء الاول مع (الاب الحي - الميت - المجهول - السراب ).

ولابد من الإشارة إلى الجهود التي يبذلها عدد من السينمائيين كما هو الحال مع المخرج محمد الدراجي والمخرج عدي رشيد وآخرين في دفع عجلة السينما من خلال تجاربهم الجادة التي بدأت تحرث الفضاء الثقافي في الآونة الأخيرة على الرغم من ان مايحصل هو في الأغلب الأعم يعتمد على جهود شخصية والتي مازال السينمائيون يطمحون إلى التفات المؤسسات الفنية إليها والى جهود أصحابها من أجل تطوير الحركة السينمائية، ومدها بالدعم بدلا من تجاهلها وعدم الالتزام الذي يقع على عاتق تلك المؤسسات لتكون بديلاً عن هدر الأموال على مالا يجدي ولا ينفع الثقافة العراقية في شيء.

أدب وفن في

15/05/2010

####

ابن بابل يعيد عشاق السينما

بغداد - كاظم لازم 

شهدت صالة سميراميس للعروض السينمائية مساء يوم الخميس الماضي عرض الفيلم الروائي العراقي (ابن بابل) سيناريو واخراج محمد الدراجي شارك في تجسيد شخصيات الفيلم شازده حسين، ياسر طالب وبشير الماجد اضافة لعشرات من الكومبارس.

دارت احداث الفيلم حول قصة المقابر الجماعية من خلال رحلة ام كردية من منطقة كردستان صوب جنوب العراق للبحث عن ولدها الذي فقد في احداث عام 1991.

حضر عرض الفيلم الذي بلغت مدة عرضه 120 دقيقة عدد كبير من المثقفين والمهتمين بالشأن السينمائي اضافة الى العشرات من عشاق السينما مع عدد من وسائل الاعلام المرئية والمسموعة..

مخرج الفيلم تحدث قبل العرض عن الظروف الصعبة التي رافقت انتاج وتصوير الفيلم امتناع عن المساهمة في دعم عملية انتاجه كما تحدث عن مشاركة الفيلم في مهرجان برلين السينمائي ونيله جائزتين مع ثناء نقاد السينما الذين حضروا المهرجان..

بشير الماجد.. احد ابطال الفيلم قال (للصباح) اشعر بسعادة كبيرة لنجاح الفيلم الذي شاهدته لاول مرة في مهرجان دبي الاخير والذي كانت له اصداء كبيرة هناك ولكن سعادتي وفرحي يكمن في عودة جمهور السينما الى هذا التقليد الثقافي الذي كنا نعيشه في السبعينيات والثمانينيات الذي بعدها هجرت دور العرض الى يومنا هذا حتى وصل الامر الى ماكينات العرض السينمائي التي علاها الصدأ.

وحول مشكلة (الصوت) التي رافقت عرض الفيلم اضاف متابعا... لقد شاهدت العرض في دبي ولم تكن تلك المشكلة موجودة ولكن لضعف تقنيات ماكنة العرض حصل مثل هذا الامر واضاف قائلا.. لقد اثبت عشاق السينما اليوم بانهم جاهزون للمشاهدة رغم كل ما حصل من ظروف فلقد تدفق الجمهور بشكل اذهلنا جميعا وبذلك لا نرضى على انفسنا عندما نطلق عبارة ترميم الذائقة السينمائية والذائقة موجودة وبقوة من خلال هذا الحضور الكبير وكل ما يحتاجه المشروع السينمائي في العراق هو دعم الدولة ومؤسساتها له فالبرغم من قلة الدعم وشحته حصلت الكثير من الافلام العراقية على جوائز دولية وكبيرة في السنوات الاخيرة..الاخوة الذين حضروا العرض بالممثلة العالمية ايريس باباس وهي تبحث عن ولدها في فيلم (رياح الاوراس).

ياسر طالب 15 عاما احد ابطال الفيلم قال لم اصدق باني ارى نفسي بهذه الصورة الجميلة التي جعلت الكثير من الحضور يحتضنونني ويرفعونني الى السماء وهذه مسؤولية وساجتهد وانا الان في الصف الثالث المتوسط لاكمل دراستي لادخل معهد الفنون الجميلة قسم السينما لاصبح احد نجوم السينما العراقية في المستقبل جميل النفس مخرج سينمائي الذي حضر العرض قال لقد كان الفيلم خطوة كبيرة في تاريخ السينما العراقية وهذا النجاح لا يحسب لمحمد الدراجي وحده بل معه فريق العمل كذلك جرأة الفيلم في تناول مثل هذا الموضوع الحساس كما قدم الفيلم روح التسامح والعدالة وكانت واضحة في مجريات الفيلم الذي قوطع بالتصفيق على الكثير من احداثه المخرج المسرحي كاظم النصار قال ـ هناك امران مهمان اولهما عودة الافلام العراقية من جديد وليس السينما التي هي صناعة واموال وتقنيات والثانية هي ظاهرة هذا الحضور الكبير وهذه اشارة واضحة للسياسيين قبل الفنانيين بان بغداد قادرة في اية لحظة على استعادة عافيتها الثقافية من جديد وعلى هامش عرض الفيلم عقد مؤتمر صحفي حضره كادر العمل مع عدد من وسائل الاعلام..

وفي سؤال (للصباح) عن وجود فيلم ثاني يحمل اسم (تحت رمال بابل) اجاب مخرج الفيلم محمد الدراجي قائلا: نعم هناك هذا الفيلم ولكنه توقف العمل فيه لاسباب فنية وانتاجية..

وفي ختام المؤتمر اعلن الدراجي عن النية لقيام مشروع دعم السينما العراقية من خلال انشاء صندوق يتبناه مركز السينما العراقي المستقل.

الصباح الجديد العراقية في

15/05/2010

 
 

صراع سني ـ شيعي في فيلم بحريني اثار اهتمام النقاد

ابو ظبي ـ فراس الشاروط

في عام 1985 قدم المخرج اللبناني المتميز (برهان علوية) فيلما بقي في الذاكرة طويلا، (بيروت اللقاء) رصد بشاعرية عالية ولغة سينمائية شفافة واقع الحرب الأهلية اللبنانية من خلال قصة حب بين شاب مسلم وفتاة مسيحية، ولم تنس الذاكرة مطلقا مشهد النهاية حيث أمل اللقاء ولكن البطل يمزق شريط المسجلة الذي دون فيه وقائع وذكريات الحرب ليرميه تحت عجلات السيارات، فيما البطلة تنتظر في المطار البطل لتراه للمرة الأخيرة قبل هجرتها لمدينتها التي تحب بيروت، لا جدوى من اللقاء مادام السلاح يشرخ النفوس العاشقة.

لا أريد الحديث في هذا المدخل عن فيلم علوية ولكن هذه الشاعرية والشفافية هي ما أفتقده الفيلم البحريني (حنين)الذي يرصد هو الآخر الصراع الطائفي وواقع البحرين السياسي، مركزا على فترة زمنية طويلة ممتدة من بداية ثمانينات القرن الماضي وحتى عصرنا الحاضر، محاولا قدر الامكان معالجة التحولات في هذه الدولة الخليجية وعلاقتها بجيرانها من خلال رؤى دينية وأيديولوجية، مبتدأ مسيرة الفيلم من الحرب العراقية-الإيرانية مرورا بالصراع السوفيتي –الأفغاني، هذا الوضع المتأزم ولد حربا صغيرة داخل البيت الواحد لتكون نتائجه وخيمة على المجتمع ككل، متخذا من عائلة بحرينية صغيرة صورة للانقسام الطائفي، الأب السني والأم الشيعية، محنة الدين بين أخوين والتي جرت خلفها عواقب ومصائب لذلك البيت الصغير الذي كان يوما رمزا للتسامح، وهو أشارة للبيت البحريني الكبير.

حاول المخرج حسين الحليبي والسيناريست خالد الرويعي أن يطرحا موضوعا حساسا جدا وبجرأة من خلال واقع معاش فعلي مصورين عجز المثقف أمام آفتي الفساد والتطرف وانتصار الطائفية على الحب في نهاية كلاسيكية مفتوحة ومتوقعة سلفا عند المتلقي.

جنح المخرج نحو الرمزية التي لم تنقذه من السقوط في المباشرة والتكرار في لغة الحوار، وحتى إصراره على شرح مشاهد بسيطة باستطاعة المتلقي إدراكها بسهولة ناسيا أن الصورة هي الوسيط المعبر بين أفكار المخرج وتلقي المشاهد. ممثلو الفيلم ( هيفاء حسين، علي الغرير، خالد فؤاد، مريم زيمان) بأدائهم الجميل استطاعوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من رتابة الفيلم كما كان للموسيقى التصويرية التي وضعها خليفة زيمان دور مهم في التعبير عن الأحاسيس المخبوءة داخل النفوس المعذبة.

حنين هو الفيلم الثاني للمخرج الحليبي بعد فيلمه (أربع بنات)، ورغم جدية الموضوع المطروح ألا أنه أفتقد للجذب وعنصر المفاجأة وشاعرية التناول فقد بقي رهان المخرج على حساسية القضية الطائفية خصوصا وإنها تأخذ مديات أبعد من البحرين لتشمل العراق ولبنان ودول الخليج وحتى المغرب العربي، مع هذا يبقى للحليبي شرف المحاولة وكأنه صدى لجاك نيكلسون في نهاية طيران فوق عش المجانين حين فشل في محاولة قلع المغسلة الرخامية أمام ضحكات رفاقه المجانين (لكني حاولت .... أليس كذلك!!؟؟)

العالم العراقية في

21/05/2010

####

فيلم حنين ... رغبة في التغيير

عمار عبدالعزيز 

يقول الرئيس الـ 28 للولايات المتحدة الأميركية، ووردو ويلسون: «اذا كنت ترغب أن تخلق أعداء لك، حاول أن تغير شيئاً ما».

هذا أمر طبيعي، فالنفس البشرية تحب ما اعتادت عليه، وتقاوم أي رغبة في التغيير. هذا بالطبع ينطبق أيضاً على المجتمعات البشرية، فالناس تحب أن تفعل الأمور التي اعتادت عليها دائماً، حتى إنها في دول العالم الثالث، قد تضع أفكارها وعاداتها وتقاليدها في مرتبة المقدسات، والتي لا يجب أن تمس، وتحارب «بشراسة» أي محاولة في إعادة قراءة هذه المفاهيم من منظور آخر، ملخص حديثي حتى هذه النقطة أن التغيير في المجتمعات وأفكارها، ليس بعملية بسيطة، وأنه من المتوقع أن تواجه بحرب ضروس.

قد أكون من المحظوظين الأوائل، والذين استطاعوا مشاهدة الفيلم البحريني «حنين»، في مهرجان الخليج السينمائي في دبي قبل شهر، والذي يتناول موضوع الطائفية في قالب بحريني بأسلوب لا يمكن وصفه الا بالجريء جداَ، وكأي فيلم أخذ حقه من النقد إيجاباً وسلباً، وكان محور نقاشنا بعد العرض الأول بشأن ردة فعل الناس بعد عرضه، وكان رهاننا أن الاصوليين من الطرفين أول من سيحاربون الفيلم كونه يعري المتطرفين منهم.

وقبل أن يعرض في دور السينما بعدة أشهر بدأت الانتقادات المحمولة بهجمة شرسة كانت تفتقر الى الموضوعية في طريقة السرد وصوغ المحتوى والتي تم تحويرها لبناء صورة سلبية عن الفيلم لا غير بأسلوب بعيد جداً عن النقد البناء يهدف الى قتل هذه التجربة في المهد، والذي لا يسعى بكل تأكيد إلى تطوير تجربة السينما البحرينية الحديثة.

قد يكون طاقم عمل الفيلم على علم بمدى الهجمة الشرسة التي قد يواجهها الفيلم وأن هذه ليست سوى البداية وأنه من المتوقع ان تكون هناك محاولات أشرس وأعنف من هذه بكثير فهذه هي ضريبة التغيير، واني على أمل أن يستطيع الفيلم تحريك ولو الشيء القليل ما بداخل من يشاهده.

الحيادية والموضوعية كانتا سمة الفيلم البارزة، لم أشعر ولو للحظة ميل الفيلم إلى أي طرف أو جهة سواء من الجانب السني أو الشيعي أو اليساري أو الحكومي أو غيره، الكل يطرح نظرته للحياة بطريقته سواء كانت ضيقة أو بعيدة المدى، لقد شعرنا كمتفرجين بأننا جزء من هذا العمل وهذا بدوره يعتبر نجاحاً لما قدمه المخرج والكاتب والممثلون الذين أبدعوا في تقديم واقع حقيقي لمجتمعنا المحلي والخليجي بل الكثير من أبناء المنطقة شعروا وأحسوا بما شعرنا وأحسسنا به.

«حنين» لم ولن يكون فيلماً عادياً بل ما أثاره في الأوساط الفنية يشير إلى مدى تفوقه في طرح قضية شائكة لم تتطرق لها السينما الخليجية على رغم حداثتها وهذا أمر يحسب للقائمين على الفيلم، وأتوقع بأنه سيلقى إعجاباً كبيراً من الجماهير في البحرين وخارجها، وألف مبروك لطاقم العمل على هذا الفيلم الرائع الذي حرك أحاسيس كثيرين.

الوسط البحرينية في

21/05/2010

 
 

الممثل الكردي شوان عطوف :

نعد لمهرجان يستفزّ المسؤولين

قيس قاسم

ما إن أعلن عريف الحفل فوز فيلم «ضربة البداية» بجائزة أفضل فيلم روائي في الدورة الثالثة لمهرجان الخليج السينمائي حتى انهمرت دموع الممثل شوان عطوف فرحا. لقد شعر ان الدور الرئيسي الذي لعبه وصل الى الناس وثمن من قبل حكام المهرجان. كانت فرحته غامرة ففرحة النجاح حلوة ورائعة في كل المناسبات. بعد ساعات طويلة تلقى خلالها التهاني من الضيوف والجمهور، اتفقت معه على موعد لقاء .

اتفقنا على ان يكون اللقاء في اليوم التالي، وفي بهو فندق المهرجان. بدأ حوارنا عن مشاريع شوان الشخصية والحركة السينمائية في كردستان، وفوجئت بخبر نقله إلي يفيد بوجود مشروع جديد هو تأسيس قناة تلفزيونية كردية مختصة بالسينما. عن هذا المشروع قال انه يهدف الى فتح قناة فضائية تُعنى بالسينما، تقدم الأفلام الجادة من كل العالم ومترجمة باللغة الكردية. مهمتها في الدرجة الأولى تشجيع السينما جماهيريا والاهتمام بالسينمائيين الأكراد من خلال عرض نتاجاتهم. فمعظم الأفلام الكردية تعرض الآن في المهرجانات والناس لا يستطيعون مشاهدتها في صالات العرض المحلية. هذه الفضائية توفر الفرصة الجيدة للجمهور والمعنيين للتفاعل مع المنتج السينمائي الكردي .

وعن ملامح هذه السينما يمضي شوان: السينما الكردية بدأت نهضتها تقريبا بعد السقوط وهي ذات خطاب جمالي وفكري جميل وتدعو الى التسامح ولهذا فأنا متفائل بالمستقبل مع الحاجة الى التركيز على عمل الشباب الذين بدأوا في الظهور في كردستان ويعملون في مجالات متعددة، من التمثيل حتى العمل على التقنيات الحديثة .

قادنا المشروع الى الحديث عن مشكلات السينما في كردستان والتي يرى شوان انها لم تؤسس على منهجية. بمعنى انها تفتقر الى المعارف الأكاديمية والتي نعوضها الآن بتأسيس تجمعات سينمائية تشبه نوادي سينماتيك بين مجموعة من الأصدقاء، وتوصلنا مؤخرا الى فكرة تأسيس جمعية للسينمائيين مهمتها وضع استراتيجية بعيدة المدى تهدف الى استصدار قانون في كردستان ينظم عمل السينما ويؤمن دعما ماليا حقيقيا لها. ومن الأفكار الأخرى اقامة مهرجان كبير «يستفز» الجهات الرسمية ويجعلها تحس بأهمية السينما. فالاهتمام بها، خصوصاً في وزارة الثقافة ما زال ضعيفا في عموم العراق ومع غياب تقاليد المشاهدة وقلة الخبرة لا بد من وجود تخطيط لبناء دور سينما جديدة .

 وكي لا نذهب بعيدا في هموم السينما عدت وسألته عن تجربته في فيلم «ضربة البداية» فأجاب: الحديث عن «ضربة البداية» له علاقة بالملاحظة التي شددت عليها قبل قليل، أعني الحاجة الى تشجيع ثقافة المشاهدة. ومع انه شارك في مهرجانات عديدة وفاز بالعديد من جوائزها، الا ان الجمهور المحلي لم يشاهده بالشكل المطلوب. أما عن تجربتي في الفيلم، فكما تعرفون عندي تجربة سينمائية سابقة وأتمتع بعلاقات جيدة مع عدد كبير من السينمائيين العراقيين، ولي تجربة مهمة وأحبها مع صديقي حسن بلاسم في «جرح السينما»، ولهذا أشدد على أهمية التركيز على تطوير السينما في داخل العراق وتأسيس بنية تحتية جيدة لها. وعودة الى «ضربة البداية» فقد تعرفت على شوكت أمين خلال عملنا في فيلم «رائحة التفاح» للمخرج الكردي رافين عساف، على أثرها اختارني شوكت للقيام بدور البطولة في فيلمه الجديد. وللحق فقد أحببت طريقة عمل شوكت قبل هذا الفيلم خصوصاً «عبور الغبار»، ولهذا قبلت عرضه، لكن الصعوبة التي واجهتني في هذا العمل تمثلت في الفرق الكبير بين النص المكتوب والاحساس بالمكان. فعندما ذهبنا الى مكان التصوير، وهو ملعب لكرة القدم سكنته عائلات عديدة، شعرت بأن مطلب شوكت أن أنسى التمثيل وأتحرك كما لو كنت أعيش حقيقة بين هؤلاء كان صحيحا. وحينها أحسست بأن الفيلم سيكون استثنائيا. فقد كان علي العيش في الملعب والتعود عليه قبل الوقوف أمام الكاميرا. كان علي عيش التجربة وليس تمثيلها. وهذا صعب جدا. أي انك تمثل وفي الوقت نفسه لا تمثل. وللحق كانت تجربة قاسية، هكذا يصف شوان التمارين اليومية التي كان يقوم بها للتعرف على المكان تحت شمس تموز الحارقة. ويضيف: المهم ان هذا التمرين وفر لي فرصة معايشة حقيقة مع سكان الملعب. لقد شعرت بأن المشهد كان يأتي الي كاملا؛ من بيوت وأطفال وعائلات، لقد صرت جزءاً منهم، وكانت الروح التي تسودها حية، وساد المرح أجواء العلاقة، بما يشبه الى حد كبير روح معالجة الفيلم للصراع الدائر بين فرق كرة القدم التي كانت تمثل القوميات الثلاث: العربية الكردية والتركمانية. وبعد أسبوع واحد، تجاوزت كل العوائق ومنها الحر الذي كان يفرض علي أكل الطماطم مع الملح باستمرار لتعويض الأملاح التي كنت أفقدها والتي كثيرا ما سببت لي انخفاضا في الضغط، وفوق هذا كله كان الوضع الأمني في كركوك مثار قلق للجميع، فقد وصلتنا تهديدات وانذارات تدعونا الى الكف عن العمل في هذا المشروع، لكن بفضل حب الناس وقناعتهم بانسانية الفكرة استطعنا المضي في التجربة. وأضاف شوان لها عنصرا شخصيا لعب دورا ايجابيا تمثل في حب الناس له بعدما شاهدوه ممثلا في مسلسل تلفزيوني عرض قبل شهرين من العمل في الفيلم. يقول: كان الناس يدعوننا الى بيوتهم ويستضيفوننا الى موائدهم البسيطة وكأننا جزء من أسرهم.. لقد ساعدنا الناس كثيرا ولولاهم لما انتهينا من الشريط في الوقت القياسي الذي سجل، وأصدقك القول انه عندما انتهى التصوير بكيت بصمت طيلة طريق عودتي من كركوك الى السليمانية .

أما لماذا وقع الاختيار على مدينة كركوك كي تكون مكانا لأحداث الفيلم فيقول شوان: لأن موضوعه عن الصراع القومي هناك، وأيضا لأن ما أردنا ايصاله من نظرة الى المشكلة كان مهما. أردنا القول، ومن خلال القصص المثيرة التي ضمها تحت حكايته الرئيسية ومحورها مباراة لكرة القدم بين فرق شعبية من القوميات المكونة للمجتمع الكركوكلي حبكتها، أردنا القول للجميع: أتركوا السياسة جانبا وأنتبهوا الى الحياة نفسها. تعالوا نتعايش ونتقاسم الأرض وخيراتها معاً .

وحول بعض الآراء التي وصفت الفيلم بأنه منحاز الى الاكراد، وأنه مرر رسائل عنصرية فكان واضحا: على العكس، الفيلم فيه نقد للحكومة الكردية والعراقية التي تسمح للعوائل الكردية للعيش في ملعب لكرة القدم. هذا الى جانب مشهد يظهر فيه رجل أعمال ويطلب من الأكراد ترك المكان باعتبارهم متجاوزين على القانون. في هذه اللحظة تصل عائلة عربية وتطلب السكن في الملعب مجبورة على أمرها. كما أن بطل الفيلم «أسو» كان طوال الوقت يطالب اللاعبين بأن يخففوا حدتهم لأن ما يلعبونه ليس بطولة عالمية بل مباراة ودية يراد من تنظيمها بعث البهجة في قلوب الشباب لا أكثر. ما كان يهمه هو عيش الحياة والاستمتاع بها. كان خطابه خطابا تسامحيا، لم يقبل به المتزمتون ولهذا قتلوه .

وحول تركيز السينما الكردية على الخطاب السياسي قال شوان: السؤال هو: هل نبقى أسرى الماضي وعذاباته أم ننفتح على مشكلاتنا اليومية؟ أظن ان التركيز على الماضي يمثل خداعا سينمائيا يراد منه السكوت على واقعنا الذي هو بحاجة الى معالجات سينمائية تعتمد على الجماليات وتحمل ضمنا معاني وأفكارا تنشد تغيير الكثير مما هو جدير بالتغيير كموضوعات المرأة والطفل والصراع الاجتماعي والرؤية المحبة للحياة. هناك حاجة الى ملامسة الواقع من منظور انساني واسع والسينما قادرة على لعب هذا الدور .

الأسبوعية العراقية في

23/05/2010

####

مهرجان أربيل للأفلام القصيرة

مراجعة تقييمية للسينما الكردية

قيس قاسم 

40 فيلماً قصيراً ووثائقياً شاركت يوم الأحد، 2 أيار (مايو) الجاري في مهرجان أربيل للأفلام القصيرة الذي استضافته قاعة «ميديا» لأربعة أيام. شارك في المهرجان 15 فيلما قصيراً و5 أفلام وثائقية انتجتها دائرة السينما في عاصمة الاقليم، الى جانب أفلام من هولندا، النرويج، بريطانيا، وكردستان ايران وكردستان تركيا.

يأتي تنظيم الدورة الثالثة لمهرجان الأفلام القصيرة في أربيل متناسقا مع نهوض الحركة السينمائية في إقليم كردستان، التي اتسمت بإنتاج كمي ونوعي ملحوظ، خلال السنوات الأخيرة، ومن دلالاته فوز الفيلم الكردي «ضربة البداية» مؤخرا بجائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجاني بوسان الكوري ومهرجان الخليج السينمائي في دبي، ويؤشر تولي مخرجه شوكت أمين كوركي لرئاسة لجنة تحكيم الدورة الحالية على جدية التوجه الى صنع تقاليد سينمائية صحيحة، وهذا ما عبر عنه مدير دائرة السينما في أربيل شاخوان إدريس عندما أعلن لوسائل الإعلام: «ان إقامة المهرجانات السينمائية شيء عادي لكن عدم اقامتها يعد شيئا غير عادي، ولدينا من الفنانين ما يكفي للعمل في هذا المجال».
ومثل كل فعالية، فالمهرجان الفتي، يحتاج الى مزيد من التقييم ولهذا توجهت «الاسبوعية» الى انتشال التميمي بوصفه منسقا ومنظما للعديد من المهرجانات العربية والدولية، وسألته رأيه في تنظيمه والملاحظات التي من شأنها اغناؤه وتعزيز توجهاته. قال: أولا علينا أن نحيي كل شكل من أشكال النشاطات التي تنظم في العراق لدعم الحركة السينمائية، باعتبار انها تحتاج الى مزيد من الدفع في ظل غياب المساعدة الرسمية المطلوبة، وان أي مهرجان ينعقد خارج العاصمة يشكل علامة مميزة وخروجا عن هيمنة المركز، فسيطرة العواصم على معظم النشاط الثقافي من دون بقية المدن يعد قصورا ملحوظا في توزيع الجهد الثقافي في عالمنا العربي، ولهذا فإن النشاط الذي تشهده كردستان ايجابي، كونها المنطقة الوحيدة في العراق التي تولي السينما اهتماما حقيقيا وتدعمها على المستويين المعنوي والمادي. هذا جانب مهم، لكن، وإجابة عن سؤالكم أود القول، وبعد ما وصلت اليه السينما العراقية من مستوى جيد عموما والكردية خصوصا، أنه لم يعد من المقبول القيام بفعاليات قليلة النوعية. فالخبرات العراقية تراكمت، وتوافرت لدينا دراية جيدة في تنظيم المهرجانات، وصار عندنا مبرمجون ومنسقو مهرجانات، يعيش قسم منهم في كردستان والآخر خارج العراق.

أضاف التميمي: لقد حان الوقت لرفع مستوى عملنا من طابع الهواية الى المستوى الاحترافي. وكما تعلمون فان المهرجان ليس نشاطا محصورا بعرض الأفلام، وإلا لسمي ببرنامج لعرض الأفلام. مفهوم المهرجان أوسع ونشاطه يمتد من استضافة المخرجين وأفلامهم وإتاحته فرصة لقاء السينمائيين بجمهورهم مباشرة إلى حشد الإعلاميين ودعوة النقاد اليه. وبالتالي فإن على كل مهرجان أن يضع خططا تصاعدية الى جانب التحضير المبكر له وتأمين ميزانية خاصة تؤهله لوضع برنامج عروض حقيقي.
أما في ما يخص المهرجان فرأى انتشال التميمي في هذا التوجه نوعا من الانسجام وقال: إن تجميع السينما الكردية، من كل شتاتها، في مهرجان محدد الهوية أمر مهم، لأن أغلبية هذه الأفلام تنتمي الى خلفية ثقافية متقاربة ولها خصوصية معروفة وهذا ايجابي، ولكن هذا الجهد يحتاج الى استقطاب أغلب النتاج الجديد والجيد، وربما كان مهرجان السينما الكردية في لندن مثالاً يحتذى، فالمهرجان يمتاز بمستوى جيد وتمثل عروضه معظم نتاج السينما الكردية خلال عام، ولهذا أدعو الى الافادة منه الى جانب كسب التجربة من خلال العمل المنظم.

الأفلام

نعود الى الافلام. الفيلم الأول الذي تم عرضه في المهرجان كان للمخرج جدكار أربان وهو بعنوان «شاعر المنظر»، وهو وثائقي يتناول المخرج الكردي المعروف يلماز غوناي (1937- 1984)، ومن أهم أفلامه «يول - الطريق»، وهو فيلم باللغة التركية يتحدث عن معاناة أكراد تركيا. الفيلم الذي تلاه كان بعنوان «الآخر» للمخرج الهولندي بيري شلماشي، وهو يحمي قصة لاجئين أكراد في هولندا. بعده عرض «الجوز» للمخرج سوران ابراهيم سليمان، و«الأصوات» للمخرج الكردية فيلزايشك بولت، فـ«الطائرة السوداء والبيضاء» للمخرج سلام كوبي، «الشهادة» لنجاة علي ميكا'يل، «بابا جاوش» لأسو حاجي، «لنغيرها» للمخرج الكردي أوات عثمان من بريطانيا... وتوالت الأشرطة واتضح أن المقصود التقاء السينمائيين الاكراد على عرض أفلامهم وأفكارهم وتقييمها، ومراجعة التجربة السينمائية الكردية ككل.

وكانت أول دورة لمهرجان أربيل للأفلام القصيرة قد انطلقت في العام 2006 الى جانب مهرجانات أخرى منها مهرجان «نوار» ومهرجان السليمانية للأفلام الطويلة، ومهرجان دهوك للأفلام القصيرة.

الأسبوعية العراقية في

16/05/2010

 
 

"شنب" الكويتيّ "مقداد الكوت"

قصيرٌ، ينضحُ بالإيجاز، والمُفارقات

صلاح سرميني ـ باريس

أكثرَ ما يُلفتُ الانتباه في أفلام الدورة الثالثة لمهرجان الخليج السينمائي في دبيّ (8-14 أبريل 2010) اعتماد البعض منها على قصصٍ قصيرة، تُعتبر مرجعاً تأليفياً جاهزاً للمخرجين، منح بُنى أفلامهم صلابةً يفتقدونها غالباً عند اللجوء إلى أفكارهم الخاصة، ورُبما لهذا السبب، امتلك الفيلم الروائي القصير "شنب"(إنتاج عام 2010) لمُخرجه الكويتيّ "مقداد الكوت" قدراً من التماسك الدراميّ، والتوازن السينمائيّ.

عملياً، لا أعرف حجم استعارات أحداثه، وشخصياته من القصة القصيرة المُشار إليها في العناوين: "أريكة مُجنّحة" للكاتبة "ثريا البقصمي"، ولكنه يُسجلُ إشارةً وضاءةً تُشجعني على متابعة مسيرة موهبة سينمائية تمتلك إمكانياتٍ طازجة من أجل تغيير النظرة السائدة عن العداء الغامض بين الأفلام الخليجيّة القصيرة، والطويلة، والكوميديا الراقية البعيدة عن تهريج المُسلسلات التلفزيونية.

واحدةٌ من المُميزات التي يتحلى بها "شنب" هي الإيجاز في بنائه الدراميّ، والسينمائيّ (تكثيف آليّات السردّ، سيولة الانتقالات الزمنية، والمكانية) الذي يتجسّد على طول المدة الزمنية للفيلم (15 دقيقة)، تُلخّص سنواتٍ كثيرة من حياة شابٍ عشرينيّ يُعاني من عائقٍ صحيّ يمنع ظهور شاربيه كما كلّ الشباب/الرجال(في مشهدٍ واحدٍ يتزوج، وفي التالي تُنجب زوجته طفلاً، وفي لقطةٍ لاحقة، يصبح أباً لأطفالٍ أشقياء).

شخصية شنب

منذ اللقطة الأولى المُستمرّة (plan séquence)، والمدروسة بعناية (تبتعدُ الكاميرا عن حلاقٍ يُثرثر، وزبون يُهمهم، تخرج من صالون الحلاقة، بينما يدخل شابٌ من يمين الصورة، يتوقف أمام المحل، ويُشعل سيجارةً قبل أن يتكوّر في مقعد سيارته)، وحتى اللقطة الختامية المُعاكسة في حركتها (وكأنّ الأحداث تعود إلى الوراء)، تتجسّد دورةٌ حياتيةٌ مُغلقة، أو حلقةٌ فارغة يدور الشاب فيها مُستسلماً لأزمته الوجودية العبثية.

وما بين اللقطتيّن/المشهدين، تبدو الأحداث كأنها أحلام يقظة، رغبات، أو طرفة سينمائية، ومن الأفضل أن لا ينشغل المُتفرج بحقيقتها، ولكن، يتابع مُنتشياً حدثاً مأساوياً طريفاً مدعوماً بأداءٍ تمثيليٍّ نادر في الأفلام الخليجية المُبتلية بالمُبالغات المسرحية، وإن ظهرت قليلاً في "شنب"، فلأنها مقصودة تماماً، ومتوافقة مع الروح الساخرة للحكاية.

وكما البناء الدراميّ الدائريّ، يبدأ الفيلم بمُؤثراتٍ صوتية مُختفية في عتمة شاشةٍ سوداء(أزيز ماكينة حلاقة، ضربات طرفيّ مقصّ، وهمهمةٌ غير مفهومة)، وينتهي بها كما الحياة القلقة، والرتيبة للشاب.

من الخصال المُلفتة للانتباه أيضاً، تلك الموسيقى المُستخدمة باقتضابٍ، وتركيز، حيث يكتسبُ هذا المُؤثر الصوتيّ الإيقاعيّ تأثيره من لحظاته القصيرة جداً، ويتحوّل إلى علامةٍ دالة يُوظفها المخرج باستحقاق.

موسيقى سيمفونية(بيتهوفن) تعكس الطبيعة الجنائزية للشاب، وتُطعم الروح الهزلية لأحداثٍ تمتلك حدودها الدنيا، وتنسينا الأصول الحقيقية للأزمة (لماذا هو بلا شنب ؟)، وتجعلنا نتغاضى عن هذا التساؤل لحساب الاستمتاع بمزيجٍ مُتوازنٍ من كوميديا سوداء كامنة، وتراجيديا يومية.

المشهد الثاني من الفيلم، وبدون أيّ جملةٍ حوارية، وتفسيراتٍ طبية عقيمة، تجيب بإيجازٍ عاصفٍ عن ذاك التساؤل المُتسرّع، نعم، يُعاني الشاب من عائقٍ صحيّ يمنع ظهور شاربيه، الأمر هكذا، وعلينا قبوله كما هو.

بدوره، يصبح التكثيف الدراميّ طريفاً بحدّ ذاته، ميكانيكيّة الطبيب في الكشف عن هذه الحالة الغريبة، أصابعه تلامس شفتيّ الشاب المُستسلم بكآبة، يحرك وجهه قليلاً إلى اليمين، وأقلّ إلى اليسار، ومن ثم، ينتقل السرد مونتاجياً إلى المشهد التالي، لا تريد الكاميرا البقاء طويلاً في ذلك المكان، أو غيره.

 يذهب السيناريو بعيداً في زيارة حدود الهزل، ويطلق على الشاب لقب "أبو شنب"، ويضعه مع شخصياتٍ أخرى(أصدقاء العمل) تتباهى بشواربها الكثيفة، وسجائرها المُتدلية من الشفاه.

يكشف المشهد الذي يجمعه معهم في مكتبٍ حكوميّ عن المُفارقة التي يعيشها في مجتمعٍ يمنح الشاربيّن أهميةً عُظمى ـ وطنية إن صحّ التعبير ـ ، لقد تخلصت الصورة من الثرثرة الحوارية المألوفة في الكثير من الأفلام القاصرة سينمائياً، تكتفي اللقطات بتكويناتها، وتوزيع الشخصيات فيها، ومن ثمّ حركة الكاميرا من وجهٍ مُتجهمٍ إلى آخر جامد النظرات، إلى ثالثٍ ساخر الابتسامة.

أظنّ، بأنّ "مقداد" لجأ إلى حيلةٍ فنية لتقليص عدد المُمثلات (مشكلةٌ حقيقية في الأفلام الخليجية)، تلتفُ الأمّ، وأبناؤها الثلاثة حول مائدة الطعام، الأبّ غائب كما يبدو، الكاميرا خلف ظهرها، يبدو رأسها المُتشح بالسواد مثل دائرة سوداء، بينما يُشكل "أبو شنب" مع أخويه مثلثاً وهمياً تتوّسط الأمّ منتصف قاعدته، تعلكُ حوارها، وتطلب منه الذهاب لتقديم التهاني لـ"أم جاسم" بمناسبة زواج ابنها "جاسم"، "أبو شنب" لا يعرفه، أو لا يعنيه هذا الحدث البهيج، هو، بالأحرى، مشغولٌ إلى حدّ الهوس بشوارب أخويه.

تتوالى المُفارقات واحدةً بعد الأخرى، وبينما نتوقع الانتقال إلى حفل زفاف "جاسم"، يُفاجئنا المخرج بـ"أبو شنب" نفسه عريساً، ويضعنا في مأزقٍ لن نتوقف عنده طويلاً، هل الزواج حقيقيّ، أم مُتخيل ؟ ومهما كانت الإجابة، فقد وصل المتفرج إلى حالةٍ من التواطئ مع آليّات اختطاف الحكاية.

بالمُقابل، تُسيطر المُؤثرات الصوتية على شريط  الصوت، يمنحها "مقداد" الأهمية الكبرى، وتحظى الموسيقى بمقادير مضبوطة، فهي تنطلق في لحظاتٍ معينة، وبالتحديد، في كلّ مرةٍ يستغرق الشاب في مأساته/قدره، وتتحول الحوارات القليلة في الفيلم إلى ضجةٍ صوتية، رُبما لا يسمعها "أبو شنب" الغارق في معاناته، صمته، ونظراته الحزينة الذابلة.

لقد تزوج، وأثبتَ رجولته، هذا ما تؤكده عبارات التهنئة التي يسمعها من أصدقائه، وابتساماته المُستحيّة التي يتكرّم بها على نفسه، والمُتفرج.

ومع ذلك، لا يقتنعُ السيناريو بهذه النهاية السعيدة، وقبل أن تعود الأحداث إلى بدايتها، ويُطلق السيناريو مُفاجأته الكبرى .

بعد سنواتٍ طويلة قضاها "أبو شنب" مع زوجته الشابة، وبدون مقدماتٍ، وتفسيراتٍ، تقول له:

ـ ما ريدك، ما ريدك، ريحتك خايسة (لا أريدك، رائحتك قذرة).

المشهد الأخير من الفيلم (قرين المشهد الأول) يُوحي بأنّ أحداث الفيلم ذكريات(Flashback)، خيالات، أوهام، أو يومٌ جديدٌ داكنٌ، وماطرٌ مثل حالته البائسة.

حتى الأمطار، مثل الموسيقى، تهطلُ فجأةً، وتتوقف فجأةً، كي تعبّر عن حالةٍ ذهنية أكثر منها واقعية، وتُضاعف من حدة المُفارقة/ات التي يعيشها الشاب في بلدٍ يندر هطول الأمطار فيه، كما حليقي الشارب.

في بداية الفيلم تراجعت الكاميرا، وخرجت من صالون الحلاقة، وفي نهايته، تنعكسُ حركتها، تتخطى الشاب، وتقترب من الحلاق، وزبونه،...

وينتهي الفيلم بنفس المُؤثرات الصوتية المُختبئة في شاشةٍ سوداء (أزيز آلة الحلاقة، ضربات طرفيّ المقصّ، ثرثرة الحلاق، وهمهمة الزبون).

********

مقداد الكوت:

من مواليد عام 1983، حاصل على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة الكويت، عمل مساعد إنتاج، وإخراج في العديد من الإعلانات التلفزيونية لصالح جريدة، وتلفزيون الوطن.

كتب، وأخرج عدداً من الأفلام القصيرة.

ـ جمال عقل خالد - 17 دقيقة ـ 2007.

ـ مفارقات -  23 دقيقة ـ 2008 .

ـ موز - 25 دقيقة، 2009.

ـ شنب - 15 دقيقة ـ 2010.

الجزيرة الوثائقية في

24/05/2010

 
 

ضربة البداية..

من الصعب جداً أن تكون السينما بهذه السهولة

فراس الشاروط

الحب: سمة البشرية التي نعيش ونموت من أجله، نعيش الحب من أجل حبيباتنا ونموت حبا من أجل البلاد، الحب بذرة الخير التي وضعها الرب في الإنسان كي نحارب بها أشواك الشر ،مثلما نحارب يوميا أحلامنا ومآسينا وأفراحنا من أجل أن نعيش لحظة سعادة بحب في عالم أفضل.رحلة حب (آسو وهيلين) الصامتة إلا من لغة العيون تنتهي قبل أن تبدأ بموت آسو ،

فيما ستعيش هيلين على أنقاض الذكريات، هذا أن وجدت ذكريات في عالم بائس، فالحياة ليست مباراة كرة قدم، والموت حبا هنا يربط مصير الفرد بمصير البلد.

بإمكانيات مادية صغيرة ورؤية فنية شديدة الرهافة مصورة بالأسود والأبيض يحقق المخرج العراقي شوكت أمين كوركي فيلمه الطويل الثاني (ضربة البداية) الذي استحق بجدارة الجائزة الأولى في مهرجان الخليج السينمائي الثالث.في ملعب كرة قدم مهجور بمدينة كركوك اتخذت منه أكثر من (100) عائلة مسكنا لهم في بيوت من الصفيح وجريد النخل وبقايا أقمشة ليصبح مأوى للاجئين الذين نزحوا من المدينة هربا من القذائف والموت المجاني ،ديكورا طبيعيا لإحداث فيلم كوركي الجميل هذا ،في لقطة عامة يدخلنا المخرج مع بطله إلى أجواء هذا الملعب/المدينة حيث يصل (آسو) الممثل (شوان عتوف) إلى بيته حاملا شقيقه الذي بترت ساقه بعد أن سقطت كرته عندما كان يلعب مع رفاقه في حقل للألغام، من هذا البيت ينطلق المخرج ليسرد وقائع الحياة اليومية البسيطة التي تعيشها عوائل الصفيح.يقوم آسو ليلا بجلب قطعة قماش بيضاء ويربطها على قوائم أهداف الملعب بدلا من الشبكة لتصبح شاشة سينمائية ويربط أجهزة الستلايت ليعرض فوق القماشة مباراة العراق والسعودية في نهائيات كأس آسيا يوم فاز العراق بالبطولة ليوحد أطراف الشعب التي لم تختلف يوما كما أختلف السياسيون، أولى المشاحنات تأتي مع هدف يونس محمود فالأكراد يرون أن الهدف ما كان ليكون لولا تحويلة هوار ملا محمد، والعرب يرون أن يونس هو بطل الإبطال وجالب الكأس، يحاول آسو في اليوم التالي تنظيم بطولة مصغرة للصبية من العرب والأكراد والتركمان والاثوريين الذين يعيشون في الملعب سعيا منه للترفيه عنهم وعن أخيه العاشق لكرة القدم وكي لا يشعر بأنه اقل شأناً من أقرانه من جهة ولجذب أعجاب جارته (هيلين) التي تستعير منه كتب الشعر من جهة أخرى، في يوم أقامة مهرجان الكره يذهب آسو على دراجته مع صديقه لشراء كأس صغير للبطولة يقدم للفريق الفائز من محلات كركوك وهناك بحادث إرهابي يذهب آسو ضحية للعنف الطائفي الذي حاول جمعه بلعبة كرة القدم وتوحيد الصفوف مثلما فعل يونس محمود وأصحابه، فيما يحبس أخوه في اللحظة عينها نفسه بالحمام محاولا قطع شريان يده بموس الحلاقة ليتخلص من واقعه المؤلم حيث انتهت طفولته بعالم العجزة.حول شوكت أمين كوركي الملعب إلى مجتمع مصغر فقد اتخذت هيلين من مدرجاته مدرسة لتعليم الأطفال أبجدية الكلام ولو بطريقة بدائية فيما تحوم فوق رأسها طائرات الهليكوبتر، هناك المطيرجي وبائع الانتيكات والملابس ألمستعملة ، وهناك مسعى الدولة الحثيث لإخراج هؤلاء المتجاوزين العرب والأكراد من الملعب.جسد آسو الممدد على بوابة الملعب وهيلين تخرج من وسط التراب المتطاير جراء عواصف القصف راكضة نحوه لتخبره بعودتها اليه والعيش في عالم الصفيح لم تجد ما تصارحه به سوى دموعها ،فالحياة رمادية قاتمة ولا يجد الأبيض مكانه الا للحظات.تمتع فيلم كوركي بغنى بصري ورؤية تشكيلية جميلة فالصورة تحوي  أكثر من بعد وأكثر من حركة فما يجري في مقدمة الكادر يختلف عما يجري في الخلفية، ولقطاته احتوت المكان وروحه فتحولت المدرجات إلى ديكور طبيعي وجزء لا يتجزأ من الفيلم مثلما شخصياته الحقيقية التي سخرها بنجاح لادوار البطولة، ومثلما تعامل أيضا باللونين الأسود والأبيض كمعامل لحالة أبطاله وحال المدينة القاتم، إلى جانب جماليات التكوين البصري وتوظيف المكان بحرفية كانت حركة الكاميرا هي الأخرى تتحرك كما الكرة لتدور على إيقاع الحياة المهددة بالترحيل أو الموت تحت طائل الحرب اللا مجدي التي يريدها الساسة وليس النساء البسيطات.عالج كوركي بحس فني شفاف وإنسانية مسألة التعايش في ظل الخلافات القائمة بين العرب والأكراد والتركمان ولكن من دون زعيق وشعارات مجانية فجة، هؤلاء لم يجمع شملهم ويوحدهم سوى ملعب مهجور هاربين جميعا من جحيم الوطن المستعر، هذه الفكرة هي نفسها التي عالجها كوركي في فيلمه الأول عبور الغبار حين تبنى رجلان كرديان طفلا عربيا صغيرا والأدهى أن اسمه صدام. وبشفافية أكبر عالج قصة الحب المستحيلة التي أجهضت بوادرها قبل أن تبدأ.سينما رقيقة عذبة سردت آلامها بتلك البساطة المتناهية تذكرنا كثيرا بالسينما الإيرانية التي تطرح همومها بذلك السهل الممتنع، فمن الصعب جدا أن تكون السينما بهذه السهولة.نال فيلم كوركي ضربة البداية الجائزة الأولى في مهرجان الخليج الثالث مثلما حصل على جائزة تقديرية في مهرجان (دبي) السينمائي وجائزة النقاد الدوليين في مهرجان دبي أيضا، وجائزتين في مهرجان بوسان في كوريا الجنوبية هما جائزة المسيرة الجديدة وجائزة الفيلم المختار من قبل اتحاد نقاد الفيلم الدولي، وحصل كذلك على جائزة الخنجر الفضي في مهرجان مسقط السينمائي.سبق لكوركي أن حاز فيلمه عبور الغبار على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان دلهي السينمائي بالهند والجائزة الذهبية لأحسن فيلم في مهرجان اندونيسيا السينمائي.ضربة البداية أنتاج ياباني-كردي بميزانية متواضعة، لكن من قال أن الأفلام الرائعة تصنع بميزانيات كبيرة.

المدى العراقية في

26/05/2010

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)