3
جوائز حصدها فيلم ورد مسموم في الدورة الأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي
الدولي من3 لجان تحكيم مختلفة الأولي هي لجنة تحكيم مسابقة آفاق السينما
العربية التي منحته جائزتها الخاصة التي تحمل اسم المخرج صلاح أبو سيف,
والثانية هي جائزة أفضل فيلم عربي مشارك في المهرجان والتي تم إطلاقها لأول
مرة في دورة هذا العام, والجائزة الثالثة من صندوق الأمم المتحدة
للشباب, وشارك خلال الأشهر الماضية في عدد من المهرجانات وحصل علي أفضل
فيلم من مهرجان السينما الإفريقية بإسبانيا, وحظي بعرضه العالمي الأول في
مهرجان روتردام, قبل أن يعرض مؤخرا في عدد محدود بدور العرض.
ويعتبر الفيلم التجربة الروائية الأولي للمخرج أحمد فوزي
صالح الذي حقق نجاحا كبيرا منذ عدة سنوات بفيلمه التسجيلي جلد حي الحائز
أيضا علي العديد من الجوائز والفيلمان تم تصويرهما في مكان من أصعب الأماكن
في مصر وهي منطقة المدابغ خلف سور مجري العيون, كما أثار ورد مسموم الكثير
من الجدل حول قصته وأحداثه التي تعتمد علي الصورة البصرية وتأثيرها علي
المشاهد أكثر من اعتمادها علي تقديم حكاية مباشرة, لتثير التساؤلات وتدعو
المتلقي للتفكير, وفي هذا الحوار يجيب فوزي صالح عن عدد من التساؤلات:
·
لماذا اخترت اسم ورد مسموم كعنوان للفيلم؟
الاسم يعبر عن الفيلم في صورته الأخيرة, وعن الفلسفة التي
يحملها, فهو يتضمن حس صوفي وعالم ظاهر وآخر باطن, والورد يحمل نفس الفكرة
فهو رمز للحب والجمال, واقتران كلمة مسموم به يغير طبيعة نظرتنا إليه,
فالاسم محاولة لخلق معني صوفي أو شعري مرتبط بطبيعة الفيلم.
·
وإلي أي مدي ابتعد الفيلم عن رواية أحمد زغلول الشيطي؟
الفيلم بعيد عن الرواية إلي حد كبير, فكل ما تبقي منها هو
خط وحيد وهو العلاقة بين صقر وأخته تحية, فالرواية هي التي ألهمت الفيلم
ولهذا كان لابد أن نكتب أنه مقتبس عنها حتي لو كنا ابتعدنا عنها كثيرا,
وذلك حفاظا علي حق صاحب الرواية الذي منحنا إياها وكانت بداية لمشروع
الفيلم.
·
ولماذا اخترت هذه القصة بالتحديد لتقديمها في موقع مثل
المدابغ؟
المدابغ هي الإطار الذي اخترته لاستعرض من خلاله القصة,
فالفيلم عبارة عن مكان قاسي وضاغط وعنيف تجاه البشر, كيف يستطيع هؤلاء
البشر أن يعيشوا في ظل ظروف بهذه القسوة وما الذي يفعلونه وكيف يتعاملون مع
بعضهم البعض وما هي القرارات التي يتخذونها, فلو أنهم يعيشون في مكان مختلف
عن هذا بالتأكيد ستكون اختياراتهم وقراراتهم وعلاقاتهم مختلفة تماما.
·
هل يمكن اعتبار عودتك للتصوير في المدابغ استكمال لتجربتك
الأولي في جلد حي؟
لا أعتبره استكمالا للتجربة الأولي, علي سبيل المثال الكاتب
جورج أمادو- وإن كنت لا أقارن نفسي به- كل أعماله تقريبا تدور في مكان واحد
يسمي باهيا في البرازيل, الحكاية المروية في الفيلم الأول هي حكاية الأطفال
العاملين في المدابغ, وأعتقد أنني كنت وقتها مراهقا سينمائيا لأني كنت أصغر
سنا وخبرتي محدودة, ولهذا كانت الحكاية مباشرة, ولكن أظن أني في فيلم ورد
مسموم تجاوزت فكرة الحكاية المباشرة وأحكي فيه بالصور عن آلام البشر
وتعقيدات النفس البشرية, أحكي عن هذا المكان القاسي من خلال صور بصرية
أعتقد أنها أقوي بكثير من جلد حي, فهناك تطور في أسلوبي ولغتي السينمائية,
حاولت أن خلق أسلوب يميزني, به شيء من الخشونة والعنف, بدأته في جلد حي
ولكني أعتقد أني قطعت فيه شوطا أكبر في ورد مسموم, فالفيلم الأول كان
بمثابة تمرين أو تجربة أولي لكي أقدم ورد مسموم, ولسوء حظي أو ربما حسن حظي
نجح جلد حي نجاحا كبيرا حتي صار هذا النجاح ضاغطا علي, لأن الجميع ينتظرون
من ورد مسموم أن يحقق نجاحا أكبر, والبعض يقارن بين الفيلمين وآخرون يقولون
أنه نوع من الاستسهال أن أقوم بالتصوير في المكان نفسه, إلا أني لا أري ذلك
علي الإطلاق لأن الفيلمين مختلفين تماما بالنسبة لي والعامل المشترك الوحيد
بينهما هي أن الفيلم الأول هو الخطوة الأولي في وضع حجر الأساس لأسلوبيتي
وبصمتي.
·
هل الجمهور لديه صعوبة في تقبل الأفلام التي تطرح أسئلة
وتدعو للتفكير؟
نعم الفيلم مشغول بطرح الأسئلة ولا يقدم إجابات, وربما يكون
هذا محبطا لقطاع كبير من الجمهور اعتاد دائما علي أن الفن يقدم له إجابات
واضحة تريحه في علاقته مع العالم, وورد مسموم لا يقوم أبدا بهذا الدور
وإنما يلقي بالحجارة في الكثير من البرك الراكدة, مثل السينما والمجتمع
والأفكار الذكورية, يفتح باب الركود في كل شيء والفيلم يحاول أن ينشغل
بالأسئلة لأن في ظني أن هذا هو الفن وسأحافظ علي هذا المسار في كل أعمالي
المقبلة, فالفن انشغال بالأسئلة وتاريخنا مليء بمخرجين كبار وعظام كانت
أفلامهم لا تنشغل بتقديم إجابات بقدر ما تطرح أسئلة علي سبيل المثال تجربة
يوسف شاهين في نقد التجربة الناصرية لا يقدم إجابة وإنما يتساءل حول هذه
التجربة التي كان جزءا منها ومن الدعاية الخاصة بها, الفن مهم لمجتمعه أن
يطرح أسئلة لكن لا يجب أن نطلب من الفن أيضا أن يقدم إجابات.
·
هوس تحية بشقيقها صقر وتمسكها به أصاب الجمهور بحيرة وكل
شخص فسره بطريقة مختلفة لكنه كان أيضا سببا في كثير من الجدل فما رأيك في
هذا؟
يمكن قراءة الفيلم بطرق مختلفة, قراءة من الأسطورة المصرية
القديمة إيزيس وأوزوريس والعلاقة بين الأخ والأخت بهذا البعد وهذا الإيحاء,
ويمكن قراءته قراءة فرويديه, ونظرية فرويد عن معكوس أوديب, وهي أنه بغياب
الأب تري الأخت في شقيقها البطل والرجل الوحيد بالنسبة لها, وهناك قراءة
أخري من الثقافة الغربية وقصة إلكترا التي قتل أبوها علي يد الأم فقررت أن
تربي أخاها حتي يكبر وينتقم لموت الأب, ويمكن التعامل معه بقراءة اجتماعية,
في هذا العالم شديد القسوة والعنف والقهر هذه المرأة الفقيرة التي لا حول
لها ولا قوة لا تجد أمامها إلا أن تتمسك بالرجل بوصفه طوق النجاة, ولكن
القراءة التي كنت أفكر فيها بشكل أكبر أثناء العمل علي الفيلم هي الحب في
الطبقات الفقيرة, فالبرجوازيون دائما ينظرون للحب علي أنه علاقة نفعية
برجماتية, إذا كنت أحب شخصا فبالتأكيد أريد منه شيئا, حتي علي مستوي
العلاقات الأسرية, بينما في الطبقات الفقيرة الحب يعني التضامن والتآزر,
علي سبيل المثال تحية تحمل الطعام لشقيقها يوميا في العمل وفي المشهد الأول
نري زميله في العمل يشاركه الطعام ولم تمنعه تحية, هذا نوع من التضامن
والحب في الطبقات العاملة الفقيرة, تحية تحب أخاها حبا إنسانيا لا يوجد من
ورائه أي غرض, ولا أحب القراءات السطحية التي تفسر هذه العلاقة بشكل سيئ
لأنها قراءة من وعي مختلف ولا أحد يحاول أن يقرأ الفيلم من داخله ويدقق في
تفاصيله ومن ناحية أخري أي فن هو متعدد القراءات حسب المستويات المعرفية
والثقافية التي تتلقاه وتأثيره يختلف باختلافها.
·
لماذا تطلب إنتاج الفيلم أكثر من4 سنوات؟
تأخر الفيلم لم يكن السبب فيه ظروف إنتاجيه, وإنما طبيعته
نفسها هي التي تطلبت كل هذا الوقت, كل شيء كان مدروسا, فهذا النوع من
الأفلام يتطلب وقتا طويلا وخبرة جيدة لبناء تفاصيله بالشكل المطلوب, أي
فيلم يمر بثلاث مراحل والفيلم الفني يحتاج لوقت في كل المراحل بداية من
كتابة السيناريو وتحويله إلي تصورات بصرية, واختيار الممثلين ومواقع
التصوير, علي سبيل المثال الفيلم تم تصويره بإضاءة طبيعية ولهذا كنا نختار
مواقع التصوير علي هذا الأساس ونختار التوقيتات المناسبة التي تمنحنا
الإضاءة التي نريدها للمشهد, لأن وجود أشعة الشمس في المكان يغير من طبيعته
ومن تأثير الإضاءة في المشهد, وكل هذا كان مرسوما علي الورق وكنا نتأني في
الوقت حتي نحصل علي النتيجة التي نريدها, في الخطة اللونية والملابس
والديكور والإكسسوارات وكل شيء, الأفلام من هذا النوع تحتاج لوقت طويل في
إعدادها ليس في مصر فقط وإنما في كل مكان بالعالم, فالهدف منها ليس رواية
قصة فقط الجوانب الفنية أهم.
·
هل الجوائز التي حصل عليها الفيلم في رأيك ستساعده علي
الحصول علي فرص أفضل في دور العرض السينمائي؟
كان من المخطط منذ يوليو الماضي طرح الفيلم في دور العرض
بعد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي مباشرة, والموزع في المنطقة العربية
هو سينما زاوية وكان القائمون عليها يرون أن هذا هو أنسب توقيت لطرحه, ولم
يكن في بالنا وقتها أنه سيحصل علي جوائز, فمن الطبيعي أن الأفلام تشارك في
مهرجانات وربما يحالفها الحظ مع الجوائز أو لا, لأن هذا يرجع لذوق لجان
التحكيم وطبيعة الأفلام المشاركة معه في المسابقة وتفاصيل أخري كثيرة ولا
يوجد صانع أفلام علي وجه الأرض يشارك في مهرجان وهو في انتظار الجائزة,
وبالتالي لا يكون هناك خطة للتوزيع بناء علي الجوائز, ونحن نعرف أن الفيلم
صعب ومختلف وليس من السهل علي الجمهور تقبله, وبالتالي فلن تشكل الجوائز
فارقا وإنما الأهم أن يحبه الناس ويدافعون عنه وهذه هي الوسيلة الوحيدة
للدفاع عن الفيلم ليستمر أطول فترة ممكنة في دور العرض, وهو حاليا معروض في
صالة واحدة لأننا من البداية ونعرف طبيعة الفيلم ولهذا لم نغامر كثيرا,
وتعاملنا معه بتواضع ولدينا أهداف مرحلية وكل خطوة نحققها ننتقل لما بعدها,
وسيعرض عروض محدودة في التجمع وأكتوبر والزمالك ثم ينتقل للمحافظات, أعرف
من البداية أن هذا الفيلم جمهوره قليل ويعتبر نخبوي, نتمني أن نتعلم من
التجربة ونتقدم للأمام ويكتمل مشروعنا السينمائي لأنه من الضروري أن تتواجد
أنواع مختلفة من الأفلام في أساليبها والأفكار التي تطرحها فهذا مهم
للسينما والثقافة والمجتمع.