بين صورة مقعد جعفر بناهي الشاغر، التي انتشرت يوم اختارته إحدى دورات
مهرجان برلين السينمائي قبل سنوات عضواً في لجنة تحكيمها ووضعت اسمه عليه،
وصورة «الدب الذهب» الحزين المركون فوق منضدة على مسرح قاعة الاحتفال
الختامي للدورة الخامسة والستين - من دون صاحبه - مقاربة سياسية صارخة تكرس
توجهاً معلناً لـ»لبرليناله» في التضامن مع المخرج الإيراني الممنوع من
العمل والسفر، واعلاناً صريحاً لإنحيازها الى السينمائي فيه. وإذا كانت
الأولى نتاجاً إرادوياً خطط له منظمو المهرجان للإعلان عن وقوفهم مع
سينمائي موهوب يعرفون مقدماً صعوبة وصوله الى برلين بسبب الحكم الجائر ضده،
فإن ملامح الصورة الثانية قد تشكلت إثر قرار لجنة تحكيم مسابقة الدورة
الكبرى منح فيلمه «تاكسي» جائزتها الأهم لإعتبارات سينمائية بالدرجة الأولى
لكنها لا تخلو ايضاً من اعتبارات سياسية. ضمناً، عطل رئيس اللجنة المخرج
الأميركي دارين أرنوفيسكي بمنحه جائزة الدورة الى بنهاي جزءاً من نقاش
محتدم وأسئلة مشككة حول جدية قرار السلطات الايرانية ضده ما دام أنه يتمتع
بقدر كافٍ من الحرية التي تسمح له بإنجاز فيلم سينمائي، عندما أحال وأعضاء
لجنته أسباب منحهم الجائزة (استلمتها نيابة عنه ابنة أخته) الى صنيعه
المنتمي الى السينما وحبها، والذي لا يهم متلقيها، كثيراً، تفاصيل العلاقة
بين «السلطة» و»الفنان» وحذاقة الأخير في العمل تحت شروط شبه مستحيلة،
بمقدار ما يهمه نوع المنجز الذي يشاهده ويتمتع به ويتفاعل معه. أسقط بدوره
بناهي قرارات ضده أرادت تعجيزه عن صنع ما تخافه وتخشاه. (راجع مكاناً آخر
في هذه الصفحة). أما سلطة الكنيسة وما يقترفه خدامها من جرائم باسم الدين
فيعاينها التشيلي بابلو لارين من منظور نقدي في فيلمه الرائع «النادي» الذي
حصل على «الدب الفضة» (جائزة التحكيم الكبرى) وكرس بفوزه حضوراً لافتاً
للسينما التشيلية بعد نيل وثائقي مواطنه باتريسيو غوزمان «زر اللؤلوة»
جائزة أفضل سيناريو (دب فضة) وأضاف الى القارة التي جاءا منها انجاز
الغواتيمالي خايرو بوستامانتا «بركان أكسكنول» حضوراً لافتاً في هذه الدورة
بعد حصوله على جائزة ألفرد باور، وهي التي تمنح خصيصاً لفيلم «يشرّع آفاق
السينما».
جرائم رهبان
يعصرن لارين في «النادي» التاريخ الكنسي لمعاينته جيداً فيرادفه بتسمية
«النادي» للإيحاء بطابعه الدنيوي النخبوي الغامض لا المقدس، من خلال المناخ
الذي يرسمه لمجموعة من الرهبان اقترفوا جرائم جنسية ضد الأطفال وتورطوا
بأعمال تتناقض مع وظيفتهم الروحية كبيع بعضهم أطفالاً حديثي الولادة
والاشتراك بأعمال تجارية محظورة فنقلوا كـ»عقاب» لهم الى بيت في قرية
ساحلية، يعتمد سكانها الفقراء على الصيد. يتمتعون داخله بكل ملذات الحياة
العادية ويشاركون في سباقات ركض الكلاب من دون أن يظهروا علناً فيها مكتفين
بمراقبة نتائجها عن بعد، ويشكلون في ما بينهم نادياً سرياً لا يشي مظهره
بما في داخله من حيوات قاسية لم تندم على أفعالها بل قبلت بعزلتها المترفة
في انتظار لحظة الخروج الى «النادي» الأكبر. ولا يفسد عزلة الرهبان
«المبعدين» الأربعة والسيدة الراعية لهم سوى ظهور شاب مخمور جاء يعلن
صارخاً ما اقترفه راهب بحقه يوم كان طفلاً مؤمناً فانتزع بفعلته معه ايمانه
منه وبراءته. سيقلب ظهوره الصاخب مسار عمل درامي هو من بين أكثر الأفلام
انتقاداً لخروقات الكنيسة التي ظهرت على يد لارين كمؤسسة فسادها هيكيلي
والمؤامرة داخلها سلوك للوصول الى امتيازات كبيرة تُسحق بسببها ذوات كثيرة
دون وجل لتبدو ومن خلال اعترافاتهم «كعصابة» خطابها ديني شكلي وسلوكها مادي
صرف شديد الطمع. عمل ربما كان يستحق أكثر مما خرج به لكنه في النتيجة سينضم
الى أفلام مهمة راجعت بشجاعة تاريخ ودور المؤسسة الدينية المسيحية -
السياسي والأخلاقي - كما في فيلم الدورة السابقة «دروب الصليب» للمخرج
الألماني ديتريتش بروغمان والذي حظي بقبول نقدي واسع.
أفلام المراجعة التاريخية - السياسية لها حضور دائم في «البرليناله» نتلمسه
بإستمرار من خلال قراءة المخرجين الألمان لتجارب بلادهم مع النازية، على
وجه الخصوص، ونجدها أيضاً في مفردات متقاربة من مناطق مختلفة تنحو ذات
المنحى كما في «عفارم» الذي تناصف صاحبه الروماني رادو جودي جائزة أفضل
إخراج مع البولندية مالغورزاتا زوموفيسكا صاحبة فيلم «جسد». «عفارم» يلتحق
بأفلام دول شرق أوربا حول الغجر كونهم كمجموعة بشرية يمثلون مشكلة اجتماعية
جدية تواجه الأنظمة الجديدة التي جاءت بعد نهاية المرحلة الاشتراكية في تلك
البلدان وأساءت التصرف معهم بعد انهيار سقف الحماية التي كانت الأنظمة
السابقة توفره لهم. فشاهدنا عام 2013 الفيلم الرائع «فصل من حياة جامع
خردة» الذي قارب فيه دانيس تانوفيتش حياة عائلة غجرية بائسة في البوسنة،
ونال بطله نازيف موتيش على دوره الرئيس جائزة أفضل ممثل في دورة برلين في
ذلك العام. وقدم التشيك فيلماً مهماً عام 2011 بعنوان «غجري» من اخراج
مارتن شوليك ثم تلاه بعد عامين عمل البولنديين ليونا كوس - «كراوزة و
كرشتوف» ـ . واليوم يعود «عفارم» الى عام 1835 من خلال فيلم طريق يقرأ
خلاله في تاريخ شعوب منطقة البلقان وما جاورها وموقفهم من الغجر الذين
كانوا يستعبدونهم وينقب بمهارة لافتة عن جذور الكراهية والعداء بين شعوب
ودول تلك المنطقة والتي انتقلت من جيل الى جيل وبأحكام مسبقة من دون تدقيق.
«عفارم» ينسج رحلة «صيد» الشرطي كوستندين وابنه للغجري «العبد» كارفين الذي
هرب بعد افتضاح علاقته بزوجة اقطاعي من منطقة «البلقان» المسيحية والمسيطرة
تركيا العثمانية على أجزاء منها، فطلب منه احضاره من أجل نيل عقابه المنتظر
«الخصي». الرحلة المصورة بالأبيض والأسود تكشف لنا الجذر التاريخي لنظرة
سكان المنطقة الدونية الى الغجر ومنها نفهم أسباب كراهيتهم لهم وفي الوقت
نفسه يذهب الى كشف جوانب من التداخل والتصادم بين أقوامها وثقافاتها
ودياناتها المختلفة (الروسية والتركية، اليهودية والمسيحية ـ الرومانية
والهنغارية) والتي تفسر بدورها جزءاً من الصراع العرقي والقومي الذي تشهده
بلدانها الآن.
تاريخ الجسد السياسي
بهذا العمل المهم نقف أمام منجز عميق نفذ بوسائل بسيطة وشَرَح مخرجه بمهارة
الجراح السينمائي أجزاءً مهمة من جسد التاريخ السياسي الاجتماعي للقارة
الأوربية. فيما يُقرب الروسي ألكسي جيرمان الإبن، الزمن ليصل الى عام 2017
حيث تكون قد مرت مئة عام بالتمام والكمال على ثورة أكتوبر شهدت خلالها
روسيا تحولات تاريخية أثرت على العالم ولكنها انتهت نهاية تراجيدية تناولها
«تحت سحب إلكترونية» الذي نال مصوراه عنه مناصفة مع مصوري فيلم «فكتوريا»
الألماني جائزة (الدب الفضة) لأفضل إسهام فني. اليتم ربما خير توصيف يريده
الروسي لحالة بلاده بعد قرن من ثورة واعدة جمعت شعوباً وأقواماً لكنها
اليوم مجزأة خسرت أهم جامعها اللغة الروسية وعلى هذا الجانب يلعب ويناور
جيرمان لوصف اللحظة الحاسمة من تاريخ أمة يعاد صوغ تكوينها من جديد من
منظور قيصري أي بالعودة الى اللحظة التي أنهت الثورة حكم القياصرة ليأتي
بعد مئة عام منها الرئيس بوتين محملاً بأحلام أمبراطورية قديمة، جسدها
المخرج أندريه زفيانغتسيف في فيلمه الرائع «لفاياثان» العام الماضي. وإذا
كان أسلوبا المعالجة مختلفين فإن الخيط الجامع بينهما هو ذاته، تاريخ روسيا
ونهاية ثورتها وظهور عهد جديد لا يمت لروحها بصلة بل ولا علاقة له بالطبيعة
نفسها. فروسيا اليوم تعيش تحت سماء ملبدة بغيوم إلكترونية تغدو الحياة
تحتها مكفهرة مثلها!. أما اختيارات أفلام المسابقة فتظل في كثير من الأحيان
غير مفهومة لمراعاة منظمي المهرجانات اعتبارات خاصة بهم. وفي دورة هذا
العام وعلى الجانب الألماني منها ظهر جلياً هذا الغموض حين وضعوا «13
دقيقية» خارج المسابقة وأدخلوا اليها «كما كنا نحلم»، في حين الأول لصاحبه
أوليفر هيرشبيغل من بين أقوى أفلام الدورة على الاطلاق لكونه مشغولا بحرفية
مدهشة ويتناول حدثاً مهماً يتعلق بمحاولة اغتيال هتلر قبل شروعه في الحرب
العالمية الثانية أستنادا على قصة حقيقية بطلها انسان عادي شديد الذكاء
أراد وقف الخراب البشري بعملية خطط لها بنفسه ونفذها من دون مساعدة أحد ولو
كتب لها النجاح لتغير مسار البشرية برمته.
فوزان عراقيان
على مستوى السينما العراقية، أتت الدورة الـ 65 حدثا استثنائيا لها لأنها
خرجت بجائزتين من جوائزها، الأولى: جائزة أفضل قصير في قسم أجيال (Generation
Kplus)
لسلام سلمان وفيلمه «هدية أبي» الذي رأت فيه اللجنة المكونة من صغار السن
مهمتها تقويم مجموعة أفلام أصحابها من الشباب أو موضوعاتها تخص تلك الفئات
العمرية «أحببنا كلنا الفيلم القصير لأنه حزين ومؤثر ومستند في الوقت نفسه
على قصة حقيقية صادمة تجسدت في المشهد الأخير الشديد الإقناع»، وعلى مستوى
الوثائقي الطويل «الأوديسا العراقية» للمخرج سمير فقد نال جائزة الجمهور
الثالثة وهي جائزة مهمة كون «البرليناله» واحداً من أهم المهرجانات
العالمية الذي يراهن كثيراً على مشاركة الجمهور الألماني لفعالياته. من دون
شك نص سمير الوثائقي مهم وعميق يسرد من خلال عائلته تاريخ العراق وعلاقته
بالحداثة وعبر بحثه في تواريخ أقاربه والتعرف عليهم بشكل أفضل بعد زيارتهم
والحديث معهم وتقليب معمق في أرشيف تواريخهم الشخصية يدرس مرحلة طويلة تمتد
قرابة قرن من الزمن أثرت فيها ثورات وانقلابات عسكرية وأجبرت الكثير منهم
على الهجرة في جهات الأرض، وأظهرت حصيلتها الملحمية تراجع العراق كما نراه
اليوم الى الوراء كثيراً.
وبعيداً من التاريخ والسياسة ربما يجسد «45 عاماً» لأندرو هاي توجهاً
سينمائياً خاصاً يذهب في بحث جوّانيات الكائن البشري وفيه محاولة لفهم
جوانب من العلاقة الملتبسة والعصية على الفهم المطلق بين الرجل والمرأة في
فيلم رائع حكى عن علاقة زوجين على مشارف الاحتفال بعيد زواجهما الـ45 لكن
رسالة تصل الى الزوج (توم كورتناي، نال جائزة أفضل ممثل) تخبره بعثور
الشرطة على حبيبته التي طمرتها ثلوج جبال الألب لعقود فعادت لتُحيي عنده
ذكريات امرأة أحبها ولم ينقطع عن التفكير بها. فيما سيحرك الحدث مشاعر
الغيرة والاحساس الثقيل بالخديعة عند الزوجة (شارلوت رامبلينغ، أفضل ممثلة)
واكتشاف العيش مع كائن ظنت انها تعرفه جيداً لكنه كان يضمر طيلة خمسة
وأربعين عاماً مشاعر حب لامرأة أخرى تنافسها وهي تحت الثلوج... ميتة.
تحـــفة سينمائية بريطانية استحق عليها أبطالها جوائزهم ورسخت قوة دورة لا
شك في أنها من بين أقوى دورات «البرليناله» الـ65.
المخرج «السرّي» جداً في طهران «المراقَبة»
ندى الأزهري
مساء السبت الماضي، أعلنت لجنة تحكيم الدورة الخامسة والستين لمهرجان برلين
السينمائي «برليناله»، حصول فيلم «تاكسي» للإيراني جعفر بناهي، على جائزة
«الدب الذهبي»، أعلى جوائز المهرجان.
للتذكير، المخرج الإيراني اللامع ممنوع من ممارسة أي نشاط سينمائي في
إيران، ومن إجراء أي مقابلة صحفية لمدة عشرين سنة، ومحكوم عليه بالسجن لمدة
ست سنوات. والحكم جاء بسبب محاولة المخرج تصوير فيلم عن الاحتجاجات التي
تلت إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد كرئيس لجمهورية إيران الإسلامية عام
2009، ومعارضة الحركة الخضراء للنتائج، واتهام السلطات بالتزوير. في إيران
لا سيما في موضوع شديد الحساسية كهذا، فإن تصوير فيلم من دون الحصول على
إذن مسبق، يعتبر تهمة يحاكم عليها القانون وهذا ما حصل. تجدر الإشارة هنا
إلى أن محاكمة بناهي تمت بسبب الفيلم و»دعايته» ضد النظام، وليس لأنه كان
مؤيداً للحركة الخضراء بزعامة موسوي (كما تشير الصحافة الغربية)، فقد عارض
كثر من زملائه السينمائيين نتائج الانتخابات واحتجّوا فتعرّضوا لمضايقات
وتضييق وضغوط على أعمالهم الفنية وعلى المغادرة للمشاركة في المهرجانات،
ولكن من دون أحكام من القضاء (رخشان بني اعتماد، فاطمة معتمد آريا...).
فلماذا بناهي؟ هل لأنه كما قال مواطنه والمخرج الأشهر عباس كيارستمي، قام
بما «يستدعي حبسه»؟ كيارستمي الحذر سياسياً والذي لا يفضّل الخوض في
مواجهات مباشرة مع النظام، كان دعا الحكومة حينها الى إطلاق سراح زميله في
رسالة مفتوحة، وقد صرّح لنا في حوار (الحياة 28-8-2010): «لا أقدّر الطريقة
التي يتصرف بها بناهي، أسلوبه في إثارة الضجيج وفي الدفاع عن المظاهرات
(...) أعتبر أنه من المسيء لحكومة أن تعتقل فناناً وتحبسه وبالقدر نفسه من
السيئ أن يفعل الفنان ما يستدعي حبسه». أم هل لأن صاحب «الدائرة» يُعتبر من
جانب النظام صاحب أفلام «واقعية قذرة» لها توجه سياسي مريب يري الجانب
المظلم من المجتمع الإيراني، كالدعارة في «الدائرة»، والعنف في» دم وذهب»،
والقوانين الجائرة بحق الفتيات كمنعهن من حضور مباريات كرة القدم في «أوف
سايد»؟
حكم لن ينفّذ!
مهما كانت دوافع الحُكومة أو النظام في تقديم المخرج المشهور إلى القضاء،
فإن الحكم بالسجن لم ينفّذ، وهو «لن ينفذ»، في رأي ناقد سينمائي إيراني من
الداخل. فبناهي يتحرك بحرية في طهران (على رغم القول هنا أيضا إنه قيد
الإقامة الجبرية)، كما أنه صوّر، وطبعاً بالسر(!) ومنذ الحكم عليه، ثلاثة
أفلام عرضت في مهرجانين من أكبر مهرجانات العالم، في «كان» 2011 «هذا ليس
بفيلم»، وفي برلين 2013 و2015 «ستارة» و»تاكسي» على التوالي، وفي كل مرة
يربح جائزة ما من أكبر الجوائز.
في «تاكسي»، تحوّل بناهي إلى سائق سيارة أجرة محشوة بالكاميرات كي تصوّر
الصاعدين والنازلين، الزبائن الحقيقيين والمزيفين، في محاولة لتسليط الضوء
على المجتمع الإيراني من خلال الركاب وأحاديثهم وتفاعلهم مع المعاش اليومي.
وفيما ابتهجت به الصحافة الغربية التي كانت تنتظر بناهي على «أحر من
الجمر»، واعتبرته «تحفة»، وصرّح مدير «برليناله» بأن بناهي لم يقبل منعه
عشرين عاماً من العمل، ويحاول أن يعمل لأنه لا يمكنه العيش من دون صنع
الأفلام، وأنهم حصلوا على فيلمه بالصدفة وربما عبر «تاكسي»، فقد نُظر إلى
الأمر في إيران الرسمية على نحو مغاير...
مع الحكومة التي جاءت بعد تولّي حسن روحاني الحكم، جرت تغييرات سينمائية أو
محاولات للتغيير، فتولى حجة الله أيوبي مهام مؤسسة السينما، بعد أن كانت
الأمور قد وصلت إلى طريق مسدود بين كثير من السينمائيين والمسؤولين عن
السينما في حكومة أحمدي نجاد. المسؤولون الجدد ظلوا على موقفهم من جعفر
بناهي، على رغم انفتاحات ظاهرية في الشأن السينمائي. في رسالة مفتوحة إلى
مهرجان برلين السينمائي، حذّر أيوبي مديره ديتر كوسليك بسبب «ملاحظاته
السياسية» عن إيران قبل عرض فيلم «تاكسي» في المهرجان. وبعد إشارته، وفق
صحيفة «تهران تايمز»، إلى أن «برليناله» عرض على مرّ السنين أفلاماً لكبار
المخرجين الإيرانيين، وبأن برلين باتت إسماً «مألوفا للسينمائيين، ومكاناً
لعرض الأفلام، والحوار الذي يحتاج إليه العالم الحديث وبشدة، قال: «إنهم في
المهرجان وللأسف، يرغبون في قيادة كل واحد في تاكسي نحو المزيد من سوء فهم
للشعب الإيراني، (وهذا) بعرض فيلم مصنوع من قبل مخرج محكوم عليه بالقانون
بعدم صناعة الأفلام ومع هذا قام بذلك». ولمّح مدير المؤسسة الإيرانية إلى
«خطوات سياسية» في المهرجان، قائلاً: «أريد أن يبقى «برليناله علماً
للثقافة والفن، ولكن يبدو أن بعضهم يفضّل السياسة على الفن، ما سيبني
جداراً حول المهرجان، مع أن الثقافة والسينما تقودان الى إزالة الجدران
والحواجز».
ثمة تساؤلات وغموض يلفّان الموقف من بناهي من جانب حكومة بلاده. فهل من
الممكن له أن يصوّر من دون إطلاع السلطات على الأمر وهو المحكوم عليه؟ وإن
اطّلعت فلم سكتت؟ ولم يصرّ المسؤولون على منعه رسمياً من العمل، وهو حق من
حقوق أي إنسان؟ يبدو الأمر كلعبة بين الطرفين، تعلم السلطات بتحركات المخرج
وتوجهاته، ولكنها تغضّ الطرف عنها، وهو يحصد المجد عالمياً من وراء هذا
المنع.
يقول لنا الناقد الإيراني: «بناهي ينتظر دوماً لحظة اعتقاله، وهذا ما لن
يحصل، فالحكم سار عليه ولكن لن يجبره أحد على إتمامه في السجن. هو يحقق
أفلاماً ويرسلها إلى المهرجانات، والحكومة تغمض عينيها». |