خاص-
سباق الدب الذهبي
(3):
توقعاتنا لجوائز برليناله بعد اكتمال أفلام
المسابقة
أحمد شوقي
بعد الانتهاء من مشاهدة
18
فيلماً
بالكامل هي جميع الأعمال المتنافسة في المسابقة الدولية لمهرجان
برلين السينمائي الدولي السابع والستين، نواصل رصدنا التقييمي
للأفلام، مع وضع قائمة بتوقعات لمن ستذهب إليهم الجوائز التي سيتم
الإعلان عنها مساء اليوم السبت من قبل لجنة تحكيم رأسها المخرج
الهولندي الأمريكي بول فيرهوفن، وشارك فيها عدد من كبار صناع
السينما من بينهم النجمة الأمريكي ماجي جيلينهال والمنتجة التونسية
درة بوشوشة.
بويز
Beuys -
أندرياس فييل
(ألمانيا)
صعوبة
الإقدام على صناعة فيلم عن فنان مؤثر تكمن في ضرورة أن يأتي العمل
ـ ولو قليلاً ـ بقدر من الدهشة يتناسب مع موضوعه.
هذه هي
المشكلة الجوهرية في الفيلم التسجيلي الوحيد المتنافس على الدب
الذهبي، والذي يحاول مخرجه رصد تجربة الفنان المثير للجدل جوزيف
بويز، واحد من أكثر المؤثرين في صورة الفن الحديث، وصاحب إتجاه
تأسيس يعتبر أي إنسان هو فنان بالضرورة، وأي شيء يصلح أن يكون
عملاً فنياً.
آراء
بويز ظلت وستستمر موضعاً لجدل وخلاف لا ينتهي، لكن فيلم فييل جاء
على النقيض منها:
تائه
متخبط البناء، بلا سياق تاريخي أو فني يصنع من المادة الأرشيفية
الثرية التي يملكها فيلماً يضيف لمن يشاهده.
مجرد
مجموعة من لقطات كثير منها بالطبع مثير ومدهش خاصة أحاديث بويز
نفسه.
لكن
الناتج النهائي عنها ليس مفيداً لأي طرف، فمن يعرفون بويز لن يجدوا
في الفيلم ما يضيف إلى موقفهم أو يعدله، ومن لا يعرفونه من العسير
أن يجدوا في الفيلم ما يهمهم أو يدفعهم لاستكماله من الأساس.
التقييم:
ثلاث
درجات من عشرة
الجانب الآخر للأمل
The Other Side of Hope -
آكي
كوريسماكي
(فنلندا)
واحد
من أفضل ثلاثة أفلام ضمتها المسابقة، وأحد المرشحين البارزين
للجوائز مالم ترغب لجنة التحكيم في تفادي فوز فيلم آخر يتعلق
باللاجئين بعد تتويج
"فوكوماريه"
جيافرانكو روزي بدب العام الماضي الذهبي.
فيلم
كوريسماكي ليس بالضبط عن اللاجئين، بل هو بالأساس عن الإنسانية
التي لا ينبغي أن نسمح للمتغيرات السياسية أن تفقدنا إياها.
مهاجر
سوري غير شرعي يصل هلسنكي داخل شحنة فحم، يُرفض طلبه باللجوء فيهرب
ليساعده رجل فنلندي ستيني ترك مهنته وقرر أن يشتري مطعماً ليديره.
وعبر
الصداقة غريبة الأطوار التي تنشأ بين المهاجر خالد ورب العمل
ويكستروم وأربع شخصيات أخرى، يستخدم المخرج المخضرم لغته
السينمائية المعتادة بمواقفها الكوميدية الهادئة والهازئة بالعالم،
بتكويناته وديكوراته التي تعيد العالم كله ثلاثة عقود للخلف.
ليصنع
كوريسماكي فيلماً السياسة داخله بشكل عضوي طبقاً لموضوعه، لكنه لا
ينشغل بها قدر انشغاله بالبشر، تماماً ككل أفلام مخرجه.
التقييم:
ثماني
درجات من عشرة
كولو
Colo -
تريزا
فيافيردي
(البرتغال)
قراءة
ملخص هذا الفيلم وتطورات أحداثه يبدو أكثر إمتاعاً بكثير من مشاهدة
الفيلم نفسه.
حكاية
أسرة برتغالية يترك الأب فيها عمله فتضطر الأم للحصول على وظيفة
إضافية بينما تبدأ الابنة رحلات ليلية تستكشف فيها العالم من وجهة
نظر مراهقة محبطة لم يعد أهلها قادرين حتى على تسديد فاتورة
الكهرباء.
المشكلات بدلاً من أن تقارب بين الثلاثة تتسبب في عزلة كل منهم في
دوامته الخاصة.
الحكاية تبدو في السطور السابقة تحمل بذور المتعة، لكن المخرجة
تحولها إلى ساعتين وربع من الرتابة مع بعض اللحظات الجيدة القليلة.
الذهنية الواضحة في اختيار كل عناصر الفيلم وعلى رأسها حركة
الكاميرا والتكوين وديكور شقة الأسرة تزيد التفاعل مع الفيلم
صعوبة، وطوال الوقت يرتفع حاجز بيننا وبين التفاعل مع هذه الشخصيات
رغم محنتها وما تتعرض له من مواقف.
التقييم:
خمس
درجات من عشرة
عودة إلى مونتوك
Return to Montauk -
فولكر
شلوندورف
(ألمانيا)
أكبر
مخرجي المسابقة عمراً وتاريخاً يعود بفيلم أشبه بالدراما
التلفزيونية في معظم أجزائه.
طاقم
التمثيل الرائع يحمل الفيلم على عاتقه خلال نصفه الأول، الذي يصل
فيه روائي ألماني شهير
(ستيلان
سكارسجارد)
إلى
نيويورك لإطلاق كتابه الجديد، وهناك تعيش زوجته التي تصغره سناً
(سوزان
فولف)،
لكنه يصير مهووساً بمطاردة حبيبته القديمة التي انفصل عنها قبل
سنوات
(نينا
هوس).
الحكاية كما هو واضح ملائمة تماماً لدراما اجتماعية تلفزيونية، لكن
ثلاثي التمثيل ومعهم مخرج استعاد بعض حيويته في نقل عالم نيويورك
الصباحي والليلي إلى الشاشة، يبثون في الفيلم شحنات متتالية من
التوتر والرغبة في معرفة دوافع الشخصيات، وعلى رأسها البطل الذي
يبدو حرفياً وكأنه مدمن متعاف وجده نفسه فجأة أمام جرعة من مخدره
المفضل.
إلا أن
هذا التوتر يتناقص في الوقت الذي يفترض أن يبلغ فيه ذروته، حتى
تكون أضعف مشاهد الفيلم إجمالاً في تتابع سفر الحبيبين القديمين
إلى مونتوك، أي في الذروة التي اختارها شلوندورف عنواناً لفيلمه.
في
المجمل
"عودة
إلى مونتوك"
ليس
فيلماً سيئاً
(أفضل
الأعمال الألمانية الثلاث في المسابقة بالتأكيد)،
لكنه شوهد من قبل عديد المرات، لا يمتلك خصوصية تجعله يبقى في
الذاكرة طويلاً خاصة وهو آت من صانع أفلام محنّك.
التقييم:
ست
درجات من عشرة
على الشاطئ في الليل وحيدة
On the Beach at Night Alone -
هونج
سانجسو
(كوريا
الجنوبية)
لا
يزال المخرج الكوري هونج سانجسو قادراً على تقديم حكاية عن الحب
بأبسط صورة ممكنة لتكون النتيجة جيدة
(بنسبة
أكبر للمشاهد المعتاد على أعماله).
ممثلة
كورية تترك بلدها وتذهب إلى ألمانيا هرباً من علاقة فاشلة.
نشاهدها لحوالي نصف ساعة تقديمية في هامبورج تقابل شخصيات وتتحدث
عن مشاعرها
(الفعل
الذي يميز معظم شخصيات سانجسو عموماً)،
قبل أن تعود إلى كوريا ليبدأ الجزء الأفضل من الفيلم على مستوى
الدراما والإيقاع.
لا
حبكة هنا بالمعنى المفهوم، وإنما تصاعدات من المشاعر والحوار
المعبر عنها، ينقلها المخرج للشاشة بطريقته المعتادة التي تمثل
لقطات الزووم إن ـ المزعجة أحياناً ـ بصمتها البصرية.
ليقربنا الفيلم أكثر في نصفه الثاني من الممثلة التي تشكل علاقتها
بمخرج متزوج واحدة من تساؤلاتها عن الحب والحياة.
لا
يبدو فيلماً مناسباً لمحبي الأعمال المزدحمة بالاحداث، ولا يبدو
أيضاً خياراً مثالياً إلا للجنة تحكيم تريد الانتصار لنوع ما من
السينما يصعب تصوّر أن يكون هو المفضل لبول فيرهوفن وماجي جلينهال.
التقييم:
ست
درجات من عشرة
خواكيم
Joaquim -
مارسيلو جوميز
(البرازيل)
خواكيم خوسيه دا سيلفا زافيه هو أحد كبار مناضلي الاستقلال
والمساواة في البرازيل خلال القرن الثامن عشر، وهو الشخصية
الرئيسية في فيلم المخرج مارسيلو جوميز، والذي بدلاً من أن يصنع
سيرة ذاتية اعتيادية، يقرر أن يروي رحلة خواكيم قبل أن يصير بطلاً،
وبالتحديد الفترة التي كان فيها ضابطاً في الجيش البرتغالي، مالك
للعبيد وباحث عن الثروات ومناجم الذهب.
على
المستوى البصري يقدم
"خواكيم"
صورة
بالغة الثراء والواقعية للبرازيل قبل أكثر من قرنين، بطبيعتها
الجميلة والقاسية.
على
مستوى الفكرة يكسر جوميز الشكل التقليدي للبطل الوسيم الشجاع
بتقديم بطل ضد
anti-hero
نعلم
أنه سيصير لاحقاً قائداً للمناضلين.
أما
على مستوى بناء الشخصية تبقى هذه هي الحلقة الأضعف في الفيلم الذي
يسير طويلاً في طريق المغامرة بحثاً عن الذهب، ولا يضع يده رغم كل
المجهود على المنعطف الرئيسي ـ كدراما أو نظرية ـ الذي قرر خواكيم
عنده تغيير قناعاته ومسار حياته.
التقييم:
ست
درجات من عشرة
يوماً سعيداً
Have a Nice Day -
ليو
جيان
(الصين)
للمرة
الأولى من قرابة العشر دورات يختار برليناله فيلم تحريك للتنافس في
المسابقة الرسمية.
خيار
يبدو غريباً في ظل مستوى فيلم الصيني لو جيان الذي يملك الكثير من
النوايا الطيبة والعناصر الجيدة لكنه يبقى أقل من التنافس في محفل
مثل برليناله.
سباق
ثمانينياتي الطابع يدور حول حقيبة تحتوي على مليون يوان صيني.
شخصيات
تتقاطع مصائرها وتحركها غرائز الطمع والغضب والإغواء لتقتل بعضها
البعض.
حكاية
اعتيادة يعبر عنها المخرج برسوم يدوية ثنائية البعد تجمع بين
الجودة في تصميم الأماكن ورسم تفاصيلها، والتبسيط المخل في تقنيات
التحريك التي تجعل مشهد يقارب النصف دقيقة لا نشاهد فيه حركة سوى
عين تغمض وتفتح على سبيل المثال.
"يوماً
سعيداً"
يحتوي
على شخصيات خفيفة الظل، وحوار ذكي كثير من جمله مرتبطة بمرجعيات
فنية وسياسية راهنة، لكنه يبقى رغم ذلك فيلماً بلا تحدٍ حقيقي،
تستمتع بمشاهدته ثم تنساه سريعاً لأنه لا يحمل على مستوى الدراما
أو الفكر أو التكنيك ما يجعله عملاً مؤثراً أو يدفع لجنة تحكيم
للانتصار له على أفلام أخرى.
التقييم:
ست
درجات من عشرة
أنا حبيبتي
Ana, Mon Amour -
كالين
بيتر نيتزر
(رومانيا)
آخر
فيلم تم عرضه من مسابقة برليناله هذا العام، وأفضل عمل شاهدناه من
المسابقة في الأيام الأخيرة من المهرجان.
نيتزر
الذي توّج قبل عدة دورات بالدب الذهبي عن
"وضع
الطفل"
الملتزم بكل سمات الموجة الرومانية الجديدة، بجمالياتها المقتصدة
وحكاياتها الخطية سريعة الإيقاع ذات الخلفية السياسية، يغير من
جلده في
"أنا
حبيبتي"
فلا
يستعين إلا بطريقة التصوير والإضاءة، بينما يتخذ طريقاً أكثر رحابة
وحرية في السرد.
دراما
روائية ملحمية الطابع، عن سنوات من علاقة تجمع شاب برجوازي بفتاة
جميلة لكنها فقيرة لا تعرف والدها وتعاني من متاعب نفسية مزمنة.
الزمن
يتحرك بحرية كثيراً بخلاف الخطية المعتادة، مع قدر كبير من الحسية
لقدر مبالغ فيه أحياناً.
يميز
الفيلم الأداء الجيدة من بطليه المرشحان لجائزتي التمثيل، ويعيبه
التوقف كثيراً لتحليل دوافع وتصرفات الشخصيات نفسياً، وبعضها واضح
ليس في حاجة لسماع طبيب نفسي فيه
(حرفياً
فالبطل يزور طبيب نفسي ويستشيره).
"أنا
حبيبتي"
مختلف
بالتأكيد عن
"وضع
الطفل"
الذي كان أكثر إحكاماً ومباشرةً في توجهه.
التقييم:
سبع
درجات من عشرة
توقعات الجوائز
بالانتهاء من مشاهدة الثمانية عشر فيلماً المتنافسة صار بإمكاننا
أن نضع توقعاتنا للجوائز، أو بتعبير أكثر دقة نضع الخيارات التي
سنكون راضين عن لجنة التحكيم إذا ما اتفق أعضاؤها مع الخيارات
ذاتها، فمن المتوقع ودائم الحدوث أن تفاجئك اللجان باختيارات غريبة
وغير متوقعة.
أحسن
ممثلة:
أصعب
منافسة في ظل ظهور الكثير من البطلات بأداء متميز، لكن فرس الرهان
ستكون دانيلا فيجا الممثلة المتحولة جنسياً بطلة
"امرأة
مدهشة"،
التي قد يمثل فوزها ضربة بمزدوجة بتكريم ممثلة رائعة والإعلان عن
موقف اجتماعي.
باقي
الممثلات المميزات المرشحات للجائزة هن بطلات كل من
"فيليسيتيه"،
"عن
الجسد والروح"،
"أثر
الحيوان"
و"أنا
حبيبتي".
أحسن
ممثل:
التنافس هنا أقل حدة، ببروز أدوار رجالية أقل، يتصدرها رضا كاتب
بطل
"جانجو"
وبطلا
"عن
الجسد والروح"
و"أنا
حبيبتي"،
مع احتمالية لاختيار بطل الفيلم البرازيلي
"خواكيم"
أو منح
جائزة الإبداع الفني للفيلم عن التصوير.
أحسن
سيناريو:
الأفضل
في رأي كاتب هذه السطور هي سيناريوهات أفلام
"امرأة
مدهشة"،
"عن
الجسد والروح"
و"الجانب
الآخر للأمل".
أحسن
إخراج/
الدب
الفضي/
الدب
الذهبي:
الجوائز الثلاثة الكبرى والتي يصعب التمييز بينها
(فمن
البديهي أن يكون أحسن مخرج هو صانع أحسن فيلم):
سنكون
راضين تماماً إذا ما ذهبت الجوائز إلى
"امرأة
مدهشة"،
"الجانب
الآخر للأمل"،
"عن
الجسد والروح".
يليهم
"فيليسيتيه"
و"أنا
حبيبتي"
و"أثر
الحيوان". |