أعاد جمال الغيطانى فى يومياته فى «الأخبار»، عدد الأربعاء
الماضى على نصف صفحة، نشر مقال للكاتب اللبنانى أسعد أبوخليل، نشره فى
جريدة «الأخبار» اللبنانية عن عمر الشريف (1932-2015).
المقال عن مواقف عمر الشريف السياسية، وخلاصته أن الفنان
باع مصريته وعروبته وإسلامه من أجل أن يصبح «عالمياً»، ابتداء من عنوان
المقال «أومار شاريف»، وكأنه شخصية أجنبية. ودلائل الكاتب على ذلك أنه
اشترك فى تمثيل فيلم «لورانس العرب» إخراج دافيد لين، وفى رأى الكاتب أنه
«يضع العرب فى الخلفية»، ويعتبر «إهانة للتاريخ وللعرب على حد سواء».
واشترك فى تمثيل فيلم «دكتور زيفاجو» إخراج دافيد لين المعادى للاتحاد
السوفيتى والشيوعية. وفى تمثيل فيلم «فتاة مرحة» إخراج وليم وايلر مع
الممثلة الأمريكية اليهودية باربرا سترايسند، وهى مؤيدة لإسرائيل. وفى
تمثيل فيلم «تشى» إخراج ريتشارد فليشر عن حياة جيفارا الذى مولته المخابرات
الأمريكية لكى تتبرأ من قتله. وحتى فيلم «السيد إبراهيم وزهور القرآن»
إخراج فرنسوا ديبرون، والذى يعبر عن تسامح الإسلام مع اليهود، يراه الكاتب
عن تسامح الصوفيين فقط، وذلك «لأن غيرهم ليسوا لائقين» - على حد تعبيره.
■ التصريحات والتصرفات
ويرى الكاتب أن تصريحات عمر الشريف السياسية تتكامل مع
أفلامه، وهى أنه يحمّل عبدالناصر المسؤولية عن إشعال حرب يونيو 1967، ويرى
اليهود يسيطرون على السينما الأمريكية، وأن العرب قبليون ولا تلائمهم
الديمقراطية. ويرى الكاتب أن الأفلام والتصريحات تتكامل مع تصرفاته فى
حياته الخاصة التى تؤكد أنه «لم يكن يتعاطف مع الشعوب المقهورة حول
العالم»، والدليل على ذلك ضرب عامل مكسيكى فقير فى بيفرلى هيلز، ووصفه إياه
بأنه «مكسيكى مغفل»، وصفع معجبة مصرية ضايقته.
لقد اعترف عمر الشريف بأنه كان يلعب القمار ويشرب الخمر،
وكان يثور ويتحول إلى شخص آخر عندما يفرط فى الشراب، ولهذا اشتبك مع العامل
المكسيكى فى مرآب للسيارات، كما اشتبك مع شرطى فرنسى فى باريس فى واقعة
أخرى. وهذه التصرفات بالطبع سيئة ولا يمكن تبريرها، ولكنها لا تعنى أنه لا
يتعاطف مع الشعوب المقهورة حول العالم!.
وما هى المشكلة فى أن يرى عمر الشريف أن العرب قبليون ولا
تلائمهم الديمقراطية. إنه مجرد رأى قابل للنقاش، ولا ينفرد به. وكذلك قوله
إن عبدالناصر هو المسؤول عن حرب يونيو. أما القول بأن المؤثرين فى صناعة
السينما العالمية أغلبهم من اليهود، فهذه حقيقة معروفة قالها أيضاً مارلون
براندو وآخرون، وصدرت عنها عدة كتب، ولا تعنى الإعجاب بهذه السيطرة، أو
التسليم بها، إن لم تكن تعنى عدم قبولها.
■ ليبرالى يؤمن بالسلام
الكاتب يفترض أن عمر الشريف يعمل بالسياسة وكأنه عضو فى حزب
سياسى، وأنه إن لم يكن من القوميين العرب، ومن الذين يؤمنون بالكفاح
المسلح، فهو شيطان رجيم. والواقع أن عمر الشريف كان ليبرالياً ويؤمن
بالسلام، وممثلا يسعده قبل كل شىء العمل مع مخرجين كبار يعرفون كيف يختارون
الممثل المناسب للدور المناسب. وهو لم يمثل فى السينما العالمية شخصيات
عربية فقط، وإنما شخصيات تنتمى إلى أكثر من عشر جنسيات وأعراق.
لماذا يطلب من عمر الشريف رفض التمثيل فى «لورانس العرب»؟
لأنه يضع العرب فى الخلفية، وما معنى الخلفية هنا؟، وألم يصور الفيلم فى
الأردن، وتحت رعاية القصر الملكى؟ لماذا يُطلب من عمر الشريف أن يرفض
التمثيل فى «دكتور زيفاجو» لأنه ضد الاتحاد السوفيتى والشيوعية، وكأنه كان
شيوعياً، وباع نفسه للمعادين لها؟ لماذا يُطلب من عمر الشريف رفض التمثيل
مع من يؤيدون إسرائيل، وهل قبوله يعنى أنه يؤيد إسرائيل مثلهم؟ لقد مثل
شخصية مقامر أمريكى فى فيلم «فتاة مرحة»، ومثل نفس الدور بعد ذلك فى فيلم
«سيدة مرحة» إخراج هربرت روس، فما علاقة هذه الشخصية بالسياسة أصلاً؟
وقد قال عمر الشريف إنه لم يكن يعرف دور المخابرات
الأمريكية فى إنتاج فيلم «جيفارا»، فلماذا لا نصدقه، وما الذى يدعوه إلى
الكذب، وأليس وقوعه فى هذا الفخ دليلا على أنه ليس ذلك السياسى الضليع الذى
يفترضه كاتب المقال؟ لقد تم وضع عمر الشريف فى قائمة المقاطعة العربية عام
1980 لتأييده المعاهدة المصرية الإسرائيلية التى وقعت عام 1979، مثله فى
ذلك مثل نجيب محفوظ، ولم يكن السبب أفلام عمر الشريف أو أدب نجيب محفوظ.
■ البيع والشراء
لم يبع عمر الشريف مصريته أو عروبته أو إسلامه، ولم يبع أى
شىء. ولم يكن الغرب يريد أن يشترى منه سوى موهبته. وقد كان فى إمكانه أن
يبيع لو أراد، ولكنه رفض بملء إرادته، ولم يغير جواز سفره المصرى. وكان
يريد العودة إلى مصر والتمثيل فى أفلام مصرية وعربية، وكان له ما أراد،
وكان آخر أفلامه فيلما مغربيا. وكانت سعادته الكبرى أن يلبى دعوات
المهرجانات العربية من مراكش إلى دبى والدوحة. وكان يدعو الله أن يموت فى
مصر ويدفن فى ثراها، وتوافق دعاؤه مع إرادة الله. وبعد موته قالت باربرا
سترايسند على صفحتها فى «فيس بوك» إن عمر الشريف كان «فخوراً بمصريته». فهل
كانت تكذب، ولماذا تكذب؟
ويقول الكاتب إن «العالمية» لم تكن هاجس عمر الشريف وهو
يعمل فى مصر، وهذا ليس صحيحاً. فقد مثل دور جحا فى فيلم فرنسى صور فى تونى
عام 1957 قبل خمس سنوات من تصوير «لورانس العرب». وذلك فضلاً عن أن هذا
الهاجس ليس عاراً ولا مسبة، فكل فنان فى العالم، سواء فى الشرق أو فى
الغرب، فى القاهرة أو هوليوود، يسعى لأن يكون معروفاً فى كل العالم. ويقول
الكاتب إن «نيويورك تايمز» وصفت نجومية عمر الشريف بأنها كانت «وجيزة».
وهذا ليس صحيحاً، لأنه عاش ومات نجماً مرموقاً، وكان مثل أغلب الفنانين يمر
بفترات صعود وهبوط. ثم أليس من الممكن أن نقول إنها حتى لو كانت «وجيزة»،
فإن السبب فى ذلك رفضه التمثيل فى أفلام معادية للعرب، ورفضه زيارة
إسرائيل؟!
ليس هناك ما يثبت أن هذا أو ذاك «باع» إلا عندما يعرض عليه
الشراء، فيرفض أن يقبل. الشعارات والكلام فى حاجة إلى محك للإثبات. وقد
تلقى عمر الشريف أكثر من دعوة من مهرجانات فى إسرائيل، ورفض، ولم يقبل أن
يصور فيها أى فيلم طوال حياته، وكان من شأن ذلك أن يفتح له أبواباً كثيرة.
قل ما هو الفيلم المعادى للعرب الذى اشترك فى تمثيله عمر الشريف أو اصمت.
قل متى ذهب إلى إسرائيل، أو صور فيها فيلماً، أو اصمت.
لماذا يتجاهل الكاتب باقة الورد الأبيض التى أرسلها الرئيس
الفلسطينى محمود عباس لتوضع على قبر عمر الشريف، وكانت الوحيدة من ملك أو
رئيس عربى.. أم أن محمود عباس لا يتعاطف مع الشعوب المقهورة حول العالم؟!.
ويقول الكاتب إن حياة عمر الشريف الخاصة لا تعنيه، فلماذا يشير إلى واقعة
عامل السيارات المكسيكى، ويبنى عليها حكمه الغليظ الذى يجعل عمر الشريف
مجرداً حتى من المشاعر الإنسانية البسيطة.
يفيض المقال بالكراهية، وبجهد كبير، من أجل شيطنة عمر
الشريف. وليس مطلوباً من كاتبه أن يحب عمر الشريف أو يحترم أفلامه. يكفى
عمر الشريف حب جمهوره الكبير، واحترام نقاد السينما لأغلب أفلامه، فى مصر
والعالم العربى والعالم كله. عمر الشريف ليس ملاكاً ولا شيطاناً، وإنما
ممثل مبدع، وشخصية وطنية وعربية وعالمية من أعلام مصر فى القرن العشرين،
وسوف تبقى أفلامه الكبرى ما بقيت السينما وما بقى الإبداع الفنى.
samirmfarid@hotmail.com |