كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

'الزين اللي فيك'

إخراج جيد يسقط في الاستعراض المكرر

العرب/ أمير العمري

مهرجان كان السينمائي الدولي الثامن واالستون

   
 
 
 
 

بداية ينبغي التأكيد على أن تناول الفيلم المغربي “الزين اللي فيك” للمخرج نبيل عيوش الذي عرض ضمن تظاهرة “نصف شهر المخرجين” في مهرجان كان السينمائي الذي اختتم مؤخرا، يجب أن ينطلق من منطلقات فنية، تناقش الفيلم من زاوية نجاحه أو فشله في تقديم موضوعه -ولا نقول رسالته- فلسنا من المؤمنين بضرورة أن يكون للفيلم السينمائي “رسالة” سياسية أو أخلاقية بالضرورة.

كان (فرنسا) - ما يصلح للحكم على المواقف الاجتماعية لا يصلح للحكم على الأعمال الفنية، فالفيلم يجب أن يعامل مثل الشعر، أي لا يجب أن يصدر الحكم عليه طبقا لما يتضمنه من “رسالة” أو دروس أخلاقية.

الفيلم شكل من أشكال الإبداع الفني، وللفنان حرية أن يختار الأسلوب الذي يراه للتعبير عن رؤيته الفنية، التي يمكن الحكم على مدى توفيقها من عدمه من زاوية فنية وجمالية.

إن الجدل السائد في المغرب، بل والذي امتدّ أيضا خارج المغرب، حول فيلم نبيل عيوش الجديد “الزين اللي فيك”، ليس جديدا، بل هو جدل قديم يتجدد دائما مع ظهور أي عمل فني يتجاوز السائد، ويخدش سطح الواقع الزائف الذي يميل من يعتبرون أنفسهم أوصياء عليه، إلى إخفاء عيوبه مداراة لنواقصه ونواقصهم أيضا.

عالم الليل

تدور أحداث الفيلم بمراكش في الزمن المضارع، ويصور مخرجه عالم الليل والدعارة والعلاقات التي تجمع بين السياح (من العرب ومن الأجانب الأوروبيين) من ناحية، وبين الفتيات اللاتي ينجرفن لسبب أو لآخر، إلى الاشتغال بأقدم مهنة في التاريخ.

ويعيد نبيل عيوش تجسيد ملامح تلك العلاقة وتفاصيل سهرات اللهو التي تتضمن الرقص الخليع المثير للغرائز وتعرية الجسد واحتساء الخمور وتدخين المخدرات، وغير ذلك من أشياء تصبغ هذه الأجواء عادة، وتدور في الملاهي الليلية وغرف الفنادق الفخمة التي تستقبل السياح. وتدريجيا يتركز اهتمام الفيلم على أربع فتيات، كل منهن تنتمي إلى بيئة وخلفية اجتماعية مختلفة، لا تهم أسماؤهن، فهن مجرد نماذج لانعدام الأمل والتهميش الاجتماعي، منهن القروية وفتاة المدينة، المجربة التي اكتسبت خبرة في التعامل مع الزبائن، والرومانسية التي قد تنجذب في لحظة ما إلى أحد زبائنها إلى أن تكتشف حقيقة شذوذه.

وهناك المرأة المطلقة التي تركت ابنها في رعاية أمها التي ترحب بما تأتيها به من مال، لا تسأل عن مصدره إلى أن يصبح الأمر “حديث الجيران”، فتتنكر لها وترفض إدخالها إلى المنزل درءا لـ”الفضيحة”، وإلى تلك الفتاة التي يتغاضى خطيبها عما تفعله، لا يهمّه من أمرها سوى أن تمنحه بعض المال كلما رآها. في حين تخضع امرأة أخرى لابتزاز ضابط الشرطة الذي يهددها كلما رآها بتلفيق قضية ضدها، حتى يحصل منها على قسط مما تكسبه من مال، وكأن الرجال تحولوا إلى قوادين، في حين تخضع النساء للقسوة مرتين: مرة للابتزاز المباشر، ومرة أخرى لما يتعرضن له من إيذاء واعتداء بالضرب وأقسى درجات الإهانة، على أيدي الزبائن الذين يطالبون بكل ما يتخيلونه من أنواع المتعة مهما بلغت من انحراف وقسوة.

الفيلم يتميز بذلك التحكم البديع في أداء مجموعة الممثلين، ومعظمهم ممن لا خبرة سابقة لهم في التمثيل

لا شك أن نبيل عيوش مخرج حرفي موهوب ومتمكن، يعرف جيدا كيف يبني المشهد، وكيف ينتقل من مشهد إلى آخر، وكيف ينقل التأثير العاطفي في اللقطات القريبة للوجوه، وكيف يتحكم في الإيقاع الداخلي لكل مشهد على حدة، وفي الإيقاع العام للفيلم.

وهو يجيد اختيار أماكن التصوير وينجح في المحافظة على الإضاءة الملونة الزائفة والألوان الناصعة في مشاهد السهرات الصاخبة، ثم خفضها إلى مستوى الظلال والألوان القاتمة في مشاهد اللقاء بين المرأة وأمها مثلا. كما يضفي الكثير من اللمسات الخفيفة على الفيلم من خلال الحوار الطبيعي التلقائي الذي يدور على ألسنة الشخصيات، كذلك يتميز الفيلم بوجه خاص بذلك التحكم البديع في أداء مجموعة الممثلين والممثلات، ومعظمهم ممن لا خبرة سابقة لهم في التمثيل، مع إتقان اللهجات المختلفة، والنجاح في خلق تلك “الهارمونية” التي تشيع في الفيلم بين الممثلين جميعا.

مشكلة السيناريو

غير أن المشكلة الرئيسية تكمن في سيناريو فيلم نبيل عيوش، الذي يميل إلى الاستعراض، وتكرار الاستعراض، وتصوير الأجواء الصاخبة والمحيط الذي تتحرك فيه الشخصيات، دون أن ينجح في تطوير الحبكة في اتجاه يكشف الغطاء عن تلك الشخصيات المأزومة، ويعكس أزمتها الحقيقية بعيدا عن الإشارات السطحية العامة، مع إهمال التعمق في معظم الشخصيات، جانحا نحو الإثارة الشكلانية، وكأنك أمام مشاهد خارجة من “كباريه”. وعلى حين ينطلق الفيلم من فرضية “تعرية” ما يُمارس على النساء من “استغلال” إلاّ أنه يسقط من خلال التركيز على أكبر كم من مشاهد العري والإثارة الجسدية والجنس المباشر بتفاصيله، من أجل إحداث “الصدمة” البصرية، مع المغالاة في تصوير قبح الرجال، بل وقبح النساء أيضا.

هنا يسقط الفيلم نفسه في “الاستغلال”، أي استغلال المتفرج وبيع المناظر الملونة المثيرة له دون أن يحصل المتفرج على رؤية أعمق، تنفذ تحت جلد الشخصيات، تجسد حالة الاغتراب الروحي والوجودي، بل إننا في لحظات كثيرة نجد أن الفتيات يشعرن بنوع من المتعة في اللهو واكتشاف هذا العالم، ومتعة البحث عن مكان جديد في نهاية الفيلم.

هذا ما يجعل الفيلم يبقى داخل عالم “إكزوتي” شرقي مثير للغرائز، يكتفي بالعرض المثير المبهر، بجرأته واجترائه على المحظور، دون أن يرتفع قط إلى مستوى الشعر الذي ينبع من بين ثنايا ذلك العالم الساقط (سبق أن قدم فيلليني مثلا عملا مليئا بالشعر عن السقوط والتدهور في فيلمه البديع “ساتيريكون” 1969). في الفيلم الكثير من التعبيرات اللفظية، وكأنها محاكاة مباشرة لما يتردد في واقع هذه البيئة التي تختلط فيها العاهرات برجال قادمين من المشرق العربي، وكل طرف يسعى لاستغلال الطرف الآخر، مع الإسهاب والتكرار في أحاديث العاهرات عن الرجال الذين يلتقين بهم، مع فضح عيوبهم الجنسية، ومضافة إلى كل تفاصيل العلاقات بين العاهرات وزبائنهن، يعود السؤال الجوهري القديم حول “معنى الواقعية في السينما”، هل هي نقل الواقع، أم التعبير عن “رؤية” للواقع؟

فيلم نبيل عيوش يصطدم بالرقابة وأشياء أخرى

العرب/ محمد أشويكة

أعتقد أن أفظع ما يمكن أن يقوم به ناقد أو محلل هو أن يتحدث عن عمل فني أو أدبي أو فكري لم يطلع عليه، ولكن الجدل الذي يروج حول فيلم المخرج نبيل عيوش الجديد “الزين اللي فيك”، وبعد استعراض المشاهد واللقطات المنشورة من الفيلم، وكذلك رصد جزء مما كتبه نقاد وصحفيون، يجعلنا نضع ذلك ضمن السياق العام الذي صدر فيه الفيلم.

الرباط - المغرب لم يخلص بعد من قضايا ذات حساسية بالغة كقضية الإجهاض، ومدونة القانون الجنائي، واستقالة أو إعفاء وزير ووزيرة بسبب ما راج حول علاقتهما الشخصية، وانخراط المغرب في محاربة الإرهاب والتطرف، والاستعداد لانتخابات عامة وشيكة، وضحالة الخطاب السياسي في السنوات الأخيرة، فلا نعتقد أن الحديث عن مثل هذه المواضيع مفصول عن تناول فيلم نبيل عيوش الجديد “الزين اللي فيك”.

يقول سلامة موسى في كتابه “تاريخ الفنون وأشهر الصور”: إن الانحطاط يعتري الفنون الجميلة من جملة نواح، أولها المنع من الناحية الدينية، والحاصل أن ما قاله ساري المفعول إلى اليوم ما دامت أغلبية ردود الفعل المطالبة بالمنع والمحاكمة والشجب والاحتجاج، تنم عن أيديولوجيا محافظة يغلفها الخطاب الأخلاقي ولا تبتعد عن الاستثمار السياسي الذي يخاطب الجماهير الانتخابية ذات الحس المجروح والمخدوش.

اللقطات التي تم نشرها لا تخلو من عنف لفظي واضح وصادم لذوي الأحاسيس المنقادة والعواطف المنساقة وغير المتريثة، وهي تأخذ من السينما مباشريتها لتمرير أيديولوجيا معينة.

إذن، نحن أمام أيديولوجيات متصارعة ومتصادمة، لكن المسألة الهامة في الأمر هي قدرة السينما كفن حديث وحداثي على كشف المستور، المهمش، واستدعاء الناس للنقاش حوله في أفق التأسيس الفعلي لأدبيات الحوار التي من شأنها أن ترقى بالنقاش نحو أفق ديمقراطي أرحب، قد يسمح للعقل بالاشتغال العمومي دون حجر أو ادّعاء بامتلاك الصلاحية.

أعتقد أن من يدافع عن صورة معينة للمغرب يقف به عند حافة الثبات، فهو مجتمع إنساني متعدد ومفتوح، له رهاناته الاقتصادية التي يصعب عزلها عن ملحقاتها، فليس هناك سياحة دون متعة، ولا يوجد اقتصاد نظيف بالمعنى الأخلاقي، ولا يمكن فهم الجنس بمعزل عما هو اجتماعي وأيديولوجي وديني وتربوي وسياسي لأنه مكوّن طبيعي لدى الإنسان، ولا تستقيم الحياة دونه.

وما السكوت عنه إلاّ علامة من علامات الجرح الذاتي والجمعي الغائر، خاصة إذا ابتعدت مقارباته عن الموضوعية، لذلك فصورة المغرب وهويته وثوابته متحولة ومتغيرة ومتفاعلة مع محيطها ومع الأجيال المتعاقبة لأبنائه التي تستدمج الطرائق التربوية الجديدة بأشـكال واعية أو غير واعية.

أما من الناحية السوسيولوجية، فالمجتمع المغربي ليس طهرانيا، فيه الصالح والطالح، الخير والشر، الطبيعي والشاذ، الظاهر والخفي، فحين يعري فيلم “الزين اللي فيك” سوأته، ويسلط الضوء على مافيا الدعارة المنظمة، والسياحة الجنسية، ويستثمر الحقل اللغوي الملتصق بالمجال السوسيو- ثقافي الذي تتحرك فيه الشخوص، فلا يعدو الأمر إلّا أن يكون محاكاة فنية للواقع مهما بالغ المخرج في نقلها، وكل محاكمة من شأنها أن تعــــود بــنا إلى زمــــن محــاكم التــــفتيــش.

مع العلم أن صاحب الفيلم قد لا ينتبه إلى خطورة جرأته الناتجة عن دهائه أو قلة تقديره للأمور أو قصور حساباته الأيديولوجية، التي تحمل من الخطورة ما يدفع البعض إلى ارتكاب عنف مادي مضاد للعنف الرمزي الصادر عن الصور الفيلمية التي يصرح البعض بأنها جارحة لشعوره، ومستفزة لقيمه، فنشر الوعي يجب أن يراعي التدرج والتوظيف المدروس لآليات السينما.

وهنا لا تمكن الإشارة إلى أن المشاهد واللقطات المنشورة ممطّطة ومكرّرة، ويمكن أن نسجل أن السينما توظف الأسلوبين معا، فقد تعبر لقطة تلميحية وحيدة أو حوار مختصر عن الموضوع، وقد تطنب فيه، ولكل توظيف تأويل وقراءة. وها نحن اليوم أمام فورة من القراءات التي لا تخجل من استعمال قاموس مشابه لما ورد في الفيلم، رغم اختلاف درجات الخطاب، واستمرار لنهج المخرج الذي عهدناه في أفلامه السابقة.

لا يحلّ المنع مشكلة ولا يطور مجتمعا، وإنما يزيد من تأزيم الوضع، فالخطوة التي أقدمت عليها وزارة الاتصال غير محسوبة، ولم تأخذ بعين الاعتبار القواعد الشكلية الجاري بها العمل في مثل هذه القضايا، مع العلم أن هذا لا يحمل في طياته أي قيمة ما دام الفيلم سيعرض على شبكة الإنترنت، وسيشكل مادة تجارية دسمة للقرصنة.

ونعتقد أن ذلك العصف بالمنتج الفني في مثل هذه الصراعات يؤشر على إثارة ما لا يمكن تصوره، خصوصا وأن المغرب تتربص به كافة أشكال العنف الظاهرة والخفية، اللينة والسمجة، فالإدارة الحكيمة للأزمة لا يمكنها أن تسير نحو هذا الأفق.

هكذا يكون تسريب هذه اللقطات الفيلمية التي تتوفر شبكات الفيديو العالمية على مقاطع وصور أكثر جرأة منها حول المغرب، وهي تصور أشخاصا واقعيين، وليس ممثلين يقصفهم المجتمع بشتى أنواع الإهانات والأذى ودون التفرقة بين العري الطبيعي والعري الجمالي، انخرط، عن قصد أو دونه، في خدمة أجندة داخلية وخارجية لم تفوت الفرصة لاستثماره خارج دوائر النقاش الفني والجمالي. يدّعي بعضها حماية المجتمع من الأخطار المحدقة به، ويتستر بعضها الآخر خلف يافطة الحداثة، وكلا الخطابين يسقطان في التعميم والتبسيط والمغالطة لخدمة مصالح سياسية واضحة للمحلل اليقظ، وغائبة عن عامة الناس.

والحال أن الفئة الثانية هي المستهدفة، لأنها وقود الأيديولوجيا التي تحمل فتيل النار في يدها، فالدور التربوي أساسي هنا، لأن الشباب دون سن الثامنة عشرة شاهدوا اللقطات وهبّوا للاستفسار حولها، فما الفائدة من المنع؟ أليس حريّا بنا أن نسارع الزمن كي نرقى بمنظومتنا التربوية والعلمية لتساير روح حضارة الصورة؟

العرب اللندنية في

29.05.2015

 
 

من عمر ورحلته البيروتية إلى ديبان السريلانكي...

وحرب ضواحيه الباريسية

كان (جنوب فرنسا) – إبراهيم العريس

هي أربعة أسماء كنا نتمنى منذ سنوات طويلة أن تصبح خمسة ثم أكثر. لكنها منذ عشر سنوات تقريباً توقفت عند الرقم أربعة، تماماً كما كانت توقفت بين عام 1975 وأوائل التسعينات عند اسم واحد. من نتحدث عنهم هنا هم السينمائيون العرب الذين اعتلوا خشبة الحفل الختامي لدورات مهرجان «كان» مكرَّمين كفائزين بجوائز كبيرة في تلك الدورات: الجزائري محمد الأخضر حامينا، اللبناني مارون بغدادي، المصري يوسف شاهين وأخيراً الفلسطيني إيليا سليمان. ولئن كان هذا الأخير وزميله الراحل بغدادي نالا جائزتي لجان التحكيم، عن فيلميهما «خارج الحياة» لبغدادي، و «يد إلهية» لسليمان، فإن الكبيرين حامينا وشاهين حققا الفوز الأكبر: سعفة ذهبية لكل منهما. سعفة حامينا كانت عام 1975 لفيلمه «وقائع سنوات الجمر» وسعفة شاهين عن مجمل أعماله وسميت سعفة الستينية الذهبية في تكريم لم ينله قبله سوى جان رينوار وإنغمار برغمان.

إذاً، منذ جائزة إيليا سليمان ونحن ننتظر الاسم الخامس. أثناء ذلك كان ثمة حضور عربي متكرر ومن نوع أدنى: ممثلون عرب في أفلام غير عربية، مخرج تونسي لفيلم إباحي فرنسي، أعضاء نادرون في لجان تحكيم... وإشاعات وتكهنات سرعان ما تختفي غير مخلفة أثراً. ولكن، في الدورة الأخيرة، من حيث لا يدري أحد، وبفيلم تحريك لا تزيد مدة عرضه عن ربع الساعة، وحبكة لا تتعدى كونها حكاية مراهق لبناني يتجول في مدينة بيروت في يوم ضجر كئيب، وبأسلوب فني يدنو كثيراً، لغة وألواناً، من فيلم «فالس مع بشير»، حقق ابن الثلاثين اللبناني إيلي داغر، تلك المعجزة الصغيرة التي كنا ننتظرها منذ سنوات: اعتلى مسرح الحفل الختامي ليتسلم سعفة ذهبية عن فيلمه القصير «أمواج 88» ويقفز الرقم إلى خمسة في انتظار الأسماء التالية في دورات مقبلة.

مرارة عربية... مع هذا

والحقيقة أن هذا الجانب الإيجابي في دورة «كان» الأخيرة، بالنسبة إلى اللبنانيين خصوصاً والعرب عموماً، لم يستطع على أية حال أن يخفي مرارة عربية عامة تجاه دورة عجزت لجنة اختيار الأفلام لشتى تظــاهراتها، أن تعثر حقاً على أفلام عربية تشركها من بيــــن عشرات شرائط أُرسلت إليها. مرارة زاد من حدتها واستلابها مشاهدة الفيلمين العربيين الطويلين الوحيـدين اللذين عرضا: المغربي «الزين اللي فيك» من إخراج نبيل عيوش – في أسبوعي المخرجين – (راجع مكاناً آخر هذه الصفحة) والفلسطيني «ديغرادي» للأخوين ناصر – في «أسبوع النقاد». أمام عرض هذين الفيلمين كان من المنطقي التساؤل: هل كانت هناك، مثلاً، مبررات سينمائية حقيقية حالت دون إدراج فيلم مي المصري «3000 ليلة» في إحدى تظاهرات المهرجان؟ طبعاً لن نبتعد هنا أكثر في طرح تساؤلاتنا... بالنظر إلى أن غايتنا هنا التوقف عند الجوائز التي منحتها لجنـــة التحكيــم برئاسة السينمائيين الأميركيين جويل وإيثان كون، أو بالأحــرى عند الأفلام الكبيرة التي كان متـــوقـــعاً لهـا أن تفوز، استناداً بالتحديد إلى «سينمائية» الأخــوين كون، التي تمكن المبادرة إلى القول أنها قد ضحّي بها لمصلحة نوع من البعد الاجتماعي ربما أرادت لجنة التحكيم توجيه التحية إليه على هذا الشكل، إذ تستنكف أفلام رئيسيها عن الخوض فيه عادة. ما يذكرنـــا بإعلان تلفزيوني فرنسي قديم تدخل فيه زوجة وزوجــها إلى محل لبيع الأدوات الكهربائية سائلين عن أفضل جهاز تلفزيوني يشتريانه. يقوم البائع بشرح مزايا كل جهاز وبتوجيه النصيحة في ثرثرة لا تكاد تنتهي. فإذا بالزوجة تقاطعه سائلة إياه: وأنت... ما هو جهاز التلفزيون الذي تملكه في منزلك؟... بكلمات أخرى، أمام الجوائز - الأربع الرئيسية على الأقل - التي منحها الأخوان كون ولجنتهما كان الحري بالناس أن يسألوهما:... وأنتــما، هل كان من شأنكما، حقاً، أن تحققا أفلاماً مثل «ديبان» الفائز بالسعفة الذهبية، أو تختارا الفرنسـية إيمانويل بيركو لأفضل ممثلة – مناصفة مع الأميــركية الرائعة روني مارا - بدلاً من الأميركية الرائعة الأخـرى كيت بلانشيت في فيلم من أفلامكما، أو حتى لو خيّرتمــا بين الفرنسي فنسان لاندون في الفيلم البارد والأحــادي السمات «قانون السوق»، وبين الأداء الرائع الذي قــدمه مايكل كين في «شباب» أو مايكل فاسبندر في «ماكبث» هل كنتم ستختاران الفرنسي حقاً؟

تهذيب في غير محله

من الصعب طبعاً التكهن بالردّ الذي كان سيعطيه رئيسا اللجنة، لكن تحليلاً معمقاً لسينماهما وأفلامهما الرائعة من شأنه أن يقول كم أن الرئيسين كانا مهذبين تجاه البلد المضيف... مهذبين إلى درجة منح نصف الجوائز إلى سينمائييه والبقية إلى منتجيه الذين مولوا بقية ما تبقى من أفلام. فهل نضيف إلى هذا إعطاءهما جائزة الإخراج للتايواني المميز عادة هو هسياو هسيين، عن «القاتلة» الذي يمكن ببساطة اعتباره أقل أفلامه قوة وأكثرها إثارة للملل حتى اليوم، على رغم أنه فيلم حركة وسيف وصراعات غير قابلة للتصديق؟

مهما يكن، فإن هذا كله يقودنا إلى الحديث عن هذه الدورة في شكل عام، حتى ولو أن الحس الوطني كان يجدر به أن يدعونا إلى امتداحها طالما أنها أعطت وطننا الصغير السعفة الذهبية الأولى في تاريخه. سنترك هذه الإيجابية جانباً لنسأل: ترى ألم يكن من المفترض بمهرجان له قوة «كان» وسمعته وهيبته بصفته الأهم والأكبر في العالم، أن يقدم أفضل ما أنتجته سينما هذا العالم خلال العام الذي انقضى؟ فهل ما عرضه المهرجان كان الأفضل عالمياً؟ أعتقد أن مهرجاني البندقية وتورنتو المقبلين سيعطياننا الجواب حتى وإن كان في وسعنا القول منذ الآن أنه إذا كانت معروضات «كان» أعطتنا أفضل ما في السينما فعلى السينما السلام، إذ باستثناء دزينة أو دزينة ونصف من أفلام شوهدت في التظاهرات كافة، لم يكن هناك ما يشي بأن سينما العالم في خير، على رغم أن منظمي «كان» يقولون أنهم إنما اختاروا ما عرضوه من بين قرابة ألفي فيلم أرسلت إليهم!

لكن الأدهى من هذا أن من بين الدزينة والنصف من الأفلام التي نعتبرها جيدة، وكذلك فعل معظم نقاد العالم وكشف تصفيق الجمهور بعد كل عرض، لم نجد في لائحة الفائزين في نهاية الأمر سوى اسمين لفيلمين هما «الكركند» لليوناني يورغوس لانتيموس (جائزة السيناريو عن استحقاق مشروع لفيلم الخيال العلمي الذي هو الثالث لمخرجه)، والمجري «ابن شاوول» وهو الأول للمجري لازلو نيميث، من دون أن ننسى هنا أن الفيلمين من إنتاج – كلي أو جزئي – فرنسي. والحقيقة أن هذين الفيلمين على اختلاف حساسياتهما، وأجوائهما (حيث إن «ابن شاوول» يعود إلى حكاية المحرقة اليهودية إنما من طريق عمل روائي عن واحد من اليهود المعتقلين الذين يعطون امتيازات لشهور مقابل قيامهم بقتل أبناء جلدتهم في غرف الغاز ثم إحراقهم للتخلص من الجثث بسرعة. هذا الرجل هنا يختار ضحية يفترض أنه كان يمكنه أن يكون ابنه، فيرغب في أن يؤمن له، على الضد من القواعد المعمول بها، جنازة دينية...)، كانا منذ عرضهما منافسين جديين للحصول على السعفة، على الأقل حتى ظهور ثلاثة أو أربعة أفلام كبيرة أخرى باتت هي المرشحة الجدية، وإلى حد ما البدهية: «شباب» لباولو سورنتينو الذي كانت كل الأصابع تشير إليه هو الذي كان خرج من «المولد بلا حمّص» قبل عامين حين عرض في مسابقة «كان» فيلمه الرائع «الجمال العظيم» فبهر كل «الكانيّين»... باستثناء لجنة التحكيم. وهكذا كانت حاله هذه المرة من جديد ما يدفع إلى التساؤل جدياً حول «سينمائية» اختيارات لجنة يعتبر رئيساها من أعظم سينمائيي العالم اليوم. وهذا التساؤل السينمائي ينطبق أيضاً على غياب فيلم «أمي» لناني موريتي عن الجوائز وهو الفيلم السينمائي بامتياز، بمعنى أنه فيلم سينمائي عن السينما استخدم فيه المخرج الإيطالي الكبير شخصية سينمائية أنثى ليصور من خلالها أزمة وجودية وحياتية وإبداعية عاشها هو إلى حد ما، تخللها انفصالها عن صديقها واكتشافها إدمان ابنتها ومتابعتها موت أمها في المستشفى، وسط صعوبات إنجاز فيلم تصوره ونزوات النجم الأميركي الذي جيء به لبطولة الفيلم. في الحقيقة، وعلى رغم بعض التحفظات الشكلية، كنا هنا أمام عودة كبيرة لناني موريتي إلى أفلام الذات وتصفية الحساب مع هذيان الذات وهستيريتها... غير أن لجنة التحكيم لم تر هذا. كذلك، فضلت ألا ترى «السينمائية» المطلقة التي وسمت فيلماً ثالثاً كان أيضاً مرجحاً للسعفة أكثر من أي فيلم آخر.

... وماذا عن «كارول»؟

هذا الفيلم هو طبعاً «كارول» الذي صوّر فيه مخرجه المبدع تود هاينس نيويورك وبعض أميركا المحافظتين عند بداية سنوات الخمسين في اقتباس، رائع بصرياً على عادة سينماه، ولا سيما في «بعيداً من الجنة» (2002) من تمثيل الرائعة جوليان مور – أفضل ممثلة العام الفائت - عن رواية «ثمن الملح» لباتريسيا هايسميث. الحقيقة أن هذا الفيلم أتى يحمل كل العناصر السينمائية البصرية والفكرية التي تؤهله للتميّز، بخاصة أداء بطلتيه. فإذا بواحدة منهما فقط تنال نصف جائزة أفضل ممثلة – روني مارا شراكة مع الفرنسية بيركو - فيما لم يلفت أداء كيت بلانشيت نظر السادة المحكمين. فضلوا عليها الفرنسية الخالصة بيركو... وهذا حقهم على أية حال. فنحن نقول ونعيد دائماً أن الجوائز هي في مثل هذه المسابقات، مسألة شخصية. ليست استفتاءات شعبية ولا هي اقتراعات بالتصويت العام. كذلك ليست لجنة التحكيم لجنة نقاد ومؤرخين للفن السابع، وهو أمر قاله رئيسا اللجنة حين قالا بوضوح: نحن سينمائيون ولسنا نقاداً! فهل يمكننا أن نرى في هذا التأكيد شيئاً آخر غير الاعتذار المبطن عن تنحية الذكاء والتحليل والعمق والحس السليم جانباً؟ ولكن لاستبدالها بماذا؟ بمبادلة البلد المضيف التحية بمثلها؟ لن يصل بنا المكر إلى مثل هذا الاستنتاج، لكن من حقنا أن نتساءل، الآن وأخيراً بصدد السعفة الذهبية، ما الذي رآه السينمائيان جويل إيتان كون حقاً في فيلم «ديبان»، للفرنسي جاك أوديار كي يمنحاه السعفة الذهبية معتبرينه أفضل فيلم عرض في «كان» هذا العام ثم بالتالي «أفضل ما أنتجته السينما العالمية»؟ حين عرض الفيلم في أحد آخر أيام المهرجان، لم يتوقف كثر عنده طويلاً. فهو من نوع تلك الأفلام التي يشعر المشاهد بأنه رآها مرات عدة من قبل، حتى وإن تبدلت الأماكن والظروف. فـ «البطل» هذه المرة مقاتل من التاميل السيرلانكيين يقرر وقد وضعت حرب الاستقلال أوزارها وانهزمت جماعته، أن يضع السلاح ويسلك سبيل المنفى. إنه وحده ولا يحق لـه الحصـــول على اللجوء بهذه الصفة فيركّب عائلة من امرأة لا يعرفها وطفلة لا يعرفانها أيضاً، ليهاجر وسط هذه العائلة المزيفة إلى فرنسا حيث يعمل حارس بناية في الضواحي. لقد أضحى رجلاً مسالماً يعيش مع عائلة تريد العيش بسلام. وهو لا يدنو من المرأة والطفلة إلا بالتدريج وبمقدار ما تبتعد حربه الداخلية. فماذا يحدث هنا؟ يعود إلى الحرب، ولكن في الضاحية الباريسية... نوع الحرب التي رأيناها عشرات المرات في أفلام تبدأ بـ «الكراهية» الذي حققه الفرنسي ماثيو كازافتس ولا تنتهي بشرائط المغتربين المغاربة في فرنسا. أفلام الكراهية وعصابات بائعي المخدرات وحروب العصابات وظلم رجال الشرطة للمهاجرين... أما نحن فنشعر ببرودة تامة إزاء عدم رغبة «بطلنا» في التدخل حتى اللحظة الأخيرة - التي لا شك في أن سينمائياً مثل كلنت إيستوود كان سيضحك كثيراً لو رآها بعدما استخدمها في فيلمه «غران تورينو» - التي يحدث فيها ما هو متوقع بالطبع: ينفجر غضب المقاتل السابق ويستخدم تقنيات حرب العصابات التي يتقنها، ولكن في أدغال الضواحي الفرنسية، فينتصر ليستعيد الهدوء والسلام بعد هجرة جديدة هذه المرة إلى لندن...

هذا الفيلم الذي كان في مقدور أي متفرج أن يتوقع أحداثه لحظة بلحظة، من دون أية مفاجآت، كان هو ما فضله صاحبا «بارتون فينك» و «عزم أكيد» و «هذا ليس وطناً للعجائز»، على الأفلام المميزة أو القليلة، التي شهدتها دورة من مهرجان «كان» لا شك ستدخل تاريخ المهرجان بصفتها واحدة من أضعف دوراته عروضاً... ولكن نتائج أيضاً، حتى وإن كانت ستدخل بالنسبة إلينا نحن اللبنانيين والعرب بصفتها الدورة التي أعادت سينمانا من جديد إلى واجهة الأحداث العالمية وتوجت من عندنا شاباً سينمائياً لم يكن قد سمع أحد باسمه قبل أيام، وبالكاد كان أحد يعرف شيئاً عن بطله المراهق عمر الذي خرج ذات يوم ضجراً من بيته ليتجول في بيروت، فإذا به يصل إلى «كان» على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط ويعود بسعفة ذهبية لا شك يحلم بها أي سينمائي في العالم.

أصداء عربية من «كان»

السلطات المغربية تحوّل نبيل عيّوش إلى شهيد لحرية التعبير

> لم يفاجئ منع السلطات المغربية لعرض فيلم «الزين اللي فيك» في الأراضي الوطنية، كثراً من المعنيين بالمسألة السينمائية في هذا البلد، وبالأخص منهم أولئك الذين شاهدوه خلال عروضه العالمية الأولى في تظاهرة «أسبوعي المخرجين» في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي. أكدّ عدد من هؤلاء أن نبيل عيوش نفسه، صاحب الفيلم ومخرجه الذي موّله بأمواله الخاصة وبأموال أوروبية، بعدما رفض المركز الوطني للسينما تقديم أي عون له منذ قدّم المشروع، «ليس من الغفلة بحيث كان من شأنه أن يتوقع السماح بعرضه».

ووصل بعض منتقدي عيوش إلى القول إن منع الفيلم في المغرب كان واحداً من إستراتيجيات الرجل، بالنظر الى ان هذا يتيح له الآن ان يقدم فيلمه الى الأوروبيين وغيرهم باعتباره ضحية لـ «قمع حرية التعبير» ما من شأنه أن يؤمن له تغطية واسعة وإقبالاً وسط المناخ الأوروبي العام السائد هذه الأيام. كذلك يرى كثر أن عرض الفيلم سيمنع في العديد من البلدان العربية إن لم يكن فيها كلها للأسباب نفسها التي حدت بالسلطات المغربية الى فعل ذلك (صورة المغرب «المشوّهة» في الفيلم، إباحية العديد من مشاهده، استغلاله عري المرأة في ما يبدو ظاهرياً وكأنه يدافع عنها)، إضافة إلى سبب آخر يتعلّق بمشاهد عنصرية وحوارات وأغنيات تطاول الإنسان السعودي. أما من ناحية «الجرأة» التي يتحدث عنها بعضهم ولا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن منتقدي عيوش يذكرون، سينمائياً، بأن فيلماً مشابهاً للمصرية إيناس الدغيدي - هو «لحم رخيص» - تناول الموضوع نفسه على مستوى الواقع المصري قبل سنوات عديدة واتسم بجرأة أكبر ولكن حتى ببعد درامي أعمق.

بقى أن ننقل عن نقاد من المغرب أن نبيل عيوش الذي قدّم في السابق أعمالاً سينمائية بالغة الأهمية والجرأة الحقيقية حول أهل الهامش في أعمال له مثل «علي زاوا» و»يا خيل الله»، وفيلماً مميزاً عن فلسطين («وطني»)، ولم ينجح في أي منها في استفزاز السلطات في بلاده، نجح في ذلك هذه المرة وفي واحد من أضعف أفلامه، ليحقق ما يمكن أن يكون «صفقة العمر» بالنسبة اليه، بخاصة ان إسلاميين مغاربة كانوا أول من هاجموا فيلمه وطالبوا بمنعه. أما السلطات المغربية التي منعت الفيلم، وكانت من «المكر» بحيث لا تفعل ذلك إلا بعد انقضاء مهرجان «كان» بحيث لا يستفيد عيوش وفيلمه من «وضعية الضحية» خلال المهرجان، فكان يمكنها على اية حال ألا تمنعه، أخلاقياً، إلا لمن هم دون الثامنة عشرة... لأنها اليوم بمنعه الكلي تجازف بأن يوزع الفيلم مقرصناً بمئات ألوف النسخ ما يأتي على عكس ما كانت تريد، وبالتطابق مع ما كان يبدو واضحاً ان صاحب الفيلم يسعى إليه، هو الذي يقول لك العارفون بالأمور في المغرب، إنه لم يحقق فيلمه إلا ليمنع!.

«متروبوليس» نحو إنشاء مكتبة سينمائية في لبنان

> قبل أن يصبح لبنان في اللحظات الأخيرة من أيام الدورة المنقضية لمهرجان «كان، على كل شفة ولسان، بفضل ذلك الفيلم التحريكي القصير والمميّز الذي حقّقه السينمائي الشاب إيلي داغر فمكّنه من الحصول على السعفة الذهبية للأفلام القصيرة، وبالتالي اعتلاء مسرح الحفل الختامي للمرة الأولى بالنسبة إلى لبنان، منذ اعتلاه الراحل مارون بغدادي قبل نحو ربع قرن حين فاز - شراكة مع فيلم «أوروبا» للارس فون ترير - بجائزة المحكّمين الخاصة عن «خارج الحياة»، لم يكن ما يتعلق بلبنان وسينماه كثيراً ومهمّاً في أروقة المهرجان، حتى وإن كان سينمائيون ونقاد وصحافيون وسيدات مجتمع وما شابه، آتون من لبنان، يملأون الأروقة والقاعات ولا سيما الأجنحة العربية في القرية العالمية وسهرات كوكتيلاتها. وحدها هانية مروة، مديرة جمعية «متروبوليس» الناشطة سينمائياً في بيروت، خرقت الصمت الجدّي من حول لبنان مختارة المنبر الكانيّ لتعلن عن مشروع طموح أكدت ان جمعيتها تشتغل عليه لتحاول تحقيقه خلال السنوات المقبلة.

المشروع عبارة عن مكتبة سينمائية متكاملة تتعلق بالسينما اللبنانية وتاريخها وتضمّ في مبنى تتصوره بثلاث قاعات، كل تراث التاريخ السينمائي اللبناني بما في ذلك نسخ الأفلام والوثائق المتعلقة بها وصورها الفوتوغرافية إضافة إلى صور للصالات السينمائية التي كانت في بيروت وغيرها تشكل زهرة الحياة السينمائية وزهوها ولم يعد لها من وجود اليوم.

تقرّ مروة بأن جزءاً من هذا كله كان موجوداً ومجمّعاً إلى حد ما ضمن إطار المركز الوطني للسينما التابع لوزارة الثقافة اللبنانية، «غير أن قسماً كبيراً من موجوداته اختفى، كما أن تراث السينما اللبنانية كما ظهرت خلال الخمس عشرة سنة الماضية، لم يجمع، لذلك لا بد من عمل جاد، تؤكد مروة جمعه لكي لا يضيع كما ضاعت في لبنان وثائق وأرشيفات ثمينة بسبب الفوضى والحرب والأطماع الشخصية. وفي النهاية تعلن مروة أن جمعيتها لن تعمل وحدها، بل بالتنسيق مع السلطات اللبنانية الرسمية التي هي المعني الأول بهذا كله.

قطر تدعم 25 سينمائياً بينهم مي المصري ومرزاق علواش

> على هامش انعقاد الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي تكاثر الحديث في الأوساط العربية على الأقل، عن تبدل أساسي في الإستراتبجيات السينمائية العربية، ولا سيما بعدما فاجأ مسؤولو مهرجان أبو ظبي، المعنيين في اليوم الأول لانعقاد الدورة الكانية بخبر إلغاء مهرجانهم وإبداله ببنى تمويلية ودعم مادي ومعنوي تقدّم لإنتاجات سينمائية مقبلة. وأعلنت مؤسسة قطر للسينما، وأيضاً ضمن إطار هذا الاهتمام الإستراتيجي نفسه، عن مشاريعها في مجال دعم السينما، العربية وغير العربية في الوقت نفسه، في ما يتعلق بمخططاتها للعام 2015، معلنة ان الخطة تتضمن دعم خمسة وعشرين مشروعاً - بين أفلام روائية طويلة ووثائقية وعمل قصير - بما في ذلك دعم إنتاج الفيلم القطري الطويل الأول لمخرجه خليفة عبد الله المريخي وعنوانه «سحاب». علما أن 23 من بين المشاريع ستكون الأعمال الأولى أو الثانية لأصحابها.

من بين المشاريع الكبيرة التي قدّمت لها المؤسسة القطرية الدعم، وفق بياناتها، فيلم «3000 ليلة» وهو الروائي الطويل الأول الذي تحققه مي المصري بعد سلسلة مميزة من الأعمال الوثائقية، وكذلك فيلم «مدام كوراج» للجزائري مرزاق علواش. ولعل القاسم المشترك بين هذين الفيلمين، إلى رسوخ مخرجيهما ومكانتهما الكبرى في سينما بلادهما والسينمات العربية عموماً، هو تعلقهما بقضايا المرأة العربية. ففيلم المصري كما بات معروفاً يتحدث عن مناضلة فلسطينية اعتقلتها السلطات الإسرائيلية وهي حامل، لتضع مولودتها في السجن النسائي حيث تترعرع هناك لتصبح أصغر «سجينة سياسيّة» في تاريخ البشرية، أما فيلم علواش فيدور، في استيحاء ملتبس عن بريخت - كما قد يوحي العنوان على الأقل - حول مراهقة جزائرية تحاول أن تشق طريقها في الحياة انطلاقاً من نشأتها في بيوت التنك.

ومن مشاريع السينمائيين البادئين التي تنال دعماً قطرياً، هناك مشاريع عدة تتعلّق بالثورة السورية إضافة إلى أفلام تحمل تواقيع بثينة بوسلامة، وزياد كلثوم ونورا كيفوركيان. أما من خارج الشرق الأوسط والمنطقة العربية فيطاول الدعم أفلاماً من سلوفينيا وسنغافورة والأرجنتين وغيرها.

منح دراسية من هاني الفارسي لسينمائيات عربيات شابات

> هاني فارسي المنتج ورجل الأعمال العربي المقيم في لندن، والذي قدّمته الصحافة الكانية خلال دورة هذا العام بوصفه أحد الشركاء في شركة «لو باكت» الفرنسية للإنتاج والتوزيع السينمائيين - وهي شركة تملك حقوق ثمانية من بين الأفلام المعروضة في «كان» داخل المسابقة وخارجها، بما في ذلك فيلم «أمي» للإيطالي ناني موريتي وفيلم «ديغرادي» للفلسطينيين عرب وطرزان ناصر -، أعلن خلال الدورة عن تقديمه دعماً جديداً للسينما العربية يتمثّل هذه المرة في تخصيص ثلاث منح دراسية سنوياً لشابات عربية يرغبن في دراسة السينما في جامعة لوس انجيليس UCLA لمدة ثلاث سنوات، علماً أن مشروع المنح الثلاث هذه سيبدأ منذ الخريف المقبل، ويهدف، وفق بيان أصدرته مؤسسة الفارسي الخيرية ومركزها لندن، إلى «توفير إمكانية للمرأة العربية كي توصل صوتها إلى العالم من طريق اللغة السينمائية».

وذكرت الصحافة الكانية التي أوردت الخبر أن هاني الفارسي، «رجل الأعمال السعودي المعروف»، كان قد مارس الإنتاج والتوزيع السينمائيين قبل انضمامه إلى شركة «لو باكت» وكان من بين الأفلام التي موّلها «الزمن المتبقي» للفلسطيني إيليا سليمان، وفيلم «الأصولي المتردّد» للهندية العاملة في السينما العالمية ميرا نائير، ما يعني أن السينمائيات اللواتي سيتخرجن بعد سنوات من الجامعة الكاليفورنية، لن يجدن صعوبة في تحقيق أعمالهن الأولى... على الأقل.

الحياة اللندنية في

29.05.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)