غياب أسماء معروفة وتعدد الأعمال الأولى لمخرجين
المهرجانات الثلاثة الأولى حول العالم هي، كما يعرف
المتابعون، ثلاثة أوروبية: برلين وكان وفينيسيا. إذا وسّـعنا الدائرة فإنه
من المتاح سريعاً إضافة أخرى أوروبية وأخرى غير أوروبية. تحديداً، وحسب
الأهمية قدر الإمكان: تورونتو (كندا،) صندانس (الولايات المتحدة)، لوكارنو
(سويسرا)، كارلوفي فاري (جمهوريك التشيك)، بقدر آخر من التوسع يزداد عدد
تلك المهرجانات الرئيسية حول العالم: سان سابستيان (إسبانيا)، لندن
(بريطانيا)، مونتريال (كندا)، روتردام (هولاندا)، موسكو (روسيا) من بين
أخرى.
إذا كانت مهرجانات برلين وكان وفينيسيا هي القمم الثلاث،
فإن الوصول إلى تلك المرتبة لم يكن سهلاً على الإطلاق، كما أن البقاء في
هذا الموقع هو أكثر صعوبة، خصوصاً أن التنافس بين المهرجانات الثلاثة لا
يتوقف.
مع الدورة التاسعة والستين لمهرجان برلين التي تبدأ اليوم
وتستمر حتى السابع عشر من شهر فبراير (شباط) الجاري، تعود الكرة إلى ملعب
أحد أقدم المهرجانات حول العالم وترتفع الآمال مجدداً بأفلام مسابقة لا
تثير الاهتمام فقط، بل تناسب وضع المهرجان الثابت على إحدى تلك القمم
الثلاث. وهذا صعب تحقيقه. وبالنظر إلى قائمة الأفلام المتسابقة (عددها 17)
قد لا يتحقق أساساً.
ليس أن لدينا بلورة يمكن أن تستشف قيمة ومستوى الأفلام
المشاركة لكن كثرة الأفلام الأوروبية وغياب الأسماء المعروفة فيها
(باستثناء قلة) والرغبة في زرع أفلام تنتمي إلى جنس بشري (جندر) حتى لا
يصرخ البعض «أين سينما المرأة؟»، وتعدد الأعمال التي هي أفلام أولى
لمخرجيها، ثم مقارنة هذه الأفلام بتلك اللامعة التي حشدها مهرجان فينيسيا
الإيطالي في خريف العام الماضي، يجعل المجرّب يشعر بعدم الطمأنينة. طبعاً
قد تنقلب مثل هذه التوقعات رأساً على عقب، لكن عندما تكون قائمة المخرجين
مؤلفة من حفنة من الأسماء المعروفة مثل أنيشيكا هولاند وفرنسوا أوزون وفاتح
أكين وزانغ ييمو، فأي احتمال كبير يمكن أن ينعش الآمال بدورة رائعة؟
-
أفلام نسائية
إنها الدورة الثامنة للرئيس العتيد دييتر كوزليك… والأخيرة
أيضاً. تحتوي على خليط لا يبدو، بحسب ما سبق، واعداً بدورة رائعة. ربما،
إذا ما كانت نصف الأفلام المعروضة جيدة وما فوق، سيمكن القول لاحقاً إن
الدورة جاءت في مستوى بعض أهم الدورات السابقة. لكن إذا لم تأتِ، فإن سباق
المهرجانات الثلاثة فيما بينها سيضع برلين هذه السنة ثالثاً. وهذا يكشف عن
مدى الصعوبة التي يواجهها المهرجان الشتوي الكبير.
لقد جرت العادة على أن ينجح مهرجان كان الفرنسي في حشد
أفلام تنتمي إلى «سينما المؤلف»، وبالتالي أن يصبح البيت الذي تتجه إليه
أولاً. كذلك نجح في الرهان على «نجومه» من المخرجين أمثال الأخوين داردان
وميشيل هانيكه وكن لوتش وأوليفييه أساياس وكرستيان منجو، وإذا بهم يعودون
إليه مرّة تلو الأخرى. وبذلك أرسى قواعده في السنوات الأخيرة كلها وحافظ
على صيته وسعته وحجمه وتعدد اهتماماته. هو بدوره شهد سنوات أفضل من أخرى،
لكن كل دوراته وسنواته كانت منسجمة في إطار ما نجح في اتخاذه صيتاً له.
فينيسيا ساد المهرجانات الثلاثة لأكثر من مرّة في الأعوام
التسعة الأخيرة على الأقل. مهرجان منفتح على زخم مختلف وأكثر تنوعاً وغير
مرتبط بشروط السوق الأوروبية (كحال المهرجان الفرنسي) وكل هذه حسنات
مهمّـة، بالإضافة إلى أن أفلامه المنتقاة جيداً (لجنة الاختيار تبدو أكثر
نجاحاً في هذا الدور المسند إليها) تستفيد من حقيقة أنه يأتي في نهاية
العام مشاركاً مهرجانات أخرى تسليط الضوء على أعمال جيدة قبيل انطلاقها
عالمياً صوب موسم الجوائز. يكفينا أنه، في العام الماضي، سحب فيلم «روما»
من تحت كل السجادات وأطلقه بجناحين كبيرين من النجاح ما زال الفيلم يطير
بهما إلى اليوم. المشكلة بالنسبة لبرلين هي مختلطة كشأن الخلطة التي
سيعرضها علينا.
الأسماء الكبيرة لا تتردد فيه بالعدد نفسه مع المهرجانين
الآخرين. ويمكن تعداد ذلك بسهولة بالعودة لما عرضه كل من المهرجانين
المنافسين لمخرجين كبار. وجود أربعة أسماء معروفة وبعضها بالكاد كبيرة في
دورة هذا العام تؤكد أن هناك نزوعاً لوضع الرهان على المهرجان الفرنسي في
ربيع السنة أو، لاحقاً، على المهرجان الإيطالي في خريفه.
سبعة أفلام نسائية من أصل السبعة عشر فيلماً. المخرجة
الدنماركية لون شرفيغ ستبدأ الدورة بعرض فيلمها الجديد «عطف الغرباء»
The Kindness of Strangers).)
هو دراما تقع أحداثه في نيويورك وواحد من عدة أفلام أوروبية لغتها الرسمية
ليست إنجليزية لكن الرغبة في دخول السوق الدولية تدفع مخرجيها للبحث عن
حكاية تتيح لهم استخدام اللغة الإنجليزية.
هذا هو الحال أيضاً بالنسبة للمخرجة البولندية أنييشكا
هولاند. إنها أكبر المخرجين المشتركين في المسابقة عمراً (70 سنة). ولها
أعلى عدد من الأفلام المنجزة (46 فيلماً). وواحدة من المرتادين لمهرجان
برلين، ولو على شكل متقطع. فيلمها الأول «حصاد غاضب» (1985) قادها إلى دورة
ذلك العام وبعده توزّعت بعض أفلامها في أرجائه وآخرها «أثر»Spoor)
)
قبل عامين.
فيلمها الجديد المشارك هو «مستر جونز» الناطق بالإنجليزية
كون بطله صحافياً بريطانياً يكشف عن المجاعات التي عرفتها الدولة
السوفياتية في ثلاثينات القرن الماضي. الفيلم من بطولة فانيسا كيربي وجيمس
نورتون وبيتر سارسغارد.
المخرجة الثالثة في عداد المخرجات اللواتي يعرضن أفلامهن في
مسابقة المهرجان هي الإسبانية إيزابل كويكست. عنوان فيلمها الجديد هو
«إليسا ومارسيلا» وهو أحد بضعة أفلام تتناول المثلية بين الإناث وتوزعه
شركة «نتفليكس».
و«محطم النظام»System
Crasher) )
هو الفيلم الأول لنورا فينغشايت، التي سبق لها وأن عرضت في برلين أفلامها
القصيرة. إذا كانت بعض مستويات الأفلام تعرف من ملخصاتها المنشورة فهذا
الفيلم أحدها: فتاة في التاسعة من العمر تجعل جميع من حولها محبطاً بسبب
حيويتها وطلاقتها.
والألمانية الأخرى هي أنجيلا شانيليك التي تعرض «كنت في
البيت ولكن…»، وهي سبق لها وأن عرضت في برلين ثلاثة أفلام خارج المسابقة.
والنمساوية ماريا كروتزر سبق لها أيضاً أن عرضت أفلاماً قصيرة في هذا
المهرجان وتتقدم الآن بفيلمها الأول «الأرض تحت قدماي».
المخرجة السابعة هي تييونا ستروغار متيفسكا الآتية من
ماسادونيا بفيلم «الله موجود». مثل «محطم النظام» فإن ملخص الفيلم (حول
امرأة تقتحم حفلاً خاصاً بالرجال وتثبت قدميها) لا يبشر بخير.
-
محور صيني
سنجد مواضيع واعدة، وإن غير ساخنة بالضرورة. بين المخرجين
الرجال. هذا ليس ضمانة بالطبع لكنه الأمل في أن تأتي إنجازاتهم بما يناسب
توقعات الحاضرين. فيلم الفرنسي فرنسوا أوزون «بمباركة الله»
(By the Grace of God)
يدور حول ثلاثة أصدقاء يراجعون حياتهم وحياة معارفهم وعائلاتهم.
الكندي دنيس كوت يطرح ما يبدو عملاً إنساني الصفات بعنوان
«مقتطفات بلدة أشباح»
(Ghost Town Anthology).
تقع أحداثه في بلدة معزولة تشهد مقتل أحد أحب أبنائها في حادث سيارة. ما
يلي ذلك تغير المناخ البشري في تلك البلدة التي اعتبرت الحادثة نهاية فترة
وبداية أخرى.
المخرج النرويجي هانز بيتر مولاند سبق وإن أثار الإعجاب سنة
2014 بفيلم «ترتيب الاختفاء». صحيح أن الفيلم انشطر لنصفين أفضلهما هو
النصف الأول لكنه أكد موهبة واعية وساخرة وفيلمه الجديد «خرج ليسرق الجياد»
قد يكمل هذا الدرب بنجاح.
الصيني زانغ ييمو يعود، بعد غياب، إلى الشاشات المهرجاناتية
بفيلم «ثانية واحدة». إنه أمل آخر قد يقلب التوقعات المقلقة رأساً على عقب.
ييمو كان درّة المهرجانات في الثمانينات والتسعينات لكنه تحول إلى الغزل
بالأفلام الفولكلورية ذات الطموحات التجارية وحدها. مهرجان برلين كان
سعيداً، سنة 2000 بعرض فيلمه ذي القيمة الكاريكاتورية «امرأة، مسدس ودكان
النودلز» وفي عام 2010 عرض له خارج المسابقة «تحت شجرة الزعرور». وهو يعود
هنا بفيلم حول علاقة هاوي سينما بمتشردة في واحدة من القرى الصينية النائية.
هناك فيلمان صينيان آخران، أحدهما («وداعاً يا بني») لوانغ
جواشوواي والثاني «أوندوغ» هو وانغ كوانان. كلاهما سبق له، كحال زانغ ييمو،
الاشتراك ضمن اختيارات برلين الرسمية من قبل. الأفلام الثلاثة معا (وبغياب
أي اشتراك آسيوي آخر من دول متقدمة في صناعاتها مثل التايوانية واليابانية
والكورية) ستشكل على الأرجح محور اهتمام واسعاً. يبقى أن تأتي بالموعود
منها.
هناك فيلمان لتركيين أولهما فاتح أكين (الذي يعمل ويعيش في
ألمانيا) وفيلمه الجديد «القفاز الذهبي» (من كتابته) يعود بأحداثه إلى
السبعينات وبالمكان إلى مدينة هامبورغ التي تشهد جرائم قتل مرتكبها مجرم
واحد. الفيلم من بطولة دايان كرغر التي كانت بطلة فيلم أكين الأخير «في
الاختفاء»
(In the Fade).
جدير بالذكر طبعاً أن الدب الذهبي كان من نصيب هذا المخرج
مرّة واحدة فقط وذلك سنة 2004 عندما قدّم فيلمه الأول «صدام».
المخرج التركي الثاني هو أمين ألبر وقد يلقى فيلمه «حكاية
الأخوات الثلاث» اهتماماً شبيهاً بالاهتمام الذي يوليه نقاد الغرب لأفلام
الشرق الآسيوي (لبنان، مصر، تركيا، إيران إلخ…) من حيث إنه يطرح قضية ثلاث
شقيقات صغيرات ينتزعن من منزل أبويهما لنقلهن للعيش في بيوت أخرى.
فيلم واحد من إيطاليا «بيراناز» وآخر من إسرائيل «مرادفات»
يكملان القائمة المتسابقة هذا العام. وحقيقة أن عدد الأفلام المتسابقة لا
يزيد عن سبعة عشر، كما تقدم، إيحاء آخر بأن المهرجان واجه صعاباً في سبيل
البحث عن أعمال مناسبة تلائم تاريخه.
على ذلك، لا يجب أن نعتبر هذه التكهنات حقيقة. هي إيحاءات
نتداولها حباً بالمهرجان ورغبة منا في أن نبدأ السنة الجديدة بمفاجآت
سينمائية رائعة. |