«المصري اليوم» ترصد تجربة 3 أشقاء فى فيلم تسجيلى: الكيلو
64 مغامرة سينمائية فى «أرض الأحلام»
كتب: مادونا
عماد
يعيش الكثيرون حياتهم دون البحث عن ذاتهم والاتجاهات المثلى
التى تناسب شخصياتهم وأيديولوجياتهم الفكرية وثقافتهم، فمن الثانوية العامة
وخوض معركة الوصول لكليات القمة، تموج الأحلام وتتساقط بين سعادة الوصول
للكلية المنشودة والخضوع إلى سوق العمل والوظائف الخالية. فتنسى هويتك
والمجال المُلائم لعقلك وحياتك، لكن استطاع شاب مصرى أن ينفض هذه الأفكار
عن حياته والسير عكس الاتجاه ويرصد تلك الأحداث والتحولات فى فيلم «الكيلو
64».
وائل الشناوى، عشرينى، اجتهد مثل بقية الشباب من أجل التفوق
بالثانوية العامة، والوصول إلى كليات القمة، وبالفعل استطاع الالتحاق بكلية
الصيدلة جامعة القاهرة، ويمر العام تلو الثانى، حتى يصل إلى العام الثالث،
فيبدأ فى البحث داخله عن عشق مدفون تجاه الزراعة، منذ نعومة أظافره.
ففى المراحل الأولى من حياته بطفولته، يتردد على منزل جده
بالقليوبية، ويطلّ على الأرض الزراعية التى يمتلكها ويهتم بزراعتها جده،
فيتعلق بالزراعة ويقرر تحويل مشاعره إلى واقع ملموس، فتكبر فكرته ويطرحها
على أسرته، المكوّنة من أبويه وشقيقيه، كريم وأمير.
تتفاجأ الأسرة بميوله إلى تكرار تجربة خاضوها من قبل،
فالوالدان يمتلكان أرضا زراعية، بطريق مصر إسكندرية الصحراوى، فى الكيلو
64، وبأحد الأيام حاولا استصلاحها، وظلا 7 سنوات يزرعان لكن فشل مشروعهما
وتكبّد كلاهما خسارة المشروع، لكن الشاب يرغب فى خوض تجربته بنفسه.
لا يعترض والده على عمله بالزراعة، فى الوقت الذى يستكمل
فيه دراسته بالصيدلة، فالأب يربى أبناءه على حرية اختيار الطريق دون
التدخّل فى مسارهم طالما حياتهم بأمان واختياراتهم لا تتسبب فى إصابتهم
بمكروه، أما الأم فبدافع خوفها على نجلها وتكرار الفشل، تبدأ بتوجيه وابل
من النصائح، على شاكلة «خليك فى مجالك يا ابنى واشتغل فى الصيدلة»، «إحنا
جربنا الزراعة ومانجحناش فيها».
وفى النهاية يتركان لوائل حرية التصرف، لا تضعف سواعده،
ويقرر الانطلاق فى المشروع، فيطرح الفكرة على اثنين من زملائه بالكلية،
ويوافقان على مشاركته والاهتمام بالمشروع، أما شقيقاه كريم وأمير، فيدعمان
شقيقهما ويدفعانه إلى تحقيق حلمه تجربة المشروع.
وبالفعل ينتقل إلى مرحلة دراسة المشروع مع زميليه، فيجد أن
تكلفة المشروع تحتاج إلى مبلغ 300 ألف جنيه فى حين أنه يملك و صديقله أقل
من نصفه فقط، لذا حاول جمع المال من الأقارب مثل شقيقه وعمته و2 من
أصدقائه، على أمل إعادة المال بعد بيع المحصول.
يختار الثلاثة أصحاب المشروع، زراعة الفلفل الملوّن، ويقول
وائل لـ«المصرى اليوم»: «الفلفل الملوّن من الخضروات التى يسهل تصديرها
للخارج وبأسعار مُرضية، فالكثير من الدول باردة المُناخ بالشتاء، يكلفها
زراعة الفلفل وتعجز عن الزراعة بأحيان أخرى، وهناك دول مساحة الأراضى بها
محدودة، والكثير من هؤلاء يجدون أنه من اليسير شراء الفلفل بدلًا من تكلفة
زراعته».
ويخطط الثلاثة معًا للتصدير إلى الخارج وزراعة الفلفل لكن
قبل ذلك هيأوا الأرض بصوبات زراعية للحفاظ على المحصول ومساعدته على النمو
فى بيئة مُلائمة واختاروا الابتعاد عن الأسمدة والمبيدات التى تضر بصحة
الإنسان، حتى يتماشى المحصول مع معايير الاتحاد الأوروبى والعالمية الخاصة
بالصحة النباتية، تجنبًا لرفض الدول الأجنبية الاستيراد. بدأ وائل مشروعه
فى 2013، عام ثورة 30 يونيو، على أن يزرع أرض والديه بـ«الكيلو 64».
فى ذلك الوقت، كان شقيق وائل الأصغر، أمير، يسير نحو حب
الأفلام التسجيلية والإخراج، فلم يجد قصة أكثر تناسبًا حتى تكون شارة
الانطلاق، فى حياته الفنية، بإطلاق أول فيلم تسجيلى طويل، إيمانًا بحلم
شقيقه وائل فهو صورة يتمنى أمير تعميمها والإكثار منها فى المجتمع. فقال
أمير: «أنا لم ألاحظ أشخاصا قرروا ترك كليات القمة، مثل صيدلة وهندسة وطب،
والاتجاه إلى مجال مُختلف، وتجربة الـShift
Career».
ومنذ بداية المشروع يسجل أمير تفاصيل المشروع، دون أن يعلم
كلاهما النتيجة النهائية للتجربة، وهل ستنتهى كما انتهت مع جيل والديهما
بالفشل أم أن النجاح سيكون حليفهم؟.
يخوض وائل التجربة ويزرع الفلفل ويقرر تخصيص أياد عاملة
للزراعة ومتابعة المحصول وبين والوقت والثانى يأتى بمهندس زراعى لمعاينة
المحصول والأرض وتقديم المساعدات، أما هو فكان يأتى خمسة أيام بالأسبوع
للإشراف على المشروع وسط الانغماس بالمذاكرة ويسانده زميلاه. وقبل الانتهاء
من العام، تنطلق مظاهرات 30 يونيو، ويتوقف المستوردون الأجانب عن التعامل
مع وائل، خشية من معوقات استلامهم المحصول فيقررون شراء المحصول من دُول
أخرى، وتقع الخسارة على رأس وائل. فيضطر إلى بيع الفلفل بكميات إلى التجار،
بالتالى خسر جنيهاً فى كل كيلو يبيعه من إجمالى حجم المحصول، وهو 68 طنا،
حينها كانت والدته أفضل وأهم زبائنه، كما وصفها، فكانت تدعمه بشراء كيلو
الفلفل بسعر تصديره للخارج، وقادته الأوضاع إلى خسارة مبالغ بعد بيعه أطنان
الفلفل.
لكن ظل يسعى إلى تسديد أموال أقاربه، خلال العام الأول، من
بعدها انشغل زميلاه وقررا البحث عن وظائف تتناسب مع دراستهم للصيدلة، ورفض
وائل انشغالهما بعد أن اتفقوا على التفرغ، فقال: «كانت هناك صعوبات ونحن
الـ3 مُتفرغون، مين هيتابع الأرض فأنا أتخيل النتيجة وراء انشغالهما؟».
انفصل الثلاثة واستكمل وائل المشروع فى العلم التالى، وبدّل
الفلفل الألوان بالخيار، من أجل تقليل الخسائر، فسعر الخيار بالأسواق
المصرية أقل من الفلفل. وبالتالى يضمن الاستقرار فى المشروع. لكن ربما لم
يدرس أسواق البيع حينها وتفاجأ أن الزرّاع فكروا بالخطة ذاتها بعد أن
أنهكتهم زراعة الفلفل وتكررت الخسارة.
أى شخص مكان وائل كان سيدمره الشعور بالخسارة، أو يفر
مباشرة عائدًا إلى مجال الصيدلة، أما الشاب فقرر استكمال الطريق مع تجديد
الخطة رغم فقدانه المال، فترك أرض والده، ومع الوقت باع والده جزءا من
الأرض.
وسرعان ما جنى وائل ثمار عامين من الاجتهاد فلم يذهب مجهوده
هباءً، بل دخوله مجال الزراعة ساعده فى التعرّف على الأشخاص بالمجال، وبأحد
الأيام، اتصل شخص يبدأ بتأسيس شركته فى التصنيع الزراعى، بالشاب، مُطالبًا
إياه بالانضمام إلى فريقه الجديد.
ووافق وائل، لتبدأ من هنا رحلته الجديدة لـ3 سنوات
مُتعاقبة، بمجال التصنيع الزراعى، وهى صناعة ترتكز على جمع المحصول بجودة
عالية وتغليفه من أجل تصديره للخارج.
وبعد هذه السنوات الثلاث، من اكتسابه الخبرة بالمجال،
حاصرته فكرة تأسيس مشروع مشابه وإدارته بنفسه على أن يتخطى المشاكل، التى
يعانى منها مالكو شركات التصنيع الغذائى، عن طريق التعاقد بنفسه مع شركات
خارج مصر للتصدير والاتفاق مع زارعين مُحددين لزراعة المحصول الذى يختاره،
على أن يساعدهم بالإشراف الزراعى، وبذلك يتجنب أكبر مشاكل المشروع، وهى
جودة المحصول. وبدأ بزراعة وتصدير الفراولة والقرنبيط والبروكلى ولا يزال
مشروعه قائمًا.
هنا يظهر دور أمير وكريم من جديد، فكان أمير انتهى من تصوير
الفيلم خلال عامى الخسارة، وشارك شقيقهم الأكبر، كريم، فى إنتاج وتصوير
الفيلم التسجيلى الذى أطلقوا عليه اسم «الكيلو 64» مع مدير التصوير محمد
طاهر، فأمير الحاصل على بكالوريوس الإعلام وفنون الاتصال من الجامعة
الأمريكية فى 2013، كما حصل على الماجستير فى صناعة الأفلام التسجيلية، من
كلية جولدسميث بجامعة لندن فى 2017، كان أساسا للفكرة، ورغم انشغاله
بأهدافه الدراسية وحتى انضمامه ضمن فريق عمل فيلم «اشتباك»، بطولة نيللى
كريم وهانى عادل وعدد من الفنانين، وعُرض فى «كان السينمائى» 2016 إلا أن
ذلك لم يعطله عن فيلمه وشقيقيه، فهى أولى ثماره التسجيلية.
ويدرك قيمة الصورة فى عرض أدق التفاصيل، حتى يقدّم الإخوة
الفيلم فى مُلتقى القاهرة السينمائى
Cairo
Film Connection
فى 2016، قبل خضوع الفيلم للمونتاج وحصلوا على جائزة «ما بعد الإنتاج»،
وقدرها 50 ألف جُنيه. وهو ما أهّل الفيلم بعد مرور سنوات ليعرض ضمن مسابقة
آفاق السينما بمهرجان القاهرة السينمائى.
وحول كواليس الفيلم: «فى البداية أعجبتنى الفكرة كمخرج،
وسهّل الطريق عليّ كون وائل شقيقى.. بدأنا تصوير الفيلم دون أن نعرف نهاية
تجربة وائل، فنتابع الخطوات المتتالية من القصة وإلى أين تنتهى.. ورغم
نهايتها إلا أنه لم ييأس».
وعن رأيه بتجربة شقيقه، قال: «تربينا على الاهتمام بالزراعة
لكن وائل من بيننا من تأثر أكثر بالزراعة. ولا أرغب فى تقديم رسالة محددة
من الفيلم التسجيلى سوى رصد قصة لا أجدها تتكرر فى مجتمعنا، فلم أجد الكثير
من الدارسين بكليات القمة، يعدلون من مسار حياتهم المهنية بتلك الطريقة،
وحتى الآن لم يفكر فى العودة إلى الصيدلة».
وتابع: «كما أردت الإشارة إلى الظلم الواقع على الزرّاع من
التجار حيث يتلاعبون بالأسعار ويفقدون الزارع المكسب من المحصول».
وعلى المستوى المهنى لأمير، فعبّر عن كونه لا يميل إلى
العمل بالسينما الروائية حتى الآن بل لا يزال يرغب فى إطلاق المزيد من
الأفلام التسجيلية، فتجربته فى التصوير على مدار عدة مرّات بالشهر الواحد
على مدار عامين، قادرة على ربطه بالأفلام التسجيلية.
ومن المشاكل التى واجهها خلال التصوير صعوبة التصوير
بالصحراء حيث وصفه بأنه «ليس بالأمر السهل»، وداخل الصوبات الزراعية، فدرجة
الحرارة المرتفعة كانت تفصل الكاميرات فيضطر إلى الانتظار حتى يتمكن من
التصوير، وفى النهاية يجد أمير نفسه راضيًا عما وصل إليه الفيلم.
وقال وائل حول خلاصة تجربته الأولى، ليقدمها إلى الشباب:
«لا أزال أحتاج إلى العمل والكفاح من أجل نجاح شركتى بالتصدير الزراعى، كما
أننى لم أستفد بالصيدلة حتى الآن سوى بكونها أفادتنى فى التعامل مع بعض
التراكيب فى المبيدات والأسمدة».
واستكمل: «لكن لمن يرغب فى الاتجاه إلى الزراعة، أنصح
الشباب بدراسة الأسواق، واختيار نوعية المشترى أو المستورد، ولا تكرر زراعة
محصول نجحت فى بيعه طوال عام، لأن الزارعين سيقررون زراعته بالعام التالى،
ويقل سعر المحصول».
ويتابع: «لمن يرغب فى تغيير مجاله والتخلى عن دراسته، عليك
التمسك بالعصا من المنتصف بالحصول على شهادتك، والبحث الدقيق قبل خوض
التجربة، ولا تتردد فأنت تعيش حياتك لمرة واحدة فلا تعيشها إلا كما تتمنى».
أسفرت تجربة وائل، التى تجمع بين الجرأة والتهور، كما رآها،
عن زواجه منذ أشهر، فعثر وائل وزوجته سارة على بعضهما، بفعل إيمانها
بمخاطرته وتجربته، التى تشبه تجربتها بعملها فى مجال الأزياء والملابس،
وعقب تدوينة يطلقها عبر «فيسبوك» حول تجربته والزراعة، بأحد الأيام، يبدأ
كلاهما الحديث حتى يجرفهما الكلام إلى الحب والزواج. ولا تزال تجربته قصة
مفتوحة النهاية ومفاتيح نجاحها السعى والاجتهاد. |