كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

«ديبان» الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية

بقلم: سمير فريد

مهرجان كان السينمائي الدولي الثامن واالستون

   
 
 
 
 

فاز الفيلم الفرنسى الروائى «ديبان»، إخراج جاك أوديارد، بالسعفة الذهبية فى مهرجان كان، حيث يندر فوز فيلم فرنسى فى مهرجان فرنسا الكبير. والفيلم ليس من التحف، ولكنه بالطبع فيلم جيد على المستويين الفنى والفكرى.

«ديبان» الفيلم الروائى الطويل السابع لمخرجه الذى أخرج أول أفلامه «انظر كيف يسقطون» عام ١٩٩٤، ومن أهمها فيلم «نبى» الذى عُرض فى مسابقة مهرجان كان ٢٠٠٩، وكان بداية صعود ممثل الدور الأول طاهر رحيم، الذى يعتبر اليوم من كبار النجوم فى فرنسا وأوروبا.

مثل «نبى» يعبر «ديبان» عن المهاجرين فى باريس، وهى قضية من أهم القضايا التى تشغل العديد من الدول الأوروبية، وخاصة منذ بداية الثورات الشعبية ضد الأنظمة الديكتاتورية فى العالم العربى عام ٢٠١١. ولكن بينما يركز «نبى» على المهاجرين العرب، يركز «ديبان» على المهاجرين الآسيويين. وقد كتب أوديارد السيناريو مع نوى ديبرى وتوماس بيدجيان، وصوَّره للشاشة العريضة بالألوان إيبونين مومينسيكو، وألَّف موسيقاه نيكولاس جار.

السيناريو عن «ديبان» (أنتونيتاسان جيسيوتاهاسان) الذى كان من نمور التاميل فى الحرب الأهلية فى سريلانكا منذ صباه، ولكنه يترك القتال ويهاجر إلى فرنسا. ويعتبر الفيلم سيرة حياة أنتونيتاسيان على نحو ما، فقد كان من مقاتلى التاميل وهاجر إلى فرنسا عام ١٩٩٣، وأصبح كاتباً وروائياً وصدرت روايته الأولى «جلوريا» عام ٢٠٠١، وترجمت إلى الإنجليزية.

يبدأ الفيلم بداية بارعة قبل العناوين، حيث نرى حرق جثث القتلى أثناء الحرب الأهلية، و«ديبان» يتطلع إلى المنظر ويعصره الألم، ثم نتابع المرأة الشابة «يالين» (كالياسوارى سرينيفاسان) وهى تبحث فى لهفة بين خيام اللاجئين الفارين من الحرب عن صبية من دون أم ولا أب حتى تدَّعى أنها ابنتها، وتتمكن بذلك من دخول السفينة التى تقل المهاجرين، وتجد ضالتها فى «إيلال» (كلودين فيناسميتامبى)، وتلتقى مع «ديبان» فى الطابور الطويل، وتدَّعى أيضاً أنه زوجها ووالد «إيلال».

يستمد الفيلم قوته الدرامية من معالجة العلاقة بين هذه الشخصيات الثلاثة وهم يأملون بداية حياة جديدة فى باريس. فهذه أسرة أمام الجميع، ولكن الأب ليس أباً والأم ليست أماً والفتاة الصغيرة ليست ابنتهما، وإنما فرضت ظروفهم العصيبة هذا الموقف. ورغم أنهما زوجان أمام الآخرين، إلا أن كُلاً منهما يحترم آدمية الآخر ومشاعره، وحتى عندما يراها «ديبان» وهى تستحم عارية، ورغم الحرمان الذى يبدو واضحاً عليه، إلا أنه لا يقترب منها ولا يستغل ضعفها، وإنما ينتظر أن تنمو العلاقة بينهما على نحو تدريجى. وهذا تعبير عن ثقافة المجتمع الذى جاءا منه، والتى تبدو أيضاً فى المشهدين الوحيدين اللذين نخرج فيهما عن الزمن الحاضر لنرى «ديبان» يحلم بفيل ضخم يتجسد فى المشهدين.

إنها قصة من أجمل قصص الحب الرومانتيكية رغم أنها تدور فى أجواء معتمة، وأكثرها تعبيراً عن رؤية «أوديارد» الإنسانية لقضية المهاجرين، حيث يساند حصولهم على حقوقهم مثل العديد من الفنانين الفرنسيين الذين يعبرون عن فرنسا ذات التاريخ الطويل فى الدفاع عن الحريات. وساهم التعبير القوى المؤثر لممثلى الدورين الرئيسيين وإدارة المخرج لهما بأستاذية فى تجسيد تلك القصة، ورغم أن كليهما يمثل أول أدواره فى السينما.

من حرب إلى حرب

وجوهر الدراما أن «ديبان» يقرر الهجرة من سريلانكا رفضاً للحرب، ولكنه يجد نفسه فى حى المهاجرين الذى يعمل ويعيش فيه فى باريس فى حرب لا تقل ضراوة بين عصابات المهاجرين من أصول عربية وغير عربية، والتى تتاجر فى كل شىء ولا تتورع عن استخدام الأسلحة، فضلاً عن الاتجار بها. كما يعانى «ديبان» من أبناء عشيرته الذين يعتبرونه خائناً لأنه يرفض التعاون معهم، والعودة إلى القتال. وهذه الحرب فى حى المهاجرين تتم فى غياب تام للدولة، وكأنه حى فى مدينة أخرى غير باريس، فلا يوجد شرطى واحد يظهر أثناء المعارك لا فى الليل ولا فى النهار. ويعبر «أوديارد» بذلك عن موقف نقدى لاذع تجاه الدولة الفرنسية التى تبدو وكأن لسان حالها: دعهم يقتلوا بعضهم البعض.

ينجو «ديبان» و«يالين» من القتل فى إحدى المعارك بما يشبه المعجزة. ونراهما فى المشهد الأخير مع «إيلال» فى لندن، و«ديبان» يحمل طفله الأول من «يالين»، وذلك فى نهاية يستجمع فيها «أوديارد» كل إيمانه بالإنسان رغم الفساد والعنف، حيث تصبح الأسرة حقيقية. وكانت «يالين» منذ البداية تريد الهجرة إلى لندن ولكن «ديبان» أقنعها بالهجرة إلى باريس.

وهذا الموقف النقدى تجاه الدولة الفرنسية، وبغض النظر عن أن الفيلم ليس من التحف التى تستحق الفوز بالسعفة الذهبية، فإن فوزه بها يؤكد مدى الحرية التى يتمتع بها الفنان فى فرنسا، أو مدى إمكانية نجاحه فى انتزاع حريته.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

27.05.2015

 
 

الدين لله.. و«كان» للجميع

طارق الشناوي

هل ينحاز المهرجان إلى توجه سياسى محدد أو دولة أو دين؟ حتى لو كانت بدايات انطلاق المهرجانات فى العالم كله شكَّلت وجها آخر لصراع عسكرى وشيك، فإن ما دأبنا على وصفها بالقوى الناعمة مع الزمن لم تستسلم لتلك الصراعات واستطاعت أن تمنع نفسها من الانزلاق فى هذا المستنقع.

انطلاق مهرجان «فينسيا» كان قرارا من الديكتاتور الفاشى موسولينى قبل الحرب العالمية الثانية، وذلك عام 1932، معبِّرا عن تحالف كتلة «المحور» ألمانيا وإيطاليا، وكان من المفترض أن ينطلق مهرجان «كان» فى عام ١٩٣٩ معبرا، عن توجه تحالف «الحلفاء» ضد «المحور»، وتأخَّر سبع سنوات حتى صمتت المدافع، وفى سنوات قلائل تخلصت المهرجانات من القيود السياسية التى بطبعها مرحلية، وقفزت فوق السور لتعبّر عن الفن وتنحاز إلى الأجمل إبداعيًّا سواء فى اختياراتها للأفلام أو لجان التحكيم.

ولو عدتُ إلى التحليل الرقمى طبقا لما ذكره مدير مهرجان «كان» تيرى فريمو فإن قرابة 2000 فيلم كان مقصدها الأول هو «كان»، طبعا عندما تتوجه إلى المهرجان يصبح الهدف هو أفلام المسابقة التى فى العادة لا تتجاوز 19 فيلما، بدهىٌّ أن يفتح المهرجان أبوابه على كل الاتجاهات، حتى قناعات المنظمين السياسية لا تشكل قيدا، والدليل مثلا أن المهرجان فى السنوات الأخيرة كان كثيرا ما يستضيف، ليس فقط الأفلام المعارضة للنظام، ولكن أيضا يستضيف المخرجين المعارضين مثل جعفر بناهى ومحمد رسولوف، وعرض أفلامهما رغم أنهما من الناحية القانونية صادرة ضدهما أحكام تمنعهما من ممارسة المهنة لمدة 20 عاما، وفى واحدة من الدورات رُشِّح بناهى لعضوية لجنة التحكيم، وعندما منعته السلطات من مغادرة البلاد ظل كرسيه شاغرا وتوجهت الأضواء إلى الكرسى فى حفلتى الافتتاح والختام، ولم يكن الموقف هنا سياسيا بالدرجة الأولى ولكن من الممكن قراءته على نحو آخر، فهو ليس ضد دولة إيران بقدر ما عبَّر الموقف برمّته عن انحياز مطلق إلى الحرية.

غضبت إيران فى عهد نجاد واعتبرت أن المهرجان ينضم إلى المعارضة ولكنها لم تمنع مخرجيها من الحضور فى أقسامه المختلفة، والدليل أن هذا العام وفى قسم «نظرة ما» شاهدت فيلم «ناهد» الإيرانى، وهو شريط سينمائى خارج من معطف الدولة، ولاحظت أن مخرجته عايدة بناهندا عند تسلّمها جائزة تقديرية من لجنة التحكيم التى رأستها إيزابيللا روسيللينى، ترتدى الحجاب ولا تصافح الرجال على المسرح، والفيلم يقع فى إطار سينما الانتقاد الاجتماعى التى يسمح بها النظام مثل فيلم «انفصال» للمخرج أصغر فرهادى الحاصل على «دب برلين الذهبى» وجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى عام 2011.

النظام لا يمانع فى الانتقاد فى هذه الحدود، إذ يتناول «ناهد» حياة امرأة قررت أن تعيش حياتها وأن تختار مستقبلها كما تريد، فهى تزوجت برجل مدمن وأنجبت طفلا، حائرا بين أمه وأبيه، الأب يشارك فى عصابات «المافيا» وهى تعانى من ضائقة مالية، كثيرا ما تتعثر ولا تستطيع دفع إيجار الشقة، وتتزوج عُرفيا بعد الطلاق برجل ليوفر لها الحد الأدنى من الحماية الاقتصادية. والفيلم ينتقد زواج المتعة عند الشيعة الذى يحدد زمن الزواج، وهكذا قدم المهرجان فيلما لا يُغضب ولا يُحرج إيران ولكنه غنىٌّ بالسينما، الرهان هو الحرية، حتى احتفاء المهرجان بثورات الربيع العربى منذ عام 2011 من الممكن أن تراها بالأساس تأييدا للحرية.

المهرجان يعبر عن توجه يفتح طاقة من الممكن أن تُطل عليه أيضا من زاوية الضيوف الذين يتوافدون من كل الدول، إذ يزداد عدد الإعلاميين والصحفيين على 5 آلاف، من مختلف الجنسيات والأديان، وهكذا قرأتُ هذا الشعار الذى تصدر الكنائس هناك والأقرب إلى قصر المهرجان مثل «نوتردام»، كانت اليافطة تقول: «فلْنَعِشْ معًا»، وأسفلها كلمة «عنف» ببنط صغير ووُضعت عليها علامة «X» ليُكتب بدلا منها ببنط أكبر كلمة «سلام»، وهذا ما تكرر فى كلمات «فُرقة» التى صارت «وحدة» و«كراهية» التى صارت «أخوّة»، وهكذا من الممكن أن تجد فى هذا الموقف تجسيدا حيًّا لشعار «الدين لله و(كان) للجميع»، إذ إن المهرجان يأتى بعد حادثة مجلة «شارلى إبدو» وهو يدرك تداعيات الحساسية التى من الممكن أن تنتاب البعض، فقررت الكنيسة أن تقدم رسالتها على هامش المهرجان وهى تحتضن كل الضيوف مهما تعددت الجنسيات والأعراق والأديان ليظل «كان» للجميع.

نجمنا العالمى عمر الشريف ليست له علاقة وطيدة بمهرجان «كان»، آخر مرة رأيته قبل ست سنوات وحكى لى أنه وهو يصعد وحيدا سلم «لوميير» على السجادة الحمراء وجد أن امرأة حسناء تتأبط ذراعه، ولم يعترض بالطبع، ولكن بعد أن وصل إلى القاعة لم يعثر عليها، أخبره أصدقاؤه بعدها أنها هيفاء وهبى.

وأنا ألملم أوراقى وفى طريقى للسفر من «كان»، جاء الخبر الحزين بإعلان إصابة عمر الشريف بألزهايمر، وفى مرحلة متأخرة جدا، وصار لا يتذكر أحدا كما قال طارق عمر الشريف فى تصريحه لإحدى المجلات الإسبانية، وأشار إلى أنه فى البداية عندما أخبره فى يناير الماضى برحيل فاتن سأله: فاتن مين؟ ولكن بعدها كان عمر يسأله عن فاتن، فهو لم يدرك أنها قد رحلت.

لم تكن المرة الأولى التى يلتصق فيها اسم ألزهايمر وعمر الشريف، فقبل نحو ثلاثة أعوام ترددت شائعة قوية تؤكد إصابته واضطرت سكرتيرته وقتها الكاتبة الراحلة إيناس بكر إلى أن تعلن للصحافة المصرية والعربية أنه لم يُصَب بأى مرض ولكن بحكم السن لم يعد من السهولة أن يتذكر الحوار، ولهذا فإنه لن يقدم أى أعمال فنية جديدة.

كل من التقى الشريف فى السنوات العشر الأخيرة من السهل أن يدرك أن ذاكرته لم تعد فى لياقتها السابقة، كثيرا ما شاهدته فى مؤتمرات صحفية فى فينسيا والإسكندرية والدوحة، وكذلك عندما أجريت معه حوارا قبل خمس سنوات لجريدة «الشرق الأوسط» كان الحديث عن الأفلام المصرية القديمة لا يرضيه كثيرا، وتأتى إجابته أن الفيلم قديم جدا وهو لا يتذكر شيئا. البعض كان يقرأ هذه الإجابات بطريقة غير صحيحة، باعتبارها تحمل نوعا من التعالى على السينما المصرية، بينما الحقيقة لو تأملتها ستكتشف أنه بالفعل لا يتذكر. آخر إطلالة لعمر جاءت مع الفيلم المغربى «روك القصبة»، إذ أدى عمر دور رجل ميت، والمشاهد القليلة التى تُقدم كـ«فلاش باك»، حوارها ضئيل جدا، مما يوحى بالفعل أنه لم يعد قادرا على تذكر الحوار، ويومها كتبت مقالا عن الفيلم وعمر الشريف قائلا: «ختامها مسك»!!

الدين لله.. و«كان» للجميع

طارق الشناوي

هل ينحاز المهرجان إلى توجه سياسى محدد أو دولة أو دين؟ حتى لو كانت بدايات انطلاق المهرجانات فى العالم كله شكَّلت وجها آخر لصراع عسكرى وشيك، فإن ما دأبنا على وصفها بالقوى الناعمة مع الزمن لم تستسلم لتلك الصراعات واستطاعت أن تمنع نفسها من الانزلاق فى هذا المستنقع.

انطلاق مهرجان «فينسيا» كان قرارا من الديكتاتور الفاشى موسولينى قبل الحرب العالمية الثانية، وذلك عام 1932، معبِّرا عن تحالف كتلة «المحور» ألمانيا وإيطاليا، وكان من المفترض أن ينطلق مهرجان «كان» فى عام ١٩٣٩ معبرا، عن توجه تحالف «الحلفاء» ضد «المحور»، وتأخَّر سبع سنوات حتى صمتت المدافع، وفى سنوات قلائل تخلصت المهرجانات من القيود السياسية التى بطبعها مرحلية، وقفزت فوق السور لتعبّر عن الفن وتنحاز إلى الأجمل إبداعيًّا سواء فى اختياراتها للأفلام أو لجان التحكيم.

ولو عدتُ إلى التحليل الرقمى طبقا لما ذكره مدير مهرجان «كان» تيرى فريمو فإن قرابة 2000 فيلم كان مقصدها الأول هو «كان»، طبعا عندما تتوجه إلى المهرجان يصبح الهدف هو أفلام المسابقة التى فى العادة لا تتجاوز 19 فيلما، بدهىٌّ أن يفتح المهرجان أبوابه على كل الاتجاهات، حتى قناعات المنظمين السياسية لا تشكل قيدا، والدليل مثلا أن المهرجان فى السنوات الأخيرة كان كثيرا ما يستضيف، ليس فقط الأفلام المعارضة للنظام، ولكن أيضا يستضيف المخرجين المعارضين مثل جعفر بناهى ومحمد رسولوف، وعرض أفلامهما رغم أنهما من الناحية القانونية صادرة ضدهما أحكام تمنعهما من ممارسة المهنة لمدة 20 عاما، وفى واحدة من الدورات رُشِّح بناهى لعضوية لجنة التحكيم، وعندما منعته السلطات من مغادرة البلاد ظل كرسيه شاغرا وتوجهت الأضواء إلى الكرسى فى حفلتى الافتتاح والختام، ولم يكن الموقف هنا سياسيا بالدرجة الأولى ولكن من الممكن قراءته على نحو آخر، فهو ليس ضد دولة إيران بقدر ما عبَّر الموقف برمّته عن انحياز مطلق إلى الحرية.

غضبت إيران فى عهد نجاد واعتبرت أن المهرجان ينضم إلى المعارضة ولكنها لم تمنع مخرجيها من الحضور فى أقسامه المختلفة، والدليل أن هذا العام وفى قسم «نظرة ما» شاهدت فيلم «ناهد» الإيرانى، وهو شريط سينمائى خارج من معطف الدولة، ولاحظت أن مخرجته عايدة بناهندا عند تسلّمها جائزة تقديرية من لجنة التحكيم التى رأستها إيزابيللا روسيللينى، ترتدى الحجاب ولا تصافح الرجال على المسرح، والفيلم يقع فى إطار سينما الانتقاد الاجتماعى التى يسمح بها النظام مثل فيلم «انفصال» للمخرج أصغر فرهادى الحاصل على «دب برلين الذهبى» وجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى عام 2011.

النظام لا يمانع فى الانتقاد فى هذه الحدود، إذ يتناول «ناهد» حياة امرأة قررت أن تعيش حياتها وأن تختار مستقبلها كما تريد، فهى تزوجت برجل مدمن وأنجبت طفلا، حائرا بين أمه وأبيه، الأب يشارك فى عصابات «المافيا» وهى تعانى من ضائقة مالية، كثيرا ما تتعثر ولا تستطيع دفع إيجار الشقة، وتتزوج عُرفيا بعد الطلاق برجل ليوفر لها الحد الأدنى من الحماية الاقتصادية. والفيلم ينتقد زواج المتعة عند الشيعة الذى يحدد زمن الزواج، وهكذا قدم المهرجان فيلما لا يُغضب ولا يُحرج إيران ولكنه غنىٌّ بالسينما، الرهان هو الحرية، حتى احتفاء المهرجان بثورات الربيع العربى منذ عام 2011 من الممكن أن تراها بالأساس تأييدا للحرية.

المهرجان يعبر عن توجه يفتح طاقة من الممكن أن تُطل عليه أيضا من زاوية الضيوف الذين يتوافدون من كل الدول، إذ يزداد عدد الإعلاميين والصحفيين على 5 آلاف، من مختلف الجنسيات والأديان، وهكذا قرأتُ هذا الشعار الذى تصدر الكنائس هناك والأقرب إلى قصر المهرجان مثل «نوتردام»، كانت اليافطة تقول: «فلْنَعِشْ معًا»، وأسفلها كلمة «عنف» ببنط صغير ووُضعت عليها علامة «X» ليُكتب بدلا منها ببنط أكبر كلمة «سلام»، وهذا ما تكرر فى كلمات «فُرقة» التى صارت «وحدة» و«كراهية» التى صارت «أخوّة»، وهكذا من الممكن أن تجد فى هذا الموقف تجسيدا حيًّا لشعار «الدين لله و(كان) للجميع»، إذ إن المهرجان يأتى بعد حادثة مجلة «شارلى إبدو» وهو يدرك تداعيات الحساسية التى من الممكن أن تنتاب البعض، فقررت الكنيسة أن تقدم رسالتها على هامش المهرجان وهى تحتضن كل الضيوف مهما تعددت الجنسيات والأعراق والأديان ليظل «كان» للجميع.

نجمنا العالمى عمر الشريف ليست له علاقة وطيدة بمهرجان «كان»، آخر مرة رأيته قبل ست سنوات وحكى لى أنه وهو يصعد وحيدا سلم «لوميير» على السجادة الحمراء وجد أن امرأة حسناء تتأبط ذراعه، ولم يعترض بالطبع، ولكن بعد أن وصل إلى القاعة لم يعثر عليها، أخبره أصدقاؤه بعدها أنها هيفاء وهبى.

وأنا ألملم أوراقى وفى طريقى للسفر من «كان»، جاء الخبر الحزين بإعلان إصابة عمر الشريف بألزهايمر، وفى مرحلة متأخرة جدا، وصار لا يتذكر أحدا كما قال طارق عمر الشريف فى تصريحه لإحدى المجلات الإسبانية، وأشار إلى أنه فى البداية عندما أخبره فى يناير الماضى برحيل فاتن سأله: فاتن مين؟ ولكن بعدها كان عمر يسأله عن فاتن، فهو لم يدرك أنها قد رحلت.

لم تكن المرة الأولى التى يلتصق فيها اسم ألزهايمر وعمر الشريف، فقبل نحو ثلاثة أعوام ترددت شائعة قوية تؤكد إصابته واضطرت سكرتيرته وقتها الكاتبة الراحلة إيناس بكر إلى أن تعلن للصحافة المصرية والعربية أنه لم يُصَب بأى مرض ولكن بحكم السن لم يعد من السهولة أن يتذكر الحوار، ولهذا فإنه لن يقدم أى أعمال فنية جديدة.

كل من التقى الشريف فى السنوات العشر الأخيرة من السهل أن يدرك أن ذاكرته لم تعد فى لياقتها السابقة، كثيرا ما شاهدته فى مؤتمرات صحفية فى فينسيا والإسكندرية والدوحة، وكذلك عندما أجريت معه حوارا قبل خمس سنوات لجريدة «الشرق الأوسط» كان الحديث عن الأفلام المصرية القديمة لا يرضيه كثيرا، وتأتى إجابته أن الفيلم قديم جدا وهو لا يتذكر شيئا. البعض كان يقرأ هذه الإجابات بطريقة غير صحيحة، باعتبارها تحمل نوعا من التعالى على السينما المصرية، بينما الحقيقة لو تأملتها ستكتشف أنه بالفعل لا يتذكر. آخر إطلالة لعمر جاءت مع الفيلم المغربى «روك القصبة»، إذ أدى عمر دور رجل ميت، والمشاهد القليلة التى تُقدم كـ«فلاش باك»، حوارها ضئيل جدا، مما يوحى بالفعل أنه لم يعد قادرا على تذكر الحوار، ويومها كتبت مقالا عن الفيلم وعمر الشريف قائلا: «ختامها مسك»!!

التحرير المصرية في

27.05.2015

 
 

«السعفة الذهبية» لـ «ديبان» جاك أوديار..

أدناس الجغرافيا البديلة

زياد الخزاعي

ثلاثة مكوّنات تآلفت بصرامة فنية، جاعلةً من جديد المخرج ـ المؤلّف الفرنسي جاك أوديار «ديبان»، على الرغم من تباسط حكايته، بياناً مُسيّساً ضد مباغضة أُصُول. العناصر هي: السَحْنة (كمُعاداة للعِرق وتلّوناته)، والسُّخرة (كمُعاداة للعمالة وتزاحماتها)، والأرض (كمُعاداة للتوطّن واكتساب حقوقه). هذه أضلاع مثلّث أزليّ للعنصريّ، مِمَّنْ تشهد أوروبا اليوم لزُمَرِه نشاطاً يمينياً وفاشياً متصاعد القوّة والكرّات، تزامنت مع موجات هجرة بشرية عالمثالثية غير مسبوقة الكثرة والجنسيات نحو القارة المرفّهة، فرضتها حروب ونعرات دينية وتصفيات وفقر متعاظم ومستقبل هامد، اجتاحت مجتمعات تفترس بعضها البعض، وتذلّ مواطنيها، وتسفك دماءهم برخُص سوريالي. أحاطت هذه الصفات ـ الحقائق بطل أوديار، الذي استعار الشريط اسمه، وحوّلته من صنديد حرب حمل راية «نمور تاميل (إيلام)» إلى مفترٍ على كينونة عائلة كفلت له أوراق «هجرة» إلى فرنسا عبر قنوات دولية. كذب الشاب، المكلوم بهزيمته، بشأن هويته ونضاله، وتلبّس سيماء كائن مقهور. أقنع محقِّقاً أبيضَ بفاجعة مزوّرة، لكنه فشل في تضليل ابن جلدته، مُترجمه الذي سنتعرّف عليه لاحقاً كـ «نمر» سابق استفاد، بدوره، من رحمة أوروبية.

خَسِر ديبان (أداء لافت للانتباه للشاعر والروائي السريلانكي المقيم في فرنسا أنتونيثاسان جسوثاسان) معركة تحرّره منذ العام 2009. بيد أنه لم يُنهِ حسابه مع جور سيلاحقه إلى منفاه، عندما تحاصره قوى جديدة متأنّقة، يترأسها شاب مجرم يدعى يوسف (مارك زنقا)، تشنّ حرباً من طينة أخرى لا تمّت بـ «حرية» غامر من أجلها بدمه، وإنما بتجارة مخدّرات وبلطجة ودعارة وتهريب، في «وطن» مُجتزئ من عمارات سكنية تابعة لضاحية مدينية ظلامية وعنيفة، تقع عند حواف عاصمة النور. بقعة مثالية وتمهيدية لتطهّر «ديبان» من آخر ظنونه الشخصية برجاء عودته، ذات يوم، إلى جزيرته البعيدة، التي تجلّت في مشهد فريد له، رافضاً عرض قياديّ تاميليّ بإعادة تفعيله، وجمع تبرعات مالية لشراء أسلحة ترسل إلى «رفاقنا»، قبل أن يعاقب بالضرب لعقوقه وصرخته: «انتهت الحرب. لقد هُزمنا إلى الأبد».

في مفتتح شريطه، قدّم مخرجاً «عن الصدأ والعظام» (2012) بطله شخصاً يائساً يتعجّل خلاصاً من تصفية أكيدة، كفدائي مهزوم، على أيدي قوات الرئيس السابق ماهيند راجاباسكي، التي سبقها صيت مرعب من الفظاعات، وحوّله إلى تورية عن «ناتج حروب»، يفرض عليه «اختراع» موطن جديد. الأغرب من ذلك، أن يستحدث عائلة لا يعرف أفرادها: شابة مُهجَّرة تدعى ياليني (كاليسواري سرينيفاسان) وصبية أضاعت أهلها تدعى إيلايال (كلودين فيناسيثامبي). كان رهانهم معقّداً، وعليهم التعايش كأسرة علنية ورسمية الوثائق، وإن كانت ملفّقة. هذه ثيمة تألّقت سابقاً في شريط أوديار «نبي» (2009) مع قرار زعيم عصابة كورسيكية شمل المغاربي مالك (طاهر رحيم) بـ «أبوته».

في المقطع الثاني، صاغ جاك أوديار معالم جحيم «ديبان» الأوروبي، عندما كُلِّف بتسيير شؤون العمارات التي اتّخذت عصابات يوسف من شقق ساكنيها، أحدهم مغربي مريض (أداء متقشّف للمخرج السينمائي المغربي فوزي بن سعيدي)، مراكز لصفقاتها واجتماعاتها. هنا، استبدل ديبان ـ أوديار فطنة الغابات المطرية بأقبية خرسانية ميتة، تدفع البطل نحو عزلة مجنونة تتصاعد عذاباتها مع تداعي علاقته بياليني، وسعيها إلى الهروب نحو الضفة الأخرى لبحر الشمال. يُرغم الفدائي المستقيل على الدخول في «حرب تحرّر» جديدة. صوّر مدير التصوير إيبونين مومنسيو ارتقاءه سلالم عمارة، سعياً إلى تخليص امرأته، كمسيرة ثأر دموية، بطيئة السرعة، ومفخَّمة الأصوات، تستعيد ما فعله المهندس العسكري الأميركي ويليم فوستر في شريط جول شوماخر «السقوط» (1993)، واجتيازه أرض حرام تفصل بينه وبين عيد ميلاد ابنته، يُصفي خلالها أعداءه بجسارة جندي، ورباطة جأش قاتل محترف.

يعلن «ديبان»، بشكل حاسم، قطيعته الشخصية مع رحم اجتماعي فاسد، خان وعده في أن يضمن له أماناً شخصياً. اســتعاد جاك أوديار شكيمة العسكري المخفي في كيان بطله، كإعلان ملتبس إلى حقيقة أن وجوده على أرض فرنسا غير عقلاني، ويجب ألاّ يستمر. ذلك أن مستعمره الأصلي يقطن في جزيرة قريبة، ما جعل إصرار المرأة على السفر إلى الجنة البريطانية واقع حال عملي وأكثر إنصافاً، قبل أن نراه في ختام الشريط، وقد أصبح يقيناً فئوياً وأسرياً، يحمل فيه المنفي بين يديه «وليده الحقـــيقي»، فيما تحــنو أصابع ياليني، في اللقطة الختامية، بشعر بطلها، إيذاناً بقيامة «مأمنهما السريلانكي الخالص» ضمن جغرافيا بديلة.

جوائز «أسبوع النقد» تُمنح لمخرجين واعدين.. سينما المستقبل

نديم جرجوره

لا شكّ في أن المسابقة الرسمية الخاصّة بمهرجان «كانّ» السينمائي تبقى الأبرز في المشهد الدولي. لكن المسابقات والبرامج المرافقة لها سنوياً تتحوّل إلى واجهة لأحداث سينمائية لا تقلّ أهمية عمّا يجري فيها. المسابقات الأخرى ناشئةٌ في ظروف مختلفة، وفي أعوام متنوّعة. أقدمها «أسبوع النقد»، الذي يحمل اسم «الأسبوع الدولي للنقد» لغاية العام 2008. تمّ تأسيسه في العام 1962، بجهود «النقابة الفرنسية للنقاد السينمائيين». قبل ذلك بعام واحد، في الدورة الـ 14 (3 ـ 18 أيار 1961) للمهرجان، توافق إدارة هذا الأخير على اقتراح النقابة عرض فيلم The Connection ـ المُنتج حديثاً ـ للأميركية شيرلي كلارك (1919 ـ 1997). لم يستوف الفيلم شروط الصنيع السينمائي المعتَمدة في المهرجانات، وهي شروط متلائمة وقواعد المنتجين الكبار، وقليلة الحساسية الإيجابية إزاء المحاولات التجديدية في صناعة السينما. للفيلم انحياز إلى ما يُعرف بـ «سينما مستقلّة». يُثير العرض حماسة كثيرين. يُقرّر روبر فافر لوبري، المندوب العام للمهرجان، بالتوافق مع «المركز الوطني السينمائي»، تجديد التجربة ببلورة صيغة متماسكة لها. يُكلِّف النقابةَ وضع برنامج عروض في «صالة جان كوكتو»، تمتدّ على مدى أسبوع واحد، وإطلاقه في الدورة الـ 15 (7 ـ 23 أيار 1962).

«أسبوع النقد» (أو «أسبوع النقاد») يحتلّ، سريعاً، مكانة أساسية في مهرجان «كانّ». إنه الحيّز السينمائي الذي يُطلق مخرجين يتحوّل معظمهم، لاحقاً، إلى كبار في الإبداع البصري. اللائحة طويلة، لكن الأمثلة مفيدة: وونغ كار ـ واي، كريس ماركر، برناردو برتولوتشي، مرزاق علواش، ليو كراكس، عاموس غيتاي، أرنو ديبلشان، غيلّيريمو دل تورو، باربيت شرودر، كن لوتش، وآخرين. الأسبوع نفسه يجد مكاناً له في بيروت، بفضل «جمعية متروبوليس»، التي «تنقله» إلى صالتها في الأشرفية بعد أسابيع قليلة جداً على انتهاء كل دورة من دورات مهرجان «كانّ».

إنه الإطلاق الرسمي لمخرجين مبتدئين، سيعثرون على دروب مختلفة لهم في عالم الفن السابع. المُشاركة فيه مهمّة. الفوز أيضاً. في الدورة الـ 68 (13 ـ 24 أيار 2015) لمهرجان «كانّ»، تُقام الدورة الـ 54 لـ «أسبوع النقد». أفلام قليلة تفوز بجوائز: في فئة الأفلام الطويلة، ينال «بولينا» للأرجنتيني سانتياغو ميتري «الجائزة الكبرى نيسبريسّو»، و «الأرض والظلال» للكولومبيّ سيزار أوغستو آسيفيدو جائزتين اثنتين: الأولى مُقَدّمة من «فرانس 4» بعنوان «جائزة الوحي» أو «جائزة التجلّي»، والثانية مُقَدّمة من «جمعية الكتّاب والمؤلّفين الموسيقيين الدراميين» (SACD).

يُذكر أن الفيلم هذا ينال أيضاً «جائزة الكاميرا الذهبــية» للفيلم الأول. في فئة الأفـــلام القصيرة، هناك فيلمان فائزان: «فاريســـيلاّ» للإيطالي فولفيو ريسوليو (جائزة الاكتشــــاف «سوني سيــــني آلتا»)، و «رامونا» للرومـــاني أنــدريه كريتوليشكو (جــــائزة كانال بلوس).

المواضيع متنوّعة. «بولينا» غائصٌ في معضلة إنسانية. الشابّة المتخلّية عن مسار لامع في المحاماة تواجه مجتمعاً ريفياً ضيّقاً ومنغلقاً على نفسه وعدائياً. تريد ممارسة التعليم فيه. تتعرّض لاعتداء وحشيّ من شبان، بعضهم تلامذتها. تُضحّي بصديقها وبثقة والدها فيها، القاضي ذو النفوذ. لكنها متمسّكة بالتزامها الاجتماعي قضية التعليم. تتغلّب على الجرح، وتُكمل عملها بقناعةِ مُناضلةٍ تعرف ما تريد. «الأرض والظلال» يرسم مسار المصالحة مع الذات. العجوز عائدٌ إلى قريته ومنزل العائليّ، وهو في خريف العمر. يُريد مغفرة أو عفواً أو مسامحة. يريد استعادة علاقته بعائلة يتخلّى عنها قبل سنين. الرحلة صعبة. فيها منعطفات وأكثر من هاوية. «فاريسيلاّ» (مرض «جدريّ الماء») ينوء تحت وطأة العلاقة القاسية بين أم وابنها. هذا مرضٌ لا يُؤذي الصغار، لكنه ذو خطر كبير على الكبار. تُصاب الأم. ابنها يكبر. تريده أن يُصاب بالمرض مثلها. لكن أحداً لا يعرف موقف الأب مما يجري في منزله. «رامونا» أقرب إلى الاختبار البصري. محاولة لرسم العلاقة التي يُمكن أن تقوم بين فتاة وسيارة ذات ليلة خالية من كل صدفة ممكنة.

7 أفلام روائية طويلة و10 أفلام روائية قصيرة «قد» تُعرض كلّها في بيروت قريباً. لجنة التحكيم المختارة هذه الأفلام من دون غيرها لمنحها جوائز الأسبوع مؤلّفة من الممثلة والمخرجة وكاتبة السيناريوهات الإسرائيلية رونيت إلكابيتز رئيسة، والمخرجة الفرنسية كاتيل كيلّيفيري ومدير التصوير بيتر سوشيتزكي (المملكة المتحدّة) والمبرمجة الكندية في «المهرجان الدولي للفيلم في تورنتو» أندريا بيكار والصحافي والناقد البلجيكي بويد فان أويج أعضاءً.

السفير اللبنانية في

28.05.2015

 
 

فنسان لاندون، درسٌ في التمثيل والالتزام!

كانّ ــ هوفيك حبشيان

لطالما كان فنسان لاندون رجلاً غاضباً، يقول ما يفكّر فيه ويفكّر ما يقوله. على الشاشة كما في الحياة، اعتدنا الاّ "يضب" الممثل الفرنسي الكبير لسانه. حتى مساء الأحد الماضي، عندما تسلّم جائزة التمثيل عن دوره في "قانون السوق" خلال حفل ختام مهرجان كانّ السينمائي، كان مختلفاً عن الآخرين بخطابه العفوي الصريح الذي جعل أكثر من صحافي في قاعة المؤتمرات يلتمس فيه الانسان قبل الفنان، وخصوصاً عندما قال: "عندي شعور بأن كلّ الادوار التي اضطلعتُ بها في حياتي وُجدَت كي تفضي بي الى هذا الدور. انا رجل في الخامسة والخمسين، وفي مثل هذا العمر نتأمل كثيراً ولا نتوقع شيئاً، أو نتوقع كثيراً ولا نتأمل شيئاً. هذه الجائزة الأولى أنالها في حياتي". على مرّ السنوات الماضية، كثر اشتكوا من غضبه الذي يصبّه على الجميع، والذي هو، في خاتمة الأمر، ما يميزه عن بقية ممثلي جيله الذين اختاروا الراحة واللامبالاة.

برع لاندون في دور الرجل العادي؛ الجار الذي نلتقيه كلّ يوم في المصعد، الزميل الذي نجالسه خلال استراحة أثناء الدوام. جعل الخمسيني الفذ من شخصية الـThe guy next door اختصاصه، مطعّماً اياها بتوابل يسارية. في واحد من أفضل الأفلام التي اضطلع ببطولتها أخيراً، جسّد لاندون استاذ سباحة يلتقي شاباً كردياً يصل الى مدينة كاليه الفرنسية بغية اجتياز المانش والرحيل الى لندن للقاء حبيبته. في جملة تختصر "كل لاندون"، يقولها استاذ السباحة لزوجته السابقة التي يرغب، بعد انفصال، باسترجاعها: "هذا الشاب اجتاز أربعة آلاف كيلومتر سيراً على الأقدام لملاقاة حبيبته، أما أنا فلم أجتز الشارع لمنعك من أن تهجريني". كلّ عقيدة لاندون هنا، في هذه الكلمات القليلة التي كتبها المخرج فيليب ليوريه، على مقاس لاندون، وحش الشاشة الفرنسية الحديثة، الذي لا يتردد بعضهم في مقارنته بلينو فنتورا وجان غابان! ضمّ سجله أفلاماً مهمة مثل "الحقد" لماتيو كاسوفيتس و"الشارب" لايمانويل كاريير، ووقف أمام كاميرا كلٍّ من كلود سوتيه وبيار جوليفيه وبونوا جاكو وسدريك كانّ وستيفان بريزيه. أما حياته الشخصية فلم تكن أقل تسطيحاً، اذ بعد علاقة عاصفة مع الأميرة كارولين دو موناكو، تزوّج الممثلة ساندرين كيبرلان قبل أن ينفصلا.

في العام 2010، التقيتُ هذا الوحش المرهف في باريس من أجل مقابلة صحافية. كانت أجوبته عن أسئلتي دقيقة، تأتي بكلمات مترددة دائماً، لكن الخطاب يتسم بفلسفة انسانية تسير خارج المزاج العام لا بل ينتقده. بحماسة يتخللها تفكيرٌ عميق وتأمل، استعرضنا مع ابن السلالة البورجوازية العريقة هذا (معظمهم من كبار المثقفين في فرنسا)، تقنيات تمثيلية بعيداً من القوالب المعلبة والنظريات. من ضمن ما باح به لي آنذاك، لم يُخف مثلاً التزامه خطاً سياسياً معيناً (الحركة الديموقراطية التي يديرها المرشح السابق لرئاسة الجمهورية الفرنسية فرنسوا بايرو). ولم يكن يخفي معارضته الشديدة لكلّ السياسات الانتهازية التي انبعثت مجدداً في وجه المستضعفين والمهاجرين واللاجئين الذين يهربون من جحيم ليجدوا أنفسهم في جحيم أخرى.

سألته: "لماذا أنتَ غاضب وممّن؟"، فردّ: "أنا غاضب من كلّ شيء. ألا ترى أن هناك ما يستحق أن نغضب من أجله. غضبي حيال السياسات، حيال الناس، حيال التجاوزات، حيال الأغبياء، حيال الظلم. ما أقوله ليس اختراعاً عظيماً. على الجميع أن يكون غاضباً بدلاً من الإستسلام. يومياً اسمع اصدقاء يقولون لي: "اهدأ، كن لامبالياً، اترك الأشياء وشأنها، ولا تبدّد جهدك من غير طائل (...). لا يهمني ان أعرف اذا كان الغضب يفيد أو يضر. اذا كان الغضب لا   يفيد، فهو على الأقل لا يضر. لا تعود الينا كأفراد مهمة حلّ مشكلاتنا الكبيرة بل على الدول التي ترعى شؤوننا، علماً ان علينا من جانبنا أن نمدّ يد العون، لكن الفرد لا يستطيع شيئاً وحده. لذلك هناك ما يسمّى حكومات وقوانين ومجالس. ما يثير سخطي أكثر من كل شيء آخر، قدرة البشر على الخضوع والاستسلام وعدم قدرتهم على التمرد. ليس من الصعب أن نتخذ موقفاً مما يحصل من حولنا. يكفي أن نفتح أفواهنا. لا ينبغي أن ننتظر قضية كبيرة. ثم ماذا تعني قضية كبيرة؟ هل قضية هايتي أكثر أهمية من المتشرد الذي ينام على الرصيف؟ الناس يميلون دائماً الى القضايا الكبرى التي تحرك المشاعر وتلفت الانتباه، لأن أعداد الضحايا المرتبطة بها أكبر. أما الذي يموت في الشارع في صقيع الشتاء، فلا احد يهتم به، لأنه فرد وليس مجموعة".

ما يحبّه لاندون في السينما هو شخصيات لا تكون في الضرورة طيبة القلب منذ البداية. حتى في الحياة، يجذبه الأشخاص الذين يصبحون فجأة أكثر تسامحاً وكرماً فيعترفون بأنهم كانوا مخطئين في مرحلة ما من حياتهم. تستهويه تيمة التوبة. يقول: "أنا دائم الحاجة الى سياق اجتماعي رصين في ما أصوّره، كما هي الحال عند فرانك كابرا مثلاً". فرانك كابرا هو الاسم الذي جاء على لسانه خلال المؤتمر الصحافي الأحد الفائت، عندما ذكر "تعرّفوا إلى جون دو" (1941) نموذجاً للفيلم الذي يميل اليه.

هناك شخصيات تغيّر حياة المشاهد. انطلاقاً من هذا كنت اريد أن اعرف اذا كان هناك شخصيات تغيّر حياة من يضطلع بدورها. "لا أدري ما اذا كان في امكاننا التحدث عن تغيير. لكن ما احب هو أن يكون هناك أخذ وردّ بين الممثل والشخصية. يهمّني أن أعطي الشخصية ولكني أتوقع في المقابل أن أسترد على الأقل نصف ما أعطيته". يؤمن لاندون بأن ثمة تغييراً يحصل في حياة الممثل عندما يتورّط في أدوار معينة وليس كلّ الأدوار. احياناً كان يدخل جلد الشخصية طوال الأشهر الثلاثة التي يستغرقها التصوير، فيحمل رأسها وصوتها وطريقة مشيتها. "من المؤكد أنها تؤثر فيَّ، لكني لا اعرف ما اذا كانت غيّرتني، في المقابل أستطيع ان أجزم انني أحمل من كلّ دور بعض الآثار".

عن استعداده للدور يقول لاندون الغرائزي بامتياز في تعاطيه مع الأمور، انه لا يكفّ عن العمل. نجده يراقب الناس باستمرار، يراقبهم يتحركون ويمشون ويأكلون، مسجلاً هذا كله في دماغه ثم يخرجه في اللحظة المناسبة. لا يشعر انه يعمل لكنه يعمل كثيراً. كلّ مرة يبدأ فيها بتصوير فيلم جديد، يتملكه انطباع بأنه لا يعمل، لكن في الواقع يكون قد أنجز أشياء كثيرة: بدءاً من التفكير في لون ربطة العنق التي سيلبسها وصولاً الى ابسط  التفاصيل، هذا كله يستطيع أن يصنّفه في خانة العمل المتواصل. الثوب عنده يصنع الراهب، ويرى انه عندما توضع في تصرف الممثل الاكسسوارات اللازمة للدخول في الدور (قصة شعر، سيارة، الخ)، فذلك يفتح امامه ابواباً كثيرة. التفصيل شيء في منتهى الأهمية في نظره.

بعد أكثر من 30 عاماً أمضاها قبالة الكاميرا، صار لدى لاندون مخزون فني يعتز به. اذا قلت عنه انه ممثل ملتزم، أي ملتزم قضية الفرد والفنّ وحسن السلوك، يردّ بابتسامة، ويعلق: "لا استطيع أن اعمل الا في وجود القيود. كلما اعترضتني المعوقات كان هذا عنصراً محفزاً. اذ تركتني حراً طليقاً فلا اعرف ماذا أفعل. اذا سمعت أحدهم خلف الكاميرا يقول لي "أفعل ما تشاء"، فإني أوضب امتعتي وأذهب (...).

لا استوحي البتة من الأفلام، بل مما اراه في الحياة. ما اطلبه من فيلم هو أن يروي لي شيئاً عن العالم الذي انجز فيه. لا أحب أن أقلّد. حين أقلّد، أبدو فاشلاً. لكل ممثل تقنيته. المهم عندي، الاشارات والايماء والحركية الجسدية. لا أحب الممثلين الذين يسطّرون تمثيلهم. لا أحب المحاكاة. على النصّ ان يُفهِم الناس تفاصيل الحكاية وليس التمثيل. تسطير التمثيل هو كمن يضع موسيقى حزينة فوق مشهد حزين. اذا اردت الاضطلاع بدور شرطي فلن اذهب لتمضية ثلاثة اشهر في مقر للشرطة. كل ما عليَّ ان افعله هو أن اطلب من شرطي ان يعطيني بضعة ايماءات يستخدمها على الدوام. وهذا ينسحب على كل الشخصيات التي أجسدها. بالنسبة اليَّ، أن أمثل يعني أن أكون. اكتسبتُ هذا الشيء بالفطرة. لكلٍّ طريقه. أنا طريقي هي المراقبة: مراقبة الحياة. مع الوقت تعملتُ انه ينبغي الاقتصاد في الامكانات التمثيلية المستخدمة. ينبغي للكاميرا ان تأتي لاستخراج الأشياء من داخلنا (...). أجمل شيء أن يقال لي: "بعد اربع ثوان من بداية الفيلم نسينا انك انت الذي يقف خلف الشخصية". يسعدني ايضاً ان ارى المشاهد يقول عني: "هذا الممثل هو أنا". أحب أن يدخل الممثل في دماغي ويفكر نيابةً عني. اذا كنت أضطلع بدور غبي، فسأكون غبياً، ولن اغمز المُشاهد من طرف احدى عيني لأُفهمه بأنني كرجل أفضل من الشخصية التي أمثلها.

في الحياة كما على الشاشة، يبدو أنني افرز نوعاً من طاقة تجعل الآخر يرتاح الى رؤيتي ومجالستي، وهذا شيء خارج عن قدرتي على التحكم. عندما أمثّل، لا أقول في قرارة نفسي "يجب أن تتبنى هذه النظرة أو تلك". انظر وحسب. لا نستطيع ان ننكر ان بعض النظرات أكثر كلاماً من نظرات أخرى. مهما كان الدور الذي كان يضطلع به، كان عند غاري كوبر سخرية ما في العين".

يقول فنسان لاندون انه لا يكفّ عن طرح الأسئلة على نفسه، وخصوصاً ما يتعلق بوجوده كرجل. فنسان الممثل ملحق، وهو يفعل ما يقول له فنسان الرجل. الرجل هو الأهم. حياته أكثر أهمية من مهنته، أضعافاً مضاعفة. "أفضّل أن أكون انساناً عظيماً وممثلاً متواضعاً على أن أكون ممثلاً عظيماً وانساناً متواضعاً. ما النفع أن تكون وغداً؟ ما النفع أن تنال 12 "أوسكاراً" في حياتك المهنية وأنت لا تهتم بأولادك ولا تدفع ما يجب عليك لتربيتهم ولا تساعد صديقاَ في ورطة! لا أحب أن أموت كحثالة!".

hauvick.habechian@annahar.com.lb

باولو سورنتينو عبقري أم نصّاب؟

هـ. ح.

"شباب" لباولو سورنتينو من أكثر الأفلام التي اختلف حولها النقّاد في مهرجان كانّ 68 وانقسموا في تقويمه. النتيجة: لم يرد هذا الفيلم على لائحة جوائز الأخوين كووين ورفاقهما. مرة اخرى، تكرر سيناريو "الجمال العظيم"، الذي رحل من كانّ 2013 بلا جائزة، قبل ان يغزو العالم، وصولاً الى فوزه بـ"أوسكار" أفضل أجنبي العام التالي. لكن الشرخ تعمّق هذه المرة بين مَن يعتبر سورنتينو عبقرياً ومَن يرى فيه "نصاباً" (نعم هذا ما كتبه ناقد في مجلة "لي انروكوبتيبل" الفرنسية)، انتهازياً محتالاً لعيناً، لا ذوق عنده ولا فضيلة.أقلام فرنسية وايطالية كثيرة مرّغت المخرج الايطالي المتأثر بفيلليني في الوحل، حدّ ان أحد النقّاد الايطاليين المطلعين على كلّ شاردة وواردة، تكلم عن مؤامرة تُحاك ضد سورنتينو. المدير الفني لكانّ تييري فريمو متمسك بسورنتينو، على الرغم من الأصوات المرتفعة ضده وليست كلها تنم عن مقاربة نقدية، أو على الأقل لا تحاجج بمعطيات سينمائية. فناقد "لي انروكوبتيبل" كتب مثلاً ان سورنتينو "أسوأ مخرج في العالم"، علماً ان "شباب" مملوء بتلميحات لا تصب دائماً في مصلحة سورنتينو ولا تساهم في مصالحته مع النقاد. فالشخصية التي يضطلع بدورها مايكل كاين يقول مثلاً في احد مشاهد الفيلم ان "لا ذوق لدى المثقفين"، وهذا ما تعلّمه من صديقه الموسيقي الروسي إيغور سترافينسكي، ومذذاك فعل المستحيل كي لا يُحسب على المثقفين. طبعاً، رسالة سورنتينو واضحة، وهو يتلذذ باللعب بالنار، بيد ان عليه في المقابل ان يدفع الثمن.

في "شباب"، يقدّم سورنتينو فيلماً متقطعاً، عبارة عن شذرات من الحياة يلتقي بعضها بعضاً وتندهش باللقاء، وفي هذا ظلّ وفياً لأسلوبه. ككل ايطالي، يولي الأهمية للأحاسيس التي تنبع من الفيلم، ونراه يقوم بجهد كبير كي لا يغلب طبعه السينيكي على التطبع. لقاء آخر يصنع البهجة هو اللقاء بين مايكل كاين وهارفي كايتل. الثنائي يذوب تدريجاً في رؤية سورنتينو. بسبعة أفلام، استطاع سورنتينو ان يفرض رؤية سينمائية وعالماً متكاملاً يتسم بالمبالغة المحببة والتفخيم الذي صار له انصار واعداء اينما كان. هذه الرؤية وهذا العالم، تعززا مع فيلميه الأخيرين - المتقاربين أحدهما من الآخر، والمتباعدين في الحين نفسه.

"شباب" تجربة مغايرة شكلاً ومضموناً، تشكل قفزة في سينما سورنتينو نحو فكرة العولمة التي تترسخ كثيراً مع هذا الفيلم ومع أفلام اخرى عُرضت في كانّ. فهو اولاً صوّره بالانكليزية (كما فعل سابقاً في "هذا هو المكان" مع شون بنّ)، مع ممثلين انغلوساكسونيين، من مايكل كاين الى هارفي كايتل، فراشيل فايس وجاين فوندا. الا ان العولمة هنا تغذّيها مقاربته لموضوع لا ينطوي على أي خصوصية، بمعنى انه لا ينتمي الى ثقافة محددة. فالتيمات التي يطرحها، وإن كان اطارها غربياً، الا انها عابرة لكلّ الثقافات. لذلك، يبعث عند المتلقي الشعور بأنه يعانق العالم بطريقة ما.

باولو سورنتينو عبقري أم نصّاب؟ الزمن سيقول كلمته!

إيلي داغر الفائز بـ"سعفة" كانّ مهاجرٌ يستغرب لامبالاة شعبه ولم تقدّم له الدولة سوى بطاقة طائرة!

المصدر: النهار - هوفيك حبشيان ــ كانّ

فاز المخرج اللبناني الشاب إيلي داغر بـ"ربع ساعة مجد" في مهرجان كانّ 68 مساء الأحد الفائت بعدما أسند "السعفة الذهب" للفيلم القصير من يد الموريتاني عبد الرحمن سيساكو. لحظة تاريخية، إذ أنّ هذه أول جائزة مماثلة ينالها لبناني وعربيّ من المهرجان السينمائي الأول في العالم. اختير فيلم داغر، "موج 98" (15 دقيقة)، من بين نحو خمسة آلاف فيلم قصير تم ارسالها الى إدارة المهرجان من جميع أنحاء العالم. اختار داغر البالغ من العمر 30 عاماً التحريك وسيلة لطرح أفكاره المختزلة عن العيش اللبناني المتأزم في سياق عبثي سوداوي أبوكاليبتي استعاري. عمر هو بطل الفيلم المضاد، المراهق الذي يرافق مخلوقاً عملاقاً الى عالم مواز يظهر فجأة بين مباني بيروت الشاهقة، يرافقه الى هناك حيث السماء مرصّعة بالنجوم...

·        حدِّثني عنكَ كشخص: من أنتَ، وماذا عن تجاربكَ قبل الفيلم، وماذا عن خلفيتكَ الاجتماعية؟

- ترعرعتُ في الزلقا وعملتُ فيها. على رغم ذلك لم أعرف بيروت قط! عشتُ مرحلة لبنان ما بعد الحرب حيث الجميع خائف تقريباً. لم يُتَح لي اكتشاف المدينة قبل سنّ السادسة عشرة أو السابعة عشرة. تراءت بيروت عالماً آخر وحياة جديدة. أنا من عائلة متواضعة؛ ليس ثمة فنانون فيها ولا مَن يهتمون بالسينما. تستمتع عائلتي بالاصغاء الى الموسيقى، لكنّ أحداً من أفرادها لم ينخرط في الفنّ. في البداية، أردتُ دراسة الإخراج، فإذا بميدان السينما في لبنان باهتٌ لا يشجّع. تقدّمنا اليوم كثيراً، ولا سيما مع أفلام نادين لبكي وغسان سلهب. درستُ في جامعة "ألبا"، ونلتُ إجازة في الرسم. راودني حلم الإخراج، ولم أجد في المقابل ما يُحفِّز. تركّزت دراستي على الفنّ أكثر مما اهتممتُ بتقنيات الإخراج.

النهار اللبنانية في

28.05.2015

 
 

نبيل عيوش يعرّي مومسات المغرب ويواجَه بالشتم والاهانات!

هوفيك حبشيان

جديد نبيل عيوش، "الزين اللي فيك"، يشعل منذ نحو أسبوع مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة الالكترونية في المغرب. منذ حَمَّل مهرجان كانّ مقتطفاً من الفيلم على الشبكة العنكبوتية والمغاربة مستنفرون أشدّ درجات الاستنفار. فمواطنهم المشاكس يصوّر في شريطه الروائي الطويل الخامس الدعارة المنتشرة في المغرب بأسلوب فجّ واستعرائي، فاضحاً المسكوت عنه في مجتمع يعتاش من الكذب والنفاق، ولا ينظر الى صورته في المرآة. حاله حال معظم المجتمعات العربية التي تؤجل القضايا المهمة الى ما بعد تحرير القدس. بيد أنّ الجميع في المغرب، حتى أولئك المثقفين، سمحوا لأنفسهم إبداء الرأي بفيلم لم يشاهدوا منه سوى بضع لقطات (عُرض للمرة الأولى عالمياً في قسم "اسبوعا المخرجين" في "كانّ").

بلغ التحامل على عيوش حدّ شتمه وقذفه بأحط الألفاظ. في مثل هذه الحال- طبعاً- تُستَحضر كلّ أدبيات التخوين ولا تغيب الاتهامات الكلاسيكية من مثل "متصهين" و"عدو الأمة الإسلامية"، وسواها من المفردات الجاهزة التي تعبّر عن المستوى المتدني للنقاش. ولعلّ أكثر أساليب الهجوم حقارةً هو التلميح الى يهودية والدة عيوش في مسألة لا علاقة لها بالدين، علماً أنّ هذا المخرج لا يحتاج الى درس من أحد في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وسجله السينمائي يشهد على ما قدمه للبلد العربي المحتل، إذ سبق أن أخرج "أرضي" في الأراضي المحتلة.

كتب أحد الشيوخ المغاربة كلاماً بذيئاً في حق عيوش، معتبراً إياه "منكراً" (وهذا إطراء عندما يأتي على لسان شخص مماثل)، علماً أنّ الشيخ المذكور هو من المقربين الى الشيخ المغراوي الذي أفتى بتزويج القاصرات اللواتي لم تتجاوز أعمارهن السنوات التسع! هذه الهستيريا الجماعية تكللت الاثنين الفائت بمنع الفيلم في المغرب "غيابياً"، مع أنّ عيوش لم يتقدم بعد بطلب إجازة عرض من السلطات المختصة. أغضب المنع المهمومين بقضية الحريات في المغرب، وقد يكون سابقة خطرة في بلد يتغنّى بأنه الأكثر انتاجاً للسينما عربياً بعد مصر.

مهموماً كان عيوش عندما قابلناه في تيراس "ماريوت" في كانّ غداة عرض فيلمه، بيد أنه ظلّ متمسكاً بالأمل. قال إنه سيفعل المستحيل كي يخرج الفيلم الى الصالات. كان هذا قبل إصدار قرار منعه من حكومة بنيكران العتيدة. الأمر الوحيد الذي كان يخشاه هو أن يُساء فهمه، مع قلقه أيضاً على البنات اللواتي مثّلن في الفيلم. مهما يكن، فـ"الزين اللي فيك" فيلم صادم يدنو الى حدود الاستفزاز، إذ أنّ عيوش اختار هذه المرّة معالجة القضية بالصدمة. صدمةٌ قد تُخرِج مواطنيه من السبات الذي هم فيه وتدعوهم الى رؤية الواقع بتفاصيله الكاملة.

هذه ليست المرة الأولى ينقّب عيوش في قضايا اجتماعية جدلية: فهو سبق أن صوّر ظاهرة أولاد الشوارع في رائعته "علي زوا"، ثم عرّج على موضوع التزمّت الديني في "يا خيل الله" من خلال الشباب الإرهابيين الذين نفّذوا تفجيرات الدار البيضاء العام 2003، والآن يحملنا الى مراكش، "مركز الدعارة" في المغرب وفق قوله، حيث أربع عاملات جنس يمضين وقتهن مع زبائهن السعوديين، ويعشن حياة الفسق والسهر والكحول. يتذكّر عيوش أنه عندما بدأ يجري تحقيقات استقصائية لكتابة سيناريو "علي زوّا"، كان الرأي السائد: "لماذا الفيلم عن ظاهرة أولاد الشوارع؟". لم يتقبّل الناس فكرة أنّ ثمة أولاد شوارع في المغرب. السيناريو نفسه تكرر عندما أراد تصوير إرهابيي "يا خيل الله". بالنسبة الى عيوش، توجد حقائق لا يريد المغاربة رؤيتها والاعتراف بها. من كثرة انتهاجهم سياسة النعامة واخفاء رؤوسهم في الرمال، سيطرت على هذا البلد العربي الأمازيغي الجميل ثقافة الانشائيات البليدة واللغة الخشبية. النكران هو الذي دفع عيوش الى اختيار الدعارة موضوعاً لفيلمه الجديد. يقول: "السينما الأميركية حافلة بأفلام معارِضة تمسك المجتمع وتخضّه. انظر كم أثّرت هذه السينما في المجتمع الأميركي. انظر الى الافلام التي ظهرت عن السود مثلاً. لا يمكن نكران هذا. بالتأكيد، عندما نطرح الأمور بهذه الطريقة، نواجه خطر ألا نلقى الاستحسان من الجميع. ولكن هل يكفي أن أواجه خطراً كي أقرر ألا أخوض مغامرة مماثلة؟ لا اعتقد ذلك".

لقاء عيوش أربع فتيات من مراكش شكّل صدمة له. جالسهن أياماً عدة وراح يدوّن شهادتهن المقترنة بتجربة حياتية قاسية. يحتاج دائماً الى هذا النوع من العمل الميداني، وإلا استعصي عليه اتمام فيلم. من الفتيات الأربع انتقل الى محادثة نحو 100 عاملة جنس. لكلّ واحدة من هذه الفتيات حكاية تختلف عن حكاية فتاة أخرى. كذلك بالنسبة الى الاسباب التي أفضت بهنّ الى ممارسة الدعارة. إحداهنّ وقعت في الفخ بعدما فُضّت بكارتها ووعدها شابٌ بأنه سيتزوجها. لسان حال الفتاة هنا: "ما دام المجتمع يعتبرني عاهرة، فسأكون عاهرة وأجني المال".

يعرّي عيوش إذاً ازدواجية المجتمع المغربي ولا يخاف من المسميات والألفاظ السوقية التي يستلهمها من بيئة العاملين في أقدم مِهن التاريخ. هذا جزء من خياره الذي يقوم على الطرح الواقعي. تحذو عناصر الفيلم هذا الحذو. قراره نشر الغسيل الوسخ وعدم تقديم أي مساومة على الصورة التي يرسمها للحياة الليلية والسياحة الجنسية. نتعرف تباعاً الى رندة ونهى وحليمة وسكينة. الأخيرة التي تضطلع بدورها لبنى أبضير بجرأة لم يسبق لها مثيل في السينما العربية، تعبّر عن النفاق السائد: تلبس الديكولتيه وتمتهن الدعارة بتمرّس وحنكة ليلاً، ثم نراها نهاراً تزور أمها وشقيقتها الصغيرة وهي تضع الحجاب على رأسها وتلبس الزيّ المغربي التقليدي المحتشم.

عندما قلتُ لعيوش إنّ الدعارة ليست حكراً على المغرب، بل هي مسألة عالمية ما من دولة وجدت حلاً لها، كان موقفه من الدعارة في بلاده أنّ ما يميز عاملات الجنس المغربيات هو قدرتهن على إعالة الآف العائلات. في رأيه، إنّ المال الذي تجنيه هؤلاء الفتيات لا يُصرَف على شراء الملابس، بل على دعم العائلة. "لذلك، شئنا أم أبينا"، يقول عيوش، "هنّ يضطلعن بدور أساسي في المجتمع المغربي. في المقابل، لا يلقين من هذا المجتمع سوى الاحتقار والذلّ والاهانات، حتى من أقرب الناس إليهنّ. بعضهن قلن لي إن عائلاتهن لا ترى فيهن الا محفظة أو بطاقة ائتمان لسحب الفلوس. هذا شيء في منتهى القسوة والحقارة".

يحمّل عيوش المسؤولية للمجتمع برمته، ولا يعفي العرب والأوروبيين الذين يأتون الى المغرب للسياحة الجنسية وشراء الذمم. يقول إنّ التخلص من النفاق والنظر في صميم المشكلة عملٌ جمعي. "الزين اللي فيك"، فيلمٌ ملتزم يدعو الى الاصغاء للفتيات العاملات في الجنس واحتضانهنّ بدلاً من رشقهن بالحجارة. فالرشق لا يعني سوى المزيد من العزلة والوحدة، ما يعود بالضرر على المجتمع برمّته. 

المدن الإلكترونية في

29.05.2015

 
 

لنتحدث عن «الزين اللي فيك» والضجّـة التي أثارها

محمد رضا

• يواجه فيلم نبيل عيّـوش الجديد «الزين اللي فيك»حملة مناوئة تقترح علينا أنه يجب محاكمة المخرج علىالموضوع الذي يختاره. لو صوّر المخرج فيلماً سياحياً جميلاً أو قصّـة حب مترفة مع بعض التطرّق إلى جوانب إجتماعية فالغالب أن الفيلم يستحق الإعجاب وإذا ما كشف عورات وسيئات، فالفيلم يستحق الحرق والمخرج يستحق الإعدام (كما كتب البعض).

• ولا يفتقر قاموس المهاجمين للصفات والألقاب، فالفيلم أباحي والفيلم يخالف الواقع، والفيلم يستغل حيّـزاً ضئيلاً من الوضع الإجتماعي والفيلم "لا يعبر"والفيلم "لا يستثني" والفيلم "يطرح" الخ…

• «الزين اللي فيك» صريح وواضح ولو فعل المخرج غير ذلك لاتهم بأنه موارب ومستسهل. هو بالطبع فيلم جريء في مشاهده ويستعرض أجساداً عارية وممارسات عاطفية ومواقف مشحونة بالإثارة، لكني لم أجد أي منها محشوراً أو غير متجانس مع الفيلم. التطويل والتكرار صفتان ماثلتان لكن قليلون من المنتقدين ذكر النواحي الفنية.

• يعجبني في الفيلم رصد المخرج للواقع. و«الواقع»كلمة صعبة الوصف: فبينما ما نشاهده واقع، هناك أكثر من واقع آخر لا نشاهده. لكن الفيلم الواحد ليس مطالباً بأن يعكس كل واقع موجود. ولو افتعل حكاية جانبية لإظهار الجانب الطاهر والشريف من حياة إمرأة لخرج عن وحدة الفيلم وخفف عنه الجدية التي يريد الحديث من خلالها عن الواقع الذي اختاره.

• الفيلم (أي فيلم) ليس لإرضاء الخواطر، والخطأ أن يفتح المخرج عدسته على واقع ما ثم يفضي منه إلى واقع آخر من باب "التوازن". ما يطرحه «الزين اللي فيك»هو حياة مجموعة من العاهرات وتلك الحياة تفتح على مواقف شتّـى لا يخجل منها والجمهور عليه أن لا يخجل منها أيضاً. المسؤولون عليهم أن لا يخجلوا منها بل من الأجدى الإعتراف بها وبحثها رغبة في إصلاحها وبذلك يكون الفيلم حقق بعض ما يطمح إليه.

• انتقدت أفلاماً سابقة لنبيل عيّوش ومن بينها، مثلاً«كل ما تريده لولو»، الذي قدّم حياة راقصة تحت مظلة ميلودرامية عامّـة واستعراضية. لكن يجب إحترام حرية المخرج في اختيار الموضوع ومحاكمته على الطريقة الفنية التي اختار بها طرح موضوعه وليس على ما يختاره الناقد له. كيف يمكن أن نطالب بأفلام تلعب دورها في النقد الإجتماعي، ونهاجم أفلاماً لاهية وحين نرى فيلماً يتجاوب وهذه الغاية نهاجمه؟

• أفهم أن بعض المهاجمين يعملون في قطاعات حكومية، وأفهم أن بعضهم يملك رؤية تقليدية(وكلهم أحرار في آرائهم) وعادي جدّاً أن ينقسم الحوار بين مؤيد ومناهض، لكن من غير العادي وبل من الخطأ منع فيلم لأنه كذا… مهما كان هذا "الكذا" (إلا إذا كان فيلم بورنو مثلاً).

• منع فيلم لأنه «يسيء إلى صورة بلد» أمر لا يجب أن يطرح أساساً في أي بلد. إذا ما كانت هناك إساءة ففي الوضع الإجتماعي ذاته وفي التقصير في معالجته، وليس في مصادرة حق المخرج في التعبير أو في رصد ما هو موجود أصلاً؟

• بما أننا نعيش مكوّنات تفرزها صناديق مغلقة نعيش فيها وندعي أنها الحياة الكاملة، فإن التقدم بعيد عنا وصعب علينا.

• التالي بعض من أيد أو عارض الفيلم من سينمائيين ونقاد:

المخرج المغربي عبدالقادر لقطع أيد الفيلم معارضاً الرقابة.

الممثل المغربي محمد الشوبي أيد الفيلم معارضاً الرقابة.

الممثل المغرب سفيق السحيمي عارض الفيلم وعارض الرقابة.

مدير مركز السينما المغربي السابق نور الدين الصايل ضد الفيلم.

الناقد المصري أمير العمري سلط الضوء على إيجابيات كثيرة وسلبيات أقل.

الناقد اللبناني إبراهيم العريس ضد الفيلم على الأساسين الشكلي والمضموني.

الناقد اللبناني هوفيك حبشيان مع الفيلم لطروحاته وإن لا يراه فيلماً متكاملاً.

• موقفي الخاص هو أقرب لموقف الزميلين أمير العمري وهوڤيك حبشيان (رغم إختلافنا على معظم ما نراه من أفلام) محترماً إختيار المخرج لموضوعه ومعجباً بمعالجته الإحترافية الجادّة والمنفّـذة جيّـداً مع الإشارة إلى ذلك الإستطراد غير المجدي في السيناريو بعدما قال ما كفى.

مدونة (فيلم ريدرز) في

29.05.2015

 
 

علي أنوزلا يكتب:

"الزين لي فيك" ما بين نفاق السلطة ونفاق المخرج

أثار الفيلم المغربي "الزين لي فيك" لصاحبه المخرج الشاب نبيل عيوش ضجة كبيرة بجرأته في طرق موضوع الدعارة في المغرب. وحتى قبل أن يعرض الفيلم داخل المغرب تعرض لحملة انتقادات قاسية بلغت درجة الحقد والمطالبة بسحب الجنسية وإعدام المخرج والممثلات والممثلين الذين ظهروا في مقاطع حميمة ساخنة. وعلى إثر هذه الضجة التي أثيرت على المواقع الاجتماعية قررت السلطات المغربية منع عرض الفيلم داخل المغرب "نظرا لما تضمنه من إساءة أخلاقية جسيمة للقيم وللمرأة المغربية ومس صريح بصورة المغرب"، على حد عبارات البيان الرسمي المغربي.

المدافعون عن الفيلم يرون فيه تعبيرا عن واقع مغربي لا يرتفع، وعملا إبداعيا يجب انتقاده بآليات نقدية فنية وليس الحكم عليه من مرجعية قيمية أخلاقية. ومقابل دعوات القتل انتشر "هاشتاغ" يقول أصحابه "كلنا نبيل عيوش"، تضامنا مع مخرج الفيلم الذي سبق له أن أنجز فيلما حظي بالتكريم في الكثير من المهرجانات، يعري فيه واقع أطفال الشوارع في المغرب بعنوان "علي زاوا"، كما كان وراء إخراج وثائقي مثير للجدل بعنوان "أرضي" يعالج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بأبعاد إنسانية.

في البداية يصعب الحديث عن عمل فني سينمائي وتقييمه وبالأحرى الحكم عليه دون مشاهدته، كما يصعب التعامل مع العمل الفني الإبداعي بغير أدوات وآليات النقد الفنية المتعارف عليها، أما استصدار الأحكام المسبقة والجاهزة، كما حصل مع هذا الفيلم حتى الآن، فهو مجرد نقد إيديولوجي مبني على خلفية اجتماعية محافظة.

أحد النقاد السينمائيين المعتبرين في العالم العربي هو سمير فريد كتب بأن "نبيل عيوش بقدر ما كان شجاعاً في التفكير بقدر فشله في التعبير"، وحكم على أسلوب إخراج الفيلم بأنه "يفتقر إلى الخيال الذي طالما تميز به نبيل عيوش في كل أفلامه"، منتقدا مقاطع "الإيحاء في الممارسات المثلية بقدر المباشرة الغليظة والحوار البذيء في الممارسات بين الرجال والنساء"، معتبرا أنها ستفقد الفيلم جمهوره في العالم العربي، ليخلص الناقد المصري إلى القول بأن "الشجاعة في التفكير وحدها لا تكفى.." لإنتاج عمل فني متميز.

الجدل الذي أثير حول الفيلم داخل المغرب لم يتناوله كعمل فني، وإنما ركز على موضوعه، أي ظاهرة الدعارة التي تعتبر أقدم مهنة في التاريخ وتوجد في كل المجتمعات بلا استثناء، وحتى قرار المنع الذي أصدرته السلطات المغربية فقد بنى حيثياته على الإساءة إلى صورة المغرب والمرأة المغربية في الخارج، وكأنه يجوز الإساءة لهاتين الصورتين في الداخل!

ثم، ألم يسئ قرار المنع نفسه إلى صورة المغرب في الخارج، لأن منع عمل فني هو حظر على حرية الإبداع وفرض للوصاية على الرأي العام المغربي. فهذا القرار سياسي بالدرجة الأولى يستهدف استمالة العقل المحافظ داخل المجتمع، لكنه في نفس الوقت يعكس شيزوفرينية أصحابه، لأن صيانة صورة المغرب والمرأة المغربية في الخارج لا تتم بقرارات سلطوية تعسفية. فهذا الفيلم يبقى ابن بيئته التي عراها أحدث تقرير صادر عن وزارة الصحة المغربية يتحدث عن وجود ما يقارب 19 ألف عاملة جنس في أربعة مدن فقط هي الرباط وأكادير وطنجة وفاس، ما بين 50 و80 في المائة منهن يُعِلن أشخاصا آخرين، أي أنهن يمتهن الدعارة كمورد للعيش ولإعالة أسرهن. نفس التقرير أشار إلى أن أغلب الزبناء هم مغاربة يعيشون في المغرب، متبوعين بالمغاربة القاطنين خارج أرض الوطن، ثم يليهم السياح الخليجيون. وهو ما يعني أن المرأة ليست وحدها المسؤولة عن تفشي هذه الظاهرة، فالرجل المغربي هو الآخر شريك رئيسي في هذا "العار" الذي غالبا ما نلصقه بالمرأة وحدها.

لا يستهدف هذا الكلام الدفاع عن الفيلم ومخرجه، لكن لا يستقيم انتقاده دون انتقاد السلطة التي تريد استغلال ضعف بنائه الفني لأهداف سياسية محضة. أما مخرج الفيلم الذي تميز في أعماله السابقة بجرأته في تجاوز وتكسير الطابوهات الاجتماعية فتطرح الكثير من الأسئلة عن مدى قدرته على ممارسة نفس الجرأة في مواضيع سياسية لتكسير الطابوهات السياسية داخل نظام سياسي يقوم على الفساد والاستبداد المسؤولين أولا وأخيرا عن كل العاهات الاجتماعية التي تخشى نفس السلطة الفاسدة والمستبدة في الداخل أن تشوه صورتها في الخارج.  فكلاهما، السلطة والمخرج، يمارسان نفاقهما كل بطريقته الخاصة ولأهدافه الخاصة أيضا.

موقع (هنا صوتك) المغربي في

29.05.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)