هناك من يحصي في هوليوود كل عام السيناريوهات التي تمّت كتابتها
وتقديمها إلى شركات الإنتاج، حيث انتهت في أدراجها. سيناريو «وحش
مال»
Money Monster
لجودي فوستر هو أحد هذه السيناريوهات، إذ كتب ألان ديفوار قصّة هذا
الفيلم والنسخة الأولى من السيناريو سنة 2013، ولم يتحرّك العمل
عليه إلا في العام الماضي.
في الواقع هذه ليست فترة استثنائية، لكن في حين اعتادت جودي فوستر
إنتاج معظم الأفلام التي تريد إخراجها، ورد إليها هذا الفيلم عبر
وكيل أعمالها جو فونيشييلو. قرأت السيناريو وأعجبت به وازداد
حماسها عندما علمت أن جورج كلوني يقف وراء عملية إنتاجه.
كذلك هو ممثله الأول وجوليا روبرتس، التي التقى بها في أكثر من
فيلم سابقًا، هي بطلة المشروع من النساء.
معالجة جودي فوستر لهذا الفيلم تنفيذية تتبع هوى السيناريو والرغبة
في خلق تشويق ناجح وهي التي سبق لها أن عمدت إلى أسلوب الانتماء
فإذا بأفلامها الماضية، مثل «الرجل الصغير تايت» و«القنفذ»، تحمل
نبرتها الفنية أكثر مما يفعله الفيلم هنا.
بعد عرض الفيلم، جلسنا نتداول هذه الشؤون في نحو ربع ساعة تكمن بين
طابور من المقابلات السابقة واللاحقة.
·
هل كنت تبحثين عن فيلم تشويقي عندما تسلمتِ هذا المشروع؟
-
لا. كنت أفكر في خطوتي التالية. كان عندي مشروعان أفكر فيهما
كمخرجة وأحدهما كان فيلمًا أقوم بإنتاجه فقط عندما وصل إليّ هذا
السيناريو. قرأت السيناريو وتحمست له ثم بعثته إلى جورج كلوني الذي
وافق على إنتاجه وتمثيله. علي أن أؤكد أن كل شيء كان سهلاً من
الناحية الإنتاجية. أسهل من أفلامي السابقة.
·
هل صحيح أن السيناريو كان مهملاً إلى أن تم اكتشافه؟
-
أعتقد أن ذلك صحيح، ولو أنني لم ألمّ كثيرًا بتفاصيله. أعتقد أنه
كُتب قبل أربع سنوات ولم يجد من يهتم به آنذاك فدخل غرفة الانتظار.
·
هل هو السيناريو نفسه الذي عملت عليه؟
-
إلى حد كبير نعم. لكن بالطبع هناك تغييرات ككل سيناريو آخر
تقريبًا. مثلاً وجدنا أننا نستطيع إضافة بعض التوتر الإضافي، لو
بدأنا الأزمة التي يواجهها المقدّم التلفزيوني باكرًا. اختصرنا
مشاهد التمهيد وبعد أقل من ربع ساعة ها هو الشاب الذي خسر كل ماله
يقتحم الاستوديو.
·
هذا ساعد في اعتقادي بمنح الفيلم شكل «الوضع الخاص». حدث معين في
رقعة محددة.
-
صحيح. هذا ما كان مطلوبًا من البداية.
·
هل تجدين أن الفارق بين فيلمك هذا وأفلامك السابقة كمخرجة هو أنك
سابقًا ما اخترت أعمالاً تريدين منحها هويتك الشخصية؟
-
أستطيع أن أوافق على ذلك. لكن ما هو أكثر اختلافًا بالنسبة لي هو
أن الفيلم الحالي ينتمي إلى هوليوود أكثر من أفلامي السابقة.
الإنتاج يريد أن يطلق فيلمًا مثيرًا يجذب إليه الجمهور الكبير
وأعتقد أن هذا ما سيحدث. أفلامي السابقة كانت أكثر اعتناقًا لمبدأ
أنه فيلم مستقل في الأساس لجمهور محدود. منذ البداية بدا واضحًا لي
أن «وحش مال» ليس الفيلم الذي يتطلب معالجة فنية بل هو فيلم
للغالبية الكبرى من المشاهدين، ولذلك علي أن أنضوي تحت شروط
مختلفة. على الرغم من ذلك أردت أن يكون في الوقت ذاته فيلمًا جيدًا
وذكيًا فيما يطرحه.
·
هل ترين أنك حققت ذلك عن طريق أداء الممثلين؟
-
جورج (كلوني) وجوليا (روبرتس) ممثلان محترفان وموهوبان لدرجة
كبيرة. وجاك أو كونَل هضم المطلوب منه سريعًا. كان العمل مع الجميع
سهلاً لأننا اشتركنا في تحديد ما نريد تحقيقه من هذا الفيلم. إذن
الممثلون كانوا مهمين جدًا في هذا النطاق كما لاحظت.
·
حضرتِ «كان» منذ أربعين سنة كاملة عندما كنت ممثلة صغيرة. الفيلم
كان «سائق التاكسي» طبعًا. كيف تشعرين حيال ذلك؟
-
على صعيد شخصي بأني كبرت أربعين سنة (تضحك). على صعيد آخر حضوري
«كان» هنا سنة 1976 كان مثل دخول أليس إلى «ووندرلاند». دخلت
عالمًا كبيرًا من الأضواء، وخرجت منه كما لو كان حلمًا. الآن أنا
أكثر استعدادًا بالطبع.
·
رغم استعدادك، فإنك تأثرت من الاستقبال الكبير الذي شهده الفيلم
فذرفت دموعًا على المنصّة؟
-
من الرائع أن تشعر بأن لديك من يقدِّر ما تقوم به ومن يعبر عن
إعجابه بالتصفيق الطويل والوقوف ولو لبعض الدقائق. تشعر بأنك أنهيت
مرحلة بنجاح ويحفزك ذلك على مرحلة أخرى. أن يحدث كل ذلك في «كان»
وأمام هذا الجمهور المثقف أثَّر في كثيرًا.
«الشرق
الأوسط» في مهرجان «كان» 4 :
فيلم مصري يفتتح «نظرة ما».. وإسرائيلي لمخرجة فلسطينية
«اشتباك»
فيلم صادم أريد له أن يكون كذلك
كان: محمد رُضا
لم يكن الإقبال يوم أول من أمس على الفيلم المصري «إشتباك» مشهوداً
له بالكثافة، وأقل منه مستوى الإقبال على الفيلم الإسرائيلي الذي
تبعه «أمور شخصية».
«إشتباك»، الفيلم الثاني لمحمد دياب من بعد «678» الذي حققه سنة
2010 حول ظاهرة التحرش بالمرأة في حافلات الدولة، لا يخيب أمل
منتظريه من حيث جدية تناوله الأحداث السياسية والأمنية التي شهدتها
مصر في العام 2013 عندما اندفعت المظاهرات الأخوانية مطالبة بإطلاق
سراح الرئيس المعزول محمد مرسي.
«أمور شخصية»، من ناحيته، لمخرجة أول مرّة أسمها مها حاج وهو ليس
عن أحداث كبيرة، بل، وكما يوحي عنوانه، عن وقائع يومية عادية في
حياة أسرة صغيرة مكوّنة من جيلين. الفيلمان يختلفان في كل شيء
لدرجة النقيض. وفي حين رغب الحاضرون مشاهدة فيلم مصري عن الواقع
المصري ذاته، كان الفضول مختلفاً بالنسبة لـ «أمور شخصية» فالموضوع
الفلسطيني قائم قبل وبعد ثورات الربيع العربية وما آلت إليه
والمخرجة فلسطينية والفيلم مقدّم بإسم إسرائيل. الأمر الذي أدى إلى
تكرار ما إذا كان الفيلم يُـحسب لمخرجه وينتمي إلى هويته أو يُـحسب
لمنتجيه ويحمل، بالتالي، هوية الدولة التي ينتمون إليها.
صدام إبناء الشعب الواحد
العرض الصحافي لفيلم «إشتباك» كان للنقاد والصحافيين فقط، لكن
الحفلة التالية له، كونه فيلم إفتتاح مسابقة «نظرة ما» (التظاهرة
الرسمية الثانية في المهرجان)، لجمهور عام وكل من في الفيلم من
ممثلين ومسؤولين (أكثر من ثلاثين فرد) صعدوا على خشبة الصالة
وبادلوا الجمهور التحية.
«إشتباك» فيلم مهرجانات بلا ريب. ذلك النوع من الأفلام الذي بغض
النظر عن مستواه، حالما يرتفع عن مستوى القبول، يجذب اهتمام
المشاهدين لسببين رئيسيين: الأول أنه، كما ذكرنا، عن أحداث مصر
الأمنية في إحدى أهم حقبها التاريخية الحديثة، والثاني أن الفيلم
يجمع 25 ممثلاً في شاحنة أمن مغلقة طوال الوقت (بإستثناء لقطات
قليلة). هذا كم كبير من الأشخاص الذين عليهم التعايش علماً بأنهم
مؤلّفين من مؤيدين لمرسي ورافضين له. الكاميرا لا تغادر الشاحنة
وتحشر نفسها وسط هذا الحشد من الممثلين بفاعلية.
بعد أقل من عام على حكم الرئيس مرسي، وقع إنقلاب عسكري أطاح بحكمه
ما أثار الشارع الإسلامي في مصر المؤلف من حزب الأخوان المسلمين
أساساً وبعض المؤيدين. الفيلم يفتح على مذيع تلفزيوني ومصوّره وهما
في المكان الخطأ في الوقت الخطأ. تعترضهما الشرطة فيخبرها الأول
إنه «أميركي مصري» يعمل لوكالة أسوشياتد برس. لكن البوليس يرميهما
في الشاحنة المخصصة للمعتلقلين. الشاحنة خالية لكن بعد قليل تم
إيقاف عدد من المتظاهرين الذين اعتقدوا أن الصحافيين من الأخوان
فرشقوا الشاحنة بالحجارة. البوليس يقبض عليهم (ومن بينهم أولاد
ونساء) ويدخلهم بالقوّة إلى الشاحنة. ما هي إلا فترة قصيرة ويلقي
البوليس القبض على نحو عشرة أفراد آخرين إنما من المتظاهرين
المؤيدين لمرسي ويحشرهم في الشاحنة ذاتها. ما أن يدخل هؤلاء حتى
تقع معركة بينهم وبين المعارضين لمرسي يتدخل البوليس لفضها.
بعد ذلك، ينصرف المخرج لعرض بانوراما إجتماعية لهذه الشخصيات
المتناحرة ذات المذاهب السياسية المختلفة. مع وصول الفيلم إلى
نهايته بعد ساعة و37 دقيقة وبعد عرض أحداث دامية مصدرها حينا
البوليس الباطش وأحياناً المتظاهرون الذين لا يكفون عن رشق الشاحنة
بالحجارة وإلقاء الأنوار الليزيرية، كما الخلافات المستشرية بين
البعض من الفريقين، ينتهي الفيلم بمفاد أن الجميع ضحاياً الوضع
المتأزم. الفيلم ينتهي بالشاحنة مقلوبة ومجهولي الإنتماء يهاجمون
من فيها، صغاراً وكباراً، إناثاً ورجالاً، في عنف جلي.
«إشتباك» فيلم صادم لا جدال. أريد له أن يكون كذلك وحقق- بالصورة
وعبر الوجوه المختلفة لشخصياته- ذلك. لكنه بالكاد فيلم جيد. إنه
مثير للمتابعة وليس فيه أي هنّـات تنفيذية تذكر، لكن الدراما التي
يودعها فينا تبقى محدودة الأثر. خالية من عمق مطلوب. الجهد المبذول
(استمر التصوير لـ26 يوما بكاميرا
Alexa Mini)
منهمك في إنجاز فيلم محبوس في مكان واحد مع شخصيات أكثر مما يكترث
المرء لمتابعته. مع عدد أقل، وبمواقف أقل تكراراً، كان يمكن للفيلم
أن ينحو صوب إلقاء ظلالات أكثر وضوحاً على كل ما يريد قوله من دون
أن يخسر حدّته ومن دون التخلي عن حياده (ولو أن ذلك الهدف سيصبح
أكثر صعوبة في هذه الحالة).
يختار المخرج ما يريد تداوله. حاجة البعض (إثنان فقط) للتبوّل
طبيعية لكنها محشورة لأن الأحداث تقع طوال يوم وليلة وليس من
المعقول أن شخصان فقط هما من شعرا بهذه الحاجة. كذلك لم يشكو أحد
من الجوع ومعظمهم لم يتناول الماء طوال تلك الساعات. كون الفيلم
يفتح جبهة هذا الوضع كان عليه أن يفكر في كيفية إغلاقها.
ليس هذا من باب تقليل أهمية ما يدور، بل نقد بعض الوسائل التي
اعتمدها المخرج لفيلمه ومن بينها الإضطرار لإبقاء التوتر عالياً
والمكان مضجاً عوض أن يختار مساحات كافية لطرح الأمور ذاتها بنبرة
منطقية. الأمن في الفيلم هو المدان أكثر من سواه لكن ذلك يتم من
دون النظر إلى الدوافع ذاتها. كل هذا يدفع المشاهد لمنطقة من الصعب
فيها قبول ما يعرضه الفيلم كواقع حتى ولو كان مستمداً من أحداث
واقعة واحتمالات حقيقية.
علاقات مثيرة للإهتمام
أحداث «أمور شخصية» بالغة الإختلاف. هو أيضاً يبتعد قدر ما يستطيع
عن طرح الوضع السياسي وبل يستأصل (على عكس «إشتباك») إحتمالاته.
مها حاج تفتح على زوجين أمضيا سنوات مديدة معاً ويعيشان وحدهما في
الناصرة في الزمن الراهن. روتين العلاقات طغى. البرودة فيها سادت.
الزوج يسأل طوال الوقت والزوجة تجيب. يريدها أن تستمع لما يقرأه
من مقالات علمية وغذائية وهي لا تأبه لذلك. يمضي النهار فتلجأ إلى
التلفزيون لتتابع مسلسلاته.
يشكو الأب لإبنه الذي يعيش في ستوكهولم. هذا نراه يخرج إلى شرفة
الشقق التي يعيش في إحداها في كل مساء، فتنهض على الفور الجارة من
على كرسيها وتدخل البيت والكرسي معها. يتصل الشاب بشقيقه طارق الذي
يعيش في رام الله ويطلب منه ان يزور والديه للتخفيف عنهما. يفعل
ذلك على مضض ويعود إلى رام الله (حيث تعيش شقيقته المتزوجة) محملاً
بالطعام. شقيقته تعني بجدتها التي فقدت الذاكرة وزوجها جورج يعمل
في محل تصليح سيارات. أما طارق فلديه علاقة متوترة مع الفتاة التي
يعتقد أنه يحبها وأسمها ميساء (ميساء عبدالهادي). يتشاجران عند
حاجز للجيش الإسرائيلي مع بعضهما البعض فيتم حجزهما والتحقيق معها
لعلهما إرهابيين. في الوقت ذاته يلبي الزوجان العتيقان دعوة إبنهما
في السويد الذي استأجر لهما منزلاً يشرف على بحيرة. هناك فقط
تبتسم الأم وتضع رأسها على كتف زوجها في نهاية مناسبة.
كفيلم أول لها، تنجز مها حاج فيلماً محسوباً بلقطاته المؤطرة
بأوضاع صحيحة وبأسلوب كلاسيكي. لا مغامرات أسلوبية هنا بل نظرة
باردة نوعاً حيال حياة شخصياتها. ومع أن الفيلم لا يطرح أي وضع
سياسي، إلا أنه يوحي به من خلال هنّـات منفردة كلما تم ذكر ما
يستطيع الفلسطيني القيام به أو عدم القيام به تبعاً للقوانين
الإسرائيلية. كذلك يعكس ذلك الفتور التام في علاقات الجيرة في
الغرب من خلال ملاحظة (عبر كاميرا منصبّـة عن بعد) كيف لا تأمن
الجارة (وهي ليست صغيرة السن) لجارها لكونه عربياً فتترك الشرفة
المشتركة وتدخل بيتها ولا تنسى أن تأخذ كرسيها معها.
على ذلك، الوقع العام للفيلم أقل من المأمول. ابتعاد المخرجة عن أي
طرح من شأنه إخراج العمل من بحث الأمور الشخصية، كما عنوانه،
لتداول ولو بحدود شؤون حياة فلسطينيي الداخل، يعود على الفيلم
بحالة لا تتعدى إثارة الإهتمام إلى الإهتمام الفعلي. |