هذا الحوار عمره ست سنوات، أجريته مع عمر الشريف فى جناحه
المطلّ على النيل بفندق سميراميس، كان عمر فى حالة بوح وفضفضة، وكعادته لم
يضع أبدا مكسّبات طعم ولون ورائحة على كلماته، وللمفارقة كان عائدا لتوّه
من حفل مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون، واختلط عليه الأمر بسبب كلمة
«القاهرة»، فهو رئيس شرف لمهرجان القاهرة السينمائى، وعندما جاءته الدعوة
لم يدرك لا هو ولا سكرتيرته الكاتبة الراحلة إيناس بكر، أنه ذاهب إلى
مهرجان آخر، الفضائيات نقلت الحفل وعمر يوزّع الجوائز على الفائزين فى
الدراما والمنوعات، وكان يقف بجواره أنس الفقى، ورغم ذلك قال لى «وأنا فى
طريقى إلى الصعود للمسرح » وجدت أن الذى يقف هناك ليس فاروق حسنى كما تعودت
وأنا فى مهرجان السينما، لكنى لم أشأ أن أفسد الليلة، وأكملت السهرة، وأنا
سعيد بسبب مشاركتى بالصدفة فى يوم فرح الفائزين من الفنانين العرب
والمصريين».
نعم كلَّفنى السادات بتمهيد زيارته لتل أبيب
بيجن قال لى: «هنستقبل السادات كأن ربنا بيزورنا»
«عمرى
ما أذيــــت إنسان فى حياتى»
بعد فيلم «لورانس العرب» رجعت مصر واعتقدت أنه لن يشغلنى
أحد
طلبت أن يسبقنى عادل إمــــــــــــــام فى «تتر» فيلم «حسن
ومرقص» لأنه هينبسط
مسلسل «حنين» لم ينجح لأنه ناعم أكثر من اللازم
أحمد زكى نجمى المفضَّل الأول.. ولا أتذكَّر من أفلامى
المصرية القديمة إلا «بداية ونهاية»
أعيش الآن دقيقة بدقيقة.. وأعمل مع الشباب حتى لا أشعر أن
مخى أصبح عجوزًا
عبد الناصر عمره ما أذانى وماكنتش باكرهه.. وأنا كنت
«ناصرى» فى الأول
■
فى البداية سألته ملتقطا الخيط، هل أنت متابع للسينما أو
الدراما العربية؟
-
الحقيقة لا.. أنا عايش بره تقريبا، ثم أنا -بينى وبينك- منذ عشر سنين على
الأقل لا أرى أفلام خلاص، لا بره ولا هنا، ولمّا يطلع فيلم فى التليفزيون
لا أشاهده، أحب مشاهدة الرياضة والأخبار، وفيه حاجة اسمها
«discovery channel»
و«national
geographic»،
أحب الحاجات دى أوى، أشوف إيه إلى بيحصل فيها.
■
كيف لا تتابع الأفلام وأنت أحد أهم الرموز السينمائية عربيا
وعالميا؟
-
بازهق من الأفلام من كتر ما الواحد عارف بيتعملوا إزاى، الآن لا أصدّق
حاجة، أبص أقول آآآآآه أنا عارف همّ عملوا إيه؟ آه ده حط الكاميرا كده، وده
قالوا له امشى كده، وتعالَ من هنا، فبيتهيألى إن أنا لم أعد متفرج عادى.
■
المتعة تناقصت؟
-
المتعة قلت، لكن أحبّ أشوف الأفلام القديمة.
■
سواء أكنت تمثّل فيها أم لا؟
-
آه، خصوصا لو أنا مش فيها، مابحبش أشوف نفسى، بس أنا
باقولها النهاردة لما بتسألنى عن الأفلام، مش فاكر ولا قصة من أى فيلم
عملته، مش فاكر حصل إيه، فاكر «إحنا التلامذة»، فاكر حاجة واحدة إن يوسف
فخر الدين فى الفيلم، غرّر بفتاة وأصبحت حاملا، وقعدنا نشوف شغلانة علشان
نعمل لها إجهاض، مش كده؟
■
مظبوط.
-
ده اللى فاكره من الفيلم مش حاجة تانية خالص، فاكر «بداية ونهاية» لنجيب
محفوظ علشان قصة حلوة.
■
ومَن تحبّ أيضا؟
-
بحب المخرج صلاح أبو سيف، وكل أفلامه بافتكرها مثل «المواطن مصرى» فاكره،
الحاجات اللى عملتها، حتى الفيلم إلى ماكانش حلو، «لوعة الحب» ده برضه
فاكره، علشان بحب صلاح أبو سيف.
■
قلت إنك كنت وما زلت تحبّ هذا الفيلم أقصد «لوعة الحب»؟
-
يعنى.. كان مش بطال، بس مش اللون بتاع «صلاح»، هو حلو فى الفلاحى فى
الحاجات الشعبية، إحنا صحيح كنا بنسوق قطار وكده فى الفيلم، لكنها قصة حب.
■
تقصد ليس هذا هو الجزء الحميم عند أبو سيف؟
-
صلاح عاشق أكثر لأولاد البلد والأرياف، مثل «الزوجة الثانية»، مثلا.
■
حضرتك رأيت فيلم «حسن ومرقص»؟
-
شفته.. عادل إمام جابهولى فى باريس، لأنى لم أره فى دور العرض، لا فى
القاهرة ولا فى باريس.
■
لم تأتِ لكى تشاهده فى الأوبرا المصرية عند عرضه لأول مرة
فى الصيف الماضى؟
-
لم أستطِع المجىء، وأقاموا عرضا فى باريس لم أره، عادل جالى وجاب لى
النسخة، وقال لى تعالَ، عرضوا فى سينما فى باريس واتفرَّجت عليه. يعنى، مش
تحفة يعنى!
■
لماذا لم تأتِ إلى الأوبرا؟
-
أصلى كان عندى شغل، أنا كنت باشتغل فى فيلم هيروح مهرجان كان، عن مرض
«الآلزهايمر» (ملحوظة: عمر كان يقصد الفيلم الفرنسى «نسيت أن أقول لك»،
وأدّى فيه دور رجل مصاب بآلزهايمر، والفيلم لم يعرض فى «كان»، وشاهدته فى
مهرجان أبو ظبى).
■
واحتمال نراه معروض السنة دى فى «كان»؟
-
ليس رسميا، أصل المخرج أول فيلم يعمله شاب، ليس لديه فلوس كتير، حبيت أعمل
حاجة مع شاب، علشان أشوف بيعملوا إيه؟ عندهم إيه أفكار جديدة أنا باخاف
أعجز فى مخى.
■
نعم التجديد مطلوب دائما للفنان حتى يظل شابا؟
-
مش فى جسمى، جسمى هيعجز مش مشكلة، لكن مخى أحب أشوف الصغيرين بيعملوا إيه؟
ده اللى يهمنى، أحس إن مخى لسه شاب.
■
المخرج الجديد يضيف لك جديدا؟
-
بيبقى نفسى أشتغل مع مخرجين صغيرين فى السن مش كبار، علشان الكبار فى السن
بيبقوا فاهمين بعض.
■
وقالوا كل ما لديهم؟
-
وأنا عارف إيه اللى لازم يتعمل بس برأى واحد عجوز، فمش هيجيب لى حاجة يعنى
جديدة، لكن لو شاب آخد منه حاجة جديدة.
■
هيضيف حاجة جديدة لعمر الشريف؟
-
بالتأكيد بحب أقعد معاهم، وأتكلم معاهم يقولوا لى ألفاظ مش عارفها.. اللغة
بتاعتهم مش عارفها خالص، أنا فاكر لما جيت مصر كنت قعدت مدة فى أوروبا بره،
وعدت وكنت باركب أسانسير، واحد شاب ركب معايا، وقال لى «عامل إيه» قلت له
عامل إيه فى إيه؟! قال لى: يا أستاذ عمر عامل إيه؟ قلت: يعنى إيه عامل إيه
فى إيه؟؟ ده إحنا كنا بنقول إزيك.. سعيدة.. إزى الصحة، والله العظيم ماكنتش
سمعت اللفظ ده، مع إنى فى الإنجليزى
«How do you do»
عامل إيه؟
■
قلت ضاحكا، يبدو أننا تأخرنا كل هذه السنوات فى ترجمة
المصطلح الإنجليزي.. فى فيلم «حسن ومرقص» كثير من النقاد وأنا واحد منهم
تعجبنا أن يوضع فى التترات اسم عادل إمام قبل اسمك؟
-
أنا اللى طلبت منهم كده، وصممت وقلت مش هشتغل لو لم يأتِ اسم عادل قبل
اسمى، أنا لا أريد أن يأتى اسمى الأول، أنا كبير فى السن الآن لا يجوز ألعب
دور بطل فى فيلم، لازم يكون دور تانى دور ثانوى دور رجل كبير على قد سنى،
لأن الشبان يذهبون إلى السينما يتفرجوا على ناس من سنهم، وطبعا بيبقى فيه
واحد جد وواحد أبوه وواحد عمه، بس يكون الدور حلو، وبعدين عادل بيشتغل فى
مصر كتير، وعمل أفلام كتير وناجح، أنا راجل باشتغل بره كتير، ونادرا لما
باعمل فيلم فى مصر.
■
لكنك الاسم الأكثر بريقا؟
-
أنا عارف إن هو بيحب اسمه ييجى الأول، عارف إنه هينبسط.. أنا مش هنبسط لو
اسمى جاء قبل اسم عادل، ولا تفرق معايا، لكن هو تفرق معاه، كنت حاسس كده
ماعرفش لو أنا عندى حق.
■
لماذا لم تسأله؟
-
لا أعرفه جيدا.. إنت عارف أنا ماعرفوش كويس؟ عادل.. اتكلمنا عدة مرات
وتعشِّينا مرتين تلاتة، لكن غير كده لأ.
■
شاهدته على المسرح؟
-
ذهبت إلى المسرح مرتين، أنا بحبه فى المسرح أوى.
■
بحكم خبرتك تقرأ مفتاح الشخصية التى تتعامل معها؟
-
كنت عارف شخصيته، تقريبا يعنى، لطيف دمه خفيف، عارف شخصيته ماعرفش ليه؟
علشان شفته كتير، أفلامه شفتها، مش كلها، لكن شفت بعض الأفلام اللى عملها.
■
كيف ترى النجوم الآخرين؟
-
نور الشريف شفت له فيلمين تلاتة وأنا بحبه.
■
وأحمد زكى طبعا؟
-
أحمد زكى كان معبودى.. بحبه أوى.
■
تقدر تعرف شخصية الإنسان من تمثيله وليس من الحوار معه؟
-
يعنى مثلا أحمد زكى الله يرحمه تشوفه بيمثل لو ماتعرفوش خالص وتتعرّف عليه
تلاقى الشخصية موجودة.. الطبيعة الشخصية والدرامية له هو كان عمل أدوار
مختلفة خالص، عمل عبد الناصر والسادات والبيه البواب والسواق والجندى
والحرامى، لكن أنا مثلا عرفته زمان خالص قبل ما يشتهر، وكنت رابط بين شخصية
أحمد زكى وكل الأدوار، مهما كانت مختلفة، لكن ألاقى فيها أحمد.
■
قدرت تحدد شخصيته الحقيقية من خلال أفلامه؟
-
لا، ماعرفش ليه، هو كان مميزا ليس مثل كل النجوم، مختلف ولم يكن يتكلم
كثيرا، مثلا أحاول أكلمه لأننى بحبه، عاوز أقعد أرغى معاه، هو كلمتين ورد
غطاهم، وانتهى الأمر، أشعر أن لديه حاجات جوه مخه، مابيطلعش اللى جوه مخه،
يعنى أنا كان بيتهيأ لى كده.
■
عندما تعمل فى السينما المصرية تعمل بقانونها، وفى السينما
العالمية بقانونها، أم إنه قانونك أنت فى الحالتين؟
-
أنا باعمل اللى بيطلبوه منى تقريبا، بس أنا باحضر وباحتاج إنى أحفظ العمل
الفنى المصرى قبل ما أشتغل، زمان لما كنت باعمل أفلام مصرية هنا كانوا
بيكتبوا المشاهد اللى هصوّرها، الساعة واحدة بعد الظهر ونشتغل الساعة 2،
وييجى مساعد المخرج يحفظنا المشهد ويصوروا المشهد بحاله مرة واحدة، لأن
الممثلين كل واحد عنده ثلاثة أفلام، يروحوا استوديو فلان وبعدين الاستوديو
الثانى، وهكذا، لم يكن فى السينما المصرية أبطال كتير زمان، يعنى كانوا مين
الشباب الأبطال، تلاتة أربعة، رشدى فى الأول كان بيعلب أدوار صغيرة، وبعدين
بقى جان متأخر شوية، وشكرى سرحان وأحمد رمزى.
■
وعماد حمدى؟
-
عماد كان كبير بس كان بيلعب أدوار البطولة والحب مع فاتن، ومحسن سرحان كان
قبلى بشوية.
■
يحيى شاهين كان كبر شوية؟
-
اشتغلت معاه.. عملت دور صغير فى «لا أنام».
■
تقريبا كل نجوم مصر الكبار كانوا موجودين فى «لا أنام»؟
-
لكن كان بقالى مدة لا أعمل.. أفتكر فاتن هى اللى اتوسّطت علشان ياخدونى فى
الفيلم، كنت بامثل دور عمها.
■
تتذكَّر هذا الفيلم؟
-
برضه الله يرحمه صلاح أبو سيف كان هو المخرج.
■
خارج مصر تمثل بالأسلوب العلمى كما تحبه؟
-
خارج مصر باحتاج تحضير أقل، لأن أنا فى مصر أحتاج إتقان اللغة قبل ما أبدأ
أمثّل، لأنى لا أتكلم عربى كتير، لأنى باسافر كتير وباتكلم إنجليزى وكذا
لغة، إيطالى وإسبانى وفرنساوى مليون حاجة، وبقالى مدة عايش بره فلازم الأول
أتمرَّن، أقعد مع الأستاذة إيناس بكر كاتبة السيناريو المعروفة، تحفّظنى
وأنطق مضبوط، وأفكر فى الدور والشخصية، لأنى لا أقدم حياتى أنا، أنا بالعب
دور شيخ لازم أبذل مجهود.
■
مثل الفيلم الفرنسى «مسيو إبراهيم وزهور القرآن» والفيلم
المصرى «المواطن مصرى»؟
-
ده أنا عملت دور مع صلاح أبو سيف دور العمدة فى «المواطن مصرى»، كان كويس
وعملته كويس، لكن لو أخده ممثل زى اللى بحبه محمود مرسى ماكانش تعب فيه،
كان عمله زيى بس من غير ما يتعب.
■
بمجهود أقل؟
-
أنا قعدت أصلح فيه علشان أقول الكلام كده بالضبط، وأقول الشخصية.
■
ده الجزء الخاص باللغة.. الجزء الخاص بفن الأداء؟
-
العمدة الفلاح غير المصرى اللى عاش فى القاهرة.. اللغة مختلفة.. طريقة
كلامه حركاته.. لبس الجلابية نفسه عايز الواحد يتمرن عليه، أنا لا أرتدى
جلابية فى البيت علشان ألبس جلابية وأعيش فى الجلابية، لازم لها شغل تمسكها
إزاى وتقعد إزاى وتقف إزاى.
■
تألف الشىء؟
-
لو عايز تعمل الشغل بإخلاص، لازم الواحد يتعب شوية إحنا محظوظين مابنتعبش
أد الناس اللى بيتعبوا أوى.
■
حضرتك عارف لما قلت إن فلوس الفنانين حرام، أسىء تفسير
العبارة؟
-
الناس زعلت.. مع إن أنا قصدى أقول بناخد فلوس كتير أوى بمجهود أقل، بنشتغل
شهر أو شهرين بناخد أجر مابياخدوش إنسان طول عمره، لما يكون كل اللى كسبه
طول عمره مش أد اللى بياخده فى فيلم، حرام.. وبتعمل إيه؟ ولا حاجة!! بتحفظ
الكلمتين ويصوّروك وتروح، وتخرج وتروح تتعشَّى تتجوز 3 أو 4 مرات ورا بعض.
■
هذه هى الموهبة.. ربنا أنعم على إنسان بموهبة خاصة.. اللى هو الأداء.
-
مش دايما موهبة فيه ناس بالحظ.. والحظ أهم حاجة، يعنى ربنا بيكتب سيناريو
لكل واحد بيتولد، والسيناريو ده كل واحد بيمشى عليه، بيوزع الأدوار، إنت
تطلع فلاح وتتعذب، وبعدين هجيبك عندى أعوضك، كل حاجة متقسمة.
■
وقد يأخذ القليل وهو عايش ويشعر بسعادة؟
-
آه ممكن، ما همّ بينبسطوا هو الفقير عندنا تلاقيه برضه مبتسم، غير الفقرا
اللى فى العالم، أنا بحب الفقرا اللى هنا أوى، باكلمهم أوقفهم فى الشارع
وأسأله أسئلة، إنت ماشى كده ومبسوط ليه؟ ده إنت تلاقيك ميِّت من الجوع!!
وكمان لا يحقد على الأغنياء، يعنى مثلا أبقى باكلمه وتعدّى عربية «مرسيدس»
بمليون دولار، أقوله يعنى إنت كده «مانفسكش فى حاجة كده؟»، يقول ربنا يديهم
ويزيدهم يا بيه، يمكن فى يوم يدينا إحنا كمان حاجة، آدى الفلسفة بتاعته،
يعنى لا يحقد، لكن الفقراء فى الخارج يحقدون على الأغنياء بينهم وبين بعض،
على طول، لكن الفقرا عندنا ولا على بالهم.
■
والفقير الأجنبى ماعندوش القناعة دى؟
-
لأ.. نفسه يبقى غنى.
■
عينه على الآخر؟
-
آه مختلفين.. شوف إحنا زى بتوع «نابولى» فى إيطاليا، أقرب ناس للشعب المصرى
لأنه أيضا فقير وعايش جنب البحر الأبيض المتوسط.. أصل دول البحر الأبيض
مختلفة، أنا بحب كل البلاد اللى بتطل على البحر الأبيض، لكن أبعد عن سكان
البحر أزهق من الناس اللى فى البلاد الباردة، بيبقى دمهم بارد كمان، دول
كمان ربنا أعطاهم الشمس والطقس الحلو والبحر الجميل والأكل والشرب دلوقتى
مابقاش فيه، لكن زمان مصر كانت بتصدّر الأكل، النهارده مع الأسف لم يعد
لدينا ما نصدره.
■
حضرتك بتخطط لحياتك الفنية أم تتركها، سواء على المستوى
العالمى أو المصرى؟
-
أنا لا أخطط حاجة.
■
من زمان أم الآن!
-
أنا بعيش يوم بيوم.. دقيقة بدقيقة، يعنى الكلام ده حصل من حوالى خمس سنين
كده، لما لقيت نفسى عجزت فى السن، فقلت دلوقتى أهم حاجة أنسى الماضى ولا
أفكر فى المستقبل، وأعيش كل دقيقة على الآخر، لأنك ماتعرفش هتخلص أمتى، دى
الحقيقة، الفلسفة المضبوطة لما الواحد يوصل لسن معين، يعيش كل دقيقة 100%
يعمل كل اللى يقدر يعمله، الماضى.. هتقعد تفكر فى الماضى وتقول كنا
وماكناش! وعملنا وماعملناش! أدينا عملنا اللى ربنا كتب لنا إننا نعمله،
والمستقبل مش عارفين لو فيه مستقبل، أنا باعيش على أساس إن بعد خمس دقايق
ممكن أموت بعد الشر، أنا باقول حاجات كده على الأقل فى الخمس دقايق دول
لازم أكون عملت حاجة، فكرت فى حاجة.
■
قبل وصولك إلى هذه المحطة من عمرك، هل كنت تخطط لمستقبل
حياتك؟
-
بص المستقبل للصغيرين لازم يفكروا فى المستقبل.
■
زمان كنت بتفكر فى المستقبل؟
-
آه.. لما كنت فى العشرين، عايز أعمل حاجة، عندى طموح أبقى حد، أبقى إنسان،
واحد فى الدنيا كده معروف، أمى اللى كانت عملانى كده، أمى كانت فظيعة، كانت
تريد أن أصبح عبقريا أو مشهورا فى العالم كله، أول ما دماغى طلعت من بطنها
فكرت فى كده.
■
أرادت أن تصبح مشهورا فى العالم كله وليس فقط على مستوى
مصر؟
-
مافكرتش فى التمثيل، هى لم تكن تحب أن أكون ممثل، لكن أبقى
عبقرى عالمى، وبعدين اللى خلانى كده، أنا كنت باروح مدرسة فرنساوى وأنا
صغير، وبعدين فى سن 11 سنة سمنت!! كل الولاد بياكلوا جاتوه ويشربوا مياه
غازية اللى كلها سكر وحلويات.. فتخنت! أمى غضبت وقالت ابنى وحش بشع! أعمل
به إيه؟
■
رغم إن زمان أعتقد إن كان الطفل السمين مدعاة للفخر؟
-
لا.. هى كانت عايزانى أبقى حاجة حلوة، أجمل راجل فى العالم، فى مخها كده..
جنون الأم، فقالت فين أوحش أكل فى العالم؟ عند الإنجليز أرسلتنى مدرسة
إنجليزى داخلى، والأكل فعلا لا يؤكل، بعد الأكل اللى تعودت عليه فى البيت
اللى كنا بناكله زمان، اللى كان كله بالسمن البلدى، وطبعا تناقص وزنى فى
سنة، ولعبت كورة واتعلمت إنجليزى، لو ماكنتش اتعملت إنجليزى، ماكانوش خدونى
فى «لورانس العرب»، كنت قعدت، كنت يمكن تخنت زيادة وزيادة، وبقيت تاجر
أخشاب زى أبويا، الفكرة الجنونية بتاعتها دى اللى هى أوحش أكل عند
الإنجليز، وبعتتنى عند الإنجليز وهى ماتعرفش كلمة إنجليزى.
■
ليس من أجل اللغة ولكن لإنقاص وزنك؟!
-
آه علشان ماكلش.. قالت فين أوحش أكل، يعنى هى سمعت إنه وحش أوى، فغيرت كل
حياتى.
■
وكان لك دائما خطط، فى مرحلة الشباب؟
-
خطط لا.. عايش يعنى وباعمل المجهود اللى باقدر أعمله، لكن لم أضع خطة.. أنا
كل حاجة تتخطط لى، يعنى كنت مسافر إنجلترا أتعلم التمثيل وقاطع تذكرة
الطيارة، وقعدت فى كازينو «جروبى» فى الجنينة فى شارع «المناخ»، كان اسمه
كده أنا وأحمد رمزى، جاء واحد كده رفيع يبحث عن ممثل، قال أنا عندى فيلم مع
فاتن حمامة أكبر نجمة، بس لازم تعمل تجربة ولازم هى توافق عليك، وكان هذا
الشخص الرفيع هو يوسف شاهين، وعملت «صراع فى الوادى»، ولا طلبت أى حاجة!
خدونى عملت الفيلم واشتغلت.
■
فى هذه اللحظة كنت تفكّر أن تسافر تتعلم تمثيل؟
-
آه كنت مسافر كمان 15 يوما، لو لم أقعد فى «جروبى» ساعتها، فلن أقابل يوسف
شاهين ولا فاتن حمامة بالطبع.
■
والعالمية أيضا جاءت صدفة؟
-
أنا كنت باشتغل هنا ومبسوط ومخلف ولد، ولسه عايز أجيب عيال، ومن أمريكا
جالى منتج «لورانس العرب» قال لى هنصوّر فيلم فى الأردن فيه دور ليك، بس لا
أستطيع أقولك دور إيه، لأنهم كانوا واخدين ممثل تانى، بس المخرج قال لا
ينفع.
■
لم يشاهد لك أى أفلام؟
-
ولا حاجة المخرج عايز ممثل شكله عربى، فقال للمساعد هات لى كل صور الممثلين
العرب فى العالم، جاء له 100 صورة، ففتح الصور كده وطلع صورتى، وقال الولد
ده لو بيتكلم إنجليزى هاتوه هنا، فالمنتج جالى فوجدنى باتكلم إنجليزى، خدنى
هناك عملوا لى اختبار وخدونى! وترشحت لـOscar
وأخدت
golden globe
من غير ما أعمل حاجة ولا أخطط ولا فكرت فى شىء.
■
لم يكن فى ذهنك طبعا أنها خطوة ستعقبها خطوات؟
-
أنا قلت أنا هاعمل دور واحد عربى راكب جمل! وبعد كده هارجع مصر لن يأخذنى
أحد، راجل بشنب أسود وعينين سود وشعر أسود! راكب جمل وسوف ينتهى الأمر!
■
بتعتقد أنه من المهم أن الإنسان ينبغى أن يجتهد ليزيد من
قدراته الخاصة؟
-
باشتغل على نفسى، بس القدر ليه دور كبير، النهارده قعدت فى البيت لو نزلت
أقابل واحد هيقول لى تعال عندى مشروع ليك، لو مانزلتش خلاص.. صدف.. قدر..
وبعض الإصرار.
■
عارف فيلم «مسيو إبراهيم وزهور القرآن» الفيلم الرائع ده؟
-
آه الجزء التانى مش حلو الأولانى لطيف.
■
الفيلم مع الأسف لم يعرض عرضا جماهيريا فى مصر رغم جماله
وأهمية الرسالة التى يحملها؟
-
هى رسالة إنسانية.. طفل أهله راحوا وسافروا، وهو نفسه الشيخ إبراهيم ده
ماعندوش حاجة فى حياته قاعد على البقالة بتاعته وخلاص، ولو لاحظت إنه لا
يتحدث إلى الزبائن، أى زبائن بيدخلوا عنده لم يختر غير الولد ده يكلمه.
■
الرسالة اللى قالها للعالم كله رسالة تصبّ فى صالح الإنسان العربى والمسلم.
-
أنا عملت الفيلم ده علشان يكون فيه رسالة، وعملت «حسن ومرقص» أيضا لنفس
الفكرة أقرب المسلمين والمسيحيين.
■
حضرتك بتقول اقتراحات أحيانا؟
-
لأ، فى الفيلم ده ماقلتش.
■
لكن خارج مصر تقول ملاحظاتك؟
-
لو مخرج من العظماء مابتكلمش، لو واحد عادى أقوله رأى، بس باقوله رأى مش
ضرورى ياخدوه، وأوقات بيعجبه، وأوقات بيطلع مش عاجبه.
■
تجربة التليفزيون هى كانت التجربة الأولى فى رمضان فى مسلسل
«حنين».. فى ذهن حضرتك تكررها؟
-
لن أكررها، أنا عملتها علشان هى جوايا قريبة من قصتى وشخصيتى لراجل عايش
بره، وبيحب مصر وناجح، الفكرة الأساسية كانت كده، وبعدين الأستاذة إيناس
بكر، كتبت السيناريو، لكن المسلسل كان ناعم على الناس، يعنى الناس تريد
أحداثا ساخنة، مثلا كان فيه مسلسل كان فيه اغتصاب فى أول حلقة.
■
قتل واختلاس وزنا المحارم؟
-
كان فيه مسلسل «حمادة عزو» كمان، اللى بيحب أمه ويتجوّز على مراته.
■
فالقضايا الناعمة دى شوية صعبة بالنسبة للمشاهد؟
-
آه.
■
لكن عندما يعرض العمل للمرة الثانية يألفوه أكثر؟
-
لأن رمضان صاخب، بس أنا كنت حابب أعمل مسلسل فى رمضان علشان كنت عايز أعمل
حاجة للشعب، أصلى مابفهمش روح الشعب بالضبط، علشان بقالى مدة باشتغل بره،
وقلت ده هيعجبهم، واحد مصرى بيشتغل بره وبيحب مصر، علشان فيه مصريين كتير
بيروحوا بيشتغلوا فى السعودية، وأكيد بتوحشهم مصر، مهما يحقق فى الخارج من
وجود، ويكسب أموال يظل جواه حلم الرجوع.
■
وبالنسبة إلى المسرح؟
-
المسرح عملت مسرحية فى لندن 15 شهرا فى نفس التياترو.
■
لكن فى مصر؟
-
لا أريد عمل مسرح، مش عايز أرتبط ببلد معين، يعنى لما بتعمل مسرح تقعد 6
أشهر لا أستطيع التحرك لا أستطيع أروح إسكندرية، هناك بره عندى 6 حفلات فى
الأسبوع ويوم إجازة، يوم الأحد 2 ماتينه و4 سواريه، ماقدرتش أتحرّك بره
لندن، قعدت فى لندن سنة و3 شهور من غير ما أتحرك، اتولد حفيدى أول حفيد
ماشفتوش إلا لما كان عنده 5 شهور.. حفيدى الأول اسمه «عمر» كمان.
■
حضرتك تعبر مباشرة عن آرائك السياسية؟
-
باقول، لكن ليست لدى آراء قوية سياسيا.. أنا سمعت أوباما
بيتكلم فى تركيا، آه ده اللى أنا مؤمن بيه الكلام اللي قاله، اتكلم عن
الإسلام كويس أوى.. كانوا يصفقون له الأتراك فى البرلمان، اتكلم عن المحبة
وإننا نحب نشتغل مع بعض، بلاش القتل اللي بيحصل طول الوقت، بقت اللقمة
صعبة، فالناس علشان تاكل لازم تقتل، أنا تركت مصر لما سافرت أعمل «لورانس»
كان التعداد 33 مليونا، القطر المصرى، وكان القاهرة 3 ملايين والإسكندرية
500 ألف، رجعت بعديها بـ10 سنين دلوقتى بقوا 7 ملايين فى الإسكندرية وفى
القاهرة فوق الـ20 مليونا، مابيعرفوش يعدوا الشارع، وأنا أراهنك إن القطر
المصرى فيه أكثر من 100 مليون، هيعدوا إزاى؟
■
ناس ليست لديها بطاقات شخصية؟
-
يروحوا يخبطوا على الأرياف عندك كام عيل، يقول 5 علشان يخزى العين، وهو
عنده 12 خايف ياخدوهم منه ولا يودوهم الجيش، لا أحد يقول الحقيقة.
■
أيام الرئيس السادات كان لك موقف فى ما يتعلق بالسلام ولعبت
دورا؟
-
اللى حصل إن السادات كلمنى، وقال لى أنا عندى فكرة أروح إسرائيل، إنت
بتشتغل مع ناس يهود كتير فى الأفلام اللى بتعملها بره وعايزك تمهد للزيارة.
■
هل كنت تعرف الرئيس السادات قبل ذلك معرفة شخصية؟
-
كانت علاقات ولقاءات عابرة، ذهبت سفارة إسرائيل هناك، وقال لى الرئيس
السادات عايز أطمّن إنهم هيستقبلونى كويس، فذهبت وقابلت السفير، أولا قبل
ما يدخلونى فتّشونى ولا كأنى هفرقع قنبلة، والسفير قال لى فيه إيه؟ قلت له
عايز أكلم «بيجن» فى التليفون، قال لى عايز تكلم بيجن فى التليفون إنت
مجنون ولا إيه؟ قلت له عندى رسالة مهمة أوى، قال لى رسالة إيه؟ قلت له
ماقدرش أقول لك، فجاب لى بيجن على التليفون، فكلمته وقلت له الرئيس أنور
السادات بيقول لو جالكم تل أبيب هتستقبلوه إزاى؟ قال لى هنستقبله كأن ربنا
يزورنا. أنا ماعنديش أرقام السادات ولا عارف هكلمه فين، فبقول للسفير
بالصدفة كده، عندك رقم السادات، فجاب لى أرقام الرئاسة، واتصلت وقلت لمن رد
علىّ أقدر أكلم الريس؟ عندى حاجة لازم أقولها، ونقلت له الكلام بالضبط.
■
هذا يعتبر دورا كبيرا مع أنك لم تلتقه من قبل؟
-
أصل أنا قابلته قبلها مرتين، مرة فى واشنطن كان معزوم على العشا، وأنا كنت
معزوم، كان فيه طابور بيسلم عليه، أنا وصلت راح حضنى «يا ابنى يا حبيبى،
لازم تيجى أنا هخاصمك لو ماجتش»، والطابور واقف ورايا، ومرة تانية كان
كارتر، قال لى بص: الأسبوع الجاى هجوّز ابنى لبنت مش فاكر مين، لو ماجتش
هخاصمك، قلت له أكيد هحضر يا ريس، كانت أول مرة آجى مصر جيت من الطيارة على
فرح ابنه، وأيضا كان فيه طابور وقفت فى الطابور وقفنى ساعة: عايزك تعمل لى
حاجة، عايزك تعمل لى فيلم عن أكتوبر، هساعدك بكل حاجة، الذخيرة والمدافع
والطيارات، قلت له، أنا أصلى لا أفهم وأنا مش مخرج، قال لى جيب مخرج من
بره، قلت له لا دى مسؤولية كبيرة، لو طلع فيلم متواضع هتزعل منى، يعنى مهما
عملت النتيجة مش هتكون فى إيدى.
■
قبل التكليف بموضوع الزيارة؟
-
آه، أنا ناسى التواريخ بصراحة بس أنا جيت 1976 على الفرح.
■
أيام عبد الناصر كان هناك بعض المشكلات؟
-
أنا؟ أبدا.
■
المخابرات كان لها موقف معاكس لك؟
-
أبدا.. عمرهم، كان الراجل ده اتعامل مع كل الممثلين يقصد «صلاح نصر»، قال
نفتن شوية على الفنانين لو حد قال حاجة، وفاتن قالت له إحنا مانقدرش نعمل
حاجة زى كده وأنا سبتها ترد، عبد الناصر عمره ما أذانى ولا كنت باكرهه ولا
حاجة أنا كنت ناصرى فى الأول، لما عمل الثورة وكنت باتخانق مع والدى، ولم
يكن مبسوط لأن والدى كان راجل غنى وله أملاك ومشروعات، والملك فاروق كان
صاحبهم، كان بييجى يلعب كوتشينة مع والدتى فى البيت عندنا، لكن أنا علشان
شاب كان عندى 20 سنة فحبيت الثورة، أنا مواليد 32 والثورة 52، وقلت بقى
الفوضى دى تخلص بقى ونشوف الناس الفقرا هتعمل إيه؟ يعنى زى دلوقتى فيه ناس
أغنيا جدا، والفقرا زادوا، فكنت متحمس فى البداية، وبعد ذلك لما حصلت
الحروب دى لم أكن موافق على الحروب.. الحروب دى ضيعت فلسطين دلوقتى، واللى
قبلها 56 كان العدوان الثلاثى، واللى زعلنى أكتر 67، لأنى كنت فى أمريكا،
سخروا منا، غير أن أنا صعب علىّ لما شفت صور أحذية العساكر اللى جريوا من
الصحرا، أنا عارف إن دول فلاحين مابيعرفش يلبسوا جزمة، وعلشان يعرف يجرى
لازم يقلعها، مسكين وبعدين بيحارب مين، واحد فلاح من الغيط مش عارف حاجة
بيقوله هنضرب إسرائيل يقوله إسرائيل مين؟ هو لم يأت فى الأرض عندى سرق حاجة
خد بهيمة خد حاجة أروح أضرب أبوه! لكن ده عمره ما سمع.. طبعا غلابة وماكنش
عندهم السلاح زى التانيين، فجنون يعنى، ودلوقتى فلسطين أدينا قاعدين،
عايزين نجيب الحتة اللي قبل 67.. كل المشكلة اللى فى العالم على الحتة دى.
■
كنت تعبر عن آرائك أم اكتفيت بالصمت فى أثناء عهد عبد
الناصر؟
-
أنا بس لما كنت بره.. كنت مصاحب على ومصطفى أمين كانوا جيرانى فى مصر، وكنا
بنخرج مع بعض، وعلى كان جارى فى الخارج، وأنا كنت باخرج كمان كنت باشوف
البغدادى كل يوم «يقصد عبد اللطيف البغدادى عضو مجلس قيادة الثورة»، كان
قاعد فى لندن مع بنته وجوز بنته، اتكلمنا كتير وقلنا اللى عايزين نقوله،
واللى مش عايزين نقوله أنا ماعملتش حاجة وحشة فى حياتى.. بينى وبينك يعنى
عمرى ما أذيت حد، عمرى ما أذيت إنسان فى حياتى.
■
حتى مَن أساؤوا إليك؟
-
اللى أذونى ماعنديش صلة بيهم، أوقات أرفض أروح أعمل برنامج علشان المذيع ده
كان أذانى فقط، ولكنى لا أنتقم من أحد.
إذا لم تكن قد شاهدت عمر الشريف فى الحفلات العامة، فأنا
أؤكد لك أنك لو أردت أن تجسّد معنى حب الناس بلا زعيق ولا هتاف ولا نشيد
أجوف، سترى عمر الشريف.. إذا أردت أن تحيل هذا الإحساس اللا مرئى بالحب إلى
واقع وكيان ملموس تتفاعل معه، فإنك أيضا سترى عمر الشريف، كانت هذه هى
مشاعرى ولا تزال تجاه عمر الشريف. |