مخرج فيلم “ليل خارجي” أحمد عبد الله:
هدفي كان الحضور الجماهيري وليس الحصول على جوائز
فايزة هنداوي
القاهرة – “القدس العربي”: اعتاد المخرج المصري أحمد عبد
الله، منذ وجوده على الساحة السينمائية في مصر أن يقدم أفلاما ذات طبيعة
خاصة، فقد كان حريصا دائما على تقديم أفلام مختلفة ومتميزة فنيا منها
“هيليوبليس”، و”ميكروفون”، و”فرش وغطا”. لكن هذه الأفلام لم تكن تلاقي
إقبالا جماهيريا بعكس فيلمه الأخير “ليل خارجي” الذي ينتمي أيضا لسينما
مغايرة إلا أنه تمكن هذه المرة من تحقيق جماهيرية كبيرة كما نال عنه الممثل
شريف الدسوقي جائزة أحسن ممثل في الدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة رغم أنه
أول أعماله السينمائية.
عن الاختلاف بين هذا الفيلم وبين أعماله السابقة وكيفية
اختيار السيناريو والممثلين وعمله كمدير تصوير للفيلم ورأيه في حال السينما
المصرية كان هذا الحوار:
*بداية كيف كان اختيارك لسيناريو الفيلم؟ هل حددت الفكرة ثم
كتبها شريف الألفي أم أن السيناريو كان جاهزا؟
– السيناريو كان جاهزا وعندما عرضه عليّ شريف الألفي أعجبني
بشدة لأنه يحمل هموما وافكارا وقضايا أنا بالفعل مهموم بها وأتمنى تقديمها
من خلال أفلامي، كما أن الفيلم يمكن استقباله من كل الخلفيات الثقافية،
وأنا عادة لا أتدخل في كتابة السيناريو وكل ما حدث من تغييرات كان بالاتفاق
مع شريف الألفي حتى يصبح الفيلم جاهزا للتصوير.
*لماذا اخترت طريقة غير مستخدمة كثيرا في السينما وهي إتاحة
فرصة الارتجال للممثلين؟
– كان اتفاقي من البداية مع شريف الألفي مؤلف الفيلم أن
يقوم الممثلون بعد البروفة بتغيير صيغة بعض الجمل ولكن بما يتفق مع الأحداث
والسيناريو الأصلي ليخرج العمل كنتاج لعمل تشاركي وتفاعلي بين الممثلين
والنص المكتوب كي يكون نصا متحررا ومتحركا.
*ألم يكن من الصعب عليك الجمع بين مهمة الإخراج ومهمة مدير
التصوير في الفيلم؟
– على العكس فأنا قررت أن أقوم بالتصوير بسبب طبيعة الفيلم
وليس رغبة مني في القيام بمهام متعددة، ذلك أن معظم أحداث الفيلم تدور داخل
سيارة أجرة، وإذا كنت مخرجا فقط فسيكون عليّ متابعتها بسيارة أخرى للاتصال
بالممثلين والكادر المختص. وفي حال وجود توجيهات كان لابد من توقف
السيارتين وأنزل من سيارتي وأذهب إليهم، مما كان سيؤثر على التدفق وطبيعة
الحالة، لكن قيامي بالتصوير أتاح لي التواجد معهم في السيارة نفسها مما سهل
العمل وأتاح للممثلين التدفق والاسترسال والمناقشة التي تصل بنا للأفضل.
*لماذا تم الربط من بعض النقاد بين فيلمك وفيلم “ليلة
ساخنة” للمخرج الراحل عاطف الطيب؟
– هذا حدث لأن هناك بعض ممن شاهدوا الفيلم وقرأوا عنه كانوا
يشاهدون الفيلم وفي ذهنهم هذا الربط، وليس معنى أن تدور أحداث الفيلم في
ليلة داخل سيارة أجرة إنه يشبه أي فيلم آخر دارت أحداثه داخل سيارة أجرة.
دائما تكون هناك هذه النوعية من الأفلام في السينما، ولكن ما يفرق عملا عن
آخر هو التناول والأفكار والهموم التي يحملها الفيلم.
* لماذا لم يهتم الفيلم بتوضيح التفاوت الطبقي بين شخصيات
من خلال الصورة وتوضيح بيئاتهم المختلفة، واكتفى بتوضيح الاختلاف من خلال
الحوار والمواقف التي تعرضت لها الشخصيات الثلاثة؟
– سيناريو الفيلم كان مرسوما بهذا الشكل، فمعظم الأحداث
تدور على الكورنيش داخل السيارة، وكأنها خلقت عالما آخر بين الطبقات
الثلاث، والأيديولوجيات والرؤية المتفاوتة للعالم والعلاقات والقضايا
المختلفة.
*الفيلم كان محملا بالعديد من القضايا والهموم مثل قضية
العنف ضد المرأة والتفاوت الطبقي والكبت وتراجع الحريات، لكن هذه القضايا
تم المرور عليها سريعا وبشكل سطحي، لماذا؟
– قصدت ذلك لأن الفيلم هو حالة تأملية لليلة في القاهرة
فكان طبيعيا أن نرى فيه أشياء متناقضة وأشياء جميلة وأخرى قبيحة، وفضلت أن
تكون ليلة فيها زخم كبير وتناول للقضايا المختلفة كمدخل لشرح الشخصيات.
*كيف كان اختيارك للممثلين خاصة أن منى هلا كانت غائبة منذ
فترة وشريف الدسوقي لم يقدم أعمالا سينمائية من قبل لكنهم أجادوا في
أدوارهم؟
– طريقتي في اختيار الممثلين لم تتغير منذ أول أعمالي حتى
الآن، فأنا أفضل دائما الممثلين الذين يحبون التجريب للوصول إلى أفضل أداء
ممكن، ولا أحب الممثلين الذين لديهم شكل مسبق للتمثيل ونظرة ثابتة
للشخصيات.
*هل توقعت نيل شريف الدسوقي جائزة أحسن ممثل في مهرجان
القاهرة؟
– كنت أتوقع هذه الجائزة وتمنيت تكريم جميع الممثلين عن
أدوارهم في الفيلم حيث أدوا جميعا أدوارهم بفهم للشخصيات وتمكنوا من
التعبير عنها بشكل رائع. أتوقع فوزهم بجوائز مختلفة في المهرجانات المقبلة
التي سيشارك فيها الفيلم.
*وما هي هذه المهرجانات؟
– نستعد لعدد من المهرجانات أولها مهرجان “بالم سبيرنج” في
أمريكا وهو مهرجان سينمائي مهم وعادة ما يتم ترشيح الأفلام الفائزة فيه
لجوائز الأوسكار، وقد شاركت فيه من قبل كما شارك فيه المخرج عمرو سلامة
بفيلم “لمؤاخذة” ولكن التواجد العربي فيه قليل لذلك فإن مشاركة “ليل خارجي”
في هذا المهرجان أمر جيد رغم أنه سيشارك خارج المسابقة الرسمية لأن
المهرجان مخصص للأفلام الأولى والثانية للمخرجين.
*على عكس جميع أفلامك السابقة لم يفز الفيلم بجوائز عن
الإخراج؟
– هذا الفيلم تجربة مختلفة ذلك أن الهدف الأساسي منه كان
الوصول للجمهور حيث حصلت على جوائز كثيرة وهامة عن الأفلام السابقة، ولكن
الجمهور لم يكن يشاهد هذه الأفلام بسبب تصنيفها كأفلام مهرجانات أو كسينما
فنية. لذلك قررت أن تكون الجماهير هي هدف هذا الفيلم وسعيت لتحقيق فيلم
متميز فنيا وفي الوقت نفسه جماهيري، وجائزتي هي حماس الموزعين وتوزيعه في
26 دار عرض سينمائي.
*وهل ترى أن تصنيف الأفلام ما بين أفلام مستقلة وأفلام
جماهيرية سيستمر؟
– أتوقع أن ينتهي هذا التصنيف لأن قولبة الأفلام وتعليبها
يضر بهذه الأفلام، ويمكن أن تكون هناك أفلام ذات طبيعة خاصة ولكن لها
جمهورها الذي يزداد، خاصة أن منافذ عرض هذه النوعية من الأفلام قد ازدادت
في الفترة الأخيرة وعلى رأسها “زاوية” التي تقدم أفلاما مختلفة وتلقى
إقبالا كبيرا جدا ليس في القاهرة وحدها بل في عدد من المحافظات أيضا.
*هل ترى أن تغير الظروف ونجاح “ليل خارجي” وغيره من الأفلام
المختلفة يمكن أن يشجع الموزعين على هذه النوعية من الأفلام؟
– أتمنى أن يغير الموزعون نظرتهم لهذه الأفلام وتصنيفها على
أنها غير جماهيرية، أن يدركوا وجود جمهور لهذه الأفلام، ويجربوا عرضها في
مواسم سينمائية ساخنة مثل الأعياد وغيرها.
*كيف ترى تأثير المهرجانات على السينما المصرية هل تساهم في
تطورها؟
– لدينا في مصر مهرجانان مهمان، فمهرجان القاهرة استعاد
بريقه بعد سنوات من التراجع، بعد دورة الناقد سمير فريد، وعادت إليه
الجماهيرية في الدورة الأخيرة، وهو يساعد في عرض نوعيات سينمائية مختلفة من
جميع أنحاء العالم، كما يساهم في التعريف بأفلام مصرية مثل “ورد مسموم”
و”الزرافة” مما يساعد في انتشار هذه الأفلام ويحقق لها دعاية ضخمة ومجانية.
*ماذا تتوقع للسينما المصرية في 2019؟
– السينما المصرية منذ سنوات في تصاعد مستمر سواء من حيث
عدد دور العرض والإيرادات، أو من حيث المستوى الفني والمشاركة في
المهرجانات، حيث شهدت السنوات الأخيرة مشاركات مصرية في أهم المهرجانات
الدولية وحصلت الأفلام المشاركة على جوائز هامة.
*ولماذا برأيك لا تنجح الأفلام المصرية في الوصول للقائمة
القصيرة في جائزة الأوسكار للأفلام الناطقة بلغة أجنبية رغم وصول أفلام
عربية من دول مثل لبنان مؤخرا لهذه القائمة؟
– ذلك لأن الترشح للقائمة القصيرة يحتاج إلى دعاية ضخمة
وتكاليف عالية، وليس سرا أن موزعي الأفلام يقابلون أعضاء الأكاديمية
لمحاولة إقناعهم بترشيح أفلامهم للقائمة القصيرة، ويتأثر أعضاء الأكاديمية
بهذه المحاولات، فهم يحاولون على أقل تقدير حثهم على مشاهدة هذه الأفلام،
فأعضاء الأكاديمية لا يستطيعون مشاهدة 85 فيلما بل ينتقون منها حسب الدعاية
والضغوط.
*أخيرا هل تعمل على مشروع سينمائي جديد؟
– مشروعي الجديد هو متابعة فيلم “ليل خارجي” حيث نذهب إلى
دور السينما، أنا وفريق الفيلم، لمتابعة عروضه ورد فعل الجمهور، وبعد رفعه
من دور العرض يمكن أن أبدأ التفكير في مشروع جديد. |