"برليناله الـ69": تحدّيات وتغييرات
محمد هاشم عبد السلام
بعد 3 أيام، تبدأ في العاصمة الألمانية دورة جديدة لأحد
أعرق مهرجانات السينما في العالم، إلى جانب "كانّ" وفينيسيا. فمساء 7
فبراير/ شباط 2019، تُفتتح الدورة الـ69 لـ"مهرجان برلين السينمائي الدولي
(برليناله)"،
عشية انتهاء العقد الـ6 من سيرته التاريخية. دورة سبقتها انتقادات عديدة،
أفضت هذا العام إلى تغييرات كبيرة وجذرية، يُتوقّع أن يختلف شكل المهرجان
بفضلها، خاصة بعد الإعلان عن أسماء جديدة ستتولّى إدارة تظاهراته وبرامجه
المُختلفة. والتغيير يطاول المدير الرابع للمهرجان منذ تأسيسه، الناقد
والصحافي والباحث الألماني ديتر كوسليك (1948)، الذي تنتهي مدّة منصبه في
31 مايو/ أيار 2019، من دون تجديدها، علمًا أنه تولّى المهمة منذ مايو/
أيار 2001. مدّة (18 عامًا) تُعتبر الأطول بين مديري المهرجانات الكبيرة.
لكوسليك لمسات بيضاء على المهرجان، وعلى أقسامه وفعالياته
وتوجّهاته، يصعب إنكارها أو التغاضي عنها. لكن، في الأروقة، هناك أمور
كثيرة ضده. غضب ارتفعت حدّته العام الماضي، ما أدّى إلى ظهور خلافات علنية،
إلى درجة المُطالبة برحيله، إذْ وَقَّعَ 79 مخرجًا ألمانيًا، أمثال فولكر
شلوندورف وفاتح أكين ومارِن آيدي وكرستيان بيتزولد، على "بيان تغيير" غاضب
ضد كوسليك تحديدًا، طالب ببداية جديدة للمهرجان وتغيير المدير وسياساته،
فهؤلاء يُعيبون عليه قلّة مشاركة المخرجين الألمان في المهرجان، مقارنة
بمشاركاتهم في مهرجانات أخرى.
إلى ذلك، انتقد الإعلام الألماني ديتر كوسليك وهاجمه بشدّة،
لسببٍ غير وارد في البيان يقول بقلّة عدد النجوم والنجمات في دورات
المهرجان، خاصة من هوليوود، أسوة بـ"كانّ" وفينيسيا؛ بالإضافة إلى نقاط
عدّة: اتساعه واتساع أقسامه، وتضخّم ميزانيته، وضرورة اقتصاره كما في
السابق على ألمانيا والألمان. وبلغ الانتقاد حدّ المطالبة بإعادته إلى
الكيفية التي بدأ بها.
من جهته، دافع ديتر كوسليك عن نفسه، بإشارته إلى مشاركة 4
أفلام ألمانية في المسابقة الرسمية للدورة الفائتة، واحترام حقوق المرأة
وحركة "أنا أيضًا (MeToo)"،
وحضور مخرجات، وعدم إهمال مخرجين شباب ألمان، واحتضان التجارب والتوجهات
والآراء السياسية كلّها. كذلك، دافع عن انفتاح المهرجان على سينمات كثيرة،
خاصة تلك المصنوعة في الشرق الأوسط، بسبب الأوضاع السياسية التي فرضت نفسها
على ألمانيا، ولم يكن بوسع المهرجان تجاهلها، علمًا أن لا كوسليك ولا
الألمان نفوا يومًا "الطابع السياسي الواضح للمهرجان"، إذْ يرون هذا الطابع
ميزة للمهرجان ولألمانيا، معتبرين أن لا تناقض بين السياسة والفن، طالما
أنّ السياسة غير طاغية.
نظرة شاملة على برامج الدورة الجديدة، خاصة مسابقتها
الرسمية، تؤكّد أن الضغوط السابقة أسفرت عن بعض النتائج. فرغم تصريح ديتر
كوسليك، قبل أيام، بأنّه ليس منطقيًا وضع برنامج يضع نصب عينيه أفلام
مخرجات نساء، إلاّ أنّ المسابقة تضمّ 7 أفلام بتوقيع مخرجات، علمًا أنّ
فيلم الافتتاح (طيبة الغرباء) لمُخرجة دنماركية هي لوني شيرفيغ، ورئاسة
لجنة تحكيم المسابقة الرسمية لممثلة فرنسية هي جولييت بينوش، واللجنة نفسها
تضم ممثلتين اثنتين هما الألمانية ساندرا هولر والبريطانية ترودي ستايلر.
كما يُكرّم المهرجان البريطانية شارلوت رامبلينغ بمنحها "الدب الذهبي"،
وبعرض 10 أفلامٍ لها؛ ويمنح "كاميرا البرليناله" لـ4 شخصيات سينمائية،
بينها سيدتان: المخرجة الفرنسية آنياس فاردا والناشطة الأميركية في مجال
السينما المستقلّة ساندرا شولبيرغ.
بالإضافة إلى ذلك، ترد أسماء ألمانية عديدة في مُختلف
التظاهرات، بينها المسابقة الرسمية نفسها، التي تضمّ 3 أفلام ألمانية، منها
"القفّاز الذهبي" لفاتح آكين، المُوَقِّع على بيان العام الماضي.
إذًا، تضمّ المُسابقة الرسمية 17 فيلمًا، إلى 6 أفلام
خارجها، من 25 دولة مُنتجة أو مُشاركة في الإنتاج. خارج المسابقة، هناك
"وداعًا للّيل" للفرنسي أندره تيشينيه، العائد إلى "البرليناله" بعد عامين؛
و"مارجيلا" للبرازيلي فاغنر مورا، الذي يتناول شخصية البطل والمناضل
البرازيلي كارلوس مارجيلا، في الأعوام الـ5 الأخيرة من حياته، المنتهية كما
الفيلم بوفاته عام 1969؛ و"النائب" للأميركي آدم ماك كاي، وهو شبه سيرة
ذاتية للنائب الأميركي السابق ديك تشيني (كريستيان بايل، الفائز عنه
بـ"غولدن غلوبز 2019"، والمُرشّح رسميًا للـ"أوسكار" المقبل). هناك أيضًا
فيلمان وثائقيان خارج المسابقة: "فاردا بتوقيع أنياس" للفرنسية المولودة في
بلجيكا أنياس فاردا، وهو سيرة ذاتية لها، و"رقّة خلابة" للأميركي آلن
إليوت، عن إحدى أساطير الغناء الأميركي، آريتا فرانكلين، الراحلة العام
الماضي. والفيلم يحمل عنوان أشهر ألبوماتها.
في المسابقة، هناك "ثانية واحدة" للصيني زانغ ييمو، العائد
إلى صين الثورة الثقافية، مع تحية للسينما وللحياة الريفية التي اختبرها في
تلك الفترة؛ ويتناول "خيول مسروقة" للنرويجي هانز بيتر مولاند (مُقتبس عن
رواية بالعنوان نفسه لبير بيترسن) قصة حياة مُتقاعِد (67 عامًا) يعود إلى
الريف فيتذكر طفولته وأجمل لحظات حياته. أما "مُحطّمة النظام" للألمانية
نورا فنغشايدت، فيدور حول أزمة مُراهقة ألمانية تبحث عن الأمان والحب،
والعودة إلى والدتها التي حُرِمَت منها، وشخصيتها المتمردة على نظام
وتقاليد لا تطيقهما. إلى ذلك، هناك "مُترادفات" للإسرائيلي ناداف لابيد،
الذي يتناول مُشكلة البحث عن هوية مغايرة، إذْ يهاجر شاب إسرائيلي إلى
باريس بحثًا عن هوية جديدة بعيدًا عن إسرائيل ولغته العبرية.
"مختارات شبح المدينة" للكندي دنيس كوت فيلم إثارة وغموض:
حادث سيارة يقلب حياة قرية هادئة رأسًا على عقب؛ و"أسماك البيرانا
المفترسة" للإيطالي كلاوديو جيوفانيزي يلقي ضوءًا على الجيل الجديد من
عصابات المراهقين التي تتشكّل مؤخرًا في نابولي؛ و"أوندوغ"، فيلم منغولي
للصيني وانغ كوان آن، تدور أحداثه حول تحقيق في جريمة قتل امرأة منغولية،
وجدت جثتها عارية في أحد السهول المنغولية، يقوم به شرطي عديم الخبرة.
عن أحداث حقيقية، تعود البولندية المخضرمة أنييسكا هولاند
إلى "البرليناله" بـ"السيد جونز": أوكرانيا 1933، عند حدوث مجاعة كبيرة
جرّاء سياسة ستالين، يرصدها ويُظهرها للعالم الصحافي الويلزي غاريت جونز.
أما "حكاية ثلاث شقيقات" للتركي أمين ألبِر، فيدور في إحدى القرى الجبلية
في أنطاليا، حيث السيطرة العائلية تعيق رغبة 3 شقيقات في عيش حياتهنّ على
نحو سوي. ويُعتبر "كنتُ في المنزل، لكن" للألمانية أنجيلا شانيليك فيلم
دراما عائلية عن أسرة برلينية، يبدأ مراهقها (13 عامًا) في التصرّف بغرابة
بعد غياب أسبوع عن المنزل. بينما يعالح "برحمة الرب" للفرنسي فرانسوا أوزون
قصة الاعتداء الجنسي لقساوسة على الأطفال. أما "الله موجود، اسمها
بيترونيا" للمقدونية تيونا ستروغار ميتِفْيسكا، فيسرد صعوبات تواجهها
المرأة للحصول على عمل وتقدير واعتراف في المجتمع المقدوني.
من ناحية أخرى، اقتبس فاتح آكين "القفاز الذهبي" عن رواية
تسرد حياة قاتل متسلسل مجهول، ملقيًا الضوء على "ألمانيا الغربية"
واقتصادها ومشاكلها الاجتماعية في القرن الماضي. أما "إليسا ومارسيلا"
للإسبانية إيزابيل كوشيت، فيعود إلى الماضي أيضًا، إلى إسبانيا عام 1900،
لسرد قصة حبّ مثليّ بين الفتاتين إليسا ومارسيلا؛ ويتناول "منذ زمن طويل،
يا بنيّ" للصيني وانغ كسياوشواي العواقب الاجتماعية والاقتصادية التي تأثرت
بها أسرة بسبب الثورة الثقافية. بينما يغوص "الأرض تحت قدمي" للنمساوية
ماري كرويتزر في دراما نفسية معاصرة. ويتناول فيلم الافتتاح "طيبة الغرباء"
للدانماركية لوني شيرفيغ (المُشارك في المسابقة الرسمية أيضًا) قضية
اجتماعية درامية تدور أحداثها المعاصرة في نيويورك. |