كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

طارق الشناوي يكتب :

شنطة سفر إلى العالم الآخر!!

عن رحيل الكاتب

أسامة أنور عكاشة

   
 
 
 
 

قبل نحو عامين كان «أسامة أنور عكاشة» قد غادر لتوه المستشفي بعد أن استرد بعض صحته حيث أجري عملية استئصال جزء من الكلي.. وقتها قالت لي مذيعة التليفزيون «عزة مصطفي» إنها بصدد حلقة في برنامجها «حوارخاص جداً» مع «أسامة» وقد طلب منها أن أوجه له سؤالاً!!

بيني وبين «أسامة» الكثير من المشاغبات الصحفية.. كان «أسامة» في مرحلة زمنية عندما يقرأ مقالاً ينتقد عملاً له يسارع بالرد وفي العادة الرد يستتبع أيضاً التعقيب وندخل في دائرة لا تنتهي.. ورغم ذلك فإن هذا الجدل بيننا لم يسفر سوي عن مزيد من التلاقي الفكري إلي درجة أننا ظللنا علي مدي 15 عاماً كلما أقامت قصور الثقافة لقاء رمضانياً لأسامة يتم اختياري لمحاورته.. بدون أن يقصد أو أقصد، وتغيرت طبيعة «أسامة» ولم يعد حريصاً علي الرد، كان يكتفي بأنه قد قدم عمله الفني وهو الذي يتولي الرد بالنيابة عنه.. أتذكر أنني كتبت مقالاً عقدت من خلاله مقارنة بين مسلسلي «الحاوي» لمحسن زايد و«أهالينا» لأسامة أنور عكاشة، وكان العنوان «الحاوي بنار الفرن وأهالينا من الديب فريزر».. كان المعني الذي قصدته هو أن «أسامة» يستدعي بعض أفكار شخصيات من مخزونه الإبداعي القديم ليعيد تقديمها في عمل فني جديد.. اختلفت مع بعض مسلسلاته ولكنني مع الزمن عندما تتحول النظرة الأحادية إلي نظرة بانورامية لإبداع «أسامة» فأنا لا أري مسلسلاً ولكن خريطة متكاملة لمدرسة متفردة صنعها هذا المبدع.. ومع تعاقب السنوات اكتملت رؤية «أسامة» وظل بالنسبة لي هو الكاتب الدرامي الأول بحكم التراكم الذي حققه عبر السنوات والقفزات، حيث لم يستطع أي كاتب آخر أن يصل إلي هذا الكم من النجاح فهو الغزارة التي تمتزج بالثراء الإبداعي.. كنت وما زلت أري أن كل مبدع يخضع لحالات متباينة، قد ينجز عملاً فنياً معتقداً أنه الذروة التي ما بعدها ذروة ثم تأتي الحصيلة النهائية بالسلب.. الصورة الإبداعية أراها وقد اكتملت بعد أن وصل إلي خط النهاية.. إنه الكاتب النجم الأول بلا منازع، هذه حقيقة لا يستطيع أحد أن يقفز فوقها أو يتجاهلها لسبب أنها تخضع للرقم.. «أسامة» لم يكن يوماً صوتاً للدولة ولم يقبل أن يتم وضعه تحت مظلة صوب الدولة التي تحيل المبدع إلي آلة تخدم النظام، كانت لدي «أسامة» قناعة بأنه ينبغي أن يظل صوت نفسه.. صحيح أنه دفع الثمن لأنه كثيراً ما اصطدم بالدولة.. حتي إن حلمه لتقديم فيلم عن حرب أكتوبر ورغم أن كل المؤسسات السيادية قد وافقت ومنحت ضوءاً أخضر للفيلم فإن هجمة شرسة تعرض لها قالت إنه ليس ساداتياً وأكتوبر محسوب للرئيس «السادات» فكيف يكتب فيلماً عن انتصار أكتوبر؟!.. ولم يكن «عكاشة» ضد «السادات» ولا يمكن أن يغفل أيضاً حقيقة تاريخية لكنهم انتصروا عليه وقتلوا مشروعه وظل هذا الجرح غائراً.. كان «أسامة» يقول دائماً إنه يقدم أكتوبر من خلال الجندي الذي حارب وليس رصداً للقادة الذين اتخذوا القرار.. ولم تفلح محاولاته وواصل المشوار رغم آلام الجرح.. نجح «أسامة» أن يراهن علي الإبداع وأن يجد لنفسه متنفساً، صحيح أنه كان يقف في منطقة متوسطة، حيث لم يصطدم بالنظام وأيضاً لم يسمح للنظام بأن يغتاله فكرياً.. لم يقل كل شيء وأيضاً لم يقل ما يريده النظام، كان يعلم أن البعض مسموح به وليس الكل ومن حقه تحقيق بعض أحلامه فقط، وفي ظل غطاء من الدولة قال ما يستطيع في إطار هذا المناخ.. إنها القيمة التي تستطيع النفاذ في الصخر.. لم يكن كل إبداع «أسامة» يستهويني ولكن ظللت لديَّ هذه الصورة التي رسمها «أسامة».. قلت إنه أقام حدائق إبداعية مترامية الأطراف لها سور وأن أغلب من كتب دراما بعد «أسامة» أخذ بعض ثمرات هذه الحديقة وأن المطلوب أن يأتي جيل يقفز فوق السور الذي صنعه.. علي الجانب الآخر كان «أسامة» يعتقد أنه لم يبن سوراً ولكنه وضع علامات علي الطريق، وأضاف إذا كنت بنيت سوراً فأنا أعلم جيداً أن الزمن القادم قادر علي أن يخلق مبدعين وجيلاً آخر يقفز فوقه.. وحكي «أسامة» عبر نفس البرنامج أن أحد أصدقائه قال له لديك «زير» وكل من جاء بعدك ألقي «كوز» وأخذ ما تيسر.. قلت لأسامة وأنا أتحسس كلماتي وحتي لا أخون الحقيقة إنه مسافر إلي رحلة الخلود ووضع في حقيبته كل مسلسلاته البالغ عددها 43 مسلسلاً ولكن المسئول عن إنهاء إجراءات السفر قال له ينبغي أن تتخلص من ثلاثة مسلسلات لأن الوزن زائد وعليك أن تسارع بإنهاء الإجراءات علي الفور قال «أسامة» للمذيعة "طارق" يقصد أكثر من ثلاثة مسلسلات طلبت منه المذيعة أن يذكر أسماء أجابها أنه سوف يترك الحقيبة كلها ويصعد للطائرة غير مثقل بهذه الأحمال ويكتب هناك في عالم الخلود مسلسلات أخري.. أتذكر مرة في برنامج قديم في الإذاعة أن "نجاة" سألت الشاعر «كامل الشناوي» عن الصفة التي يسافر بها للخلود هل يحمل أشعاره أم مقالاته كصحفي؟ أجابها أسافر كشاعر وهناك أمارس الصحافة.. «أسامة» مارس أيضاً الكتابة الصحفية ولكنه لن يصطحب معه شيئاً به ربما قال ذلك كنوع من الهروب فهو لا يريد أن يضحي بأي عمل فني كتبه.. هو يدرك أن بعض الأعمال متواضعة فنياً إلا أنه في نفس الوقت لا يريد إحراج من شاركوه فيها أو يحملهم المسئولية وانتهي الأمر إلي أنه قال إن من بين كل هذه المسلسلات يعيش له في التاريخ 20 مسلسلاً وهو ما يقترب من 50% من مجموع مسلسلاته وربما أنا أري أن ما تبقي لأسامة 30 مسلسلاً نشاهدها مع الزمن وأيضاً نستمتع بها هذه هي قناعتي وهي نسبة ضخمة لا أتصور سوي قلة فقط حققوها.. لو راجعت أفلام «صلاح أبو سيف»، «يوسف شاهين»، «كمال الشيخ»، «عاطف الطيب» لن تجد أحداً قد تجاوز هذه النسبة بين أعمالهم القادرة علي الحياة.. ويظل أن رهان المبدع يصطدم عادة بمحاذير عديدة وهو يراوغها هنا أو هناك.. «أسامة» في حياته كان حزيناً علي مسلسل راهن عليه كثيراً وجاء فشله كبيراً أيضاً إنه «لما التعلب فات» لم يحدث أن شعر «أسامة» بخسارة إصابت قيثارته الإبداعية إلا مع الهزيمة التي مني بها هذا المسلسل وهو أول لقاء بين النجمين الأقرب إلي «أسامة» هو نفسه يقول دائماً إنهما الأكثر إبداعاً «محمود مرسي» و«يحيي الفخراني» وبعد أن ينجح في أن يجمعها معاً ثم يفشل كان هناك قصور في الرؤية التلفزيونية للمخرج «محمد النجار» فلم يستوعب التفاصيل.. رغم ذلك بنبل الفرسان يعلن «أسامة» أنه لن يلقي بالتبعية علي أحد.. هل كنا ننظر إلي «أسامة» بعد الرحيل غير «أسامة» الذي كان قبل أيام يسعي بيننا؟.. أزعم أنني تحدثت عنه في أكثر من أي قناة فضائية بحياد وما قلته بعد رحيله بساعات هو بالضبط ما كنت أكتبه في حياته.. فأنا لم أكن أري مثلاً أن «أسامة» قدم للسينما إبداعاً له وهج خاص قلت هذا في حياته ولا تزال هذه قناعتي.. صحيح أنه مع «عاطف الطيب» له فيلما ن «كتيبة الإعدام» و«دماء علي الأسفلت» ولكنهما لا يقفان متوازياين مع إبداعه التليفزيوني «ليالي الحلمية»، «الشهد والدموع»، «الراية البيضاء»، «أبو العلا البشري».. إبداع خاص وقيمة ينبغي أن نذكرها لكن البعض تعود القسوة علي الراحلين وحتي ودماؤهم لا تزال ساخنة تحت التراب!!

الدستور المصرية في

01/06/2010

 

دون أن يتصدر جنازته كبار رجال الدولة..أسامة أنور عگا شة وزير دفاع الدراما المصرية

ماجدة موريس

حكامنا لم يعد لديهم شوامخ إلا أبطال كرة القدم ورموزهم سياسيون وعسكريون فقط

اكتب هذه الكلمات وكلي مرارة وحزن علي رحيل الكاتب والمفكر الكبير أسامة أنور عكاشة، وسأبدأ بالمرارة، فقد كنت أتصور أن يتصدر جنازته كبار رجال الدولة وعلي رأسهم رئيس وزراء مصر أحمد نظيف، ولن أقول السيد رئيس الجمهورية

لكن علي الأقل مندوبا فوق العادة عنه، فهم في هذا النظام فعلوا ويفعلون ذلك مع من هم أقل منه شأنا، بل إن بعضهم أصفار لن يذكرهم أحد، لكن هذا لم يحدث ، ولم يحدث أيضا اهتمام بوداع الكاتب الكبير من خلال «ترمومتر» الاهتمام الرسمي في تليفزيون الدولة، وأعني بها نشرات الاخبار علي القناة الأولي.لو أن هناك من يعي ويحلل علاقة النظام برموز التنوير في مصر عبر ثلاثين عاما، سيكتشف أن أسامة أنور عكاشة هو أحد رموز الثقافة والفن في مصر مثله مثل كل شوامخها الذين واريناهم التراب، من أم كلثوم إلي محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، ومن طه حسين إلي نجيب محفوظ إلي فؤاد زكريا وغيرهم عكاشة رمز مماثل، ولكن في الدراما التليفزيونية ، والبعض يطلق عليها الأدب المتلفز، وهي دراما انطلقت بكل قوتها في هذا العهد، أي ما ظل حكم الرئيس مبارك منذ ما يقرب من الثلاثين عاما، حيث سطعت أعمال هذا الكاتب الكبير عبر التليفزيون المصري، تماما كما سطع اسم عبد الحليم حافظ مع عهد جمال عبد الناصر، لكن يبدو للأسف أن حكامنا لم يعهد لديهم شوامخ إلا ابطال كرة القدم، ولا رموز سوي السياسيين والعسكريين مع كل الاحترام والتقدير لهم.

أما الثقافة والفن فهما علي الرف، فمن هو أسامة أنور عكاشة حتي ترتفع قامته إلي درجة الوداع اللائق به، مع أن العكس هو الصحيح، فكثيرون من هؤلاء لم يذكرهم أحد علي الإطلاق، بينما سيخلد التاريخ أسامة أنور عكاشة بأعماله التي تركت بصمة لدي كل واحد وواحدة من الملايين الذين شاهدوها واستعادوها مرارا.. ولهذا يأتي الحزن علي رحيل هذا الكاتب الكبير الذي استطاع أن يعيد الأمور إلي نصابها في عالم الدراما، وأن يتحدي الكثيرين من تجار الفن وادعيائه بتأكيده أن الكاتب هو العنصر الأول لنجاح المسلسل الدرامي أوالفيلم السينمائي وليس المعد أو النجم أو المخرج، واستطاع أسامة أنور عكاشة أن يؤكد هذا عمليا حين استعاد للمؤلف التليفزيوني نجوميته وقامته التي اهتزت كثيرا حين اهتزت اشياء كثيرة أخري في المجتمع، وخيل للبعض أن أي كاتب جدير بالمشاهدة، وأي حوار جدير بالاستماع إليه، أعاد أسامة أنور عكاشة التأكيد علي أهمية وقيمة العناصر الفكرية والثقافية في عملية خلق العمل الفني، وأنه بدون فكر الكاتب ورؤيته العميقة لقضايا مجتمعه واستشرافه لما يمكن أن تصل إليه الأمور في الأيام القادمة يفتقد العمل الكثير، والكثير جدا.. واذكر هنا هذا المشهد غير المسبوق الذي قدمه في نهاية مسلسل (الراية البيضاء) منذ عشرين عاما لأول اعتصام في تاريخ مصر احتجاجا علي هدم فيللا تاريخية في أحد أحياء الإسكندرية استطاعت إحدي النساء الثريات، وكانت بائعة سمك، الاستيلاء عليها بكل الطرق من أجل بناء برج سكني مكانها وجني المزيد من النقود، هذا المسلسل هو شهادة ضمن شهادات كثيرة لأسامة سبق فيها المجتمع ليضع يده علي ما ستصل إليه تفاعلات الانفتاح الاقتصادي المهلهل الذي أتاح للبعض هدم كل شيء بلا حدود، وأذكر هنا أن رقابة التليفزيون رفضت مشهد الاعتصام الذي جلس بموجبه صاحب الفيللا الأصلي الدكتور ابو الغار، ومعه جيش من المثقفين والعمال والموظفين وكل الفئات، جلسوا في الشارع أمام البلدوزرات لمنعها من الهدم وعبثا حاولت المعلمة «فضة» أن تحث قائدي البلدوزرات علي الاطاحة بهم ولكن.. كان هذا مستحيلا رفضت الرقابة المشهد، ودخل المخرج الكبير محمد فاضل مع المؤلف أسامة أنور عكاشة في صراع معها، قالا وقتها أن مشهدا واحدا في نهاية عمل درامي لن يقيم ثورة في مصر، ومر المشهد، ولم تقم الثورة كما قالا، ولكنه، أي مشهد الاعتصام، سجل في ذاكرة المصريين جميعا ممن شاهدوا هذا العمل الفني البديع، وأضاف للدراما درجة عالية من الجرأة والمصداقية بجانب الابداع لأن الكاتب كما قال أسامة مرارا، ليس عمله تسجيل ما يحدث والتأسي عليه، ولكن البحث فيه والتنقيب عن اصوله والحوار حوله.

هوية مصر

ومن هنا استطيع أن أقول إن أسامة أنور عكاشة في رحلته الابداعية الطويلة مع الدراما التليفزيونية والتي تقترب من عمر التليفزيون المصري نفسه إلا سنوات قليلة كان لديه مشروع فكري طموح أهم ملامحه هو البحث والتنقيب عن ذات مصر الثقافية وأصولها في كل من يعيش علي أرضها قادما من أصول وأعراق مختلفة، لم يتخل عكاشة عن مشروعه وعن سؤاله عن هوية مصر الذي نلمحه في أكبر عدد من أعماله المهمة من المشربية إلي أبواب المدينة إلي ليالي الحلمية إلي أرابيسك إلي زيزينيا إلي المصراوية أخيرا.. وربما كان هذا المشروع الذي أرقه كثيرا هو جزء مهم من تميزه وسطوعه ككاتب تليفزيوني قدير، خاصة أنه جاء إلي عالم دراما التليفزيون ليجد اسماء سبقته، وأسماء صعدت معه في زمن كان التليفزيون فيه هو رهان مصر بعد ثورة يوليو علي إعلام مختلف، وعلي فن وثقافة أخري، وهو ما أتاح الفرصة للكثيرين من الموهوبين للدخول إلي ساحة العمل التليفزيوني في كل فروعه في بداياته دون واسطة أو محسوبية..

ولقد أتيح لي متابعة هؤلاء منذ بدايات السبعينيات، وحيث كانت دراما التليفزيون قد حققت بعض الامجاد في بداياتها عبر اسماء كبيرة لمؤلفين ومؤلفات لهم تاريخهم الذي صنع هذا المسمي (الدراما التليفزيونية) بدءا من رأفت الميهي ، مصطفي محرم، محفوظ عبد الرحمن، كرم النجار، جلال الغزالي، ممدوح الليثي، مصطفي كامل، عاصم توفيق، كوثر هيكل، فايز غالي، وفية خيري، محسن زايد، بهيج اسماعيل، فتحية العسال، لينين الرملي، محمد جلال عبد القوي، فراج إسماعيل وفيصل ندا، عدا اسماء أخري لم تستمر لأسباب عديدة سواء بالوفاة المفاجأة مثل الكاتب الراحل أحمد المحمدي، أو بسبب الهجرة مثل الكاتب عماد نافع أو العمل بالخارج، وفي هذه المرحلة وما قبلها، أي بعد بدايات البث التليفزيوني ، بدأت دراما الفيديو تشق طريقها كفن وليد من خلال تمثيليات نصف الساعة والساعة والساعتين حتي وصلت للسباعية ثم كان اقصاها مسلسل من 13 حلقة، باستثناء الحلقات الشهيرة الممتدة(القاهرة والناس) التي قدمت نقدا اجتماعيا غير مسبوق للأوضاع في الوطن في ظل الناصرية وكانت الوعاء الذي خرج منه عدد كبير من نجوم الدراما وعلي رأسهم نور الشريف، كما صنعت نجومية مخرج التليفزيون وبزغ فيها نجم محمد فاضل والمؤلفان مصطفي كامل وعاصم توفيق، في هذا المناخ بزغ اسم أسامة أنور عكاشة بصدق عندما تحول من كاتب قصة تتحول إلي سيناريو علي يد آخرين إلي مؤلف تليفزيوني يحول ما يكتبه من قصص إلي تمثيليات، ثم جاءت الفرصة من خلال تحريض صديقه المخرج فخر الدين صلاح علي كتابة مسلسل كامل، وبالفعل كتب اسامة (المشربية) ليخرجه صلاح وتحقق نجاجا كبيرا ثم (ابواب المدينة) التي أعلنت عن مولد كاتب له قضية ورؤية فيما يحدث للناس في هذا التوقيت، ونموذج يتمتع بقدرات غير عادية في صياغة الدراما الممتدة التي تقترب من مصطلح الدراما الملحمية في الدراما الإغريقية.

ثم تأتي القفزة الثانية في تاريخ أسامة عكاشة، حينما يقدم الجزء الأول من مسلسله (الشهد والدموع) والذي عرض في مصر في شهر رمضان عام 1976 بصفته انتاجا خليجيا وكانت الفترة هي فترة ازدهار الانتاج الدرامي المصري عبر شركات الإنتاج الخليجية التي نشأت في مصر عقب ما سمي بالانفتاح الاقتصادي، وكان التصوير يتم في ستديوهات مصر، والكويت ودبي وعجمان وغيرها وحتي في اليونان والمانيا، وكان هذا المسلسل من انتاج ستديوهات عجمان، وحيث فوجئ الجميع بعمل درامي قوي معبر يعكس واقع الحال في مصر في مسألة الصراع الاجتماعي وصراع الطبقات، من الذي دافع عن الوطن.. ومن قبض الثمن، وكان هذا مناقضا للأعمال التي كانت تنتج عبر التليفزيون المصري نفسه وتحاصرها الرقابة بالحذف بلا رحمة، وأذكر أنني وغيري كتبنا وقتها بكل اعجاب عن (الشهد والدموع) مطالبين بعرضه كاملا، فالمشاهد المصري لا يمكن أن يكون مواطنا من الدرجة الثانية في عمل يخصه بالدرجة الأولي، وحين عرض نال اعجابا كبيرا، خاصة مع اجتماع قدرات وموهبة هذا الكاتب الذي كان واعدا وقتها مع مخرج مناضل من طراز اسماعيل عبد الحافظ يبدع في صناعة صورة تؤكد كل المعاني التي يقصدها المؤلف، ولم ينته عرض الجزء الأول من (الشهد والدموع) فعليا بعد نهاية عرضه، وانما كان هذا العمل الكاشف المبهر عن صعود موهبة بحجم موهبة اسامة مؤكدا أنه سوف يقدم الكثير للدراما المصرية لو استمر، والاستمرار كان يعني هنا ضرورة إن تتاح له فرصة تقديم الجزء الثاني من المسلسل، لكن الموقف كان قد تغير علي الساحة الإنتاجية فقد اكتشفت الشركة الخليجي المنتجة للجزء الأول أنها خسرت وبدأت تصفي حسابات إنتاج المسلسلات كافة. أما الأمر الثاني فهو أن التليفزيون المصري لن يقبل أن يقدم جزءا ثانيا من عمل قدمته شركة قطاع خاص خليجية، وهنا قام الاعلام المستنير بدوره وقام النقاد وقام المثقفون والناس الذين تضامنوا مع عمل يعبر عنهم ويطرح فكرة التمسك بالقيم الرفيعة والانحياز للمواطنين العاديين في أغلبيتهم وينحاز للمواطنة، وكنت ضمن المتضامين مع هذا العمل والداعمين لإنتاج جزء ثان منه بواسطة تليفزيون مصر، وقد أفلحت هذه الحملة غير المسبوقة، وهذا التضامن في دفع المسئولين عن الإعلام المصري للموافقة علي انتاج الجزء الثاني من (الشهد والدموع) وهكذا تم تصويره وعرض في سابقة أولي لم تتكرر أبدا بعدها، وإنما جاء التعاون بين العام والخاص من خلال قواعد وشروط أخري، وفي زمن آخر.

الليالي

ثم كتب أسامة أنور عكاشة رائعته (ليالي الحلمية) في جزئها الأول ليحقق نجاحا خارقا مع المخرج اسماعيل عبد الحافظ ايضا ولتكر الاجزاء حتي الخامس، في (الحلمية) ومن خلالها اصبح اسامة كاتبا له ملامح مميزة، شخصياته لا تشبهها اي شخصيات أخري في دراما التليفزيون، فيها مزيج من الصدق والكبرياء والقوة والضعف والمحبة والعشم، ولهذا تعيش شخصيات الحلمية معنا حتي اليوم، فقد خرجت من داخل جدران الدراما لتصبح بطلة ونموذجا للشخصية التي لا تنسي لأن بداخل كل منها جزءا منا أو حلما يراودنا.. بعدها أصبح (أسامة) هو نجم نجوم الكتابة للتليفزيون، لكنه لم ينس ابدا مشروعه للبحث عن هوية مصر والمصريين ظل متمسكا به، وهو يقدم عملا تلو الآخر.. وحتي اللحظة الأخيرة.. فتحية لهذا المبدع الكبير الذي رحل ولكنه باق بقدر ما اعطانا.

الأهالي المصرية في

02/06/2010

 

«الفارس الأخير».. والباحث عن الهوية المصرية سافر إلي الكويت وعاد تاركاً لهم خطاباً..

«لم أستطع العيش خارج مصر»

نسمة تليمة

إذا جلست أمامه لن تملك سوي الإنصات بكل حواسك لهذا الرجل القادم من زمن الحب، لأنه ببساطة يحدثك بحماس الشباب وخبرة التجربة، قد نعتبره أحيانا مشاغبا محقا وأحيانا أخري يعبر عما يدور بداخلنا، ظل يبحث عن الهوية المصرية ويرسم ملامح لها علي مدار أعماله الفنية سواء كان في الدراما أو علي شاشة السينما أو حتي علي المسرح، أعاد اكتشافنا جميعا ليرسم شخصياته بريشة ابن البلد الشهم وبعقل العربي المهموم بهموم وطنه، فمن يحاول أن يتعرف علي الشارع المصري عن قرب لا يتردد في متابعة أحد أعماله وهو يسلم له حواسه كاملة ليسمع ويعقل ويشاهد ويكون الصورة الجميلة «لمصر الحلوة»، اعتبر نفسه من البداية باحثا بالدرجة الأولي عما يوجد داخل هذا الصندوق المغلق - الإنسان المصري - وأخذ علي عاتقه مهمة إخراج أجمل ما فيه فرسم شخصية العامل الجدع والباشا الرأسمالي الذي يتحلي أيضا بشهامة المصريين لهذا فهو صاحب اختراع: العمدة سليمان غانم وسليم البدري والسيد أبوالعلا البشري وحتي الخواجة الإسكندراني جريجي لكن مصراوي جني.
أسامة أنور عكاشة الذي حمل داخل طيات اسمه تميزا خاصا حتي في تركيبه الثلاثي ليعلن بقوة عن كاتب صاحب رؤية مختلفة في زمن قل فيه الاختلاف، والذي مهما كانت السطور القادمة فلن تزيد شيئا فقد رحل عنا معلنا أنه «اضطر يحلم بنفسه» واستحق حلاوة الحياة وضحكة البشر، ليسكن حضن المحبة والناس الطيبين، ذلك الرجل الذي لمسنا من قبل في حديثنا وجعه الدائم وحبه الأبدي «لمصر» فشكل تفكيرنا جميعا منذ الصغر عندما قدم نموذج أبوالعلا البشري صاحب القيم والمباديء ورسم ملامح المصراوية في الرايا البيضا.. نحاول أن نبحث عن تلك الملامح الآن داخل ضمير أسامة أنور عكاشة وأعماله الخالدة.

أسراره وحياته

بداية قدم الكاتب مختار أبوسعدة أسامة أنور عكاشة في كتاب يروي فيه تفاصيل حياته فوصفه بشيخ المؤلفين والكتاب مؤلف جعل للبسمة طعم والضحكة من القلب هذا تحت عنوان يحمل اسمه «أسراره وحياته» بدأ معه منذ مرحلة الطفولة حيث اليتم المبكر والتعلم في كتّاب القرية وعشقه للغة العربية ووفاة والدته وهو في سن العاشرة من عمره، والتحاقه بكلية الآداب وحلمه بدخول قسم اللغة الإنجليزية والتحاقه الفعلي بقسم الدراسات النفسية والاجتماعية لتبدأ مرحلة جديدة في حياته يحل فيها ضيفا علي بيت خاله بالقاهرة وينفصل عن أسرته ويعيش حياة المغتربين ثم العمل بعد التخرج في مديرية التربية والتعليم وزواجه وإنجابه وظروف الحياة الصعبة التي كانت تجعله يستدين من أجل الراتب الضئيل وسفره للكويت وصعوبة استكماله للحياة بعيدا عن مصر وعودته، ثم المرحلة الجديدة من الكتابة في عام 1975 وأعمال توالت مثل المشربية والحصار ثم رائعته الشهد والدموع وليالي الحلمية وبداية شهرته حتي ضمير أبلة حكمت والعمل مع فاتن حمامة وخصص الكاتب أيضا فصلا أخيرا من الكتاب عن مرض عكاشة ومعاناته.

حبه الأول

الفنان محمود الحديني عمل مع عكاشة في أكثر من عمل منها مسلسلات «الحصار، الفارس الأخير، المشربية، الرايا البيضا، أخيرا المصراوية» يقول لا يوجد عمل كتبه أسامة في الدراما التليفزيونية أو علي المسرح إلا وكان الإنسان المصري هو شغله الشاغل وهمه الأول فهو مدافع شرس عن الهوية المصرية، ويقول الحديني إن أسامة كان واضعاً في اعتباره أن يختتم هذا بخمسة أجزاء من «المصراوية» ليعود مرة أخري إلي كتابة القصة القصيرة «حبه الأول» ولكن القدر لم يمهله ففي المصراوية حاول أن يرصد تطور الشخصية المصرية اجتماعيا وثقافيا عبر فترة مهمة هي أفول الدولة العثمانية وصحوة الشعوب وأعقبها ثورة 1919، ويري الحديني أن أسامة أنور عكاشة لا يكتب اعتباطا ولكن يملك فكرا واعيا ويملك مقدرة علي صياغة الحوار لهذا فالممثلون لا يملكون حذف أي كلمة لأهمية حواره بشدة فيجد الممثل الشخصية مشبعة دراميا.

ويقول الحديني إنه منذ البداية لاحظ هذه الميزة في عكاشة ففي المشربية رفض التواكلية ودعا الناس للبحث عن الكنز الحقيقي وهو العمل بأيديهم وفي «الرايا البيضا» طرح الرأسمالية الجاهلة حتي في عفاريت السيالة تكلم عن أولاد الشوارع.

من مميزات عكاشة أنه كان يقوم بعمل «بروفة» علي العمل مع المخرج والممثلين علي مائدة ليضع الملاحظات وبمجرد انتهاء البروفة يكتمل العمل ويبدأ التصوير وهو يعتز بحواره بشدة وهو ما جعل إسماعيل عبدالحافظ يكلف مساعد مخرج مخصوص لمتابعة الحوار مع الممثلين حتي لا يتركوا منه كلمة، ويضيف الحديني أنه أثناء توليه رئاسة المسرح القومي طلب من عكاشة مسرحية فكتب «الناس اللي في الثالث» وفي عز الظهر، ليلة 14 وجميعها حققت نجاحا.

الفارس

أما الناقدة «ماجدة خيرالله» تقول إن عكاشة اهتم بالمواطن المصري وهو ما يميزه ككاتب دراما متميز حيث اهتم به في الحضر أو الريف أو حي شعبي بكل صوره ووضح كيف تعرض عبر التاريخ لظروف قهرية لم تنل من شخصيته شيئا ورغم صعوبة تلك الظروف الاقتصادية والاجتماعية فإنه حافظ علي ملامح شخصيته الجميلة ولم يتلون مع الزمن، فتري عكاشة منحازا للمواطن المصري لهذا لديه دائما نموذج «الفارس» سواء كان عمدة أو رجل أعمال أو معلم في قهوة الجميع يحمل بذور العدل والشهامة والحكمة.

وتضرب مثلا بسليم البدري في «ليالي الحلمية» رغم أنه رجل أعمال ولكنه لم يسرق أو ينهب أو يعامل العمال بشكل سيئ بالعكس رجل صاحب أخلاق وطني ومحترم والسياسة لم تغيره، حتي وإن قدم النموذج النقيض يضع داخله ملامح جميلة.

وعن أعماله تري خيرالله أنه كاتب غزير الإنتاج لن تستطيع أن تحجب من أعماله شيئا فجميعها رائعة وتؤكد أن وفاته رغم أنها خسارة للدراما المصرية ولكنه رحل عنا حتي لا يري الأسوأ القادم علي الدراما من تردي وتمرد من الممثلين وأزمات قادمة لو عاشها لما تكيف معها لجديته ورؤيته.

وتري الفنانة «كريمة مختار» أن عكاشة كان رجلا وطنيا يحب مصر فعبر عنها بقوة يعيش بوعي كامل في البلد وما داخلها من تفاصيل وتتذكر عملها معه في أبوالعلا البشري وتصف «البروفة» بالمحاضرة التي يلقيها الأستاذ وأنها كممثلة كانت تتجاوب مع النص بشكل جيد لأنه يكتب بدقة ووعي وتقارن بينه وبين آخرين قد تجد أحيانا صعوبة منهم في منطقية الجمل ولكن عكاشة تميز بنصوص رائعة تساعد الممثل علي العمل.

اسكندرية كمان وكمان

أما صديق عمره والذي كون معه ثنائيا رائعا من إخراج وتأليف لتخرج أعمال تخلدهما وتترك أعظم الأثر في نفوسنا فهو المخرج إسماعيل عبدالحافظ الذي مازال متأثرا بوفاة صديقه، يقول إن كل أعماله تحدثت عن الهوية المصرية وأوضحها بشكل كبير داخل مسلسل «أرابيسك» عندما تساءل عن هويتنا بالتحديد ويري عبدالحافظ أن آخر أعماله «المصراوية» هي الرد القوي علي هذا التساؤل، أما عن عملهم الدائم يقول: اشتركنا في أرضية فكرية واحدة وتربطنا علاقة حميمية بين أسرتينا فنحن الاثنان من كفر الشيخ كل هذا يضع طعما خاصا في العمل.. ويتذكر عبدالحافظ أنه كان يذهب لعكاشة اسكندرية معشوقته وهويكتب هناك ليعرف ما الجديد في كتاباته، ويعتبره خسارة كبيرة للدراما المصرية لأنها من الأساس من سيئ إلي أسوأ وفي حالة هابطة قد تستمر، وعن آخر أعماله مع أسامة قال عبدالحافظ إنه مسلسل «تنابلة السلطان» الذي كتب منه عشر حلقات فقط وكان يستعد لاستكماله لأن هناك مشكلات مع شركة الإنتاج بسبب الجزء الثالث من المصراوية حيث فضل عكاشة عدم تكرار أحداث الحرب العالمية الثانية والتي كتبها من قبل في «ليالي الحلمية» فجعل الجزء الثالث من المصراوية يتحدث عن الأحفاد الآن في فترتنا وهو ما رفضته الشركة فتوقف العمل.. ويري الناقد رفيق الصبان أن أسامة أنور عكاشة خرج من المحلية في تعبيره عن الشخصية المصرية إلي العالمية أو الإنسانية بأكملها فالنماذج التي قدمها لم تكن فقط نماذج المصريين بل نماذج جيدة لما ينبغي أن يكون عليه البشر، ولهذا يعتقد الصبان أنها إذا تمت دبلجتها للفرنسية أو الإيطالية ستحظي بنفس النجاح المحلي والعربي، ويضيف الصبان أن مميزات عكاشة أيضا مرجعيته للتاريخ الحديث بشكل أساسي منذ فترة محمد علي إلي الآن بجانب فكرة الأجزاء الجيد فليس كل من يكتب أجزاء هو أسامة أنور عكاشة لهذا فشل كثيرون في تقليد هذه الفكرة.. أما الفنان «جميل راتب» بطل الرايا البيضا، وأحد أبطال مسلسل «زيزينيا» يقول إن أعمال عكاشة مميزة ويمكن اعتبارها دراسات في الشخصية المصرية فعكاشة اهتم برسم الشخصيات بمزج التاريخ مع ملامح إنسانية جميلة لهذا فهو يشارك في أعماله دون حتي أن يقرأها ولا يتردد في قبولها.. ويضيف أنه فرح جدا بالرايا البيضا وبأسلوب كتابة عكاشة المميز والذي يكتب الشخصية لتلائم الممثل تماما وكأنها مرسومة له.

الأهالي المصرية في

02/06/2010

 

رحيــل أســامة أنــور عكاشــة

المسلسـلات الراكضــة والتاريــخ الخــاص

هلال شومان

يسهل أن يتخذ المرء موقفاً فوقياً من التلفزيون، وأن يضعه في مرتبة ابداعية دنيا مقارنة بالسينما. ربما لأن المسلسلات، لم تقارب مواضيع جدلية كما السينما. أو لربما هي طبيعة وهوية التلفزيون منذ نشوئه، بحسب غير محبذيه من أنصار الأنواع الأخرى من الفنون. هذا جدال مستمر يحتاج نقاشاً مستفيضاً من أخصائيين في المجال، ولن يتوقف.

على أن ارتباط المسلسل العربي حصراً بالعلبة المضاءة، وبدعم من خطاب أبوي عائلي جعله يخسر، وينزلق تماماً منذ نشوئه ناحية خطاب أخلاقوي إرشادي ووعظي مطعماً طبعاً بوَطانويّة رديئة. بدا الناتج التلفزيوني مضاء بما فيه الكفاية. لكنه يغطي فقط، وبإضاءة فاقعة ما يريده المجتمع لنفسه، وما يريده النظام للمجتمع. وهو في ذلك يبتعد تماماً عن عتمة صندوق باندورا (صالة العرض) الذي يذهب الفرد إليه بمحض إرادته وانتقاءاته، ويبقى أكثر ارتباطاً برؤية شخصية مكثفة للكاتب أو المخرج رغم عديد الفريق الذي يقف خلف اخراج فيلم أي فيلم إلى النور، ومع الأخذ بعين الاعتبار الطبيعية التجارية (بالمعنى السيء) للقسم الأكبر من النتاج السينمائي.

وقد يكون أثّر تأخر القنوات الخاصة وارتباط الانتاج بقنوات رسمية، ومن ثم ظهور شركات الانتاج الخليجية أواسط الثمانينيات، قبل الردة التلفزيونية الفضائية للمسلسلات بعد سيطرة الفوازير الرمضانية. إذ ما لبث المسلسل التلفزيوني (المصري تحديداً) أن ارتبط في بداية الألفية الحالية من القرن الماضي بنمط انتاجي غريب من نوعه، لم يساعد فيها على الاطلاق التمثيل المنمط وعدم الاستغناء عن تقنيات قديمة تفتقر البريق. ولا نزال كمشاهدين نتابع إرهاصات هذا النمط بتغييرات طفيفة وراءها سخاء الانتاج الذي يستطيع أي مشاهد عادي أن يتيقن من أنه يصرَف كله في غير موقعه.

وهذا النمط غرق في تزاوج ليس غريباً مع الاعلان (بحسب طبيعة التلفزيون). لكن الغرابة كانت في أن قدرة نجم على جذب اعلان صارت تخلق مسلسلاً بأكمله من فكرة قصة يطرحها النجم على كاتب.

طارت الاسعار، لكن ذلك لم ينعكس على جودة المحتوى. بدا النص أضعف الحلقات في الانتاج المصري. بل ربّت نمطاً مسلسلاتياً لم ينعكس ذلك حتى المسلسل السوري الذي لم يعد جديداً انساق في هذه اللعبة ما إن كرّس كمّه فانعكس ذلك جلياً على النوعية.

كان أسامة أنور عكاشة على ضفة أخرى بنصه (من دون ان يعني ذلك الجودة دائماً). كان من ضمن قلة مصرياً ضد هذا التزاوج المفرِط بين الاعلان وعملية خلق المسلسل التلفزيوني، لا الترويج اللاحق. نظر بشيء من الطوباوية إلى العملية بأكملها. شعر أن خاسري السينما وعواجيزها انتقلوا للتلفزيون لـ«ينجّموه» ويحوّلوه سوقاً كاسداً... وأضاف قبل ذلك إلى هجومه شيئاً عن مسؤولية رأس المال الخليجي (رغم أن بعض أعماله التلفزيونة منتجة جزئياً برأسمال خليجي، ومعروضة باستمرار على شاشات هذا الرأسمال).

ضد النجوم

كان الرجل ضد سيطرة النجم، معلِناً أو ممثلاً.

بحسب كتابات صحافية قديمة، حتى فاتن حمامة في «ضمير أبله حكمت» لم تقوَ على فرض شروطها عليه بتسسيير خطوط في الكتابة وحذف أخرى. ورغم أنها الشخصية المحورية في أحداث المسلسل فإن الانطباع لدى المشاهدين بأن الشخصيات الأخرى لم تكن «ثانوية»، بالمعنى المتعارف عليه للكلمة.

من هنا، فلنعد سويةً إلى بضع شخصيات تعتبر في النمط الحالي للانتاج المصري «ثانوية» ظهرت في مسلسلات عكاشة الدرامية: سيد عزمي في دور زكريا وزوجته الراقصة لوسي في «الليالي»، لوسي ذاتها في دور مختلف وشخصية مكئِبةَ في «أرابيسك» أحمد السقا في النوة قبل أن يصبح ممثلاً سينمائياً رئيسياً في دور الفتى الأصغر الزاعق لسوكة، محمد متولي في دور بسة في «الليالي» ومصطفى بطاطا الذي لا ينسى في «أرابيسك»، سيد عبد الكريم في دور زينهم السماحي في «الليالي»، عهدي صادق في دور الخمس في المسلسل ذاته، عبلة كامل أيضاً في دور ينقلب جذرياً في الجزء الخامس من السلسلة، محمد كامل في دور الطلياني في «عفاريت السيال»ة، ودور شقشق الذي قام به ممثل مغمور في «أرابيسك»...

تعاكس أعمال عكاشة مسلسلات رعيله من كتاب السيناريو المصريين أو الجيل اللاحق، الكاتب محمد صفاء عامر في بعض أعماله، ومجدي صابر من جيل لاحق أكثر الأمثلة وضوحاً على النقطة التالية. في معظم أعمال عامر وصابر مثلاً، تنتصر القصة المضبوطة الاحداث. في أعمالهما، هناك بداية وذروات ونهايات مفتوحة أو مقفلة، وهناك الشخصيات ذات الانفعالات الخارجية المباشرة التي تنقلب تنميطاً إذا ما وجد الممثل السيء ليؤديها. لكن على العكس، تبدو أعمال عكاشة أكثر انسيابية وحياةً. في أعماله التي استمرت مع «ليالي الحلمية» وتتابعت بعدها، لم يعد مانع لدى عكاشة مثلاً أن يمرر حلقة او حلقتين استطراداً حول شخصيات «ثانوية». فنظن أنه نسي الأبطال «الرئيسيين» لفترة، وينغمس، ويغرِق معه المشاهدين في قصص جانبية، ثم لا يلبث أن يفاجئنا بعودته للخط الرئيسي، وإشراك هذه الشخصيات به.

كان عكاشة ضد الخلطة العامة. مسلسلاته راكضة: «الحلمية» و«أرابيسك» أمثلة. نصحو مع الأبطال، نتابعهم نهاراً، لا ينامون، تتابع الاحداث ليلاً، هناك دائماً حدث حتى وإن كان في جملة تستدعي حوارات مطولة.

لكن كل ذلك لا يعني ذلك أن الرجل لم يواجه إخفاقات. فهو أولا لم ينجح في الخروج عن الثنائية المنمطة عن الخير/الشر في بعض أعماله وبخاصة الأولى منها السابقة لـ«ليالي الحلمية». وعلى قلة هذا التنميط، تبقى سطوة الأخلاق أو الآدمية السياسية الصفات الأكثر وضوحاً في أعماله. في «إمرأة من زمن الحب»، انساق الرجل مثلاً لإدراج حبكة عن «عبدة الشيطان» التي سوِّق لها في الاعلام الورقي آنذاك. «أرابيسك» بدوره انتهى بنهاية نمطية، لم يكن المشاهد ليتوقعها في ظل ذكاء الكوميديا ورسم الشخصيات، ورغم المرافعات الخطابية في مشاهد كثيرة المسلسل التي كانت تبلَع لصالح متعة الفرجة. في الحلمية، نجح في أن يقلل من هذه الخطابة وساعده في ذلك الشخصيات المتناقضة التي تحركت على مدى خمسين عاماً افتراضياً.

لكن عكاشة رغم ولعه بالتاريخ، فرَّق بينه وبين التاريخ المعاصر. تعامل مع التاريخ المعاصر كتاريخ خاص (رؤيته الناصرية في كثير من أحداث ليالي الحلمية)، لكنه لم يحقق مسلسلاً تاريخياً «عاماً» أو «دينياً». كان صاحب مشكلة مع التاريخ القديم العام المؤطّر غير القابل للنقاش والأنسنة. صدى معركته حول عمرو بن العاص لا يزال يتواتر ويستعاد.

قبل وبعد الليالي

هناك قبل «ليالي الحلمية» إذاً، وبعد «ليالي الحلمية».

قبل الليالي، كانت مرحلة تأسيس أكثر ما تجلت في «الشهد والدموع»، لربما تكون «ليالي الحلمية» هي الشكل الأكثر نضجاً لقصة «شهد الدموع» الاجتماعية، مطعمة بالتفاصيل السياسية اكثر. لكن مع «الليالي»، بدا عكاشة ناصرياً زاعقاً، فيما صار بعدها يتجه إلى بحث أكثر غوصاً وهدوءاً. كان عكاشة متحركاً في موقفه من السياسة والتاريخ، موقفه الداعم لخطوات مبارك في الجزء الرابع من «ليالي الحلمية» لدى حديث الأبطال عن استعادة طابا مثلاً، انقلب فتوراً ملحوظاً في الجزء الخامس، ومن ثم تلا ذلك بأعمال ابتعدت عن السياسة بالمفهوم الذي ظهر في «ليالي الحلمية». ربما لم يكن عن عبث ذلك الانتقال من مضمون سياسي مباشر إلى مواضيع أكثر غوصاً في الاجتماع والهوية الثقافية. (هنا ربما يجب أن نشير أن قطاع الانتاج في التلفزيون المصري شارك بانتاج معظم مسلسلات عكاشة).

«أرابيسك» مثلاً أريد له أن يكون بحثاً في الهوية المصرية. «زيزينا» كان عودة لمحبوبة عكاشة: الاسكندرية، وفي المسلسل حديث عن مزيج غريب من الجنسيات في نعي (؟) لكوزموبولتية (هل أسس هذا الغوص لاحقاً لتصريحاته النقدية الملطفة حول الناصرية التي كان يناصرها في السياسة)؟ «المصراوية» حاول البحث في كيف تتملك السلطة السياسية من الانسان فتغيره.

كان عكاشة يستريح من فترة لأخرى. «لما التعلب فات» محاولة كوميدية باءت بالفشل جماهيريا رغم وجود قطبين تلفزيونيين فيها: محمود مرسي ويحيى الفخراني. «كناريا وشركاه» عن أب خارج من السجن لا يعرف أن لديه ولداً في تأثر ميلودرامي شبه مباشر لموجة المسلسلات اللاتينية، وإن كان ضدها. «عفاريت السيالة» كوميديا شعبية تعتمد على مباراة تمثيلية بين خالة (عبلة كامل) وابن اختها (أحمد الفيشاوي) التي ربته، وعن المال الهابط فجأة على من لم يعتده.

المباريات التمثيلية كانت سمات مسلسلات عكاشة. خرَّجت أعماله ممثلين «رئيسيين». أي دور لصلاح السعدني علَّم في التلفزيون بقدر حسن أرابيسك والعمدة سليمان؟ ألم تقع فردوس عبد الحميد في تنميط مسلسلات زوجها، بعد دور سوكة في النوة، ودورها في «زيزينيا، ودورها في «عصفور النار»»؟ هل قام أحمد بدير بدور يشابه دور الولي عبد الفتّاح في «زيزينيا»؟ هل يستطيع ممدوح عبد العليم وآثار الحكيم (وحتى إلهام شاهين) محو دوري علي وزهرة في «ليالي الحلمية»؟ ولوسي هل استطاعت ان تقوم بمثل أدوارها المختلفة جذرياً في ثلاثة مسلسلات: حمدية الراقصة في «الحلمية»، العاملة المكتئبة أنوار في «أرابيسك»، ودور الفتاة القوية في «زيزينيا»؟

تطول اللائحة. يمكن الجزم أن نص عكاشة هو سبب ارتياح وتألق الممثلين على اختلافهم.

والنص ذاته (وهو كان في غالبه حوارياً يفتقد العمل على الصورة) انتصر جلياً على التنفيذ. أحسن تعاونات عكاشة اخراجياً كانت مع جمال عبد الحميد في «أرابيسك» و«زيزينيا»، لكن التعاون انقطع بخلاف. وبقيت تعاوناته المعتادة مع محمد فاضل، واسماعيل عبد الحافظ وآخرين (محمد النجار، أحمد صقر، إنعام محمد علي) نفذوا له أعمال قلة. وإذا كان محمد فاضل مولع في الاسقاطات السياسية، فإنه يمكن القول إن عبد الحافظ أنجز «الحلمية» بطريقة متواضعة القيمة خاصةً في جزئيه الأخيرين. إذ نرى فجأة أن عبد الحافظ اكتشف الزووم، وبدأ يهجم به على المشاهدين. ولم يتخل عنه حتى في العمل الأخير «المصراوية» الذي بدا ضعيفاً جداً تقنياً في هذا الزمن من الإبهار الصوّري، ويمكن اختصار معظم مشاهده بالحركة البطيئة، والزووم طبعاً، والمشاهد الصامتة التي يغلب عليها غناء علي الحجار.

لا نعرف عكاشة في لبنان إلا تلفزيونياً. فإنتاجه اليسير من السيناريوهات السينمائية (اثنان منها يصبان في نقد مرحلة الانفتاح داعماً توجهه الناصري)، لم يكرسه كاتباً سينمائياً، وبقي أكثر ارتباطاً بعالم التلفزيون. قد يكون هو من خلق لفظ «الرواية التلفزيونية» في أحد مقابلاته، وهو لفظ سرعان ما تناسخته وسائل اعلام ورقية. لم نقرأ له في لبنان رواياته المعدودة، التي وصلنا من أصدقاء أنها متواضعة القيمة الفنية، لكننا لا يمكن أن ننسى على الأخص ليالي الحرب التي كنا نتنافس فيها على مشاهدة أجزاء الحلمية، وغريمه (تلفزيونياً) رأفت الهجان. نستطيع القول أن أسامة أنور عكاشة رغم رحيله، فإن لحم كيتشنا التلفزيوني اللذيذ يبقى من... خيره!

السفير اللبنانية في

04/06/2010

 

عن مبدع لا يغيب

راسم المدهون

برحيل أسامة أنور عكاشة، فقدت الدراما العربية واحداً من أبرز فرسانها، على المستوى الفني، وأكثرهم غزارة وتنويعاً على مدار العقود الثلاثة الماضية.

اليوم ومع رحيل هذا المبدع، نستذكر أنه من حقق للدراما التلفزيونية انتقالها الجميل من مسلسلات الحكايات المسرودة إلى مسلسلات «الرواية التلفزيونية»، وكرّس فنه الدرامي لرؤية الحراك الاجتماعي في وطنه مصر، سواء من خلال التاريخ السياسي والاجتماعي القريب، أو حتى في تلك الأعمال التي تناولت الواقع المصري الراهن، وما يعيشه من معضلات.

نتذكر أعماله الكثيرة، ولكن بصورة خاصة عمله الملحمي «ليالي الحلمية» الذي عاش معه المشاهد تاريخاً بصرياً مفعماً بالرؤية العميقة، وبسياقات فنية عالية، جعلت المسلسل يثير جدالات فنية وسياسية لسنوات.

أهم ما تميزت به أعماله أمانة التعبير عن أفكار مختلف القوى، وبالذات الفئات الدنيا، والقدرة على ملامسة أوجاع الناس. وأيضاً ما حملته تلك الأعمال من ملاحظة للتغيرات التي تحدث بفعل عوامل اقتصادية وقعت في هذه المرحلة أو تلك من تاريخ مصر. المشاهد يجد نفسه دائماً أمام رؤى موضوعية لا تنحاز للموقف المسبق، بل للحقيقة الموضوعية، والتي رأيناها دائماً المحرّك لأفعال الشخوص لا باعتبارهم أبطالاً دراميين وحسب، ولكن بوصفهم تعبيرات اجتماعية وسياسية عن بناء اجتماعي له تراكيبه ومفرداته.

كاتب «تلفزيوني موسوعي» عرف كيف يوظف الدراما التلفزيونية للفكر الإنساني النظيف من دون أن يستسلم للشعارات.

هكذا أعادت أعماله الكثيرة الاعتبار الى الحقيقة التي غالباً ما أهالت عليها أيديولوجيات المراحل السياسية المتعاقبة غبارها، فرأينا حقائق لمواقف هذه الفئة الاجتماعية – السياسية أو تلك، بلا تجنٍّ أو مبالغة. ولعلّ هذه النقطة بالذات، هي في أساس بنائه الفني كلّه، والذي ما لبث أن أصبح مدرسة لها أتباعها من كتاب الأجيال التي أعقبت تجربته. يكفي أن نشير إلى أن الكاتب الراحل هو أوّل من منح الكاتب التلفزيوني العربي مقامه الرفيع باعتباره أساس العمل الدرامي الذي تنهض على إبداعه العملية الدرامية.

أسامة أنور عكاشة، كاتب من قماشة مختلفة. ذلك ليس وليد غزارته فحسب، لكنه أيضاً وليد ما حملته تلك الغزارة من بنى فنية ساهمت في تعميق العلاقة بين جمهور المشاهدين المواطنين، وبين الشاشة التي غدت مع أعماله ساحة للجدال الصحي الغائب في صورة شبه كلّية من المجتمعات العربية بفعل غياب الأفق الديموقراطي. فمن أبرز ميزات كتابته تلك الروح الديموقراطية التي تمنحها للشخصيات، أي التي تتجنّب حشرهم في مواقف مسبقة للمؤلف، بل تتركهم ينطلقون في التعبير.

رحيل أسامة أنور عكاشة، هو بكل المقاييس خسارة للدراما، خصوصاً في هذه المرحلة الملتبسة في الساحة الفنية، حيث تنامت عادات إنتاجية طفيلية تنحاز للنجم ولشركات الإعلان، وتنحسر خلالها – إلا في حدود بالغة الضيق – الأعمال الجادة والموضوعية.

الحياة اللندنية في

04/06/2010

 

«الطريق 2000» مسلسل لن يشاهده أسامة أنور عكاشة

كتب مصطفى ماهر - جرجس فكري 

بعد مرور ساعات قليلة من غياب «الأب» كانت «روزاليوسف» هناك داخل مكتبه أو شقته أو ورشته الدرامية أو محل ميلاد معظم أعماله الشهيرة حسب وعد «الابن» المخرج هشام عكاشة لنا فى أول زيارة أو مواجهة فى غيابه وكان لها تأثير خاص.

هشام أسامة أنور عكاشة شاركنا فى تأمل أركانه الحزينة وذكرياته التى ترجمتها الجوائز التى حصل عليها وصوره المعلقة على جدرانه تتصدرها صورة كبيرة لأسامة بين عائلته ومن بينهم هشام صغيرا وأخرى تجمع بين عميد الرواية نجيب محفوظ وعميد الدراما فى حوار مازال ينبض .

على مكتب زعيم الدراما أوراق وسيناريوهات لم تكتمل لمحنا من بينها المشهد رقم 2 من مسلسل «الطريق 2000» وهو المشروع الأخير الذى كان يكتبه وكان مقدراً أن يخرجه صديقه إسماعيل عبدالحافظ.

وهو آخر ما كتب قبل رحلة العلاج الأخيرة.. هشام قال لنا بحزن عميق: هذا المسلسل معه عملان آخران هما «تنابلة السلطان» وكتب منه 15 حلقة فقط، و«رز الملائكة» الذى كنت سأقوم بإخراجه وكتب منه حلقة واحدة، وقد رشحت السيناريست مجدى صابر لاستكماله لأن «أبى» كان يرى نفسه فيه. أحداث مسلسل الطريق 2000 حسبما جاء فى مسودة المشهد الذى حصلنا عليه من هشام عكاشة تدور تفاصيله داخل مكتب محاماة وأبطاله : صابر الرحمانى ومنير ونشوه ويدور فيه حوار بينهم نفهم منه أنه حول ملفات القضايا والمذكرة القانونية لشركة إخوان الشافعى.. ويتوقف المشهد عند حوار نشوه التى تؤكد للرحمانى - ويبدو أنه - أى الرحمانى - كان مشروع شخصية درامية جديدة لعكاشة - على موعد بعد ربع ساعة مع مندوب نفس الشركة.

«هشام» متقمصاً شخصية والده الكاتب العملاق قدم لنا فى نهاية كلامه معنا سيناريو مشهد كتبه بعد رحيله بساعات بعنوان «الفارس يرتحل» تتصدره صورة والده الفارس وهو يرحل تاركا جواده إنها التركة الثقيلة التى تركها «أمير الأدب الدرامى».

مجلة روز اليوسف في

05/06/2010

 
 

عميد الدراما التليفزيونية

محمد رفعت

ليس غريباً أن تكون «المصراوية» هى آخر ما كتب عميد الدراما التليفزيونية الراحل أسامة أنور عكاشة،فقد عاش عاشقاً لهم راصداً لأحوالهم ، حالماً بنهضتهم،غارساً قلمه وخياله فى تراب وطنهم، فلم يكن «عكاشة» مجرد سيناريست يكتب السهرات والمسلسلات، ولكنه كان مفكراً وصاحب وجهة نظر شديدة العمق والخصوصية، وعاش ومات، وهو يحلم بالفارس النبيل الذى تتجسد فيه معانى الإخلاص والوطنية وتجتمع حوله أفئدة الناس، ويقودهم للخلاص من السلبية والتبعية وطوفان الأخلاق المستوردة والقيم الفاسدة. وظلت هذه الفكرة تلح عليه فى كثير من أعماله، وخ?صة فى «رحلة أبو العلا البشرى» ذلك المعلم الحالم الذى حاول أن يواجه طواحين الانفتاح السداح مداح ورموز الغش والتدليس، فلم يستطع أن يقف أمامها وحده، وسحقته كما سحقت غيره من المهمومين المعذبين بحب الوطن والحلم المستحيل.

وليس غريباً أن ينسحب «عكاشة» من الحياة العامة تحت وطأة الإحباط والمرض، بعد أن تصور أنه يستطيع أن يشارك فى الحياة السياسية، وانضم بالفعل لأحد الأحزاب الوليدة، لكنه سرعان ما اصطدم بالصراع الطفولى على زعامة الحزب، فكان قراره بتجميد عضويته بعد أن عينوه فى أحد المواقع القيادية بالحزب دون حتى أن يستشيروه، وعاد إلى منبره الطبيعى لتوصيل فكره إلىالناس ورؤيته للإصلاح ومحاولته لتغيير الوعى الزائف بالكلمة والصورة.

وأصدر رواية جديدة عاد فيها لتناول أحد موضوعاته الأكثر إلحاحاً على قلمه، وهى تحالف الثروة والسلطة، وهو الخطر الذى حذر منه فى «ليالى الحلمية»و «الراية البيضا» وأعمال كثيرة أخرى.

فقد كان هذا المثقف الموسوعى متابعاً ومحللاً لكل مايحدث فى مصر من تطورات وأحداث، ولم يكن فى يوم من الأيام درويشاً من دراويش الناصرية، كما يدعى البعض، وكان يدافع دائماً عن المشروع وليس عن الشخص. وأصابته الحملة الشرسة التى شنتها ضده إحدى الصحف بدعوى كراهية الرئيس الراحل أنورالسادات، وطالبت فيها بمنعه من كتابة فيلم عنه بحساسية شديدة إزاء هذه الحقبة المثيرة للجدل من تاريخنا المعاصر، وكان يثور بشدة إذا وجه إليه أحد الصحفيين سؤالاً حول هذا الموضوع. فقد عانى بشدة، كما عانى غيره من المثقفين والمبدعين من شهوة التصني? والتلوين السياسى، وإن ظل حبه لعبد الناصر ملازماً له ومخيماً على أفكاره وآرائه السياسية. وظل إيمانه بالاشتراكية ملمحاً رئيسياً من ملامح تكوينه الوجدانى، بالإضافى إلى عشقه الشديد للإسكندرية التى كتب فيها معظم أعماله، وقدم عنها ثنائية زيزينيا الرائعة.

وفى الإسكندرية أيضاً دارت أحداث روايته الأخيرة التى عاد بها إلى أحضان الأدب «سوناتا لتشرين»، وأقل ما يمكن أن نقدمه لهذا المبدع الجميل أن تعيد هيئة الكتاب جمع وطباعة قصصه وأعماله الأدبية التى قدمها، قبل أن يتحول إلى الكتابة التليفزيونية. فقد ظل «عكاشة» مؤمناً حتى النهاية بأن الأدب المكتوب هو الأصل وأنه الأبقى والأكثر خلوداً مهما كان حجم الشهرة والنجومية التى تحققها الكتابة للسينما والتليفزيون.

والغريب أنه لم يحاول أبداً تحويل أعماله القصصية إلى مسلسلات أو أفلام، وكان حريصاً على أن يوجه العمل الفنى منذ البداية إلى الوسيلة أو «الميديا» التى سيعرض من خلالها للجمهور، ربما لأنه لم يكن محتاجاً لتكرار نفسه أو اجترار أفكاره القديمة، ولذلك فلن تجد فى أعماله رغم كثرتها وتنوعها تشابهاً فى الطرح أو المعالجة، لكنك تستطيع بسهولة شديدة أن تميزها وتتعرف على كاتبها، لأن أعماله كلها «سينييه» أو ماركة درامية مسجلة، وقدرته على الحكى والسرد والحوار لا يستطيع أحد أن يقلدها أو يحاكيها.

أكتوبر المصرية في

06/06/2010

 

أسامة أنور عكاشة أفلامه امتداد لمشروعه التليفزيونى

محمود عبدالشكور 

لم تستفد السينما من طاقة الكاتب الكبير الراحل «أسامة أنور عكاشة» الذى ودَّعناه بعد صراع طويل مع المرض، ويبدو أنه هو أيضاً لم يجد فيها نفسه بعد أن ترجم للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكبرى التى مرت بها مصر فيما يقرب من معظم سنوات القرن العشرين، وذلك فى أعماله التليفزيونية الشهيرة التى بدأت عام 1976 بمسلسل عنوانه «الحصار» بطولة «صلاح قابيل» مروراً بأعماله الكبرى مثل «ليالى الحلمية» بأجزائها، و«الشهد والدموع» بجزأيه، و«رحلة السيد أبو العلا البشرى» «جزءان»، و«عصفور النار» و«قال البحر» و«الراية البيضا» و«أرابيسك» و«امرأة من زمن الحب»... إلخ.

لو شاهدت هذه الأعمال لتكونت لديك لوحة هائلة عن أهل المحروسة والتغيرات التى حدثت لهم، واختلال بناء القيم لينفتح المجال للبحث عن المادة والحصول على النفوذ بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة.

حصاد «أسامة» فى السينما المصرية محدود، ويدور فى نفس الفلك تقريباً «ماذا حدث للمصريين؟» وكيف تغيروا عندما تغيرت الظروف والأحوال!؟كانت البداية عام 1989 بفيلم «كتيبة الإعدام» من إخراج عاطف الطيب.

ثم فيلم «تحت الصفر» فى العام التالى «1990» من إخراج «عادل عوض» وجاء فيلم «الهجامة» عام 1992 من إخراج «محمد النجار»، وفى نفس العام قدم فيلماً مهماً هو «دماء على الأسفلت» من إخراج عاطف الطيب، وكان هناك مشروع لم ينفذ لكتابة فيلم عن حرب أكتوبر بسبب الهجوم الذى تعرض له «أسامة» لموقفه من حقبة الرئيس «أنور السادات»، ولكننا نلاحظ على الأفلام التى ظهرت إلى النور أنها تتعامل مع الدراما الاجتماعية ذات الخلفية السياسية، ولذلك لم يكن غريباً أن يكون هناك فيلمان من أعماله من إخراج نجم الواقعية الجديدة الراحل «عاطف الطيب» المهموم أيضاً بفكرة التغيرات الاجتماعية التى هزَّت الطبقة الوسطى وقلبت كل الموازين، وجعلت جيلاً بأكمله - وهو جيل عاطف وأسامة - يشعر بالاغتراب الكامل داخل وطنه، وأفضل ما يعبر عن هذا المعنى فيلم «عاطف الطيب» الأهم والأشهر «سواق الأوتوبيس»، وتتردد فى أفلام أسامة القليلة نفس الفكرة تقريباً حيث يجد أفراد هذا الجيل أنفسهم فى موقف الدفاع عن النفس، بل إن الشخصية التى لعبها «نور الشريف» فى «كتيبة الإعدام» تنتهى بالخيانة فى حين أنها خدمت الوطن فى صمت، وسيلعب «نور الشريف» نموذجاً آخر فى «الموت على الأسفلت» غاب ثم عَاد فتسلَّم أشلاء أسرته، وأصبح بالفعل زائداً عن الحاجة: لا يستطيع أن يتبنى المفاهيم الجديدة السائدة، ولا يستطيع أن يقاومها ويمنعها من غزو أسرته الصغيرة أو وطنه بأكمله.

الخطوط فى أفلام «أسامة أنور عكاشة» واضحة تماماً، وهناك انحياز صحيح لقيم أساسية كالأمانة فى مقابل الخيانة والجمال فى مقابل القبح والصدق فى مقابل الكذب. فهو ليس ضد الذين صعدوا إلى أعلى ولكنه - مثل أستاذه الكبير «نجيب محفوظ» فى «أهل القمة» يطرح هذا التساؤل: كيف صعدوا؟ ما الذى قاموا ببيعه وما الذى اشتروه؟ والحقيقة أنك لا تستطيع تحديداً أن تتحدث عن «أسامة أنور عكاشة» أو «وحيد حامد» أو «بشير الديك» أو «عاصم توفيق» أو «رءوف توفيق» وغيرهم ممن قدموا أفلاماً ترصد التحولات الكبرى فى المجتمع المصرى إلاَّ ويأخذك هذا الخط إلى عميد الرؤية وترجمان الوطن «نجيب محفوظ» وقد حاول «أسامة أنور عكاشة» بالفعل أن يتبنى مشروعه وينقله إلى الدراما التليفزيونية فأنتج أعمالاً تعد بالفعل التأريخ الدرامى الاجتماعى للوطن خلال سنوات القرن العشرين.

كان يمكن أن يقدم «أسامة» المزيد من الأفلام التى يتصدرها فيلماه مع «عاطف الطيب»، ولكن الظروف تغيرت، والواقعية الاجتماعية انحسرت، ومخرجوها غابوا عن الساحة، وتفرغ «أسامة» للتليفزيون ليواصل مشروعه فى أعمال مختلفة من أبرزها «المصراوية»، المهم أنك قد تختلف أو تتفق معه ولكنك لا تستطيع أبداً إنكار موهبته ولا أنه كان صاحب مشروع ورؤية للماضى والحاضر والمستقبل.

أكتوبر المصرية في

06/06/2010

 

أحلام «عكاشة»

محمد حسن 

توفى الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، ولم تتحقق أحلامه.

الحلم الأول هو تصوير الجزء الثالث من مسلسل «زيزينيا» بعد مرور أكثر من عشر سنوات على عرض الجزء الثانى، وكان يقول إن زيادة الأجور التى أصبحت مرضاً يهدد الحياة الفنية حالت دون تنفيذ هذا الجزء من جانب قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون.

والحلم الثانى كان هو رغبته الشديدة فى أن يقوم العملاق محمود مرسى باستكمال دوره فى مسلسل «وهج الصيف»، ولكن رحيل محمود مرسى المفاجئ بعد أن صور عشرة مشاهد فقط منع «عكاشة» من تحقيق هذا الحلم.

أما الحلم الثالث فلم يتم أيضاً، فقد كان يريد المبدع الراحل أن يستكمل نجوم الجزء الأول لمسلسل «المصراوية» وهو هشام سليم وغادة عادل وروجينا تصوير الجزء الثانى ولكن للأسف لم تتحقق هذه الأمنية، وهشام ارتبط وقتها بتصوير «حرب الجواسيس»، وغادة عادل طلبت أجراً خرافياً، أما روجينا فرفضت العمل.

أكتوبر المصرية في

06/06/2010

 
 

الفنانون يطالبون بتكريم أسامة أنور عكاشة

إعادة تقييم أعماله.. وجمعها في موسوعة

كتب وليد شاهين

حالة من الحماس والطاقة وشعور بالامتنان والعرفان تنتاب العديد من الناس لتكريم وتمجيد العلماء والمبدعين بعد رحيلهم خاصة في الأيام الأولي من الفراق.. ثم تبدأ هذه الحالة في الفتور مع مرور الأيام. أسامة أنور عكاشة نجح في صناعة الدراما العربية.. وكان سبباً في اسعاد الملايين من المشاهدين بأعماله في جميع أطراف الوطن العربي الممتد من الخليج إلي المحيط.

ليالي الحلمية وزيزينيا وأرابيسك وانتهاء بالمصراوية.. جميعها كانت بمثابة وثيقة مرور لعكاشة إلي قلوب المشاهدين خاصة انها اعتمدت في مجملها علي تصوير الحالة الاجتماعية للناس.

اجتمع عدد من أهل الفن والاعلام علي ضرورة تكريم الراحل الكاتب والسيناريست أسامة أنور عكاشة اعترافا بجميله علي الدراما العربية والارتقاء بها.

اقترح الفنان النجم نور الشريف أن يتم إعادة تقييم جميع أعمال الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة كشكل من أهم اشكال التكريم له.. واصفاً اياه بالكاتب صاحب الموقف.

قال الشريف: عملت مع الراحل فيلمين "كتيبة الاعدام" و"دماء علي الأسفلت" وهما من أبرز الأعمال في تاريخ السينما المصرية والعربية.

مؤكدا أن إعادة اذاعة أعماله لكي تحيا بين الناس من جديد تعد من ابرز ملامح الوفاء والتكريم لعكاشة الذي انشغل طيلة حياته بالدفاع عن مشاكل وهموم الشعب المصري مترجما ذلك من خلال أعماله التي ستظل وثيقة نجاح تشهد له بين الأجيال القادمة بعد مماته.

أكد المخرج الكبير محمد فاضل أن من حق الكاتب والسيناريست الراحل أسامة أنور عكاشة إحياء ذكراه وتكريمه بالشكل اللائق به حتي لا يكون نسيا منسيا بعد ذلك.

اضاف قائلاً: الحماس يأخذنا دائما بعد موت العظماء من الأشخاص الذين أثروا حياتنا الفكرية والعلمية والعملية ونطلق التصريحات وتأخذنا الشجاعة بالادعاء بأننا سنكرمه بعد رحيله من خلال اطلاق اسمه علي أحد الميادين أو الشوارع وغير ذلك.. ثم ينتهي الأمر دون الوفاء بهذه الوعود الرنانة.

ودعا فاضل إلي ضرورة أن تتخذ الاجراءات الفعلية اللازمة لتخصيص ركن شخصي باسم الراحل أسامة أنور عكاشة في معهد السينما.. خاصة في قسم السيناريو.

أشار محمد فاضل إلي أنه تعاقد مع الكاتب الراحل قبل وفاته علي مسلسل جديد كانا يعتزما تقديمه تحت عنوان "حارس الجنة".

ووصف الراحل بأنه شكسبير الدراما التليفزيونية العربية.

الاعلامي وائل الابراشي يري أن أسامة أنور عكاشة كاتب موسوعي في مجاله خاصة انه تميز في كتاباته برصد نبض الإنسان المصري البسيط.

ويري أن من أهم الأعمال التي يمكن من خلالها تكريم ذكري الكاتب الراحل جمع أعماله في شكل موسوعة تحمل اسمه ليتم الاستفادة منها في أقسام السيناريو بالجامعات والمعاهد المختصة وأيضا لمحبي وممتهي مهنة التأليف وكتابة السيناريو.

شاركه الرأي الاعلامي جمال الشاعر رئيس القطاع الفضائي بالتليفزيون المصري قائلاً: إن أفضل أوجه وطرق تكريم الراحل يكمن في جمع تراثه من مؤلفاته وكتاباته في موسوعة لتكون مرجعا علميا وعمليا للكتاب الشباب وعندما يحدث ذلك نستطيع القول بأننا كرمنا رجلا عظيما. اضاف: سألت الراحل ذات مرة عن سر براعته في طريقة كتابته وكيفية فعل ذلك؟ أجابني قائلاً: إن الأمر يحتاج إلي عدة فنون ومهارات فنية يتم خلطها معا لتصنع مزيجاً إبداعياً مستلهماً تستطيع من خلاله التعبير عن مشاعر وحال الآخرين بكل دقة وتأثير.

جاء رأي الاعلامي والفنان طارق علام داعما لآراء سابقيه ومؤيدا لها مشيرا إلي امكانية تخصيص مسابقة رسمية باسم أسامة أنور عكاشة تخص شباب الكتاب في أحسن كتابة درامية.

كما أكد الفنان خالد زكي ضرورة إعادة تدوين وتسجيل أعمال الراحل كنوع من التكريم المناسب له وتخصيص ركن اساسي لذلك في المكتبات العامة والخاصة بالأكاديميات العلمية... معتبراً ذلك أفضل إرث يتركه الإنسان للناس.

المساء المصرية في

08/06/2010

 

أسامة... والسينما

محمد بدر الدين 

رحل في 28 مايو (أيار) الماضي الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة (1941 ـ 2010)، الذي تنوعت كتاباته الدرامية بين التلفزيون والسينما والمسرح.

أسامة واحد من كوكبة في جيله أثرت بل أسست لدراما التلفزيون، ويُلاحظ أن معظمها بدأ كتابة القصة أو المسرحية أو كلتيهما، أما السينما فظلّ التعامل معها محدوداً. ربما لأن دور «الكلمة» أساسي في القصة والمسرحية وإلى حد ما في الدراما التلفزيونية، بينما «الصورة» تزاحم، بل قد تزيح، «الكلمة» في السينما، لذلك لأسامة أفلام قليلة من بينها:

«كتيبة الإعدام» (1989)، «دماء على الأسفلت» (1992)، وكلاهما للمخرج الكبير الراحل عاطف الطيب وبطولة نور الشريف، «تحت الصفر» (1990) إخراج عادل عوض وبطولة نجلاء فتحي وصلاح السعدني، «الهجامة» (1992) إخراج محمد النجار وبطولة ليلى علوي وهشام سليم، إضافة إلى أفلام تلفزيونية وقصيرة من بينها: «الطعم والسنارة».

إذا نظرنا إلى زملاء أسامة الكبار في الدراما التلفزيونية نجد أن حالهم مماثلة في السينما، فالكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن لديه قلة من الأفلام من بينها: «ناصر 56» إخراج محمد فاضل، «حليم» إخراج شريف عرفة، والكاتب الكبير يسري الجندي له: «سعد اليتيم» إخراج أشرف فهمي، «المغنواتي» إخراج سيد عيسى، «أيام الرعب» إخراج سعيد مرزوق وهكذا.

التفسير الوحيد أن «سلطة الكلمة» تجد نفسها في وسائط أخرى غير السينما، تجعل هؤلاء الكتاب يعتدّون بكلمتهم ومكانتها، بينما السلطة والتوجيه والرؤية في السينما هي بالأساس للمخرج.

نلاحظ في أفلام عكاشة السينمائية تمحورها حول الطابع الاجتماعي ـ السياسي، ودخولها ضمن الواقعية، شأن مجمل أعماله بما في ذلك التلفزيونية والمسرحية، وإن كان قد أضاف لمسات أسطورية في مسلسل «عصفور النار»، وتكويناً شعرياً في مسلسل «وقال البحر»، ونسيجاً غنائياً في «أنا وانت وبابا في المشمش»، وغير ذلك من استثناءات محدودة أو إضافات.

لكن تبقى الواقعية هي ما يرتكز إليه مشروع أسامة الإبداعي في الإجمال، وهو، في إطارها الواسع، بلا ضفاف أحياناً على حد تعبير جارودي، يتناول قضاياه ويقلب ما يهتم به أو يؤرقه على كل الوجوه.

في أفلامه السينمائية، كما في مجمل مشروعه، أسامة مهموم بحياة الإنسان العادي، بتاريخه ومستقبله، منشغل بأبناء الطبقات البسيطة والمتوسطة، بمأزقهم الاجتماعي وطموحهم، وما يعترضهم سواء من محيطهم أو من داخل أنفسهم على غرار الرواسب أو العقد والنواقص.

في فيلم «دماء على الأسفلت» الذي يعتبر خاتمة مشروع عاطف الطيب الإبداعي مع السينما، يقدم الثنائي الطيب ـ عكاشة تحليلاً اجتماعياً نافذاً لما فعلته سياسة إطلاق السطوة والنفوذ لأصحاب رأس المال أو سياسة الانفتاح الاقتصادي. يعود بطل الفيلم (نور الشريف) بعد غربة سنوات في الخارج ليفاجأ بحجم التحوّلات التي حلّت بالمجتمع وطاولت عائلته (الأب والأخت والأخ)، فالأب العاجز لا يستطيع حماية بيته، والأخ ضائع ويوزع الهيرويين، والأخت مآلها مثل «نفيسة» في «بداية ونهاية»، تبيع نفسها وفي النهاية تنتحر.

إننا أمام «بداية ونهاية» أخرى، لكن عمل نجيب محفوظ كان يدور في ظل الاحتلال والعهد الملكي، بينما يدور عمل عكاشة في ظل الفوضى وانحرافات سياسة الانفتاح الراهنة.

لذلك رأى كثر وشائج تربط بين الإبداع لدى محفوظ والإبداع لدى عكاشة، من حيث الانشغال بالمجتمع وطبقاته وأجياله، في إطار واقعي نقدي، إنما يظلّ لكل منهما جمالياته وأسلوبه ومفرداته وانفراده.

الجريدة الكويتية في

07/06/2010

 
 

قصة حب لم تكتمل

بقلم : أسامة عبدالفتاح

لم يكن أسامة أنور عكاشة (1941 - 2010) كاتب مسلسلات لتسلية ربات البيوت، ولم يكن شاعرا شعبيا مهمته حكاية الحواديت، بل كان مفكرا صاحب مشروع فكري قومي قضي عمره كله لإنجازه، وحاول تحقيقه بأكثر من طريقة حتي استقر علي الدراما التليفزيونية عندما تأكد من جماهيريتها وقدرتها الفائقة علي الوصول للناس.

بدأ بالأدب وأنتج أعمالا فيه، وعندما اتجه للدراما التليفزيونية كان يعتبر ذلك جزءا من مشروعه الأدبي، لأنه يعتبر هذه الدراما أدبا مثل الدراما المسرحية.. وأذكر أنه في أحد حواراتنا المتصلة حكي لي أنه توقف عن كتابة القصص والروايات في بداياته وقال لنفسه: كيف يكون هناك كاتب بلا قارئ؟

كان عليه أن يبحث عن حل للمعادلة، ووجده في الدراما التليفزيونية، فقرر أن يتفرغ لها، ودارت مساجلات كثيرة حول توقفه عن الأدب بينه وبين عدد من أصدقائه الأدباء الذين بدءوا معه أو سبقوه، لكنه أصر علي اختياره قائلا لهم إن انتشار الأدب في مصر محدود جدا، والأدباء في حقيقة الأمر يقرءون لبعضهم البعض ماعدا بعض الاستثناءات التي لم تحقق بدورها الشهرة إلا بعد ان قدمت أعمالها في السينما.. بل إنه طلب من أصدقائه الأدباء أن يكتبوا الدراما لإيمانه بأن كتاب القصة في مصر أكثر من قرائها، وضرب لهم مثلا بنجيب محفوظ الذي كتب 40 سيناريو للسينما.

الاهتمام بالشأن العام

ولم يعد أسامة لكتابة الأدب إلا بعد أن صنع اسمه وتحققت شهرته، وشعر بأن ما يكتبه سيحظي بالاهتمام والمتابعة، والأهم: أنه عاد للأدب عندما لم يعد في حاجة إليه، لا لتحقيق الانتشار ولا لكسب المال.. كما أنه أكثر في السنوات الأخيرة من حياته من كتابة المقالات الصحفية، مما عرضه للكثير من الانتقادات، حيث اتهمه البعض بأن موهبته نضبت وأنه لم يعد لديه ما يقدمه للدراما، فرد عليهم قائلا إنه لا يكتب للصحافة لأنه لا يجد ما يكتبه للدراما أو للأدب، بل لأنه مهتم بالشأن العام، والدراما ليست صحيفة يومية لكي يعبر من خلالها عن رأيه فيما يدور حوله كمواطن وليس ككاتب.

وفي ظل سعيه لإنجاز مشروعه بكل الأشكال الأدبية والدرامية، كتب للسينما، وقدم اثنين من أهم أفلام المخرج الكبير الراحل عاطف الطيب: "كتيبة الإعدام" و"دماء علي الأسفلت"، بالإضافة إلي فيلمين آخرين هما: "تحت الصفر" و"الهجامة"، وحلم سينمائي كبير لم يتحقق باسم "الاسكندراني" أصدر السيناريو الخاص به في كتاب بعد أن فقد الأمل في تنفيذه.

ورغم قلة إنتاجه السينمائي، كان يقول إن السينما ليست منطقة إحباط بالنسبة له، لأن سينما الموضوع انتهت عندنا منذ بدايات التسعينيات من القرن الماضي، ولأن السائد هو نوع من الفن الاستهلاكي كان يسميه "فن الكلينيكس والهامبورجر"، لا يصلح إلا لتسلية الشباب السارح في المولات طوال النهار، والذي يمثل مصدر التمويل الرئيسي للسينما المصرية الحالية.

وكتب أسامة للمسرح والإذاعة، وحقق نجاحا لافتا، سواء في مسرحيات مثل "الناس اللي في التالت"، أو في مسلسلات إذاعية كانت تقدم في رمضان وتنافس الدراما التليفزيونية.. لكن لا شك أن الشاشة الصغيرة شهدت إنجاز أكثر من 90% من مشروعه الفكري الوطني، وتحول من خلالها إلي نجم يفوق في جماهيريته وشعبيته أبطال أعماله من الفنانين.

من نحن؟

يقوم مشروع أسامة أنور عكاشة الفكري الفني علي عدة محاور رئيسية حول هذا الوطن أولها تساؤل عن الشخصية المصرية وهويتها الحقيقية، وهوية مصر التي تقلبت عبر تاريخها الطويل من الفرعونية إلي القبطية إلي العربية الإسلامية، فضلا عن انتمائها الإفريقي بحكم الجغرافيا، وانتمائها المتوسطي، وعلاقتها وسط كل هذه التقلبات والانتماءات بالآخر، خاصة علاقات التأثير والتأثر المتبادلة مع الغزاة والمستعمرين علي طول التاريخ المصري.

وانشغل أسامة طوال مشواره الدرامي بالشخصية المصرية وتحولاتها مع التطورات والتغيرات التاريخية، وعلاقتها هي الأخري بالآخر، خاصة أن عددا كبيرا من الأجانب كان يعيش في مصر مستقرا كالمصريين حتي بدايات الستينات من القرن الماضي.. وقد طرح السؤال بوضوح ومن دون مواربة علي لسان شخصية "وفائي"، التي اختار أن يتواري خلفها ليقول من خلالها ما يشاء في مسلسل "أرابيسك"، والتي أداها الممثل الكبير حسن حسني.. وكان السؤال: "من نحن؟ فراعنة، أم عرب، أم أفارقة، أم متوسطيون؟"

وإذا كان قد طرح السؤال في "أرابيسك"، فقد حاول الإجابة عليه في "زيزينيا"، من خلال علاقة المصريين - سواء من السكندريين أو من الصعايدة والفلاحين الوافدين إليهم - بالجاليات الأجنبية التي كانت منتشرة في الإسكندرية في النصف الأول من القرن الماضي، وفي مقدمتها الجاليتان الإيطالية واليونانية، وكذلك اليهود.

وللتعبير عن الحيرة التي يقصدها، والخليط العجيب الكامن داخل كل مصري، ابتكر شخصية درامية غير مسبوقة، لمصري من نصفين، أب مصري وأم إيطالية، يعيش ما يقرب من حياة الانفصام، حيث يضع صباحا زي المصريين ويتعامل مثلهم، ويرتدي مساء ملابس "الخواجات" ويصير واحدا منهم، وأحيانا يقف حائرا أمام "الشماعة" متسائلا: ماذا أرتدي.. القبعة أم الطربوش؟

"المعدة" العملاقة

لكنه ينتصر بحسم ووضوح للجانب المصري، ويجعله يتفوق علي النصف الأجنبي، بل ويحول بطله "بشر عامر عبد الظاهر" - الذي جسده يحيي الفخراني - إلي مناضل وطني، للتأكيد علي ما يؤمن به من أن مصر "معدة" عملاقة تهضم كل ما يدخلها فتحتفظ بما يفيدها وتلفظ الباقي.

أما المحور الرئيسي الثاني الذي يقوم عليه مشروع أسامة أنور عكاشة الفكري، فهو الرصد الدرامي للتطور الاجتماعي في مصر، والذي بدأه علي مستوي الأسرة في مسلسل "الشهد والدموع" وغيره، ثم علي مستوي الحي في "ليالي الحلمية" و"زيزينيا" وغيرهما.. وبعد رحلة طويلة بين القاهرة والإسكندرية، اختار أن يجري رصده في "المصراوية" علي مستويي القرية والمدينة الإقليمية، أو المركز الواقع بين الريف والحضر، محاولا كشف أسرار العلاقة الفريدة بينهما، وعائدا إلي جدلية التأثير المتبادل بين أبناء الريف والمدينة، والتي كان قد بدأها في "أبواب المدينة" من خلال القرويين النازحين إليها، لكنه في "المصراوية" يقوم بالرحلة بالعكس.

وتأخرت إطلالته في "المصراوية" علي كفر الشيخ، المحافظة التي نشأ فيها بعد أن ولد في طنطا بالغربية، ليس فقط لأنه كان يحتفظ بها ل "الثقيلة" كما قال، لعمل كان يقدر له أن يمتد إلي ستة أجزاء، ولكن - من وجهة نظري - لأنه سار طويلا علي درب نجيب محفوظ في التنقل بين القاهرة - خاصة في أحيائها القديمة - والإسكندرية. ولم يكن ذلك وجه تأثره الوحيد بعملاق الرواية العربية، بل تأثر أيضا بتقنياته الروائية في كتابة الدراما التليفزيونية، حيث كان يفضل أن يحتوي المسلسل علي رؤية ملحمية وتوال للأجيال وتعدد للشخصيات، وهذا لا يتوفر إلا في مساحة زمنية عريضة يغطيها عدد كبير من الحلقات، لذلك تألق في مسلسلات الأجزاء التي ابتدعها، وكان "يتمطع" فيها ويأخذ راحته في الكتابة، وحقق بها مجده وشهرته، في حين كانت معظم الانتقادات تأتيه من مسلسلات الجزء الواحد مثل "مازال النيل يجري" و "النوة" و"أنا وانت وبابا في المشمش".

عباءة محفوظ

وكان أسامة يقول إن جيله كله خرج من عباءة محفوظ، وتربي علي أعماله، كما كانت له مقولة شهيرة بأنه "ابن نجيب محفوظ بالجينات الأدبية".. وقد قرأ الثلاثية لأول مرة عام 1954 في مجلة "الرسالة الجديدة" فسحرته، فأسرع بشراء كل أعماله، ودخل عالمه الذي اعترف لاحقا بأنه عاش فيه طويلا وترك داخله بصمات غائرة، وبأن ملامحه ظهرت في أعماله بحكم "قانون الوراثة".

وكنت أزور أسامة أنور عكاشة في مكتبه بشقته بحدائق الأهرام فلا أجد علي الحائط سوي صورة تجمعه بمحفوظ، وبعد دقيقة واحدة يتلقي اتصالا هاتفيا من الجزء الآخر من الشقة فيضع السماعة ثم يقول بكرم الفلاح الأصيل: "البوفيه بيسألك تشرب إيه؟"

في هذا المكتب، الذي كان يشهد تجمع عدد من خيرة المثقفين والفنانين فيما يشبه الندوة اليومية، أجريت حوارا مع صاحب "الليالي" نشرته في "القاهرة" قبل خمس سنوات، وفيه قال بالحرف الواحد إن "المصراوية" ستكون آخر أعماله للتليفزيون، وإنه سيكتفي بوضع "الفرشة" والخطوط العريضة حتي يكمل المشروع غيره من دون عناء.. وعندما طلبت منه ألا يقول ذلك ودعوت له بطول العمر، رد بأنه لم تعد لديه اللياقة التي كان عليها زمان، وأن العمر لم يعد يتبقي منه الكثير.. وتحقق ما توقعه ببصيرة الفنان، ورحل بعد أن اكتفي بإنجاز جزءين فقط من ستة خطط لها في "المصراوية".

كما ترك أسامة "زيزينيا" ناقصة، حيث كان من المفترض إنتاج جزء ثالث لها من بطولة فاروق الفيشاوي - بديلا ليحيي الفخراني - وإخراج هاني إسماعيل، بديلا لجمال عبد الحميد، الذي استاء أسامة للغاية من أسلوب إخراجه للجزءين السابقين، خاصة الثاني، وقال إنه ملأ كراسة من 40 صفحة بالملاحظات علي الإخراج، وقرر عدم التعامل مع جمال مرة أخري.

وكان من المفترض أن يمتد الجزء الثالث إلي 1962، عام خروج الأجانب من مصر، بعد أن توقف الجزء الثاني عند عام 1951 ولكنه لم يكن يقلقه كثيرا أن يترك عملا ناقصا، حيث قال لي - في نفس الحوار - إنه يصر علي أن يكتب ما يعتمل داخله حتي لو كان سيبدأ فقط، وحتي لو كان العمل سيظل مثل السيمفونية الناقصة!

شخصيات علي المحك

وفي رأيي تتجلي عبقرية أسامة أنور عكاشة الحقيقية في حفاظه علي مشروعه الفكري/ الدرامي، وإلحاحه علي عناصره وأفكاره أكثر من مرة، من دون أن يصيب المشاهد بالملل، ومن دون حتي أن يلاحظ بعض المشاهدين هذا الإلحاح، مع تأثرهم الكامل به.

ومتابعة أعماله تكشف بسهولة عن تكرار بعض التيمات، مثل "اختبار الثروة" الذي أخضع له الكثير من أبطاله، بدءا ب "المشربية" ومرورا ب "ضمير أبلة حكمت" وانتهاء ب "عفاريت السيالة".. حيث تهبط الثروة فجأة علي البطل ويصبح السؤال: ماذا سيفعل بها؟ فأسامة يؤمن بأن المال محك ويسعي دائما لأن يعرف: هل يكفي لحل مشكلات المصريين أم أن المشكلة الحقيقية في الفكر والسلوك؟

وهناك تيمة "الدون كيشوتية"، أو الفارس الذي يتواجد في زمن لا يعترف بالفرسان، فيظل يحارب طواحين الهواء من دون جدوي.. وقد تكررت في أعمال مثل "عابر سبيل" و"الفارس الأخير" و"رحلة السيد أبو العلا البشري".

وفي العديد من الأعمال تكررت تيمة المرأة التي تربي عن طيب خاطر وبكل الحب أبناء غيرها، سواء كانت زوجة أب أم غير ذلك.. وقد وصف هو إلحاحه علي هذه الفكرة بأنه "عقدة شخصية"، حيث إن التي ربته هي زوجة أبيه، وكانت امرأة طيبة ظلت تهتم به حتي تجاوز الستين.

وأخيرا فإن من يتابع أعماله يلاحظ أن معظم قصص الحب لديه لا تكتمل.. وعندما تنتهي قصة منها بالزواج، فإن هذا الزواج يفشل، كما حدث مع "علي" و"زهرة" في "ليالي الحلمية".. وهذه ليست عقدة شخصية، بل رأيه الذي يتلخص في أن قصة الحب تفشل عندما يوضع الحبيبان علي محك الزواج، وأن الزيجات الناجحة القائمة علي الحب، نادرة جدا.. فهو يؤمن بمبدأ في علم النفس يقول إن الرغبات التي لا يتم إشباعها تظل تؤرق صاحبها حتي نهاية العمر.. وهذا هو - في رأيه - بقاء الحب، حيث إن عدم انتهائه بالزواج يساعد علي بقائه داخلنا.

وبالتأكيد سيساعدنا الرحيل المفاجئ علي بقاء أسامة أنور عكاشة أكثر داخلنا.

جريدة القاهرة في

08/06/2010

 

أسامة أنورعكاشة.. الشهد والدموع

بقلم : الأمير أباظة 

أسامة أنور عكاشة.. واحد من أهم رواد الدراما التليفزيونية في مصر والوطن العربي، فقد كان اسهامه بها قويا ومؤثرا، حيث خرج بها من مجرد سرد حكايات وحواديت إلي تأصيل فكر.

كان مصريا حتي النخاع، عشق تراب هذا الوطن وظل طوال حياته (27 - يوليو 1941 - 28 مايو 2010 ) يحلم ويفكر للوطن.

سنوات طويلة عاشها عكاشة في عملية البحث والتنقيب عن أصول جذور الشخصية المصرية التي تجمعت وتبلورت خلال الحقب المختلفة من الفرعونية إلي الرومانية ثم القبطية والإسلامية.

ورغم أن القضية شغلته وقضي سنوات عديدة من عمره فيها إلا أنها لم تشغله عن واقعنا المعاصر كان يبحر في التاريخ بحثا عن المستقبل.

لم يكتف أسامة أنور عكاشة بدوره كمجرد راو للأحداث، أو مجرد كاتب درامي متميز فاق أقرانه، ولكنه كان مفكراً وباحثاً وأديباً عاش يحلم لمصر.. ويعشق ترابها.

وإذا كان البعض يري أنه رحل قبل أن يكمل مشواره في رحلة التأريخ والتأصيل.. إلا أن من يمعن النظر ويدقق في أعماله الدرامية والأدبية يجدها مشروعا متكاملا مستنيرا يذوب عشقا في تراب مصر، أسامة أنور عكاشة أكثر من مجرد مشروع إبداعي، وإن ظلت إبداعاته شاهدة علي أكثر من عصر، وأكثر من تحول فقد نجح من خلال الدراما التليفزيونية في إرساء قيم وتقاليد جديدة علي هذا الفن.

كانت أعماله خلطة سحرية تجمع بين الأدبي والفلسفي والسياسي والتاريخي، فقد كتب دراما الرأي والموقف والتأمل والتحليل، كما كتب القصة القصيرة والسيناريو والحوار السينمائي بالإضافة إلي مسرحياته الناجحة «الأنون وسيادته» و«البحر بيضحك ليه» و«الناس اللي في التالت» «وولاد اللذينة»، أما إسهاماته السينمائية فحدث ولا حرج فقدم أفلام: كتيبة الإعدام - الهجامة - تحت الصفر - دماء علي الأسفلت - الطعم والسنارة - الإسكندراني.

كتب أسامة أكثر من أربعين مسلسلا تليفزيونيا حفرت اسمه في الذاكرة كمؤلف عبقري، جاءت شهرته الحقيقية كمؤلف مع مسلسل الشهد والدموع الذي حقق نجاحا مبهرا وتوالت بعده مسلسلات غيرت شكل الدراما التليفزيونية، في مصر والوطن العربي منها المشربية، ليالي الحلمية، ضمير أبلة حكمت، زيزينيا، الراية البيضاء، وقال البحر، ريش علي مفيش، أنا وانت وبابا في المشمش، لما التعلب فات، عصفور النار، مازال النيل يجري، أرابيسك، امرأة من زمن الحب، أميرة في عابدين، كناريا وشركاه، عفاريت السيالة، أحلام في البوابة، الحب وأشياء أخري، رحلة أبوالعلا البشري، أهالينا، الحصار، المصراوية.

كانت بدايته مع الأدب، حيث قدم مجموعة من الأعمال الأدبية أهمها مجموعة قصصية بعنوان «خارج الدنيا» 1967، ورواية أحلام في برج بابل 1973، ومجموعة قصصية بعنوان «مقاطع من أغنية قديمة» عام 1985، ورواية منخفض الهند الموسمي عام 2000 ورواية وهج الصيف عام 2001 بالإضافة إلي مؤلفات أخري منها أوراق مسافر عام 1995، همس البحر، تباريح خريفية.

حصد أسامة العديد من الأوسمة والجوائز أهمها جائزة الدولة في التفوق 2002 وجائزة الدولة التقديرية 2008.

رحم الله الكاتب الكبير بقدر ما أسعد هذا الشعب وبقدر ما قدم لمصر من إبداع حقيقي وتأصيل فكري سيبقي في وجدان الوطن والناس والتاريخ.

جريدة القاهرة في

08/06/2010

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)