المخرجة السودانية مروة زين:
رحلة أوفسايد الخرطوم استغرقت4 سنوات ونصف من عمري..
واضطررت للعمل بمفردي
حاورتها في برلين : مني شديد
بعد غياب سنوات طويلة تعود السينما السودانية حاليا للمحافل
الدولية علي يد صناع الأفلام الشباب الذين عادوا إليها من بلاد المهجر بعد
أن تعلموا السينما في الخارج ليعبروا عن همومها وأزمات مجتمعها المعاصر
وشارك اثنان منهم في الدورة الأخيرة لمهرجان برلين
السينمائي الدولي بأول أفلامهما الطويلة وهما صهيب جسملباري الحائز علي
جائزة جلاشييت لأفضل فيلم وثائقي عن فيلمه الحديث عن الأشجار الذي يحتفي
فيه بجماعة الفيلم السوداني وسعي أعضاؤها منذ سنوات لإعادة إحياء النشاط
السينمائي في المجتمع, والفيلم الثاني للمخرجة مروة زين التي تعلمت في مصر
ودرست بالمعهد العالي للسينما وشاركت في المهرجان بفيلم أوفسايد الخرطوم
والذي ترصد فيه النظرة الرجعية للمرأة السودانية في ظل الحكم السياسي
الإسلامي من خلال فريق لكرة القدم النسائية يحلم بتمثيل السودان في كأس
العالم
عرض الفيلم في الفورم وتستعد مروة للسفر به في جولة عالمية
بدأت من برلين وتمتد للدنمارك وكندا والولايات المتحدة الأمريكية ليكون
بمثابة حملة تدعم حلم هؤلاء الفتيات ورسالة للمقارنة بين وضع المرأة
السودانية في الماضي ومعاناتها الحالية, وفي حوارها مع الأهرام المسائي
تحدثنا مروة عن فيلمها والصعوبات التي واجهتها لتنفيذه:
·
لماذا قررت تقديم فيلم عن فريق لكرة القدم النسائية
بالسودان؟
الحقيقة أن السبب وراء ذلك يرجع إلي حبي لكرة القدم منذ
الصغر, حيث كنت في السادسة من عمري حينما لعبت للمرة الأولي كرة القدم,
وكنت أعيش في مكة المكرمة, التي ولدت فيها بحكم أن والدي كان يعمل مدرسا
للغة العربية هناك, وأسست إحدي صديقاتي منظمة في السودان تسمي رؤية وطلبت
مني أن أخرج فيلما مدته5 دقائق عن فريق كرة القدم النسائية, وبالطبع كان
أول سؤال يتبادر لذهني هل يوجد فريق نسائي في السودان؟ لأني لم أكن أعرف
ذلك بحكم غيابي عن السودان أغلب سنوات عمري حيث عشت في السعودية15 عاما,
وانتقلت منها للحياة في مصر, فكانت الإجابة نعم وأنهم يريدون صناعة فيلم
قصير عن هذا الفريق بإمكانات بسيطة لأنهم ليست لديهم ميزانية, وكل ما
يستطيعون توفيره هو كاميرا للتصوير, كنت وقتها بالقاهرة وأغرتني الفكرة
فقررت زيارة السودان لمقابلة أعضاء الفريق, ولكني أغرمت بهن جميعا من
اللقاء الأول, وبإحساسهن بعزة النفس والكرامة والكبرياء الذي لم أره في
حياتي, ولهذا شعرت أن خمس دقائق غير كافية علي الإطلاق لتقديم فيلم عنهن,
وكان من المفترض أن تكون زيارتي للسودان أسبوعا واحدا فقط, لكنها امتدت
لأكثر من3 شهور, وتركت عملي في القاهرة طوال هذه المدة من أجله, وأعتقد أن
هذا الأمر جاء من منطلق شعوري وأبناء جيلي من صناع السينما الذين تعلموا في
الخارج بأن علينا دينا لوطننا السودان ولهذا نعود إليه ونعبر عنه بأفلامنا,
ومن بينهم صهيب الذي تعلم في فرنسا, وأمجد أبو العلاء الذي تعلم بالإمارات
وأنا تعلمت في مصر وثلاثتنا قدمنا أفلامنا الأولي الطويلة في السودان.
·
متي كانت بداية هذا المشروع؟
في أكتوبر2014, قمت بالتصوير لمدة3 شهور ثم عدت للقاهرة من
أجل المونتاج, ومن هذه اللحظة بدأت رحلة كفاح مع الفيلم للبحث عن الخطوة
التالية, كيف سأعود للتصوير؟ وما الذي سأفعله؟.
·
وما الصعوبات التي واجهتك أثناء التصوير؟
علي مدار ثلاث سنوات, لم أحصل علي تصريح بالتصوير, ففي كل
مرة كنت أتقدم فيها لطلب التصريح أجد إجابات من نوعية تعالي بكرة أو تعالي
الشهر المقبل وهكذا, ولهذا كنت مضطرة للعمل بمفردي وإخفاء الكاميرا أثناء
التصوير, والمشاهد التي لا أستطيع تصويرها بشكل خفي أحاول أن يكون تصويرها
في الحي الذي تعيش فيه الفتيات بحيث أحتمي في أهالي الحي نفسه, أو كما حدث
في المباراة والمشهد الأخير في الفيلم ذهبنا إلي موقع معين في أم درمان
لكوننا نعرف جيدا أنه لا يمكن أن يأتي إليه أحد ليمنعنا من التصوير, وكانت
هذه هي الطريقة الوحيدة لتصوير الفيلم.
كما واجهت مشكلة أخري وهي عدم توافر المال اللازم للإنتاج
وعدم وجود جهة إنتاج من الأساس لأن السودان لا توجد بها صناعة سينما,
وبالتالي كان علي أن أقوم بهذا الدور بنفسي إلي جانب الإخراج وبدأت أتعلم
الإنتاج, وأبحث عن منح تمويل من جهات مختلفة, وأتدرب علي الطريقة المثلي
للتقدم بطلبات الدعم, وأسافر للمهرجانات للتسويق للفيلم وأقنع جهات الدعم
والتوزيع بالمشروع, رحلة الفيلم كانت طويلة وامتدت لما يقرب من4 سنوات ونصف
حتي يخرج بالشكل الذي هو عليه الآن.
·
ولماذا ارتبطت بأعمال أخري في مصر رغم انشغالك بالفيلم؟
نعم لأنه في وقت من الأوقات لم يكن لدي أي خيار آخر, لعدم
امتلاكي أموالا تكفي لتمويل الفيلم, ولم أكن وجدت أحدا يقبل العمل معي عليه
ولهذا تركت المشروع جانبا لبعض الوقت, وفي ذلك الوقت كان المنتج صفي الدين
محمود والمخرجة هالة خليل يعدان لفيلم نوارة ولحبي الكبير للاثنين أسعي
دائما للعمل معهما, ولهذا شاركت في الفيلم كمساعد مخرج, وخلال فترة تصويره
كنت متزوجة وقمت بكتابة فيلم عن تجربتي وهو الروائي القصير أسبوع ويومين,
وشعرت أني بحاجة لتنفيذه حتي أشعر أني مخرجة ولدي منجز ومنتج فني, خاصة بعد
أن قررت أن أوفسايد الخرطوم سيكون فيلما طويلا ويحتاج لوقت أطول ومجهود
أكبر من العمل, ولهذا قررت تأجيله لبعض الوقت حتي تكتمل الرؤية أمامي,
وخلال هذه الفترة كنت أبحث عن شركاء في الإنتاج وأسعي لتقديم طلبات الدعم,
وحصلت بالفعل علي شراكة إنتاج مع أستاذتي وأختي الكبري ومرشدتي جيهان
الطاهري, وانضم إلينا بعد ذلك منتج مشارك من الدنمارك وهو هنري أندرجيرج,
وتدريجيا أصبحت لدينا جهات لدعم الفيلم تساندنا وتدرك صعوبة المشروع, وبذلك
عدت للتصوير.
·
وهل واجهت مشكلة مع الفتيات أثناء التصوير؟
نعم في مرحلة ما كان لديهن شك أنه سيكون هناك فيلم في
النهاية للمدة الطويلة التي تطلبها العمل عليه, حيث كن يعتقدن أنهن وحدهن
من يعانين من المشكلات ولا يعرفن أني واجهت الكثير من المشكلات خلال هذه
الفترة أيضا سواء علي المستوي المهني أو الشخصي, فلم تكن حياتي مستقرة وليس
لدي منزل في مصر ولم أكن أستطيع الاستقرار في مصر ولا في السودان ولدي عمل
المفروض أن أقوم به بين الدنمارك وفرنسا, وأواجه صعوبات في الحصول علي
التأشيرات لأن جواز سفري سوداني, ولهذا أعاني كثيرا حتي أستطيع السفر لأي
مكان, وكل شيء كان مرهقا جدا ومن الصعب شرحه ولهذا في لحظة ما كان لديهن شك
أني سأستكمل الفيلم, ولكن شيئا فشيئا عادت الثقة بيننا مرة أخري بعد حصولي
علي جوائز عن أعمال أخري مثل جائزة مهرجان قرطاج وجائزة مهرجان الجونة.
·
وما الحلم الذي تمني الفريق تحقيقه من خلال هذا الفيلم؟
كان هدفهم إثبات وجودهم وإقناع الناس في الداخل والخارج
بهذا الفريق الذي يناضل منذ أكثر من12 سنة, حيث يسعين للمشاركة في كأس
العالم للكرة النسائية بفرنسا الصيف المقبل, ولديهن أمل أن يكون الفيلم
وسيلة لجعل البعض يدعمهن وهذه أحد الأسباب التي دفعتني للانتهاء من الفيلم
قبل موعد كأس العالم, لأنه يهمني جدا أن تشعر الفتيات بنجاح الفيلم وأن
تعبهن وصبرهن وجمال شخصياتهن أتت بثمارها ولهذا كان يهمني أن يكون العرض
العالمي الأول للفيلم في واحد من المهرجانات الكبري مثل كان وبرلين
وفينسيا, وبالفعل تم اختياره في برلين بمجرد أن انتهيت منه وهي فرصة جيدة
لأنه يجمع صناع السينما من أنحاء العالم ولديه سوق قوية وبالتالي سيكون
للفيلم صدي جيد, وأتمني أن تكون الحملة التي سيصنعها الفيلم داعمة للفريق,
ومن المقرر أن يعرض في مارس المقبل أيضا في مهرجان سي بي اتش دوكس
بالدنمارك, وهو واحد من أهم مهرجانات الأفلام الوثائقية في العالم, ثم
سينتقل في جولة بين كندا وأمريكا, وأتمني قبل أي شيء أن يعرض في السودان.
·
ولماذا قررت تحويل الفيلم إلي رسالة عن واقع المجتمع
السوداني ووضع المرأة فيه؟
الفيلم بالفعل يرصد وضع المرأة في المجتمع السوداني, وكان
فرصة بالنسبة لي لطرح مجموعة من التساؤلات تؤرقني منذ فترة طويلة, لماذا
ينظر للمرأة بهذه النظرة الرجعية ويتم التقليل منها ومن قدراتها؟, في حين
أن نساء السودان كن ملكات, نحن فراعنة ومن أبناء النوبة القديمة وكان لدينا
ملوك وملكات ومحاربات, فتاريخ البشرية يبدأ من إفريقيا, وكلنا من أصل
إفريقي ومن لا يعرف ذلك فهو جاهل ولايدرك أي شيء عن التاريخ, وأصول
الحضارات القديمة, ولكي نشرح له نحتاج لأكثر من100 فيلم. |