حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي السبعون

مهرجان فينيسيا:

اللهاث نحو اقتناص الأسد الذهبي

أمير العمري- فينيسيا

الكثير من النقاد الحاضرون هنا، ومعظمهم من الذين اعتادوا التردد على مهرجان فينيسيا منذ أكثر من عشرين وثلاثين عاما، يجمعون على أن مسابقة الدورة الـ70 أضعف مما كان متصورا، ويشترك رأي كاتب هذه السطور معهم، وليس صحيحا القول إن مدير المهرجان باربيرا كان يحسن الاختيار وهو يضم نحو سبعة افلام امريكية مما يعرف بأفلام السينما المستقلة التي ثبت بالتجربة والمشاهدة عبر سنوات، أنها لا تستطيع ان تنافس هوليوود، ليس بسبب ما يقال عن ضعف الميزانية، ولكن الملاحظ ان احتيار المواضيع نفسها يميل إلى الاستسهال، والجري وراء أي فكرة غريبة غامضة، لا تهم أحدا في العالم الخارجي أي خارج الولايات المتحدة أو ربما أيضا خارج المنطقة التي تدور فيها الأحداث، فمعظمها أفلام "ريفية" إذا جاز التعبير، وقد لا يكون هذا عيبا في حد ذاته، لكن المدهش أن أسلوب المعالجة السينمائية تعتمد على المط والتطويل والثرثرة والحوارات المرهقة التي تشرح الفكرة مائة مرة، والأخطر أنها أفلام تفتقد الحبكة بشكل يدعو للرثاء. وكأن رفض الحبكة، أي التدافع الدرامي الذي يقوم على بناء متماسك مهما شطح في الخيال، وصولا إلى الكشف عن منطق لتلك الدراما، هو في حد ذاته أمر ثوري زطليعي يستحق التهليل!

لم أجد أحدا يعجب بأي فيلم من تلك الافلام الأمريكية التي عرضت بالمسابقة ربما باستثناء فيلم "مسارات" (الذي فاتني أن اشاهده)، ولم يتبق بالتالي سوى "فيلومينا" لستيفن فريرز العائد بقوة إلى المسابقة عسى أن يفوز هذه المرة بالأسد الذهبي، أي الجائزة التي حرم ظلما من الحصول عليها عن تحفته الكبيرة "الملكة" قبل سبع سنوات، ولاشك أن الفيلم يستحقها إلا إذا أعاد التاريخ نفسه (ليس بالضرورة على شكل مهزلة!) ومنحت لجنة التحكيم التي يترأسها المخرج الايطالي الكبير برناردو برتولوتشي، جائزة أحسن ممثلة إلى الممثلة البريطانية المرموقة جودي دنش التي تلعب دور البطولة في الفيلم نفسه، وبالتالي يحرم الفيلم من الأسد الذهبي أيضا لأنه ليس من الممكن الجمع بين الجائزتين!

الحلم الياباني

الفيلم الثاني الذي ينافس فيلم "فيلومينا" هو الفيلم الياباني "الريح تهب: يجب أن نحيا" للمخرج الكبير هاياو ميازاكي، وهو من أفلام الرسوم المتحركة (مازلت أفضل هذا الاصطلاح على التحريك والتشكيل والأنيم فهو الأقرب خصوصا في وصف هذا الفيلم تحديدا فليس هناك أي دمى يتم "تحريكها هنا بل رسوم مصورة فقط). هذا الفيلم يصور جانبا من تاريخ صناعة الطائرات المقاتلة في اليابان ويعتبر تحية إلى رائد هذه الصناعة، مصمم الطائرات العبقري جيرو هوريكوشي الذي نجح بعد سنوات من الجد والاجتهاد في تصميم المقاتلة اليابانية ميتسوبيشي إيه6 إم زيرو التي شاركت في الحرب العالمية الثانية.

ورغم أجواء التنافس التي يصورها الفيلم بين اليابان والمانيا في صناعة المقاتلات، ورغم أجواء الحرب العالمية لكن هذا الفيلم أساسا، يروي قصة الحب العظيم الذي جمع بين هذا المهندس الشاب وحبيبته التي كانت مريضة بالسل الرئوي. إنه يبدأ من القاع، عندما كانت اليابان دولة فقيرة ينتشر فيها الفقر والمرض، ويتدرج إلى سحر الطيران الذي أسر خيال بطلنا هو طفل صغير، وكبر معه الحلم خاصة بعد أن التقى بأحد كبار مصممي الطائرات المهندس الإيطالي كابروني.. ومن خلال الحلم المشترك يحلق الاثنان ويقوم الاستاذ بتعليم التلميذ مزايا التصميم الجيد. ويمر الفيلم بطبيعة موضوعه، على ما تركته النازية الألمانية من دمار، وما تسببت فيه النزعة القومية المتطرفة في اليابان من كوارث وهزائم انتهت لكن الحلم لم ينتهي ولم يتوقف.  

معنى الحياة.. مجددا

وباستثناء هذين الفيلمين ليس هناك الكثير من الأفلام المثيرة للاهتمام، ففيلم "المعادل صفر" يضيف خيبة أخرى إلى تجارب تيري جيليام الخائبة رغم كل ما بذل فيه من جهد.. فلا الحبكة تشدك، ولا تلك الحوارات العقيمة تضيف لك شيئا عن عالمنا، ولا النكات اللفظية الفجة تضحكك. إنه فيلم يحاول أن يتفلسف ولكن بدون وجود قضية للتفلسف. سيقول البعض: ولكنه يتحدث عن معنى الحياة.

ونقول لهم: وما الجديد في هذا وتيري جيليام قد عبر عن تأمله في "معنى الحياة" في فيلم بديع يحمل العنوان نفسه The Meaning of Lifeمع فرقة مونتي بيتون البريطانية الشهيرة عام 1983 ولاشك أنه يعتبر من أفضل أفلامه.

أما الفيلم البريطاني (مشترك مع أمريكا بالطبع كالعادة!) "تحت الجلد" للمخرج ريتشارك جلازر فقد انتظرناه بشغف لكنه أسفر عن معالجة مفتعلة سطحية تلعب على التناقض بين جسد سكارليت جوهانسون المثير (الذي نراه عاريا في أكثر من مشهد) وبين تلك البرودة القاتلة التي تحيط بالموضوع كله، فالموضوع (وهو من نوع الخيال العلمي) يدور حول كائن خارجي، أي قادم من كوكب آخر في صورة امرأة (جوهانسون) تقتل امرأة أخرى وترتدي ملابسها ثم تقود سيارة تجوب بها مدينة جلاسجو وضواحيها وبلداتها المجاورة، تغوي كل من تقابله من الرجال الذين يسيرون فرادى ثم تقتادهم الى حيث تغرقهم تحت سطح مادة شفافة ليست الماء بالتأكيد لكنها قد تكون من صنع هذه الشخصية الغريبة التي لا تأكل ولا تشرب، والهدف من تلك الجرائم هو جمع أجزاء من جثث الرجال لدراسة التكوين البشري وكيف يعمل.

لكن هذه المرأة التي لا تحمل إسما، تتأنسن تدريجيا خاصة بعد لقائها برجل بشع الهئية، (يشبه الرجل الفيل في الفيلم الشهير لديفيد لينش) لكنه رقيق وحنون، وتمنحه هي لحظات من الود الانساني الذي يفتقده في عالمه الخاص المنعزل. ولا يهم ما يحدث بعد ذلك، فالمشكلة هنا أن الحدث يتكرر ويتكرر مرارا وتكرارا، والأداء البارد القاتل للممثلة التي تسيطر على كل المشاهد تقريبا، يصبح مدعاة للاستفزاز أحيانا بسبب عدم تغير تعبيرات وجهها حتى عندما تنحو نحو التأنسن قرب النهاية، فهي مجرد "روبوت" موجه من آخرين يلاحقونها بدراجاتهم النارية، لضمان عد انحرافها عن جادة الطريق ربما!

باختصار ما يقدمه هذا الفيلم على صعيد الموضوع، لا يضيف جديدا بل سبق أن شاهدناه على نحو افضل كثيرا في "عالم الغرب" مثلا الذي قام ببطولته يول برينر. لكنه ربما يضيف بعض الجدة على مستوى الصنعة (التصوير بوجه خاص) والموسيقى.

لاشك أن الدورة التي ستظل في أذهان الكثيرين ليست الدورة السبعين التي أفسدها باربيرا باختياراته الأمريكية وإهماله لسينما آسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية بشكل صارخ، بكل أسف رغم البرنامج الضخم للأفلام الكلاسيكية المعروضة في إحدى صالات الليدو، لكن الدورة التي ستظل في ذاكرة الجميع هي الدورة الحتامية لعمل ماركو موللر كمدير للمهرجان قبل عامين (أي عام 2011) والتي ذهب بعدها موللر لتولي مسؤولية العمل في مهرجان روما السينمائي.

عين على السينما في

03/09/2013

 

يوميات مهرجان «فينيسيا» السينمائي الدولي (7)

فينيسيا: محمد رُضا

الجمهور يبحث عن سبب

* شكا مسؤول أول لأحد المهرجانات العربية أن الجمهور قلما يقبل على التظاهرات الخاصة وأفلام التكريم والبرامج التي تعرض أفلاما غير حديثة. قال: «جرّبنا كل شيء، لكن القاعات تبقى خاوية عندما يكون الفيلم جزءا من تكريم شخصية معينة»، وأضاف: «الوضع ذاته بالنسبة لمعظم التظاهرات الجانبية، تلك التي تكون نوعا من الاسترجاع أو عروضا خاصّة. الجمهور عندنا يتقيد بما هو جديد فقط».

هذا مؤسف خصوصا عندما نلاحظ في المهرجانات الكبيرة كلها شغف الجمهور بالقديم والجديد على حد سواء. بالأفلام القديمة وبالتظاهرات التكريمية كما بأفلام المسابقة التي تعرض أحدث الأعمال.

لماذا هذا التفاوت؟ هل يكمن في أن الجمهور العربي لا يريد أن يعلم؟ أم في أنهم في الغرب ما زالوا يحبون البحث في الجذور؟ أم هي غلطة المهرجانات العربية التي لا تعرف كيف تسوق لبضاعتها؟

جرّب الأسباب الكامنة في هذه الأسئلة بكاملها: نعم الجمهور العربي الذي يؤم المهرجانات لا يكترث كثيرا، وبأغلبه، إلى الأفلام القديمة. ونعم الجمهور الغربي على علاقة وطيدة أكثر وأفضل مع أصل السينما وجذورها، ثم نعم، لا تعرف المهرجانات العربية كيف تثير اهتمام الجمهور المحلي بالعروض خارج إطار الأفلام الجديدة.

أولا، هناك طبيعة الأمور وهي هنا تفرض في أن معظم المشاهدين سيواظبون على تفضيل الأفلام الحديثة على سواها. هذا ليس في مهرجاناتنا فحسب، بل في المهرجانات العالمية بأسرها. لكن هذا لا ينفي أن نسبة كبيرة (تكفي لملء الصالة) من الجمهور الغربي تقصد الأفلام القديمة أو العروض الاستثنائية والتظاهرات الجانبية حين إقامتها في مقابل عدد محدود من هواة السينما والعاملين فيها.

ما يدفع هؤلاء حبهم الرائع للسينما على نحو عام وثقافتهم التي يدركون من خلالها أن الشغف بسينما اليوم يجب أن لا يكون على حساب سينما الأمس. وليس الأمر نوستالجيا في معظمه، بل هو تأكيد على ثقافة الفيلم ودورها في صياغة الهواية السينمائية التي يتمتع بها هؤلاء.

ولا أعتقد أن المشكلة تكمن في إقامة مثل هذه التظاهرات الخاصة في مهرجاناتنا، بل كيفية إقامتها. في بعض المهرجانات العربية يتم تعليب التظاهرة بما تحتاجه من أفلام ثم وضعها أمام الجمهور والطلب منها أن تمشي. لك أن تتخيل واحدة من الألعاب القديمة التي كانت تتطلب تحريك مفتاح إلى جانبها وحين يمتلئ تترك اللعبة على الأرض فإذا بها تتحرك حسب المقصود لها ثم تتوقف بعد حين وعليك أن تدير المفتاح مرّة أخرى. هذا ينفع لتلك اللعبة لكن التظاهرة السينمائية تريد شيئا مختلفا.

مهرجان فينيسيا يواجه الأزمة الخطرة

منافسة حامية من تورنتو وروما ووضع اقتصادي في الصميم

فينيسيا: محمد رُضا

وجه المخرج الأميركي تيري غيليام الذي يعيش ويعمل في بريطانيا منذ عشرات السنين برد فعل معاد على ما سمّاه فيلما وعرضه في مسابقة مهرجان فينيسيا تحت عنوان «نظرية الصفر».

في الحقيقة للفيلم عنوان مناسب وفيه عبارة حوار تنفع للتعريف به، تقول إن الرقم الوحيد الذي هو مائة في المائة رقم كامل هو «الصفر»، فرقم واحد هو واحد من مائة وكذلك الأرقام جميعا إلى تسعة، لكن الرقم «صفر» يجسّد نفسه كاملا. وهذا ينطبق على فيلم «نظرية الصفر»، فهو بدوره صفر كامل حتى مع محاولة هذا الناقد وسواه البحث عن حسنات مدفونة وسط زحمة الصور والكلمات.

عرض الفيلم في صباح يوم الاثنين والحشد كان كبيرا لأن التوقعات كانت أن غيليام دائما ما فاجأ الجمهور بخيال رحب وثري. لكن هنا نجد الخيال غزيرا من دون رحابة ولا ثراء أو عمق. بعد ربع ساعة بدأ الجمهور بالانسحاب. بعد ساعة كانت الصالة قد أفرغت ثلث من فيها. الذين بقوا للنهاية كانوا فقط يريدون التأكد من أن المخرج الشهير فقد بوصلته ولن يجدها قبل انتهاء العرض.

* الحاجة إلى سوق والحديث عن الزحام هو أمر نسبي

* فينيسيا في دورته السبعين هذا العام لا يشهد ذات الزحام الذي كان للدورات السابقة. والسبب ليس واحدا بل يشرئب برأسين كما لو كان وحشا من الأعماق.

الأول أن المدينة مكلفة جدا. الآتون من بعيد انخفضوا عددا لأن صحفهم تواجه أزمات حادّة. طبعا هناك من الصحف الأجنبية ما يكفي لتدويل نسبة المشاهدين، لكن هناك أيضا فنادق ألغت حجوزات عدد كبير من الصحافيين (والضيوف الآخرين) الذين اعتادوا القدوم من أوروبا وآسيا الجنوبية كل عام.

السبب الثاني، هو أن المهرجان الإيطالي العريق بات محاطا الآن بمهرجانين يزعجانه. واحد يأتيه من خاصرته اليمنى فيلكزه باستمرار والثاني يأتيه من خاصرته اليسرى ويوجعه. المهرجان الأول هو تورنتو الذي ينطلق بعد يومين في دورة جديدة حافلة، والثاني هو مهرجان روما في العاصمة الإيطالية.

المسألة هنا أكثر جدية مما قد تعترف بها إدارة مهرجان فينيسيا. المهرجان الإيطالي الآخر يقع على بعد شهر ونصف تقريبا من الآن، وهو يحتوي على سوق أفلام في حين أن ما أقامه مهرجان فينيسيا في هذا الصدد لا يعدو تجمعا متواضعا لمشاريع يمكن بحثها تجاريا. والشركات مستقلة كانت أو غير مستقلة، هوليوودية أو أوروبية أو سواها، تفضل مهرجانا يمنحها فرصة البحث عن الموزع يشتري ما لديها من مشاريع معروضة أو ربما مستقبلية. طبعا الاستوديوهات الأميركية الكبرى ليس لديها أي مشكلة فهي مؤمنة من أصغر صالة في شنغهاي الصينية إلى أكبر صالة في جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا، لكن كل تلك الأخرى لا تفتأ تطلب فرص توزيع لأعمالها وتحاول أن تصطادها في المهرجانات التي تملك أسواقا مفتوحة.

محطة لقاء لكن تورنتو هو مصدر القلق الأكبر. إذ ينطلق قبل نهاية المهرجان الإيطالي الحالي بأكثر من 300 فيلم كل عام، فإنه يسحب البساط من تحت قدمي فينيسيا سريعا وقبل انتهاء دورته. لذلك تجد أن لفيفا من الإعلاميين القادرين يتركون المهرجان بدءا من الثالث والرابع من الشهر، أي في منتصف الدورة، ويستقلون الطائرة إلى العاصمة الكندية. كذلك يفعل عدد من السينمائيين. جورج كلوني وفريق فيلم «جاذبية»، على سبيل المثال، انطلق في اليوم التالي للمقابلة التي أجريناها معه ليلحق مهرجانين هما توليارايد، ولاية كولورادو، وتورنتو. وكذلك فعل عدد كبير من السينمائيين الشغوفين بالوصول إلى تورنتو التي هي بوّابة العروض وفرص التوزيع للشمال الأميركي بأسره.

لكن بعض السينمائيين، وعلى نحو متزايد، بات يفضل تفويت فينيسيا بأسره والطيران باتجاه تورنتو مباشرة ولديه ثلاثة حوافز:

أولا: تورنتو رخيصة بالنسبة لفينيسيا. كون جزيرة ليدو، حيث يقام المهرجان الإيطالي، جزيرة سياحية فإن أسعارها، كحال «كان» سياحية أيضا. المهرجانات التي تقام في المدن، مثل برلين وتورنتو ودبي على سبيل المثال، تمكّن اللاجئ إليها من التمتع بتفاوت مناسب للأسعار الاستهلاكية. فهو يستطيع - إذا لم يوفر له المهرجان الإقامة - أن يجد فنادق صغيرة إذا ما كانت ميزانيته محدودة. هذه الفنادق من المستبعد أن ترفع أسعارها لمناسبة المهرجان لأن معظم روادها من غير المهرجاناتيين. كونها تقع في المدن يعرّضها لمواسم مختلفة ليس منها عنصر المهرجان إلا بالنسبة لبعضها من حملة النجوم الخمسة أو الأربعة.

ثانيا: المهرجان الكندي بات محطة لقاء أميركية - دولية. في الحقيقة هو بديل أساسي للمهرجانات الأوروبية إذا ما قررت جهة إنتاجية أن تورنتو كافٍ ووافٍ. كل ما تحتاجه هو مواكبة الفيلم في مهرجان هو كله سوق مفتوحة وحملات دعائية وحفلات ساهرة. هذا ليس متوفرا إلا في «كان»، لكن «كان» يقع في مطلع الصيف وتوقيت تورنتو مناسب للموسمي الخريف والشتاء، وهو يقف عند بوابة موسم الجوائز أيضا رغم أنه لا يوزّع أي جوائز رسمية باسمه.

* خمسة نقاد عرب

* الحافر الثالث الذي يدفع الكثيرين لتفضيل تورنتو على فينيسيا يكمن في أن تفويت مهرجان فينيسيا هو أمر نسبي. فجزء لا بأس به من الأفلام المعروضة هنا، تحتل شاشة المهرجان الكندي هناك. تورنتو السابق، كان مهرجان المهرجانات حيث كانت الأفلام التي تعرض في المهرجانات السابقة له تشكل أكثر من 85 في المائة من مجمل عروضه. منذ سنوات انحسرت هذه النسبة ولو كثيرا لنحو 55 - 60 في المائة. وهو لا يزال قادرا على تعويض الناقد أو السينمائي إذا ما فاتته المهرجانات الكبيرة الثلاثة برلين وكان وفينيسيا.

نتيجة ذلك أن عددا كبيرا من الأفلام التي ترصّع دورة تورنتو الجديدة لهذا العام كانت محط رغبة مدير المهرجان ألبرتو باربيرا في استحواذها لكن أصحابها قرروا الطيران فوق إيطاليا في طريقهم إلى تورنتو بها.

من هذه الأفلام «12 سنة عبدا» لستيف ماكوين و«هل تستطيع أغنية إنقاذ حياتك؟» لجون كارني و«دوم همنغواي» لرتشارد شيبرد و«الشخص الثالث» لبول هاجيز و«عقدة الشيطان» لأتوم إيغويان.

عربيا، وفي هذا الاتجاه. كان هناك حين عندما كنت تجد نحو دزينة من النقاد في أضعف الأحوال وأكثر منهم من السينمائيين. هذا العام هناك نقاد عرب آتون من لندن (ناقد «الشرق الأوسط») وإيطاليا (عرفان رشيد) وثالث من الجزائر (المخرج والناقد سعيد ولد خليفة الذي يعيش في فرنسا) ورابع من لبنان (هوفيك حبشيان ناقد «النهار») وخامس من مصر (أمير العمري). وهناك كاتب تقرأ له ولا تراه لأنه يكتب غيابيا مقالات يبعث بها لصحيفة لبنانية على أساس أنه حاضر وقائم في «فينيسيا» لكنه في الواقع غير موجود. للقارئ أن يتصوّر كم الأخطاء التي يرتكبها بمعزل عن إدراك صحيفته الواثقة به.

من غير الجسد النقدي، هناك المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي مسعود أمرالله ومدير قسم السوق في ذلك المهرجان سامر المرزوقي، ثم المنتج والممثل عمرو واكد. و.. هؤلاء هم الكوكبة العربية.

لا أحد يقول إن مهرجان «فينيسيا» منتفي الحاجة، ولا أنه يعيش مأزق وجود. لكن في عصر تمر فيه أوروبا بأزمة اقتصادية قد تتبلور نحو الأسوأ في أكثر من دولة، بينها إيطاليا، فإن المستقبل لا يبدو ورديا. السياحة تبقى المورد الأول لهذا الجزء من أوروبا، لكن غلاء المعيشة يمكن له أن يقوّض المبادرات والاحتفالات و.. نعم: المهرجانات أيضا.

ميا وازيكوفسكا لـ«الشرق الأوسط»:

لست واثقة من أنني نموذج ناجح للمرأة التي لا يحدها طموح

حين كانت الممثلة الأسترالية المولد ميا وازيكوفسكا في سن التاسعة عمدت إلى تعلّم رقص الباليه. كانت عائلتها تركت سيدني إلى بولندا، حيث موطن والدتها الأول، ولم تمانع في توجّه ابنتها صوب الفن لأنها لاحظت عليها علامات نبوغ. لكن السينما هي التي كسبت ميا وليس الباليه. وها هي تقود بطولة فيلمها الخامس عشر «مسارات» أو Tracks الذي استقبل هنا جيّدا.

·        تؤدين شخصية الرحالة الأسترالية روبين دافيدسون.

كيف درست هذه الشخصية؟ من أين جئت بالمعلومات عنها؟

- هذا لم يكن صعبا لأن هناك عددا كبيرا من المراجع حول هذه المرأة الشجاعة التي اجتازت صحراء أستراليا الغربية بمفردها مع أربعة جمال وكلب واحد. وهذه المراجع تتحدّث عن رغبتها في أن تجول بعيدا باحثة عن شعوب وقبائل وسكان أصليين يعيشون في مناطق منزوية من العالم.

·        هي قامت برحلات خارج أستراليا أيضا..

- نعم، إلى التبت والهند وكانت دوما شغوفة بالتعرّف على الطبيعة وعلى الشعوب التي كانت تعيش في تلك المناطق. وكانت تكتب مذكراتها.. مذكراتها في الحقيقة آسرة.

·        هل كنت تعرفين عنها قبل هذا الفيلم؟

- الحقيقة لا. ربما كنت قرأت عنها على نحو عارض، لكن حين تسلمت السيناريو وأعجبت به قررت أن لا أفوّت فرصة معرفة هذه المرأة التي هي في رأيي امرأة فريدة. وكما ترى في الفيلم كانت لا تخشى الوحدة. كانت تتعايش معها وربما كانت تحسب لها، لكن طموحها للنجاح في رحلاتها الطويلة رغم المخاطر المحتملة كان أقوى من أن تشعر بالخشية منها.

·        ماذا عن رحلتك أنت في الحياة.. هل تجدين تشابها ما؟

- على نحو رمزي ربما. لكني ما زلت في مطلع الطريق. أعتقد أنني اخترت رحلة حياتي باكرا. كنت أحب أن أكون فنانة راقصة أو ممثلة أو رسّامة. وجرّبت الثلاثة قبل أن أقرر أن التمثيل هو رغبتي الأقوى.

·        هل كان التصوير شاقا؟

- حاول الإنتاج تخفيف وطأة صعوبة التصوير.. تحت الشمس وفوق الرمال وفي جو حار جدّا. لكن كان لا بد من هذه التجربة.

·     هل لي أن أسألك عن الوجبات التي كانت تقدّم إليك في هذا الفيلم؟ هل كان من السهل الحصول عليها؟

- نعم. لم نمر بمجاعة إذا كان هذا ما تقصده (تضحك). كان هناك طعام وماء بقدر ما نريد، لكن روبين ديفيدسون ربما هي التي عانت أكثر بكثير مما عانيناه نحن. كل شيء عندنا كان مؤمنا قياسا. أما هي فعاشت على ما تستطيع أن تخزنه من ثمار جافة وما حلبته من جمالها. مجرد التفكير في تفاصيل كهذه تجعلني أقدّرها كثيرا لأني أحترم جدّا أولئك الذين يمضون في اتجاهات غير تقليدية أو مألوفة في الحياة.

·        هل أنت من هؤلاء؟

- أحب أن أقول نعم لهذا السؤال، لكني لست واثقة من أنني نموذج ناجح للمرأة التي لا يحدها طموح.

·        أفلامك الأولى كانت أسترالية.. هل عدت إلى أستراليا؟

- نعم. أكملت دراستي هناك وحين سنحت لي الفرصة قبل سبع سنوات لم أتردد.

·        لكن لماذا لم تعمدي إلى شق طريقك في السينما البولندية مثلا؟

- الحقيقة أن العائلة كانت قررت العودة إلى أستراليا قبل أن أقرر أنا أن أفعل ذلك. لهذا السبب ليس الأمر من اختياري. لكن صناعة السينما في بولندا ليست رائجة. ليس هناك الكم ذاته من الأفلام مثل أستراليا وبالتالي ليس هناك الحجم ذاته من الفرص.

·     في أستراليا عدد كبير من الممثلين والممثلات الذين كسبوا شهرة عالمية مثل هيو جاكمن وتوني كوليت وراسل كراو.. كيف تفسّرين هذه الظاهرة؟

- لا أدري لكني لا أعتقد أن ذلك عائد إلى انتشار السينما الأسترالية أو إلى جودة أفلامها. لا أقول إن إنتاجات السينما الأسترالية ليست جيّدة، بل المسألة هي أن القليل جدّا من هذه الإنتاجات يصل إلى العالم. أعتقد أن الظاهرة تعود إلى طموح الممثل الفرد. من بعد أن تحقق نجاحك هناك، ليس عندك سوى سبيل واحد وهو التوجه إلى هوليوود.

·        أنت رقيقة وعكست ذلك في كل أفلامك باستثناء «ستوكر».. ما الذي جذبك إلى هذا الدور؟

- أعتقد أن السبب يعود إلى ما ذكرته تماما. أفلامي قدّمتني دائما على أنني ممثلة غير صادمة. شخصياتي في «أليس في بلاد العجائب» و«جين إير» و«الفتيان بخير» هي رقيقة وناعمة كما ذكرت. «ستوكر» كان دافعا لكي أحاول تغيير هذه الصورة.

·        هل لديك مشاريع جديدة صادمة أيضا؟

- ربما. جئت إلى فينيسيا بعد أسبوعين من مشاهدتي نسخة عمل من The double. أعتقد أن دوري في هذا الفيلم هو على شاكلة «ستوكر».

·        لديك فيلم مع المخرج الكندي ديفيد كروننبيرغ. هل تتطلعين قدما لذلك؟

- نعم. هذا فيلمي المقبل وسأبدأ التمثيل فيه مع نهاية سبتمبر (أيلول). شاهدت فيلم كروننبيرغ الأخير مع روبرت باتنسون..

·        تقصدين «كوزموبوليس»؟

- نعم وأعجبتني أجواء العمل. أسلوب كروننبيرغ من وجهة نظر ممثل. هذا ما جعلني أتوق للعمل معه. وشاهدت بعض أفلامه الأخيرة أيضا. أعجبني جدا «تاريخ العنف» و«سبايدر».

·        مرتك الأولى في «فينيسيا».. ما رأيك؟

- فوجئت أن جزيرة ليدو ليست داخل مدينة فينيسيا نفسها بل هي جزيرة منفصلة عنها. فينيسيا هو اسم المنطقة. لكنني سعيدة بالفيلم وسعيدة بالجو الفني الكامل. حضرت بعض المهرجانات الأخرى في العامين الماضيين لكن فينيسيا هذا أكثرها إخلاصا للفن. ألا تعتقد؟

الشرق الأوسط في

04/09/2013

 

أفلام وثائقية سياسية تحتل الصدارة فى مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى

فينسيا (د. ب. أ) 

لم يخل مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى من النكهة السياسة، فقد شهد اليوم، الأربعاء، عرض أفلام وثائقية عن وزير الدفاع الأمريكى الأسبق دونالد رامسفيلد وحركة فيمين، الاحتجاجية التى تدافع عن حقوق المرأة من خلال تنظيم احتجاجات عارية.

وأخرج فيلم "ذا أنون نون" أو (المجهول معروف)، المخرج الأمريكى ايرول موريس، الحائز على جائزة الأوسكار عن فيلمه "ذا فوج أوف وار" أو ( ضباب الحرب) ، وهو فيلم وثائقى عن روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع الأسبق خلال فترة حرب فيتنام.

ويصور الفيلم أحد مهندسى الحروب الأمريكية فى أفغانستان والعراق على أنه على أحد أساتذة الخداع.. وبدلا من الاعتماد على طريقة الاستجواب، فإنه ترك رامسفيلد يحكى الجزء الخاص به من الرواية والذى غالبا لا يكون متناسقا.

وقال موريس رافضًا تلميحات أنه قد تساهل مع الموضوع"انظر إليه فى صورة مدمرة ومخيفة".. وأضاف أن رامسفيلد لم يعجبه المنتج النهائى.

و(المجهول معروف) فيلم من فيلمين وثائقيين من بين 20 فيلما مدرجا فى قائمة أفلام، التى تتنافس على جائزة الأسد الذهبى وهى الجائزة الكبرى فى مهرجان فينيسيا.

ونظمت حركة "فيمين" النسائية واحدا من فعالياتها المثيرة خلال المهرجان اليوم، الأربعاء، حيث قامت ناشطات بتعرية صدورهن خلال جلسة تصوير دعائية عن فيلم (أوكرانيا ليست بيت دعارة)، وهو فيلم وثائقى عن الحركة.

وظهرت ست نساء عاريات الصدر مع شعارات على صدورهن، مثل (أوكرانيا ليست بيت دعارة) و(الحرب العارية) و(النساء لا تزال هنا).

ويعتبر فيلم (أوكرانيا ليست بيت دعارة) أول فيلم روائى طويل من إخراج الأسترالية كيتى جرين، وتم عرضه خارج المنافسة، ويصور نشطاء فيمين خلال احتجاجاتهن عاريات الصدر وصراعهن مع فيكتور، الرجل الاستبدادى، الذى كان يسيطر على الحركة حتى انتقلت إلى باريس العام الماضي.

ونشأت الحركة فى أوكرانيا، وانتشرت إلى الخارج سعيا منها للاحتجاج ضد التمييز على أساس الجنس والاضطهاد الدينى والديكتاتورية.. وقد استهدفت من بين آخرين البابا بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان السابق والحكم الإسلامى فى تونس والرئيس الروسى فلاديمير بوتين.

اليوم السابع المصرية في

04/09/2013

 

«هبوب الرياح» أو أحلام العلماء عندما تتحول إلى كوابيس

بقلم   سمير فريد 

يعتبر هاياو ميازاكى من كبار مخرجى الأفلام التشكيلية فى اليابان والعالم، وفى تاريخ هذا الجنس من أجناس الفن السينمائى الذى ظلم طويلاً بتسميته الكرتون أو التحريك، وبالمفهوم الخاطئ الشائع بأن أفلامه قصيرة فقط، وللأطفال فقط.

تخرج ميازاكى فى كلية السياسة والاقتصاد فى جامعة طوكيو ١٩٦٣، لكنه بدأ على الفور العمل فى استديوهات الأفلام التشكيلية حيث أخرج ٣ مسلسلات منذ ١٩٧٨، و١٠ أفلام طويلة منذ ١٩٧٩، و٩ أفلام قصيرة منذ ١٩٩٢.

وفى ٢٠٠١ أخرج ميازاكى فيلمه الطويل «تحليق الروح» الذى كان أول فيلم تشكيلى يعرض فى مسابقة مهرجان برلين ٢٠٠٢، وأول فيلم تشكيلى يفوز بالجائزة الذهبية (الدب الذهبى) فى تاريخ كل المهرجانات الدولية الكبرى. وفى ٢٠٠٤ فاز فيلمه «قلعة هول المتحركة» بإحدى جوائز مهرجان فينسيا، وفى ٢٠٠٥ فاز بالأسد الذهبى التذكارى فى فينسيا عن مجموع أفلامه. ولن يكون من الغريب أن يفوز فيلمه الطويل الحادى عشر «هبوب الرياح» الذى عرض فى مسابقة فينسيا يوم الأحد الماضى.

وهذا أول فيلم تشكيلى سياسى يخرجه ميازاكى، وجاء من علامات السينما التشكيلية السياسية مثل أفلام الإسرائيلى آرى فولمان والإيرانية مارجان ساترابى.

لم يعش ميازاكى سنوات الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩-١٩٤٥) فقد ولد ١٩٤١، لكنه عرف أهوال الحرب التى اشتركت فيها اليابان إلى جانب ألمانيا النازية، وأدت إلى مصرع أكثر من عشرين مليون يابانى، وإلى ضرب اليابان بالقنبلة الذرية. وقد عرف عن الفنان أنه من أنصار السلام، ومن الذين يرون أن اشتراك اليابان فى الحرب كان حماقة كبرى. وفى السنوات الأخيرة ارتفع من جديد صوت القوميين اليابانيين الذين يسعون إلى تغيير الصورة السلبية عن اشتراك بلادهم فى تلك الحرب، ويطالبون بتعديل الدستور لتخفيف القيود على امتلاك القدرة على الهجوم العسكرى.

يأتى «هبوب الرياح» فى موعده تماماً ليواجه الاتجاه السياسى القومى الذى يمثله رئيس الوزراء الحالى شينزو آبى، ويعرض بنجاح كبير فى اليابان منذ يوليو الماضى. وقد تعرض الفيلم إلى حملة عنيفة من القوميين الذين طالبوا بمنعه، ووصفوا الفنان الكبير بأنه «عجوز مخرف»، لكن الحملة لم تؤد إلا إلى زيادة الإقبال على الفيلم حتى حقق ٨٠ مليون دولار حتى الآن.

الفيلم مهدى إلى هيرو هوريكوشى وتاتسو هورى، والأول هو مخترع محرك الطائرة المقاتلة اليابانية المعروفة باسم «ميتسوبيشى زيرو»، والتى كانت أقوى مقاتلات العالم من ١٩٤٠ إلى ١٩٤٣، والثانى روائى من نفس جيله، وعنوان الفيلم كان عنواناً لإحدى رواياته، واستوحاه من قصيدة للشاعر الفرنسى بول فاليرى يقول فيها «عندما تهب الرياح، علينا محاولة أن نحيا».

موضوع الفيلم حياة هيرو هوريكوشى، لكن لأنها سيرة متخيلة، يسمى فى الفيلم جيرو. وهى سيرة عالم تحول إلى أسطورة شعبية، لكنه أيضاً سيرة اليابان بعد الحرب العالمية الأولى (١٩١٤-١٩١٨) أو بين الحربين العالميتين. إننا نتابع جيرو من الطفولة إلى الشباب إلى منتصف العمر، واليابان من زلزال ١٩٢٣ المروع إلى الأزمة الاقتصادية العالمية إلى التحالف مع ألمانيا النازية. والأسلوب بين التجسيد والواقعى للحياة اليومية والعمل فى المعامل والمصانع وبين التجريد الخيالى للأحلام الذى يصل إلى حد الفانتازيا.

فى البداية يرسم ميازاكى الطبيعة اليابانية فى مطلع القرن العشرين قبل أن تشوهها الصناعة، وفى النهاية يعود ليرسم الطبيعة مرة أخرى فى إطار مقاومة هذا التشوه. وبين هذه البداية وتلك النهاية نرى أحلام جيرو منذ الطفولة بتصميم الطائرات، وشغفه بالكونت الإيطالى جيانى كابرونى الذى عرف ببراعته فى تصميم محركات الطائرات حتى إنه يراه فى أحلامه. لكن كليهما كان يفكر فى الطائرات المدنية التى يسافر عليها الناس، وليس فى الطائرات الحربية التى تقتلهم. وفى الطريق إلى جامعة طوكيو بالقطار يلتقى جيرو لأول مرة مع الفتاة ناهوكو، لكن يقع زلزال ١٩٢٣ الذى يشيع الدمار فى كل مكان. ويعبر ميازاكى عن هذا الزلزال فى مشاهد من أروع المشاهد فى تاريخ السينما من حيث القوة التشكيلية التعبيرية، كما يعبر بنفس القوة عن البؤس الذى تعرض له الشعب اليابانى أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية.

ويذهب جيرو مع زميله وصديق عمره هونو إلى ألمانيا فى إطار التعاون العلمى. يقول: «نحن فقراء لكننا ندفع المال إلى ألمانيا للحصول على التكنولوجيا». ويعبر ميازاكى عن النازية التى تلوح فى الأفق فى مشهد لافت لرجال الشرطة يطاردون أحد المطلوبين بعد منتصف الليل. وفى النصف الثانى من الفيلم تحلق الطائرة المقاتلة بنجاح بعد تجارب عديدة فاشلة، ويلتقى جيرو مع ناهوكو بعد عشر سنوات من لقائهما الأول، أى عام ١٩٣٣، وهى السنة التى وصل فيها النازى إلى الحكم فى ألمانيا، ونعيش معهما قصة حب رومانسية على طريقة أفلام الثلاثينيات حيث تمرض ناهوكو بالسل، ومع ذلك يصر جيرو على الزواج منها فى أيامها الأخيرة.

ورغم شىء من التطويل والتكرار، فقصة الحب تؤكد الرومانسية الكامنة فى أعماق جيرو، لكنه مثل نوبل الذى اخترع الديناميت، ومثل كثير من العلماء، تحولت أحلامهم إلى كوابيس. ويبدو ذلك بوضوح فى المشاهد الأخيرة التى تدور بين الواقع واستشراف المستقبل بعد نهاية الحرب. فلا توجد معارك حربية ولا بطولات، وإنما حطام الطائرات وخراب شامل يماثل خراب الزلزال، ويقول جيرو «الطائرات جميلة، لكن أيا منها لم تعد إلى الأرض».

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

04/09/2013

 

مخرجتان من فلسطين..

بين نساء من باليرمو ونساء من الأردن

بقلم   سمير فريد 

شهد برنامج «أيام فينسيا» الذى تنظمه نقابة المخرجين فى إيطاليا، عرض فيلمين لمخرجتين من فلسطين، وهما الفيلم الإيطالى الروائى القصير «نساء فيوسيرا» إخراج هيام عباس (٧ دقائق)، والفيلم الأمريكى الروائى الطويل «مى فى الصيف» إخراج شيرين دعبس (٩٨ دقيقة)، والذى صُور فى العاصمة الأردنية عمان، وتم إنتاجه بدعم من مؤسسة الدوحة للسينما فى قطر.

فيلم الممثلة والمخرجة الكبيرة هيام عباس، التى تشترك فى تمثيل فيلم شيرين دعبس أيضاً، أنتج فى إطار سلسلة «حكايات النساء» التى تعرضها «أيام فينسيا» للعام الثانى على التوالى، وهى أفلام قصيرة لمخرجات. وقد صورت هيام عباس فيلمها فى إحدى بلدات باليرمو عاصمة صقلية، ويبدأ بتحية لصناع الدمى التى تعرف بها البلدة، ثم أغنية مبهجة ترقص فيها المغنية فى ساحة مطعم أثناء تناول العشاء. إنه دعوة للفرحة بالحياة.

أما شيرين دعبس فقد ولدت فى ولاية نبراسكا الأمريكية عام ١٩٧٦، ودرست السينما فى جامعة كولومبيا وتخرجت ٢٠٠٤، وأخرجت ثلاثة أفلام قصيرة والفيلم الروائى الطويل «أمريكا» الذى عرض فى مهرجان صاندانس، وفى برنامج «نصف شهر المخرجين» فى مهرجان كان ٢٠٠٩، وحقق نجاحاً ملموساً وفاز بجائزة الاتحاد الدولى للصحافة السينمائية (فيبريسى) ذلك العام.

وفى فيلمها الروائى الطويل الثانى «مى فى الصيف» لا تكتفى شيرين دعبس بالإخراج، وإنما تكتب السيناريو وتمثل الدور الأول «دور مى» أيضاً، فهو فيلم «مؤلفة سينما»، ولكن قيمته الفنية أقل من قيمة فيلمها الأول.

فى «أمريكا» عبرت الفنانة عن تناقض الثقافات بين الغرب الأمريكى والشرق العربى، وذلك من خلال شخصيات عربية تأتى إلى أمريكا، وفى الفيلم الجديد تعبر عن نفس الموضوع، ولكن من خلال شخصية مى التى تأتى من أمريكا إلى الأردن. والطموح للخوض فى قضايا مركبة فى الفيلم الثانى أكبر، ولكنه يفتقد اللمسات الإنسانية التى امتاز بها الفيلم الأول. وربما كان هذا الطموح هو مشكلة الفيلم الجديد، فالمسافة كبيرة بين الرغبة والقدرة. إنها مخرجة أمريكية حقاً وإن كانت لم تنعزل عن أصولها الفلسطينية العربية، فتعبيرها عن الحياة فى أمريكا فى فيلمها الأول يتسم بعمق لا يتحقق بنفس القدر فى تعبيرها عن الحياة فى الأردن.

يبدأ الفيلم بلقطة من الطائرة لصحراء الأردن، وفى داخل الطائرة نرى مى، وفى مطار عمان نجد فى انتظارها شقيقتيها ياسمين «نادين معلوف» وداليا «علياء شكوكت»، ويذهب الثلاث إلى منزلهن حيث تعبر أمهن نادين «هيام عباس»عن فرحتها بوجود البنات الثلاث معاً مرة أخرى بعد غياب.

ندرك أن مى كاتبة روائية، وأن روايتها الأولى تدور فى فلسطين فى أربعينيات القرن العشرين، وحققت نجاحاً، وأن العائلة مسيحية، وقد جاءت مى إلى عمان لتتزوج من خطيبها زياد الفلسطينى الأصل بدوره، والذى يعمل أستاذاً جامعياً للعلوم السياسية فى نيويورك، ولكنه مسلم، ولذلك تقرر الأم عدم حضور زفافهما. وتعانى الأم من زوجها الأمريكى إدوارد «بيل أولمان» الذى تركها منذ ثمانى سنوات بعد زواج عشرين سنة، وتزوج من الهندية آنو «ريتيو سينج باندى» ويعيش معها فى منزل فاخر.

لا يبدو واضحاً سبب الانفصال بين نادين وإدوارد، ولا يبدو مقنعاً الإشارة إلى أن داليا سحاقية لا تحب الرجال، فالإشارة عابرة، وكأن هذه الحالة من الأمور «العادية»، ولكن الأهم غموض التحول فى شخصية مى من حب زياد والاستعداد للزواج منه إلى حب كريم «إيلى مترى» الذى تلتقى به صدفة على باب أحد الملاهى، وتتطور العلاقة بينهما حتى إنها تذهب معه إلى الصحراء فى الليل حيث يمارسان الجنس. وعندما تعود مى إلى المنزل فى الصباح، نرى زياد لأول مرة، وكان الاتصال بينهما طوال الفيلم عبر الهاتف، وينفجر كل منهما فى الآخر.

ولا يبدو واضحاً هل عادت العلاقة بينه وبين نادين وإدوارد بعد أن ترك آنو، ولماذا تركها، وبينما تنتهى العلاقة بين مى وزياد، لا يبدو أن علاقة جديدة بدأت بينها وبين كريم. وينتهى الفيلم بسفر داليا وياسمين وبقاء مى.

وبقدر تهافت السيناريو بقدر تماسك الإخراج والتمثيل، وإن ظل الفيلم من الأفلام الهوليوودية التقليدية دون أسلوب خاص. و«مى فى الصيف» من ناحية أخرى «فيلم سياحى» بامتياز، ففيه تبدو عمان مثل أى مدينة سياحية فى أوروبا أو أمريكا: شوارع أنيقة وفنادق رائعة ومستشفيات ممتازة و«ملاهى» صاخبة تتوافر فيها الخمور، وعلى بعد قليل شواطئ مفتوحة للرجال والنساء، وصحراء ممتدة للشعراء والعشاق!

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

05/09/2013

 

"فيلومينا":

مصائر إنسانية تصنعها الأقدار

أمير العمري

مرة أخرى يعود المخرج البريطاني المرموق ستيفن فريرز (72 عاما) إلى مسابقة مهرجان فينيسيا السينمائي بفيلم جديد هو "فيلومينا" Philomena، الذي ينافس بقوة على جائزة الأسد الذهبي. وكان فريرز قد حقق نجاحا كبيرا بفيلمه "الملكة" The Queen وحصلت بطلته هيلين ميرين على جائزة أحسن ممثلة وبالتالي حرم الفيلم من الحصول على جائزة الأسد الذهبي التي كان يستحقها، لكن المهرجان لا يبيح الجمع بين الأسد الذهبي وأي جائزة أخرى

لقد كنا نتابع بدهشة ما يقدمه ستيفن فريرز من أفلام منذ عام 1984 عندما شاهدنا فيلمه البديع "مغسلتي الجميلة" الذي قدم للعالم ذلك الممثل الفذ، دانييل داي لويس، الذي أصبح فيما بعد، واحدا من أهم الممثلين في تاريخ السينما. وكان مصدر الدهشة والإعجاب تلك القدرة الخاصة الفريدة لدى فريرز على التنويع المذهل في مواضيع أفلامه، وقدرته في الوقت نفسه، على الإبتكار دائما في طريقة تقديمها، وهي التي تعكس حسا إنسانيا رفيعا، ويمكنها ولو من خلال الإغراق والاستغراق في المحلية، الوصول إلى الجمهور العريض في العالم.

الفيلم الجديد الذي يأتي بعد فيلمه السابق "أعظم معارك محمد علي" Mohammed Ali’s Greatest Fights هو "فيلومينا" المقتبس عن كتاب "طفل فيلومينا المفقود" من تأليف الصحفي الإنجليزي مارتن سكسميث، يروي فيه القصة الحقيقية لتلك السيدة التي جمعه بها القدر لكي يعيش معها تجربة من أغرب تجارب الإنسان في المجتمعات الأوروبية الحديثة.

هذه التساؤلات

فيلومينا إمراة ايرلندية (من أيرلندا الشمالية الخاضعة لبريطانيا) وهي في السبعينيات من عمرها الآن.. لديها إبنة واحدة تعمل ساقية في أحد المشارب.. وهناك تلتقي الإبنة بمارتن.. الصحفي السابق في تليفزيون بي بي سي الذي كان قد هجر العمل التليفزيوني لكي يصبح أحد مسؤولي الدعاية وتلميع الصورة في حزب العمال وأخيرا أعفي من عمله في خضم جدل سياسي صاخب.. وخلال سعيه للعودة إلى ممارسة العمل الصحفي يلتقى بفيلومينا التي تسيطر عليها الآن فكرة واحدة فقط هي: ولدها الذي فقدته قبل خمسين عاما.. ترى أين هو الآن، وفيم يفكر، وهل يتذكرها، ومن الذي قام بتربيته وأين ذهب، وماذا أصبح حاليا إذا كان لايزال على قيد الحياة أصلا؟

هذه التساؤلات تطرحها المرأة على الصحفي، فيبدي أولا عدم الاهتمام بهذا النوع من المواضيع (التي يصفها بأنها مواضيع ذات الاهتمام الانساني العام من جانب قراء الصحف، أي ليست من القضايا الكبرى) ثم يصبح تدريجيا أكثر اهتماما بالأمر.. أي البحث في مصير ذلك الإبن الغائب "توم" والعثور عليه خصوصا بعد أن ينجح في إقناع إحدى دور النشر بشراء القصة الكاملة التي يعتزم إعدادها لتصدر في كتاب.

يبدأ البحث من الكنيسة الكاثوليكية أو ذلك الدير الغامض الذي لجأة إليه فيلومينا بعد أن وقعت في "الخطيئة" وهي في الخامسة عشرة من عمرها وحملت ثم أنجبت ولدا في الدير نفسه في ظروف عسيرة، ثم أصبح يتعين عليها بموجب تنازل صريح أرغمت على توقيعه، أن تهب وليدها ملكا للكنيسة، لا يحق لها العودة في أي وقت في المستقبل للمطالبة بحقها فيه. ومن خلال مشاهد العودة للماضي (فلاش باك) نرى كيف انتزع الطفل منها بقسوة ورحل بعيدا عن الدير بعد أن تبنته أسرة يتضح فيما بعد أنها أسرة أمريكية اشترته ودفعت للكنيسة ألف جنيه استرليني، وأن هذا كان عرفا سائدا وقتها، وهي فضيحة أخرى إضافية يكشف عنها الكتاب- الفيلم

يصور الفيلم الكنيسة كقلعة من قلاع الغموض أقرب إلى بيوت المافيا التي تحاك وراء جدرانها المؤامرات والجرائم، ويوحي بأنها مغلقة على الكثير من الأسرار الدفينة، ووراء تلك الوجود الصلبة الجامدة للراهبات، قسوة مفرطة، لكنها مبررة في سياق تلك المعتقدات التي تبرر حرمان أم من طفلها إستنادا على ما ورد في بعض التفسيرات الدينية عن "الأم الخاطئة" التي لا تصلح لتربية الأطفال ولا يحق لها أن تدعي الأمومة بعد أن وقعت في الخطيئة!

رحلة البحث

من لندن إلى أيرلندا، ومن بريطانيا إلى أمريكا، وإلى واشنطن حيث يبحث الصحفي البارع، مع الأم، عن الحقيقة، عن حقيقة الإبن الغائب الذي يكتشف أيضا أنه سبق له أن التقاه لدقائق معدودة، لنعرف أنه كان قد أصبح من النخبة المقربة من الرئيس ريجان ثم جورج بوش الأب، ويسعى الإثنان- ماكسميث وفيلومينا- بشتى الطرق للوصول إلى أكبر قدر من المعلومات، لكن ما يحدث أنهما يكتشفان أولا أن توم الذي أصبح إسمه مايكل هيس (على اسم الأسرة التي تبنته)، قد توفي منذ سنوات متأثرا بمرض الإيدز، وانه كان من المثليين جنسيا، وكان يرتبط بعلاقة مع رجل، وهي معلومات وحقائق تسبب نوعا من التأذي بالطبع بالنسبة للأم لكنها تتماسك بشعور لا يفارقها أبدا من الأمل في أن يكون "مايكل" قد تذكرها وتذكر أصوله الأيرلندية. وتثبت المقابلة التي تجري مع رفيقه السابق أنه لم يكن فقط يتذكر أيرلندا بل إنه قام بزيارة لموطن رأسه وزار الدير نفسه الذي ولد فيه قبيل وفاته، بل وطلب أن يدفن هناك بعد وفاته وقد تحقق له هذا بالفعل.

كيف أنكرت الكنيسة أي معرفة بمصيره بدعوى أن كل الوثائق الخاصة بالأسر التي تبنت أطفال ذلك العهد قد دمرت بفعل حريق كبير، وكيف تسترت على حقيقة أن جثمانه مدفون في أرضها؟

السيناريو المكتوب بحرفية عالية هو أساس تفوق هذا الفيلم إلى جانب السيطرة الكاملة من جانب المخرج على الدراما وإحكام المشاعر والتحكم فيها بحيث يخفف من قتامة وقسوة الموضوع في لحظات كثيرة من خلال تلك المواجهات التي تقع بين شخصيتي الأم والصحفي. ويلعب السيناريو أساسا على التناقضات القائمة بين هاتين الشخصيتين، فالأولى امرأة تنتمي إلى طبقة بسيطة، بوعيها وثقافتها التي تجعلها تغرم بالقصص السائدة وتقبل على قراءة هذا النوع من الكتب والصحف الشعبية التي تروي فضائح النخبة، وتشاهد برامج التسلية الشائعة في التليفزيون، في حين أن الصحفي الذي ينتمي للطبقة الوسطى الإنجليزية، مثقف رفيع درس في أوكسفورد والسوربون، عمل طويلا في روسيا كمراسل للبي بي سي، ويقول إنه كان يكتب كتابا عن التاريخ الروسي. ومن خلال التناقض بين الشخصيتين الذي يكشف عنه الحوار الذكي المقتصد المكتوب ببراعة، تتفقجر الكوميديا في الكثير من المشاهد خاصة في النصف الثاني من الفيلم، أي اثناء البحث المشترك عن الإبن المفقود

لوعة الأم

وعلى حين تبدو الأم كاثوليكية مخلصة لا يهتز إيمانها أبدا بالكنيسة حتى بعد أن تكتشف ما فعلته كبيرة الراهبات وهو ما يرقى إلى مستوى الجرائم، بانتزاع الابن من أمه قبل 50 عاما دون أن تترك لها مجالا حتى لتوديعه، ثم بيعه وقبض الثمن، ثم انكار وجوده ووجود جثمانه بعد ذلك، يبدو الصحفي على النقيض من فيلومينا، فهو متشكك، لا يرى جدوى من كل تلك الطقوس والتقاليد التي تحيط بالكاثوليكية وخصوصا فكرة الاعتراف" التي يسخر منها، بل ويصف نفسه غير ذي مرة بأنه "لا يؤمن بالله"!

إننا أمام عمل يتجاوز كثيرا موضوعه الخاص لكي يطرح الكثير من التساؤلات الفلسفية حول معنى الوجود نفسه ومعنى الإيمان، وجدواه، وهل الإنكار يكفي لكي تتساوى كل الاشياء، أم ان هناك قيمة ما حقيقية تكمن في التسامح وفي المعرفة وفي القرب من الله بالأفعال وليس بالصلوات وتكرار الصلوات في حين ترتكب الجرائم باسم المغالاة في التدين. إن فيلومينا رغم كل شعورها بما أنزلته بها الكنيسية من ظلم، لا تريد أن تدين أفعال الراهبات، بل تصر على أن تغفر لهن في حين يتطلع ماكسميث قرب النهاية إلى وجه الراهبة العجوز التي عاصرت القصة بأكملها ويقول: أما أنا فلن أغفر لك

إنه فيلم عن لوعة الأم التي لم تهدأ لنصف قرن، وذلك الرجل الذي تستهويه في البداية قصة قد تدر عليه ربحا وفيرا بعد نشرها في كتاب، ولكن تدريجيا تتلاشى تلك الفوارق والحواجز بينهما، بل ويصل الصحفي في النهاية إلى أن يقرر انه لت ينشر القصة احترما لخصوصية فيلومينا التي لا ترغب في وضعها بتفاصيلها التي قد تسبب جرحا لها، أمام الناس. لكنها أيضا تتراجع عن قرارها بعد ان تدرك أهمية رواية تلك القصة لكي يعلم الجميع ويتعلم من دروسها.

ودون شك، يصبح الضلع الثالث الرئيسي الذي يساهم في تماسك هذا الفيلم وتفوقه وتأثيره الكبير على الجمهور، هو عنصر الأداء التمثلي. نحن هنا أمام مبارة ممتعة في الأداء بين الممثلة المرموقة جودي فينش التي تقوم بالدور الرئيسي، أي دور فيلومينا، وبين الممثل ستيف كوجان الذي يقوم بدور الصحفي مارتن ماكسميث الذي اشترك أيضا في كتابة سيناريو الفيلم. الممثلة المخضرمة تضيف إلى رصيدها الكثير بأداء تلك الشخصية المركبة، وتجيد التعبير بنظرات العينين، بالتجهم حينا والانبساط حينا آخر، بالرفض والانكار، ثم القبول والتسامح والتسالمي على الأزمة. أزمة اكتشاف الحقيقة. اما كوجان فلاشك أنه باشتراكه في الكتابة يدرك جيدا ابعاد شخصية ماكسميث ويستخدم اللغة ويطوعها لكي تعكس ذلك النفور التقليدي لدى أبناء طبقته في البداية من "الآخر".. بل ويعكس حسا عنصريا متعاليا في أحد مطاعم واشنطن تجاه ساقية سوداء، قبل ان يتحول تدريجيا إلى إنسان يقدر المشاعرالانسانية، ومن خلال ذلك التصالح يتمكن هو أيضا من اجتيار أزمته.

الجزيرة الوثائقية في

05/09/2013

 

يوميات مهرجان «فينيسيا» السينمائي الدولي ( 8 )

ثرثرة على الجندول

* الأمور ليست على ما يرام. ليس في السينما فقط، بل في كل شأن آخر. وليس عندنا فقط، بل في أصقاع أخرى حول العالم... لكن، ليس كل العالم.

الأمور ليست على ما يرام في السينما، لأننا لم نعتد من قبل أن نكون عمليين. إذ وجدت السينما المصرية نفسها تحقق نجاحا امتد عبر دول العالم العربي، عرف الأولون وبعض من اللاحقين بهم كيف يؤسسون ثم يبنون صناعة جيدة تنتج نحو مائة فيلم في السنة، أكثر من إنتاجات الدول الإسكندنافية مجتمعة، وكيف تتم الاستفادة من السوق الخارجية وتعميم الفن المصري، عموما، بين أوساط الجمهور الذي كان يهتز للأغنية ويعجب بالرقصة ويتفاعل مع المشاعر العاطفية. نعم معظم هذا ورد ميلودراماتيكيا و- أحيانا - على نحو فج أو مسف، لكنه مؤثر في الوجدان. السينما تكلمت اللغة التي يجب أن تتحدث بها إلى الناس وفعلت ذلك بنجاح.

اليوم، ومنذ عقود، ليس هناك شيء من هذا. والاختفاء ليس مفاجئا: المنتجون ببساطة تمنـعوا عن اختيار المخرجين الذين يستطيعون استكمال الدورة الطبيعية للسينما. توجـهوا لمخرجين أول مرة لأن هؤلاء، في معظمهم الكاسح، لم يكن يرغب في أكثر من الفرصة وكان رخيص الثمن. بسعر مخرج جيـد، في الثمانينات وما بعد، تشتري ثلاثة مخرجين جدد، لن يعترضوا ولن يتمردوا ولن ينتقدوا، وتحصل على أفلام خفيفة ظريفة تطرحها للعامـة. وسواء أكنا نتحدث عن فترة سينما المعلـبات التي كانت رخيصة في كل شأن وجانب، أم في سينما ما بعدها، إلا أن استثناء خيري بشارة وداود عبد السيد ومحمد خان وسعيد مرزوق وأسامة فوزي وبشير الديك وكل من عمل بمقتضاهم، كان الجدار الذي منع السينما المصرية من التقدم.

اليوم بفضل من بقي من تلك القائمة وبعض أبناء الجيل اللاحق، بينهم إبراهيم البطوط الذي يعمل على تصوير فيلمه الجديد، هناك بوادر أمل. لكن، هناك أيضا محاذير كثيرة. الجمهور الجديد ليس كسابقه وهو قليل الثقة بالسينما المصرية ولا يستجيب - كما - على نحو جيد لها. والباقي المنتج هو من تبعية السينما الجماهيرية التي عليها أن تقوى أولا لتخلق الرديف البديل ثانيا، فسينما المؤلـف تولد من الخاصرة ولا تؤسس وحدها إلا إذا ما كانت هناك دولة تقف وراءها وتؤمن بها.

للأسف، فإن ما توفـره السينما الجماهيرية لم يعد ذا قيمة مضمونة. إنه مثل تلك الأغاني الحديثة المتوافـرة على الكليب: بعض المهارة التقنية والباقي ثرثرة على النيل.

عاصفة سياسية هادئة... أكثر من اللزوم

فيلم إسرائيلي عن التعايش.. وآخر أميركي عن رامسفيلد وحرب العراق

فينيسيا: محمد رُضا

لم يعد جديدا القول إن واحدا من مهرجانات السينما بات يعكس الوضع السياسي المنتشر حول العالم. فكل مهرجان رئيس، على الأقل، بات يحفل بأفلام تقوم بتقديم وضع معين أو التعليق عليه. صحيح أن «مهرجان برلين» داوم على تقديم النسبة الأعلى من الأفلام ذات النبرة السياسية (من أيام ما كانت أوروبا شرقية وغربية)، إلا أن المسألة انتشرت فيما بعد وهي اليوم متوافرة أكثر من أي وقت مضى.

مع ما يحدث في العالم العربي من أوضاع ومع ما يبدو سائدا لحين قصير قبل أن يسود ما سواه لحين آخر في هذا الجزء من العالم، ومع الحرب الباردة وقضايا البيئة والذعر الإرهابي الضارب أطنابه، هناك أيضا المسائل غير المحلولة منذ زمن بعيد مثل الوضع في فلسطين ومع الفلسطينيين، ومثل ما تخلل وتلا الحرب الخليجية الثانية عندما تم تغيير وجه النظام العراقي مرة - مؤلمة ومكلفة - واحدة وإلى الأبد.

فيلمان في دورة فينيسيا السبعين هذا العام يتناولان هذين الوضعين. فيلم إسرائيلي من المخرج المحسوب على اليسار آموس غيتاي، وآخر للمخرج الأميركي (الذي من الصعب حسبانه على أي خط) إيرول موريس.

«أنا عربية»، وهي عبارة ترددها واحدة من شخصيات فيلم غيتاي النسائية قرب النهاية، هو جديد مخرج عـرف بتطرقاته السياسية. هو في الواقع، لم يتطرق إلى ما سواه. أحيانا عبر الفيلم التسجيلي وأحيانا عبر الفيلم الروائي، لكن دوما ما يمارس الروائي على نحو تسجيلي. ليس بأسلوب الدوكيودراما تماما، لأن هذا الأسلوب لا يزال بحاجة إلى تحديد لأجل تعريفه صحيحا، بل على نحو من يريد لممثليه حضورا طبيعيا، طالبا منهم ما هو أصعب الأشياء: اللاتمثيل. كما يريد من موضوعه ألا يحتوي على دراما بقدر ما لا يريد له أن ينتمي تماما إلى ما هو تسجيلي.

هذا واضح في فيلمه الجديد الذي صوره بلقطة واحدة تستمر 81 دقيقة، بدءا من وصول صحافية إسرائيلية (الجميلة يوفال شارف) لكتابة تحقيق حول امرأة يهودية من ناجي الهولوكوست اسمها سيام، كانت اعتنقت الإسلام حبـا للرجل الذي تزوجته رغم معارضة العائلة وهو يوسف (يوسف أبو وردة). غيرت اسمها من هانا كليبانوف إلى مريم إمعانا في الانتماء إلى بيئة فلسطينية تعيش اليوم في وسط مدينة حيفا. ليس واضحا إذا ما كان الفيلم يستند إلى حكاية حقيقية. إذا ما كان كذلك، فهو اختار ممثلين لتأديتهم ما يجعله أقل تسجيلا وأكثر درامية بصرف النظر عن الأسلوب المتـبع.

تتحرك الصحافية داخلة مجموعة من المنازل المبنية قبل العصرنة، يعيش فيها يوسف وعائلته كما بعض الجيران الآخرين. تتحدث ليوسف أولا الذي يقدمها لزوجته ولابنته. هي السائل، وهو من يساعد في تعريفها بالمحيط. يقودها إلى شخصية أخرى، ثم ينسحب، ثم يعود لتعريفها بشخصية أخرى، وما بين الشخصية والأخرى يسرد عليها أحاديث كثيرة عن تاريخه وقراءاته وأسطورة عنترة بن شداد. في كلامه ألم دفين، لكنه لا يخرج جليـا.

ليس جليـا أيضا ما يعنيه المتحدثون إليها حين يتفوهون ببعض العبارات ذات المدلولات التي تبقى غامضة. مثل ابن يوسف (شادي سرور) حين يتحدث عن احترافه بيع الخردة عوض صيد السمك، أو حين يقول يوسف نفسه، «كل واحد ينال ما يستحقه». هل يعني ذلك أنه يؤمن بأن الفلسطيني هو ما عليه اليوم بسببه هو فقط؟

بانتقالها بين أربع أو خمس شخصيات، تشعر الصحافية بأن لديها قصـة مثيرة ومليئة بالمفاجآت. تخابر هاتفيا رئيس تحريرها وتقول له ذلك. لكن، ما يحتويه الفيلم وما تستمع إليه الصحافية من حكايات لا يصب في خانة صنع تحقيق كبير، خصوصا أن مريم لم تعد موجودة بيننا.

لو كان لدى الصحافية قصـة متطورة تتجاوز العناوين وجوهر الموضوع لكان للفيلم ذاته قصة متطورة في إطار موضوع فعلي. لكن الفيلم في نهاية مطافه يسجـل ما يحدث من دون افتعال أو تفاعل. الافتعال مرفوض، لكن التفاعل مطلوب. لكي يتحقق، على الفيلم أن يحتوي على أكثر من قيام الصحافية بالاستماع ولأكثر من كاميرا الفيلم متابعة ما تقوم به الشخصيات.

في النهاية، يريد الفيلم أن ينجز تعليقا آخر. تعود الكاميرا بلقطتها الواحدة من دون قطع (وبالتالي من دون أسلوب تبادل فعل وردود فعل) إلى حيث ترتفع من المكان، تاركة تلك البقعة لتظهر مكانها في المدينة. المباني الحديثة تحيط بها وهي تبدو مثل بستان لا يدخله إلا أهله. بعد ذلك، تتحرك الكاميرا (من نوع آري أليكسا) إلى السماء للحظات قبل نهاية الفيلم.

الفيلم هادئ ربما أكثر من اللزوم، وذلك يثير شجنا في مكانه. هؤلاء أناس من الذين تمر الحياة مثل تلك الطائرة التي نسمعها تعبر السماء من دون أن نراها… تعبر فقط. غيتاي دائما ما سعى لتصوير إمكانية تآلف الفلسطيني مع الإسرائيلي ويدعو إليه. لا يتدخل كثيرا في الكيفية ولا يعالج الصد الذي يواجهه الفلسطينيون في سبيل تحقيق هذا التعايش، لذلك هو أمل وأمنية أكثر منه بحثا في الوضع على حقيقته.

* المجهول معلوم والمعلوم كذلك

* الفيلم الثاني تسجيلي بكل تأكيد. وهو من إنتاج وإخراج واحد من أكثر المخرجين الأميركيين تعاملا مع السينما السياسية. سابقا ما قدم ما اعتبر نصرا في هذا المجال عبر فيلم بعنوان «ضباب حرب» سنة 2003 الذي فحص، عبر وزير الدفاع الأميركي روبرت مكنمارا، الحرب الفيتنامية منذ سنواتها الأولى وعبر أوحالها، وصولا إلى نهايتها التي لم تبرر مقتل كل من سقط من الجانبين فيها.

الفيلم الجديد هو «المجهول المعلوم» الذي يختار فيه المخرج إيرول موريس وزير الدفاع الأميركي في عهد جورج بوش الابن، دونالد رامسفيلد للحديث إليه وسؤاله عن الحقب السياسية المختلفة التي أمـها من أول منصب حكومي حصل عليه، أيام الرئيس نيكسون، إلى حين ترك التقاليد لكوندوليزا رايس.

في نحو ساعتين يستمر الحديث. ها هو السياسي الأميركي الذي اشترك مع بوش الابن ونائبه ديك تشيني في تغيير بعض الثوابت في أفغانستان والعراق إثر تلك العملية الإرهابية التي ضربت نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) سنة 2001.

لكن «المجهول المعلوم» ليس «ضباب الحرب»، ورامسفيلد ليس مكنمارا، من حيث إن الفيلم السابق كان أكثر عمقا وحدة. أسئلة إيرول موريس كانت لا تتوقـف عن البحث ومستعدة لتداوله بعمق رغبة في الوصول إلى الحقيقة. هنا أسئلة المخرج (الذي لا نراه في الفيلم، لكننا نسمع صوته في الوقت الذي تتركـز فيها الكاميرا على رامسفيلد) طيـعة. إنها كما لو كان الاتفاق عليها تم، وخلال عملية الاتفاق كان على المخرج الانصياع فلا يطرح سؤالا مناهضا أو عدائيا أو ناقدا. بذلك، عمق الحوار القائم لا يزيد على شبر واحد. رامسفيلد ليس من النوع الذي سيعترف بهزيمة استراتيجية أو أمنية. ولن يرى العالم اليوم على عكس ما رآه سابقا. ليس المطروح هو اكتشاف ذاتي جديد ولا سيرا في خط مناوئ لما سار عليه من قبل وبنى كل حياته السياسية تبعا له.

هو يبكي، لا حين يسأله المخرج عن سبب الحرب العراقية وضحاياها وإذا ما كان من الممكن تجنـبها، بل حين يتذكـر جنديا أميركيا أعيد نقله إلى المستشفى مصابا وعاوده لخطورة إصابته. هذه نقطة ضوء على مشاعر إنسانية لا بد من الاعتراف لها، لكنها عاطفية محدودة لا تشمل الآخر على الإطلاق.

ينفي رامسفيلد مسؤولية وزارة الدفاع عما تم كشفه من تعذيب في غوانتانامو (يلصقها بالمخابرات الأميركية)، ولا يرى خطأ في أي ممارسة إدارية، لا بخصوص الحرب في أفغانستان ولا بتلك التي قامت في العراق. وهذا حقـه بكل تأكيد، وهو ليس بعيدا عن الصواب في أكثر من نقطة في هذا الحديث تتقاطع وتوجـهه السياسي الذي قام عليه. لكن المرء كان يتوقـع من المخرج (والفيلم حتما) أن يكشف جديدا في هذا الاتجاه أو فيما سواه. حين يصرف الفيلم بعض وقته على ما وقع في سجن أبو غريب، فإن هذا جيـد فقط بالنسبة لأولئك الذين لم يروا فيلم موريس السابق «أبو غريب» قبل خمس سنوات.

مرة واحدة، حاول المخرج نقض كلام رامسفيلد، هي عندما ذكر الوزير أن الولايات المتحدة لا تقوم باغتيال الرؤساء، في رد على سؤال المخرج ما إذا كان من الأفضل حينها اغتيال صدام حسين للقضاء على نظامه، لكنه بعد قليل يكشف عن أنه عندما أكدت مصادر مخابراتية وجود صدام حسين في منطقة سكنية ليست بعيدة عن بغداد، صدرت الأوامر بقصفها فـ«مات بعض الناس، لكن صدام لم يكن هناك»، كما قال.

إنها فرصة تفوت الفيلم تبعا لأسلوب من طرح أسئلة مهمـة ثم القبول بالرد على قوته أو هوانه. رامسفيلد يبدو مستعدا لكل الاحتمالات. ما زال مثل ملاكم لطيف، مستعد لأن يضرب ومستعد لأن يبتسم ويتودد، لكنه لن يعانق.

العنوان هو لعب كلام مقصود. رامسفيلد الذي كتب، كما يقول، نحو مليون مذكرة داخلية في سنواته بالبيت الأبيض (واحدة تكشف عن خلافه مع كوندوليزا رايس)، يبدأ الفيلم وينهيه بمحاولة تفسير لعبارة The Unknown Known (المعروف المجهول) فيقول إن هناك أربع حالات هي:The Unknown Known وThe Known Known وThe Known Unknown ثم The Unknown Unknown، وهو يبحر أكثر من مرة في تعريف كل وضع وحالة، لكن في ذلك هو مراوغ ماهر يستند إلى عباراته لكي تمنحه حرية واسعة في الحركة أمام محدثه. لكن المشكلة ليست فيه، سينمائيا، على الأقل، بل في محدثه، إذ يبدو أن قيدا كان يمنعه من حشر السياسي في خانة اليك.

في نهاية المطاف، لا يأتي الفيلم بجديد لا نعرفه. هذا المعروف - المجهول هو من نوع المعروف - المعروف. إنتاجه توزع بين عدة شركات، من بينها محطة «هيستوري» التلفزيونية الأميركية. في يوم ما، قد يتحول هذا الحديث إلى وثيقة، لكن الآن يأتي ويمضي بلا ضوء جديد على موضوعه.

الشرق الأوسط في

05/09/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2013)