عمر الشريف.. نهاية «أيامنا الحلوة»
كتبت : فاتن الحديدي
تشبه لعبة البريدج كثيرا حياة النجم الراحل عمر الشريف.. هى
لعبة ذكاء وإصرار.. وميشيل ديمترى جورج شلهوب ورث العناد والإصرار من أمه
اليهودية التى كان لها كلمة مسموعة فى العائلة أخرجته من المدرسة الفرنسية
لأنها كانت تقدم أكلا لذيذا أصابه بالسمنة وألحقته بفيكتوريا كوليدج ليزامل
الملك حسين وصوفيا لورين ويوسف شاهين.
إصرار عمر الشريف وعناده جعله يعلن إسلامه عام 1950 بعد قصة
حب مع فاتن حمامة أثناء تصوير أول أفلامه «صراع فى الوادى» أمام «باشكاتب»
المحكمة الشرعية وينطق بالشهادتين كشرط للزواج كان عمره وقتها 22عاما! ومن
المحكمة إلى منزل فاتن بالزمالك حيث كان المأذون بانتظاره لعقد القران الذى
شهد عليه صلاح أبوسيف، وفطين عبدالوهاب ودفع وقتها مهرا قدره 2000 جنيه.
أهم المهارات التى يجب أن يجيدها لاعب البريدج ما يسمونه
«المزاد»، والمزايدة بدأها عمر الشريف مبكرا بعد أن حاول تحدى والده
والزواج بالفتاه الفرنسية «يان لى مولر» لكن أباه رفض الزيجة لأن الفتاة
بروتستانتية وعائلة عمر الشريف كانت كاثوليكية وكانت الصدمة الأولى
العاطفية فى حياة العاشق دائما عاشها بتفاصيلها فى باريس أحب المدن إلى
قلبه.
أما الرهان الحقيقى حسب قواعد لعبة البريدج فكان على موهبته
وحضوره وكاريزمته من «صراع فى الوادى» 1954 ليصبح نجم شباك حتى تنتهى
مسيرته فى مصر.
فى أوائل الستينيات التقى النجم «عمر الشريف» بالمخرج
العالمى «دايفيد لين» والذى أعجب به جدا وقدمه للجمهور العالمى.
أحاطت الشهرة والنساء بالفنان العالمى عمر الشريف طوال
مسيرته الحافلة لكنهما شكلتا الضدين الأكبر فى حياته.
فقد سلبت قبيلة النساء الجميلات قلبه وعقله فى عام 1964
تخلى عن حب عمره الحقيقى الوحيد وأم ابنه «فاتن حمامة» بعد 14 عاما من
الزواج وبعد قصة الحب العجيبة التى بدأت بقبلة، وأعطته هوليوود بدلا من
جوهرة قلبه لقبا هوليوديا سارق قلوب نساء العالم.
مارس عمر الشريف مهارة «الرهان» فى البريدج على قلوب
النساء.. هؤلاء النساء اللاتى اصطففن فى حياته بينهن الجميلات والقبيحات،
العربيات والغربيات، لكن أغلبهن أحبهن فقط بين المشهد الأول والأخير فى
العمل الذى يجمعها.
فى أحد اللقاءات الصحفية صرح عمر الشريف: «لا أنكر أننى
وقعت فى غرام نجمات أفلامى لبعض الوقت مثل «آفا جاردنر»، «نانجريد برجمان»،
«باربرا سترايسند» و«أنوك إيمييه» لكنه كان مجرد إعجاب لم يتحول إلى حب
صادق وحقيقى».
وبمهارة البريدج الثالثة التى يجب أن يمتلكها اللاعب
المتمكن «الدفاع»، وجد عمر الشريف الشجاعة بالاعتراف بابنه غير الشرعى أمام
إيناس الدغيدى فى برنامج الجريئة من امرأة يهودية إيطالية أحبته وتمنت ابنا
منه وقابله فى عمر الـ15 عاما ولم يطلب هذا الابن منه شيئا أبدا.
لم يمارس عمر الشريف مهارة «الدفاع»، أما شائعة زواجه بـ«سهير رمزى» فقد
أكدها عدد من المقربين
∎
«لورانس
العرب»
تعرف الملايين على عمر الشريف وهو يتقدم نحوهم خطوة خطوة
ببطء شديد من بعيد من عمق البادية فى «لورانس العرب»، إخراج دايفيد لين،
رجل عربى متشح بالسواد على ظهر جمل يقطع الصحراء تحت شمس قوية ويقترب فى
اتجاه الكاميرا، ثم يقول وهو ينظر إلى جثة شخص ملقى على الأرض: «لقد مات».
كان عمر الشريف محظوظا فعلا مثل حظه فى لعبة البريدج التى
صاحبته عمرا.. حتى أحال الزهايمر بينه وبينها، وبينه وبين كل شىء كأنه عاد
إلى الأفق البعيد فى عمل الصحراء بعد نصف قرن من الصعود والهبوط من
الانكسارات والأحلام والنهايات المحزنة.
قدم على الشاشة الذهبية بعد لورانس العرب، «سقوط
الإمبراطورية الرومانية» عام 1964 ثم تلاها فيلم
CERAUNAVOLTA
عام 1967 مع الإيطالية صوفيا لورين التى وصفها عمر الشريف
بـ «صاحبة أجمل عينين»، والحقيقة أنه كان مفتونا بالعيون الساحرة فقد دفعه
جمال عيون السويدية انجريد برجمان إلى الإعجاب بها وقد بادلته هى الأخرى
الإعجاب وكثيرا ما صرحت بأنها تعشق النجم المصرى ومن أبرز أفلامها «الرولز
رويس الصفراء» عام 1964 كما ربطت الشائعات بـ«آفا جاردنر» وصورا سويا عدداً
من الأفلام الشهيرة أهمها فيلم «مايرلنج» عام .1968
ورغم كل مهاراته فى المراوغة ومهارة لعب دور العاشق إلا أن
المرأة الوحيدة التى اقترب من الزواج منها هى الممثلة الفرنسية «أنوك إيميه».
فى أحد الحوارات التليفزيونية قال: «منحنى فيلم الموعد فرصة
مقابلة من اعتبرها أغرب امرأة قابلتها فى حياتى»، «أنوك إيميه»، كانت فتاة
رائعة الجمال تعرف كيف ترضى الرجل الذى تحبه، أردت فعلا أن أتزوجها لكننى
رغبت فى الاحتفاظ بعزوبيتى كانت أقوى وكنت على حق!!
وقيل إن غراما صامتا جمعه و«بابرا سترايسند» أثناء تصوير
فيلم «فتاة مرحة»، لكن القصة انتهت مع انتهاء المشهد الأخير من الفيلم.
لم يكن الحزن الكبير الذى رأيناه مع إعلان وفاة عمر الشريف
فى الجرائد والمجلات الأجنبية وكثير من النجوم العالميين، على رأسهم
«أنطونيو بانديراس» وغيره الكثيرون وليد لحظة فمنذ ظهور النجم العالمى على
الساحة العالمية وأطلقوا عليه الكثير من الألقاب منها «الكوزموبوليتانى»،
«رجل الحب الوحيد»، «صاحب الكاريزما الأسمر».
لا يمكن الحديث عن عمر الشريف من دون ذكر «دكتور زيفاجو»،
,1965 وأغنيته الشهيرة «لارا» «لموريس جار» ثم نظرة عينيه الغارقة فى
الدموع والرومانسية وسط أجواء الحروب والدمار والخراب المحيط والذى نال عن
دوره جائزة الجولدن جلوب لافضل ممثل دور رئيسى.
∎دوران
اللعب
كدوران اللعب فى البريدج كرت سبحة من الأفلام التى قدمت عمر
الشريف كنجم عالمى «فتاة مرحة»، «مايرلينج»، ليلة الجنرالات، الموعد، وصولا
إلى أفلام أقل وهجا مثل السيد إبراهيم وزهور القرآن، روك القصبة
للمغربية ليلى المراكشى وقام فيه بدور ميت!
حتى أطل علينا بفيلمى المسافر 2008 والذى شارك فيه فى
مهرجان البندقية وتم تكريمه فى هذا العام بمناسبة مرور 50 عاما على
انطلاقاته كعدد أوراق الكوتشينة 52ورقة وحسن ومرقص 2008مع عادل إمام.
فى لعبة البريدج تصنف الألوان والأشكال حسب القوة ، وفى
أفلام عمر الشريف يصعب إيجاد خط واضح يربط هذه الأفلام ببعضها.. فى حواره
لمجلة بارى ماتش قبل أكثر من 10 سنوات سئل إن كان نادما على بعض خياراته فى
الأفلام أجاب «لقد كرهت معظم الأفلام التى قدمتها لكننى لست نادما سواء فى
مهنتى أو حياتى»
∎
السياسة
!
لم يكن عمر الشريف مهتما بالسياسة.. لكنه أعلن صراحة أنه
يكره الأنظمة الشمولية والظلم.
فى سنواته الأخيرة صارت حياته أشبه بمباراة بريدج قاربت على الانتهاء عاش
غريبا مغتربا لا منتميا إلى مكان، يراهن بكل شىء وعلى كل شىء خاصة سباقات
الخيول يقامر ينفق ببذخ وخسارة أموالا طائلة كان يخاف من الألم ومن العوز..
كما شاءت الأقدار أن يموت النجم العالمى قبل أن يشاهد آخر
أعماله السينمائية التى شارك فيها وهو فيلم قصير بعنوان «ألف اختراع
واختراع وعالم ابن الهيثم» والذى يتم إطلاقه نهاية العام الجارى والذى لعب
فيه عمرالشريف دور الراوى الذى يقدم حكاية العالم العربى ونظرياته المتعلقة
بالضوء نظرا لدراسته الفيزياء قبل دخوله التمثيل وهو ما لا يعرفه الكثيرون
من عشاقه عنه.
وتنتهى الرحلة ولعب البريدج وخط العمر.. تردد كلماته «أرغمت أن أعيش حياتى
كلها وحيدا أنا الممثل الذى لا يمتلك جنسية لمهنته أنا مصرى لا أمثل أفلاما
مصرية ألعب دوما دور الغريب أنا غربى الثقافة جدا وشرقى المزاج جدا.. لا
مرفأ لى ولا مرساة لسفينة حياتى».∎ |