نواصل عرض تقييمنا الخاص لجميع الأفلام المشاركة في
المسابقة الدولية لمهرجان برلين السينمائي الدولي السابع والستين،
في محاولة لإلقاء نظرة على واحدة من أهم المنافسات السينمائية في
العالم، واستقراء الاحتمالات الممكنة لما ستسفر عنه اختيارات لجنة
التحكيم في مطلع الأسبوع المقبل.
كُتبت
هذه الرسالة بعد عرض عشر أفلام من بين
18
فيلماً
تتنافس في المسابقة.
أثر الحيوان
Spoor -
أنجيكا
هولاند
(بولندا)
في قرية صغيرة على الحدود البولندية التشيكية كل سكانها تقريباً
يمارسون الصيد في الغابات المجاورة، تعيش سيدة متقاعدة محبة
للحيوانات مع كلبتيها، حتى تختفي الكلبتان بشكل مفاجئ، لتبدأ
السيدة دوسيكو الوقوف على طريقتها في وجه مجتمع محلي يتعامل جميع
أفراده تقريباً مع القتل غير المبرر للحيوان باعتباره أمر بديهي من
يحاول مناقشته مخبول.
الفيلم
يمزج بين مشاهد الحيوانات البرية المصورة بشكل شبه تسجيلي، مع
حكاية تشويقية حول مقتل صيادي القرية تباعاً بصورة لا توحي بتدبير
قتلهم
(طبعاً
بالإمكان تخيل ما يحدث بشكل عام)،
بالتوازي مع خلق مواجهات درامية متتالية بين السيدة دوسيكو التي
تصير مهووسة حرفياً بالدفاع عن الحيوانات، وبين المحيطين بها ومنهم
على سبيل المثال قس القرية الذي يتحفظ على تشبيهها الكلاب
بأبنائها، مؤكداً أن الحيوانات ليس لها أرواحاً خالدة وبالتالي لا
يعد قتلها خطيئة.
"أثر
الحيوان"
هو
الفيلم المثالي لمحبي الحيوانات والمطالبين بحقوقها، وفيه أداء
مؤثر من الممثلة المخضرمة أنجيكا ماندات، وقدرة من المخرجة على خلق
جو عام بريّ حقاً.
يعيبه
بعض التعثر في إيقاع السيناريو خاصة في فصل الفيلم الثاني، لكنه
يبقى واحداً من أبرز الأفلام المعروضة في المسابقة حتى الآن.
التقييم:
ثماني
درجات من عشرة
امرأة مدهشة
A Fantastic Woman-
سيباستيان ليليو
(تشيلي)
من بين
عشرة أفلام تم عرضها حتى الآن، يمكن القول أن المخرج التشيلي
المخضرم هو الوحيد الذي ضمن جائزة واحدة على الأقل، بعدما قدم أكثر
أفلام المسابقة اكتمالاً على كل المستويات.
عمل من
الطراز الأول في السيناريو والإخراج والتمثيل، وقضية إنسانية
وحقوقية تمنحه المزيد من الثقل لدى لجنة التحكيم.
أداء
بديع من الممثلة المتحولة جنسياً دانيلا فيجا، لشخصية فتاة متحولة
تنهار كل أحلامها في ليلة واحدة، فتجد نفسها وحيدة في مواجهة عالم
كامل من الرفض والاتهام والتنكيل الجسدي والنفسي.
حبيبها
رجل الأعمال الذي يكبرها بعقدين يصاب بأزمة صحية مفاجئة في ليلة
الاحتفال بميلادها، لتغير مقعدها في ظرف ساعات من الحبيبة الحالمة
بأيام أفضل، إلى شخص غير معترف بهويته الجنسية، تلاحقها اتهامات
وتكذيب لكل ما تقوله، ويريد الجميع حرمانها من أبسط حقوقها في وداع
رجل يحبها وتحبه.
ليليو
مخرج كبير بحق، يتعامل مع كل تفصيلة من فيلمه بإتقان لا يفتقد
للمشاعر.
يقسم
الحكاية لأجزاء أولها يحمل بعض التشويق لحين التأكد من هوية البطلة
الجنسية، لتنطلق بعدها سلسلة من التداعيات بالغة القسوة التي
تواجهها مارينا بهشاشة أحياناً وتماسك أحياناً، مع كثير من الألم
وبعض الجنون.
التقييم:
تسع
درجات من عشرة
ليال مشرقة
Bright Nights -
توماس
أرسلان
(ألمانيا)
أسخف
أفلام مسابقة برليناله وأكثرها مللاً.
فيلم
سند وجوده الوحيد في المسابقة هو الرغبة الدائمة في تمثيل ألمانيا
بأكثر من فيلم.
عدد
الأفلام الألمانية هذا العام هو ثلاثة يمكن القطع قبل مشاهدة
الفيلمين الآخرين أن
"ليال
مشرقة"
سيكون
الأسوأ بينهم.
حكاية
محفوظة عن الأب الذي لا تربطه أي علاقة بابنه ثم يضطر لخوض رحلة
معه بعد وفاة الجد، لكن مع افتقاد تام حتى لما يقوم بصياغة الحكاية
المحفوظة الاعتيادية:
لا
منطق محبوك لأسباب الرحلة ودوافع موافقة الابن عليها، لا مواقف
حقيقية يتعرض لها البطلان في رحلتهما تكفي لجعلها سبباً للتقارب
بينهما، ولا مواجهة فعلية بينهما تصل بهما إلى التصالح الافتراضي
الذي كان من الطبيعي أن ينتهي عليه فيلم أكثر نمطية من الكليشيه.
يمتلك
فيلم أرسلان لقطة هي الأسوأ على الإطلاق.
قرابة
الأربع دقائق نتابع من خلالها تحرك سيارة في طريق جبلي عبر كاميرا
من وجهة نظر السائق.
أربع
دقائق من السير بلا هدف في طريق لا يمتلك أي جماليات تذكر، بكاميرا
مهتزة بسبب حركة السيارة، دون أي داعٍ درامي أو سبب لوضع لقطة كهذه.
التقييم:
درجتان
من عشرة
الحفل
The Party -
سالي
بوتر
(بريطانيا)
فيلم مسرحي الطابع أشبه باسكتش طويل خفيف الظل، نجح في انتزاع
العديد من الضحكات خلال العرض الصحفي، تفاعلت مع المواقف السيئة
التي يشهدها لقاء يفترض أن يكون احتفالاً بين مجموعة أصدقاء من
البرجوازية البريطانية بتعيين إحداهن وزيرة في حكومة الظل.
التصوير بالأبيض والأسود والتكوينات الغرائبية والتمثيل
الكاريكاتوري، كلها أدوات حاولت المخرجة استخدامها للهرب من أكبر
مأزق في فيلمها، وهي كونه عملاً حوارياً فحسب، كل مصادر قوته تنبع
من الحوار خفيف الظل الذي يمتلك أحياناً وجهة نظر ناقدة لطبقة
الشخصيات، ويكون في أحيان أخرى مجرد ضحك من أجل الضحك.
بشكل
عام لا يمكن وصف تجربة
"الحفل"
بالسوء، ففي النهاية قضى الجميع سبعين دقيقة مليئة بالضحكات، لكن
يصعب تصور وصول الفيلم لأبعد من هذا سواء في منافسة برليناله أو
بعدها.
التقييم:
ست
درجات من عشرة.
السيد لونج
Mr. Long -
سابو
(اليابان)
تجربة
غريبة يقدم عليها المخرج الياباني سابو في
"السيد
لونج"،
بتقديمه عمل يجمع بين أكشن شرق آسيا على الطريقة الكلاسيكية التي
يصرع فيها شخصاً عشرين خصماً باستخدام مديّة صغيرة، وبين الكوميديا
الملامسة لحدود الفارص، وبين قصة حب غير معتادة تنشأ بين القاتل
المحترف التايواني الذي يجد نفسه مضطراً للعمل كطباخ شوارع في
اليابان كي يعود لوطنه، وبين مدمنة مخدرات تعيش في رعاية ابنها
الذي لا يتجاوز سبع أو ثماني سنوات.
المقدمات كما يبدو مناسبة لصناعة فيلم مختلف مدهش في تفاصيله.
لكن
المشكلة تكمن في أن هذا الاختلاف والإدهاش يظهر في لحظات بعينها
متناثرة في زمن الفيلم الممتد لحوالي الساعتين والربع، يفصل بينها
الكثير والكثير من الحشو والركود الدرامي والمشاهد التي يمكن
الاستغناء عنها.
إيقاع
بطيء اختاره المخرج لفيلمه لا يبدو هو الأنسب لسبب بسيط هو أن
"السيد
لونج"
لا
يصير ممتعاً بحق إلا في اللحظات التي يتخلص فيها من هذا التمهل.
التقييم:
خمس درجات من ستة
####
مهرجان برلين-
"اصطياد
أشباح"..
إعادة بناء لذاكرة السجين الفلسطيني
أحمد شوقي
على مدار السنوات الماضية، بدأت موجة من الأفلام
التسجيلية ـ العربية غالباً ـ في التعامل بشكل مغاير مع تجربة
السجن، ليس من مدخلها السياسي والاجتماعي كما اعتادت السينما أن
تتناولها قديماً، وإنما كخبرة نفسية عنيفة تترك آثاراً لا تُمحى في
روح كل من يتم احتجازه داخل السجن.
وخلال
العام الماضي شاهدنا فيلما بعنوان
"تدمر"
للمخرجين مونيكا بورجمان ولقمان سليم يعيد فيه سجناء سجن تدمر بناء
نسخة من السجن في محاولة لاستعادة مشاعرهم وراء الأسوار.
المخرج
الفلسطيني رائد أنضوني يأتي لبرليناله
67
بتجربة
مشابهة في المدخل أكثر عمقاً في تفاصيلها يعرضها فيلمه الجديد
"اصطياد
أشباح"
المعروض ضمن قسم البانوراما التسجيلية.
فيلم
أنضوني بدأ من إعلان نشره بصحيفة في رام الله يطلب فيها من النزلاء
السابقين في سجن مسكوبية بالقدس للعمل في فيلم حول خبرتهم، ليأتي
له سجناء سابقين بمسكوبية وآخرين كانوا بسجون أخرى، بالإضافة إلى
مهتمين بالقضية وراغبين في الوجود ضمن فريق الفيلم.
يقوم
أنضوني مع فريقه بإعادة بناء السجن من ذاكرتهم، مع اتفاق مسبق
أبرمه معهم المخرج هو تصوير كل مراحل بناء السجن واستعادة الذكريات
داخله وإعادة تمثيلهما من قبل طاقم الفيلم، لتكون هذه العملية هي
ذاتها الفيلم.
الفيلم
ليس عن الذاكرة أو عما حدث داخل مسكوبية، وإنما هو عن تبعات هذا في
أرواح الشخصيات، كيف خلقت تجربة السجن شخصية جمعية تضم كل من اتم
احتجازهم، شخصية مرجعها الأول هو التخلي عن كل الأقنعة التي
يرتديها البشر ـ والرجال خصوصاً ـ خلال تعاملهم مع الآخرين.
داخل
السجن لا مجال للتظاهر بالتماسك في مواجهة آلام تعذيب لا يتوقف.
داخل
السجن يمكن أن يصير تبوّل سجين في سرواله علامة على القوة لا الضعف.
داخل
السجن تسقط أقنعة الذكورة الاعتيادة وتحل محلها صداقة متينة ممزوجة
بالدم والعرق والأنين، مع كثير من المناوشات والسخرية وأحياناً
الشجار الذي لا يُفسد الود.
منازعات تتولد هنا وهناك بين شخصيات الفيلم، ليس فقط في إطار العمل
ومحاولة فرض السطوة المهنية، وإنما أيضاً داخل المشاهد التمثيلية
التي كثيراً ما يفلت فيها الزمام من يد أحدهم عندما يزيد انغماسه
في ماضي السجن.
"اصطياد
أشباح"
يسترجع
بالطبع الكثير من أساليب التعذيب البدني والنفسي في السجن
الإسرائيلي، لكن الأهم من هذا هو تأكيده بطريقة خلاقة أن كل هذا
التنكيل لم ينجح في أن يكسر نفوس من تعرضوا له.
صحيح
أضاع بعض سنوات عمرهم وترك في أرواحهم ندبات تنتهز الفرصة للظهور
على السطح، لكنهم احتفظوا بإنسانيتهم وكرامتهم وخفة ظلهم وتماسكهم
كأفراد ومجموعات، وهذا انتصار حقيقي يهديه الفيلم لكل سجين فلسطيني
سابق أو حالي. |