يقرر «أورسن ويلز»، مخرج فيلم المواطن كين، أن «الكاميرا هي عين المخرج»، العين التي ينظر من خلالها ليُكوِّن صوره، ويجمع لقطاته، ويبني مشاهده. وبما أن المتلقي يشاهد العمل السينمائي عن طريق الكاميرا، التي هي عينه، فمن الضروري الوعي بأي عين يشاهد المخرج ما أمامه.

لكن هذا المفهوم التنظيري يتخذ معناً آخراً، في فكرة مهرجان دبي السينمائي ـ الدورة التاسعة 2012م التي تبنت الثيمة البصرية لشعار (ماذا ترى؟) النابهة واللطيفة في آن، لكون السؤال: ماذا ترى؟، سؤالاً شديد العمق ومتعدد الدلالات، خاصة على المستوى السينمائي, فهو يرمي إلى إستقصاء فن الرؤية المادية بالعين والاستبصار والفهم والاستيعاب بالذهن والوجدان.

وكان «ڤيساريون بيلنسكي» أطلق في منتصف القرن التاسع عشر عبارته الشهيرة (الفنان يفكّر في صور) ليؤكّد خصوصية وارتباط الفن بالصورة بما يعني أن الفنان يفهم العالم فهماً ذاتياً، ويقدّمه في صور عن طريق هذه الذات من خلال فهمه للأشياء، ومن خلال طريقة استيعابه لها، وتفاعله معها .وهو بالتالي ينقل فهمه هذا الى المتلقي الذي بدوره ستشكل تراكم الصور لديه معان مختزنة في عقله الباطن، ومن ثم يفسر بها العقل الإيحاءات التي ترد إليه عن طريق الأشكال والمعاني والأفكار.

وربما كان ذلك تحديدًا هو جوهر عملية المشاهدة السينمائية، أن يصبح الفيلم في جوهره مساحة مفتوحة لانعكاس الأفكار والمشاعر الموجودة في عقول المتفرجين، إذ تمثل الانعاكاسات الذهنية جزءً من حرية التلقي الممنوحة لمشاهد السينما.

اختار المهرجان الشعار مقرونًا بعشرة أشكال مستوحاة من اختبار بقع الحبر الشهير في علم النفس المعروف باختبار «هرمان رورشاخ» الذي استخدم الاستجابات التأويلية على بقع الحبر في قياس خصائص الشخصية، وهي عبارة عن مجموعة أشكال يتم عرضها على الشخص المراد تحليله نفسيًا، ثم سؤاله: ماذا ترى؟. وهنا تتحول الأشكال في عيون كل شخص إلى انعكاس لما يدور في وجدانه ويجسد أفكاره. ويصل المشاهد إلى الحد الذي يكيّف فيه حسه لينفتح على الأشياء التي لايراها بمنظوره الشخصي المعتاد، إنما بمنظور الأشياء فيه و ما تمثله داخله، ومنها يستطيع المحلل أن يتعرف على سمات شخصية وذائقة وتوجهات الشخص المفحوص، وبالتالي معرفة نوعية الأفلام التي يفضلها سواء حركة، رومنسية، مرعبة، كوميدية، تاريخية، بوليسية، خيالية علمية...الى آخره. وهذا الإختبار أعده دكتور ريموند حامد وكريستيال باسيليو وألينا أندريوتيس وفريقهم المساعد.

ولكن عندما عمل "رورشاخ" في عام 1917م على دراسة استجابات مجموعات من الراشدين ومجموعات من المصابين بالاضطرابات العقلية على هذه البقع، كان يحاول فهم طريقة رؤية المختل عقلياً للأشكال غير المتوقعة. ولكنه وسع دراسته لتشمل المتزنين عقلياً وونشر عام 1921 دراسة عن "التشخيص النفسي"، وتوصل في هذه الأثناء إلى انتقاء عشر بقع من الحبر اعتبرها أكثر البقع فعالية في الإبانة عن سمات شخصية الفرد وهي التي يقوم عليها الاختيار، ومما يجدر ذكره أن "رورشاخ" كان مهتماً بتفسير الاستجابات على هذه البقع من خلال مفاهيم مدرسة التحليل النفسي.

في إختبار المهرجان وضعت عشرة بطاقات (بقع حبر متخذة أشكالاً سيمترية "تناظرية" بفعل طي اللوحة من منتصف البقعة) و وزعت على الحضور في مغلف أنيق،وملحق معها كتيب يشرح طريقة إجراء الاختبار.. تحت كل شكل (6) إحتملات لما يمكن أن يراه المشاهد. وكل احتمال يحوي (3) إحالات تفسيرية للشكل، يمكن اختيار أقربها لما يمكن للشكل أن يمثله.. أو ما يراه المشاهد.

غير أن المهرجان بهذه اللعبة يكون قد حفز ذهنية الحضور وأثار تخييله للذهاب عميقاً في دخيلته، ليشاهدوا ما وراء الأفلام، ما بين اللقطات والمشاهد والموسيقى والحياة والسحر الذي يكتنفه كل فيلم، وهو بذلك أيضاً عمل على استنطاق المشاهد، فالسؤال : ماذا ترى؟ يستوجب البوح ـ حتى لو داخلياً ـ عن ما يراه، وهي طريقة إيحائية فعالة في إثارة موضوعات لا حصر لها للحوار والنقاش وتبادل الأفكار.

WHAT DO YOU SEE ?

 

(1) ازياء / مهرجون / قفز تزلج عل الجليد / فراشة / ألعاب نارية صراخ / بكاء / إمرأة شرقية رشاش / ركض / سيف مرساة / كائن فضائي / ذبابة دماء / معلاق / جن               (2) فتيات استعراض / خشبة مسرح / رقص مطعم فاخر / فندق / تدوير ثروة / مبنى طويل / يجادل  مدفع كبير / صخور / يسحق مركبة فضائية / كائن فضائي / تحليق صراصير / زحف / إلتهام               (3) شمعة قطن / كلب يرتدي قبعة / مزلق البجع / الملاك /  عائم طيور مهاجرة / عاصفة / تجول انفجار / حرب / إنفجار ضغطي هوائي كبير / جسر تحتي / دوار أطرافه / أسلاك شائكة / تدهور               (4)  كنغر / شوارب / قفز فراشة / شمعة / خط الأفق أيادي / قناع / صلاة برج بعيد / جندي / متاهة مسدس أشعة / المريخ / حرق عيون شيطان / جثة / طعن بسكين               (5) شعيرات الصدغ / وجه جرو / كرسي المخرج كرسي الحب / ثريا / خاتم الخطوبة عقوبة إعدام / قاعة المحكمة / عدالة معصوب العينين / كرسي القفز / إخفاء أشعة الليزر / رجل آلي / فضاء إلكتروني   جمجمة / كرسي التعذيب / كهربائي               (6) حصان بجناحين / زخرفة / حاجبين مضحكين ممر زفة الزواج / نهاية سعيدة / كأس خمر ممر قصير / إنارة شارع / كازينو معبد الموت / نفق / مهبط الطائرات القذف / البعد الرابع / وقت السفر مسكون / غرفة التعذيب / جثث معلقة               (7) ميكروفون / غطاء تدفئة الأذنين / بسكويت عيون فراشة / قلب / يمزج الموت / المبايض / بقع دم مفترق طرق / حبل / عجلات نجمي / أخطابوط / مراقبة ذاتية شاهد قبر / قيود / ظل قبعة               (8) رجل على ركائز / قبل زرافات / صدرية كسوف القمر / رجل يحمل طفل / معانقة فتاة نحيلة / جزيرة / بحيرة إعصار / سيف يتأرجح / صعود طائرة هيلكوبتر طبق طائر / وقت الربط / ترقية إتصالات ملاك الموت / صورة صلب المسيح/ سيطرة               (9) إيروبيكس / ألواح شيكولاتة / ريموت بلاي ستيشن برج إيفل / أسرّة / طريق الى الأفق أشعة إكس / كوشي أسود / فحم مهبط طائرات / عراقيل / هروب فضاء خارجي / ثقوب / أسرع من الضوء نعش / إصابة حشرية / قاطع الطريق               (10) وجه كلب كرتوني / ساحر / رجل بشارب أمنيات / ألعاب نارية / طائر القلق مع طفل كرة كريستال / دموع / إحتضان ثوران البركان / أجنحة خفاش / دب أحمق نافورة فضائية / مركبة فضائية / حزام علوي شيطان / ورقة نبات / مرتعش         سينماتك في 25/12/2012