|
نحن نحبك يا نور الشريف، ربما كان يجب أن يرحل عنا
الفنان الكبير والمثقف الموسوعى والفيلسوف بحق نور الشريف حتى يخرج
من المصريين والعرب هذا الاعتراف، نعم نحب نور الشريف، ليس لأنه
ممثل بارع، فمن بين أبناء جيله من كانوا أكثر لمعانا على الشاشة،
مثل أحمد زكى، ليس لأنه الأكثر تحقيقا للإيرادات، فعادل إمام على
القمة بدون منازع، وليس لأن أعماله الأوسع جماهيرية، فبعضها لم
يحقق النجاح المرجو، نحن نحب (القيمة) التى أصلها لنا نور الشريف
على مدار خمسين عاما من العطاء الفنى الذى واصله بلا حدود.
نور الشريف ترك وراءه إرثا حقيقيا من الإبداع
والثقافة والفكر والمبادئ، تركها ليس فقط على (شرائط) الأفلام
والمسلسلات ولا على خشبة المسرح التى لم يقف عليها كثيرا، وإنما فى
نفوس محبيه كبارا وصغارا، مصريين وعرباً، تركها فى ذاكرة عشرات
النجوم الذين قدمهم للساحة وهو فنان مخضرم فى العقدين الأخيرين،
وهو ممثل ناشئ كان لا يتأخر عن مساعدة زميل له يستحق أن يجد يدا
تفرش أمام قديمة بساط الشهرة.
لا يحزن المصريون على مبدع راحل بسهولة، فارق بين
أن يهتموا بخبر الوفاة ويتبادلوا عبارات التعازى ويتذكروا أعمال
الراحل، وبأن يشعروا أنهم فقدوا واحدا منهم، قريبا لهم، أبا أو أخا
أو معلما، ربما ترك رحيل الشريف كل ما سبق من آثار، لكن يغلبها فى
رأيى تأثير غياب المعلم، نعم نحن نحزن عندما نفقد معلما كان له دور
فى سنوات عمرنا الأولى، نور الشريف ومن خلال شخصية (الأستاذ
فرجانى) فى (آخر الرجال المحترمين) وشخصيات أخرى عديدة حمل على
عاتقه أن يقوم بهذا الدور، للجمهور من جهة، ولأجيال متتالية من
الفنانين من جهة أخرى، القيمة الحقيقية إذن التى يتمتع بها نور
الشريف والتى تركها خلفه هى أنه كان معلما بحق، لديه رسالة يريد أن
يصل بها للجمهور، يريد أن يورثها لمن بعده من فنانين، لو قارنت بين
تصريحات الجيل الذى اكتشفه نور وهم أكثر من أن نقوم بإحصائهم ستجد
الوصايا شبه ثابتة، اقرأ، تعلم، ثق فى نفسك، كون ثقافتك، اخدم
الجمهور، حب الصناعة وحافظ عليها، الوصايا التى طبقها (المُعلم)
نور الشريف على نفسه أولا فحاز مصداقية قلما فاز بها فنان آخر فى
هوليوود الشرق، الناس لا تصدقك إلا من تصرفاتك، حواراتك الصحفية،
لقاءاتك التليفزيونية وحدها لا تكفى، التصريحات المثالية تسقط مع
أول تصرف غير مقبول منك داخل البلاتوه، هل سمعنا يوما عن مواطن
اشتكى من سوء معاملة نور الشريف لأنه طلب صورة تذكارية، هل قرأنا
عن خلاف بينه وبين فنان أو فنانة بسبب ترتيب الأسماء على التتر، هل
اشتكى فنان لأن نور سرق منها سيناريو وقام هو ببطولته، كأنه مثل
باقى جيل الكبار عزل نفسه تماما إلا عن موهبته وشغله خارج المنزل
وبوسى وبناته داخله، بمناسبة الفنانة الكبيرة بوسى، وبمناسبة أنهما
عادا زوجين قبل شهور، مات إذن وعلى ذمتها، هل لاحظنا القيمة التى
تركها نور الشريف أيضا فى هذا المجال، انفصال دام تسع سنوات كاملة،
لم نر فيه أى تصرف يعكر صفو العلاقة الرومانسية التى دامت بدأت قبل
أكثر من 4 عقود، كأن التسع سنوات ما كانت إلا اجازة أيا كانت
ظروفها فهى تخصهما بمفردهما، لم يرحل نور الشريف إلا وبوسى على
ذمته، ليفسر لنا لماذا تحول (حبيبى دائما) إلى أيقونة، لأن العمل
بحب حقيقى وباجتهاد وافر يحول المنتج إلى دولاب الذكريات مباشرة،
ولا يخرج منه أبدا، فالمفتاح يظل فى يد العاشقين فقط، هكذا لم يترك
نور الشريف مجالا إلا وترك فيه بصمته حتى الحب.
•
المهم الناس
أما عن أفلامه وهى كثيرة، ستجد (القيمة) موجودة على
أكثر من مستوى، نبدأ بمستوى غير متداول فى تقارير الوداع وملفات
الحزن على رحيله، فيلمان مثل (الصرخة ) و( الحقونا) الأول مع معالى
زايد كان أول فيلم يركز على قضية متحدى الإعاقة وكيف يعاملهم
المجتمع قبل أن يكون مصطلح «متحدى الإعاقة» نفسه متداولا، عكس
الفيلم كم الغضب داخل صدور هذه الفئة من ظلم الأصحاء لهم، الثانى
مع عادل أدهم وفادية عبد الغنى، كان أول فيلم يناقش قضية سرقة
الأعضاء، أنت أمام فنان مهتم بخوض أى تجربة مضمونها يمس الشارع،
ليس مهماً الإيرادات، ولا الأغلفة والحوارات، المهم أن يترك الفيلم
بصمة، أن يصبح مرجعا فى مجاله، كذلك فيلم (أولى ثانوى) مع ميرفت
أمين ربما يكون السباق فى فتح نافذة لمشاكل المراهقين للظهور على
شاشة السينما.
تعال للقيمة الاجتماعية، ليس كل من يحبون (سواق
الأتوبيس) يدركون أنه أول فيلم يحذر بقوة من انهيار الطبقة الوسطى
تحت ضغط سياسة الانفتاح، السياسة نفسها حذر منها نور الشريف قبل
هذا الفيلم بثلاثة أعوام عبر (أهل القمة) هناك من يشاهد الأفلام
ويستمتع بشريط سينمائى محترم، وهناك من يدرك أن الشريف كان يختار
قضايا يستحق الجمهور أن نقدمها له، لهذا عاش (حسن سلطان) سواق
الأتوبيس وعاشت صرخته ضد اللصوص فى نهاية الفيلم التى كانت
بالمناسبة فى ميدان التحرير.. هذا على مستوى القضايا وهى كثيرة،
لكن هناك أيضا «قيمة» تقديم شخصية تغرى الفنان بعيدا عن مضمون
الفيلم نفسه، شخصية المصور الصحفى المغامر فى «ضربة شمس» أول أفلام
محمد خان، شخصية (لاعب الكرة) فى (غريب فى بيتى) مع سعاد حسنى، قد
يكون الفيلم نفسه لطيفا كوميديا ومقتبسا بالمناسبة، لكن من ينسى
(شحاتة أبو كف).. ومع نور الشريف كانت أفلام يوسف شاهين أكثر
جماهيرية، (حدوتة مصرية) حيث شكرى يحيى مراد، أو شاهين نفسه، الذى
لم يجد غير نور الشريف ليجسد شخصيته ويتكلم مثله، الممثل الصنايعى
نجح فى أن يرتدى ملابس المخرج (صعب المراس) ، وعاد له مجددا مع
(المصير) ليصبح ابن رشد السينما المصرية، ليترك عبارات ومواقف تصلح
للتدبر والتأمل فى هذا الزمن الذى شهد من جديد عودة أفكار التطرف
والتشدد التى واجهها ابن رشد من مئات السنين وواجهها نور الشريف
ويوسف شاهين من 18 سنة
.
•
أين الآن من هاجموه؟!
القيمة الفنية من اعماله تطول، كل فيلم يستحق صفحة،
المجال الآن للقيمة الفكرية والعروبية، أنت أمام فنان تكون وهو
يعرف يعنى إيه وطن عربى واحد، فنان هو الوحيد من بين أبناء جيله
الذى اهتم بناجى العلى وتحمل من أجل هذا الفيلم حملة هجوم ضارية
كادت تدفعه للهجرة خارج مصر (أين الآن من هاجموه وهل سينعيهم
المصريون كما فعلوا مع نور الشريف) الأغرب أن أحدا ممن هاجموه تطوع
وقدم فيلما مماثلا عن فنان مصرى، عاقبوا نور الشريف لأن لديه وعيا
عربيا، عاقبوه فمنعوا لاحقا تنفيذ أحلام أخرى كتقديم أفلام عن
القدس وياسر عرفات وأحمد ياسين، وهو يتكلم عن الآخر يفصله عن حركة
حماس يلوم خلفاء ياسين، لكن لماذا أراد تجسيد الشيخ العجوز لأنه
مولع بقيمة أن يظل هذا الشيخ معارضا لإسرائيل حتى تضطر لقتله، كان
نور الشريف ضد اتفاقية كامب دافيد، رحب بالثورة فى ميدان التحرير
لكن خاف من عواقب الفوضى بعدها، عاش 30 عاما تحت حكم مبارك ولم نره
يوما منافقا له يحاول التقرب منه، كانت له دائما مواقف سياسية
مبنية على فهم حقيقى وقراءة للتاريخ لكنه أبدا لم يتاجر بها، لم
يستخدمها ليستدر عطف الأضواء فى سنواته الأخيرة، لأنه كان يدرك أن
كل ذلك عكس «القيمة» التى تركها فى نفوس المصريين، القيمة التى لا
تموت أبدا حتى لو رحل صاحبها.
•
####
نور الشريف وآراء فى الفن والإخوان وأحوال البلد!
كتب : مى الوزير
حيث اعتاد أن يذهب إلى طاولته فى أحد المقاهى
ليتناول قهوته وينهمك فى القراءة، هكذا يبدأ نور الشريف يومه، ذهبت
فى أحد الأيام لمشاركته بداية اليوم جلسنا قرابة الساعتين، لم أشعر
بهما لحواره الشيق وثقافته التى أثرت لى حوارًا صحفيًا وإنسانيًا
ولم يمل هو من فضولى وكثرة أسئلتى.
وأنا أكتب هذه السطور الآن لم أستوعب بعد حقيقة
رحيل نور الشريف، فتلك الحالة الفنية تعد من الثوابت بالنسبة لى
وكذلك وجوده، ذكريات سمعتها من أصدقاء مقربين له «والدى الفنان
حمدى الوزير، الذى كانت بدايته معه فى فيلم «سواق الأتوبيس» وصديق
العائلة الكاتب الكبير بشير الديك ورفيق مشوار ونجاح نور الشريف»
معظم أحاديثهم فى فترة طفولتى لم تخل من الحديث عنه وعن أعمال
شاركوه فيها.
محمد جابر ابن السيدة زينب الذى نشأ بين الجدعان
وولاد البلد الذى طالما تباهى بالحديث عنهم .. بهيئته وأسلوبه
المنطقى التحليلى هو أقرب للفلاسفة، فكان حوارى أشبه برحلة فى ذهن
فنان ومفكر.
عن أعماله التى جسدت واقع المواطن المصرى المقهور
وعن حالة إحباط كادت تعصف بالمجتمع المصرى، ولكن الأمل موجود فى
تحالفات حقيقية للشباب بعيدا عن عواجيز السياسة وأهمية البحث عن
حلول اقتصادية سريعة تنقذنا من السقوط فى هاوية ثورة الجياع.
•
عن زمن الإخوان الذى كان
انتشرت وقتها دعاوى لوقف أعمال بعينها ورفع قضايا
على بعض الفنانين سألته عما يواجهه العمل الفنى والفنانون بشكل عام
من حالة الترصد التى تصل إلى حد التقييد كما نرى، دعاوى قضائية،
اتهامات تمس الشرف، تهديدات، كيف ترى هذه الحالة خاصة أنك عايشتها
من قبل مع فيلم «ناجى العلى»؟
فكانت إجابته: حالة الترصد بالفنانين موجودة منذ
الأزل وفى كل العصور، وقد يرجع هذا إلى تمتع الفنانين بشعبية كبيرة
فيتم تدبير فضيحة كبيرة مفتعلة لشغل الرأى العام عن كارثة أخرى
تحدث فى المجتمع، وحدث هذا فى أكثر من نظام وأكثر من عصر وللأسف
الشديد سيزداد هذا فى الأيام القادمة لأننا أصبحنا فى زمن الإثارة،
بالإضافة إلى أننا شعب يحب النميمة بطبعه.
وقد يغضب رأيه هذا الكثيرين، ولكن هذا هو الواقع
والحقيقة فكل واحد يسمع شائعة يؤكد أنها حدثت أمامه بالتفصيل ويضيف
إليها وللأسف بعد اكتشاف الحقيقة لا يتم تجسيدها إعلاميا بالشكل
الموازى للفضيحة، وهذا قدرنا لأننا فى زمن الإثارة.
معظم الفنانين أعربوا عن خوفهم من الإخوان،
والإخوان كانوا قد صرحوا بوقوفهم مع الفن، والسياحة، والتيار
السلفى تجاوز بعض أعضائه بتصريحاتهم حول هدم أبو الهول والتماثيل
الفرعونية وما يمثل حضارتنا الفرعونية، وهذا طبعا مرفوض من العالم
كله لأن تلك الآثار هى تراث الإنسانية ومن المستحيل أن نهدم تراث
الإنسانية من أجل خلاف فى الرأى أو خلاف دينى.
•
لقد تعرضت إلى حملة تشويه ممنهجة وتلقيت تهديدا
بالقتل مع فيلم «ناجى العلى»؟
-
لم أتلق تهديدات ولكن كانت مذبحة لى ولعاطف الطيب - رحمه الله -
وبشير الديك على الصحف القومية وليس جميعها.
جاءتنى خطابات تهديد من قبل بعض التيارات الدينية
المتشددة ووضعوا لى قنابل فى مسرح جلال الشرقاوى فى يومين متتاليين
وأوقفنا العرض بأوامر الأمن، وهذا فى عرض «المليم بأربعة» الذى كنا
ننتقد فيه شركات توظيف الأموال. فأطلقوا شائعات عن سخريتى من
الرسول عليه الصلاة والسلام، وحدث بسبب هذا مواجهة بينى وبين أحد
شيوخ المساجد فى قرية كنا نصور فيها فيلم «الصرخة» لأننى سمعت أنه
قال للناس هذا الكلام فذهبت وواجهته، وعندما سألته بانفعال: هل
أخبرت الناس بهذا؟ قال لي: نعم، فقلت له أنت تغتابنى وتأكل لحم
أخيك ميتاً، فتأسف لى وقبل رأسى، وهذا الإنسان لو كان أكثر تطرفا
لما اعتذر ولكان قد وصل به الأمر إلى قتلى مثلا، مثلما حدث مع
الأديب الكبير نجيب محفوظ، لذلك أنا أناشد العقلاء من الإسلاميين
أن يدافعوا هم عن الدين الإسلامى الصحيح بأنفسهم وألا يسيئوا له،
لأننا فى النهاية فى العالم الإسلامى متخلفون عسكريًا وثقافيًا
فيسهل احتلالنا وأتمنى أن يكون لدينا مقدار من العقل لأن الوضع
أصبح مزريًا جدا فى عالمنا العربى والإسلامى، وأصبحنا نتقاتل ونذبح
بعضنا بعضًا من أجل خلاف مذهبى، وأخشى أن تصبح الحرب القادمة ما
بين سنة وشيعة، وهذا جل ما أخشاه من قراءتى للواقع الحالى
والمؤامرة للوقيعة بين السنة والشيعة.
ولا أنكر أننى فكرت فى الهجرة خارج مصر وقتها عندما
حاولوا قتلى ووضعوا لى القنابل فى المسرح، وأرسلوا لى جوابات تهديد
بقتل بناتى، ولا أعلم حتى الآن من المسئول عنها، لم يكن لديّ سلاح
وقتها واضطررت لترخيص سلاح لأحمى نفسى، هل هذا هو السلوك الإنسانى
والعنف؟ هل هذا ما نتمنى أن نعيش فيه؟ بالتأكيد لا.
•
وهل تفكر فى الهجرة الآن؟
-
مستحيل، أنا ضد أى شخص يفكر ويحلم بالهجرة خارج مصر الآن مهما كانت
الظروف.. لابد من دراسة هذا الشعب العبقرى الذى لديه قدرة على
احتواء أى نظام، يحب تجربة ما حوله ويتركه ويمضى، ولم يقدر عليه أى
احتلال، ويصبح عظيمًا جدًا إذا كانت القيادة مثلاً أعلى، على أى
شخص يمارس سياسة الآن عليه أن يدرس كيف نجعل مصر قوية ثم نختلف
ونتناقش.
• «سواق
الأتوبيس» والثورة
• «سواق
الأتوبيس، ليلة ساخنة» وغيرها، أعمال تناولت فكرة القهر وما قد
تفعله فى الإنسان وتغير فى أفكاره، هل القهر هو الذى يصنع الثورة؟
-
جزء من الأجزاء المحيرة فى شخصية الشعب المصرى هو أننا نتوقع رد
فعل معينًا ولا يحدث، وحينما نفقد الأمل يحدث رد الفعل، وما أريد
توضيحه أن ما حدث فى 25 يناير لم يكن متوقعًا وأن جزءًا من السبب
قى حدوثه هو أبناء الطبقة الوسطى الذين لديهم القدرة المالية على
استخدام الإنترنت، وهذا الإنسان ليس عنيدًا وهذا الإنسان لا يمت
للعنف بصلة، وعندما اكتشف أن المؤمنين بأفكاره أعداد مهولة يوم
المظاهرة ذهل، ولكنه اصطدم بالواقع المرير عندما تمت مواجهتهم
بالعنف والقوة، وهنا تدخل محترفو السياسة وعواجيز السياسة، ومازلت
مصرًا أنهم قفزوا على الثورة وسرقوها.
أنا أطالب الشباب بالتوحد مرة أخرى والظهور مرة
أخرى لحماية الثورة ويتحدوا مرة أخرى ولا يكون هناك مائة ائتلاف
يكفى ثلاثة ائتلافات مثلا يمين ويسار ووسط.
فهنا أشكال وبلغة الفن أبلغ مثال عليه هو «هاملت»
وتردد المثالية وأن يكون الإنسان تفكيره مثاليًا فلا يلجأ للعنف
ويتأمل ويبحث ويفكر، وهذا يعطى فرصة لمحترفى اللعب السياسى للقفز
على مكتسباتهم، لذلك أناشد الشباب أن يتحدوا ويربوا جيلاً جديدًا
لكى لا يكون ما حدث مجرد طفرة حدث وعدت.
شباب الثورة ضيع أكبر فرصة أنه لم ينتهز الفرصة من
البداية ولم يتحدوا ولم يأخذوا جزءًا كبيرًا من قيادة المجتمع فشيء
محزن أن معظم من يتكلمون فوق السبعين، الكلام له أوجه كثيرة وعدم
التحصن بثقافة حقيقية يعطى لأى شخص فرصة اللعب فى دماغ الآخر
والتأثير فيه خاصة مع وجود حالة اقتصادية سيئة.
•
أفلام قديمة تناولت أحداثًا نعيشها حاليا لدرجة
تدفعنا للقول إنها تنبأت بما نعيشه، فكيف يصل المبدع إلى هذه
المرحلة من الاستشراف؟
-
سواق الأتوبيس لو عرض اليوم سنجد أهم نقطة فى هذا الفيلم هو خطأ فى
السلوك المصرى «يا عم عدى، معلش، متعطلناش» حسن مع النشال الأول لو
كان توقف وقبض عليه لما كانوا انتشروا، ولكنه عندما فهم الدرس نزل
فى نهاية الفيلم وأمسك بالنشال، واحنا للأسف من أجل كلمات مثل
«معلش ومتعطلناش» لا نشعر بعواقبها إلا بعد فوات الأوان، وكذلك
فيلم «البحث عن سعيد مرزوق»، أكثر من كانت لديه القدرة على
الاستشراف هو «يوسف شاهين» رغم لغته الصعبة، ففيلم «العصفور» الذى
عرض عام 1971 موسيقاه التصويرية هى أجمل أغنية قدمت عن حرب أكتوبر،
عودة الابن الضال يجسد اغتيال السادات فى مشهد اغتيال الأب وكأنه
شاهد ما يحدث هذا لا يعتبر تنبؤًا بقدر ما هو أن الفنان يعيش وسط
الناس ويشعر بهم ويقرأ فى التاريخ، بالإضافة إلى إلهام من ربنا
للفنان المبدع يضفى عليه لحظة تنوير تظهر كيف يستشرف الفنان
بالمستقبل.
• «ابن
رشد وإعادة إنتاج المشهد»
وعن مشهد يتكرر على مر العصور شئنا أم أبينا
ومحاولات هدم الحضارة الإنسانية وطمس ثقافتها قلت للفنان نور
الشريف:
•
فى فيلم المصير قدمت شخصية «ابن رشد» وفى محاولة
لحرق كتبه، ألا نعيش هذه المرحلة الآن من محاولة هدم الحضارة
وإعاقتها للرجوع إلى الخلف؟
-
أتمنى من كل الأحزاب الدينية أن تدرس لشبابها وتنظيماتها علماء
الإسلام الذين أثروا الحضارة الإنسانية فى الفلسفة والطب وعلم
الاجتماع وغيرها من علوم، فهؤلاء أجدر بتدريس سيرتهم وإنجازاتهم
للإشارة إلى نقطة مهمة جدا وهى أنه لا خلاف بين العلم والدين، أنا
أضع فى مكتبى مقولة للإمام الغزالى «من لم يشك لم ينظر، ومن لم
ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى فى العمى والضلال» أنا مؤمن بأنه
من حقى كمسلم أن أشك.
وتأكدى أن هذا لن يحدث وأن جزءًا كبيرًا منها هو
رغبة فى الشهرة ليس أكثر، فالعالم كله ساعدنا لنقل معبد أبوسمبل
عند بناء السد العالى، فهذا تقدير منهم لقيمة لتراثنا وحضارتنا،
وبالعقل من الذى يفكر الآن فى عبادة تمثال وهل الدين شكل أو دقن أو
جلابية أو عبادة تمثال، أنا حزين، فالدين الإسلامى دين حياة وخلق
الله لنا فيها أكل ساحر ومشاعر إنسانية رائعة، لماذا نقتلها،
ولماذا جعلوا الدين متجهمًا، فمن سيرة الرسول نستطيع أن نرى كيف
كان سلوكه بشوشًا ومحبًا للحياة وكيف كان يعامل المرأة، سيدنا عمر
بن الخطاب قبل وفاته مباشرة قال إنه لو بيده أخذ أموال الأغنياء
لتوزيعها على الفقراء، أليس أولى أن نهتم بالسير الذاتية التى تعطى
نموذجًا للعدالة الاجتماعية.
نور الشريف كان من أوائل الفنانين الذين كان لهم
رأى فى موسم زحام رمضان بالأعمال الدرامية، وعن هذه القضية قال:
أنا الوحيد الذى طالبت بحل لهذه المشكلة وحاربت كثيرا من أجله،
ولكن للأسف الشديد ولا شركة إنتاج استجابت لطلبى، ولكن أخيرا تقوم
mbc
مصر بمبادرة قوية لعمل موسم موازٍ وتحقق هذا بشكل جيد وتقدم
مسلسلات جيدة وضخمة تذاع خارج شهر رمضان وهى بالأساس قناة نسبة
مشاهدتها عالية فنجحت فى تحقيق معادلة الإعلانات غير المتوافرة
لقنوات أخرى، فالعديد من المسلسلات الكبيرة تنجح بعيدا عن شهر
رمضان مثل المسلسلات التركية الشهيرة، ولكن رمضان أصبح يعتمد على
أسماء نجوم وكم من الزحام الرهيب الظالم لكل الأعمال.
•
أما عن السينما والأزمة التى تعيشها فى الإنتاج فكان رأيه:
طبعا، من أربع أو خمس سنوات بدأت القرصنة وهى أخطر
شيء، وأنا وقفت أمام وزير الثقافة السابق من أجل بيع حق استغلال 14
دار عرض ملك وزارة الثقافة، وللأسف الشديد بدعوى لاستثمار زملاء لم
يتم المشروع، وأنا كنت أحلم وقتها بأن تكون هذه الدور ملك
السينمائيين الحقيقيين الذين ينتجون أفلامهم، ومن حقهم أن يكون
لديهم منفذ ملك لوزارة الثقافة وملك للفنانين الحقيقيين، لو نظرنا
للوضع الحالى سنجد المنتجين الكبار يقيمون دور عرض تنافس السينمات
العالمية عندما أذهب إليه سيقول لي: «أنا عندى إنتاجى أعرض إنتاجك
أنت ليه»، وأحدهم كان صريحًا معى وقال لى على فيلم قدمته له:
«الفيلم ده ضد الخصخصة وأنا مع الخصخصة»، وبالمناسبة الفيلم كان ضد
خصخصة شركات الأدوية، لم يخرج الفيلم للنور وأنا لديّ أربعة
سيناريوهات جاهزة ولم تر النور بعد لأسباب عديدة، وأحدها عن قتل
الأسرى المصريين فى 67، ولكن لا يوجد أى جهة تريد تمويله بحجة أنه
«مش هيجيب فلوس»، وليس توقيته الآن وهناك موضوع آخر بعنوان «ذئب فى
قرص الشمس»، لماذا لا يريدون تقديم أعمال عن حرب أكتوبر؟ لماذا لا
تنتج الدولة فيلمًا عن هذه الحرب المجيدة، بينما تصرف ملايين على
احتفالية أكتوبر سنويا لليلة واحدة ونقدم فيلمًا يؤرخها من أكثر من
زاوية عن مجندين فى خندق، أو عن حصار السويس.
•
وما الحل للخروج من هذه الأزمة؟
-
المشكلة تكمن فى انسحاب منتجى السنيما الحقيقيين من الإنتاج ودخل
فيها صناع جدد قد يكونون باحثين عن الشهرة أو بالفعل يحبون
السينما، ولكن بالتأكيد لم يكن لديهم الخبرة الكافية فى السينم،
ورأيى أن شركات الإنتاج التى تعتمد على رأس مال مرتفع هى سبب
الأزمة ودمرت الصناعة، فرفعت أسعار تكلفة الإنتاج إلى ملايين لا
يمكن تحصيلها، ورفعت أجور الكادرات من فنانين وفنيين، والجميع
سيرفض العمل بسعر أقل، الحل الآن للخروج من الأزمة هو أفلام مستقلة
بتكلفة قليلة تولد جيلاً جديدًا من الكتاب والمخرجين والمصورين،
ولكن أتمنى ألا تكون متعالية على الناس، يجب أن تكون بعيدة عن
التعالى والتعقيد فالبساطة هى المفتاح سواء فى الأغانى أو الأفلام
البسيطة مثل أفلام الريحانى وليلى مراد وغيرها.
• «إعلام
الأزمات»
•
نور الشريف له رأى واضح وصريح فى برامج التليفزيون والإعلام الذى
ساهم فى تصعيد الأزمات مؤخرا أو «التسخين» خاصة برامج التوك شو
وعنها يقول: عمر هذه البرامج يتناقص، أنا منذ ستة أشهر لا أشاهد أى
برامج حوارية فهى أصابتنى بالاكتئاب، فأنا أنظر للشاشة وأكلمها ولا
أحد يرد على، وأصبحت مشاجرات وشتيمة ويخلص البرنامج ليبدأ آخر، ولم
يعد لدينا مكان فى الذاكرة، وهذا ما يمارسه الإعلام الآن وهو مسح
للذاكرة، ولكنها إلى زوال وهذا طبيعى عندما يحدث تشبع، والناس أيضا
بدأت تكفر من تعدد الآراء واختلافاتها والانشقاق وعدم الاستقرار،
وعدم التحيز أصبح جزءًا من ميكانيزم الإعلام الحديث.
•
فى ظل المتغيرات السياسية السريعة كيف سيكون
التأثير على الشخصية المصرية هل ستهضم هذا التغير أم ستصيبها
تشوهات؟
-
بالتأكيد أثر عليها والشخصية المصرية أصلا تأثرت بالسلب بعد
الانفتاح وطرأ عليها تغيير كبير جدا، وأنا أرصد هذا من بعد حرب
أكتوبر وبعد ارتفاع أسعار البترول فى دول الخليج وهجرة جزء كبير من
المصريين إلى الخليج لتحقيق ثروة ومستوى معيشى أكبر لأولادهم.
وهنا اختفى الأب من الأسرة وتحول لحوالة بريدية،
وهو أيضا فى البلد الذى يعمل فيه ليس حرًا، بل له كفيل ممكن أن
يطرده فى أى وقت وأصبح بداخله خوف من صاحب العمل فأصبح منافقًا،
وعند عودته لمنزله فى إجازته أصبح عبئًا على أبنائه الذين اعتادوا
على غيبته من هنا طرأ التغيير على الشخصية المصرية، الرأسمالية
الحديثة تلك عبارة عن شر غبى حولتنا إلى مستهلكين فقط، العولمة
الحديثة بدأت فى مصر عندما ذهب حسام وإبراهيم حسن للعب فى الزمالك
فكرهوا النادى الذى يمثلهم لأنه باعه وهو كبير، كذلك موقف زين
الدين زيدان كل شباب الجزائر يحلم بالهجرة إلى فرنسا ليكون زين
الدين زيدان وكل لاعبى فرنسا يكرهونه فكيف يأتى أجنبى عنهم ويكون
كابتن فريقهم، الفكرة هى تتمثل فى انعدام الانتماء، الكل الآن يحلم
بالهجرة، وأنا أستخرج فيزا للسفر إلى أمريكا أصابتنى حالة ذعر من
طابور الشباب.
•
عندى شعور أننى أتكلم مع مفكر أو فيلسوف، طريقة
كلامك وتحليلك للأحداث، كم من الوقت تطلب ليصل نور الشريف لهذه
المرحلة من الهدوء؟
-
يبتسم ويقول: أنا الآن فى مرحلة تخزين لأن الإبداع هو محصلة معاناة
وثقافة وتجارب شخصية ومراقبة للعالم، فعلى قدر ما أنا أتألم لما
يحدث فى مصر، إلا أننى بداخلى أتعلم، وفى مرحلة تخزين وتأمل، الشعب
المصرى «الجديد» الذى كنت أحلم أن يكون لديه مقدار من الإدراك
العقلى أكبر فهم مازالوا عاطفيين وكل الأعمال التى قدمتها وكان بها
مقدار من الفكر لم تكن تنجح وهذا آلمنى جدا، الإعلام الحديث سطح
العقول وجعل الناس يهربون عندما يجدون أنفسهم أمام ما يجعلهم
يعملوا عقولهم.
•
هل غياب الرومانسية حتى من الأفلام أصابنا بالجمود؟
-
مازالت هناك رومانسية، ولكن الرومانسية الجديدة مختلفة وظروف
الحياة مختلفة، ولكن مؤكد أنه رغم كل القسوة، فإن بداخل كل واحد
فينا إنسانًا حقيقيًا لو وجد الفرصة ليحب بجد هيحب بجد. وأنا أرى
أن الاقتصاد القوى وإلغاء البطالة سيلغى التطرف والعنف بمعنى أن
الاقتصاد سيلبى أساسيات الشباب.
•
كيف ينفصل نور الشريف عن الواقع؟
-
أصبحت لا أشاهد برامج سياسية إطلاقا، أسمع موسيقى كلاسيك، أيام
السبت والأحد والاثنين أشاهد جميع الدوريات الأوروبية فى كرة
القدم، باقى أيام الأسبوع أشاهد قنوات الأفلام الأجنبية، وإذا لم
أجد ما يعجبنى لدى مكتبة أفلام مهولة تبعدنى عن الدنيا وأعيش معها
حالة رائعة وتسبب لى هدوء نفسيًا، فما الذى جعل هؤلاء المبدعين
يستمرون حتى الآن مثل شكسبير، المسرح اليونانى، عبدالحليم استمروا
بسبب الصدق فى الإبداع، وأهرب أيضا بالقراءة.
•
ماذا تقرأ الآن؟
-
أجلس يوميا هنا فى هذا المكان فى الثامنة صباحا لأقرأ، والآن أقرأ
رواية «ذكريات» لجابرييل جارسيا ماركيز، وهذا العام تحديدا قرأت
كمًا مرعبًا من الروايات «باب الخروج» لعز الدين شكرى، «أنا عشقت»
و«انكسار الروح» لمحمد منسى قنديل فهو كاتب رائع.
•
إلى ماذا يرجع الفضل فى نجاح واستمرارية نور الشريف؟
-
إلى كل أساتذتى وزملائى الذين ساندونى كالأستاذ محمد فاضل
والأساتذة جلال الشرقاوى وسعد أردش الذين أشعرونى بأهمية اختيارى
وقرارى لما أريد أن أكون عليه، وشجعونى وزرعوا فى مبدأ أن الفن
رسالة حتى لو للتسلية.
أنا محصلة ظروف وعوامل كثيرة منها الزمن
والأكاديمية والعصر نفسه والأساتذة، وعملى مع مخرجين مثل سمير سيف
وداود عبد السيد وحسين الوكيل. المسألة كلها مناخ عام محيط بالفنان
يساعد على الاختيار . لا يوجد فنان وحده ناجح ولكنها عوامل متعددة.
•
وما نصيحتك للأجيال الجديدة للنجاح والاستمرارية؟
-
على الأجيال الجديدة أن تحتفظ بالمنافسة، ولكن مع الابتعاد عن أى
مشاعر سلبية وأن يحبوا بعض ويعرفوا قيمة بعض مع الاحتفاظ بالمنافسة.
####
نور الشريف : قارئ خريطة الألم والشجن والحلم
كتب : منير عامر
لم يكن صديقا شخصيا لى، فلست من محترفى الذهاب إلى
السينما ، لكن ما أن تطل صورته على شاشة التليفزيون حتى أجد نفسى
سابحًا بين أمواج صدق متجدد ونادر، وكنت أضحك من قلبى حين أسمع
العم «حسن فؤاد» يتحدث عنه، وحسن فؤاد هو مؤلف «البشر» وواهب هذه
المطبوعة «صباح الخير» شكلها منذ لحظة ميلادها، وهو من أهدانا
عشرات المواهب بداية من «صلاح جاهين» مرورًا بكل قامات الصحافة
التى تخرجت من روزاليوسف ووصولا إلى أجيال الفنانين، كعزت العلايلى
وأحب معنا «سعاد حسنى» وأفرد لها فى قلبه جناح مودة تلجأ إليه
عندما تعصف من حولها تيارات زيف وتلوث، فتأتى إلى حجرته لتثرثر
ويسمع لها فيبدو كالطبيب النفسى.
أما «نادية لطفى» فهى أسيرة فى قلبى منذ أن شاهدتها
فى حفل اتحاد طلبة جامعة الإسكندرية عام «1958»، وكان الحديث عنها
مع العم «حسن فؤاد» مرتبطاً «بتوفيق الحكيم»، فهى تدمن قراءته،
وغالبا يعرج الحديث معها إلى إحسان عبد القدوس، وكيف قدمها فى
روايته«لا أنام»، وكان العم حسن يضحك من سذاجتى الماكرة، حين خرج
من المعتقل عام «1964»، وبدأنا نلتف حوله لنشرب من نهر بساطته
المتدفق والمذهل، لا أنسى ضحكته حين قدمت له صورة بالكربون من حوار
أجريته مع البطلة الحقيقية لرواية «لا أنام»، التى التقيت بها على
شاطئ ميامى وقت أن كان «العم حسن» فى المعتقل، قال العم حسن «بدلا
من الحوار مع بطلة رواية يمكن أن ترفع عليك قضية وتكسبها، فتبيع
اللى وراك واللى قدامك، ليه ما تعملش حوار مع نادية لطفى أو نور
الشريف أو رشدى أباظة، ده أى واحد من الثلاثة بيشيل فيلم على
أكتافه ويكون سبب فى نجاحه».
تذكرت على الفور «قصر الشوق» لنجيب محفوظ ، حيث
تلعب نادية لطفى دور «العالمة» ويلعب نور الشريف دور الشاب المثقف
كمال الفيلسوف المتأمل، قلت للعم حسن «يعنى إيه يشيل فيلم؟»، شرح
لى العم حسن أن السينما هى صناعة يهمها أن تسعد المشاهد وتربيه
وتكسب ما تم صرفه على الفيلم ليتم إنتاج أفلام أخرى
.
بدأت أرقب الثلاثة، الذين يتمتعون بمقولة العم حسن
بأن الواحد منهم «يشيل الفيلم على أكتافه». رأيت موهبة الواحد منهم
وهى تتجلى، فأى منهم يمثل لا بأسلوب المسرح الذى لقنه لأجيال «يوسف
بك وهبى»، أو «زكى طليمات» أو «أمينة رزق»، حيث يكون تضخيم الصوت
وتلوينه، ومحاولة شد المشاهد من عيونه لخشبة المسرح، أو محاولة
جذبه من قفاه ليتفاعل مع نبرات صوت السيدة أمينة رزق، ولكن الواحد
منهم يمثل «تحت الجلد» فترى الممثل بكل وجوده وقد أذاب الشخصية
التى يؤديها، فكأنه هو من جرت عليه الوقائع التى تجرى على الشاشة.
وطبعا لاحظت «سعاد حسنى» وهى تمثل، وكيف أن هناك
مغناطيس بين الكاميرا وبين ملامحها وحركاتها. وحين قلت ذلك للعم
حسن فؤاد الذى يمثل بالنسبة لى المرشد الفعال لتقييم الممثل، سواء
فى المسرح أو السينما أو حتى التصوير والرسم، قال العم حسن «ما
تقوله هو الحق، فهناك نوع من الممثلين يستوعبون الدور، ويقترب
الواحد منهم فى أدائه من أم كلثوم حين تغنى فتضعك فى تفاصيل صوتها
المعبر عن المعانى التى تنطق بها». واعتبرت رأى العم حسن هو الرد
على ما كان يقوله لى «عبد الحليم حافظ» من أن سعاد دلوعة أكثر من
اللازم، مترددة أكثر من اللازم وتستهلك شرائط الخام للتصوير بصورة
مبالغ فيها لأنها تعيد وتزيد فى التجويد. وتشاء الظروف أن يطل فيلم
«غريب فى بيتى» بطولة سعاد حسنى ونور الشريف على شاشة التليفزيون،
فيقول العم حسن «شايف.. الاثنين دارسين كويس الدور كأن نور هو لاعب
الكرة القروى فعلا، وسعاد حسنى هى الأم المدرسة المسئولة عن ابنها
الصغير».
العم حسن فؤاد هو قائد التذوق الفنى لجيلى، حيث كان
يرى بعيون المحبة كل موهبة فيعطيها حقها، سواء تلك التى لها قالب
تضع فيه كل شخصية تؤديها، كما هو حال العبقرى «عادل إمام»، أو
«سعيد صالح» أو حتى «فاتن حمامة»، وطبعا «عزت العلايلى» الصديق
الشخصى للعم حسن هو والعبقرى «على الشريف». أو عبقرية صوت «محمود
يس»، أو تسبيلة العيون وبحة الصوت عند «نجلاء فتحى»، أو الرقة
الشرسة فى «ميرفت أمين»، أما صلاح السعدنى فله المكانة الخاصة عند
العم حسن، فليس هو العمدة فقط فى «ليالى الحلمية» ولكنه الممثل
الكوميدى شديد الموهبة فى فرق التليفزيون المسرحية، وهو من دفع
الثمن تجاهلا حين اعتقل «السادات»، الحبيب والعم «محمود السعدنى».
ولكن تجربة ابتعاد المخرجين عن صلاح السعدنى لم تمنع تألق موهبته،
ولن أنسى تعليق العم حسن فؤاد الذى قال: «صدق كامل زهيرى حين قال
إن الموهبة كالفضيحة أو الجريمة لا أحد بقادر على إخفائها، والمثل
الواضح هو صلاح السعدنى».
وفى منتصف الثمانينيات كان «نور الشريف» على موعد
مع الفنان التشكيلى والمخرج السينمائى «يوسف فرنسيس» فى «عصفور من
الشرق»، حيث كان يوسف قد وضع رؤية لرواية توفيق الحكيم الشهيرة،
وكاد أن يجعلها موجزاً لحياة توفيق الحكيم بأكملها، ولأن الفيلم من
إنتاج الراحلة «سميرة خاشقجى»، شقيقة الملياردير عدنان خاشقجى،
لذلك لم يكن هناك أى مانع مادى فى أن يسافر الحكيم ويوسف وبطل
الفيلم نور الشريف إلى باريس، لاستعادة الذكريات، ولأن يوسف فنان
تشكيلى نادر الوجود ولم يخلفه أحد فى إبداعه، لذلك بدت كادرات
الفيلم كأنها لوحات. ومن الرائع أن توفيق الحكيم قال ذات صباح فى
رحلة مع يوسف فرنسيس وزوجته الراقية بغير حد زميلتنا «منى سراج»
التى عزفت أيام حياته منذ عام «1977»، وكنت مدعوا لتلك الرحلة إلى
عزبة إحدى صديقات منى سراج، قال توفيق الحكيم: لم يقنعنى أحد أن
نور الشريف يمثل، بل كان كأنه «أنا» فى شبابى. أما كيف استحضرنى؟
فهذا ما سألته عنه، ولم أجد إجابة سوى أنه تشرب كل أعمالى وعاش فى
داخلها كأنه «أنا».
وتتابعت أفلام نور الشريف، ولم أكن المتابع لها مثل
أستاذ النقد والتذوق الفنى ببساطته المذهلة ابن جيلى «رؤوف توفيق»،
هذا النجم الأخلاقى المتوازن الذى أضاء لسنوات فنون الرؤية
السينمائية، وكأنه «مسطرة المياه» التى توضع على سطح أى بناء لنعرف
ما إذا كان مستوياً أو معووجاً، وكان نور الشريف على طرف سن قلم
رؤوف هو الممثل الفذ الذى لا يحاول أن يكون مركز الدائرة فى أى
فيلم يقدمه، ويدور حوله كل الممثلين صغيرهم وكبيرهم، لكنه ممثل
يقدم نسيج الفيلم ويمكنك أن ترى يد إبداعه ممدودة لكل ممثل صغير أو
كبير يؤدى معه أى دور فى أى فيلم، وهو على سبيل المثال فى فيلم
«العار»، يؤدى دوره مع اثنين من الكبار، هما «محمود عبد العزيز»
و«حسين فهمى»، كل يؤدى حسب طريقته وأسلوبه ونور يمهد لأى منهما ما
يجعل الشركاء يتألقون، فالنجم عند نور الشريف هو النسيج الفنى الذى
يعمل داخله
.
وعندما دهمنا الانفتاح رغبة فى إعادة صياغة الوعى
المصرى والعربى على الهوى الأمريكى، كان ابن السيدة زينب المسمى
نور الشريف غير قادر على طمس الوعى، فنجده يختار «ناجى العلى» رسام
الكاريكاتير الفلسطينى الأشهر، الذى وضع القصور العربية وتجار
الثورات فى قفص الفضح العام.
ولأن هذا الفضح العام كان قادرا «على بساطته» على
إفاقة كل من قرأ عن معركة أخبار اليوم برئاسة «إبراهيم سعدة» ضد
نور الشريف، هذا الذى رفض ببساطة وأدب جم أن يمثل قصة أريد بها
تشويه أحد رموز العمل الوطنى فيما قبل ثورة يوليو، وإلى زمن تأسيس
الأحزاب التى شاءها السادات، وهو الراحل الكريم إبراهيم شكرى، مؤسس
حزب العمل قبل أن «تشتريه» شركات توظيف الأموال. رفض نور الشريف
الإساءة لرجل له تاريخ الوعى باحتياجات البسطاء. ولأن كاتب القصة
هو إبراهيم سعدة، فقد تصرف كأنه فرعون، فمنع أى خبر أو صورة أو
سيرة لنور الشريف، ولم يرضخ نور لتلك الضغوط التى كان لها بعض من
الوله عند قيادة مبارك.
ويفاجئنى نور الشريف بعد رحليه بمشاهدة لقائه مع
المتألق الشاعر «مدحت العدل» على قناة «سى بى سى»، فى برنامج «أنت
حر»، لنرى ثقافة نور التى لم تتوقف عند توفيق الحكيم، بل درست سيد
الرواية الفيلسوف نجيب محفوظ، وليكشف لنا حالة الوله التى عاشها
نور مع إبداعات نجيب محفوظ، والتى يمكن إيجازها فى أننا مع نور
الشريف يمكننا أن نرى موهبته وأن نرى «الواقع» بعيون «الخيال»،
وكيف هو متفوق فى تجسد «الخيال» بإمكانيات الواقع، وتلك هى القضية
التى تمثل جوهر الفلسفة عبر تاريخها.
وإذا ما ابتعدنا عن السينما، وتوقفنا أمام ما أنتجه
نور للتليفزيون، فقد أبدع فى المجال الذى بدأ منه فى أوائل لمعه
على الشاشة الصغيرة، ولا أحد ينسى رصده الدقيق لمسارات النمو
السرطانى للطبقة التى سادت فى عصرى السادات ومبارك، فها هو العصامى
الذى بدأ من وكالة البلح وهو ينجح ويؤسس الشركات، وتقترب منه - وهو
الأمى - كبارات رجال الدولة يحاولون السباحة تحت أمطار ثروته، ولكن
ابنه يرفض أن يرفل فيما صنعه الأب، وكان السيناريو الذى أبدع فى
تطوير قصة إحسان عبد القدوس «لن أعيش فى جلباب ابى»، وهو الرائع
مصطفى محرم، كان لهذا السيناريو ولإبداع كل من نور الشريف وعبلة
كامل فرصة لتقديم عشرات الوجوه الشباب. ليتلو ذلك مسلسل «الحاج
متولى»، لنجد نور الشريف وهو يرصد لنا كيف يتجه الرجل إلى تأكيد
معنى وجوده عبر العلاقات المتعددة والشرعية فى آن واحد. ألم يكن
المجتمع ينجذب بسرعة إلى التخلف الذى له بريق؟ لقد كان مسلسل الحاج
متولى هو الرصد لتلك الحكاية، وليتلوه مسلسل «العطار والسبع بنات»،
ثم تجىء رائعته الكاشفة لتوسع طبقة سيطرت على أقدار عموم المصريين
وهو مسلسل «الدالى» بأجزائه المتعددة.
طبعا كانت أيام الرومانسية هى التى نسجت قصة الحب
بين بوسى وبين نور الشريف، وتوجها تمثيلهما معا «حبيبى دائما»،
وعدد آخر من الأفلام. وظلت قصة الحب تهدينا صورة ناضجة وناجحة
لاثنين ربطهما الحب إلى حد الذوبان، ولم نسمع صوتا لخلاف بينهما
إلا منذ سنوات بسيطة، ولكن حب نور لبوسى كان يفوق كل خيال، لذلك
سرعان ما خمدت أشواك الخلاف فور وقوع نور فى المرض منذ عدة أعوام
بسيطة.
ولن أنسى دخولهما معا إلى عشاء أقامه السياسى
النادر بلا شبيه أو مثيل وهو صديقى منصور حسن، وهو من شاء تكريم كل
من احترمهم خلال عمله العام، وكان دخول الاثنين مع سهير المرشدى
وكرم مطاوع هو إيذاناً بوجود باقة من أهل الصدق الفنى الكبير
.
تذكرت يومها أن بوسى هى البنت الحلوة التى أشعلت
حفل خطوبة صديق عمرى د. فؤاد بشاى ميخائيل وكان ذلك فى السابع عشر
من أكتوبر عام 1969، وكنا مندهشين من وجود جمال له كل تلك البراءة
سواء من بوسى أو شقيقتها نورا، وعندما سألنا صديقتهما شقيقة عروس
فؤاد، أجابت ماجدة لبيب سوريال: ستشاهدون إبداع الأختين فى التمثيل
قريبا على شاشات السينما والتليفزيون.
تدور أيام المصريين فنفقد بعضا ممن أثروا حياتنا
لنجد أجيالا جديدة تعلو على نهر الإبداع، فوداعا للراحلين وأهلا
بالقادمين
.
وأثق رغم مرارة الافتقاد أن نور الشريف يؤمن بتلك
الحقيقة، لأنها الحقيقة التى جاءت موهبته الراقية من رحمها، وستأتى
فى قادم الأيام بمواهب لا تلغى ما مضى بل تضيف لما نحياه.
•
####
صورة لى معه: كل هذا الحضور فى الغياب؟!
كتب : د. عزة بدر
المرة الأولى التى التقيت فيها بالفنان نور الشريف،
كانت يوم الاحتفال بتخريج أول دفعة فى مدرسة المتحف المصرى للكبار
عام 2003، وكنت طالبة من طلاب هذه المدرسة من العاشقين لدراسة
التاريخ الفرعونى، وجاء نور الشريف وبوسى لحضور الحفل.. إذ دعاهما
د.زاهى حواس.
وكان عليَّ إلقاء كلمة الخريجين، كنت أرتدى وشاحا
أزرق مكتوبًا عليه «مدرسة المتحف المصرى 2003»، وبعد أن تسلمت
الشهادة وألقيت الكلمة حاولت النزول من على خشبة المسرح العالية،
ولما لم أستطع فنهض الفنان الكبير نور الشريف من مكانه على المنصة،
وساعدنى مصافحا يدى، فاستعدت لحظتها «كمال»- الدور الذى لعبة نور
الشريف فى «قصر الشوق»، ووجهه تحت المطر وهو يهمس فى الليل، ولقمر
السماء: «عايدة».. «عايدة».. ينهمر المطر وصوته الأخاذ المرتعش،
وعيناه كطيور مهاجرة من أقاصى الثلج باحثة عن لحظة دفء: «الذين
يحبون لا يتزوجون»!
فى هذه اللحظة وأنا أرتدى الوشاح الأزرق يضفى هالة
من فرح الذكرى تأملت وجه نور الشريف.. كيف استطاع أن يتمثل كمال أم
أنهما كانا واحدا؟! وهل كان كمال هو حقا نجيب محفوظ فى شبابه؟!
هالة من فرح الذكرى، والوشاح الأزرق على كتفى،
وينتفض فى قلبى ألف عصفور وأنا أذكره وهو يغنى لحبيبته فى فيلم
«حبيبى دائما»: «الهوى هوايا أنا الهوى هوايا، ابنى لك قصر عالى،
وأخطف نجم الليالى، وأشغلك عقد غالى يا أحلى الصبايا».
مجسدًا القصة السينمائية التى تناولت قصة حقيقية فى
حياة عبدالحليم، قصة الحبيبة التى لا تكتمل سعادة حبيبها بها
فيختطفها الموت من بين يديه.
مرة واحدة التقيت فيها وجها لوجه بالفنان نور
الشريف ذكرتنى بكل أعماله الفنية المتميزة «اختفاء جعفر المصرى»،
و«عمارة يعقوبيان»، و«المصير» و«ناجى العلى» وتبقى كلمات نور
الشريف الأخيرة إلى جمهوره: «إن الإنسان يتعلم من كل التجارب
الحياتية التى يمر بها ولذا أعتبر تجربة المرض معلما كبيرا لأننى
تعلمت من خلالها الصبر، وتغيرت نظرتى لأشياء كثيرة، ولكنها فى
الوقت نفسه أكدت لى أن الإنسان عندما يخلص لفنه ويجتهد فى عمله
يحجز لنفسه مكانا ثابتا فى قلوب الملايين من الناس».
صورة لى معه فجرت كل هذه الذكريات التى أسست لكل
هذا الحضور فى الغياب.
•
####
شحاتة أبو كف!
كتب : على خضير
برحيل النجم الفنان العظيم نور الشريف طويت صفحة
ناصعة من صفحات تاريخ الحياة الفنية والإنسانية الرائعة، حيث يمثل
نور إحدى العلامات المضيئة التى أعطت للفن وللجماهير الكثير بتنوع
أدواره وتألقه فى كل الأدوار التى أدى فيها، بداية من الثورى فى
الكرنك والمنتقم فى ضربة شمس وناجى العلى وسواق الأتوبيس وابن
رشد.. وعشرات الشخصيات التى برع فيها ممثلة فى شريحة واسعة من
شرائح المجتمع المصرى وإن كنت كناقد ومؤرخ رياضى أحتفظ له بدور
شحاتة أبو كف فى فيلم «غريب فى بيتي» مع السندريللا سعاد حسنى
والذى جسد فيه نجم ناشئى الزمالك، ودور لاعب كرة القدم القادم من
الأرياف بموهبته الكروية وأحلامه وطموحه فى اعتلاء صدارة الهدافين
ويواجهه العديد من التحديات التى تصطدم بها موهبته وما بين شد وجذب
وصراع ما زال يتحكم فى مستقبل المواهب الكروية القادمة لجحيم
الأضواء أدى نور الشريف الدور بكل براعة وإتقان، مستفيدًا من
خبراته كناشئ موهوب فى صفوف الزمالك نهاية الستينيات وقت إيقاف
الكرة بسبب نكسة 67 وكان محمد جابر دفعة فاروق جعفر وحسن شحاتة
وحسن بصرى والجوهرى وعلى بدر وغيرهم ممن حملوا راية النادى خلال
السبعينيات وإن كان توقف الكرة أنهى أحلام الفتى الموهوب فى أن
يصبح نجم شباك هو أحق به فإنه نجح فى أن يعتلى منصة النجومية فى
شباك الفن وهذا يدل دلالة أكيدة على الارتباط الوثيق بين الفن
بالرياضة.. رحم الله النجم نور الشريف.
•
قانون الرياضة الجديد الذى أقره مجلس الوزراء أوصى بعدم استخدام
مراكز الشباب فى السياسة فهل سيكون هذا مؤشرًا لابتعاد أعضاء مجلس
الشعب عن رئاسة مراكز الشباب وامتطائها فى الدعاية المجانية من
خلال دورات هذه المراكز، بل لا أكون مبالغًا إذا قلت أن السادة
النواب كانوا سببًا مباشرًا فى تدنى الأوضاع الرياضية فى هذه
الروافد البطولية.
بل إن بعض هؤلاء النواب كتبوا أسماءهم بالبنط
العريض على مراكز الشباب هل فعلاً يتم إقصاء السياسة عن الرياضة فى
مراكز الشباب أم ينجح النواب والسياسيون الجدد فى الالتفاف حول هذا
البند.• |
