لماذا يتعامل مع صديقه الراحل وكأنه أثر فرعونى يملك
أسراره؟
زاهي حواس.. المتحدث غير النزيه باسم عمر الشريف
عصام زكريا
للسن أحكام، وللصداقة أحكام، وللطبع أحكام قد يفاقم منها
التقدم فى السن، وقد تتعارض مع أحكام الصداقة. وزاهى حواس رجل شريف، كما
قال مارك أنطونيو عن بروتوس فى مسرحية ويليام شكسبير. لكن بروتوس طعن صديقه
يوليوس قيصر مع زمرة المتآمرين ضده، وهى الطعنة التى أثارت فزع ويأس يوليوس
قيصر أكثر من كل الطعنات الأخرى، فقال قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة جملته
الشهيرة: «حتى أنت يا بروتوس؟!».
رحل عمر الشريف عن عالمنا بعد أن تجاوز الثمانين بثلاثة
أعوام، ولكنه فى السنوات الأخيرة أصيب بداء الزهايمر اللعين، فراحت ذاكرته
تضمحل بالتدريج حتى نسى اسمه فى أيامه الأخيرة.. للشيخوخة أحكام.
أما زاهى حواس الذى يقترب من السبعين الآن، فهو يحتفظ،
والحمد لله بذاكرته بحالة جيدة، ولكنه يعتقد أيضا أنه يملك ذاكرة عمر
الشريف، فقد نصب نفسه حارسًا وحافظًا على هذه الذاكرة، كما لو كانت أحد
المومياوات أو الآثار الفرعونية التى يتحدث باسمها، بما أنه تولى منصب وزير
هيئة الآثار.
يعشق زاهى حواس مصر الفرعونية، كما يعشق عمر الشريف، ومن
كثرة حبه فى مصر يكره زاهى حواس أن يسمع أى كلمة مسيئة عن المصريين
القدماء، فهو أحيانا يغالط العلم والتاريخ والحقائق المعروفة، وقد سمعته
ذات مرة ينكر أن ملوك الفراعنة كانوا يتزوجون من أخواتهم، ومرة أنكر أن
الأسطورة الفرعونية تقول أن إيزيس عثرت على كل أجزاء جسد زوجها الممزق
أوزيريس، فيما عدا عضوه التناسلي، والأسطورة تفسر بذلك سبب اعتبار أوزيريس
إلها للخصوبة، ولكن زاهى حواس لا يرضيه أن يكون أوزيريس بدون عضو تناسلي،
ولذلك هاجم ورفض فيلمًا وثائقيًا أجنبيًا لأنه قال هذه المعلومة «المسيئة».
وبالمنطق نفسه أحب زاهى حواس عمر الشريف، وأراد أن يستأثر
به ، كما يستأثر لنفسه الحديث عن المصريين القدماء والبحث عن آثارهم.
كان زاهى حواس صديقًا لعمر الشريف، والصداقة تتطلب منه أن
يحافظ على أسرار الصديق، ولكنها تتطلب منه أيضًا أن يقول الصدق، وأن يحافظ
على قيم ومبادئ الصديق.
لم يخجل الفراعنة من الحديث عن أشياء كثيرة فى حياتهم، على
عكس أحفادهم، أو أحفاد الشعوب التى احتلت مصر، والذين يتخذون من الكذب مبدأ
وهواية.
ولم يخجل عمر الشريف طوال حياته من الحديث عن أى شيء فى
حياته، ومن يقرأ حواراته الصحفية أو مذكراته التى صدرت بالفرنسية وعدة لغات
فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى تحت عنوان «الذكر الخالد»، فسوف يدهش
كثيرًا من قدر الصراحة الفائقة التى يتكلم بها عن كل شيء.
على العكس فإن زاهى حواس يخجل من أشياء كثيرة، ولكن بدلًا
من أن يقول «لا أعرف»، أو يمتنع عن التعليق، فهو يندفع بالإجابة محرفًا كل
الوقائع، حتى التى اعترف بها عمر الشريف بلسانه ورضاه بدل المرة مرات.
كان عمر الشريف فى الأطوار الأخيرة من مرضه، وأسرته الصغيرة
تتكتم أخباره حتى لا تصل إلى الصحف، فهى فى النهاية عائلة متكتمة تكره
الإعلام لأسباب لا مجال للحديث عنها الآن، وقد نجح طارق، الابن الأكبر لعمر
الشريف، فى أخذ أبيه إلى فرنسا، ثم الغردقة ثم إيداعه فى مصحة «بيهمان» فى
حى حلوان بالقاهرة، بدون أن يعلم أحد. ولكن زاهى حواس سرب الأخبار إلى إحدى
الصحف الأسبوعية، وقامت الدنيا حول مدى أخلاقية نشر هذه الأخبار. وبغض
النظر عن رأينا فى أن من حق الإعلام والناس أن تعرف أى خبر يخص الشخصيات،
إلا أن ما حدث هنا هو تجاوز السيد زاهى حواس لحق المريض وأسرته فى نشر
الخبر.
وكأن هذا التجاوز لا يكفي، فقد خرج زاهى حواس مرة أخرى
بصوته هذه المرة، ليتحدث إلى واحدة من الإعلاميات المعروفات فى برنامجها
اليومي، كاشفًا عن أن حالة صديقه عمر الشريف متدهورة للغاية، وأنه اتصل به
فى إبريل الماضى ليهنئه بعيد ميلاده فلم يتعرف عليه عمر الشريف.
سوف تلاحظ أنه فى كل مرة تقريبًا يتحدث فيها زاهى حواس عن
عمر الشريف لا بد أن يتحدث عن نفسه «فى السكة». هذا هو طبع زاهى حواس ولا
حيلة له فى طبعه، وكلما تقدم فى السن تمكن منه الطبع أكثر.
لم تكن جثة عمر الشريف قد بردت بعد، مساء يوم الجمعة ١٠
يوليو الحالي، عندما خرج زاهى حواس على الفضائيات المصرية والعربية
والأجنبية ليتحدث عن علاقته الوطيدة بعمر الشريف.
فى تصريحات لشبكة أخبار «إن بى سي» الأمريكية يوم وفاة عمر
الشريف، قال زاهى حواس عن مرض عمر الشريف الأخير: « منذ حوالى عام عندما
أتى من باريس، كنا نخرج معًا يوميًا، وكان يتوقف أحيانًا ليسألني: هناك رجل
فى مصر أريد أن أراه بشدة. أنا أحبه جدًا، وكنت أسأله: من هو هذا الرجل؟ هل
هو زاهى حواس. فكان يجيبني: نعم هو».
بغض النظر عن أسلوب زاهى حواس المضحك فى التباهى بعلاقته
بعمر الشريف، وإصراره فى كل مناسبة على ترديد عبارة قالها عمر الشريف
كمجاملة لصديقه مفادها أن «زاهى حواس هو المصرى الوحيد الذى يفوقنى شهرة
عالميًا!».
بغض النظر عن أنها عبارة مضحكة أيضًا، فإن أحدًا لا يستطيع
أن يشكك فى أن زاهى حواس كان بالفعل صديقًا مقربًا من النجم الراحل فى
سنواته الأخيرة، والوحيد بعد ابنه طارق الذى اقترب منه فى مرضه الأخير.
تعود صداقة زاهى حواس وعمر الشريف إلى نهاية السبعينيات،
عندما قام عمر الشريف بالظهور فى فيلم وثائقى عن أسرار الفراعنة، من إعداد
زاهى حواس. ولكن علاقتهما لم تتحول إلى صداقة فعلية إلا منذ حوالى عشر
سنوات، عندما كان زاهى حواس يشغل منصب الأمين العام للآثار فى عهد وزير
الثقافة فاروق حسني، وكان عمر الشريف يتطوع بالدعاية لهذه الآثار فى مصر
وخارجها، ومستقر فى القاهرة بشكل شبه دائم، خاصة بعد أن شارك فى بطولة فيلم
«المسافر» من إنتاج وزارة الثقافة.
كان زاهى حواس يرافق عمر الشريف فى تحركاته، ويتناول العشاء
معه مرة أو اثنتين أسبوعيًا، وقد شاهدتهما معًا عدة مرات فى افتتاح بعض
معارض الفن التشكيلي، ومنها آخر معرض لفاروق حسنى شخصيًا.
كان زاهى حواس يحب عمر الشريف بالطبع، على الرغم من أنهما
كانا يتشاجران كثيرًا سويًا، حسب ما يعترف حواس نفسه، وقد كتب زاهى مقالًا
مؤثرًا فى صحيفة «المصرى اليوم» عن صداقته بعمر الشريف، ولكن ليته اكتفى
بذلك، أو بالقليل مثله.
غير المقبول هو فيضان التصريحات التى راح يدلى بها حواس حول
تفاصيل مرض عمر الشريف... وأشياء أخرى لا يملك حواس معلومات حولها ولا يجب
أن يتكلم فيها.
واحد من المذيعين أوقعه فى الفخ عندما سأله عن ديانة عمر
الشريف، وبدلًا من أن يكتفى بجملة واحدة راح زاهى حواس يتحدث عن إسلام عمر
الشريف منذ زواجه بفاتن حمامة، وكيف أنه أسلم عن اقتناع وإيمان وإخلاص.
إحدى الصحف صنعت فخًا أكبر لزاهى حواس وأجرت معه حوارًا نشر
على يومين راح يتحدث فيه عن عمر الشريف وكأنه أمه التى ولدته. أعتقد أن أم
عمر الشريف نفسها لم تكن لتعطى نفسها الحق فى الحديث عنه بهذه الثقة.
فى هذا الحوار يؤكد زاهى حواس مثلًا أن عمر الشريف «عمره ما
كذب فى حياته» وأنه بعدما تزوج عمر من فاتن حمامة لم يعش فى حياته قصة حب
مع أى امرأة أخرى، وممكن يكون عمل علاقات عابرة مع أنجريد برجمان، أو
باربرا سترايسند، وصوفيا لورين، وكولوديا كاردينالى، وكثير من النجمات
العالميات اللائى شاركنه أفلامه أو التقى معهن فى وقت من الأوقات، ولكنها
لم تتجاوز علاقة اليوم الواحد».
لا أعلم من أين أتى زاهى حواس بهذا الكلام، ولو أنه قرأ
المذكرات التى قالها عمر الشريف بنفسه سوف يعرف أن هذه العلاقات لم تكن
مجرد يوم واحد.
يمضى زاهى حواس ليؤكد أيضًا أن عمر الشريف لم يخن فاتن
حمامة أبدًا وأنه طلقها خوفا من أن يجرحها إذا خانها.
مرة أخرى هذا الكلام غير صحيح بالمرة. عمر الشريف طلق فاتن
حمامة عندما قررت الزواج بالدكتور محمد عبد الوهاب فى نهاية السبعينيات،
وطوال هذه السنوات، منذ زواجهما عام ١٩٥٥، كان عمر الشريف يدخل فى علاقات
مع نساء أخريات من كل نوع ولون، بعضها عابر وبعضها دام شهورًا وسنوات، وهو
لم ينف ذلك مطلقًا.
الطريف أن زاهى حواس يضع على لسان باربرا سترايسند وأنطونيو
بانديراس كلامًا قالاه عقب موت عمر الشريف لا علاقة له بالتويتات الأصلية
التى كتبها الاثنان، والصحيفة نشرت كلام حواس دون أن تعود للأصل.
يقول زاهى حواس:
«باربرا
سترايسند كتبت تقول إن عمر الشريف بالنسبة لها عملاق فى السينما، وأنها قضت
معه أجمل أيام حياتها، وكتب أنطونيو بانديراس عن صداقته بعمر الشريف
الممثل، وقال لم أر أحدًا يندمج فى الدور وينسى من حوله مثل عمر الشريف».
نص كلام باربرا سترايسند هو: «عمر الشريف كان أول بطل أمامى
فى السينما. لقد كان وسيمًا، أنيقًا، وساحرًا».
أما نص كلام أنطونيو بانديراس فهو: « رحل صديقى عمر الشريف.
سوف أتذكره دائمًا. لقد كان واحدًا من أفضل البشر».
ربما تعتقد أن النص غير مهم، وأن المعنى واحد، ولكن هذا غير
صحيح. من يكون غير دقيق فى تصريحات سمعها منذ ساعات أو أيام، كيف يكون
دقيقًا فى نقل كلام سمعه منذ سنوات؟
حول زواج عمر الشريف وفاتن حمامة مثلًا، تسأل الصحيفة،
وكأنها لا تعرف، ويجيب زاهى حواس، وكأنه يعرف، فيقول:
«حسبما
روى لى ( يقصد عمر الشريف) فإن قرار الزاوج جاء بعد انتهائهما من تصوير
فيلم «صراع فى الوادى»، حيث شهدت فترة تصوير الفيلم فى الأقصر انطلاق قصة
حبهما، وفى إحدى المرات، وهما يستقلان الحنطور فى طريق العودة من موقع
التصوير اتفقا على الزواج، وبالفعل تزوجا بعد الفيلم».
الكل يعلم أن هذا الكلام غير صحيح، وأن علاقة فاتن وعمر
بدأت على استحياء شديد جدا أثناء «صراع فى الوادي»، ولكنها توطدت خلال
«أيامنا الحلوة» و«صراع فى الميناء»، ولم يتزوج الاثنان إلا بعد مرور شهور
طويلة على طلاقها من عز الدين ذو الفقار، أى بعد «صراع فى الوادي» بحوالى
عامين.
ينفى زاهى حواس شائعة أن عمر الشريف يهودي، وهى الشائعة
التى أطلقها البعض وصدقها الكثيرون عقب مشاركة عمر الشريف لليهودية باربرا
سترايسند لبطولة فيلم «فتاة مرحة»، ولكن زاهى حواس يضيف من عنده كالعادة:
«هناك
من يحب الإثارة، ومن يكتب أنه يهودى، وهو لم يكن كذلك، عائلته كانت مسيحية
من طنطا وعاشوا بالإسكندرية، ربما يكون فى البداية أسلم ليتزوج فاتن حمامة،
لكننى أعتقد أن سبب ارتباطه بالإسلام وعدم العودة إلى المسيحية أنه عندما
عاش مع فاتن أحب الإسلام».
يوحى زاهى حواس للمستمع بأن أسرة عمر الشريف مسيحية مصرية
من طنطا، وهذا ليس صحيحًا بالمرة. أبوه ديمترى شلهوب لبناني، وأمه سورية.
أما أسباب عدم عودة عمر الشريف للمسيحية أو ارتباطه بالإسلام، فقد تكون
صحيحة، ولكنها مجرد اجتهادات من الصديق زاهى حواس، تجمل صورة صديقه كما
يتصور.
حول سؤال عن علاقة عمر الشريف بالمخابرات يروى زاهى حواس
حكاية طويلة على لسان عمر الشريف ومحاولة تجنيده للتجسس على إحدى الفتيات
العربيات فى أوروبا خلال إقامته هناك، ثم يقول فى نهايتها «وعمر الشريف لم
يكن يتجاوز الثانية والعشرين من العمر فى ذلك الوقت» والجملة الأخيرة
تجعلنا نشك فى الحكاية كلها، لأن عمر الشريف سافر للعمل فى «لورانس العرب»
وعمره ثلاثون عامًا.
كذلك يروى حواس، وأيضا على لسان عمر الشريف، أن صلاح نصر
رئيس جهاز المخابرات فى عهد عبد الناصر قام بزيارة فاتن وعمر فى منزلهما
وطلب منهما التجسس على زملائهما، وأن فاتن أخبرته أنها لا يمكن أن تفعل ذلك.
القصة، حسب رواية فاتن حمامة نفسها، لم تحدث هكذا. من زار
فاتن وعمر ضابط صغير بالمخابرات صديق لشقيق فاتن الضابط بالشرطة، ولم يطلب
منها التجسس بشكل مباشر، لكنه حدثها عن خدمة الوطن ثم أهداها بعض الكتب فى
الجاسوسية لتقرأها، وهى فهمت المطلوب، وتهربت منهم بنعومة.
مرة أخرى بغض النظر عن أى من القصتين أكثر صدقًا، المشكلة
أن زاهى حواس يقدم نفسه كمتحدث باسم الراحل، وبإحساس الصديق المقرب الذى
يعرف الأسرار وحده، وهو ما يجعل البعض، حتى الصحفيين، يصدقون كل كلمة
يقولها، فتصبح واقعًا وتاريخًا... مع أن الكثير منها أضغاث أحلام! |