كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

السياسة والتاريخ وأشياء أخرى

قالتها السينما بطريقتها الخاصة

برلين - قيس قاسم

مهرجان برلين السينمائي الدولي الخامس والستون

   
 
 
 
 

بين صورة مقعد جعفر بناهي الشاغر، التي انتشرت يوم اختارته إحدى دورات مهرجان برلين السينمائي قبل سنوات عضواً في لجنة تحكيمها ووضعت اسمه عليه، وصورة «الدب الذهب» الحزين المركون فوق منضدة على مسرح قاعة الاحتفال الختامي للدورة الخامسة والستين - من دون صاحبه - مقاربة سياسية صارخة تكرس توجهاً معلناً لـ»لبرليناله» في التضامن مع المخرج الإيراني الممنوع من العمل والسفر، واعلاناً صريحاً لإنحيازها الى السينمائي فيه. وإذا كانت الأولى نتاجاً إرادوياً خطط له منظمو المهرجان للإعلان عن وقوفهم مع سينمائي موهوب يعرفون مقدماً صعوبة وصوله الى برلين بسبب الحكم الجائر ضده، فإن ملامح الصورة الثانية قد تشكلت إثر قرار لجنة تحكيم مسابقة الدورة الكبرى منح فيلمه «تاكسي» جائزتها الأهم لإعتبارات سينمائية بالدرجة الأولى لكنها لا تخلو ايضاً من اعتبارات سياسية. ضمناً، عطل رئيس اللجنة المخرج الأميركي دارين أرنوفيسكي بمنحه جائزة الدورة الى بنهاي جزءاً من نقاش محتدم وأسئلة مشككة حول جدية قرار السلطات الايرانية ضده ما دام أنه يتمتع بقدر كافٍ من الحرية التي تسمح له بإنجاز فيلم سينمائي، عندما أحال وأعضاء لجنته أسباب منحهم الجائزة (استلمتها نيابة عنه ابنة أخته) الى صنيعه المنتمي الى السينما وحبها، والذي لا يهم متلقيها، كثيراً، تفاصيل العلاقة بين «السلطة» و»الفنان» وحذاقة الأخير في العمل تحت شروط شبه مستحيلة، بمقدار ما يهمه نوع المنجز الذي يشاهده ويتمتع به ويتفاعل معه. أسقط بدوره بناهي قرارات ضده أرادت تعجيزه عن صنع ما تخافه وتخشاه. (راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة). أما سلطة الكنيسة وما يقترفه خدامها من جرائم باسم الدين فيعاينها التشيلي بابلو لارين من منظور نقدي في فيلمه الرائع «النادي» الذي حصل على «الدب الفضة» (جائزة التحكيم الكبرى) وكرس بفوزه حضوراً لافتاً للسينما التشيلية بعد نيل وثائقي مواطنه باتريسيو غوزمان «زر اللؤلوة» جائزة أفضل سيناريو (دب فضة) وأضاف الى القارة التي جاءا منها انجاز الغواتيمالي خايرو بوستامانتا «بركان أكسكنول» حضوراً لافتاً في هذه الدورة بعد حصوله على جائزة ألفرد باور، وهي التي تمنح خصيصاً لفيلم «يشرّع آفاق السينما».

جرائم رهبان

يعصرن لارين في «النادي» التاريخ الكنسي لمعاينته جيداً فيرادفه بتسمية «النادي» للإيحاء بطابعه الدنيوي النخبوي الغامض لا المقدس، من خلال المناخ الذي يرسمه لمجموعة من الرهبان اقترفوا جرائم جنسية ضد الأطفال وتورطوا بأعمال تتناقض مع وظيفتهم الروحية كبيع بعضهم أطفالاً حديثي الولادة والاشتراك بأعمال تجارية محظورة فنقلوا كـ»عقاب» لهم الى بيت في قرية ساحلية، يعتمد سكانها الفقراء على الصيد. يتمتعون داخله بكل ملذات الحياة العادية ويشاركون في سباقات ركض الكلاب من دون أن يظهروا علناً فيها مكتفين بمراقبة نتائجها عن بعد، ويشكلون في ما بينهم نادياً سرياً لا يشي مظهره بما في داخله من حيوات قاسية لم تندم على أفعالها بل قبلت بعزلتها المترفة في انتظار لحظة الخروج الى «النادي» الأكبر. ولا يفسد عزلة الرهبان «المبعدين» الأربعة والسيدة الراعية لهم سوى ظهور شاب مخمور جاء يعلن صارخاً ما اقترفه راهب بحقه يوم كان طفلاً مؤمناً فانتزع بفعلته معه ايمانه منه وبراءته. سيقلب ظهوره الصاخب مسار عمل درامي هو من بين أكثر الأفلام انتقاداً لخروقات الكنيسة التي ظهرت على يد لارين كمؤسسة فسادها هيكيلي والمؤامرة داخلها سلوك للوصول الى امتيازات كبيرة تُسحق بسببها ذوات كثيرة دون وجل لتبدو ومن خلال اعترافاتهم «كعصابة» خطابها ديني شكلي وسلوكها مادي صرف شديد الطمع. عمل ربما كان يستحق أكثر مما خرج به لكنه في النتيجة سينضم الى أفلام مهمة راجعت بشجاعة تاريخ ودور المؤسسة الدينية المسيحية - السياسي والأخلاقي - كما في فيلم الدورة السابقة «دروب الصليب» للمخرج الألماني ديتريتش بروغمان والذي حظي بقبول نقدي واسع.

أفلام المراجعة التاريخية - السياسية لها حضور دائم في «البرليناله» نتلمسه بإستمرار من خلال قراءة المخرجين الألمان لتجارب بلادهم مع النازية، على وجه الخصوص، ونجدها أيضاً في مفردات متقاربة من مناطق مختلفة تنحو ذات المنحى كما في «عفارم» الذي تناصف صاحبه الروماني رادو جودي جائزة أفضل إخراج مع البولندية مالغورزاتا زوموفيسكا صاحبة فيلم «جسد». «عفارم» يلتحق بأفلام دول شرق أوربا حول الغجر كونهم كمجموعة بشرية يمثلون مشكلة اجتماعية جدية تواجه الأنظمة الجديدة التي جاءت بعد نهاية المرحلة الاشتراكية في تلك البلدان وأساءت التصرف معهم بعد انهيار سقف الحماية التي كانت الأنظمة السابقة توفره لهم. فشاهدنا عام 2013 الفيلم الرائع «فصل من حياة جامع خردة» الذي قارب فيه دانيس تانوفيتش حياة عائلة غجرية بائسة في البوسنة، ونال بطله نازيف موتيش على دوره الرئيس جائزة أفضل ممثل في دورة برلين في ذلك العام. وقدم التشيك فيلماً مهماً عام 2011 بعنوان «غجري» من اخراج مارتن شوليك ثم تلاه بعد عامين عمل البولنديين ليونا كوس - «كراوزة و كرشتوف» ـ . واليوم يعود «عفارم» الى عام 1835 من خلال فيلم طريق يقرأ خلاله في تاريخ شعوب منطقة البلقان وما جاورها وموقفهم من الغجر الذين كانوا يستعبدونهم وينقب بمهارة لافتة عن جذور الكراهية والعداء بين شعوب ودول تلك المنطقة والتي انتقلت من جيل الى جيل وبأحكام مسبقة من دون تدقيق. «عفارم» ينسج رحلة «صيد» الشرطي كوستندين وابنه للغجري «العبد» كارفين الذي هرب بعد افتضاح علاقته بزوجة اقطاعي من منطقة «البلقان» المسيحية والمسيطرة تركيا العثمانية على أجزاء منها، فطلب منه احضاره من أجل نيل عقابه المنتظر «الخصي». الرحلة المصورة بالأبيض والأسود تكشف لنا الجذر التاريخي لنظرة سكان المنطقة الدونية الى الغجر ومنها نفهم أسباب كراهيتهم لهم وفي الوقت نفسه يذهب الى كشف جوانب من التداخل والتصادم بين أقوامها وثقافاتها ودياناتها المختلفة (الروسية والتركية، اليهودية والمسيحية ـ الرومانية والهنغارية) والتي تفسر بدورها جزءاً من الصراع العرقي والقومي الذي تشهده بلدانها الآن.

تاريخ الجسد السياسي

بهذا العمل المهم نقف أمام منجز عميق نفذ بوسائل بسيطة وشَرَح مخرجه بمهارة الجراح السينمائي أجزاءً مهمة من جسد التاريخ السياسي الاجتماعي للقارة الأوربية. فيما يُقرب الروسي ألكسي جيرمان الإبن، الزمن ليصل الى عام 2017 حيث تكون قد مرت مئة عام بالتمام والكمال على ثورة أكتوبر شهدت خلالها روسيا تحولات تاريخية أثرت على العالم ولكنها انتهت نهاية تراجيدية تناولها «تحت سحب إلكترونية» الذي نال مصوراه عنه مناصفة مع مصوري فيلم «فكتوريا» الألماني جائزة (الدب الفضة) لأفضل إسهام فني. اليتم ربما خير توصيف يريده الروسي لحالة بلاده بعد قرن من ثورة واعدة جمعت شعوباً وأقواماً لكنها اليوم مجزأة خسرت أهم جامعها اللغة الروسية وعلى هذا الجانب يلعب ويناور جيرمان لوصف اللحظة الحاسمة من تاريخ أمة يعاد صوغ تكوينها من جديد من منظور قيصري أي بالعودة الى اللحظة التي أنهت الثورة حكم القياصرة ليأتي بعد مئة عام منها الرئيس بوتين محملاً بأحلام أمبراطورية قديمة، جسدها المخرج أندريه زفيانغتسيف في فيلمه الرائع «لفاياثان» العام الماضي. وإذا كان أسلوبا المعالجة مختلفين فإن الخيط الجامع بينهما هو ذاته، تاريخ روسيا ونهاية ثورتها وظهور عهد جديد لا يمت لروحها بصلة بل ولا علاقة له بالطبيعة نفسها. فروسيا اليوم تعيش تحت سماء ملبدة بغيوم إلكترونية تغدو الحياة تحتها مكفهرة مثلها!. أما اختيارات أفلام المسابقة فتظل في كثير من الأحيان غير مفهومة لمراعاة منظمي المهرجانات اعتبارات خاصة بهم. وفي دورة هذا العام وعلى الجانب الألماني منها ظهر جلياً هذا الغموض حين وضعوا «13 دقيقية» خارج المسابقة وأدخلوا اليها «كما كنا نحلم»، في حين الأول لصاحبه أوليفر هيرشبيغل من بين أقوى أفلام الدورة على الاطلاق لكونه مشغولا بحرفية مدهشة ويتناول حدثاً مهماً يتعلق بمحاولة اغتيال هتلر قبل شروعه في الحرب العالمية الثانية أستنادا على قصة حقيقية بطلها انسان عادي شديد الذكاء أراد وقف الخراب البشري بعملية خطط لها بنفسه ونفذها من دون مساعدة أحد ولو كتب لها النجاح لتغير مسار البشرية برمته.

فوزان عراقيان

على مستوى السينما العراقية، أتت الدورة الـ 65 حدثا استثنائيا لها لأنها خرجت بجائزتين من جوائزها، الأولى: جائزة أفضل قصير في قسم أجيال (Generation Kplus) لسلام سلمان وفيلمه «هدية أبي» الذي رأت فيه اللجنة المكونة من صغار السن مهمتها تقويم مجموعة أفلام أصحابها من الشباب أو موضوعاتها تخص تلك الفئات العمرية «أحببنا كلنا الفيلم القصير لأنه حزين ومؤثر ومستند في الوقت نفسه على قصة حقيقية صادمة تجسدت في المشهد الأخير الشديد الإقناع»، وعلى مستوى الوثائقي الطويل «الأوديسا العراقية» للمخرج سمير فقد نال جائزة الجمهور الثالثة وهي جائزة مهمة كون «البرليناله» واحداً من أهم المهرجانات العالمية الذي يراهن كثيراً على مشاركة الجمهور الألماني لفعالياته. من دون شك نص سمير الوثائقي مهم وعميق يسرد من خلال عائلته تاريخ العراق وعلاقته بالحداثة وعبر بحثه في تواريخ أقاربه والتعرف عليهم بشكل أفضل بعد زيارتهم والحديث معهم وتقليب معمق في أرشيف تواريخهم الشخصية يدرس مرحلة طويلة تمتد قرابة قرن من الزمن أثرت فيها ثورات وانقلابات عسكرية وأجبرت الكثير منهم على الهجرة في جهات الأرض، وأظهرت حصيلتها الملحمية تراجع العراق كما نراه اليوم الى الوراء كثيراً.

وبعيداً من التاريخ والسياسة ربما يجسد «45 عاماً» لأندرو هاي توجهاً سينمائياً خاصاً يذهب في بحث جوّانيات الكائن البشري وفيه محاولة لفهم جوانب من العلاقة الملتبسة والعصية على الفهم المطلق بين الرجل والمرأة في فيلم رائع حكى عن علاقة زوجين على مشارف الاحتفال بعيد زواجهما الـ45 لكن رسالة تصل الى الزوج (توم كورتناي، نال جائزة أفضل ممثل) تخبره بعثور الشرطة على حبيبته التي طمرتها ثلوج جبال الألب لعقود فعادت لتُحيي عنده ذكريات امرأة أحبها ولم ينقطع عن التفكير بها. فيما سيحرك الحدث مشاعر الغيرة والاحساس الثقيل بالخديعة عند الزوجة (شارلوت رامبلينغ، أفضل ممثلة) واكتشاف العيش مع كائن ظنت انها تعرفه جيداً لكنه كان يضمر طيلة خمسة وأربعين عاماً مشاعر حب لامرأة أخرى تنافسها وهي تحت الثلوج... ميتة. تحـــفة سينمائية بريطانية استحق عليها أبطالها جوائزهم ورسخت قوة دورة لا شك في أنها من بين أقوى دورات «البرليناله» الـ65.

المخرج «السرّي» جداً في طهران «المراقَبة»

ندى الأزهري

مساء السبت الماضي، أعلنت لجنة تحكيم الدورة الخامسة والستين لمهرجان برلين السينمائي «برليناله»، حصول فيلم «تاكسي» للإيراني جعفر بناهي، على جائزة «الدب الذهبي»، أعلى جوائز المهرجان.

للتذكير، المخرج الإيراني اللامع ممنوع من ممارسة أي نشاط سينمائي في إيران، ومن إجراء أي مقابلة صحفية لمدة عشرين سنة، ومحكوم عليه بالسجن لمدة ست سنوات. والحكم جاء بسبب محاولة المخرج تصوير فيلم عن الاحتجاجات التي تلت إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد كرئيس لجمهورية إيران الإسلامية عام 2009، ومعارضة الحركة الخضراء للنتائج، واتهام السلطات بالتزوير. في إيران لا سيما في موضوع شديد الحساسية كهذا، فإن تصوير فيلم من دون الحصول على إذن مسبق، يعتبر تهمة يحاكم عليها القانون وهذا ما حصل. تجدر الإشارة هنا إلى أن محاكمة بناهي تمت بسبب الفيلم و»دعايته» ضد النظام، وليس لأنه كان مؤيداً للحركة الخضراء بزعامة موسوي (كما تشير الصحافة الغربية)، فقد عارض كثر من زملائه السينمائيين نتائج الانتخابات واحتجّوا فتعرّضوا لمضايقات وتضييق وضغوط على أعمالهم الفنية وعلى المغادرة للمشاركة في المهرجانات، ولكن من دون أحكام من القضاء (رخشان بني اعتماد، فاطمة معتمد آريا...). فلماذا بناهي؟ هل لأنه كما قال مواطنه والمخرج الأشهر عباس كيارستمي، قام بما «يستدعي حبسه»؟ كيارستمي الحذر سياسياً والذي لا يفضّل الخوض في مواجهات مباشرة مع النظام، كان دعا الحكومة حينها الى إطلاق سراح زميله في رسالة مفتوحة، وقد صرّح لنا في حوار (الحياة 28-8-2010): «لا أقدّر الطريقة التي يتصرف بها بناهي، أسلوبه في إثارة الضجيج وفي الدفاع عن المظاهرات (...) أعتبر أنه من المسيء لحكومة أن تعتقل فناناً وتحبسه وبالقدر نفسه من السيئ أن يفعل الفنان ما يستدعي حبسه». أم هل لأن صاحب «الدائرة» يُعتبر من جانب النظام صاحب أفلام «واقعية قذرة» لها توجه سياسي مريب يري الجانب المظلم من المجتمع الإيراني، كالدعارة في «الدائرة»، والعنف في» دم وذهب»، والقوانين الجائرة بحق الفتيات كمنعهن من حضور مباريات كرة القدم في «أوف سايد»؟

حكم لن ينفّذ!

مهما كانت دوافع الحُكومة أو النظام في تقديم المخرج المشهور إلى القضاء، فإن الحكم بالسجن لم ينفّذ، وهو «لن ينفذ»، في رأي ناقد سينمائي إيراني من الداخل. فبناهي يتحرك بحرية في طهران (على رغم القول هنا أيضا إنه قيد الإقامة الجبرية)، كما أنه صوّر، وطبعاً بالسر(!) ومنذ الحكم عليه، ثلاثة أفلام عرضت في مهرجانين من أكبر مهرجانات العالم، في «كان» 2011 «هذا ليس بفيلم»، وفي برلين 2013 و2015 «ستارة» و»تاكسي» على التوالي، وفي كل مرة يربح جائزة ما من أكبر الجوائز.

في «تاكسي»، تحوّل بناهي إلى سائق سيارة أجرة محشوة بالكاميرات كي تصوّر الصاعدين والنازلين، الزبائن الحقيقيين والمزيفين، في محاولة لتسليط الضوء على المجتمع الإيراني من خلال الركاب وأحاديثهم وتفاعلهم مع المعاش اليومي. وفيما ابتهجت به الصحافة الغربية التي كانت تنتظر بناهي على «أحر من الجمر»، واعتبرته «تحفة»، وصرّح مدير «برليناله» بأن بناهي لم يقبل منعه عشرين عاماً من العمل، ويحاول أن يعمل لأنه لا يمكنه العيش من دون صنع الأفلام، وأنهم حصلوا على فيلمه بالصدفة وربما عبر «تاكسي»، فقد نُظر إلى الأمر في إيران الرسمية على نحو مغاير...

مع الحكومة التي جاءت بعد تولّي حسن روحاني الحكم، جرت تغييرات سينمائية أو محاولات للتغيير، فتولى حجة الله أيوبي مهام مؤسسة السينما، بعد أن كانت الأمور قد وصلت إلى طريق مسدود بين كثير من السينمائيين والمسؤولين عن السينما في حكومة أحمدي نجاد. المسؤولون الجدد ظلوا على موقفهم من جعفر بناهي، على رغم انفتاحات ظاهرية في الشأن السينمائي. في رسالة مفتوحة إلى مهرجان برلين السينمائي، حذّر أيوبي مديره ديتر كوسليك بسبب «ملاحظاته السياسية» عن إيران قبل عرض فيلم «تاكسي» في المهرجان. وبعد إشارته، وفق صحيفة «تهران تايمز»، إلى أن «برليناله» عرض على مرّ السنين أفلاماً لكبار المخرجين الإيرانيين، وبأن برلين باتت إسماً «مألوفا للسينمائيين، ومكاناً لعرض الأفلام، والحوار الذي يحتاج إليه العالم الحديث وبشدة، قال: «إنهم في المهرجان وللأسف، يرغبون في قيادة كل واحد في تاكسي نحو المزيد من سوء فهم للشعب الإيراني، (وهذا) بعرض فيلم مصنوع من قبل مخرج محكوم عليه بالقانون بعدم صناعة الأفلام ومع هذا قام بذلك». ولمّح مدير المؤسسة الإيرانية إلى «خطوات سياسية» في المهرجان، قائلاً: «أريد أن يبقى «برليناله علماً للثقافة والفن، ولكن يبدو أن بعضهم يفضّل السياسة على الفن، ما سيبني جداراً حول المهرجان، مع أن الثقافة والسينما تقودان الى إزالة الجدران والحواجز».

ثمة تساؤلات وغموض يلفّان الموقف من بناهي من جانب حكومة بلاده. فهل من الممكن له أن يصوّر من دون إطلاع السلطات على الأمر وهو المحكوم عليه؟ وإن اطّلعت فلم سكتت؟ ولم يصرّ المسؤولون على منعه رسمياً من العمل، وهو حق من حقوق أي إنسان؟ يبدو الأمر كلعبة بين الطرفين، تعلم السلطات بتحركات المخرج وتوجهاته، ولكنها تغضّ الطرف عنها، وهو يحصد المجد عالمياً من وراء هذا المنع.

يقول لنا الناقد الإيراني: «بناهي ينتظر دوماً لحظة اعتقاله، وهذا ما لن يحصل، فالحكم سار عليه ولكن لن يجبره أحد على إتمامه في السجن. هو يحقق أفلاماً ويرسلها إلى المهرجانات، والحكومة تغمض عينيها».

الحياة اللندنية في

20.02.2015

 
 

بيتر جريناواي يتحدث عن "أيزنشتاين في المكسيك"

لندن- "عين على السينما"

·        ما هو الموضوع الرئيسي في فيلمك الجديد "أيزنشتاين في غوانخوانتو" أو أيزنشتاين في المكسيك؟

الفيلم احتفال، إنه عمل ممتع، وهو عن رجل يسعى للعثور على هويته بطرق مختلفة متعددة. لقد كان يود أن يفهم هويته الجنسية. لقد كانت لديه مؤشرات منذ أن كان مراهقا، فهو لم يكن يرى نفسه بالضرورة في التقسيمة الجنسية الطبيعية. يمكنني أن أطلعك على دليلي على ذلك. أنا لم أخترع هذا الأمر.

حقا لقد أقام علاقة مع بالومينو كانيدو خلال الأيام العشرة العاصفة التي قضاها في المدينة المكسيكية، ثم افترقا. لا يمكنني القول إنهما افترقا تحديدا بالطريقة التي صورتها في الفيلم، لكني أعتقد انه ليس هناك شيء يدعى التاريخ، هناك فقط توارخ عدة.

·        كيف تعتقد ان الفترة التي قضاها أيزنشتاين في المكسيك غيرته كمخرج؟

دعنا نفترض أننا جميعا ننضج وأن شخصياتنا تتطور، واتخيل أن هذه الشخصيات اساسا، تصبح، كلما كبرنا، أكثر عاطفية. ولذلك فربما يكون قد حدث بالفعل نوع من الاتصال الجنسي مع هذا الرجل. كلنا نعلم أننا عندما نكون في الخارج فإننا نتصرف بشكل مختلف ونقدم على المخاطرة. وهنا نحن نراه في بلد أجنبي مختلف تماما، على مسافة 3500 ميل من موسكو، وهو لا يجد حوله مواطنينمن اقرانه طول الوقت خاصة الستالينيين الروس، ولذا هناك امكانية لأن يتحرر، أن يترك شهيته للمعرفة تتسع بدرجة كبيرة. لقد كانت صدمة ثقافية بالنسبة له أن يلتقي بكل هذه الشخصيات غير العادية، التي تختلف عنه، وأعتقد ان هذا الاحساس بالحرية جعله ينفس عن المكبوت الذي كان مستقرا في داخله، وإذن فإن فرضيتي تقوم على أن افلامه الثلاثة الأولى كانت مليئة بالأفكار، ولكن الأفكار التي ترتبط بالمجموع، وليس بالأفراد. أما اذا نظرت الى الافلام الثلاثة الأخيرة فستجد أنه أصبح أكثر اهتماما بالأفراد وبالعلاقات بينهم وانهم أصبحوا أكثر نضجا، أكثر فهما ومعاصرة. أعتقد انه خارج بلاده، أي خارج ثقافته، وفي استجابة لما كان مستقرا في داخله، بدأ يهتم بالفرد، أكثر من اهتمامه بالمجموع.

·        هل يمكن القول ان هذا الفيلم جاء في الوقت الذي أصبحت تتعرض فيه حقوق المثليين للتضييق عما كان الأمر في السابق؟

هذا ليس فيلما من أفلام المثليين. إنه فيلم عن رجل ربطته قصة حب مع رجل آخر. وسيكون من السذاجة الشديدة انكار كل هذه العلاقات. إن أي فيلم تاريخي هو عن الحاضر كما هوعن الماضي. هذا ما يجب أن يكون. نعم هناك صلة. يمكنك أن تتخيل، أنا لست من المرحب بهم على الاطلاق في روسيا، على الأقل على المستوى الرسمي، لقد تلقيت الكثير من رسائل الكراهية ولكن لا شيء خطيرا.

·        ماذا كان مفتاح العثور على فريق الممثلين؟

بمكنك أن ترى ما واجهناه من مشاكل: لقد توفرت لدينا كمية هائلة من صور أيزنشتاين في العالم.. وأردت أن أستخدمها، لذلك بحثت عن ممثل يكون على الأقل، ولو على نحو غامض، قريب الشبه بأيزنشتاين، لقد بحثنا في كل مكان ثم عثرنا، بمحض الصدفة،على إلمر باك، وأود القول إنه كان ممتازا في الدور.

·        الى جانب أيزنشتاين من هم المخرجون المفضلون لديك؟

- كنت دائما مهتما بأيزنشتاين، لكن ربما أكون قد أصبحت خلال العشرين عاما الأخيرة، مهتما به أكثر لأنه جُرب وأختبر، لقد صمد لتجربة الزمن، وأرى أن ما أنجزه مهم حقا. لدي الكثير من المخرجين المفضلين. إننا جميعا لدينا  أبطالنا. الفيلم مليء بالاقتباسات. فيلمي المفضل هو فيلم "العام الماضي في مارينباد" لألان رينيه، وأنت ترى في نهاية فيلمي أنهم يلعبون لعبة مارينباد.. وفيلم آخر من أفلامي المفضلة هو "قواعد اللعبة" لرينوار الذي يصور رينوار وهو يقفز ويسقط نفسه على الفراش، وقد سرقت هذه اللقطة وجعلتها مفتاحا لما يفعله ايزنشتاين. هناك مصادر كثيرة من المهرجين الشعبيين الذين هم مستمدون بالطبع من فيلليني. أتعرف العبارة الشهيرة لجون دون "لا أحد يعتبر جزيرة".. طيب.. سأقول لك "لا فيلم يعتبر جزيرة". ان كل فيلم يكرر على نحو ما. معظم الفن هو عن الفن، انه ليس عن الحياة، بل عن النظرة الى الفن.

·        كيف تطور عملك السينمائي؟

لقد أخرجت حتى الآن 15 فيلما كلها تختلف عن بعضها، فليس من الممكن أن أصنع نفس الفيلم بنفس الطريقة مجددا ومجددا، لكنها جميعها عن نفس الظاهرة: ضرورة الصورة، فرضيات التذوق البصري وهو ما اعتقد أنه أمر هام جدا. إنه موضوع ذاتي تماما في أهميته لكنني أود عمل سينما غير روائية، متعددة الشاشات، تدور في الحاضر. هذه السينما هي في الطريق سواء أعجبني ذلك أو لم يعجبني، وسواء أحببت أنت ذلك او لم تحبه. إنها في الطريق.

عن موقع سين أوروبا Cineuropa

عين على السينما في

21.02.2015

 
 

فيلم هولندى ربما لا يعرض إلا فى هولندا!

بقلم   سمير فريد

جاء فيلم بيتر جريناواى «إيزنشتين فى جواناجاتو» مفاجأة مهرجان برلين الكبرى، ففيه أطول مشهد فى تاريخ السينما لممارسة جنسية كاملة بين رجلين، وعلى حين اعتبره البعض «فضيحة» المهرجان، كان عند البعض الآخر حدث المهرجان، ولم تستطع لجنة التحكيم أن تذكر الفيلم بأى جائزة، رغم أننا إذا فصلنا «الإخراج» عن الفيلم ككل، وهذا ما يحدث بوجود جائزة تسمى أحسن إخراج، يكون أحسن إخراج بين أفلام المسابقة الـ١٩، ورغم المستوى الرفيع لعدد كبير منها.

هذا فيلم هولندى، ربما لن يعرض سوى فى هولندا، حيث كل شىء مباح بما فى ذلك المخدرات، وزواج المثليين من رجال ونساء والموت الرحيم لمن أصبحت حياتهم عذاباً مستمراً بسبب المرض، ولو لم يكن الفيلم هولندياً لما تم إنتاجه على أى حال مع وجود ذلك المشهد، وكانت الصدمة مزدوجة لدى الكثير من عشاق ومؤرخى السينما، فأحد الرجلين اللذين يمارسان الجنس هو المخرج الروسى سيرجى إيزنشتين «١٨٩٨-١٩٤٨» الذى يعتبر من مؤسسى الفن السينمائى كمخرج ومنظر، سواء فى أفلامه الصامتة أم الناطقة، وكان فيلمه «المدمرة بوتمكين» ١٩٢٥ ولايزال يدرس فى كل أكاديميات السينما فى العالم.

توفى إيزنشتين بعد ١٩ يوماً من عيد ميلاده الـ٥٠ فى ١١ فبراير ١٩٤٨ بالسكتة القلبية، وعرض فيلم جريناواى يوم ١١ فبراير ٢٠١٥ فى مسابقة مهرجان برلين فى ذكرى مرور ٦٧ سنة على وفاته، وهو الفيلم الأول من فيلمين قرر المخرج البريطانى صنعهما عن إيزنشتين، والمعروف أن جريناواى الذى ولد عام ١٩٤٢ وبدأ إخراج الأفلام القصيرة عام ١٩٦٧، والأفلام الطويلة عام ١٩٨٥ من كبار مخرجى ما بعد الحداثة فى السينما فى العالم، وهو الاتجاه الذى يتجاوز سينما المؤلف إلى سينما المؤلف السينمائى إذا جاز التعبير، أى الذى لا تعبر أفلامه عن عالم خاص فقط، وإنما عن عالم خاص بلغة السينما الخالصة التى تقطع مع الفنون الأخرى، والتى لا تلخص فى كلمات أدبية إلا إذا كان من الممكن أن تلخص الموسيقى فى كلمات.

يصل جريناواى فى فيلمه عن إيزنشتين إلى ذروة جديدة من التأليف السينمائى الذى يحول الفيلم إلى عمل سمعى بصرى مثل لوحة، ولكن بالصور المتحركة الناطقة مستخدماً كل مفردات لغة السينما من المشاهد الروائية والوثائقية والصور الفوتوغرافية، ومن تقسيم الشاشة إلى قسمين وثلاثة، ومن مونتاج اللقطات القصيرة جداً إلى مونتاج اللقطات الطويلة جداً بحركة الكاميرا، ومن الديكور الداخلى الذى يحول الغرفة إلى مسرح إلى الأزياء التى تدخل فى صميم التعبير الدرامى، وهذا الشكل الممتع فى تلقيه، حيث يمضى وقت العرض «١٠٥ دقائق» بسلاسة نموذجية يعبر عن رؤية المخرج لموضوعه، وهو الفيلم الذى بدأه إيزنشتين فى المكسيك عام ١٩٣٠ ولم يتم، والمشهد الأول وصول الفنان إلى مدينة جوانا جواتو المكسيكية والمشهد الأخير مغادرة هذه المدينة، وقد فشل المشروع لأسباب متعددة.

والاستمتاع بالشكل لا يعنى الاستمتاع برؤية الفنان لموضوعه، أو الاقتناع بها بالضرورة، وقد كانت رؤى جريناواى لموضوعاته تتميز بالفكر الإنسانى العميق، ولكنه فى هذا الفيلم السادس عشر من أفلامه الطويلة أقرب إلى السطحية ربما لأول مرة فى تاريخه الحافل.

إذ يبدو إيزنشتين «إيلمر باك» بحلته البيضاء التى يرتديها طوال الفيلم وسلوكه الأهوج كالأطفال مثل ملياردير يقضى إجازة فى المكسيك فى جناح ملكى فاخر، ويقع فى غرام مساعده المكسيكى بالومنيو سانيدو «لويس ألبرتى» ويمارس معه الجنس، أو يكتشف معه مثليته الجنسية.

لا شىء عن الفيلم الذى لم يتم، والذى أطلق عليه إيزنشتين «تحيا المكسيك» ولا شىء عن دوافعه لعمله إلا ربما الغرائبية فى الطقوس والعادات المكسيكية بالنسبة للثقافة الأوروبية، بل يبدو إيزنشتين هارباً من روسيا الشيوعية، بينما كان شيوعياً باختياره كما يبدو من أفلامه، ولا يغير من هذه الحقيقة رفضه لممارسات ستالين، ويمر الفيلم مروراً عابراً وإخبارياً على رحلة إيزنشتين فى تلك السنة إلى برلين وجنيف وباريس ولندن ونيويورك، ورحلته بالقطار من نيويورك إلى هوليوود، ولقاءاته مع عدد من أعظم شخصيات العصر والقرن العشرين من أينشتين وجويس وكوكتو إلى جريتا جاربو وسترو هايم وديزنى وشابلن الذى اقترب منه كثيراً، وهو الذى اقترح عليه إخراج فيلم تسجيلى عن المكسيك، أم أن علينا انتظار الجزء الثانى من الفيلم.

المصري اليوم في

21.02.2015

 
 

ماليك يبتدع تيار الوعى بلغة السينما

بقلم:  سمير فريد

يعتبر المخرج الأمريكى تيرانس ماليك من عظماء فنانى السينما فى أمريكا والعالم وفى كل تاريخها، وكل فيلم من أفلامه السبعة التى أخرجها فى ٤٠ سنة، منذ عام ١٩٧٣، من العلامات المميزة، وأغلبها من (التحف) التى تصبح من الكلاسيكيات فور عرضها، وقد شهد مهرجان برلين ٢٠١٥ عرض فيلمه السابع (فارس الكؤوس) فى المسابقة، وكان جديراً بالفوز بالدب الذهبى لأحسن فيلم، لكنه لم يفز بأى جائزة، مثل فيلمه السابق (إن تعجب) الذى عرض فى مهرجان فينسيا ٢٠١٢، وكان جديراً بالأسد الذهبى لأحسن فيلم، وهذا هو الموقف الصحيح على أى حال: إما أن يفوز بأكبر جائزة، أو لا شىء.

مثل أى فنان مبدع حقاً وكبير حقاً يصنع ماليك، الذى ولد عام ١٩٤٣ فى تكساس، الأفلام بدوافع داخلية بحتة، وليس أدل على ذلك من إخراج فيلميه الأولين (الأرض الخراب) ١٩٧٣، و(أيام السماء) ١٩٧٨ فى ست سنوات، ثم توقفه ٢٠ سنة، وإخراج فيلمه الثالث (الخط الأحمر الرفيع) ١٩٩٨، الذى فاز بالدب الذهبى فى مهرجان برلين ١٩٩٩، ثم إخراج أفلامه الأربعة التالية فى السنوات العشر الماضية، وهى (العالم الجديد) ٢٠٠٥، و(شجرة الحياة) ٢٠١١، الذى فاز بالسعفة الذهبية فى مهرجان «كان» فى نفس العام، و(إن تعجب) ٢٠١٢، ثم (فارس الكؤوس) ٢٠١٤، وهو الآن يصنع فيلمين فى نفس الوقت، روائى لم يستقر على عنوانه، وتسجيلى بطريقة إيماكس بعنوان (رحلة عبر الزمن) يفكر فيه من ٣٠ سنة.

ماليك يعبر بلغة السينما عن رؤية فلسفية للحياة والكون تحتاج إلى دراسات معمقة، وليس ذلك لأنه درس الفلسفة فى جامعتى هارفارد وإكسفورد، وقام بتدريسها، ولكن لا شك أن خلفيته الفلسفية لها دور فى تكوين عالمه. وبصفة عامة تحركت أفلامه من التجسيد فى أفلامه الثلاثة الأولى فى القرن الماضى إلى التجريد فى أفلامه الأربعة التالية فى مطلع القرن الجديد، ووصل إلى ذروة التجريد فى فيلمه الجديد (فارس الكؤوس)، أو بعبارات أخرى من سرد القصص بأسلوبه الخاص إلى سينما خالصة من دون قصة يتم فيها تلقى الفيلم ككل من أول لقطة إلى آخر لقطة.

(فارس الكؤوس) أحد شخصيات كروت التاروت، عن أمير شاب يرسله والده للبحث عن لؤلؤة الحياة، لكنه يفقد الذاكرة ويستغرق فى نوم عميق، وهذا (الفارس) فى الفيلم كاتب سيناريو أفلام كوميدية فى هوليوود، ناجح وثرى ووسيم وشاب فى عنفوانه، لكن روحه معذبة ويبحث عن معنى الحياة، إنه ريك (كرستيان بالى) الذى لا نراه يكتب كلمة واحدة طوال الفيلم، ويبدو مثل الابن الضال فى علاقته مع والده (بريان دينى) وأخيه (ويس بينتلى)، والثلاثة يعيشون موت ابن ثالث فى شبابه، ويبدو مثل فارس الكؤوس المعروف بأنه فنان ومغامر ورومانتيكى فى علاقاته مع النساء، الدكتورة النفسية نانسى (كيت بلانشيت) التى كانت زوجته فى فترة ما، و(الموديل) هيلين (فريدا بينتو) والمرأة المتزوجة إليزابيث (ناتالى بورتمان)، وراقصة (الاستربتيز) أو التعرى كارين (تيريزا بالمر) والشابة الصغيرة المندفعة إيزابيل (إيزابيل لوكاس) وغيرهن من النساء فى حياته المرفهة فى لوس أنجلوس، حيث توجد هوليوود وعالمها بين الواقع والخيال.

الفيلم الذى صوره بعبقرية مصور ماليك الأثير إيمانويل لوبيزكى، مستخدماً كل الكاميرات، بما فى ذلك كاميرا الموبايل. مشهد مونتاج فى ١١٨ دقيقة، اشترك فى مونتاجه ثلاثة عباقرة فى فنهم أيضاً، وهم جيوفرى ريشمان وكيث فراسى وآج إدواردز، ومشهد المونتاج فى لغة السينما هو المشهد الذى تتوالى فيه لقطات سريعة وسريعة جداً بأسلوب الإيقاع فى الموسيقى، وعلى شريط الصوت يتحدث ريك لكنه لا يروى، والحوار بين شخصيات قليل للغاية، وموسيقى هانان تاونشيد تربط بين اللقطات بدلاً من القصة.

إنه ليس فيلماً عن هوليوود، وإنما يستخدم عالمها وليس عن الواقع الأمريكى، وإنما يستخدم هذا الواقع للتعبير عن العصر الذى نعيش فيه، حيث نرى الأرض من الفضاء، والفضاء من الأرض، ونتحرك بين الأماكن المغلقة تماماً والمفتوحة تماماً، بين الشواطئ والصحارى، وبين الأرض المستقرة والثائرة، حيث يستيقظ ريك ذات يوم على زلزال من زلازل كاليفورنيا، يقول والد ريك مما يقول لابنه: (إننا لا نمضى فى الحياة التى كنا نعتقد بوجودها، وإنما كنا نعنى شيئاً آخر).

وقد يبدو الفيلم سوريالياً، وفيه ما يبرر ذلك، ولكن ماليك هنا يبتدع رواية (تيار الوعى) بلغة السينما، ومن المعروف أن هذا الاتجاه فى الرواية الإنجليزية فى النصف الأول من القرن العشرين تأثر بلغة السينما، ونموذجه الأكبر رواية (عوليس) التى صدرت عام ١٩٢٢ لأديب الحداثة جيمس جويس (١٨٨٢- ١٩٤١)، وفى هذه الرواية يتحدث بلوم عن ١٨ ساعة فى يوم من أيام حياته، لكنه يوم يعبر عن حياة كاملة كأنه ١٨ سنة، ريك فى مطلع القرن الواحد والعشرين مثل بلوم فى مطلع القرن العشرين.

يقول الأستاذ والمعلم طه محمود طه، وهو من أعظم مترجمى وشراح جويس فى العالم، والأعظم فى اللغة العربية: (ما قام به جويس فى مطلع القرن العشرين أصبح الآن شيئاً عادياً تخدمه حضارة عصر تسيطر عليه آنية إلكترونيات العصر الحديث- الراديو واللاسكى والتليفزيون والأقمار الصناعية والأدمغة الحاسبة وعلوم السايبرناتيكا- التى تضغط الزمان والمكان وتجعل من الممكن لأول مرة فى تاريخ البشرية الإحاطة بالمتناقضات بصورة كلية، فهذه النظرة الشمولية أنجبتها حضارة تخطت حدود التطور الخطى المستمد من الهندسة الإقليدية، والذى أدى إلى خط التجميع فى الطباعة وفى الصناعات الحديثة، فإذا أطلقنا على فنه عبارة «الفن الناشز»، فذلك يرجع إلى وجود تنافر ظاهرى فى بعض أجزائه، وإلى عدم توفر الصقل الكلاسيكى). ويختار الأستاذ من (عوليس) فقرة بمثابة مفتاح التلقى: (ولكن غداً يوم جديد سيأتى، الماضى كان اليوم، واليوم سيصبح الغد، طالما اليوم هو الغد).

المصري اليوم في

22.02.2015

 
 

في مهرجان برلين.. بكائيات الصهيونية مستمرة!

أمير العمري*

ليس من الممكن أن تمر دورة من دورات مهرجان برلين السينمائي دون أن يحضر -وبقوة- موضوع ما وقع في الحرب العالمية الثانية لليهود على أيدي الألمان النازيين، أو ما أصبح منذ ستينيات القرن الماضي يعرف بـ"الهولوكوست".

فبرلين هي العاصمة القديمة "للرايخ الثالث"، ولعرض هذه النوعية من الأفلام في قلب برلين مغزى خاص، والأصوات الصهيونية القوية و"اللوبي" اليهودي الصهيوني النافذ والمؤثر داخل صناعة السينما في أوروبا والولايات المتحدة تملك القدرة على الابتكار والتنويع في مواضيع الأفلام التي تتناول موضوع "الهولوكوست" عاما بعد عام.

وعادة تشتد وتيرة إنتاج مثل هذه الأفلام كلما أصبحت إسرائيل، وهي النتاج غير المباشر للظاهرة النازية، تعاني من الحصار الدولي أو من غضب الرأي العام العالمي على سياساتها.

تجارة الهولوكوست

فـ"الهولوكوست" الذي أصبح "صناعة" أو تجارة -حسب تعبير الكاتب الأميركي اليهودي المناهض للصهيونية نورمان فنكلشتاين- يبدو أنه وجد خصيصا لكي يكون طوقا للنجاة أمام إسرائيل، وأصبح بالتالي من الأسس الثابتة في صناعة السينما الغربية، إنتاج أفلام جديدة وإرسالها عاما بعد عام للعرض في مهرجان برلين تحديدا، إبقاء على عقدة الإحساس بالذنب لدى الألمان مشتعلة وراسخة.

في العام الماضي شاهدنا في المهرجان المشار إليه فيلم "رجال التحف الفنية" الذي أخرجه وقام ببطولته جورج كلوني مع مجموعة من النجوم، وكان يصور مغامرة مجموعة خاصة من الجنود الأميركيين وراء الخطوط الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية لإنقاذ كنز هائل من التحف الفنية (اللوحات والتماثيل والمقتينات الثمينة) التي سرقها النازيون من متاحف فرنسا، وأخفوها في مكان ما تمهيدا لنقلها إلى ألمانيا.

وعندما يعثر أفراد المجموعة أخيرا على كثير من هذه اللوحات الفنية، يجدون معها أيضا وعاءً كبيرا يحتوي على كتل من الأسنان الذهبية التي يفترض أن تكون قد انتزعت من جثث اليهود الذين لاقوا مصيرهم في "غرف الغاز".

أما في الدورة التي اختتمت مؤخرا من المهرجان، فقد عرض فيلم "امرأة من ذهب" الذي قامت ببطولته الممثلة الإنجليزية هيلين ميرين، في دور امرأة يهودية تسعى إلى استرداد مجموعة من اللوحات الفنية الثمينة كانت ملكا لأسرتها، قبل أن يستولي عليها النازيون، ويسوقوا والديها إلى الموت في "الهولوكوست"، والآن استقرت تلك اللوحات في أحد متاحف فيينا.

وتخوض المرأة معركة قضائية صعبة ومعقدة من أجل استعادة اللوحات، وما يكتنف ذلك من فتح لملف العلاقة بين النمسا وألمانيا النازية، والضغط على فكرة كيف رحب النمساويون بدخول قوات هتلر بلادهم وأشادوا بالتوحد مع ألمانيا في تلك الفترة!

تبرير الوحشية

شهد المهرجان أيضا عرض فيلم "إلسر" Elser الذي يروي قصة شاب ألماني حاول اغتيال هتلر عن طريق زرع قنبلة في مقر الحزب النازي بمدينة ميونيخ عام 1939 إلا أن محاولته فشلت، وقبض عليه، وتعرض للتعذيب الشديد وظل في السجن إلى أن أعدم قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية.

ورغم عدم وجود أي علاقة بين الفيلم والهولوكوست، يختلق مخرجه مشهدا نرى فيه امراة يهودية محاطة بالنازيين، أجلسوها بالقوة على مقعد وسط ساحة البلدة التي كان يعمل فيها الشاب، وجعلوها تحمل لوحة عليها عبارات مسيئة لليهود، بينما يتجمع حولها النساء والأطفال يسخرون منها!

ويصور فيلم "ثمانون جلدة" كيف تعرض صبي يهودي -ظلما- لعقاب صارم من جانب ضابط ألماني قام بجلده 81 جلدة في الغيتو اليهودي الذي أقامه النازيون وقتها لتجميع اليهود قبل ترحيلهم إلى معسكرات الاعتقال الجماعي.

كما يصور الفيلم أيضا أحداث انتفاضة غيتو وارسو الشهيرة التي انتهت بمأساة، وينتهي الفيلم بمحاكمة المسؤول البيروقراطي النازي أدولف أيخمان الذي اتهم بمسؤوليته عن سوق اليهود إلى غرف الغاز، والذي اختطفه عملاء الموساد من الأرجنتين في أوائل الستينيات وحوكم وأعدم في إسرائيل عام 1962.

والمقصود من كل هذا التكرار كما أشرت، ترسيخ عقدة الإحساس بالذنب لدى الألمان، وتذكير العالم دوما بما عاناه اليهود في الماضي على أيدي النازيين، حتى يصبح من الممكن بالتالي تبرير جرائم إسرائيل ضد العرب، بعد أن تعلو معاناة "الشعب اليهودي" في الماضي على أي جرائم ترتكب في الحاضر، وفي الوقت نفسه، التحذير من ظهور النزعات الوطنية المتطرفة في عدد من بلدان أوروبا أخيرا، وضمان ألا يتكرر ما وقع قبل سبعين عاما في أوروبا.

وطالما استمرت آلة الدعاية في العمل، ستظل إسرائيل تتمتع بغطاء أخلاقي لممارسة جرائمها اللاأخلاقية، حتى لو كان هذا الغطاء يقوم أساسا على "الخيال السينمائي"!

* كاتب وناقد سينمائي

الجزيرة نت في

22.02.2015

 
 

«13 دقيقة» يجسد جرأة منفذ اغتيال هتلر

إعداد - فاتن صبح

تحتفي السينما اليوم من خلال فيلم «13 دقيقة» للمخرج أوليفر هيرشبيغل، بجورج إلسر، النجار الذي خطط لاغتيال الزعيم الألماني أدولف هتلر عام 1939، وعمل وحيداً على تصنيع وزرع قنبلة، لو انفجرت قبل بضع دقائق من موعد توقيتها لغيرت وجه التاريخ.

ونقلت صحيفة «غارديان» البريطانية، في تقرير نشر أخيراً، عن هيرشبيغل، الذي اشتهر عام 2004 بفيلم «السقوط» قوله: «أردت أن أقيم تمثالاً سينمائياً لإلسر». ويشيد فيلم «13 دقيقة»، وهي الثغرة الزمنية المعذبة التي فصلت بين رحيل هتلر المبكر، والمقرر من حانة بورغربروكلر في ميونيخ، وتوقيت انفجار العبوة، ببطل مغمور.

إتقان

ويصور الفيلم، الذي عرض للمرة الأولى، عمل إلسر المتقن والدؤوب على مدى 35 ليلة في تركيب القنبلة المعقدة، قبل مجيء هتلر إلى الحانة في الثامن من نوفمبر 1939، حيث أحدث حفرةً في القرميد خلف المنصة، واعتاد الخروج صباحاً محملاً بالحطام المخبأ في حقيبة، وقد انفجرت العبوة حينها فعلاً وأودت بحياة ثمانية أشخاص، لكنها فشلت في اغتيال هتلر، لأنه قرر التبكير في مغادرة الحانة، عائداً إلى برلين على متن قطار، وليس بالطائرة نظراً لسوء الأحوال الجوية.

على الرغم من انتشار تماثيل لإلسر في ألمانيا، إلا أنه لم يصل يوماً لمكانة كلاوس شينك غراف فون ستاوفنبرغ، الضابط الألماني الأرستقراطي، البالغ من العمر، كما إلسر، 36 عاماً، والذي كان على رأس عملية اغتيال فاشلةٍ أخرى عام 1944. وقال هيرشبيغل: «لطالما أعطيت صورة مشوهة عن إلسر لسنوات..

وكان يتم النظر إليه على أنه بمثابة بضاعة مرفوضة غريبة، خسيسة، وأحد أفراد الطبقة العاملة على وجه الخصوص، مما جعله يبدو أقل ذكاءً وأهمية من الأرستقراطي الآخر»، ويعود ذلك بجانب كبير منه إلى الدعاية النازية.

تخطيط

وكان إلسر، ذو الميول الشيوعية، حسب قول هيرشبيغل، «أول مقاتل مناهض للنازية في ألمانيا عام 1939، وكان يتمتع منذ البداية برؤية واضحة بما يكفي للتخطيط لعملية الاغتيال. وهو لم تكن لديه أية مصلحة ذاتية للقيام بذلك، بل دفعته ببساطة حاجة داخلية للإقدام على تصرف يصب في مصلحة الخير العام، وخاطر من أجل ذلك بحياته. آمل أن يمنح الفيلم إلسر التكريم والتقدير اللذين يستحقهما، ليكون على الأقل، متساوياً مع ستاوفنبرغ

تتنوع مشاهد «13 دقيقة» بين عرض مسار الحياة العادية لإلسر في منطقة شوابيا، ومرحلة التحقيقات الوحشية على يد الشرطة النازية السرية، التي فشلت رغم رفض هتلر التصديق أن إلسر كان يعمل وحيداً، في انتزاع اعتراف بأنه كان جزءاً من مخطط أوسع.

جرأة

قال كاتب السيناريو فريد بريينرسدورفر في تعليق حول عائلة إلسر: « لا يعترفون به على أنه رجل امتلك جرأة القول (علينا أن نفعل شيئاً).» لم تعد حانة بورغربروكلر موجودةً، لكن لا تزال هناك لافتة تشير إلى مكان وضع إلسر العبوة. ويبرر صناع الفيلم مشاهد التعذيب الطويلة الواردة فيه بالقول إنها تحمل أهمية لتماهيها مع وسائل التعذيب المنهجية، التي لا تزال معتمدة في عدد من الدول.

البيان الإماراتية في

22.02.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)