17
فيلما تتنافس على جائزة "الدب الذهبي" وهو أقل عدد يشارك في مسابقة
المهرجان منذ سنوات طويلة فيما تغيب السينما العربية غيابا تاما عن أفلام
المسابقة.
تفتتح في السابع من فبراير الحالي الدورة الـ69 من مهرجان
برلين السينمائي أحد أكبر المهرجانات في العالم، ليس فقط ببرامجه وأقسامه
المتعددة والمتنوعة التي تعرض عددا كبيرا يفوق أي عدد من الأفلام يعرضه أي
مهرجان أوروبي آخر، بل وكونه أيضا من أكثر المهرجانات اجتذابا للجمهور.
يفتتح مهرجان برلين السينمائي دورته الـ69 بالفيلم
الدنماركي “تعاطف الغرباء” الذي يعرض للمرة الأولى على مستوى العالم شأن
معظم أفلام المسابقة الرسمية وباقي الأقسام.
والفيلم ناطق بالإنكليزية ومن الإنتاج المشترك (دنماركي-
كندي- سويدي- فرنسي- ألماني) ومن إخراج المخرجة الدنماركية لون شيرفيغ،
وتدور أحداثه بين تورونتو وكوبنهاغن ونيويورك، ويصوّر موضوعا يدور حول
مجموعة من الأشخاص يكافحون من أجل البقاء في مدينة نيويورك في ظروف شاقة،
لكنهم يتمتعون بقدر كبير من روح المرح والتعاطف.
وتعتبر المخرجة لون شيرفيغ من الجيل المؤسس لجماعة “دوغما
95”، وسبق أن شاركت في مهرجان برلين بأفلام عديدة منذ عام 1990 عندما
اشتركت بفيلم “رحلة عيد الميلاد” في قسم البانوراما، ثم في 1998 بفيلم
“وحدنا”، وقد اشتهرت بفيلم “اللغة الإيطالية للمبتدئين” (2001) الذي ينتمي
لمنهج حركة “دوغما 95”، وقد فاز بجائزة الدب الفضي في مهرجان برلين، ورشح
فيلمها “تعليم” الذي عرض في المهرجان نفسه عام 2009 لثلاث من جوائز
الأوسكار.
المسابقة الرسمية
تضم المسابقة الرئيسية للمهرجان التي تتنافس فيها الأفلام
على جائزة “الدب الذهبي” وجوائز أخرى في التمثيل والإخراج والسيناريو، 17
فيلما بما فيها فيلم الافتتاح، من فرنسا وألمانيا والنمسا وصربيا وهولندا
وتركيا واليونان وكندا والصين وإسبانيا ومقدونيا وبلجيكا وسلوفينيا
وكرواتيا وبولندا ومنغوليا وبريطانيا وإيطاليا والسويد والنرويج والدنمارك
وأوكرانيا وإسرائيل. وتعرض 6 أفلام في “البرنامج الرسمي” خارج المسابقة.
مهرجان برلين سيعرض للمرة الأولى الفيلم التسجيلي "النعمة
الإلهية المذهلة"، بعد أن ظل محظورا لمدة 46 عاما
ويلاحظ أولا تقلص عدد الأفلام المتنافسة إلى 17 فيلما، وهو
أقل عدد يشارك في مسابقة المهرجان منذ سنوات طويلة، فعادة ما يصل عدد أفلام
المسابقة إلى 20 فيلما في المتوسط. والملاحظة الثانية هي هيمنة السينما
الأوروبية بشكل طاغ على أفلام المسابقة، فهناك 13 فيلما من الإنتاج المشترك
تمثل 18 دولة أوروبية، في حين يشارك من خارج أوروبا، فيلمان من الصين وفيلم
من كل من منغوليا وإسرائيل.
وفي المسابقة 6 أفلام تدخل ألمانيا طرفا في إنتاجها، وبين
أفلام المسابقة 7 أفلام لمخرجات والباقي (10 أفلام) لمخرجين فيما تغيب
الأفلام الأولى للمخرجين عن المسابقة تماما.
الملاحظة الأهم تتمثل بالطبع في غياب الأفلام الأميركية
سواء من هوليوود أو من السينما الأميركية المستقلة، غيابا تاما عن
المسابقة، وهو تجاهل مقصود للسينما الأكبر والأعرق والأكثر تأثيرا في
العالم، فالمهرجان يهتم بالترويج للأفلام الأوروبية والألمانية الجديدة،
ولكن هناك أفلام أميركية قليلة تعرض خارج المسابقة وفي قسم بانوراما، أهمها
فيلم “فايس”
Vice (أو
النائب) لآدم ماكاي، ولا تعرض المسابقة أفلاما من أميركا اللاتينية، لكن
هناك فيلم برازيلي هو “ماريلا” لفاغنر مورا ضمن البرنامج الرسمي خارج
التنافس.
غياب العرب
تغيب السينما العربية غيابا تاما عن أفلام المسابقة، بينما
يشارك فيلم إسرائيلي (مشترك مع ألمانيا وفرنسا) هو “مترادفات” للمخرج ناداف
لابيد، ومن إنتاج التونسي الفرنسي سعيد بن سعيد، وهو الفيلم الثالث لمخرجه
بعد “الشرطي” (2011) الحائز على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان
لوكارنو، و”مدرس الحضانة” (2015) الذي شارك في تظاهرة “أسبوع النقاد”
بمهرجان كان. وقد صوّر الفيلم الجديد في باريس ويروي وقائع من ذاكرة مخرجه
خلال الفترة التي عاشها في فرنسا، ويقوم بأدوار البطولة فيه توم ميرسييه
وجون سيل وجوناثان بودينا.
ومن الأسماء المرموقة في عالم الإخراج يشارك المخرج الصيني
جانغ ييمو، والمخرج الفرنسي فرنسوا أوزون والمخرج الألماني (من أصل تركي)
فاتح أكين، والمخرج الكندي دينيس كوتيه، والمخرجة البولندية المخضرمة
أنجيكيا هولاند.
جانغ ييمو الحاصل على “الدب الذهبي” في برلين 1988 عن فيلمه
الأول كمخرج “الذرة الحمراء”، يعود بفيلمه الجديد “ثانية” الذي يروي قصة
رجل مشرد يعيش من دون مأوى، ولكنه من هواة السينما، وكيف تتغير حياته عندما
يلتقي ذات يوم بمزارع يشاركه ولعه بالسينما.
المخرج الكندي دينيس كوتيه يشارك بفيلم من النوع الدرامي
الخيالي بعنوان “مختارات مدينة الأشباح” الذي يصوّر ما يحل ببلدة صغيرة
منعزلة لا يتجاوز عدد سكانها 200 نسمة، بعد أن تقع حادثة سيارة يقتل خلالها
شاب من شباب البلدة، لكن لا أحد يريد أن يحقق في أسباب وقوع الحادثة إلى أن
يبدأ ظهور بعض الغرباء في البلدة.
كان فاتح أكين قد شارك في دورة 2017 بفيلم “في الإظلام”
الذي كان يناقش فيه موضوع التطرف العنصري والاعتداءات التي تقع على الأجانب
في ألمانيا، وها هو المخرج التركي الأصل يعود بفيلم “القفاز الذهبي” الذي
يروي قصة السفاح الذي روّع سكان مدينة هامبورغ في السبعينات، وعنوان الفيلم
هو اسم المقصف الذي كان يتردد عليه القاتل.
أما فرانسوا أوزون فيأتي بفيلمه الجديد “برعاية الله” الذي
يصوّر العلاقة بين ثلاثة من أصدقاء الطفولة بعد أن أصبحوا رجالا يناقشون
الخلافات في ما بينهم بشأن علاقاتهم العائلية والمهنية وطموحاتهم القادمة.
وتشارك البولندية أنجيليكا هولاند التي تخرج الأفلام منذ
نحو خمسين عاما، بفيلمها الجديد “مستر جونز” وهو ناطق بالإنكليزية ومن
الإنتاج البريطاني المشترك مع بولندا وأوكرانيا، ومن بطولة فانيسا كيربي
وجيمس نورتون، ويصوّر الفيلم كيف اخترق الصحافي البريطاني غاريث جونز
الاتحاد السوفيتي في الثلاثينات وكان أول من كشف للعالم بعض ما كان يجري
“وراء الستار الحديدي” وخاصة المجاعة الكبرى التي نتجت عن سياسات ستالين،
ويقال إن جورج أورويل استمد روايته الشهيرة “1984” من التقارير التي كان
يبعث بها هذا الصحافي.
المخرج التركي أمين ألبر يشارك بفيلمه الثالث “حكاية
الشقيقات الثلاث” (من الإنتاج المشترك مع ألمانيا وهولندا واليونان) الذي
تدور أحداثه في الثمانينات، ويروي قصة ثلاث شقيقات يتم إعادتهن إلى منزل
والدهن في الريف بعد أن كنّ قد أرسلن للعيش في كنف أسرة في إسطنبول
باعتبارهن من اللقيطات، وكيف تفرض عليهن حياة المشقة، التضامن مع بعضهن
البعض.
مشاركة ألمانية
ألمانيا الدولة المنظمة للمهرجان تشارك بثلاثة أفلام
لمخرجين ألمان هي بالإضافة إلى فيلم فاتح أكين (التركي الأصل)، فيلم “كنت
في البيت ولكن..” للمخرجة أنجيلا شانيليك، وفيلمها يروي قصة طفل في الثالثة
عشرة من عمره اختفى وغاب عن منزل والديه لعدة أسابيع ثم ظهر فجأة، ولم يعرف
سبب اختفائه فهل تعود حياة الأسرة إلى ما كانت عليه؟ والفيلم الثالث هو
“تعطل النظام” للمخرجة نورا فنغشيدت، وهو أيضا عن مشاكل الطفولة، وفيه
تتابع الخطوات التي تمر بها فتاة في التاسعة من عمرها إلى أن يتم إيداعها
منزلا لحماية الأطفال.
من إسبانيا هناك فيلم “أليسا ومارسيلا” للمخرجة إيزابيل
كواكست التي عرض فيلمها “ليلة بلا نهاية” في افتتاح مهرجان برلين عام 2015،
أما الفيلم الجديد ففيه تروي قصة أول زواج بين فتاتين مثليتين في إسبانيا
وقع عام 1901، ولكن إحداهما وهي مارسليا اضطرت للتخفي في شخصية رجل يدعى
“ماريو سانشيز”.
الممثلة الفرنسية جوليت بينوش تترأس هذا العام لجنة التحكيم
الدولية التي ستمنح جوائز مسابقة "الدب الذهبي" في التمثيل والإخراج
والسيناريو وغيرها
الفيلم الإسرائيلي في المسابقة بعنوان
Synonymes،
أي “مترادفات” (إنتاج مشترك مع فرنسا وألمانيا) وهو يروي قصة شاب إسرائيلي
يذهب إلى باريس لكي يندمج تماما ويتخلى عن هويته الإسرائيلية واللغة
العبرية، يريد أن يصبح مواطنا فرنسيا خالصا، لكنه يواجه مشاكل كثيرة.
ترأس لجنة التحكيم الدولية التي ستمنح جوائز المسابقة
الممثلة الفرنسية جوليت بينوش، والدورة ستكون الأخيرة بالنسبة لمدير
المهرجان ديتر كوسليك الذي ظل في منصبه لمدة 18 عاما، وسيخلفه اثنان: رجل
وامرأة في إدارة المهرجان، تحقيقا للتوازن بين الجنسين.
خارج المسابقة، هناك فيلم إسرائيلي من التمويل الألماني، هو
فيلم “العميلة” للمخرج الإسرائيلي يوفال أدلر (مخرج فيلم “بيت لحم”)، ومن
بطولة النجمة الألمانية ديان كروغر والبريطاني مارتن فريدمان، وهو ناطق
بالإنكليزية ومن أفلام الجاسوسية في سياق سياسي، ويصوّر كيف يقوم الموساد
بتجنيد امرأة ويرسلها للتجسس إلى العاصمة الإيرانية طهران، ثم ما يقع من
مفارقات في علاقتها بالضابط الذي يتولى الإشراف عليها.
ويعرض خارج المسابقة أيضا أحدث أفلام الفرنسي أندريه تشينيه
“وداعا الليل”، وهو من إنتاج مشترك بين فرنسا وألمانيا، كما يعرض فيلمان من
السينما الأميركية الأول هو “فايس” (أو النائب) الذي أثار ضجة كبيرة في
الولايات المتحدة ويتناول شخصية نائب الرئيس الأميركي الأسبق ديك تشيني في
سياق ساخر.
والثاني هو الفيلم التسجيلي “النعمة الإلهية المذهلة”
للمخرج ألان إليوت، وهذا الفيلم سيعرض للمرة الأولى بعد أن ظل محظورا لمدة
46 عاما بسبب نزاعات قضائية أولا بين مخرجه سيدني بولاك والمغنية الزنجية
إريثا بروكلين التي تظهر في الفيلم في حفل غنائي للإنشاد الديني في إحدى
كنائس لوس أنجلس عام 1972، ثم مع منتجه ومخرجه الحالي إليوت الذي توصل إلى
تسوية للنزاع أخيرا، وهو الذي كان قد اشترى حقوق العمل على نسخة بولاك من
الفيلم.
وقد تعرض الفيلم للكثير من العمليات التقنية الخاصة بضبط
الصوت مع الصورة، ولكن ليس معروفا بالضبط مدى أهمية فيلم من هذا النوع،
وسبب كل هذه الضجة والخلافات بعيدا عن كونها حول الحقوق المالية، لكن ما
تردد أن الشريط الصوتي للأغاني كان قد حقق نجاحا كبيرا في عصره ونشك كثيرا
في أن يلقى اهتماما مماثلا في العصر الحالي!
خارج المسابقة أيضا، ومن مخرجة أخرى تنتمي للحركة النسائية
الجديدة “الفيمينيزم” تعرض الفرنسية المخضرمة أنييس فاردا (من جيل الموجة
الجديدة) فيلما تسجيليا جديدا لها يصوّر تجربتها السينمائية وما اكتسبته من
خبرات خلال عملها طويلا في السينما، ولعل عنوان الفيلم يشي بموضوعه وهو
“فاردا بعيني أنييس”.
بانوراما
يشمل قسم “البانوراما” المخصص للأفلام الأولى لمخرجيها 45
فيلما من 38 دولة، بينها 34 فيلما تعرض للمرة الأولى عالميا، وضمن أفلام
البانورما فيلم من إخراج المخرج الدنماركي الفلسطيني الأصل عمر الشرقاوي
بعنوان “عرب غربيون” الذي صوّره مخرجه على مدار 12 عاما، وفيه يصوّر تأثير
والده على حياته كفلسطيني يعيش في الشتات، وكيف أن نشأة عمر في أسرة لأب
فلسطيني متزوج من دنماركية دفعته إلى مراجعة مغزى وجوده وبحثه الشاق عن
الهوية والانتماء، هذا فيلم غير خيالي يقع في 77 دقيقة.
وهناك أيضا فيلمان من إسرائيل الأول هو “اليوم التالي
لرحيلي” إخراج نيمرود إلدر (العمل الأول)، وهو عن العلاقة بين أب يعمل
مشرفا على الحيوانات المفترسة في حديقة الحيوانات، وابنته المراهقة التي
تعتزم الانتحار، والثاني بعنوان “مقيد” للمخرج يارون شاني الذي يصوّر محنة
ضابط شرطة متشدد في أداء عمله يواجه مشكلة كبيرة تهز حياته. (عرض عالمي
أول).
ويعرض في هذا القسم الفيلم الأول الذي يخرجه الممثل
الأميركي كاسي أفليك بعنوان “ضوء قدمي” ويقوم أفليك ببطولته مع إليزابيث
موس وأنا بايوسكي، ويدور حول أب وابنته وجدا نفسيهما محاصرين في الغابة ولا
يمكنهما العودة. وهناك أيضا الفيلم الأول الذي يخرجه الممثل الأميركي جونا
هيل “منتصف التسعينات”، والفيلم الأول من إخراج الممثلة جوانا هوغ “الهدية”.
"تعاطف
الغرباء" يفتتح النسخة الـ69 من المهرجان
وللمخرجة البريطانية كيم لونغتيتو فيلمان جديدان هما “تصوير
المافيا” عن المصورة الفوتوغرافية ليتيزيا باتاليا، وفيلم “ما قالته: فن
بولين كيل” عن عمل الناقدة السينمائية الأميركية الشهيرة بولين كيل،
ولزميلتها البريطانية جوانا هوغ فيلم تسجيلي بعنوان “الهدية”. وسيفتتح قسم
“البانوراما” بالفيلم الجنوب أفريقي “بلد مسطحة” للمخرجة جينا باس الذي
يروي قصة جريمة قتل في سياق اجتماعي مثير.
وفي قسم “المنتدى” يعرض 39 فيلما، طويلا وقصيرا، منها 31
فيلما تعرض للمرة الأولى عالميا ما بين الفيلم التجريبي والفيديو آرت
والروائي، من الأفلام العربية هناك فيلم “وردة” (وهو فيلم قصير) للمخرج
غسان سلهب من لبنان، و”أوفسايد الخرطوم” للمخرجة مروة زين من السوادن.
ويحتفل هذا القسم بالأفلام السودانية التي أخرجها في
السبعينات والثمانينات المخرج إبراهيم شداد الذي يعتبر أول من درس الإخراج
السينمائي دراسة أكاديمية (في ألمانيا عام 1964).
هناك أخيرا الفيلم العراقي القصير (10 ق) “الموصل 980”
للمخرج علي محمد سعيد الذي سيعرض في قسم “جيل” المخصص لأفلام الشباب، وهو
يصور محنة النساء الأيزيديات في المدينة بعد استيلاء تنظيم داعش عليها في
2014.
كاتب وناقد سينمائي مصري |